تقارير استراتيجية

النزعات المتوسطية النائمة :جزيرة كوست لوريزو اليونانية

Kastelorizo Island
بقلم الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي
Dr Milad ELHARATHI
نزاعات متوسطية نائمة:
جزيرة كوست لوريزو تبعد حوالي 80 ميل من جزيرة رودس اليونانية، وحوالي 170 ميل غرب جزيرة قبرص، وميل واحد فقط من من السواحل التركية، ومساحتها حوالي خمس أميال مربعة، مع عدد من الجزر الصغيرة جدا، ويسكنها حوالي 400 نسمة. وتعتبر هذه الجزيرة من أهم أربع الجزر اليونانية في مجال هويات الغوص وألعاب التجديف البحرية. لا توجد وسائل نقل في هذه الجزيرة، فقط الوصول إليها عن طريق القوارب السياحية أو الطيران.
واليونان تدعي سيادتها عليها ووقوعها في مجالها البحري، وفقا للقانون الدولي، في ظل رغبتها في إن تكون منطقة حرة للجميع في البحر الأبيض المتوسط، من اجل تخفيض الفكرة التركية للمناطق الحرة، ومنعها من سيطرتها عليها، والخرائط المصاحبة مصدرها صحيفة سميرني القبرصية( الشطر اليوناني). الخريطة رقم (1) توضح الادعاء اليوناني بأحقيتها في 200 ميل بحري من سواحلها، وسيطرتها علي هذه الجزيرة والموضحة باللون الأحمر في الخريطة)، وفي الخريطة رقم (2) و(3) يلاحظ فيها إن الجزيرة المتنازع عليها يشار إليها باللون الأخضر.
والرغبة اليونانية في سيطرتها وادعائها ملكية الجزيرة مبعثها في إن تكون كمنطقة حرة مجاورة للمنطقة الحرة القبرصية الحليفة لها في النزاع التركي اليوناني علي بحر ايجة، وكبعد استراتيجي يوناني في النزاع. وتعتبر هذه الجزيرة ألاستراتيجيه وموقعها المغري فرصة للعرب في استغلالها من خلال إنشاء تحالف قبرصي- يوناني-عربي في مجال الاستكشاف البحري في مجال النقل والطاقة والغاز في تلك السواحل ، خصوصا في مجال نقل الغاز العربي الي عمق الدول الأوروبية، وبتكلفة اقل، أو نقل أو استيراد الطاقة الكهربية من والي أوروبا عبر الكوابل البحرية، بدون اذونات تركية.
ومن هنا تتضح أهمية مثل هذه النزاعات المتوسطية في استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط ومخزونها من الثروات الطبيعية، ففي ظل القبول التركي في شهر نوفمبر الماضي، وقبولها بستة أميال بحرية، بسيادة اليونان علي الجزيرة المتنازع عليها، كحق يوناني غير كامل. ويظل الادعاء التركي لسيادتها علي الجزيرة مجال مفتوح للمزيد من التوتر المتوسطي الذي ينبغي إن يأخذ مجاله من الاهتمام العربي. خصوصا وان تركيا تدعي أنها اكبر شريك اقتصادي وتجاري في المناطق الحرة والتجمعات الاقتصادية في منطقة المتوسط. ولهذه الأسباب لماذا هذه الجزيرة ومناطق متوسطية أخري يمكن إن تتحول الي نقاط تأزم في المتوسط؟
هناك عدة اعتبارات يمكن النظر إليها في النزاع اليوناني التركي، خصوصا في الجانب التركي. ففي سبتمبر2011، الماضي أصدرت تركيا إذنا للسفينة النرويجية (المساح البحري) ومعها عدة سفن أخري مرافقة للبدء في استكشاف حقول للغاز والنفط في في جنوب جزيرة (كوست لوريزو)، وفي بعض الاجراف القارية للجزيرة. والاعتبار الثاني وهو قيام تركيا بمناورات عسكرية بالذخيرة الحية مابين جزيرتي رودس وكوست لوريزو مع مناورات بالطيران العسكري المكثف.
هذه الأزمة النائمة تمثل تطور كبير في المتوسط. فالحكومة التركية الحالية، ومنذ وصولها الي الحكم تمارس إعمالا “عدائية ضد قبرص وسوريا والعراق، وتتدخل في شؤون العربي العربي”، وهي أيضا ترفض إن تسيطر قبرص علي المنطقة الحرة الاقتصادية، عبر جزيرة كوست لوريزو، وتحكمها في مصبات نهري دجلة والفرات المتجهة الي العراق وسوريا، كسياسة خارجية تركية تجاه جيرانها المتوسطيين.
وبالعودة ماضي التأزم التركي اليوناني، ففي سنة 1974 تركيا احتلت حوالي 40 % من مساحة قبرص ذات الأكثرية التركية، وبالتالي فان اختطاف جزيرة كوست لوريزو من الجانب التركي سيناريو يحتاج الي الكثير من التحليل. فالخدع التركية و التظاهر باستكشاف النفط والغاز في جنوب الجزيرة، ومشاكلها في المتوسط، في ظل الدعم الأمريكي والروسي في أحقية جزيرة قبرص في التمتع باستكشاف واستغلال ثرواتها الطبيعية، هو تأزم للملف التركي اليوناني، واستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط.
الرئيس القبرصي حذر “إذا تركيا استمرت في سياسات القارب الدبلوماسي سوف تحصل أكثر من ثلاث مشاكل في المتوسط، وحصول نتائج لا يحمد عقباه” ، حيث إسرائيل بادرت بتدخلها في ملف الأزمة، عن طريق نائب وزير خارجيتها، حينما قال لليونانيين ” إذا اى احد يحاول تحدى المنصات النفطية البحرية والحفارات سوف يقابل بتحديات مقابلة” وحكومته ” سوف تعزز أمنها ليس فقط علي مياهها الإقليمية، ولكن على مناطق الحفارات النفطية في المياه القبرصية. ومن المعروف إن هذا التأزم يأخذ دائما شكل المواجهات بين الأساطيل البحرية التركية والإسرائيلية وبشكل روتيني.
وأخيرا ، هذا الملف اخذ التدويل التالي، الاتحاد الأوروبي يدعم اليونان نحو حريتها في استمرار الحفر النفطي من اجل الحصول علي موارد لمعالجة مشاكلها المالية ودعم برامجها في إنشاء المناطق الاقتصادية الحرة والسيطرة عليها ورفض الهيمنة التركية، والدعم الأمريكي الروسي الإسرائيلي لقبرص في الكشف عن ثرواتها الطبيعية.
والدروس المستفادة من الأزمات المتوسطية النائمة تكمن في أهمية استغلالها في سياسات توازن القوى في المتوسط، وفي الإقليم بشكل عام، وتحريكها في الاتجاهات التي يرغبها المُمسك الاقليميى أو الدولي بميزان القوى. ويستنج من ذلك أيضا إن هذه التأزمات النائمة لو كانت في منطقة عربية وبسرعة يتم تدويلها والتسرع في التدخل الخارجي إليها. وهذا ناقوس في غاية الأهمية للدول العربية التي تتنازل فيما بينها والتي تهىء المناخات للخارج المترقب للاستئثار بمشاكل الإقليم.

Dr. Professor Milad M. ELHARATHI
Dr. Professor Milad M. ELHARATHI

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى