الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

منظومة بلدان اسيان بين فكي كماشة الصراع الامريكي – الصيني

بقلم : ا.د هاني الياس خضر الحديثي – استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية – مختص في شؤون اسيا –

  • المركز الديمقراطي العربي

 

( اسيان )  بلدان جنوب شرق اسيا  تاسست في الثامن من اغسطس |اب 1976 في بانكوك – تايلاند- من خمس دول هي اندونيسيا وماليزيا و سننغافورة والفلبين لتتوسع لاحقا فتظم    :بروناي و كمبوديا و لاوس وماينمار وفيتنام .

تشمل اهدافها تحقيق التعاون الاقتصادي وتسريع وتائره والتقدم في المجال الاجتماعي والثقافي والعلمي بما يضمن تحقيق الاستقرار الاقليمي وتوفير اليات حل الخلافات بالطرق السلمية .

دخلت منظومة اسيان شراكات اقتصادية مهمة مع ألصين و أليابان و كوريا الجنوبية الامر الذي جعل لها دورا فاعلا في التاثير على السلم والامن الدوليين وخاصة في ضل بروز ألصراعات الجيوسياسية وأظطراب سلاسل التوريد للمواد الغذائية الناتج بالدرجة الاولى عن حرب روسيا والناتو في اوكرانيا .

في بيان مشترك عن مؤتمر الصين واسيان الذي عقد في العاصمة الكمبودية نوفمبر 2022, اعتبرت الدول الامن  الغذائي حق اساسي من حقوق الانسان , وان منظمة اسيان والصين تعمل على ضمان الامن الغذائي لسكان المنطقة الذي يزيد تعدادهم  عن ملياري نسمة .

تشهد منظومة اسيان فضلا عن الهند تنافسا على التعامل معها من قبل المنظومة الاوروبية و منظومات اخرى دون ان يؤثر ذلك على حجم التعامل التجاري مع الصين حيث تم ابرام أكبر أتفاق تجاري في العالم بينهما, والاتفاق على انشاء أكبر كتلة تجارية في العالم تغطي ثلث الاقتصاد العالمي  في ظل واقع تطور حجم التجارة بين الصين ومنظومة اسيان بواقع 5% منذ عام 2020 بعد تعافي الصين من جائحة كورونا  والتي ارتفع حجم الاستثمارات الصينية لديها بواقع 76% على اساس سنوي حيث باتت بلدان اسيان أكبر شريك تجاري  للصين  وهو الامر الذي يجانب رغبة واشنطن في ان تكون الاولوية معها , ويسرع من قدرات الصين في قيادة الانفتاح الاقتصادي على العالم بعد تاكيد قدراتها أن تكون لها الصدارة مقارنة بالاقتصاديات الكبيرة في العالم وضمنها الاقتصاد الامريكي , وقدرتها  على قيادة الاقتصاد العالبمي حيث متوقع ان تحتل موقع الدولة رقم واحد بين دول العالم خلال العقد المقبل ان لم يتحقق نهاية هذا العقد  .

ان ماتقدم لاينفي وجود مشاكل متعددة بين عدد من بلدان منظومة( اسيان) مع الصين والخاصة بتقسيم الحدود البحرية بين الصين ومجموعة الدول المطلة  على بحر الصين الجنوبي والتي تدعي كل منها  ان لها الحق في المياه الاقليمية وخاصة اتجاه جزر سبراتلي و باراسيل. مع كل من الصين و فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا و بروناي , وهو الامر الذي دعا الصين لتعزيز ادعائاتها بالسيادة على اجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات البحرية في مياهه.

هذا الامر استثمرته الولايات المتحدة عبر ارسال السفن البحرية والطائرات العسكرية في المناطق القريبة من مناطق النزاع تحت عنوان (عمليات حرية الملاحة ) , ولاجله دخلت المنطقة في حالة تنافس تمتد تاثيراته على مجمل الملاحة في منطقة المحيط الهندي والهادي لطبيعة الترابط بينهم جيوبولتيكيا وتاثر ذلك عمليا في الاقتصاد العالمي حيث تمر ثلث التجارة البحرية العالمية عبر بحر الصين الجنوبي , وتزداد اهميته الاستراتيجية في ظل التقديرات التي تشير الى احتواء المنطقة نحو 11 مليار برميل من النفط و 190 مليار قدم مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي وهو الامر الذي يجعل المنطقة مهمة جيواستراتيجيا في تصاعد التنافس الدولي على الطاقة بعد حرب اوكرانيا .

في ضوء ماتقدم تبدو اهمية بحر الصين الجنوبي وخاصة للصين التي تعتبره مفتاح امن الصين ومنطقة تركز دورياتها الاستراتيجية لغواصة الصواريخ الباليستية النووية التي يمكن ان تدخل غرب المحيط الهادىء للقيام بمهمات الردع النووي ضد الولايات المتحدة , فضلا عن كونه يشكل منطقة عازلة للصين اذا شاءت الولايات المتحدة شن هجوم عسكري ضد الصين .والى جانب التحركات العسكرية البحرية للصين في جزر سينكاكو الواقعة تحت سيادة اليابان فان بحر الصين الجنوبي يبقى واحدا من المراكز الاستراتيجية لتعزيز  دور بكين عالميا لاسيما من خلال تحكمها في خطوط التجارة الدولية ومساعيها المستمرة لانجاز مشروعها الاستراتيجي ( الحزام والطريق ) الذي يطوق اسيا بحرا وبرا ليمتد عبرها الى افريقيا واوروبا والعالم , وهو المشروع الذي تسعى  الولايات المتحدة لتقويضه عبر مساعي تشكيل تحالف انكلو – سكسوني يضم الى جانبها كا من بريطانيا واستراليا مع دول الاطراف حيث اليابان وكوريا الجنوبية

وفي هذا الاتجاه تستعر السياسة الامريكية في توظيف قضية تايوان واصرار الصين على عائديتها للصين الام وعدم السماح باي شكل للولايات المتحدة من  مساعي تطويق الصين في مجالها الحيوي عبر مجموعة من الافعال التي يمكن ان تشكل الكماشة الثانية للولايات المتحدة نحو تحجيم تطلعات كل من الصين وروسيا في تقويض الوضع الدولي احادي القطبية واعادته الى وضع النظام متعدد الاقطاب, وهو الامر الذي يشهد تاييدا من اغلب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وهي القارات التي اكتوت بسياسة اميركا الامبريالية  وعدوانيتها منذ الحرب العالمية الثانية حتى الان.

في ضوء ماتقدم نجد ان بلدان منظومة اسيان ورغم ان بعظها يتنافس مع الصين على جزر بحر الصين الجنوبي , الا انها تاخذ بنظر الاعتبار مسالتين اساسيتين :

الاولى: فقدان الثقة بالدور الامريكي اثر التراجع في مصداقيتها الناتجة عن تركيز الاستراتيجيات الامريكية على مصالحها القومية التي تتطلب منها التخلي عن الحلفاء والاصدقاء كلما اقتضت الضرورة ذلك .

أن الطبيعة العدوانية للولايات المتحدة في عموم شرق اسيا والشرق الاوسط اعطت انطباعا راسخا ان الولايات المتحدة تسحب حلفاؤها نحو الحروب والغزوات الاجنبية خدمة لمقاصدها , وان ماعملته مع الحلفاء     الاوروبيين في حرب اوكرانيا دليل راسخ وخطير حيث قدمت اوروبا اقتصادها وفرص تطورها كقوة عالمية منافسة على مذبح حرب اوكرانيا لصالح تطور مؤسسات التصنيع العسكري الامريكية وهو الامر الذي بدات بعض بلدان اوروبا ادراكه عبر الاعلانات الرسمية والبرلمانية ومن بينها تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته الاخيرة للصين والتي اكد فيها العمل على استراتيجية اوروبية مستقلة عن واشنطن وخاصة اتجاه قضية تايوان.

وضمن هذا الاطار فان الولايات المتحدة تطور اليات تدخلها في دول العالم بصيغتين :

1-1: التدخل المباشر منفردة بقرار وطني او بتخويل اممي , كما حصل في حروب فيتنام وبلدان الهند الصينية  وحرب الكوريتين  وبنما و كوبا  وغيرها , فضلا عن التدخل المباشر أو غير المباشر  لصالح اسرائيل في  جميع الحروب العربية – الاسرائيلية .

1-2 :قيادة تحالف دولي في حروب اخرى بتخويل اممي او بدونه مثال ذلك  ما حصل في حربيها  ضد العراق 1991 و 2003م , وفي افغانستان وليبيا و أوكرانيا وسوريا, وضمن ذلك مزاعم التحالف الدولي لمكافحة الارهاب في العراق وبلاد الشام .

وفي جميع هذه الحالات وجدت الدول نفسها متورطة  بدفع امريكي في هذه النزاعات  والحروب خارج نطاق مصالحها القومية .

الثانية :أن بلدان اسيان تتداخل اقتصادياتها عبر شراكات اقتصادية استراتيجية مع الصين ضمن منطقة جيوبولتيكية تضم جميع بلدان شرق وجنوب شرق وشمال شرق اسيا , ولاجله فانها تسعى لحل المشاكل العالقة مع الصين في بحر الصين الجنوبي عبر الحوار الدبلوماسي .

لاجل ذلك فان بلدان اسيان اعتمدت سياسة محايدة نسبيا من حرب اوكرانيا بين روسيا المدعومة من الصين وحلفائهما وتحالف الناتو .بل ان بعض زعماءها عبروا عن ادراكهم لطبيعة المخاطر التي تشكلها مساعي ظم اوكرانيا الى حلف الناتو  على الامن القومي للاتحاد الروسي كما عبر عن ذلك السيد مهاتير الزعيم الماليزي ومؤسس نهضتها

واذا اخذنا بنظر الاعتبارموقف الهند الايجابي اتجاه روسيا الاتحادية ومساعي الهند والصين لتحقيق علاقات بعيدة المدى باتجاه التوافقات اسيويا وعالميا وحل المشاكل العالقة في الحدود المشتركة بينهما في جبال الهملايا , فان الامر يصبح واضحا نحو الرغبة المشتركة في تحقيق التغيير في منظومة العلاقات الدولية لغير صالح الهيمنة الامريكية .

تاسيسا على ماتقدم نفهم المساعي  ألمشتركة لتطوير علاقات التعاون الاقتصادي ضمن تحالف( بريكس) الذي يضم الى جانب كل من الصين وروسيا كل من الهند وجنوب افريقيا والبرازيل والانفتاح نحو ضم السعودية وايران والجزائر ومصر وبلدان اخرى للمنظمة, وألعمل على  استعمال عملات اخرى  في التبادلات التجارية غير الدولار مثل أليوان و الروبل  وهو الامر الذي يترافق مع تصاعد ازمة الدولار وتعرضه لاهتزاز قيمته النقدية وفق مصادر و مؤسسات امريكية مهمة توقعت تراجع سقف الدولار الامريكي في حال استمرار مشاكل الاقتصاد الامريكي واهتزاز الثقة عالميا مع الولايات المتحدة وسياساتها العدائية لمصالح شعوب العالم.

في هذا الاطار نلاحظ مساع جدية لدى الدول الاعضاء في بريكس لتحقيق منظومة اقتصادية ونقدية تتفوق فيها على القوى الاقتصادية القائمة حاليا وباتجاه نظام اقتصادي دولي متعدد في مراكز الاستقطاب فيه ويكون اكثر عدلا من شانه ان يستجيب لتطلعات الدول النامية بدلا من سحقها ,وانها في ذلك تعتمد على تمثيلها 40% من سكان العالم وما يزيد عن ربع الناتج المحلي الاجمالي العالمي , وأستحواذ الصين على 70% من الناتج القومي للمجموعة وهي التي اقترحت البدء بعملية توسيع بريكس حيث انظم الى مشاورات توسيع المنظومة ( بريكس بلس) ممثلون عن الارجنتين ومصر واندونيسيا وكازاخستان و نيجيريا و الامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية والسنغال وتايلاند وهي من الدول المرشحة لعضوية المنظمة خلال القمة التي ستنعقد في جنوب افريقيا 2023 من بينها ثلاث بلدان عربية رئيسية في مجال الطاقة العالمية هي السعودية والجزائر فضلا عن مصر لتشكل مرحلة التحول العربي نحو بريكس  اتجاها عربيا نحو نظام اقتصادي دولي متعدد الاقطاب مختلف تكون فيه الصين قطبا رئيسيا .(1)

تاسيسا على ماتقدم نرى الدور الصيني في الوساطة بين السعودية وايران والتي تستمر لتشمل بلدانا اخرى خليجية تفضي الى حل لمشكلات الشرق الاوسط بسبب تمدد النفوذ الايراني في بلدان المشرق العربي من بينها مشكلة حرب اليمن التي تشكل عقدة استراتيجية للسعودية وبلدان الخليج العربي اثر تورطها في هذا المستنقع بدعم امريكي على غرار توريط العراق باجتياح الكويت تامينا للامن الاسرائيلي , بذات الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة عبره الى ضمان استمرار هيمنتها على الشرق الاوسط كعقدة جيوأسترايجية للمصالح العالمية , وفي حال نجاح الصين في ادامة هذا التوافق وتحقيق خطوات اخرى مهمة في الشرق الاوسط والعالم العربي , فان الولايات المتحدة ستجد نفسها في وضع حرج يهدد ديمومة هيمنتها على الوضع الدولي خاصة ان النجاح الصيني في هذا الموضوع يسهل امام الصين تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في الحزام والطريق الذي يعتمد في نجاحه نحو العالم على بلدان الخليج العربي والعراق  وايران  .

لاجله نعتقد ان الدور الصيني في الشرق الاوسط والمترافق مع تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع روسيا الاتحادية كما تم التعبير عنها في لقاء القمة الصيني- الروسي الاخير سيحقق اندفاع بلدان اسيان وعموم اسيا نحو تعزيز شراكات اسيوية تضع حدا للتدخلات الامريكية ليس في اسيا حسب انما في افريقيا ايضا.

1-للتفاصيل ينظر :خالد عمر بن ققة كاتب وصحفي وباحث, ألجزائر   , ألدول العربية و بريكس ..أي مستقبل مشترك؟ ,تريندر للبحوث و الاستشارات ,2022م

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى