الشرق الأوسطعاجل

قراءة في كتاب “المرأة وصنع القرار في المغرب” للسوسيولوجي المختار الهراس

إعداد : حنان حازم –  باحثة في علم الاجتماع/المغرب

  • المركز الديمقراطي العربي 

 

إن جل التحولات الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية التي تعرفها وضعية المرأة في العالم العربي بشكل عام وفي المغرب بشكل خاص، تطرح لنا العديد من القضايا أهمها: مسألة التنمية وعلاقتها بالديمقراطية وصنع القرار السياسي، وكذا المساواة بين الجنسين باعتبارها المدخل الرئيسي لبناء المجتمع المواطن.

في هذا السياق، ارتأت العديد من الدراسات بالمكتبة العربية أن تبرز واقع المرأة المتمثل في الإقصاء والتهميش، باعتبارها لا تزال بعيدة عن مراكز السلطة واتخاذ القرار رغم التشريعات والقوانين والمعاهدات التي صادقت عليها هذه الدول. ففي هذا الصدد يقول السوسيولوجي المختار الهراس أنه : “رغم اتساع نطاق مشاركة  العديد من النساء في ميادين شتى من الحياة الاجتماعية المغربية فإنهن مازلن، عموما مقصيات ومبعدات عن مراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي والإداري والعسكري”[1]. نتيجة تكريس المجتمع للنظرية الدنيوية ( من التدني ) تجاه المرأة.     و على هذا الأساس أصدر السوسيولوجي المختار الهراس مؤلف بعنوان ” المرأة و صنع القرار في المغرب” في حجم 142 صفحة.

ارتكزت هذه الدراسة على إشكالية أساسٍ، يتساءل من خلالها الباحث عن مدى مساهمة المرأة المغربية في صناعة واتخاذ القرار في كل من المجال الاقتصادي والسياسي والمدني، وعن المعيقات والصعوبات التي تواجهها، وهكذا يمكن اعتبار الدراسة إسهاما جديدا في فهم آليات صنع القرار  بالمغرب في مختلف مجالاته.

وعليه اعتمد الباحث على مفهوم صنع القرار باعتباره مفهوما عرف اهتماما لدى العديد من الباحثين المتخصصين في العلوم الاجتماعية و الإنسانية،فنجد مفهوم صنع القرار عند المختار الهراس مرتبطا بنسق السلطة القائم في المجتمع وبالقدرة على اتخاذه وتنفيذه مهما كانت درجة توافقه أو تعارضه مع مصالح مجموعة معينة. كما أشار كذلك إلى الفرق بين اتخاذ القرار باعتباره مجموعة من القواعد والأساليب التي تستعمل لتفضيل توجه معين أو اختيارات معينة، وصنع القرار باعتباره عملية معقدة  تتطلب اعتماد مراحل معينة مرورا بسلسلة من القرارات الفرعية.

وتتميز هذه الدراسة باستخدام الباحث لمقاربة كيفية تتمثل في المقابلة غير الموجهة و منهج دراسة الحالة، كما استعان بالإحصاءات الرسمية و غير الرسمية المتوفرة بخصوص مؤشرات  المشاركة النسوية في صنع و اتخاذ القرار.

وعلى نفس المسار الميتودولوجي ركز الباحث على مدى مساهمة مشاركة المرأة في صنع واتخاذ القرار من خلال تشخيص وتحديد نوع الحضور في كل من الحياة الأسرية والمجال العمومي المدني، ومدى استفادة الإناث من التعليم والتكوين؛ هذان الأخيران جعلا النساء يتبوَّأن مواقع فعالة في المجتمع .

قدم الباحث ثلاث فرضيات محورية  للإجابة عن الإشكال مفادها :

  • 1- إن مشاركة المرأة في صنع القرار تتزايد كلما صار السياق المجتمعي والسياسي والدولي مواتيا لحصول مثل هذا التطور.
  • 2- مشاركة  النساء تتزايد كلما اتسع نطاق تعليم المرأة وتكوينها، وكلما اندمجت مهنيا وصارت نشاطاتها السياسية والاجتماعية أبرز و أوسع تأثيرا في مجريات الحياة الاجتماعية.
  • 3- ربما  ثقافة النوع الاجتماعي مازالت تشكل عقبة حقيقية أمام سعي النساء إلى تأكيد حضورهن في المجالات الخاصة و العمومية.

ترتبط الفرضية الأولى: باتساع رقعة مشاركة المرأة في العديد من القطاعات التي سلف ذكرها، إلا أن الباحث اعتبرها ضعيفة إلى حد ما، مقارنة مع نسبة المشاركة لدى الرجال. وتعد مشاركة المرأة في صنع القرار مؤشرا دالاّ على تحول اجتماعي حقيقي يشمل بوجه الخصوص التحول النوعي بالمجتمع المغربي، الأمر الذي يهدف إلى بداية مسيرة نسوية شاملة باتجاه استكمال قيم المواطنة وتقاسم مسؤولية الشأن العام مع الرجل.

قدم الباحث مجموعة من الإحصائيات بخصوص هذا الموضوع؛ حيث أكد على تزايد مشاركة المرأة في القطاع العمومي، مُرجِعًا ذلك إلى ارتفاع حجم المناصب المخصصة للنساء في الميزانية العامة للدولة ،حيث انتقلت نسبة المشاركة من 36.6% سنة 1995الى ما يقارب 58.3%سنة 1999. كذلك تمثل نسبة مشاركة النساء العاملات في قطاع الصحة العمومي لسنة 2003ما يقارب 47.76% من مجموع العاملين. أما في قطاع التعليم الابتدائي والثانوي فيمثلن نسبة 33.48% من مجموع الموظفين، بينما صرن يمثلن نسبة 22.31%في قطاع التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي. يفسر الهراس هذا التطور الملحوظ في ارتفاع نسب مشاركة المرأة بمؤشر المستوى التعليمي الذي ساهم في خلق تطلعات مهنية لدى المرأة وفي ظهور وعي بأهمية المشاركة في القطاع المهني وكذا باقي القطاعات الأخرى.

بينما تتمحور الفرضية الثانية في: مشاركة المرأة في الحقل السياسي كمؤشر يقيس  حضورها في النشاط السياسي والاجتماعي. وهذا الحضور مقرون بتوجهات الدولة الحديثة وفق مبدأ حقوق الإنسان والديمقراطية ،وتحديدا دور التكوين الدراسي للمرأة.

هنا يكشف السوسيولوجي المختار الهراس عن الأسباب التي جعلت المغرب لمدة ثلاثة عقود بعد الاستقلال لا يسجل أي ارتفاع بخصوص مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية والمحلية وتمثيلها في الأحزاب والنقابات. كل هذا جسده الباحث في البعدين السياسي والاجتماعي المتمثلين في سيادة الثقافة الذكورية من خلال مبادئها وممارستها التي لا تسمح للمرأة ولو بالتفكير في الانخراط داخل العمل السياسي وانعدام الديمقراطية في الأحزاب  السياسية، وكذا تحمل المرأة لوحدها أعباء الأشغال المنزلية، وفقدان الثقة في مؤهلات المرأة الفكرية والمهنية.

من أهم القضايا التي اشتغلت عليها الحركة النسائية بالمغرب قضية ” الكوطا” التي اعتبرتها تمييزا إيجابيا وانتقالا عبر اللامساواة المؤقتة إلى مساواة فعلية بين الجنسين. لكن في نفس الوقت يعتبر الباحث مبدأ “الكوطا” متعارضا مع مبدأ المساواة كمبدأ أساسٍ للبناء الديمقراطي. خاصة وأن المرأة أصبحت شريكا أساسًا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير النسيج المجتمعي ،لكن عدم تواجد المرأة في المجال السياسي سيؤثر على المجال الجمعوي بشكل جدلي.

يؤكد المؤلف أنه بالرغم من توفر الدستور المغربي على العديد من الإيجابيات إلا أن المشاركة السياسية النسائية على أرض الواقع تصطدم بعدة تحديات ،أبرزها اختزال حق المرأة في العملية الإنتخابية كناخبة فقط، من خلال ارتكاز الأحزاب السياسية على البعد الكمي للمشاركة النسائية باعتبارها مشتلا انتخابيا رقميا ليس إلا، مما انعكس على حضورها في المؤسسات المنتخبة و من ثم تهميش مشاركتها في السباق نحو مراكز صنع القرار الجماعي و السياسي.

بالإضافة  إلى التغيرات التي طرأت على البنيات الاجتماعية و الأسرية المتجسدة في انفتاح المرأة على العالم الخارجي، وتسارع التقدم التكنولوجي والإعلامي، يؤكد مختار الهراس أن الموروث الاجتماعي و منظومة القيم و المعتقدات لازالت تلعب دورا كبيرا في تكريس النظرة الدونية لعمل المرأة باعتبار البيت مكانها الطبيعي ،في حين يظل العمل الخارجي من اختصاص الرجل.

أما فيما يخص الفرضية الثالثة ، فقد حاول الباحث من خلالها ربط مفهوم المشاركة في صنع واتخاذ القرار بالإطار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي والمدني اعتمادا على ثقافة النوع الاجتماعي وانعكاساتها على العلاقة بين المرأة و الرجل.

في هذا السياق يقر المختار الهراس على أن مفهوم المشاركة يعتبر كظاهرة حضرية ديمقراطية تبرهن على وعي المجتمع بذاته، رغم أن الحق في المشاركة من حقوق الإنسان كما هو متعارف عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن مشاركة المرأة المغربية في صنع القرار تبقى ضعيفة مقارنة بالرجل، ومرتبطة أساسا برأسمالها الدراسي، ورصيدها المهني.

يتجسد العائق الأساسُ  من معيقات مشاركة المرأة في صنع القرار حسب الباحث في اتخاذها المبادرة في تحقيق أهدافها والتضحية لصنع واتخاذ القرارات التي تناسبها. إضافة إلى غياب الدعم الأسري أو التشجيع من قبل الرجل للمرأة على المشاركة في القرار. مبرزا في هذا المستوى الموقف السلبي للمجتمع تجاه المرأة العاملة الذي يعتبر عائقا أمام مشاركتها في العمل السياسي بشكل خاص.

على سبيل الختام يمكن القول أن رغم التحولات التي شهدتها الأسرة وأوضاع النساء في المجتمع المغربي، إلا أن السلطة الاجتماعية التقليدية لازالت تمنح للذكور الامتياز في صنع و اتخاذ القرار، على عكس النساء. ويتبين ذلك من خلال تبني المؤسسات  للذهنية الذكورية التي تشكل المحرك الأساسي لها. وعليه استطاع  السوسيولوجي المغربي المختار الهراس من خلال كتابه “المرأة و صنع القرار في المغرب” أن يقدم مقاربة حول آليات صنع القرار بالمغرب و واقع المرأة المغربية إزاءه. من خلال رصد أهم المشاكل و المعيقات التي تواجهها المرأة سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

[1]  المختار الهراس، المرأة وصنع القرار في المغرب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع “مجد”، بيروت، 2008، ص8.

4/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى