معالجة ظاهرة الغش من منظور السياسات العامة
اعداد : محمود محمد زيدان – ماجستير سياسات عامه
- المركز الديمقراطي العربي
تذهب هذه المقالة إلى دارسة الغش في الامتحانات كظاهرة سلوكية مربوطة بفعل اجتماعي( ذو دلالات ومعاني وتكلفة)، و يستدعي دراسته والبحث عنه في سياق ُأطر علاجية تحاول معالجة هذه الظاهرة الغير صحية داخل المنظومة المجتمعية، والعمل على خلق وعي جمعي يعزز من وجود نظم استجابة تدرس وتفهم الأسباب الكامنة التي تكمن وراء حدوث سلوك الغش وتشخيصها، كما تذهب المقالة إلى دراسة هذه الأسباب في ضوء معطيات الواقع والعوامل المرتبطة بحدوث هذا السلوك، وكمحاولة من الباحث لدراسة هذا السلوك من إطار تفاعلي يأخذ شكله من علاقاته ببعض المسببات والعوامل التي تسبب حدوثه.
تعتبر ظاهرة الغش قضية في المقام الأول داخل أي منظومة مجتمعية، ويعزي ذلك حسب اعتقاد الباحث هو ارتباط ظاهرة الغش أو سلوك الغش بشكل متقاطع ومباشر في منظومة القيم النبيلة والرئيسية التي ترسم تضاريس التقدم والبناء داخل أي مجتمع، ونحن نعلم ان تقدم المجتمعات ومؤسساته مرهون في نظام تعليمي جيد مبني على أسس وقيم متينة لتحقيق وإشباع نظام الاحتياجات لأفراد المجتمع والمجتمع نفسه المتمثل في مؤسسات قوية قادرة على الولوج في عملية تغير إيجابي في كافة القطاعات.
في نفس السياق، إن الممارس لسلوك الغش يستخدم أدوات وطرق غير شرعية في تحقيق أهدافه ونواياه، سواء كانت متمثلة في الحصول على علامة جيدة، أو الحصول على موقع وظيفي داخل أي مؤسسة وغيرها من الأشكال التي يسقطها من يمارس عملية الغش. وهذا كله يساعد إلى انهيار مبدأ تكافئ الفرص والذي يعتبر من أهم مبادئ وركائز العملية الديمقراطية والذي يمثل أيضا نزاهة أي مؤسسة. فعملية عدم تكافئ الفرص تخلق عملية تزييف وتغير لما هو واقعي، والتزيف هنا يشكل حاجز أمام تقدم المؤسسات والولوج في عملية تحقيق أهدافها بشكل سليم، وهذا كله يخلق بيئة حاضنة وخصبة لعناصر الفساد التي تتمثل في عدم تكافئ الفرص وعدم الشفافية في العمل وهذا كله هو تحصيل حاصل لسلوك تدريجي كان يمارس في السابق ويعتبر الغش أحد هذه السلوكيات التي تنمو هذه البيئة.
ونظرا لاعتماد المجتمع على تحقيق أهدافه من خلال مؤسساته ونظمه التعليمية، فوجود الغش داخل هذه النظم يؤثر على مخرجات النظم التعليمية، سواء من حيث وجود عناصر غير كفاءة أو في ضعف انتاج هذه العناصر التي سوف تؤدي في نهاية الطريق إلى طمس الرؤية المجتمعية وإلى انهيارها المادي والتنظيمي في الفترة المستقبلية.
يرى المهتمين في دراسة هذه الظاهرة في أن خطورة الغش لا تكمن في الجوانب المدرسية فقط بل قد يتعداها إلى جوانب حياتية أخرى غير الجوانب المدرسية، ولكن تعتبر المرحلة الدراسية هي نقطة انطلاق السلوكيات الناتجة عن عملية الغش، حيث أن أولئك الذين يتعودون الغش في الامتحانات ويمارسون هذا السلوك طوال حياتهم التعليمية يخشى أن تتكون لديهم عادة الغش والتزييف في كثير من جوانب حياتهم العملية بعد تخرجهم، وفي نطاق عملهم المستقبلي.
يلاحظ من معظم الدراسات التي تطرقت إلى الغش على أن الغش:
- سلوك يقوم به الطالب وهذا السلوك غير مشروع لا تبيحه القوانين ولا تجيزه الأعراف ومن ثم فهو يعتبر سلوكا غير مقبول اجتماعيا.
- يقوم الطالب بهذا السلوك لتحقيق كسب أو فائدة لا يستحقها كمن يحقق لنفسه كسبا غير مشروع لا يستحقه أصلا.
- قد تتنوع الأساليب والطرق أو الحيل التي تتبع للقيام بهذا السلوك، كما قد تتنوع أيضا المبررات والأساليب التي تدفع الفرد إلى لإتباعه وإن كانت كل هذه المبررات والأسباب تهدف إلى تحقيق بعض المتطلبات على النحو غير مشروع.
ومما يجدر ذكره أن الإطار الثقافي الجمعي التي تنطلق منه العملية التعليمية، ينطلق من تكريم الطلبة على اجتيازهم للامتحانات النمطية بأي شكل من الأشكال، ولا يتم تكريم الطلبة على أمانتهم وهذا عنصر قد يدفع الطلبة على استخدام الطرق والأدوات الغير شرعية في تحقيق هذا الهدف والذي يعتبر مسطرة تقيم تفوق الطلبة ومدة تقدمهم في العملية التعليمية.
وما أود أن أشير إليه هنا، أن الأخلاق ليست القضية الأساسية في عملية الغش، أي أن الطلاب يغشون ليس لأنهم غير مؤهلين أخلاقيا، بل أن عملية الغش تعكس أن الفائدة الحدية للغش تتجاوز بشكل أكبر من التكلفة الحدية، وسوف أقوم هنا بتوضيح هذا المحور من خلال تحليل ظاهرة الغش في السياق الاقتصادي.
تحليل ظاهرة الغش وأسبابها من المنظور الاقتصادي:
قام كل من الاقتصاديين نويل ودوغ لاوفر 1997، بعمل دراسة على 311 طالبا. لمعرفة هل طلابهم يمارسون عملية الغش داخل الصفوف الدراسية ام لا، فكانت تجربتهم بإعطاء طلابهم أسئلة خيارات متعددة ( ضع دائرة)، حيث قام الباحثين بنسخ الإجابات بطريقة سرية بعد ما قاموا الطلاب بالانتهاء من تقديم الامتحان، وقاموا الباحثان بإعادة تسليم الامتحان لطلبهم لكي يقوموا بتصليحه بأنفسهم ويقومون بوضع العلامة النهائية للامتحان، وبعد القيام بتلك العملية قام الباحثان بمقارنة الإجابات قبل وبعد، وتبين أن أكثر من نصف الطلبة قاموا بعملية الغش وتغيير الإجابات على الرغم من أن العلامة تشكل فقط 10% من المعدل النهائي.
ثم استخدم نويل ولوفر البيانات الديموغرافية المتعلقة بالطلبة والتي تم جمعها في بداية الفصل الدراسي لتحليل الطلاب الذين مارسوا عملية الغش والوصول لتعرف على الأسباب. حيث توصلوا إلى أن الطلاب الذين لديهم أعلى فائدة متوقعة وأقل تكاليف متوقعة هم الأكثر عرضة للغش وفسروا أسباب الغش كما يلي:
- الدرجات: كان الطلاب الذين لديهم أعلى الدرجات قبل الاختبار أقل احتمالا للغش، وكانت فائدة الغش لديهم تشكل حد أدنى ولذلك لم يلجؤوا إلى الغش، بمقارنة مع الطلبة الذين يمتلكون دراجات أقل كانوا أكثر عرضة للغش.
- الوظائف: كان الطلاب الذين يشغلون وظائف أكثر عرضة للغش من أولئك الذين ليس لديهم وظائف. فإن الطلاب الذين يعملون 40 ساعة في الأسبوع كانوا أكثر عرضة للغش من أولئك الذين يعملون بدوام جزئي. وهناك فائدة كبيرة حسب اعتقادهم من الغش هو تقليل الوقت اللازم للدراسة. وأن الطلاب الذين يعملون في معظم ساعات العمل يعتبر الغش فائدة كبرى مثل توفير الوقت.
- حجم الصف: الطلاب الموجودين في صفوف كبيرة يميلون لممارسة عملية الغش في كثير من الأحيان من الطلاب في الصفوف صغيرة الحجم. ولأنه من الصعب رصد الغش في الصفوف الدراسية الأكبر، فإن فرصة القبض عليه – وبالتالي تكلفة الغش – هي أصغر.
وعند النظر إلى هذه الدراسة وربط نتائجها بالإطار العام للغش وبين مخرجاته ومدخلاته ،يمكن القول أن غالبا ما يغش الطلاب، لأنه أصبح يشكل خيار عقلاني يعتمد عليه الطالب، حسب رأي الباحث عند قراءة الدراسات التي تبحث عن وجود الارتباطات بين الغش ومقاييس الأخلاق أو التدين غالبا ما تأتي بمخرجات مخالفة لتفسير السبب الحقيقي ما وراء هذه الظاهرة وهذا السلوك، ، حيث أن الطلاب الذين يدرسون لساعات طويلة ويحصلون على درجات عالية ولا يعملون في وظائف خارجية سوف يكون احتمال وقوعهم في الغش أقل من غيرهم، هل يمكن اعتبارهم متفوقين أخلاقيا؟ ، أو يمكن الأخذ بعين الحسبان هناك تكاليف وفوائد مختلفة تربطهم بممارسة هذه العملية؟، وكذلك أيضا الطلبة الذين مارسوا عملية الغش في امتحان الاقتصاد , فإن نسبة كبيرة منهم يلتزمون بتأدية الفروض الإسلامية ” فروض الصلاة” بشكل كامل، فهل يمكن اعتبارهم غير أخلاقيين؟
فعملية الغش ترتبط ارتباطا كبيرا بعملية التكاليف والفوائد التي سوف يحصلون عليها، وهم يتجاهلون التكاليف الخارجية التي قد يفرضونها على الاخرين أو التي تضر بالأخرين، وتناول موضوع الغش كمعادلة تربط التكاليف والفوائد للوصول إلى تفسير ما وراء السبب، يجعل المنطق الاقتصادي يفسر نفسه بنفسه بطريقة كاملة قادرة على تفسير السبب والنتيجة التي يتم اسقطاها على المجتمع بشكل سلبي مخلفا وراءه أضرار جسيمة تؤدي إلى الإضرار بكافة مؤسسات وشرائح المجتمع، تماما مثل القيادة بمعدل 100 ميلا في الساعة عندما يكون الحد القانوني هو 50 ميل في الساعة.
وبالرجوع إلى الدراسة السابقة، تبين أن المدرسين قد قاموا بإعطاء محاضرة عن الأخلاق وعن القيم الإيجابية وكيفية تعزيزها قبل البدء بالامتحان، لكن النتائج قد بينت أن كمية الغش قد ارتفعت، وأن الإرشاد ليس هو الجواب والمفتاح، بل أن رفع التكاليف المتوقعة أو خفض الفوائد المتوقعة هو مفتاح تفسير عملية الغش والنظر ما وراء الأسباب الكامنة التي تجعلها من المسببات، وهذا يتماشا مع سلوك الطلبة الذين مارسوا عملية الغش في امتحان الاقتصاد.
وعطفا على ما سبق، قد تحاول الكليات والجامعات معالجة الغش الأكاديمي كمشكلة أخلاقية أو تربوية، ولكن الأمر يتعلق حقا بشيء مختلف تماما. إذا نظرنا إلى نسبة الطلبة المسجلين في الكليات والجامعات على مستوى إقليمي، سوف نجد بأن هناك نسبة كبرى من مجموع الطلبة يعملون سواء قبل أو بعد الانتهاء من الدوام الأكاديمي، فلنفترض أن الطالب الذي يعمل بدوام جزئي في مطعم للوجبات السريعة يحصل على كل ساعة عمل (9 دولار)، وفي نفس الوقت يأخذ مادة اقتصاد تحتاج إلى جهد كبير، وقد طلب الدكتور منهم كتابة ورقة من 2000 كلمة عن موضوع يخص المادة.
هنا في هذه الحالة سوف يكون المعيار اختياري، حيث أن اختيار الطالب أن يحصل على درجة B أو Aيؤدي إلى استغلال جهد ووقت أكبر في الدراسة للحصول على هذه الدرجة، وانه على سبيل المثال سوف يحتاج الى ما مجموعه 20 ساعة دراسية، تشمل استكمال القراءات المخصصة ومراجعة الكتب المختلفة لكتابة الورقة المطلوبة. وفي نفس الوقت، يكون على علم ان الساعات 20 التي سوف يستثمرها في إتمام كتابة الورقة يمكن استثمارها داخل المطعم ويحصل على (20*9=180$) ففي هذه الحالة ينظر الطالب إلى المنفعة والفائدة الحدية الأكبر التي سوف يحصل عليها، وعند مقارنتها مع تكلفة والفائدة الحدية لدراسة الامتحان سوف تكون أكبر، ولذلك يطر إلى ممارسة غير شرعية تتمثل في الغش.
عند النظر إلى الواقع، يتواجد لدى الطالب العديد من الخيارات التي تتمثل لديه بعشرات المواقع المختلفة التي تقدم أوراق جاهزة أو أوراق مكتوبة حسب الطلب والمعيار المطلوب وتكون تكلفة هذه الورقة افتراضيا من 10 $ إلى 20 $ للصفحة الواحدة. فإذا كان بإمكانه أن يشتري الورقة بشكل كامل وافتراضا أن تكلفة الورقة الكلية 80 $، وهو في هذه الحالة تعتبر لديه عملية فعالة، إذ انه سوف يخرج بمبلغ 100 $ وهذا يعتبر استثمار إيجابي لطالب، أو انه يتيح لطالب مثلا أن يكرس الوقت لذهاب إلى حفلة الشواء أو إلى الذهاب إلى الاستجمام أو تحسين خزانة الملابس، بدلا من استنزاف الوقت من البحث في الموضوع نفسه، هذا يفسر معادلة ” أن عملية الغش لدى الطالب هي عملية مبنية على خيار عقلاني”.
السياسة العامة التي تعالج ظاهرة الغش داخل المجتمعات:
تعرف السياسة العامة من نظرة الباحث على أنها مجموعة برامج وأنشطة هادفة تسعى لتحقيق الأهداف المجتمعية، والولوج في عملية تغير مجتمعية تتلاءم مع الواقع المجتمعي، وتسعى إلى خلق بيئة حاضنة لتحقيق الرفاهية المجتمعية، فيتم تحقيق أهداف الدولة من خلال تحقيق أهداف المواطن.
وتهدف معظم السياسات لمعالجة المشاكل أو الظواهر المجتمعية من خلال رفع عملية التكاليف الواقعة عليها، فإذا قمنا بتناول نموذج لسياسات عامة تستهدف معالجة عملية الغش، يجب أن تهدف هذه السياسية إلى رفع عملية التكاليف على الذين يمارسون الغش، من خلال عملية تفاعلية إجرائية.
وعند النظر لبعض السياسات التي تتطرق لعملية الغش نرى الإطار التفاعلي لها يقوم بوضع عقوبات على أولئك الذين يتم القبض عليهم أثناء ممارستهم عملية الغش، وتنطلق العقوبات من طفيفة تتمثل في صفعة على المعصم لعقوبات شديدة تتمثل في عملية الطرد لحالات أكثر خطورة.
ولكن العقوبات تمثل منظومات محدودة القيمة. إي أنه لا يمكن فرض عقوبات دون الممارسة العملية التي تضمن نوعا ما اتباع الإجراءات القانونية الواجب تنفيذها على المتهم” الغشاش”، علما بأن هذه الإجراءات ضرورية ولكنها مكلفة ومؤثرة على جوانب مختلفة. فعملية التشهير وجلسات الاستماع والشهادات والأوراق تترك أثر نفسي وعاطفي على المتهم أو الممارس لعملية الغش وهذا يخلق أثار أخرى قد يزيد من تكاليف المشكلة نفسها، ويخلق مشاكل أخرى تعزز أثار سلبية على العملية الإجرائية.
فعملية فرض عقوبات يتناغم معها جانب المخاطر، فكلما أشدت العقوبات ارتفعت نسبة حدوث مشاكل أخرى، إي عندما ترتفع شدة العقوبة، ينخفض احتمال ممارستها، وغالبا يكون صعب تنفيذها، حيث الهدف من تطبيقها هو خلق رادع يمنع تكرارها ، لكن عند ممارستها داخل عملية الغش سوف تكون نسبة الرادع ذو تأثير قليل ، فالمنفذين لهذه العقوبات جزء كبير منهم المدرسين ، وهذه الفئة يمكن تعريفها على أنها مجموعات متسامحة تريد أن ترتقي بجيل شاب قادر على الولوج في عملية تغير مجتمعي نحو الأفضل، وفي نفس الوقت تريد معاقبة الغشاشون، لكن لا أن تدمر حياتهم، وقد يكون المدرسين في معظم الأحيان مترددون في توجيه الاتهامات التي تؤدي إلى عواقب وخيمة وشديدة، وهذا ما تم رؤيته في جميع المراحل التعليمية.
فالسياسة العامة عبارة عن نظرية نظم متفاعلة لها مدخلاتها ولها مخرجاتها، فعند النظر لوضع سياسة عامة متعلقة في عملية الغش يجب علينا قراءة جميع المؤشرات لجميع المتغيرات المؤثرة لهذه العملية، فعند النظر إلى عملية الحفظ فأنه يمكن اعتبارها عملية يكون مخرجاتها في معظم الأحيان – وجهة نظر الطالب -هي مضيعة للوقت، فالأشياء التي تُحفظ سرعان ما يتم نسيانها في حال عدم الاستخدام المتكرر لها.، فلماذا يجب على أي شخص ان يقوم بحفظ معادلة فيزيائية او كيمياء في حين انه من الممكن للطالب الاطلاع عليها سريعا في حال احتاج لاستعمالها، بدلا من اجهاد نفسه في حفظها على الرغم من معرفته بانه سيتم نسيان هذه المعادلة سرعان ما ينتهي من الحاجة اليها. فيتجه الطالب في هذه الحالة إلى حل بسيط جدا عن طريقة كتابة المعادلة مثلاً بقلم رصاص وبخط صغير جدا على طرف الدرج قبل الامتحان، ستكون موجودة إذا لزم الأمر ويمكن بكل سهولة محوها بعد الانتهاء منها. إذا لم تنجح فكرة الدرج، هناك دائما فكرة الكتابة على المعصم تحت ساعة اليد او حتى على كاحل القدم تحت الجوارب.
من كوني باحث ضمن تخصص السياسات العامة، ومن وجهة نظري أرى أن التعليم لا يتم من خلاله تقيم النظم الأخلاقية لدى الأفراد، فعلى سبيل المثال عندما يعطى طالب A وطالب أخر B من خلال فرق نقطة واحدة بينهم أو أقل فهذا لا يدخل في معيار أخلاقي أو غير أخلاقي، أو عندما نقوم مؤسسة بعمل دورة ذات طابع أخلاقي تحدث كل سنة، وتكون أحدى مخرجات هذه الدورة أن يلتزم الموظف بموعد دخوله وخروجه من المؤسسة، وأن يتم عطاء فترة 12 دقيقة تأخير مسموحة وذلك تحسبا لأزمة الطرق والمواصلات، فإذا أتى الموظف مبكرا في كل يوم ولم يأتي متأخر، فهل عدم قيام المؤسسة بتعويضه بساعات عمل إضافية يعتبر غير أخلاقي؟
انطلاقا من هذا الجانب يمكن اعتبار أن البديل الأنسب لمعالجة ظاهرة الغش هو تخفيض التكاليف الهامشية من ممارسة عملية الغش، لأن الذين يمارسون عملية الغش ينظرون إلى التكاليف والفائدة الحدية من هذه العملية، ولا اقصد هنا أن يتم إعطاء جميع الطلاب درجة ممتازة، أو الغاء الامتحانات، لكن من خلال اتباع نهج مختلف، يتمثل في عملية تشجيع الطلاب وسماح لهم في احضار ورقة A4 لكل امتحان، يكتبون عليها ما يريدون بإياديهم، وهذا نوع من أوراق الغش القانونية، في هذا الحالة يسوف ينتج حافز أقل لعملية التهريب أو احضار أوراق غير قانونية أو حتى النظر على أسئلة الاخرون، بالإضافة إلى ذلك، عند النظر إلى عملية الجهد في تحديد ما هي المعلومات الحاسمة وكتابتها باليد يساعد الطلاب على تعلم المواد لو بنسبة قليلة. ويمكن وضح أسئلة تحليله يمكن الطالب الإجابة عليها من خلال استخدام المعلومات الموجودة على الورقة، وهذا يساعد في تعزيز قدرة الطالب على الفهم والتعلم ويقلل من المظاهر والاثار السلبية الناتجة من عملية الغش.
فعملية ربط الغش من منظور اقتصادي مبني على التكلفة والفائدة الحدية من هذه العملية، هو الجانب الأهم في تفسير ووضع أي سياسة عامة تعالج هذه الظاهرة، ولقد أشار الاقتصاديون الذين درسوا اقتصاديات الجريمة وغيرها من الأنشطة الغير مشروعة إلى أن المجرمين يتصرفون وفقا لبديهيات اقتصادية، ويميلون إلى تقييم ودراسة التكاليف الحدية والفوائد الهامشية لممارسة هذه الأنشطة، فهم يعتبرونهم عملاء اقتصاديين، فعند النظر إلى ظاهرة المخدرات وعند النظر إلى عملية العقاب المفروضة على هذه الظاهرة واعتبارها بطبيعتها غير أخلاقية، ومقارنتها بطرق أكثر واقعية للوقاية أو الحد من هذه الظاهرة، فعند النظر إلى هولندا كانت نسبة المخدرات فيها تتجاوز 60% وبعد أن أصبحت المخدرات مسموحة أي موجودة في المحلات بشكل تجاري قلة ممارسة هذه الظاهرة حسب التقارير الناتجة عن الحكومة الهولندية، وقد أدت إلى زيادة المنافع الاجتماعية والاقتصادية خصوصا في زيادة عملية السياحة وسياح إليها.
فتعدد التعريفات المتعلقة بالغش واختلفت مجالات استعمالها وتداولها، لكن تستقر في مجملها من حيث الممارسة والوسيلة الغير مشروعة التي تتمثل في سلوك غير سوي يحقق حاجات شخصية، ويساعد في خلق بيئة تحتضن عناصر الفساد وتنميها بشكل يتنزع حق الاخر، والحصول على ما هو ليس لك.