الاقتصاديةالدراسات البحثيةالمتخصصة

القطاع الخاص شريك في ملف الأمن الغذائي المصري

اعداد :  شهاب علاء الدين كمال صبره عبدالله – المركز الديمقراطي العربي

 

ملخص :

يحاول البنك المركزي المصري مجابهة آثار جائحة كورونا مع الحفاظ على المقدرات النقدية للدولة حيال الأزمة العالمية بين روسيا و أوكرانيا من خلال تطبيق سياسات نقدية بنتائج طويلة الأمد و كان أبزرها تحرير سعر الصرف في مارس 2022 . ومع حظر روسيا لتصدير القمح عالميا و ارتفاع تكلفة استيراد القمح من وجهات أخرى , أقرت السلطات المصرية حظر تصدير الحبوب مع إعلان كفاية مصر الذاتية من القمح حتى نهاية 2022 .

و على أثر حظر تصدير الحبوب و عدم كفاية مصر من المحاصيل الإستراتيجية , يعكس ملف الأمن الغذائي قدرة صانعي القرار على تفادى الأزمات و تنفيذ خطط التنمية الشاملة. و على هامش الأزمة و التطورات نستعرض النقاط الآتية :

  • أ –  السياسات النقدية للبنك المركزي و المستثمر الأجنبي و التدفقات الداخلية
  • ب-   لمحة عن تاريخ مصر من الاستدانة من صندوق النقد الدولي و دعم الصندوق لمشاركة فعالة للقطاع الخاص فى مصر
  • ج – سرد التحديات التي تواجه القطاع الخاص و الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر مع بيان آليات تطوير القطاع الخاص في مصر
  • د – قطاع الزراعة في مصر و التنمية الزراعية

فى ضوء البحث عن حلول لتأمين حاجة مصر من الاستهلاك السنوي من القمح ,  نقدم أطروحة لمبادرة استصلاحية لشركات القطاع الخاص في مصر في ضوء أجندة عمل الدولة لتنشيط الشراكة مع القطاع الخاص و تقديم السبل و التسهيلات اللازمة.

و أخيرا تحاول الورقة سرد بعض التوصيات لضمان مناخ استثماري مثالي لشركات القطاع الخاص و زيادة العوائد الاستثمارية من الخارج و التدفقات الداخلية .

Abstract

The Central Bank of Egypt is trying to counter the effects of the corona pandemic while maintaining the monetary capabilities of the state in the global crisis between Russia and Ukraine through the implementation of monetary policies with long-term results, the most prominent of which was the liberalization of the exchange rate in March 2022 . With Russia banning the export of wheat globally and the high cost of importing wheat from other destinations , the Egyptian authorities approved a grain export ban with the declaration of Egypt’s self-sufficiency of wheat until the end of 2022 .

In the wake of the grain export ban and Egypt’s inadequacy of strategic crops , the food security file reflects the ability of decision makers to avert crises and implement comprehensive development plans. On the sidelines of the crisis and developments, we review the following points :

A- Monetary policies of the central bank, foreign investors and internal flows

B- An overview of Egypt’s history of borrowing from the International Monetary Fund and the fund’s support for effective participation of the private sector in Egypt

C- Listing the challenges facing the private sector and foreign direct investment in Egypt with an indication of the mechanisms for the development of the private sector in Egypt

D- The agriculture sector in Egypt and the agricultural development

In the light of the search for solutions to ensure Egypt’s need for annual consumption of wheat , we present a thesis for a remedial initiative for private sector companies in Egypt in the light of the state’s agenda to stimulate partnership with the private sector and provide the necessary means and facilities.

Finally, the paper attempts to list some recommendations to ensure an ideal investment climate for private sector companies and increase investment returns from abroad and inflows.

مقدمة :

يعد القمح من السلع الإستراتيجية للمجتمع المصري كونه أساس لملف الأمن الغذائي المصري , حيث يتراوح إنتاج مصر من القمح حوالي  9.1 مليون طن بحسب الأرقام المعلنة من قبل الجهاز المركزي  للتعبئة و الإحصاء لعامي 2019/2020. ولكن تكمن المعضلة في الاكتفاء القومي من القمح ,حيث يتراوح معدل الواردات الروسية من القمح بمعدل  8,13 مليون طن بحسب تقرير مكتب شئون الزراعة الأمريكي في مصر و كذلك الواردات الأوكرانية التي تمثل نحو 2,45 مليون طن.(1) مع التوترات الإقليمية التي يشهدها البحر الأسود في مطلع  عام 2022 و العمليات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا ( دونباس ) , تصاعد الموقف الأوروبي تجاه الدب الروسي و شمل تهديدات و فرض عقوبات اقتصادية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و شخصيات روسية بارزة , و لكن ظل الموقف المصري محايدا داعيا لاستخدام الحلول الدبلوماسية , آخذا فى الاعتبار كون روسيا الحليف الشرقي الدائم لمصر عسكريا و استراتيجيا و المصدر الأول للقمح . وعلى اثر التصعيدات الأوروبية , نشرت اللجنة الفرعية للجمارك الروسية حظر تصدير الحبوب و منها القمح حتى 31 أغسطس 2022 و جاء هذا القرار على منصة مؤتمرا صحفيا أكد فيه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء المصري على الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح حتى نهاية عام 2022 . و على هامش حظر التصدير الروسي , أعلنت وزارة التجارة و الصناعة المصرية حظر تصدير القمح بدءا من 11 مارس 2022 لمدة ثلاثة شهور. (2) و على صدد تقرير المجلس الاعلامى لمجلس الوزراء في مارس 2022 عن الجهود المبذولة لتوفير مخزون استراتيجي آمن من السلع الأساسية ، صرح المجلس باكتفاء مصر الذاتي من القمح حيث قدر حجم الاكتفاء بنسبة 65 % حتى  نهاية عام 2022 مع مخزون استراتيجي من باقي الحبوب .(3) كما سلط التقرير الضوء على زيادة الرقعة الزراعية للقمح بنسبة 7.4 % لرفع مخزون مصر من القمح و مجابهة الظروف الدولية . تزامنآ مع الأزمة العالمية التي يمر بها الاقتصاد الدولي من تضخم و ارتفاع في أسعار السلع و الخدمات , يحاول الاقتصاد المصري فصل العملة قدر المستطاع عن طريق السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي المصري وآخر تصحيح لها كان في مارس الجاري حيث سجلت العملة المصرية 18,25 جنيه مقابل الدولار بمعدل انخفاض 16 %  و هو ما أشار إليه محافظ البنك المركزي طارق عامر مستطردا ضرورة و أسباب الإجراءات التصحيحية على النحو التالي  “الحفاظ على المقدرات المالية لمصر، وسيولة النقد الأجنبي اللازم لتأمين احتياجات المجتمع المصري”. (4) تعد الزيادة التنافسية فى المنتجات المحلية هي الهدف من خفض قيمة العملة أمام الدولار مما يزيد من الإنتاجية و التنافسية على حد سواء للتصدير الجاذب للعملة الأجنبية . تلك الإجراءات تسعى خصيصا لدعم ثقة المستثمرين الأجانب و كذلك استثمارات القطاع الخاص , حيث أن تخفيض قيمة العملة مع زيادة الفائدة يعتبر مناخ مثالي لضخ رؤوس الأموال و الاستثمار كونه ربحي على المدى القصير. و مع توجه الدولة حديثا لزيادة الرقعة الزراعية بشكل أفقي لضمان مخزون أساسي من السلع التجارية و الاستهلاكية على حد سواء , تكمن عدة تساؤلات هامة :

