الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

رؤية في التقارب السعودي – الإيراني

بقلم الباحث : بوطالب محمد أمين – معسكر- الجزائر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

نجاح صيني في اعقد ملفات المنطقة.

أثمرت جهود الوساطة الصينية ، منتصف شهر مارس الجاري على إعلان إستئناف العلاقات الديبلوماسية بين جمهورية إيران الإسلامية و المملكة العربية السعودية و قد لقيت هذه الخطوة ترحيبا كبيرا من طرف الدول العربية و الإسلامية و بالخصوص دول منطقة الشرق الأوسط و الخليج و قد صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان:” إن الوصول إلى اتفاق بين الرياض وطهران يفضي إلى استئناف العلاقات السياسية، لا يعني التوصل إلى حل جميع الخلافات العالقة بين البلدين” من جهته صرح وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان:” إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية ليس موجها ضد أي دولة، وقال إن الاتفاق بين إيران والسعودية يخدم مصالح البلدين ويصب في صالح دول المنطقة”.

وصف مسؤولون و خبراء سياسيون هذه الخطوة بالإيجابية و تصب في مصلحة الدولتين بشكل خاص و دول المنطقة بشكل عام , من جهتها أبدت الولايات المتحدة الأمريكية عبر لسان متحدث وزارة خارجيتها نيد برايس ” دعمها لهذا المسار الذي من شأنه تعزيز السلم
و الأمن في المنطقة خصوصا و أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت جهودا كبيرة جدا في هذا الملف ” كما لم يخفي برايس صعوبة تقبله لحلول الصين مكان الولايات المتحدة الأمريكية وفق ما نشره موقع قناة سي أن أن الإخبارية.

رؤية في الملفات العالقة عقب التقارب بين إيران و السعودية:

تبادلت العلاقات السعودية – الإيرانية و القضايا الإقليمية التغذية من بعضها البعض ، فقد ساهم تضارب وجهات النظر بين البلدين في سد طرق حل العديد من الملفات المطروحة و أهمها:

  • الملف السوري: تتبادل كل من إيران و السعودية الإتهاهات بشأن إطالة الأزمة السورية، فتتهم السعودية إيران بدعم نظام الأسد عبر ميليشيات حزب الله و الحرس الثوري الإيراني ، بينما تتهم إيران السعودية بدعم وجهة النظر الغربية بخصوص نظام الأسد و التنظيمات المسلحة التي تسميها إيران محور المقاومة ضد المد الإسرائيلي.
  • الملف اليمني: قادت السعودية التحالف العربي للقيام بالعمليات العسكرية الواسعة النطاق في اليمن دعما لشرعية الرئيس عبد الله منصور هادي ضد تنظيم الحوثي المنقلب على الشرعية بتحالف مع الرئيس الأسبق ، و لحماية أمنها القومي على حدودها الجنوبية مع اليمن و التي قد عرفت شن الحوثي لهجمات صاروخية باليستية ضد أهداف في السعودية.
  • الملف القطري: إعتبرت الأزمة الخليجية – القطرية من بين أهم الأزمات الدولية التي شهدتها المنطقة بعد حربي الخليج الأولى و الثانية ، قد بادرت دول الخليج لمحاصرة قطر إقتصاديا و سياسيا و وضع الخيار العسكري على أهبة الإستعداد نظرا لتقارب وجهات نظر قطر مع الإسلاميين قادة الثورات الشعبية في العديد من دول الشرق الأوسط بالإضافة للتقارب القطري التركي و القطري الإيراني و الذي إعتبرته دول الخليج بشكل عام و المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة محاولة نقل التوتر من منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة الخليج قطر من جهتها استشعرت هذا التهديد الخليجي لتتجه إلى محاولة تقوية نفسها سياسيا و عسكريا عبر التقارب القطري – التركي و إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر و عقد صفقات عسكرية خصوصا لسلاح الجو من فرانسا.
  • الملف اللبناني: تعتبر السعودية و دول الخليج التوغل الإيراني في المشهد السياسي اللبناني تدخلا سافر غير مقبول يهدد و يقوض أمن المنطقة خصوصا من خلال نشاط حزب الله التابع للإيران ، و على إثر تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الذي إعتبر عملية عاصفة الحزم لقوات التحالف العربي التي تقودها السعودية في اليمن ضد ميليشيات الحوثي وفق تسمية السعودية ، حرب إعتباطية
    و جائرة ضد جماعة الحوثي بشكل خاص و الشعب اليمني بشكل عام مما دفع دول الخليج لمقاطعة لبنان سياسيا و إقتصاديا و قد أثرت هذه المقاطعة بشكل مؤثر جدا على الاقتصاد اللبناني و الحياة المعيشية للشعب اللبناني.
  • الملف العراقي: على غرار باقي الملفات المطروحة أعلاه ترى السعودية أن الحشد الشعبي الذي يقوده مقتضى الصدر لا يختلف عن حزب الله فهو يقود إلى التفرق الطائفي في العراق و يهدد أمن المنطقة برمتها و يستهدف بشكل مباشر السعودية.

بناءا على ما تقدم ذكره فإن الباحثين في شؤون الشرق الأوسط و الخليج و المسؤوليين السياسيين في دول المنطقة يتطلعون لحل مختلف هذه الملفات ، فالملف السوري قد يجد سبيلا للتسوية من خلال تبادل وجهات النظر بين البلدين إيران و السعودية و التي بناءا عليها يمكن للأخيرة تقبل بشكل أكثر سلاسة عودة سوريا للجامعة العربية خصوصا مع ترحاب دول عربية بهذه الخطوة و على رأسها الجزائر.

بالإضافة لهذا فإنه من المتوقع أن المملكة العربية السعودية و دول الخليج و إيران قد تجد حلولا ممكنة قابلة للتطبيق على أرض الواقع خصوصا في حال تعهد مختلف الأطراف الفاعلة في هذه الملفات بدور أكبر لتجسيد الأمن و السلم في المنطقة و التي من الممكن أن تجعل دول الخليج تراجع موقفها و نظرتها من و إلى بعض المنظمات التي تصنفها في خانة الأعداء نظرا لإرتباطها بإيران كحزب الله و الحرس الثوري الإيراني و جماعة الحوثي و يمتد الحديث ليشمل حركة حماس الفلسطينية.

التقارب و المصالح المشتركة

حمل تصريح وزير خارجية جمهورية إيران حسين أمير عبد اللهيان:” إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية ليس موجها ضد أي دولة، وقال إن الاتفاق بين إيران والسعودية يخدم مصالح البلدين ويصب في صالح دول المنطقة” ، دلالات ضمنية بشأن نوايا الدولتين لكن هل جاء هذا التصريح لتطمين جانب معين قد تشترك معه الدولتان التنافس؟ بالعودة لأرض الواقع نجد أن اهم المستجدات في منطقة الشرق الأوسط و أسيا الصغرى ، تنافس العديد من القوى الإقليمية خصوصا تركيا ، السعودية و إيران ، فمن جهة شهدت العلاقات التركية الإيرانية توترا ملحوظا في السنوات الأخيرة خصوصا مع محاولة تركيا تثبيت مكانتها و مد نفوذها على مستوى منطقة أسيا الصغرى و القوقاز
و إنشاء ما يطلق عليه تحالف دول العالم التركي و تكامله السياسي و الإقتصادي
و العسكري و الذي إعتبرته إيران تهديدا وجوديا لها خصوصا مع إندلاع نزاع إقليم ناغورني كاراباخ بين كل من أرمينيا و أذربيجان بحيث دعمت إيران و روسيا أرمينيا في حين إعتمدت أذربيجان بالأساس على الدعم التركي – الإسرائيلي ، كما تتهم إيران كل من تركيا و أذربيجان محاولة تهديد أمنها الجيو- إقتصادي من خلال الإتفاق على إنشاء ممر ” رانجيزور” و الذي تشترك فيه كل من أرمينيا و إيران أيضا كما تتهم إيران أذربيجان بتهديدها ديموغرافيا من خلال إيقاظ النعرات العرقية في المنطقة و دعمها للأقاليم ذات الأغلبية العرقية الأذرية.

بالعودة للعلاقات السعودية – التركية ، ترى السعودية أن السلطة الحاكمة في تركيا المنبثقة عن حركة الإخوان المسلمين من خلال دعمها للثورات الشعبية و محاولة الإنقلاب على أنظمة حكمها مصدر تهديد لأمن و إستقرار المنطقة وقد برز هذا الصراع في العديد من الملفات على غرار الملف القطري و الملف الليبي.

من خلال ما تقدم يمكن التوصل إلى إستنتاج أن التقارب السعودي الإيراني قد يغير بعض التوازنات ذات الأهمية الملموسة في كل من الشرق الأوسط و الخليج و اوراسيا.

الأثار الدولية المتوقعة :

من المتوقع ان تنعكس آثار التقارب بين المملكة العربية السعودية و جمهورية إيران الإسلامية على الساحة الدولية بشكل جلي و واضح ، في مختلف المسائل العالمية خصوصا في المجال الطاقوي بحيث يتوقع من إيران لعب دور مهم كقوة طاقوية للتخفيف من وطأة الأزمة الطاقوية عقب الحرب الروسية – الأوكرانية ، من جانب أخر قد تحاول الدول الأطراف في الإتفاق النووي مع إيران إلزام هذه الإخيرة بتعهداتها في الإتفاق النووي من باب وقف السباق نحو التسلح الذي قد يهدد إستقرار المنطقة ككل و قد يستغل التقارب السعودي – الإيراني من الجانبين الغربي و الإيراني و التي تطالب هي الأخرى الدول الغربية برفع العقوبات الإقتصادية الموجهة ضدها خصوصا بعد الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق. من وجهة نظر أخرى قد يقود التقارب السعودي الإيراني تقارب سعودي – روسي – صيني برعاية إيرانية و الذي قد يقود بدوره لإنضمام السعودية لمجموعة دول البريكس و هي الخطوة التي من شأنها إثارة حفيظة الدول الغربية.

من ناحية أخرى يمهد هذا التقارب بين البلدين السعودية و إيران إلى تدعيم جهود العديد من المنظمات الدولية و الإقليمية على غرار منظمة التعاون الإسلامي و التان تعتبران عضوا فيها بالإضافة لمنظمة الدول العربية التي تشهد نوعا من التضارب في المواقف بين السعودية و بعض الدول الأعضاء فيها بخصوص العديد من الملفات على  رأسها الملف السوري و اليمني و الليبي بدرجة أقل ، كما تهتم ذات الدولتين بالانضمام لمبادرات
و حوارات منظمة شنغهاي للتعاون و التي تعتبر أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم.

من خلال ما تم طرحة سابقا نجد أن هذه الخطوة ، خطوة مهة جدا على كافة المستويات
و مختلف الأبعاد بغض النظر عن المواقف و وجهات النظر المختلف بشأنها إلى أن الإتفاق بأهميتها و إستراتيجيتها ذات ثقل كبير.

3.8/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى