تدفق الهجرات الإفريقية إلى الإتحاد الأوروبى : حالة دول إفريقيا جنوب الصحراء

بقلم : محمود محمد المصري – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
لقد تنامى أعداد المهاجرين الدوليين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى الإتحاد الأوروبى ذروته ، خلال العقد الماضى.
و بالنظر إلى العوامل التى دفعت مهاجرى دول إفريقيا جنوب الصحراء ، لإتخاذ قرار اللجوء و سلوكهم درب الهجرة إلى الدول الأوروبية قد تختلف من دولة إلى أخرى و من فرد إلى أخر. ووفقا لوكالة الإحصاء الأوروبية ” فإن إلاتحاد الأوروبى يعد الملاذ الآمن للمهاجرين فى إفريقيا جنوب الصحراء لتدفق ما يقرب من مليون طلب لجوء 970.000 ، و ذلك بين عامى 2010 إلى 2017. كما أن إنتقال الأفارقة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء نحو دول الإتحاد الأوروبى و سويسرا و النرويج ، يتمثل فى طلاب العلم ، و طالبى اللجوء للحصول على الإقامة المبدئية ، تمهيدا للحصول على الجنسية.
- هل سيظل تدفق المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا بنفس وتيرة السنوات السابقة ؟
يصعب الجزم بهذا الأمر ، إلا أن فكرة الهجرة تكمن فى أذهان العديد من الأفارقة و لآسيما الذين يمكثون فى إفريقيا جنوب الصحراء ، و يقر العديد من المهاجرين بأن إنتقالهم من بلد إلى أخرى يكون بمثابة تقديم فرص و وسائل تساعدهم فى التغلب على مشاكل الإقامة و الحصول على الجنسية. ففى خلال السنوات الخمس القادمة يخطط ثلث السكان تقريبا الهجرة وذلك فى السنغال و غانا و نيجيريا. علاوة على أن نيجيريا و غانا من الدول المصدرة للمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحرء إلى أوروبا.
إن نيجيريا و غانا و كينيا و الصومال و انجولا و جمهورية الكنغو الديمقراطية و الكاميرون يمثلون ما يقرب من ثلاثة أرباع المهاجرين الذين يعيشون فى أوروبا و التى تمثل النسبة الأكبر من إجمالى المهاجرين إلى الإتحاد الأوربى من مهاجرة دول العالم.
وفقا لتقديرات الأمم المتحدة ، فقد إرتفعت حصيلة المهاجرين من قبل الدول المضيفة من دول إفريقيا جنوب الصحراء و ذلك بين عامى 2010 إلى 2017. إذ تزايد إجمالى المهاجرين الصوماليين فى أوروبا بحوالى 80.000 مهاجر ، و فى نفس الفترة إزداد إجمالى المهاجرين من إريتريا بحوالى 40.000 مهاجر.
يتمركز مهاجرى الدول الإفريقية جنوب الصحراء فى أربع دول أوروبية و هم : المملكة المتحدة (1.27 مليون) ، فرنسا (980.000) ، إيطاليا (370.000) ، و البرتغال (360.000).
موقف الحكومة الإيطالية من تدفقات المهاجرين و الإجراءات الحمائية لموانيها:
تسعى الحكومة الإيطالية للحد من الهجرات غير الشرعية على أراضيها ، و فى الفترة الأخيرة طالبت الحكومة الإيطالية من شركائها الأوروبيين و خاصة الدول المتاخمة للسواحل ، و التى يسهل من خلالها تدفق للمهاجرين بأن الموانىء الإيطالية لا ينبغى أن تكون الملآذ الوحيد لتدفق المهاجرين بعد عمليات الإنقاذ التى ستتبناها حيال المهاجرين من البحر المتوسط.
و ينص قانون البحار على الإلتزام بمساعدة من هم فى حالة مساعدة فى البحر ، و هو مبدأ وارد فى اتفاقية سولاس لعام 1974 و فى إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. و علاوة على ذلك ، ووفقا لإتفاقية هامبورغ لعام 1979 ، تلتزم البلدان الساحلية بتنفيذ عمليات البحث و الإنقاذ فى مناطق إختصاصها . و تنص الإتفاقيات ذاتها على أن الأشخاص الذين يتم إنقاذهم يجب أن يؤخذوا ” إلى مكان آمن ، فى غضون فترة زمنية مناسبة “.
وصرحت الحكومة الإيطالية ، أنه يجب اعتبار موانىء الدول الأوروبية الأخرى ، المتاخمة للبحر الأبيض أيضا آمنة و قريبة بما يكفى لإنقاذ المهاجرين ، و قد عارض هذا التصريح كلا من فرنسا و إسبانيا ، وقد أخذ المعارضون فى القول إن المنفذ الآمن لهبوط المهاجرين يجب أن يكون أقرب ميناء آمن ، و بالتالى فهو ميناء إيطالى أو يونانى أو موانىء تونس و ليبيا.
إن قضية المهاجرين سياسية بشكل أساسى . إذا استمرت إيطاليا فى رفض دخول سفن المهاجرين إلى موانئها ، فى الوقت الذى لم تقرر فيه الدول الأوروبية الحلفاء أن تعمل كبديل ، فإن الوضع الذى نشأ منذ بداية يونيو / حزيران سيستمر ، مع سفن المهاجرين بعد إنقاذ المهاجرين من وسط البحر ، فقد لا يجدون دولة للإنزال الآمن ، و بالتالى قد يظلون فترة طويلة وسط البحرالمتوسط.
الآثار الاقتصادية لتدفق الهجرات الإفريقية فى دول الإتحاد الأوروبى :
تعد نظرة صندوق النقد الدولى ، بغض النظر عن الجدل السياسى الدائرحول موقف الدول تجاه تدفق المهاجرين ، تحمل الأهمية الإقتصادية التى تعود جراء تدفق المهاجرين نحو أوروبا ذات أثر إيجابي بعيد المدى.
إن تدفق المهاجرين من شتى بقاع الدول و لآسيما الدول النامية له آثاره فى تحديد أنماط جديدة من القوى البشرية لتوزيع و تقسيم العمل على أفراد المجتمع – سكان أصليون و مهاجرون – بشكل قد يسبب رفاه للمجتمع الأصلى. إذ أن العمالة المهاجرة ذات المهارة العالية و المنخفضة و التى تمتلك الخبرات المتنوعة ، قد يملؤن المهن الحرفية و التى تتطلب جهد بدنى عالى ، و التى لا يرغب السكان الاصليين فى إمتهانها ، و هذا قد يسمح للسكان الأصليين بالعمل فى الوظائف ذات المهارات العالية ، دون التأثير على الرفاهية الإقتصادية للدولة.
إن إنخفاض عدد سكان أوروبا و تقلص أعمارهم ، قد تحتم على الدول الأوروبية قبول عدد كبير من المهاجرين لمواجهه التدهور الإقتصادى و الإجتماعى . و مع ذلك فقد ظهرت حركات سياسية مناهضة للهجرة رغم محدودية الهجرة خلال الثلاثين سنة الماضية.
الخاتمة:
إن تدفق الهجرات من الدول الإفريقية ولآسيما إفريقيا جنوب الصحراء قاصدة مسار الدول الأوروبية ، قد يبدو فى ظاهرة السعى للحصول على الرزق و العمل الجاد و العيشة المغلفة بقوة القانون منها حقوق الإنسان ، العدالة الإجتماعية ، حرية الرأى و الرأى لآخر.
وفى جوهر الأمر ، فإن الهجرة من بلدان نامية التى أهلكتها النزاعات المسلحة و الصراعات الإثنية و السياسية و كذا إنهيارإقتصادات الدول الإفريقية ، و إنعكاسات هذا على الأحوال المعيشية للسكان الأفارقة من صعوبة الإكتفاء الذاتى من متطلبات الحياة الأساسية كما يوصفة هرم ماسلو ، و تدنى مستوى التعليم و الصحة و الحصول على مياة شرب صالحة للإستخدام الآدمى و عمل لآئق و مسكن صالح ، كل هذه العوامل بمثابة نواة الإلهام الحقيقية للشعوب الإفريقية و لتخطيط الهجرة صوب دول قليلة النزاعات و الصراعات و الإقتصاد المتهاوى .
و من منظور الدول الإوروبية ، إذا تم فتح الباب للمهاجرين دون قيود أو توافر شروط خاصة لقبول الصالح منهم ، فإن الدول الأوروبية قد تواجه إختلالات فى بنية المجتمع الأصلى ، من كثرة إنتشار الجرائم و تفشى الأمراض و خاصة مرض الإيدز ، رغم بعض المنافع الإقتصادية التى قد تجلبها هجرات بعض العمالة للدول الأوروبية ، إلا أن الدول الأوروبية تسعى لإنتقاء المهاجرين ، و إقصاء بعض المقيمين إذا تطلب الأمر ، إما لمخالفة القوانين أو لعوامل أخرى.
أصبح أبناء القارة الإفريقية عرضة للموت أو المكوث بالأسابيع وسط البحر المتوسط إنتظارا إما لعاصفة جارفة ، أو لمنفذ آمن من موانىء إحدى الدول الأوروبية .