  • حزمة السياسات النقدية المتخذة و تأثيرها على المستثمر الأجنبي ؟
  • و كيف يمكن خلق بيئة خصبة للمستثمرين من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص و الاستثمار المباشر ؟
  • كيف يمكن للتسهيلات الاستثمارية في القطاع الزراعي توسيع الرقعة الزراعية فى مصر ؟
  • كيف تكون مساهمة القطاع الخاص فى الاستثمار الزراعي في مصر ؟

(1) تعرف على قائمة الدول العشر التي استوردت منها مصر القمح عام 2021 , مجلة اليوم السابع المصرية , 2022

(2) على رأسها القمح.. مصر تحظر تصدير 5 سلع غذائية , العين الإخبارية , 2022

(3) مصر تضاعف الجهود لتوفير مخزون استراتيجي آمن من السلع.. إنفوجراف , مجلة اليوم السابع المصرية , 2022

(4) محافظ المركزي المصري: قمنا بـ”حركة” تصحيح للجنيه , العين الإخبارية , 2022

  • السياسات النقدية للبنك المركزي المصري و الاستثمار الأجنبي :

مر الاقتصاد المصري بعدة تحديات على المستوى الدولي أبرزها  ( الأزمة المالية العالمية فى 2008 ) وما تبعها من ارتفاع في معدلات التضخم إلى 10.5 % في يناير 2008 إلى أن وصلت لذروتها الى20 % فى نوفمبر 2008 و ما لاحقها من تراجع لمعدلات النمو الاقتصادي , مما جعل البنك المركزي ينتهج سياسات تحفيزية للمستثمرين عن طريق زيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي و تخفيض سعر الفائدة لخلق التوازن بين الأسعار وصولا إلى معدل تضخم 10.7 % في نهاية عام 2010. أما على الصعيد الداخلي , فقد كان عدم الاستقرار السياسي إبان ( ثورة 25 يناير ) له أثر رجعى على المناخ الاستثماري و السياحي في مصر, حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي مسجلا نمو سالب -3.8 مع عجز كبير في ميزان المدفوعات و الميزانية العامة للدولة , و عليه انتهج البنك المركزي سياسة ضخ سيولة إضافية للبنوك و الإبقاء على سعر الفائدة و لكن المناخ الاستثماري لم يلوح بالأمل و ذلك لعدم  ثقة المستثمرين في المناخ السياسي بمصر. بدأت موجة تضخمية ثانية في عام 2016 بلغت 14% مع انتشار السوق السوداء , مما دفع البنك المركزي لتعويم الجنيه المصري ليحقق 19.3 جنيها مقابل الدولار فى نهاية 2016 و من ثم ينخفض ليصل إلى 17.6 أمام الدولار فى 2017 و من ثم تبدأ الحكومة في برنامج  (الإصلاح الاقتصادي) على أربعة مراحل ,  و الذي كان من المتوقع أن يجذب ملايين الاستثمارات الأجنبية المباشرة و لكن تراجع صافى الاستثمار الاجنبى المباشر فى 2017 إلى نحو 7.7 مليار دولار مقابل 7.9 مليار دولار خلال عام 2016 . ومع استقرار الجنيه نسبيا أمام الدولار في 2018 بدأ الاستثمار الاجنبى يزداد فى العام المالي 2018/2019 و بعد ذلك أخذ في الانخفاض نتيجة لظهور جائحة كورونا و من ثم سجل صافى التدفق فى سنة2021  حوالى 5.2  مليار دولار. و من المتوقع زيادة تدفق الاستثمارات المباشرة نتيجة للاستقرار الاقتصادي و سياسات البنك المركزي الأخيرة المتضمنة خفض قيمة الجنيه أمام الدولار مما يخلق بيئة مواتية للأزمات العالمية و جاذبة للمستثمر الأجنبي الساعي نحو تدفق خارجي أكبر للدولار أمام الجنيه المصري .

  • القطاع الخاص و صندوق النقد الدولي : هل مصر مقبلة على استدانة أخرى من صندوق النقد الدولى ؟

لمعرفة العلاقة الرصينة بين إستراتيجية صندوق النقد و القطاع الخاص في مصر , يجب أولا سرد تاريخ مصر من الاقتراض و اللجوء لصندوق النقد الدولي و التي بدأت في عهد السادات عام 1987 و توالت الاستدانة في عهد مبارك بقيمة 375.2 مليون دولار لسد العجز في الميزان التجاري و كان الأخير ( التسهيل الائتماني الممتد بقيمة 12 مليار دولار على 6 شرائح على مدار 3 سنوات)  في 2016 بناءا على برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل لمصر و يقع الأخير لمراجعات على ثلاثة مراحل , و بحسب المرحلة الثانية للمراجعة من قبل صندوق النقد الدولي لقرض التسهيل الائتماني لمجابهة آثار جائحة كورونا , أكد خبراء الصندوق على ضرورة اهتمام الدولة المصرية بإنعاش القطاع الخاص و توسيع نطاقات عمله على المستوى الصناعي و التجاري , حيث تراجعت الاستثمارات السنوية للقطاع الخاص إلى 25 % . (5) و على هامش تحرير سعر الصرف مؤخرا , صدر صندوق النقد الدولى بيان بتاريخ 23 مارس 2022 يتناول فيه ترحيب الصندوق بالإجراءات المتخذة من الدولة المصرية لحماية عملتها جراء الأزمة العالمية و داعيا لفتح قنوات حوار مع المسئولين المصريين حول طلب مصر لدعم الصندوق لتنفيذ برنامجها الاقتصادى الشامل . (6)

(5) IMF, 2021 ARTICLE IV CONSULTATION, SECOND REVIEW UNDER THE STAND-BY ARRANGEMENT; AND STATEMENT BY THE EXECUTIVE DIRECTOR FOR THE ARAB REPUBLIC OF EGYPT , 2021

(https://enterprise.press/wp-content/uploads/2021/07/IMF-SBA-EGYPT report.pdf?fbclid=IwAR2bEgLnoqjUz7WdzeidUz5SDI1fcEuMNZ1t0vWBZBKduSCbIZV6qyWjq3E )

(6) بيان من صندوق النقد الدولي بشأن مصر, بيان صحفي رقم 22/85 , 2022

https://www.imf.org/ar/News/Articles/2022/03/23/pr2285-egypt-international-monetary-fund-statement-on-egypt)

  • القطاع الخاص فى مصر ( تحديات و آفاق ) :

يعتبر القطاع الخاص عامل أساسي و شريك للدولة في عجلة التنمية , حيث أعرب الدكتور مصطفى مدبولى  رئيس الوزراء فى نوفمبر 2021 عن أهمية تمكين و تقديم آليات العمل المناسبة و التسهيلات للقطاع الخاص للمشاركة في المشاريع التنموية , حيث يستوعب القطاع الخاص نحو 78.4% من العمالة المصرية , و كان هذا على غرار تقديرات وزارة التخطيط و التنمية الاقتصادية التوقعية بأن يساهم القطاع الخاص بنحو 68% من الإنتاج المحلى الاجمالى 2021/2022 . و برغم ذلك فالقطاع الخاص واجه العديد من التحديات التي جعلته غير مثالي عمليآ , فعلى مستوى هياكل القطاعات شهد القطاع الخاص عدة تحولات جوهرية كالتحول الجزئي للعقارات و التشييد على حساب الصناعات التحويلية والزراعات في 2019 مما قلل من الفرص التصديرية للشركات (  1.1 % منها فقط يصدر للخارج ) مع ثبات قدرة التشغيل و أحيانآ ضعفها في الشركات الكبيرة والمتوسطة و هو ما يعكسه ثبات نسبة العمالة و التوظيف في شركات القطاع الخاص بمعدل 50 عاملا أو أقل خلال الربع الثاني من 2020.  ومع تقليل نسبة الائتمان للقطاع الخاص و وصولها إلى 30 % فى عام  2020 تراجعت بدورها القروض الممنوحة لشركات القطاع الخاص لتسجل %61.7 بنهاية إبريل 2020 . هيكل و أجندة عمل القطاع الخاص فى مصر منذ 2016 تأثرت تدريجيا مع تعاظم دور الدولة فى تحقيق التنافسية على القطاعات الريعية كالعقارات و التشييد و التي تقع ضمن إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة( رؤية 2030 ) , فلذلك زاد توجه الدولة حديثا لحث القطاع الخاص على التركيز على البنية التحتية مع قدرة استيعابية من التوظيف أقل استدامة , حيث أن الوظائف أصبحت تقتصر على مشاريع لها إطار زمني معين و لذلك هي ليست طويلة الأجل و عادة ما تنتهي باستكمال المشاريع تاركة في نصابها عمالة غير مستغلة و فرص عمل مهدورة مما يزيد العبء على الدولة في سياسات التأمين الاجتماعية التي ترهق الميزانية العامة للدولة . و من الجدير بالذكر , أن تزاحم القطاع العام للقطاع الخاص ليس العامل الوحيد لبطء تطور استثمارات القطاع الخاص . بل للرسوم الجمركية المرتفعة و القيود التجارية عامل كبير إبان حركة السلع و التنافسية.

  • الاستثمار المباشر في مصر و تطور القطاع الخاص :

فى عام 2021 كان قد أعلن البنك المركزي المصري عن تراجع تدفق الاستثمار المباشر بنسبة 32.3% وهو ما يعكس السياسات الضريبية المتمثلة فى ضريبة القيمة المضافة , ضريبة الأرباح التجارية و ضريبة توزيعات الأرباح , بالإضافة إلى الأزمة العالمية لجائحة كورونا . أصبح القطاع الخاص يحجم عن المشاركة فى المشاريع الاستثمارية بصورة بناءة, وعادة يبحث الاستثمار الأجنببى المباشر عن بيئة ربحية على المدى القصير , وفى مصر يرتبط أكثر بالصناعات الاستخراجية التي تشكل عصب التدفقات الداخلية و الخارجية لميزان المدفوعات و الناتج المحلى لمصر . و رجوعا إلى المركزي حيث أعلن فى النصف الأول من سنة 2022 عن زيادة صافى الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 3.7% مشيرا إلى صافي تدفق للداخل يبلغ 2.2 مليار دولار في قطاعات غير بترولية , وهو ما يعكس قلة الاستثمار في الصناعات الاستخراجية  (القطاع البترولي) بمعدل 1.2 مليار دولار كتدفق داخلي مع زيادة فى التدفق الخارجي في الصناعات الاستخراجية . (7)يعد القطاع الصناعي عصب الدولة المصرية , حيث يساهم بنسبة 17,1% من الناتج المحلى الاجمالى , ومع انخفاض مساهمة القطاعات الاستخراجية في مصر كبيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر , يصبح النمو الاقتصادي للدولة في مأزق مع عجز في ميزان المدفوعات و هو ما يبرره ضعف إنتاجية القطاع الخاص في مصر بشكل لا يشجع على المنافسة أو المستثمر الأجنبي على ضخ رأس المال الحر في المشاريع التنموية .

(7) المركزي: زيادة طفيفة بصافي الاستثمار الأجنبي بالربع الأول من العام المالي , مجلة مصراوى , 2022

(8) القصير يعرض فرص الاستثمار الزراعي في مصر أمام اكسبو 2020 دبي , الهيئئة العامة للاستعلامات المصرية , 2022

  • الاستثمار الزراعي ( مستقبل الأمن الغذائي في مصر ) :

يسهم الإنتاج الزراعي بمعدل 17 % من الصادرات السلعية مع 11 % من الناتج المحلى الاجمالى , و يعتبر الإنتاج الزراعي من أهم القطاعات الرئيسية للدولة بما توفره من فرص للقوى العاملة المصرية و كذلك ترفع من القدرة التنافسية على الصادرات . و أوضح  حديثا السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في معرض اكسبو دبي 2020 , عن ترحيب مصر التام بالاستثمارات في القطاع  الزراعي بمصر , مسترشدا بتوجهات الدولة على المستوى الأفقي و الرأسي فى القطاع الزراعي و المشاريع التنموية كمشروع الدلتا الجديدة بمساحة مليون فدان للزراعة و مشروع توشكا . كما أشاد بتناسبية المناخ الاستثماري في مصر مع الاستثمار المباشر حيث العائد الاستثماري المرتفع  و الاستقرار السياسي في مصر كتوجه عام للدولة ضمن إستراتيجية مصر 2030 . (8)تبلغ المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في مصر حوالي 9.4 مليون فدان , مع تخطيط الدولة لاستصلاح 3 مليون فدان في سيناء و الدلتا الجديدة .وهو ما دفع الدولة المصرية حديثا لتبنى سياسات على المستوى الاقطاعى الزراعي لجذب المستثمرين خصيصا مع الأزمات العالمية التي حجمت استيراد مصر من المحاصيل الزراعية الاستهلاكية الهامة .

و  يساهم القطاع الخاص فى الإنتاج الزراعي بمعدل  1.5 مليون فدان قابلة للزراعة و هو ما أوضحه على عيسى رئيس جمعية الأعمال فى مصر , مشيرا إلى أهمية تنشيط القطاع الخاص و تأمين فرص حقيقية للاستثمار الزراعي بشكل يسهل عملية استصلاح الأراضي و زراعتها .(9)

  • شراكة القطاع الخاص للدولة فى القطاع الزراعى ( مبادرة وطنية لاستصلاح 4 مليون فدان ) :

كيف يمكن تلبية حاجة مصر الاستهلاكية من القمح سنويا ؟

الاكتفاء الذاتى من القمح ممكن فى ظل توجهات اقتصادية و استثمارية رصينة على الوجه الأشمل , حيث مع استهلاك يقدر بحوالى 18 مليون طن من القمح سنويا و قدرة إنتاجية منخفضة تصل فى ذروتها إلى 9 ملايين طن بحسب ما أعلنته النشرة السنوية لإحصاء المساحات المحصولية والإنتاج النباتي لعام 2020 مستغلة بذلك نحو 3.6 مليون فدان فقط من الأراضى الزراعية لزراعة القمح من أصل 9.4 مليون فدان صالحة للزراعة (10) , فيصبح الطرح الأكثر شيوعا هو زيادة الانتاجية الاجمالية من محصول القمح سنويا بمعدل ( 10 ملايين طن اضافية ) بما يتناسب مع الحاجة المحلية للاستهلاك . يتطلب سد الفجوة الاستهلاكية زيادة نسبة المزروع من القمح و عند حساب النسبة التقديرية نجد أن 4 مليون فدان اضافى لزراعة القمح بمعدل انتاجى نحو 10 ملايين طن يمكن من خلاله تأمين حاجة مصر الاستهلاكية من القمح سنويا . و حيثما نرى من خلال سعى الدولة حديثا كما استطردنا سابقا لاستصلاح 3 مليون فدان فى سيناء و الدلتا الجديدة , يمكن زيادة النسبة المستصلحة من الأراضى من حيث الكم و الكيف لتصل الى 4 مليون فدان و تكمن التكاليف الاستصلاحية و العمالة هى العامل الوحيد الذى يعوق تقدم القطاع الزراعى حيث العبء الكبير الذى يقع على الميزانية العامة للدولة و ضعف قدرة الدولة ذاتيا لتمويل مشاريع الاستصلاح الزراعى و التوسع مما يتيح المجال أمام خيارات استصلاحية أخرى كالاستثمار الأجنبى المباشر و استثمارات القطاع الخاص لما يمتلكونه من مقومات للاستثمار الزراعي.

على الجانب الآخر , يساهم القطاع الخاص بنصيب غير متواضع من الواردات المصرية من القمح سابقا بنسبة تصل الى 60 % وفقا لتقرير تابع لوزارة الزراعة الأمريكى (11). و تعتبر مساهمة القطاع الخاص فى واردات القمح كانت تشمل فقط عملية شراء المحاصيل و المتاجرة فيها و توريدها . و مع المشاركة الحثيثة التى تنشدها الدولة للقطاع الخاص فى مشروعات البنية التحتية و قطاعات التشييد , يمكن جليا توجيه الشراكة نحو الاستثمار الزراعى فبدلا من المتاجرة فى سوق المحاصيل الزراعية و التوريدات و مشاريع الاعمار , يمكن تحفيز المستثمرين على ضخ رؤؤس الأموال فى استصلاح  الأراضى  و تسليمها للدولة بعوائد مادية مجزية لرجال الأعمال أو عن طريق بيع المحصول للدولة بشكل مباشر مع استمرارية انتاجية الأراضى فى أيدى القطاع الخاص .

ومن المتوقع إبان عملية الاستصلاح وجود فائض تصدير يسمح للدولة بتحقيق أرباح لزيادة الناتج المحلى الاجمالى مع خلق حلول جذرية للعمالة فى مصر وهو كما أوضحنا سابقا يرجع لجاهزية القطاع الخاص لاستيعاب العمالة المنتظمة و الغير منتظمة فى المشاريع الإنتاجية طويلة الأمد .

ميزانية تقريبية لمبادرة ال 4 مليون فدان استصلاحى :

فى تصريح للدكتور محمد القرش المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة فى مصر متحدثا عن التعديات على الأراضى الزراعية فى مصر و عقوبتها نظرا للتكاليف الباهظة للاستصلاح الزراعي , نستخلص بأن تكلفة استصلاح فدان واحد تصل إلى 250 الف جنيه شاملة شبكات المياه و حفر الآبار و استراحات للعمال و المشرفين على المزارع . الميزانية الاستصلاحية للفدان الواحد تتفاوت بشكل طفيف من حيث تسوية الأرض فى حالة وجود تعرجات و كذلك التراضى مع البدو لحيازة الأرض بوضع اليد , و هو ما يجعل التكلفة الإجمالية في حالة ازدياد بمعدل 30 الف جنيه تقريبا للفدان الواحد . التكلفة الاجمالية التقريبية لمبادرة ال 4مليون فدان استصلاحى يمكن أن تتعدى المليار جنيه مصرى مع الأخذ فى الاعتبار للمدة الزمنية و حالة الأرض و مراحل تنقيتها و جاهزيتها التامة للاستصلاح

اطار زمنى للمبادرة :

الاستصلاح فى الأراضي الصحراوية بالأخص يحتاج برنامج زمني ممنهج ذو مراحل متعددة , بداية من البحث و دراسة حالة الأراضى حتي البدء فى تسوية الأرض و انشاء شبكات رى والبدء فى عملية الاستصلاح. و فى ضوء أهمية و ضرورية المبادرة , يمكن وضع حد أقصى لاستكمال المشروع من سنتين الى ثلاثة سنوات مع امكانية الاستغلال الرأسى للأراضى حيث يمكن البدء بالعمل من خلال تقسيم المبادرة الى ثلاث أو اربع مراحل بحيث تقسم الأفدنة على تلك المراحل و يتم استصلاح و زراعة كل مرحلة على حدا استثمارا للوقت و لتكاليف الاستصلاح و الزراعة و من ثم الانتقال لمرحلة أخرى و التوسع بمساحات أخرى أفقيآ . و بهذا سنضمن على الأقل انتاجية مرحلة واحدة على المدى القريب للمبادرة .

  • المشاريع الخادمة للاستصلاح الزراعي :

مشاريع تحلية المياه و الرى المختلفة و كذلك تصنيع و استيراد الماكينات الزراعية تعمل بشكل خدمى و ملزم للتوسع الرأسى و هو ما استلزم الدولة الانفاق على مشاريع فى سيناء و الدلتا الجديدة لدعم خطط التوسع الزراعى . الشركات التسويقية عادة ما تستطيع الانفاق الكبير على المشاريع الضخمة و مشاركة الدولة وصغار الملاك على عملية الاستصلاح و هو ما يجدر للدولة العمل عليه لاستقطاب الشركات ذات الراس المال الضخم لضخ المال و و المشاركة بنسب فى المشاريع المزمع تنفيذها . تكاليف المشاريع الخدمية ليست باليسيرة خاصة فى الأماكن النائية عن الخدمات فى المدن الرئيسية . إعمالآ بخطى القيادة السياسية بالأخص فى سيناء لتمكين شباب سيناء من امتلاك الأراضى و كذلك استصلاحها , يصبح المستثمر و الشراكات الاستثمارية عصب ذاك التمكين لتوفير اليات العمل من شبكات رى و شركات تحلية حيث يسهل من خلالها التوسع بأفدنة اضافية و محاصيل أخرى استهلاكية عند الحاجة فى المستقبل .

(9) اقتراحات لتمكين القطاع الخاص فى “الاستثمار الزراعى” , جريدة البورصة المصرية , 2022

(10) كم يبلغ حجم إنتاج مصر من القمح والأرز وقصب السكر فى 18 نقطة , اقتصاد و بورصة , اليوم السابع, 2022

(11) تقرير أمريكي يتوقع ارتفاع إنتاج مصر من القمح 9% خلال الموسم الجديد , اقتصاد , مجلة مصراوى , 2022

النتائج والتوصيات :

أولا : النتائج :

ملف الأمن الغذائى المصرى تجرى الآن مناقشته على طاولة القرار السياسى لاتخاذ قرارات وتوجهات أكثر تناسبية مع الموقف العالمى و تزايد اسعار القمح . السياسات التى يتبناها البنك المركزى الآن من رفع سعر الفائدة و كذلك تحرير سعر الصرف قادرة على جذب استثمار تنموى فى كثير من القطاعات الواعدة فى مصر . كما أن للاستقرار السياسى للدولة أغلب الأثر فى التنبؤات العالمية بمناخ استثمارى جيد فى مصر على المستوى الاعلامى الدولى و هو ما تستطيع الدولة استغلاله عن طريق تشجيع المجتمع المدنى على المشاركة فى المشاريع التنموية و الأنشطة القومية للدولة بما يتيح صورة أكثر استقرارا و مرونة لطبيعة السياسة القومية للدولة.

  • و من خلال توثيقنا لتاريخ الاقتصاد المصرى من الاستدانة و العقبات الاستثمارية و التدفقات الداخلية , يمكن الحسم بجاهزية الاقتصاد المصرى للتحديات الدولية و هو ما يبرره مرونة البنك المركزى حيال الأزمة العالمية الحالية .
  • و عند النظر الى القطاع الخاص و مشاركاته , نجد أنه لا يعد الأمثل من حيث رؤيته الاستثمارية فى مصر متمثلا فقط فى الاستثمار العقارى و البنية التحتية للدولة مع عدد من القطاعات الفرعية كالصحة و التكنولوجيا المعلوماتية غافلا عن الزراعات و الاستصلاحات الأفقية التى تعد ركيزة النمو الاقتصادى للدولة بما توفره من عوائد استثمارية و عمالة منتظمة .
  • القطاع الخاص يمكنه الدخول و المساهمة بدور قومى فى الاستصلاحات المنشودة لزراعة القمح بشكل يخدم الاستهلاك القومى و هو ما ستوفره السياسات التى يمكن للدولة تبنيها لجعل القطاع الخاص أكثر استقلالية ناحية توجيه الاستثمارات و مرونة تجاه الضمانات البنكية و التسهيلات الجمركية والغير جمركية . كما أن للمشاريع المتوسطة و متناهية الصغر دور يمكن للدولة تشجيعه للمساهمة فى التنمية الزراعية سواء بمشاريع الرى أو الأسمدة .
  • المناخ الاستثماري جاهز لاستقبال المساهمات فى قطاع الزراعة و يتوقف على الدولة ابان تعريفها لدورها كضابط للأسواق و لمعايير المنافسة و غير منافس للقطاع الخاص فى قطاعات الاستثمارات التنموية بشكل لا يجعل رجال الأعمال يحجموا عن المشاركة فى المبادرات و التشكيك فى عدم مساواة المنافسة بين القطاعين .
  • الوقت يمثل العامل الوحيد لاتمام المبادرات و استصلاح أراضى المبادرة و لكن على المدى البعيد سيوفر أريحية كبيرة لصانعى القرار حيال الأزمات .
  • أما فى الوقت الحالى , الضوابط على الأسواق و تجريم بيع محاصيل القمح خارج اطار وزارة التموين والتجارة الداخلية بجانب حوافز المزارعين جارية التنفيذ تعتبر خطوات سديدة لتوفير احتياطى كبير من مخزون القمح من خلال توسعات الدولة فى انشاء الصوامع و المطاحن لتقليل نسبة الاهدارات .
  • البحث عن بدائل لواردات القمح من روسيا و أوكرانيا سيكون مكلفا على الخزينة العامة للدولة فى الشحن و كذلك تزايد أسعار القمح عالميآ بنسبة 40 % و لكن حيال تشجيع القطاع الخاص للمساهمة فى الاستيراد يمكن حث التجار على المساهمة فى استيراد القمح و بيعها للدولة مع فرض الرقابة و الضوابط على التجار للمحافظة على أسعار أردب القمح محليا تخوفا من التلاعب فى الأسعار و احتكار الأسواق .
  • عملية الاستصلاح بمعدل ( 4 ملايين فدان ) ستكون على المدى البعيد و متضمنة ليس فقط جهود القطاع الخاص المحلى و لكن أيضا المستثمرين الأجانب لما سيوفره تحريك سعر الصرف مؤخرا من عوائد استثمارية كبيرة للمستثمر مشجعة بذلك ثقة

المستثمر الأجنبى فى السوق المصرى و العوائد الاستثمارية. تدفق الاستثمار الأجنبى فى مصر عادة ما يكون موجه للقطاعات العقارية والمعلومات و مع أزمة التدفقات الداخلية للاستثمار التي شهدها عام 2021 و عجز الميزان التجاري في القطاعات غير البترولية مسجلا 11 مليار دولار , تصبح الدولة مقيدة بحاصلات أجنبية ضعيفة تعكس فيما بعد تباطؤ العجلة التنموية و الاستثمارات .

  • المستثمر الأجنبى على حسب رؤية صندوق النقد الدولى , يبحث الآن عن قطاعات جديدة غير عقارية كقطاع الصحة و الزراعة و هو ما يمكن الدولة العمل على تشجيعه من خلال السندات و القروض البنكية و رفع أسعار الفائدة فى البنوك . طرح القطاع الزراعى فى اكسبو دبى 2020 كان أبرز التحولات التى شهدتها وتيرة الاستثمارات فى مصر الا انها ليست الوحيدة القادرة على جذب الاستثمار , فطرح تسهيلات استثمارية فى قطاع الزراعة بالتحديد مع تسهيلات مصرفية و عوائد كبيرة للاستثمار قد يسهم مع القطاع الخاص فى انتعاش رقعة الأراضى الزراعية أو على الأقل تحقيق تدفق داخلى قادر على تحمل تكاليف الاستصلاحات و المشاريع الزراعية المنشودة.
  • كما أن المشاريع العملاقة كمحطات التحلية و تطويرات منظومة الرى تعتبر مشاريع استثمارية ضخمة قادرة على استيعاب المستثمرين و تعمل جنبا الى جنب مع توسيع الرقعة الزراعية لمصر .

ثانيا : التوصيات : تزامنا مع حث الدولة حديثا على تنمية القطاع الخاص و جذب الاستثمار المباشر كجزء من خطة مصر الإستراتيجية  2030 ,  توجد العديد من السياسات المطروحة للأخذ في الاعتبار إبان توفير احتياجات السكان من المحاصيل الإستراتيجية و كذلك توافر فائض للتصدير .

1- حوكمة شركات القطاع العام و تحديد مجال عملها :

لكى تضمن الدولة مناخ استثمارى جاذب للقطاع الخاص لضخ رؤؤس الأموال , يجب وضع سياسات عامة وأجندات قانونية حيال القطاعات المملوكة للدولة و تحديد الدور الذى تقوم به الدولة سواء بادارة تلك القطاعات او تشغيلها . حيث أن تحديد ضوابط للهيكل الاستثمارى للدولة , يساعد على تحفيز العائد الاستثمارى الخارجى و كذلك قدرة المستثمر على اختيار القطاع المناسب له لضخ رأس المال فيه. كما أن توفر قانون المشاركة فى مشاريع البنية التحتية قيد التنفيذ بين القطاع العام و الخاص  , يلزم الدولة ضمنيا بضرورة تحديد ماهيتها بالنسبة للعديد من القطاعات الأخرى .

2- تطوير التشريعات الخاصة بأجندة عمل شركات القطاع الخاص :

نظرا لاستيعاب القطاع الخاص نحو 80 % من العمالة المصرية , يتنامى دور الدولة فى فرض تسهيلات تشريعية للمشروعات المتوسطة و متناهية الصغر , حيث مع مطلع عام 2022  ( عام المجتمع المدنى ) تزايد اهتمام الدولة بدعم القطاع الخاص و مشاركته فى عجلة التنمية المحلية. ولتوسيع مجالات الأعمال أجريت العديد من التعديلات التشريعية الخاصة بالإفلاس و قوانين الاستثمار الجديدة و قانون التراخيص الصناعية . اهتمام الدولة نحو توجيه القطاع الخاص للمشاركة فى مشاريع البنية التحتية جاء مطالبا بالعديد من التعديلات التشريعية مثل تيسير إجراءات استخراج رخص المصانع و تخفيض القيمة الضريبية على استيراد و تصدير المنتجات حيث تستحوذ الضرائب على 70 % من الموازنة العامة للدولة.

3- التسهيلات الجمركية و الغير جمركية  :

توفر التسهيلات الجمركية الوقت و رؤوس الأموال حيث تعكس انتهاج الدولة لسياسات حماية جمركية أكثر مرونة , و هو ما يتطلبه ثقة المستثمر فى تدفق السلع وعوائد التصدير و لذلك تطبيق سياسات حماية أكثر مرونة بضرائب أقل يضع مصر فى صدارة الدول المنتجة و المصدرة عالميا . و من ناحية أخرى حظر تصدير بعض السلع و الخدمات عادة ما يقوض الاستثمار المباشر فى القطاعات المختلفة  ولذلك يجب أن تتبنى الدولة معيار الشفافية و الاخذ فى الاعتبار بضرورة ادخال تعديلات حيثية على قرارات الحظر إعمالا بأحقية المستثمر فى الكسب و المتاجرة فى السوق العالمية بما لا يؤثر على حاجة مصر الاستهلاكية من بعض المنتجات كاالمحاصيل الزراعية ( الحبوب كمثال) . كما أن تحفيز الاستيراد من الخارج مع وضع تسهيلات جمركية خاصة باستيراد الماكينات الزراعية من الخارج يعد عامل مهم و أساسى لتحفيز الاستثمارات فى قطاع الزراعة.

4- الشفافية و الحياد للحفاظ على السوق التنافسية :

تعتمد السوق التنافسية على تنوع المنتجات و جودتها التنافسية محليا و عالميا و هو ما يستلزم الدولة وضع حدود لمعاملاتها المالية بالنسبة للشركات المملوكة للدولة و كذلك اتاحة البيانات المالية التى تعبر عن وزنها فى السوق بالنسبة للقطاع الخاص و المستثمر , مما يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات استثمارية بشأن الشركات و كذلك المراجعة الدورية و التقارير المرجعية عن الشركات التى من شأنها تعزيز ثقة القطاع الخاص

5- تطوير القطاع الزراعى ( مبادرة الدولة للاستصلاح الزراعى ):

مع تركيز الدولة حديثا على ضخ الاستثمارات فى القطاع الزراعى وهو ما ظهر جليا فى اكسبو دبى 2020 , فأن نقل تجربة التطوير و الاستصلاح الزراعى تعتبر الطريقة الأمثل لتوفير احتياجات مصر محليا و عالميا كتصديرات ذات عوائد ربحية مرتفعة. و فى حين أن ملكية الأراضي الزراعية فى مصر تتبع إما أفراد أو قطاع خاص , فأن الحل الأمثل يكمن فى تشجيع الدولة على جذب الاستثمارات الاستصلاحية فى قطاع الزراعة بشكل مباشر و ذلك لارتفاع تكلفة استصلاح الأراضي مع وضع قوانين تحد من المتاجرة فى الأراضي المستصلحة. و تتمثل اليات تمكين الاستصلاح فى القطاع الزراعى , التسهيلات الائتمانية من البنوك فى قطاع الزراعة و تسهيل الاقتراض وهو ما يمكن للبنوك وضع ضمانات بشأنه من خلال الأخذ فى الاعتبار بالظروف البيئية و المناخية و فرض توقيت ملزم للاستصلاح و الزراعة ووضع قواعد تنظم التزام المستثمرين باستكمال المشاريع الاستصلاحية و الزراعية على حد سواء مهما كانت العواقب و التكاليف.

6- تمويلات البنوك الدولية للقطاع الخاص وتغطية تكاليف وجهات استيرادية جديدة :

على غرار تمويلات شركاء التنمية التى بلغت حوالى 4.7 مليار دولار للقطاع الخاص فى مصر خلال عامى 2020 و 2021 . يجب دراسة تحفيز القطاع الخاص على الدخول فى مجال استيراد القمح من الخارج و المساهمة بجزء من تمويلات البنوك الدولية لفتح قنوات و وجهات جديدة لواردات القمح , حيث أن خيارات الاستيراد فى الوقت الحالى أصبحت محدودة و باهظة بعض الشىء تتمثل فى ارتفاع تكلفة الشحن و عدم مرونته ككازاخستان و فرنسا  ( الخيارات الأكثر تناسبا مع الأزمة الحالية ) . المساهمة فى واردات القمح يمكن أن تخضع لقوانين ملزمة للقطاع الخاص ببيع الكمية المستوردة كاملة للحكومة بمقابل مادى محدد مع تسهيلات بنكية مقدمة لرجال الأعمال المشاركين فى مبادرة استيراد القمح .

الخاتمة :

الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم كثيرا ما أثرت و ستؤثر على نمو الاقتصاد المصرى مما استدعى تحفيز جهود صانعى القرارلتطبيق سياسات نقدية و اقتصادية هامة لمجابهة الاثار المترتبة عن الأزمات العالمية . و مع وجود ملف الأمن الغذائى المصرى فى مقدمة أولويات صانعى القرار , وجب ايجاد وسائل حثيثة لتوفير الاحتياجات الأساسية و المحاصيل الاستهلاكية ذات الأهمية الاستراتيجية كالقمح. الدولة كثيرا ما تشجع الاستثمار فى العديد من القطاعات , ومع أزمة محصول القمح حاليا و عدم كفايته بما يتناسب مع الاستهلاك سنويا , يجب التركيز على تحويل عجلة استثمار القطاع الخاص و الاستثمار الأجنبى المباشر مليا ناحية الاستصلاحات الزراعية و مشاريع التنمية الزراعية و كذلك تشجيع المزارعين فى الوقت الحالى على الاهتمام بالمساحات المزروعة. يجب على الدولة أيضا تطبيق سياسات تقشفية مع التوسع فى انشاء الصوامع المميكنة مما يساعد على الحفاظ على محاصيل القمح من الاهدار و وضع ضوابط و قيود للحيلولة بين المزارعين و بين الاعمار المخالف و تقليص المساحات.

الاستثمار فى القطاع الزراعى قادر على زيادة الرقعة الزراعية لمصر و كذلك توفير الاحتياجات الرئيسية لمصر من المحاصيل الاستهلاكية الرئيسية و هو ما سينعكس بدوره على زيادة فرص العمل فى قطاع الزراعة و زيادة الناتج المحلى الاجمالى و كذلك تقليل الحظر على التصديرات و الانفتاح على السوق العالمية.

و لعل عامل الوقت سيظل الفارق فى الرؤية التنموية لقطاع الزراعة بالنسبة للمساحات المستصلحة و لكن على المدى البعيد مع توافر ضعف الأراضى تقريبا المزروعة بالقمح , سيصبح ملف الأمن الغذائى المصرى فى مأمن, سيما الفائض للتصدير فى حال تعاظمت كمية المستصلح من الأراضى و المحاصيل .

الدولة فى حاجة حاليا تقريبا لضعف انتاج القمح وهو ما ذكرناه سالفآ بالأرقام التقريبية للنسبة المطلوب استصلاحها و زراعتها و لكنها على المدى البعيد ممكنة الحدوث , أما على صعيد الأزمة الحالية , تكمن الحلول فى الضوابط الواجب وضعها من قبل الدولة على المزارعين حيث أن أغلب الأراضى الزراعية فى مصر مملوكة لأفراد ولذلك يجب السيطرة على عملية تجارة المحاصيل لعدم وصوله الى السوق السوداء و وضع ضوابط تحد من تصاريح البناء على الأراضى الزراعية فى الوقت الحالى .

المراجع :

1- د. أشرف صلاح الدين صالح , 2021 , ” تطور السياسات النقدية في مصر ” , مركز المعرفة , مركز دعم واتخاذ القرار, مجلس الوزراء المصرى

2-  2021 ,  ” 2021 ARTICLE IV CONSULTATION, SECOND REVIEW UNDER THE STAND-BY ARRANGEMENT—PRESS RELEASE; STAFF REPORT; AND STATEMENT BY THE EXECUTIVE DIRECTOR FOR THE ARAB REPUBLIC OF EGYPT”

3-  2021 , ” تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية بتعظيم مشاركة القطاع الخاص فى المشروعات التنموية” , بيانات صحفية , وزارة المالية جمهورية مصر العربية

4- ” آفاق وتحديات استراتيجية التنمية المستدامة في مصر ” , قضايا , الهيئة العامة للاستعلامات

5- 2021 ,التكنولوجيا المالية الفرص والتحديات أمام القطاع الخاص في مصر ” , مركز دعم واتخاذ القرار, مجلس الوزراء المصرى

6- خالد منشاوى , 2021 , ” تدفق الاستثمار الأجنبي إلى مصر ومطالبات بدعم جذب رؤوس الأموال “, independent عربية

7- وليد رمضان , 2021 , ” أزمة عالمية وإجراءات حكومية والمواطن يترقب حلول لترويــض «غول» التضخم ” , تحقيقات , بوابة الأهرام

8- 2021 , ” جودة العمل في مصر” , مقالات , مشروع حلول للسياسات البديلة الجامعة الأمريكية بالقاهرة

9- محمود عبد الله , 2021 ,وزيرة التخطيط تكشف عن أبرز الإصلاحات التشريعية و7 قوانين تعزز الاستثمار المحلي والأجنبي ” , اقتصاد , بوابة الأهرام

10-  وفاء رمضان – أيمن عبدالعزيز , 2021 , ” بعد ان قدمت الدولة تسهيلات كبيرة للقطاع الخاص.. المستثمرون: الكرة الآن في ملعبنا ” , تقارير و تحقيقات , الجمهورية اون لاين

11- كريم مجاهد ¸ ” دراسة استقصائية حول القطاع الخاص في مصر:أنماط الاستثمار وممارسات العمالة , تقرير , شبكة المنظمات العالمية غير الحكومية للتنمية

12- إيمان أحمد أحمد عوض , 2021 , ” العلاقة السببية بين تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والتنمية المالية للقطاع المصرفي: دراسة تطبيقية على الاقتصاد المصري , المجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية والتجارية , كلية التجارة – جامعة دمياط

13- 2020 ,” الإجراءات المصرية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر” , سلسة اتجاهات محلية , مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري

14- سارة العيسوى , 2020 , ” «القطاع الخاص المصرى».. قراءة فى تقارير المؤسسات الدولية ” , اقتصاد , بوابة الأهرام

15- 2020 , ” الدراسة التشخيصية للقطاع الخاص – خلق الأسواق في مصر- تحقيق الإمكانات الكاملة لـقطاع خاص منتج, مؤسسة التمويل الدولية

16- 2021 , ” المشروع القومى للصوامع ”  , المشروعات القومية ,  الاقتصاد , الهينة العامة للاستعلامات .

17- 2022 , ” سيناريوهات تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 2022 ” , استثمار , جريدة المال .

18 – 2022 , ” وثيقة جديدة لسياسة ملكية الدولة تستهدف تعظيم مشاركة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى ” , مصلحة الضرائب المصرية

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى