الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد الحرب الروسية في أوكرانيا

The American, Iranian relations after the Russian war in Ukraine (Evaluate an attitude)

اعداد : محمد إسماعيل السعدي – باحث في العلاقات الاقتصادية الدولية

المصدر – مجلة مدارات إيرانية  : العدد السابع عشر أيلول – سبتمبر 2022 المجلد 5 تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي  ألمانيا –برلين”

 

الملخص : 

شكلت الحرب الروسية في أوكرانيا نقطة تحول جوهرية باتجاه العودة للاتفاق النووي بين إيران من جهة، وما عرف اصطلاحاً بمجموعة الخمسة زائد واحد وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ، من جهة أخرى، في الجانب الاقتصادي، رأت الولايات المتحدة الأمريكية في العودة للاتفاق، فرصة اقتصادية مناسبة للدفع بمزيد من النفط باتجاه الأسواق العالمية، وبالتالي الحد من ارتفاع أسعاره، وأثر ذلك في السيطرة على المستوى العالمي للتضخم المرتفع والذي تشهده معظم الاقتصادات المتقدمة، كنتيجة لتراجع تدفق الغاز الروسي على تلك الدول، في الجانب السياسي، رأت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنه بالعودة للاتفاق يمكن فك التحالف الروسي الإيراني في المنطقة العربية، وخلق توازنات سياسية جديدة تدفع بالإيراني نحو الحلف الأمريكي في المنطقة، في الطرف المقابل، رأت فيها إيران فرصة اقتصادية لإعادة الحياة لاقتصادها المتضرر والمتهالك نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب أنشطتها النووية، وما ينجم عن ذلك من فك الاحتباس عن الأموال الإيرانية المحتجزة لدى البنوك العالمية، والدفع بها في إنعاش بنيتها الاقتصادية، في الجانب السياسي رأت فيها ايران فرصة للخروج من عزلتها الدولية وإعادة اندماجها في منظومة العلاقات الدولية بمختلف أشكالها.

Abstract

The Russian war in Ukraine has been a substantial turning point toward bring back the nuclear cooperation agreement between Iran from a side, and what is known as (p5+1) and the United States on the other side.
On the economic side The United States saw with bring back the relations comes a perfect economic chance to push more oil to the international market, therefore stop the price increases and its effect and control the rate of hyper-inflation which being faced many of the first world countries, which caused by reduction of the Russian gas.

­On the political side the United States with Joe biden in its lead saw a chance to tear down the alliance between Russia and Iran in the middle east, by going back to the nuclear cooperation agreement, and create a new political balance that pushes Iran toward the American Side in the area.

On the other side Iran saw a great chance to bring the life back its damaged economy, which caused by the International sanctions as a result of its nuclear activities, which leads to recover the Iranian assets being held in the international banks, it push it toward refreshing the Iranian economy.

Also Iran saw a chance to come back from its international isolation and integrate in the international relations in all its forms.

تتنوع العوامل المؤثرة في العلاقات الإيرانية الأمريكية لدرجة تجعل من الصعب على الباحث حصرها وتحديد مساراتها المحتملة، لكن يمكن ملاحظة تأثير عدد من العوامل المتعلقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، كطبيعة النسق الدولي، والمصالح الجيو استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وما يترتب على ذلك من التزامات.

تركز النظرية الواقعية البنيوية على تأثير طبيعة النسق الدولي الحالي في سلوك الدول، وفي علاقاتها الدولية، وهو الأمر الذي يمكن من خلاله تفسير سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران تجاه بعضها البعض.

دفعت  المكانة القيادية للولايات المتحدة  الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، في السعي دائماً إلى استبعاد ايران من أي ترتيبات سياسية وأمنية كبيرة في المنطقة، ذلك  حتى العام 2008  فمع وصول الديمقراطيين للحكم من جديد برئاسة الرئيس باراك أوباما،  بدأت هذه الإدارة تتبنى مساراً استراتيجياً مختلفاً، فوض من خلاله أوباما إيران باستلام ملفات سياسية وأمنية كبيرة في المنطقة، ذلك لتخفيف العبء العسكري عن  الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن ثم استطاعت توقيع الاتفاق النووي بين إيران من جهة ومجموعة الخمسة زائد واحد من جهة في تموز عام 2015، بعد مفاوضات دامت 18 شهراً، ثم جاء الجمهوريين للحكم من جديد في البيت الأبيض ممثلين بالرئيس الأمريكي “دونالد  ترامب” الذي سارع إلى ممارسة أقصى أنواع الضغوطات السياسية والاقتصادية  المختلفة على إيران عبر جملة من العقوبات الاقتصادية  والسياسية، انتهت تلك الضغوطات بانسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في أيار 2018، لكن بعد مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة في مطلع  عام 2021، ورحيل” ترامب”، رأت الإدارة الامريكية هذه ،أن ممارسة ذلك الضغط والانسحاب من الاتفاق النووي دفع ايران نحو التوجه الى روسيا والصين ، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومن ثم الطلب الروسي من إيران بتزويدها بطيران “الدرون” المسيرة كمثال على ذلك التعاون، وأثر ذلك في سير المعارك على الأرض الأوكرانية.

أدى انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق النووي الإيراني في 8 أيار 2018، إلى إعادة فرض الجزاءات الأمريكية على إيران، التي كانت قد رفعت بموجب خطة العمل الشاملة، أما مجموعة الدول الأوروبية الثلاث ، والتي ضمت كل من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، فاستمرت في التقيد بجميع التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة،  وباشرت أيضاً ببذل جهود إضافية للمحافظة على خطة العمل الشاملة المشتركة، ذلك من خلال  إنشاء آلية (اتستكس) الخاصة، والرامية إلى تسيير المعاملات التجارة بين الجهات الفاعلة الاقتصادية الأوروبية والإيرانية.

بردة فعل واضحة من إيران على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، قامت في العام 2019، باتخاذ تدابير نووية استفزازية للمجتمع الدولي، انتهكت بموجبها ما تعهدت به في الخطة الشاملة، ردة الفعل هذه سجلت ووثقت بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تموز  2019 ، بأن إيران تجاوزت بصورة متتالية الحد المسموح به لمخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب، وأنها تملصت من القيود المفروضة فيما يخص أنشطة البحث والتطوير، بل وأنها استأنفت أنشطة التخصيب في منشاة “فوردو”، فأصبحت إيران تخصب اليورانيوم حتى 60%، ثم باشرت بإنتاج فلز اليورانيوم، هذان النشاطان يمثلان مرحلة مهمة في تطوير الأسلحة النووية، تلك الإجراءات وصفتها الوكالة بانها لا يمكن تسويقها أبدا ًعلى انها أنشطة مدنية وسلمية لأغراض مدنية.

بعد وصول الإدارة الأمريكية الجديدة للحكم ممثلة بالرئيس “جو بايدن”، في كانون الثاني 2021، عبرت هذه الإدارة عن رغبتها في العودة للاتفاق طالما تتقيد إيران بالتزاماتها النووية بموجب اتفاق عام 2015.

بعدها عادت المفاوضات مع بداية عام 2022. إلى مسارها السابق، مع رغبة أمريكية وإيرانية مشتركة بضرورة تسريعها لتصل الى مرحلة إعادة التوقيع النهائي، واستأنفت المفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا بلا انقطاع منذ ذلك التاريخ.

في دارسة معمقة لخلفية عودة الولايات المتحدة الامريكية وإيران لاتفاقهم الدولي السابق، يلاحظ في الموقف الأمريكي أن الولايات المتحدة الامريكية في عودتها للمفاوضات وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية مستهدفة ما يلي:

  1. كسب حلفاء جدد لها في منطقة الخليج، لإيجاد توازناً واصطفافاً جديداً يتم من خلاله سحب الطرف الإيراني من تحالفه الاستراتيجي مع موسكو، وذلك بتقديم مجموعة من الإغراءات السياسية في كثير من ملفات الشرق الأوسط خاصة في سوريا واليمن والعراق.
  2. ترى الولايات المتحدة الامريكية في رفع العقوبات عن مصادر الطاقة الإيرانية، خاصة النفط والمقدر انتاجها ب 2.5 مليون برميل في شباط 2021، وفق تقرير أعدته منظمة البلدان المصدرة للنفط” أوبك”، ترى به زيادة حقيقة ومؤثرة في إمداد أسواق الطاقة العالمية، فزيادة المعروض تدفع نحو مزيد من انخفاض أسعاره، ومن ثم الحد من تسارع معدلات التضخم الذي تشهده معظم الأسواق العالمية.

التوجه الأمريكي هذا سيقابل حتما بمعارضة كبيرة من اللوبيات الإسرائيلية والسعودية داخل أروقة صانعي القرار في المؤسسات الأمريكية، خاصة الكونغرس، كمؤسسة تشريعية فاعلة قد تلزم الرئاسة بالرجوع إليها في حال قررت العودة للاتفاق ومن الممكن أن تمارس هذه اللوبيات أقصى درجات الضغط نحو دفع الإدارة الامريكية لعدم التوقيع او إحياء الاتفاق النووي لأسباب عديدة يعود تقديرها لكل منها، ويأتي في مقدمتها الخوف من إعادة الحياة للاقتصاد الإيراني بعد إعادة رفع العقوبات، ما يدفعها لمزيد من التوسع الجيوسياسي في المنطقة، عبر ميليشياتها المنتشرة في كل من سوريا والعراق واليمن، وهي مناطق تعد جزءاً مهما من أي مشروع للمصالحة الإسرائيلية العربية الممكنة تحت ما يسمى مشروع صفقة القرن.

يرى الكثير أن دور هذه اللوبيات سيكون حاسماً في العودة للاتفاق من عدمه، إلا في حال واحد، هو التوصل لتسويات سياسية غير ممكنة حالياً بين كل من السعودية وإيران في المدى المتطور، في كل الملفات العالقة في المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بسوريا والعراق.

أما الموقف الإيراني الحالي من العودة للاتفاق فيمكن أن نقف عليه كالتالي:

  1. ترى الإدارة الإيرانية الحالية ممثلة بالرئيس ابراهيم رئيسي وفريقه السياسي، أن الظروف السياسية الحالية ممثلة بإدارة الرئيس الامريكي “جو بايدن” فرصة مناسبة جداً يجب عدم تفويتها في العودة للاتفاق وبأي ثمن كان.
  2. إن الوضع الاقتصادي المزري للاقتصاد الإيراني عامل مهم في التوجه نحو القبول بأي شرط تفرضه الإدارة الأمريكية للعودة للاتفاق، حيث سجلت معدلات التضخم والفقر والبطالة مستويات مرتفعة وأصبحت الحاضنة الشعبية، خاصة لدى العوام، جاهزة بأي لحظة للاشتعال والانتقام من الحالة المزرية التي وصلت لها معيشتهم.
  3. ستقبل إيران بالذهاب نحو التسوية المؤلمة في كثير من الملفات التي تديرها وتتدخل بها في المنطقة خاصة في العراق، وخسارة فريقه السياسي هناك حاضنته الشعبية مؤشراً خطراً جداً، فكانت مظاهرات الخامس من آب الماضي للتيار الصدري أكبر دليل في ذلك للانهيار، فالإسراع في تشكيل الحكومة العراقية أفضل من الاستمرار في الانهيار ومن ثم خروج فريقها المؤيد من الحياةٍ السياسية العراقية وبشكل نهائي.
  4. التسوية في العراق وسوريا ومن ثم اليمن سيدفع نحو وفاق وتصالح إيراني سعودي ويخفف من الضغط السعودي على الإدارة الامريكية لعدم العودة للاتفاق، والحديث عن مفاوضات سعودية إيرانية مؤخراً على مستوى متوسط في بغداد مؤشراً مهماً في ذلك.
  5. يبقى دور الحرس الثوري الإيراني في الضغط على المؤسسات الرسمية السياسية الإيرانية في عدم قبول العودة بشروط تعتبرها مذلة، عاملاً مهماً في العودة للاتفاق، خاصة في موضوع رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب الامريكية، والمؤشرات تدل على عدم قبول الإدارة الأمريكية لهذا الطلب، وتأجيل النظر فيه لما بعد توقيع بنود العودة للاتفاق.
  6. تمتلك إيران لوبياً فعالاً في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مؤسسة الكونغرس، لكن مازالت حتى الآن بعيداً عن القدرة على التأثير في صناعة القرار في تلك المؤسسة.
  7. تطالب إيران بضرورة إنهاء ملفها العالق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بوجود آثار نووية في مواقع إيرانية لم تصرح عنها إيران سابقاً على إنها مواقع لتخصيب اليورانيوم.
  8. تطالب إيران بضمانات حقوقية وسياسية تلزم أي إدارة أمريكية مستقبلية بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق، وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية.

يرى الكثير أن عودة إيران للاتفاق النووي لن تنعكس إيجاباً في المستوى المعاشي والاقتصادي للمواطن الإيراني، لأسباب عديدة، أهمها، غياب مناخ الحرية والشفافية في التصرف بالأموال التي سيفرج عنها البنوك العالمية بعد رفع العقوبات وهل ستذهب هذه الأموال في مشاريع تنموية في الداخل الإٍيرانيٍ، أم ستذهب نحو مزيد من الدعم المالي لميليشياتها الموزعة في أكثر من دولة عربية، في ظل مشروع توسعي يراه البعض من الشعوب العربية شاذاً وحتى مماثلاً للمشروع الصهيوني في المنطقة.

لا يمكن التعويل على العودة للاتفاق كمشروع حامل لأفقاً مبشراً في مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران، لسبب جوهري هو غياب مناخ الديمقراطية وحقوق الانسان في هذا البلد، ومحاولته المستمرة لتصدير مشروعه السياسي الثيوقراطي خارج حدود دولته.

واقع العلاقات والنظام الدولي الحالي يدفع نحو ضرورة التوقيع على بنود هذا الاتفاق، هذا إن كانت إيران جادة فعلاً للخروج من عزلتها السياسية والاقتصادية، لكن كل ذلك يصطدم بالحكومة الخلفية الفعلية لهذه الدولة ممثلة بمرشد الثورة الإيراني علي خامنئي، وحرسه الثوري، وشغفهم الكبير في إعادة إنتاج دولة فارسية كبرى تتخطى الواقع الجغرافي والتاريخي للشرق الأوسط برمته، وبالتالي لن يكون من نتائج العودة للاتفاق إٍلا مزيد من تصعيد إيران لعملياتها العسكرية في دول المنطقة عبر ميليشياتها وهو ما ينذر بمزيد من التدهور الأمني والعسكري في المنطقة ككل.

يرى البعض أن الإدارة الأمريكية الحالية لو تملك أدنى شك، في أن رفع العقوبات الحالية عن إيران، سيسهم في صناعة وبناء عملية تنموية اقتصادية اجتماعية، تنعكس إيجابا ًعلى المستوى المعاشي للمواطنين الإيرانيين، لما دفعت بإتجاه العودة للاتفاق، لكنها على قناعة مطلقة أن هذه الأموال ستذهب باتجاه آخر مختلف تماماً مما يسهم في تأزيم حدة كافة الصراعات المحلية في دول المنطقة من جهة، وصراعها  مع دول الجوار الإقليمي من جهة أٍخرى إضافة لتغير الظروف الدولية المحيطة، والتي دفعت سابقا لإلغاء الاتفاق، لكن الحرب الروسية في أوكرانيا دفعت بالإدارة الأمريكية الحالية نحو مزيد من البراغماتية في التعامل السياسي مع هذا الملف الشامل.

4.7/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى