الدراسات البحثيةالمتخصصة

العلاقات الفرنسية الإفريقية منذ عام 2012  “مالي نموذجاً”

إعداد : هبة خالد جمال عبدالرازق – باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة :

تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية التى استطاعت فى النصف الأول من التسعينات أن تحافظ على علاقات وطيدة بمستعمراتها الأفريقية السابقة، بل ربما كانت الدولة الأولى فى هذا المجال، إذا ما قورنت بالدولة الاستعمارية الأخرى، مثل بريطانيا وإيطاليا والبرتغال تمكنت فرنسا من بلوغ هذه المرتبة المتميزة فى علاقاتها الأفريقية، نتيجة لسياسة تعاونية محكمة ودقيقة طبقتها فى بعض الدول الأفريقية فى المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية. وكانت لهذه السياسة مرتكزات هامة، تهدف إلى الإبقاء على دورها المؤثر فى السياسة العالمية، لاسيما فى ظل الحرب الباردة بين العملاقين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى السابق.

ويلاحظ أن ثمة تطورات حدثت فى فترة التسعينات وتهدد صلابة النفوذ الفرنسى فى القارة، ولهذه التطورات أسباب عديدة بعضها جاء نتيجة للمتغيرات الدولية، وبخاصة انتهاء حقبة الحرب الباردة وسيادة النظام العالمى الجديد حيث سيطرة القطب الواحد، وبعضها ترتب على تغيرات فى الظروف المحلية الأفريقية، والبعض الآخر جاء مواكباً لتعديلات جرت على السياسة الداخلية الفرنسية ذاتها وفى إطار المتغيرات الدولية.

تعتبر فرنسا الدولة الأوروبية الأولى من حيث قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة الأفريقية، حتى إن أفريقيا تمثل أحد ثلاثة عوامل داعمة لمكانة فرنسا الدولية بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن والقدرة النووية إضافة لذلك فإن هناك عاملاً دولياً مهماً يحسب لمصلحة استمرار الدور الفرنسي في القارة وإستعادته لقوته ألا وهو الاتحاد الأوروبي الذي يمثل دعامة حقيقية لفرنسا فهي تعد أحد الأعضاء المؤسسين لهذه المجموعة الدولية حيث تسعى لتحقيق مصالحها في القارة الأفريقية بشكل عام ودولة مالي على الأخص، بإتباع مجموعة من الآليات الثقافية والعسكرية والاقتصادية، ولعل أبرز مثال على ذلك التدخل العسكري الفرنسي الأخير في مالي الذي كان يهدف لوقف زحف الجماعات الإسلامية وإعادة بناء دولة مالي مستقرة وأمنة. وسوف نتناول في هذا البحث طبيعة العلاقات الفرنسية الإفريقية، وآليات السياسة الفرنسية في إفريقيا، ثم نتطرق لدراسة أبعاد التدخل الفرنسي في مالي، وأسبابه وأهم الآليات التي تسخدمها فرنسا في مالي. وبناءً على ذلك سنتناول بالعرض ماهي طبيعة العلاقات الفرنسية الإفريقية منذ عام 2012 مالي نموذجاً. وجاءت هذه الدراسة في ثلاثة مباحث  كالتالي:

المبحث الأول: طبيعة العلاقات الفرنسية الإفريقية

  • المطلب الأول: الاستعمار الفرنسي في إفريقيا
  • المطلب الثاني: أهداف السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا
  • المطلب الثالث: الأهمية الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية للقارة الإفريقية

المبحث الثاني: محددات العلاقات الفرنسية الإفريقية

  • المطلب الأول: المحدد السياسي للعلاقات الفرنسية الإفريقية
  • المطلب الثاني: المحدد العسكري والأمني للعلاقات الفرنسية الإفريقية
  • المطلب الثالث: المحدد الاقتصادي للعلاقات الفرنسية الإفريقية
  • المطلب الرابع: المحدد الثقافي للعلاقات الفرنسية الإفريقية

المبحث الثالث: التدخل الفرنسي في مالي

  • المطلب الأول: الميراث التاريخي للعلاقات الفرنسية المالية
  • المطلب الثاني: مبررات التدخل الفرنسي في مالي
  • المطلب الثالث: عملية برخان العسكرية في مالي

المبحث الأول : طبيعة العلاقات الفرنسية الإفريقية

تعرضت القارة الإفريقية خلال القرنيين الماضيين إلى أبشع صور الاستعمار، والذي ترك أثاراً أقل ما يقال عنها إنها دمرت الحضارة الإنسانية، وتركت القارة في تبعية تامة، بل إنها استنزفت معظم طاقاتها ومواردها الطبيعية والبشرية، فلقد فقدت القارة في عمليات الرق وتجارة البشر نحو 50 مليون من أبناءها، ووصل منهم 20 مليون إلى الأمريكتين، والباقي هلكوا غرقاً وجوعاً أو قتلاً لاعتراضهم على الاستعباد، ناهيك عن عدد الأشخاص الذين قتلوا وهم يدافعون عن أوطانهم ضد الحملات الاستعمارية الغربية، التي كانت تتصف بالوحشية، ومن بين الدول الغربية التي استعمرت جزءاً كبيراً من القارة الإفريقية، فرنسا التي تركت أثاراً مدمرة نتيجة استعمارها، ومازالت تلقى بظلالها إلى الآن([1]).

المطلب الأول: الاستعمار الفرنسي في إفريقيا

يرجع التاريخ الاستعماري الفرنسي للقارة الإفريقية إلى بداية القرن السادس عشر، إذ كونت لنفسها إمبراطورية استعمارية كبيرة، وأقامت فرنسا دعائم إمبراطورية استعمارية جديدة بداية من عام 1817، وكان الحافز وراء الحملة الاستعمارية الجديدة هو استرجاع هيبة فرنسا الاستعمارية، وهو ما دفعها إلى احتلال الجزائر عام 1830، كرد فعل على هزيمة نابليون في عام 1815، كما كان لها نفس رد الفعل في عهد رئيس الوزراء الفرنسي جون فري(1881-1885) إذ قامت باحتلال تونس عام 1881 بعد خسارتها الألزاس واللورين إثر هزيمتها أمام بروسيا في 1870-1871.

وبلغت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية أقصى حدود اتساعها سنة1919بعد الحرب العالمية الأولى، خاصة بعد استحواذها على المستعمرات الألمانية في إفريقيا مثل الكاميرون وتوجو بموجب معاهدة فرساي، ووصلت مستعمرات فرنسا في عام 1946إلى حوال 13 مليون كيلو متر مربع، وبذلك أصبحت فرنسا ثاني أكبر إمبراطورية استعمارية([2]).

تقلصت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية شأنها في ذلك شأن بريطانيا نتيجة الحرب، وموجة التحرر التي عمت العالم الثالث بصفة عامة، وكان لخروج فرنسا محطمة من هذه الحرب دور كبير في التقلص التدريجي لإمبراطوريتها، ولقد قامت فرنسا بإنشاء ما يعرف بالاتحاد الفرنسي عام 1946، وذلك استجابة لضغط مستعمراتها للحول على الحكم الذاتي تمهيداً للاستقلال، كان الاتحاد يضم فرنسا والجزائر والأقسام التابعة فيما وراء البحار، وكان تمكين كل وحدة سياسية لتنمية مواردها بحرية وديمقراطية.

وعلى الرغم من الحملات التوسعية والاستعمارية الفرنسية عبر العالم قبل ثورة 1789، إلا أن وتيرة التوسع تسارعت بعدها، خاصة بعد فشل الحملات العسكرية النابليونية في أوروبا عام 1815، فتحولت الانظار إلى خارج أوروبا وإعلان فرنسا عن ملحقات إقليمية فرنسية عبر العالم، وارجع معظم دارسي الاستعمار الفرنسي هذا الخيار الاستراتيجي لفرنسا إلى مجموعة من الدوافع الاقتصادية والعسكرية والسياسية([3]) .

استخدمت فرنسا في ظل العقود الأولي للجمهورية الثالثة، وكان المجال الاستعماري كمحفز نفسي وآلية للتعويض عن كافة الاخفاقات الخارجية بنجاحات نسبية على حساب الضعفاء عبر العالم، إلا أن هذه الوظيفة في المنطق الاستعماري قد تغيرت عندما تحكمت فرنسا في مجالاتها الاستعمارية، إذ استخدمتها كمنافذ اقتصادية وكمصادر لليد العامة، واستخدم شبابها في حملاتها العسكرية في المستعمرات وفي الحروب الأوروبية، وخاصة الحربين العالميتين الأولي والثانية، كما أن المفارقة الكبيرة هو أن تستخدم هذه المستعمرات بعد سقوط باريس في يد هتلر عام 1942 للتأكيد على استمرار الدولة الفرنسية خارج مجالها القاري([4]).

المطلب الثاني: أهداف السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا

تشكل القارة الإفريقية إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية، وهو الأمر الذي عبر عنه الرئيس فرانسوا ميتران في القمة الفرنسية التي عقدت في بيارتيز بفرنسا عام 1994، حيث أكد للحاضرين أنه من دون إفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين، فالقارة الإفريقية كانت مجد فرنسا ومنطقة نفوذها التاريخية، ويبدو ان هذا الإدراك ليس مقصوراً على ميتران فحسب، بل استمرار لسياسة ثابتة  وسبقه في ذلك الرئيس ديجول، الذي أرسى تقليداً لا يزال سارياً يشرف بموجبه رئيس الدولة الفرنسية، أن الاهتمام الفرنسي بالقارة الإفريقية هو السعي لتحقيق عدة أهداف، أهمها:

  1. الهيمنة على إفريقيا، استطاعت فرنسا أن تفرض هيمنتها على إفريقيا بأسلوب التدخل المباشر والغير مباشر في رسم معالم ونماذج الحكم في القارة الإفريقية، وهذا كله للحفاظ على تلك الهيمنة، لأن الساسة في فرنسا يعلمون جيداً أن بقاءهم في أفريقيا مرهون باستمرار هيمنتهم، لذا فأولى أهداهم هي المحافظة على الوضع القائم.
  2. مواجهة النفوذ الأمريكي المتزايد في القارة الإفريقية خاصة بعد الحرب الباردة، وبعد تراجع مكانة بريطانيا، وهذا ما نلاحظه من تصريحات المسؤولين الفرنسيين والأمريكيين، ففي أثناء زيارة وليام وزير التجارة الأمريكي الأسبق للقارة في ديسمبر 1998، أي بعد انعقاد القمة الفرنسية العشرين بأيام قليلة، أكدأن هناك دولاً عديدة أصبحت مؤهلة للخروج من دائرة نفوذ الأوروبيين، وأن بلاده مصممة على الالتزام بشكل قاطع وعلى مدى طويل بعغملية الاستثمارات الجارية في أفريقيا([5]).
  3. الاحتفاظ بمصالحها الاقتصادية مع أفريقيا، إذ يبلغ حجم الصادرات الفرنسية 13,5 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية الهائلة في الدول الأفريقية. إن السياسة الفرنسية الحالية بشقيها السياسي والاقتصادي تتبع من المشروع الذي أعدته وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997، وعرف باسم مشروع إفريقيا، وكانت أهم ملامحه:
  • تأييد إقامة أنظمة سياسية جديدة في الدول الأفريقية وفق مبادئ الديمقراطية.
  • دعم العلاقات بأنواعها مع الحكومات المدنية، والعمل على تقليص دور المؤسسات العسكرية في إفريقيا.
  • إعداد كوادر سياسية واعية من الشباب، وتثقيفهم وتدريبهم سياسياً وحزبياً، لكي تكون النخبة السياسة الحاكمة تابعة في المستقبل لباريس.
  • دعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي مع التركيز على الدول التي تمتلك بنية أساسية معقولة وفق مبدأ العدالة في التعاون والدفاع عن المصالح.
  • إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا، يضم الخبراء والمستشارين أكثر ما يضم وحدات عاملة([6]).

المطلب الثالث: الأهمية الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية للقارة الإفريقية

تعد القارة الإفريقية من أهم القارات في العالم، من حيث الموقع الجيوستراتيجي الذي يتوسط العالم، فهي تعد حلقة وصل طبيعية بين قاراته، كما أنها تستحوذ على ثروات طبيعية كبيرة، مما حولها غلى خزان استراتيجي عالمي للطاقة والموارد الأولية، بالإضافة إلى مساحتها الكبيرة واستحواذها على أمهم الممرات البحرية في العالم، والتي تعد شريان اقتصادياً وتجارياً ودولياً، كمضيق جبل طارق، وقناة السويس، وباب المندب، الأمر الذي زاد من قيمتها في التصنيف الدولي لمقومات القوة، وجعل منها محل أطماع استعمارية عبر التاريخ، ولا يزال الأمر قائماً إلى وقتنا الحاضر.

فأهمية الموقع الجيوبوليتيكي والجيوستراتيجي المحاذي للقارة الأوروبية والقارة الأسيوية، إصبغ عليها أهمية بالغة، كقاعدة خلفية لأوروبا، سواء تعلق الأمر بالناحية الاقتصادية والأمنية، أو كممر طبيعي نحو القارة الأسيوية، وللقارة دور حيوي في تاريخ الإنسانية لما تمتلكه من تراث حضاري عريق، وتركيبة سكانية، واختلاف ثقافي وعرقي وإثني. وتعد القارة الإفريقية ثاني أكبر قارة من بين القارات الخمس في العالم، وتغطي مساحة (30.313.000 كم2) أي ما يقارب(20.3%) من مساحة العالم، ويشكل هذا الرقم خمس مساحة اليابسة، ما يعادل ثلاثة أضعاف القارة الأوروبية، ويبلغ عدد سكانها 775مليون نسمة، أي مايعادل (11%) من سكان العالم، ويصل متوسط الكثافة السكانية فيها نحو26( شخص/كلم2)([7]).

لقد أضفى الموقع الجغرافي الهام للقارة الإفريقية أهمية استراتيجية بالغة، اقتصادياً وسياسياً، وأمنياً، فهي تطل على العالم من أركانه الأربعة، إذ تطل على القارة الأوروبية عبر البحر البحر المتوسط، وتطل على القارة الأمريكية عبر المحيط الأطلسي غرباً، ويفصلها عن القارة الآسيوية البحر الأحمر والمحيط الهندي شرقاً، وتطل على القطب الجنوبي جنوباً، هذا القرب الجغرافي بين القارة الإفريقية وبين القارتين الأوروبية والأسيوية، بالإضافة إلى احتوائها على ممرات بحرية وبرية، جعل منها طريقاً حيوياً ورابطاً طبيعياً ذا قيمة استراتيجية كبيرة، سواء تعلق الأمر بطرق التجارة الدولية أو كقاعدة أمنية وعسكرية، فموقع القارة الإفريقية الذي يتوسط العالم أعطاها أبعاداً جيوستراتيجية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتمتلك القارة الإفريقية مميزات هامة على الصعيد الاقتصادي، فنجد أن القارة الإفريقية خزان استراتيجي للثروات الطبيعية، فهي تعد عبر التاريخ ممراً هاماً للسلع وشرياناً تجارياً واقتصادياً بالغ الأهمية، كما أن وجود كميات هائلة من النفط والغاز الإفريقي على السواحل سهل من عملية استثمار هذه الموارد من قبل الدول الكبرى. كما نجدها على الصعيد الجغرافي كالأتى:

  • القارة المتميزة بين قارات العالم مع استراليا، كونها عبارة عن جزيرة ولا يربطها بآسيا سوى برزخ بطول 156كم.
  • نصفها الشمالي يكاد يكون ضعف نصفها الجنوبي.
  • بها ربع صحاري العالم، بمساحة 8 مليون كم2، ممثلة بالصحراء الكبرى وصحاري كلهاري([8]).
  • أفريقيا أم البشر، إذ الحفريات تدل على وجود الإنسان الأول بها قبل مليوني عام([9]).

وتمتلك أيضاً أهمية جيوبوليتيكية تكمن فيما يأتي:

  • تشرف إفريقيا على ممرات ومضايق بحرية هامة.
  • تعد إفريقيا مع غرب أوروبا منطقة استراتيجية واحدة ومسرحاً تكتيكياً واحداً تحت مسمى أوروأفريقي Eurafrica، لا يفصل بينهما سوا البحر المتوسط.
  • تعد أخطر مسارح الصراع بين الدول الكبرى، حيث يعد الطرف الجنوبي من القارة الإفريقية نقطة استراتيجية هامة تربط بين المحيط الإطلسي والمحيط الهندي مما سوف يؤثر على أي صراع بحري أو صدام مستقبلي بين القوى الكبرى.
  • تطل إفريقيا على المحيط الهندي الذي يلعب دوراً متزايداً في اقتصاد الدول النامية في جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا.

وبناءً على ذلك نجد أن القارة الإفريقية تمتلك مقومات ومميزات جعلتها فريسة لإطماع الدول الكبرى وتكالب الاستعمار عليها، ومصدراُ للتنافس على ثرواتها، نظراً لعوامل عدة منها الإرث الاستعماري وهيمنة الدول الكبرى وضعف أنظمتها السياسية، وتبعيتها للغرب، وانتهاجها لسياسة الخنوع والاستسلام حفاظاً علي السلطة، والصراعات الإثنية والعرقية لها جزء كبير مما  عمل على كثرة الحروب الأهلية وانتشار الجهل والفقر والتخلف والصراعات، الأمر الذي جعل الدول الإمبريالية وخاصة فرنسا تحكم سيطرتها وهيمنتها على مستعمراتها السابقة في إفريقيا.

المبحث الثاني: محددات العلاقات الفرنسية الإفريقية

شكل انتهاء الحرب الباردة حدثاً بارزاً في تاريخ العلاقات الفرنسية، فقد عمدت فرنسا إلى إعادة النظر في سياساتها نحو إفريقيا، نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي وحدوث تغيرات جذرية ومؤثرة على مختلف بقاع العالم، ولم تسلم القارة الإفريقية من تلك التغيرات، فمعظم الدول التي كانت تنتمي للمعسكر الشرقي وجدت نفسها في تخبط ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعبية، كما عرفت القارة بالعديد من الصراعات الداخلية والنزاعات الحدودية والحروب الأهلية([10]). ويتبين لنا عدة محددات للسياسة الفرنسية ووجودها في إفريقيا على النحو التالي:

المطلب الأول: المحدد السياسي للعلاقات الفرنسية الإفريقية

منذ انسحاب فرنسا من مستعمراتها في إفريقيا يتضح لنا أنها دعمت العديد من الأنظمة السلطوية في العديد من البلدان الإفريقية، فقد نهجت فرنسا سياسة تمثلت في تكريس دعم هذه الأنظمة عوض تشجيع أنظمة جديدة لا تعرف بعد قدرتها على السيطرة على شعوبها، لأن التجربة أثبتت أن الاستقرار السياسي يؤدي حتماً إلى إزدهار الاستثمارات الفرنسية، ومثال على ذلك مساعدتها لنظام إدريس ديبي في تشاد ونظام عبدالله واد في السنغال، والعديد من الأنظمة السلطوية الأخرى، وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران أن المساعدات الفرنسية ستكون مشروطة بالتحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، ورغم ذلك ظلت فرنسا تدعم النظم الإفريقية السلطوية بحجة المحافظة على الاستقرار وتجنيب البلاد الحروب الأهلية([11]).

تعمل السياسة الفرنسية على استقرار الأنظمة الإفريقية والحفاظ عليها،خصوصاً الموالية لفرنسا، ولذلك فقد ظلت فرنسا تساند النظم القائمة القوية رغم سلبياتها، وتشجيع النظم الجديدة التي لا تعرف مدى قدرتها على سيطرة شعوبها، وأن حالة الاستقرار مرغوب فيها من أجل ازدهار الاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، واستطاعت فرنسا في الفترة من 1997 إلى2002 على إعادة النظر في توجهاتها لتتلاءم مع البيئة الإفريقية الجديدة، وذلك في ظل مجموعة من التحولات الداخلية والإقليمية والتي كانت من أبرزها وصول حكومة يسارية السلطة بقيادة ليونيل جوسبان، والتي رفعت شعار تحديث السياسة الفرنسية نحو إفريقيا بسعيها لوضع حد لشبكة العلاقات الشخصية التي طبعت علاقة بإفريقيا طيلة عقود من الزمن إضافة إلى التحولات التي شهدتها القارة وبروز أطراف إفريقية تطمح للعب ادوار إقليمية مثال على ذلك نيجيريا، وبروز نخبة سياسية إفريقية ذات ميول انجلوفونية.

ترتكز فرنسا كدولة كبرى في سياستها الخارجية على ثلاثة عوامل، مقعدها الدائم في مجلس الأمن، والقدرة النووية، ثم إفريقيا، وتعد فرنسا القوة الإقليمية الأكثر نفوذاً في القارة الإفريقية، فمنذ 2011 تدخلت فرنسا بشكل مباشر في القارة أربع مرات مثال على ذلك ساحل العاج، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وتهد فرنسا في الحفاظ على المصلحة السياسية المتمثلة في مواصلة السيطرة على الأصوات الإفريقية في المنظمات الدولية، والتي تهيمن عليها طيلة عقود من الزمن.

المطلب الثاني: المحدد العسكري والأمني للعلاقات الفرنسية الإفريقية

تقترن عملية بناء الدولة في الغالب ببناء قدراتها الدفاعية وفي كيفية توظيفها لتحقيق أمنها المنشود، وتبعاً لذلك يعد المحدد العسكري المقوم الرئيسي لهذه القدرة، وكان للوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا يصل إلى حوالي 7913 جندي في بداية التسعينيات، ونظراً لظروف الانفاق وارتفاع التكلقة والتطور التكنولوجي في الوسائل العسكرية، وتطوير الأنظمة الإفريقية لقدراتها العسكرية الذاتية، فقد صدر قانون في البرلمان الفرنسي في نوفمبر 1997م من شأنه أن يخفض من تكلفة هذا التواجد العسكري بمقدار 800 مليون فرنك، وقضي أيضاً بتخفيض عدد الجنود الفرنسيين إلى 5000 جندي وعدد القوات العسكرية إلى 4 قواعد في السنغال، كوتيفوار، الجابون، جيبوتي([12]).

وتعد فرنسا الدولة الوحيدة في القوات الأطلسية الأوروبية، التي تمتلك قدرات خاصة ذاتية في ميدان الأسلحة النووية التكتيكية مكنتها من امتلاك استقلالية كبيرة، فضلاً عن تبنى مذهب استراتيجي يرتكز أساساً من الضعيف  إلى القوى، والذي جعلها ترفض تبني سياسة الصراع مع الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، أو قبول التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل على مستوى الخطاب السياسي، وهذا السلوك الفرنسي يمكن تفسيره بأنه سلوك عقلاني، فحسب نظرية الخيار العقلاني فإن السلوك العقلاني هو السلوك الذي يقوم به الفاعل الدولي لتعظيم المصلحة وليس المصالح في حد ذاتها. وبإمكان فرنسا القيام بهذه المهمة اعتماداً على تواجدها في العديد من الدول الأفريقية، خصوصاً في غرب ووسط أفريقيا، وإن فرنسا مصلحة استراتيجية تتمثل في المواد الخام الأولية اللازمة للصناعات العسكرية والنووية، كما أن فرنسا حريصة على التواجد في بعض المناطق والمواقع الاستراتيجية التي تخدم مصالحها الدولية.

كما عملت فرنسا ابتداءً من منتصف التسعينات بنظام عسكري جديد يسمى (قوة العمل السريع) التي تتكون من 5 كتائب متمركزة في جنوب فرنسا وقادرة على التحرك في أي مكان من القارة، واستخدم هذا النظام لأول مرة في عملية الفيروز في  الحرب الأهلية الرواندية بين قبيلتي التوتسي والهوتو، حيث استخدم الطيران القادم من غرب فرنسا لمساندة الهوتو[13]، وكذلك اعتمد نظام قوة العمل السريع في مالي لحماية المصالح الاقتصادية وانقاذ جملة من المشاريع الفرنسية وعلى رأسها شركة أريفا والتي تملك رخصة استغلال أكبر منجم من نوعه في العالم وإفريقيا والذي يقع في النيجير في منطقة تنشطة فيها جماعات إرهابية مسلحة، وخلال التدخل في مالي شكلت فرنسا قوات خاصة لحماية مواقع تعدين اليورانيوم في النيجير ومالي.

وتسعى فرنسا من خلال تعزيز تواجدها العسكري في قارة أفريقيا بالإضافة إلى حماية المصالح وتحقيق المكاسب وزيادة السيطرة والنفوذ إلى تحجيم دور بعض القوى الإقليمية والدولية الصاعدة في إفريقيا كالصين وأمريكا. وعلى الرغم من انسحاب فرنسا من مستعمراتها في إفريقيا إلا أن تدخلاتها العسكرية لم تنقطع منذ ذلك الحين، كما تعد فرنسا من أكثر دول أوروبا لديها وجود عسكري هو الأقوى في قارة أفريقيا، ويؤكد كثيرون أن التدخل الفرنسي في بعض الدول الأفريقية التي كانت مستعمرات تابعة لها سابقاً، يمكن تضمينه في خانة الاستعمار الجديد وليس مكافحة واحتواء الإرهاب كما تدعي القيادة الفرنسية([14]).

واضطرت فرنسا إلى تطوير سياستها في التعاون العسكري مع إفريقيا، فاعتمدت في عام 1993 خطة حديثة تقوم على فكرة إنشاء قوة للتدخل السريع في جنوب غرب فرنسا في عدة مناطق مثل تولوز ونانت ورين، وتسطيع هذه القوات أن تدخل في وقت قصير في كل أنحاء القارة الإفريقية، وتساعدها القوات الفرنسية المرتكزة في القواع المتبقية في إفريقيا، وربما أن هذه القوات أصبح دورها مساعداً فقط، فهي لم تعد في حاجة إلى وجود عسكري وبشري مكثف، لذلك خفضت فرنسا من أعداد الجنود والمستشارين العسكريين في تلك القواعد التي بقيت في إفريقيا.  وتحافظ فرنسا على الروابط الأمنية المتعددة، وعلى بقائها وتنميتها، وتبرز أهم الاتفاقيات منها([15]):

  • القواعد العسكرية، بلغ عدد القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا سنة 1960 نحو 100 قاعدة عسكرية، اختزلت إلى 5 قواعد عسكرية توزعت على دول إفريقية عديدة، وأبرز القواعد الفرنسية( قاعدة في جيبوتي، قاعدة داكار في السنغال، قاعدة ليبرفيل في الجابون، قاعدة نجامينا في تشاد، قاعدة يوريون في ساحل العاج).
  • اتفاقيات الدفاع العسكري، تناقص عدد اتفاقيات الدفاع التي كانت فرنسا قد عقدتها مع الدول الإفريقية في الستينيات من القرن العشرين، حتى بلغ ثماني اتفاقيات فقط مع الدول الآتي: (الكاميرون، أفريقيا الوسطى، جزر القمر، كوت يفوارأ جيبوتي، الجابون، السنغال، توجو)، وبالرغم من ذلك أن الدول الإفريقية التي لم تعقد مع فرنسا هذه الاتفاقيات يمكنها أن تطلب المساعدة العسكرية إذا لزم الأمر، ونذكر على سبيل المثال طلب حكومة تشاد وزائير(الكونغو الديمقراطية) مثل هذه المساعدات في عام 1996.
  • اتفاقيات التعاون العسكري والمعونة العسكرية، تشمل هذه الاتفاقيات عدة مجالات: المساعدات العسكرية والفنية، المساعدات المباشرة للجيوشوأجهزة الشرطة الوطنية، المنح الدراسية العسكرية وبرامج التدريب للضباط الأفارقة، وتشمل أيضاً هذه الاتفاقيات مجال الصحة العامة وحفر الآبار وتنقيتها وإقامة البنية التحتية، وتختلف مدة سريان هذه الاتفاقيات من دولة لأخرى، ويمكن تجديدها أو إلغاؤها حسبما يتفق الطرفان الفرنسي والإفريقي، وتشمل هذه الاتفاقيات 22 دولة إفريقية هي( بنين، بوركينافاسو، بورندي، الكاميرون، إفريقيا الوسطى، جزر القمر، الكونغو، ساحل العاج، جيبوتي، الجابون، غينياالاستوائية، غينيا كوناكري، مالي، موريشيوس، موريتانيا، رواندا، السنغال، تشاد، توجو).

المطلب الثالث: المحدد الاقتصادي للعلاقات الفرنسية الإفريقية  

يعد المحدد الاقتصادي في الوقت الراهن الأساس التي ترتكز عليه السياسة الفرنسية، وتبني عليه قوة الدولة ومقدرتها، لأنه يسمح لها بتوظيف إمكانياتها الاقتصادية لخدة أغراض خارجية، سياسية واجتماعية وعسكرية من أجل تحقيق استراتيجيتها([16])، وتشمل الموارد الاقتصادية الوطنية لدولة معينة على الثروات الطبيعية ومختلف المنتجات الصناعية والزراعية، ففي عصر الاعتماد المتبادل يصعب الاكتفاء الذاتي التام في كافة المجالات الاقتصاديةـ، فإن  هناك العديد من الدول سواء بحكم موقعها الجغرافي أو بحكم احتواء إقليمها على موارد طبيعية استراتيجية، وتتمتع بمزايا عديدة تجاه الدول الأخرى، من خلال هيمنتها على منتجات أو خدمات معينة.

شكلت إفريقيا إبان حكم فترة الاستعمار الفرنسي فضاء لتصريف السلع والبحث عن المواد الأولية لتنمية الصناعات الفرنسية، كذلك عملت فرنسا على ربط استقلال الدول الإفريقية التي كانت سيطرتها بإقامة اتفاقيات للتعاون تحت شعارات مساعدة الدول الإفريقية على تنميتها الاقتصادية وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، ولكنه على صعيد الممارسة كانت تهدف هذه الاتفاقيات إلى تكريس الهيمنة الفرنسية على إفريقيا، حتى بعد رحيل صاحب فكرة اتفاقيات التعاون الجنرال شارل ديغول ومطالبة العديد من الدول بإعادة النظر في سياسة التعاون الفرنسي المهيمن على إفريقيا، وقد عملت فرنسا على ابقاء الروابط النقدية والاقتصادية حتى بعد خروجها من مستعمراتها في إفريقيا، وذلك بخلق منطقة الفرنك الفرنسي التي كانت تربط العملات الإفريقية بالعملة الفرنسية وتوحيد سعر الصرف بين المستعمرات لإضفاء نوع من الانسجام لكن سرعان ما تم إلغاء هذه السياسة عام 1994([17]).

أن المحدد الاقتصادي له أهمية كبيرة في توجيه سلوك صانع القرار في السياسة الخارجية الفرنسية، وتحديد إدراكه وتطلعاته في بناء الاستراتيجية الاقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي، فالمحدد الاقتصادي يؤدي دوراً أساسياً في تحديد قوة الدولة، بما يسمح لها باستخدامه لأغراض سياسية وعسكرية، إن فرنسا التي تمتلك إمكانيات اقتصادية وطنية، تمكنها من تنفيذ استراتيجيتها الشاملة تجاه العالم الخارجي، فقد سعت ضمن مخططاتها الخارجية من أجل الحصول على المواد الأولية، وتوفير الأسواق لمنتجاتها بالارتكاز على علاقاتها التاريخية مع مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وعلى ما تسميه بالمعاملة المتميزة تجاها. وتعتمد العلاقات الاقتصادية الفرنسية مع الدول الإفريقية على أسس أربعة رئيسية([18]):

  • التجارة البينية بين فرنسا وغالبية دول غرب ووسط القارة، تبذل فرنسا محاولات كثيرة لاستمرا هذه العلاقات وضمان بقاء مركزها متميزاً فيها، وبالفعل ما زالت فرنسا في بعض الدول الفرانكفونية، المستورد الأول لمواد الخام والمصدر للسلع المصنعة، ورغم ذلك فالإشارة واجبة إلى الانحسار التدريجي لدور فرنسا الاقتصادي في القارة بشكل عام على مدى السنوات الأخيرة.
  • الاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، مازالت رؤوس الأموال الفرنسية من أهم الاستثمارات في العديد من الدول الفرانكفونية، ونخص بالذكر ساحل العاج، والغابون، واشتراك الخبرة والتكنولوجيا والأموال الفرنسية في إقامة مشروعات اقتصادية حيوية بالنسبة للسنغال وموريتانيا، وهما مشروع استصلاح أراضي نهر السنغال، ومشروع استخراج الحديد في موريتانيا، وتعتمد فرنسا في مجال تنمية الاستثمارات على خبرتها القديمة بالسوق الأفريقية وباحتياجاتها.
  • المنظمات الاقتصادية الإقليمية في وسط وغرب إفريقيا، إذا كانت سياسة التعاون الاقتصادي بين فرنسا والدول الأفريقية تخدم مصلحة فرنسا الاقتصادية، فهي في الوقت ذاته تكلفها نفقات طائلة، لذا رحبت فرنسا بالمنظمات الإقليمية الاقتصادية التي تشكلت في السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين وضمت دول غرب ووسط إفريقيا، ونضيف إلى جانب منظمة (ECOWAS)، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ويفيد إنشاء تلك المنظمات (UDEAC) والاتحاد الجمركي لدول إفريقيا الوسطى الوجود الفرنسي في القارة.

المطلب الرابع: المحدد الثقافي للعلاقات الفرنسية الإفريقية  

يعتبر المحدد الثقافي من المحددات المهمة التي لها دور واعتمدت عليه السياسة الفرنسية في القارة الإفريقية، وأن العديد من النزاعات والحروب في القرن العشرين كانت بسبب التناقضات والصراعات الفكرية والعقائدية بين الشعوب والأمم، ومن ثم السياسة الخارجية هي مرآة عاكسة للمنطلقات الفكرية والفلسفية والحضارية التي تؤمن بها الأمم والجماعات. ويعد المحدد الثقافي من المحددات التي عملت فرنسا جاهدة للحفاظ على دورها التاريخي فيها، وذلك بفضل خبرتها الطويلة في ذلك.

إن التعاون الثقافي من وجهة نظر الفرنسيين أداة فعالة قادرة  على الحفاظ على قابلية النخب في إفريقيا على اعطاء الأولوية للغة الفرنسي كإرث تاريخي لتكون هوية لغوية في هذه الدول، وتكون فيها اللغة الفرنسية اللغة الوظيفية والتربوية، فاللغة الفرنسية هي إحدى الركائز والأبعاد التي تعمتد عليها فرنسا في تعاونها الدولي، كما صرح به الرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو، حين قال:”من بين كل الدول في العالم تعد فرنسا الدولة الوحيدة التي تولي الاهتمام الأكبر لتصدير لغتها وثقافتها”([19]).

وأعطت الدولة الفرنسية اهتماماً كبيراً بالفرانكفونية، ليس كتعبير عن اللغة الفرنسية، أو على تلك السياسة التي انتهجتها الجمهورية الخامسة منذ تأسيسها فحسب، وإنما كتعبير أيضاً عن دالة المصالح العليا للدولة وأمنها، وقوامها، ومن أجل بزوج فضاء سياسي دولي، يبحث له عن تعريف يؤهله للحصول على إمكانية قيام تعاون مشترك بين أعضائه (الدول الفرانكفونية) وبين فرنسا، لكي يتمكن من إيجاد مكانة دولية له، يعبر عن ذاته ويحقق من خلالها مصالحها، واعتمدت فرنسا على عدة آليات بغرض إبراز حضورها الثقافي في إفريقيا([20]):

  1. اللغة المشتركة: تعد اللغة الفرنسية لغة سائدة في وسط وغرب إفريقيا بالإضافة إلى مدغشقر وجزر القمر في الجنوب الشرقي، غير أنه وفي الآونة الأخيرة لوحظ أن كثيراً من الأفارقة الفرانكفونيين اتجهوا إلى تعلم الانجليزية ما أدى إلى تراجع عامل اللغة.
  2. القمم الفرانكفونية: بدأ هذا التقليد بافتتاح الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو لأول قمة فرانكفونية عام 1973، وتعقد هذه القمم كل سنتين في باريس أو إحدى العواصم العواصم الإفريقية، وتبحث هذه القمم في الشؤون الفرنسية الإفريقية المشتركة في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، وقد استطاعت فرنسا ومنذ نهاية الثمانينات أن تجذب إلى هذه القمم دولاً غير فرانكفونية كنيجيريا وأنغولا.
  3. رابطة الدول الفرانكفونية: افتتحت هذه الرابطة في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران سنة 1986، وتضم كل الدول الناطقة بالفرنسية في العالم إلا أنها أصبحت تضم دولاً غير ناطقة بالفرنسية كمصر مثلاً، وقد كانت الفرانكفونية تعني بالأساس بمسألة تعميق العلاقات الثقافية بين أعضاءها، والتأكيد على أن اللغة الفرنسية تمثل كتلة عالمية باستطاعتها مواجهة المد الانجلوفوني في العالم، غير أن تغير الظروف العالمية وبروز الولايات المتحدة كقوة عالمية جعل فرنسا تضيف إلى البعد الثقافي للفرانكفونية أبعاداً سياسية ودبلوماسية.
  4. وكذلك تعد كل من المراكز الثقافية والمؤسسات التعليمية الفرنسية المنتشرة في إفريقيا عاملاً هاماً في نشر الثقافة الفرنسية وتعزيز الروابط الثقافية بين فرنسا وإفريقيا.

المبحث الثالث: التدخل الفرنسي في مالي

تعتبر فرنسا الدول الأوروبية الأولى من حيث قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة الإفريقية، وتمثل إفريقيا أحد ثلاثة عوامل داعمة لمكانة فرنسا الدولية بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن والقدرة النووية، إضافة لذلك فإن هناك عاملاً دولياً مهماً يحسب لمصلحة استمرار الدور الفرنسي في القارة وإستعادته لقوته وهو الاتحاد الأوروبي الذي يمثل دعامة حقيقة  لفرنسا، فهي تعد أحد الأعضاء المؤسسين لهذه المجموعة الدولية، حيث تسعى لتحقيق مصالحها في القارة الإفريقية بشكل عام ودولة مالي بشكل خاص، ولعل أبرز مثال على ذلك التدخل العسكري الفرنسي في مالي الذي هدفه وقف زحف الجماعات الإسلامية وإعادة بناء دولة مالي.

المطلب الأول: الميراث التاريخي للعلاقات الفرنسية المالية

تعتبر منطقة الساحل الإفريقي من المناطق التي أولت اهتماماً كبيراً من طرف الأوروبيين خاصة في القرن15، حيث الاكتشافات الجغرافية طريقاً جديداً للتبشير بالمسيحية والتوغل تمهيداً لنهب ثروات هذه المنطقة بما في ذلك تجارة العبيد([21])، فتاريخ علاقة الدولة الفرنسية بمالي تعاود إلى عام 1431 حينما وصل الفرنسيون إلى مصب نهر السنغال، حيث كان وجودهم ممثلاً في بعض المحطات التجارية مثل سانت لويس التي تأسست عام 1417، والتي تطورت في أواخر القرن17، وأصبحت من أهم المحطات البحرية التجارية([22]).

وبعد تقسيم الدول  بين الدول الكبرى في العالم كان الساحل الإفريقي من نصيب الدولة الفرنسية، حيث أسس المستعمر الفرنسي دول الساحل ضمن حدود سياسية وإدارية مصطنعة، وبعد منح  فرنسا هذه الدول ومن بينها مالي، وجدت القبائل الترقية المتمركزة في الصحراء الكبرى نفسها منقسمة بين عدة دول، ولم تستطع الحكومة المركزية في مالي ضبط النزاعات المتكررة والدورية فقد قام الطوارق بعدة حركات تمرد متكررة من عام 1990 إلى غاية 2009، والذي كان سببه التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اقليمي مالي(الشمالي والجنوبي)،وشعور سكان الشمال بالتهميش لأنهم يرون بأن الدولة تحكمها قبيلة واحدة مهيمنة على مقاليد الحكم في مالي وعي قبيلة البومبارا منذ الاستقلال.

وتعد منطقة الساحل الإفريقي الأكثر توتراً في العالم ومركزاً لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة في إفريقيا، وذلك نتيجة لتراكم عدة مسببات اقتصادية، وسياسية، وأمنية، ولقد زاد وضع منطقة الساحل سوءاً وتأزماً مع ظهور الأزمة في مالي التي تعود جذورها إلى حقبة الاستعمار الفرنسي للبلاد، ولكن ظهورها كأزمة أمنية في 2011 بعد تطور الأحداث شمال مالي، والتي تمثلت في تمرد الطواراق الذين طالبوا بالانفصال لتتزامن هذه الأحداث مع سيطرة الجماعات الإرهابية على مناطق كانت تحت سلطة حركة الأزواد، وتحالف تلك الجماعة مع الجماعات الإرهابية والإجرامية.

تعتبر مالي إحدى الدول الغنية من حيث الثروات الطبيعية، وهذه الأهمية الجيوبوليتيكية هي التي زادت من حدة تنافس القوى الغربية على المنطقة، إذ تعتبرها فرنسا منطقة نفوذ حيوي باعتبارها مستعمرة سابقة لها، هذا بالإضافة لموقعها الاستراتيجي فهي تحاذي العديد من الدول الغنية بالثروات المعدنية، ومنها  الجزائر، موريتانيا، النيجر، وعلى ضوء ماحدث في مالي إثر الانقلاب العسكري الأخير في 2012 وما تبعه من مختلف الجهود الإقليمية، وحتى الدولية لتسوية النزاع في مالي، وتصويره على أنه إرهاباً وأنه لابد لفرنسا أن تتدخل لإعادة سيطرة النظام الحاكم في الدولة المالية على استعادة السيادة على أراضيها، إلا أن الواقع يشير إلى أن الدافع الرئيسي لفرنسا هو المحافظة والابقاء على مصالحها، والسعي لاسترجاع نفوذها ومكانتها وهيمنتها السابقة خلال الحقبة الاستعمارية في القارة الإفريقية، والسيطرة على ما تملكه الدولة المالية وتزخر به من ثروات وموارد أوليه هامة([23]).

ولم يكن تدخل فرنسا العسكري في مالي مفاجئاً، إذ إنها كانت أكثر اللاعبين الدوليين والإقليميين انغماساً في الأزمة المالية منذ اندلاعها في عام 2012، وكانت صاحبة الدور الرئيس في نقل أزمة مالي لتناقش دولياً، وحشد الدعم الدولي واستصدار ثلاثة قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة([24])، وكان الجهد السياسي الفرنسي العامل المحرك لقيام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” إكواس” بإرسال قوات إلى مالي في مهمة الحفاظ على وحدة التراب المالي. واعتمدت استراتيجية فرنسا في التعاطي مع الأزمة في مالي أساساً على تدويل الأزمة، وحشد الدعم الإقليمي والدولي لمساندة الحكومة المركزية في مالي.

المطلب الثاني: مبررات التدخل الفرنسي في مالي

يعد عدم الاستقرار وحركات التمرد في الشمال سمة دائمة من سمات الوضع المالي، في حين تميزت الأوضاع السياسية بالصراع على السلطة والانقلابات والأنظمة الديكتاتورية مع اضطرابات اجتماعية ووضع اقتصادي هش، وزادت فترات الجفاف والقحط الممتدة من حدته، إذ تعد مالي من بين أفقر 20 دولة في العالم([25]).

وجاء التدخل العسكري المباشر بعد إعلان حالة الطوارئ في مالي بناءً على طلب رسمي من الحكومة المالية الأمر الذي ساهم في أن تبرر فرنسا تدخلها بأنه يقع ضمن إطار مساندة دولة صديقة وليس انتقاصاً من سيادتها، وبهدف طرد المجموعات الإسلامية المتطرفة، أي أن حرب فرنسا أصبحت تقع ضمن الحرب على الإرهاب التي أصبحت تعبيراً غير محدد لكنه مبرر على الصعيد الدولي في ظل استهداف حركات في بلدان عدة، وبغض النظر عما تعنيه من اختراق لسيادة تلك البلدان([26]).

أولاً: أسباب التدخل الفرنسي في مالي

يرجع التدخل الفرنسي في مالي للعديد من الأسباب، تنوعت بين أسباب معلنة صرحت بها الحكومة الفرنسية رسمياً من خلال وزراءها وممثليها السياسيين، وأخرى خفية لم تعلنها فرنسا بشكل رسمي، إلا أنها كانت دافعاً بارزاً وراء هذا التدخل([27]).

  • الأسباب المعلنة للتدخل الفرنسي في مالي

عندما بدأ التدخل الفرنسي في مالي أعلن وزير الخارجية الفرنسي”لوران فابيوس” إن هذا التدخل يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف على النحو التالي:

  1. وقف زحف المجموعات الإرهابية نحو الجنوب.
  2. الحفاظ على وجود حكومة مالي واستعادة وحدة أراضيها وسيادتها الكاملة.
  3. التحضير لنشر قوة التدخل الإفريقية المرخص لها بموجب قرار مجلس الأمن.

ومع توغل الإسلاميين في موبتي دق ناقوس الخطر في الدوائر الحكومية في كل من باماكو وباريس، فرأت هذه الأخيرة، في تقدم الإسلاميين نحو مدينة كونا، وتفاقمت المخاوف بأن الجيش المالي سوف ينهار ببساطة أمام هجمات المقاتلين الإسلاميين المتزايدة، وبعد الهجوم المشترك من قبل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وجماعة التوحيد والجهاد على بلدة كونا في 10 يناير 2013م.

وشهدت فرنسا العديد من الاختطاف لرعاياها في شتى الدول الإفريقية لعل أولها كان في موريتانيا عام 2008 باختطاف 5 رعايا فرنسيين، يليها بعد ذلك اختطاف الرعية بيار كامات الذي اختطف في 26 نوفمبر2009من مالي، وتم الإفراج عنه عام 2010، وذلك بدفع فدية وإطلاق سراح أربعة من الإرهابيين كانوا معتقلين لدى السلطات المالية، إضافة الإفراج عن إرهابيين جزائريين كانوا محل بحث من طرف الأمن الجزائري، وهو ما دفع لتوتر العلاقات بين حكومتي الجزائر ومالي، وتواصلت عمليات الاختطاف للرعايا الفرنسيين، وهذا ما سهل مهمتها في مكافحة الإرهاب والدخول إلى مالي.

  • الأ سباب غير المعلنة للتدخل الفرنسي في مالي

يظهر البعد الإستراتيجي في هذا التدخل الفرنسي خاصة مع وجود لاعبين جدد في القارة الأفريقية كالولايات المتحدة، والصين والهند والبرازيل ومحاولة الوجود في القارة على حساب المعسكر القديم المتمثل في فرنسا وأمريكا وبريطانيا، وهو ما يعتبر دافعًا لهذه القوى الثلاث أن تبذل الجهود في محاولة لاستعادة مكانتها القديمة مرة أخرى في أفريقيا.

وتمثل مصالح فرنسا الاقتصادية أيضاً في منطقة الغرب الإفريقي عاملاً تفسيرياً آخر لاستراتيجيتها في هذا الإقليم وكذلك في تعاملها الأخير مع أزمة مالي، وعلى الرغم من محدودية مصالحها الاقتصادية المباشرة في مالي بحكم محدودية استثماراتها فيها مقارنة مع بلدان أخرى، إلا أن مالي مهمة في إطار إقليم تنشط فيه فرنسا اقتصادياً، وعليه فإن تهديد مصالح فرنسا الاقتصادية في بلدان مجاورة مثل النيجر والسنغال وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، ولمالي  أهمية بالغة بالنسبة إلى فرنسا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مناجم اليورانيوم النيجيرية التي توفر احتياجات المحطات الفرنسية النووية التي تقع مباشرة  على حدود النيجر مع مالي وتمد فرنسا بثلث احتياجاتها، لذلك أي تهديد يستهدف استقرار الأمن السياسي لدولة النيجر هو بمثابة تهديد للأمن الفرنسي([28])، والتدخل في مالي كان في سياق سياسة هجومية في أفريقيا تتبعها فرنسا في السنوات الأخيرة في إطار تنافسها مع الدول الكبرى على النفوذ.

ثانياً: مراحل التدخل الفرنسي في مالي

وعرف التدخل الفرنسي في مالي بثلاث مراحل مختلفة، بداية من يناير 2013 إلى غاية انسحابها جزئياً من مالي وهي على النحو التالي([29]):

  1. تعمل الخطة في المرحلة الأولي على توطيد سيطرة القوات الحكومية على جنوب مالي من خلال الدعم اللوجستي الاستخباراتي والتدريب والتنظيم والتسليح بهدف وقف انتشار الجماعات الإرهابية إلى الجنوب.
  2. بدأت القوات الفرنسية التي تقود العمليات العسكرية في إقليم أزواد بشمال مالي، المرحلة الثانية من العملية العسكرية بعد استعادة المدن الرئيسية في الإقليم والسيطرة على محاور الطرق الكبرى، وعملت القوات الفرنسية في هذه المرحلة على الإطاحة بمجموعة من أخطر قادة التنظيمات المسلحة وتدمير مخازن السلاح لدي هذه المنظمات في عملية نوعية، وتلى ذلك نشر ثلاث إلى أربع كتائب عسكرية مالية، تعتمد عليها القوات الأوروبية والإفريقية بعد الاستيلاء على المدن الرئيسية في شمال مالي، حيث قصف الطيران الفرنسي مواقع للجماعات الإرهابية المسلحة في كيدال وضواحيها في أقصى شمال شرق مالي.
  3. تأمين العاصمة باماكو لضمان الاستقرار للمدينة واستدامة مؤسساتها، وتعزيزها بقوات فرنسية إضافية مرابطة في الدول الإفريقية المجاورة، خاصة في ساحل العاج وتشاد، بغرض توفير الحماية للمواطنين الفرنسيين والأوروبيين، والمصالح الفرنسية، والعمل على توطيد الاستقرار في شمال البلاد، وتشمل الخطة قصف مواقع الجماعات الأصولية، وطلبيعة تدخل القوات الخاصة، فيما ستوفر الولايات المتحدة الدعم الاستخباراتي، ومن الممكن أن تقوم القوات الفرنسية بتوفير الغطاء الجوي للعمليات العسكرية([30]).

أن طبيعة التدخل العسكري الفرنسي في مالي لم يكن بالأساس تحقيقاً لهذه الأهداف المصرح بها، وانما كانت هناك أهداف خفية حملت بالحكومة الفرنسية على المسارعة للتواجد العسكري بالمنطقة، وأن الاهتمام الفرنسي بتطهير الشمال المالي من الجماعات المتشددة في الحقيقة أساسه الحفاظ على الأهداف الغربية في الهيمنة والحفاظ على مناطق النفوذ في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية الكبرى، فالمصالح الحيوية لفرنسا في إقليم غرب إفريقيا، والتي تمثل  حمايتها أحد الأهداف الرئيسية لحرص فرنسا على القضاء على الجماعات الإرهابية في هذا الإقليم كانت وراء الاندفاع الفرنسي لقيادة الحرب في مالي، ورفض الحوار مع الجماعات المسلحة([31]).

المطلب الثالث: العمليات العسكرية في مالي (سيرفال وبرخان)

جاء التدخل العسكري المباشر لفرنسا بقرار الرئيس فرانسوا هولاند بعد إعلان حالة الطوارئ في مالي، وبناء على طلب رسمي من الحكومة المالية في 10 يناير 2013، وكذلك بموجب القرار الأممي رغم 2085 الذي أعطى الضوء الأخضر لبدء العمليات العسكرية في مالي، حيث أطلق العملية العسكرية الأولى بعملية سيرفال، وأن القرار الأممي رقم 2085 بنى على ةقائع وحيثيات، ومعطيات تلقاها المجلس الأمن من الحكومة الانقلابية المالية والمنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا الموالية لفرنسا، كما استند على الميثاق لاسيما الفصل السابع المتعلق باستعمال التدابير المختلفة بما في ذلك استعمال القوة العسكرية طبقاً للمادة 51.

كما أن ميثاق الأمم المتحدة ركز على الأطراف المتنازعة باحترام القانون الدولي الإنساني، لاسيما حماية المدنين من التهديدا والانتقامات وكذا حرص القرار على إيجاد مكانة لمنظمات حقوق الإنسان، وأعطى لجهات مختصة رفع تقارير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأول عملية عسكرية نفذتها فرنسا في مالي سميت بعملية سيرفال ثم اتبعتها بعملية واسعة تسمي برخان([32]).

أولاً: عملية سيرفال العسكرية

أن السياق الذي مهد للتدخل العسكري الفرنسي في مالي، على رأسها تمرد سكان الشمال الطوارق بقيادة الحركة الوطنية لتحرير ازواد، ومطالبتهم الحكومة المركزية في باماكو بالحكم الذاتي واستقلال أراضي ازواد، والتي تضم مناطق كيدال، طمبكتو وغاو، وذلك بسبب التهميش والإهمال (صراع شمال جنوب)، الذي يتعرضون إليه، وكذلك لاعتبارات تتعلق باحتلال أراضيهم من طرف البومبارا، ويمثل تنظيم أنصار الدين، بقيادة إياد اغ غالي، والذي يسعى إلى إقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة في الجزء الشمالي من مالي ثاني تحد للحكومة المركزية، وهناك مجموعات جهادية أخرى لا تقل عدة وعتاداً عن بقية المسلحين في المنطقة أبرزها جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا والتي تتمركز في مدينة مدينة غاو، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي([33]).

في 21يناير 2013، وبعد تلقيه طلب السلطات المالية بالتدخل لمنع الهجوم على العاصمة باماكو، تشاور الرئيس فرانسوا هولاند مع كبار مسئولي الدولة الفرنسية، وأعلن بعد ساعات فقط إطلاق عملية عسكرية سميت “سيرفال”، وبحسب موقع وزارة الدفاع الفرنسية فان العملية تستهدف:

  • إيقاف الهجوم الإرهابي نحو الجنوب.
  • تشتيت الشبكات الإرهابية، وأنظمتها الداعمة.
  • العمل على العودة الى حياة سياسية طبيعية، مساعدة الجيش المالي على استعادة زمام المبادرة، مرافقة ومساندة البعثة الدولية لمساندة مالي والتي تحولت فيما بعد إلى: البعثة الأممية المندمجة متعددة المهام من أجل الاستقرار في مالي.

بحسب وزارة الدفاع الفرنسية، لم يلزم قوات “سيرفال” إلا بضعة أيام حتى تمكنت من إيقاف زحف الإرهابيين نحو العاصمة وشنت هجوماً مضاداً على معاقلهم المنتشرة شمال نهر النيجر، وبالموازاة مع النداء الذي اطلقه الرئيس المالي بالنيابة حول الخطر الذي يهدد الدولة المالية، اصدر مجلس الأمن بالإجماع لائحة تحت رقم 2071  يكلف فيها دول غرب إفريقيا بمساندة القوات الفرنسية ودعمها في الميدان من أجل دحر هجوم المسلحين، مما سمح للسلطات المالية إعادة بسط سيادتها على البلاد، وبحلول منتصف فبراير استعيدت كل المدن الأساسية التي كانت تحت سيطرة المجموعات المسلحة، وبالتنسيق مع القوات الأممية قامت قوات “سيرفال” بتمشيط الجهة الشرقية الشمالية من البلاد لتشتيت الجماعات المسلحة، والقضاء على المئات منهم، وإضعاف إمداداتهم اللوجستية([34]).

هذه العملية التي أطلقتها فرنسا والتي سبقت عملية برخان مكنتها من شن هجوم على الجماعات المسلحة، وهو ما أدى إلى تقليص نفوذها لكنه لم يستطع القضاء عليها؛ لذلك وسعت فرنسا من دائرة حربها ضد هذه الجماعات ليس في الشمال، بل في منطقة الساحل الإفريقي عبر عملية برخان العسكرية.

ثانياً: عملية برخان العسكرية

لقد عملت فرنسا على توطيد دعائم وجودها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي وخاصة في دولة مالي، وذلك عبر مجموعة من العمليات العسكرية بهدف مكافحة الإرهاب في الساحل، وبخاصة التحديات الأمنية بالغة الخطورة التي تهدد استقرار دول المنطقة([35])، ومن أهم هذه العمليات العسكرية، عملية برخان في مالي.

عملية برخان هي عملية عسكرية تبنتها فرنسا لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي، وقد انطلقت في 1 أغسطس 2014م وتتألف من 3000 جندي من القوة الفرنسية بصفة دائمة وكان مقرها في نجامينا عاصمة تشاد، وقد تم تصميم العملية مع خمسة بلدان كانت مستعمراتها فرنسية سابقاً التي تمتد  على الساحل وهي( بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، النيجير)، وهذه البلدان المشار إليها تعرف بأسم 5G  أو دول الساحل الخمس، وتسمى هذه العملية هلال الكثبان الرملية في الصحراء، وهي أكبر عملية عسكرية خارجية لفرنسا، وانبثقت عن عملية سيرفال التي نفذتها القوات في مال، وعملية باشق في تشاد، وقد جاءت بالتحديد لوقف زحف الجماعات المسلحة في الساحل الإفريقي، وتوزعت على دول الساحل5G، وقد شارك الجيش الفرنسي في مالي بـ1000 عنصر فرنسي، وبـ1200 جندي فرنسي في التشاد، وانقسمت القوات الأخرى على كل من النيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا، كما كانت القوات الفرنسية مجهزة ب20 مروحية و200 عربة مدرعة،10طائرات نقل فضلاً عن 6 طائرات مقاتلة و3 طائرات بدون طيار([36]).

وقد قسمت الحكومة الفرنسية عملها على أربع قواعد عسكرية، الأولى في العاصمة التشادية، والثانية القاعدة الإقليمية في غاو شمال مالي، والثالثة واغادوغو خاصة بالقوات في بوركينا فاسو، والرابعة خاصة بالقاعدة الاستخباراتية الجوية في نيامي النيجر، وهذه الأخيرة ذات من أهمية استراتيجية لأنها تستضيف طائرات بدون طيار مسؤولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية في جميع أنحاء  منطقة الساحل والصحراء، وهذه القاعدة لها بعد استراتيجي وتكتيكي كبير خاصة أنها منطلق العمليات ضد الجماعات المتطرفة يشارك فيها 500 جندي فرنسي تابعين للعملية العسكرية برخان([37]).

إن هدف فرنسا الاستراتيجي من العملية برخان هو أن تصبح فرنسا الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وخاصة دولة مالي، إن مهمة الجنود الفرنسيين المشاركين في عملية برخان، تتمثل في القضاء على بارونات تهريب السلاح في منطقة الساحل الإفريقي مع قطع  الطرق التي يتم من خلالها تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وتهريب السلاح والاتجار بالبشر وأشكال الجريمة المنظمة التي لها علاقة بالجماعات الإرهابية.

حقق التدخل الفرنسي في مالي مجموعة من الأهداف المعلنة، وهما: وقف تقدم المجموعات الإسلامية المتطرفة نحو جنوب البلاد وتهديد العاصمة باماكو، وتحرير معظم المدن الرئيسية في الشمال مما دفع هذه المجموعات إلى اللجوء غلى مناطق جبلية وعرة في الشمال الشرقي المالي على الحدود الجزائرية، وقد تسعى هذه المجموعات إلى تنفيذ هجمات في إطار حرب عصابات ضد القوات الفرنسية والقوات المساندة لها، علاوة على ذلك إمكانية تنفيذ عمليات ضد مراز حساسة في (صناعة النفط والغاز والتعدين) في دول الجوار الجغرافي للساحل الإفريقي، على نموذج عملية عين أمناس الأخيرة في الجزائر([38]).

أن الاهتمام الفرنسي بوقف الجماعات المتشددة من السيطرة على شمال مالي والأهداف الغربية في الهيمنة والحفاظ على النفوذ في هذه المنطقة ذو الجيوستراتيجية الكبرى، فالمصالح الحيوية لفرنسا في إقليم غرب إفريقيا، والتي تتمثل  حمايتها أحد الأهداف الرئيسية لحرص فرنسا  القضاء على الجماعات الإرهابية في هذا الإقليم، كانت وراء الاندفاع الفرنسي لقيادة الحرب في مالي، ورفض الحوار مع الجماعات المتشددة، فالمصانع الفرنسية تعتمد على مخزون اليورانيوم الذي تحتويه أراضي النيجير، حيث تعد أكبر منتج لهذا المورد في العالم، وحققت عملية برخان بعض النجاحات في منطقة الساحل بما في ذلك زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب المدعو عبدالمالك دروكدال، تأمين العاصمة المالية باماكو ومنع تدفق الجماعات الإرهابية تجاها، المحافظة علي المصالحة الاقتصادية الفرنسية وخاصة المصالح الخاصة بالثروات وحماية حقول اليورانيوم.

خاتمة :

تتمحور الدراسة حول العلاقات الفرنسية الإفريقية منذ عام 2012 مالي نموذجاً، وتحرص فرنسا على الوجود المستمر في القارة الإفريقية، وأن العلاقة بينهما علاقة مصيرية ومرتبطة ببقاء واستمرار الدولة الفرنسية، وتشكل القارة الإفريقية إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية، وهو الأمر الذي عبر عنه الرئيس فرانسوا ميتران في القمة الفرنسية التي عقدت في بيارتيز بفرنسا عام 1994.

استطاعت فرنسا أن تفرض هيمنتها على إفريقيا بأسلوب التدخل المباشر والغير مباشر في رسم معالم ونماذج الحكم في القارة الإفريقية، وهذا كله للحفاظ على تلك الهيمنة، لأن الساسة في فرنسا يعلمون جيداً أن بقاءهم في أفريقيا مرهون باستمرار هيمنتهم، لذا فأولى أهداهم هي المحافظة على الوضع القائم، ومواجهة النفوذ الأمريكي المتزايد في القارة الإفريقية خاصة بعد الحرب الباردة.

تعد القارة الإفريقية من أهم القارات في العالم، من حيث الموقع الجيوستراتيجي الذي يتوسط العالم، فهي تعد حلقة وصل طبيعية بين قاراته، كما أنها تستحوذ على ثروات طبيعية كبيرة، مما حولها غلى خزان استراتيجي عالمي للطاقة والموارد الأولية، بالإضافة إلى مساحتها الكبيرة واستحواذها على أمهم الممرات البحرية في العالم، والتي تعد شريان اقتصادياً وتجارياً ودولياً.

وتناولت الدراسة أيضاً المحدد السياسي، تعمل السياسة الفرنسية على استقرار الأنظمة الإفريقية والحفاظ عليها، خصوصاً الموالية لفرنسا، ولذلك فقد ظلت فرنسا تساند النظم القائمة القوية رغم سلبياتها، وتشجيع النظم الجديدة التي لا تعرف مدى قدرتها على سيطرة شعوبها، وأن حالة الاستقرار مرغوب فيها من أجل ازدهار الاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية.

وتسعى فرنسا من خلال المحدد العسكري تعزيز تواجدها العسكر في قارة  أفريقيا بالإضافة إلى حماية المصالح وتحقيق المكاسب وزيادة السيطرة والنفوذ إلى تحجيم دور بعض القوى الإقليمية والدولية الصاعدة في إفريقيا كالصين وأمريكا، وتبرز أهم الاتفاقيات منها القواعد العسكرية، واتفاقيات الدفاع، واتفاقيات التعاون العسكري والمعونة العسكرية.

ويعد المحدد الاقتصادي، شكلت إفريقيا إبان حكم فترة الاستعمار الفرنسي فضاء لتصريف السلع والبحث عن المواد الأولية لتنمية الصناعات الفرنسية، كذلك عملت فرنسا على ربط استقلال الدول الإفريقية التي كانت سيطرتها بإقامة اتفاقيات للتعاون تحت شعارات مساعدة الدول الإفريقية على تنميتها الاقتصادية وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، ويعد المحدد الثقافي من المحددات التي عملت فرنسا جاهدة للحفاظ على دورها التاريخي فيها.

تعتبر مالي إحدى الدول الغنية من حيث الثروات الطبيعية، وهذه الأهمية الجيوبوليتيكية هي التي زادت من حدة تنافس القوى الغربية على المنطقة، إذ تعتبرها فرنسا منطقة نفوذ حيوي باعتبارها مستعمرة سابقة لها، هذا بالإضافة لموقعها الاستراتيجي فهي تحاذي العديد من الدول الغنية بالثروات المعدنية، ومنها  الجزائر، موريتانيا، النيجر، وعلى ضوء ماحدث في مالي إثر الانقلاب العسكري الأخير في 2012 وما تبعه من مختلف الجهود الإقليمية، وحتى الدولية لتسوية النزاع في مالي.

وأن الاهتمام الفرنسي بتطهير الشمال المالي من الجماعات المتشددة في الحقيقة أساسه الحفاظ على الأهداف الغربية في الهيمنة والحفاظ على مناطق النفوذ في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية الكبرى، فالمصالح الحيوية لفرنسا في إقليم غرب إفريقيا. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج على النحو التالي:

  • استطاعت فرنسا أن تفرض هيمنتها على إفريقيا بأسلوب التدخل المباشر والغير مباشر في رسم معالم ونماذج الحكم في القارة الإفريقية.
  • وتمتلك القارة الإفريقية مميزات هامة على الصعيد الاقتصادي، فنجد أن القارة الإفريقية خزان استراتيجي للثروات الطبيعية، فهي تعد عبر التاريخ ممراً هاماً للسلع وشرياناً تجارياً واقتصادياً بالغ الأهمية، كما أن وجود كميات هائلة من النفط والغاز الإفريقي على السواحل سهل من عملية استثمار هذه الموارد من قبل الدول الكبرى.
  • وتعد منطقة الساحل الإفريقي الأكثر توتراً في العالم ومركزاً لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة في إفريقيا، وذلك نتيجة لتراكم عدة مسببات اقتصادية، وسياسية، وأمنية.
  • هدف التدخل العسكري الفرنسي من توطيد سيطرة القوات الحكومية على جنوب مالي من خلال الدعم اللوجستي الاستخباراتي والتدريب والتنظيم والتسليح بهدف وقف انتشار الجماعات الإرهابية إلى الجنوب.
  • حرصت فرنسا القضاء على الجماعات الإرهابية في هذا الإقليم كانت وراء الاندفاع الفرنسي لقيادة الحرب في مالي، ورفض الحوار مع الجماعات المسلحة.
  • الهدف من التدخل العسكري تأمين العاصمة باماكو لضمان الاستقرار للمدينة واستدامة مؤسساتها، وتعزيزها بقوات فرنسية إضافية مرابطة في الدول الإفريقية المجاورة.
  • إن هدف فرنسا الاستراتيجي من العملية برخان هو أن تصبح فرنسا الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وخاصة دولة مالي. والقضاء على زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب المدعو عبدالمالك دروكدال.

المراجع

  • الكتب
  1. د.جمال الضلع، وآخرون، حوارات الإقليمية والعالمية في منطقة الساحل والصحراء (عمان: دار حامد للنشر والتوزيع،2016م).
  2. حسين بوقارة، السياسة الخارجية (الجزائر: دار هومة، 2012م)
  3. سالم برقوق، الاستراتيجية الفرنسية في المغرب العربي(الجزائر: طاكسيج كوم للدراسات والنشر والتوزيع، 2009م).
  4. محمد حسين، الاستعمار الفرنسي(الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب،1986م).
  5. موسوعة لاروس، أطلس العالم (بيروت، دارعويدات للنشروالطباعة،2013).
  6. محمد عبدالغني سعودي، قضايا إفريقية( الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب،1980م).
  • المقالات
  1. د.إجلال رأفت،” السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء”، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد106، أكتوبر1991).
  2. تمام همام تمام،” المقاومة الوطنية ضد التوسع الفرنسي في أعلى النيجر”، مجلة الدراسات الإفريقية (جامعة القاهرة: معهد البحوث الإفريقية،1979م).
  3. حسناء سيف،”إفريقيا في المنظر الاستراتيجي الفرنسي بعد انتهاء الحرب الباردة”، مجلة البحثية للعلوم الإنسانية والإجتماعية (مؤسسة خالد الحسن، مركز الدراسات والأبحاث، المجلد السابع، العدد8،2017م).
  4. حورية ساعو، محمد غربي،” موقف الجزائر من التدخل العسكري الفرنسي في مالي”، مجلة الأكاديمية للدراسات الاتماعية والإنسانية ( الجزائر، العدد18، 2017م).
  5. زهيرة مزرارة، ميلود عامر حاج،” السياسة الأمنية الفرنسية تجاه الساحل الإفريقي بين القطيعة والاستمرارية”،مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية( الجزائر،العدد18، 2017م).
  6. سمية صحراوي،”دراسة للتدخل الفرنسي في مالي بعد 2012:عملية برخان العسكرية أنموذجاً”، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية( الجزائر، المجلد8، العدد2، 2021م)،
  7. على مدوني،” التدخل الفرنسي في مالي:الأسباب والانعكاسات”، مجلة الحقوق والحريات(الجزائر، المجلد8، العدد3، أكتوبر2020).
  8. د. محمود أبو العينين،” العلاقات الأوروبية الأفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 140، 2000م).
  9. د.محمد بوضياف،” إستراتيجية الحرب المحدودة عملية سيرفال نموذجاً”، مجلة المعيار (الجزائر، العدد 18، يونيو 2017م).
  10. وحدة تحليل السياسات في المركز العربي،” أزمة مالي والتدخل الخارجي”، تقدير موقف( الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فبراير 2013م).
  • الرسائل العلمية
  1. مولاي بومجوط، السياسة الخارجية الفرنسية تجاه إفريقيا في ظل المنافسة الأمريكية الصينية دراسة (2001-2014)، رسالة دكتوراه، (جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية، 2016م).
  2. غدير دليلة، الاستراتيجية الأمنية الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي دراسة حالة مالي، رسالة ماجستير، ( الجزائر: جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2015م).
  • شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)
  1. أحمد عسكر،“أفريقيا في الاستراتيجية العسكرية الفرنسية”، مركز فكر، متاح على https://2u.pw/6sOQq
  2. د. شيماء محيي الدين،” الوجود العسكري الفرنسي ومكافحة الإرهاب في الساحل: ماذا بعد برخان؟”،4 إبريل 2020، متاح على https://pharostudies.com/?p=4146
  3. عبير شليغم،”التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه أفريقيا”، 15 فبراير2015م، متاح على الرابط http://www.acrseg.org/36650
  4. Poorest Countries in the World 2021,December2021,Available at: https://2u.pw/EhzPg.
  5. France in Mali: A year of hunting jihadists in West Africa,11/1/2014, Available at: https://2u.pw/xOQjR.

([1])   مولاي بومجوط، السياسة الخارجية الفرنسية تجاه إفريقيا في ظل المنافسة الأمريكية الصينية دراسة (2001-2014)، رسالة دكتوراه، (جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية، 2016م) ص 104.

[2]))  محمد حسين، الاستعمار الفرنسي(الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب،1986م)، ص ص 11-14.

[3])) سالم برقوق، الاستراتيجية الفرنسية في المغرب العربي(الجزائر: طاكسيج كوم للدراسات والنشر والتوزيع، 2009م)، ص 46.

[4])) المرجع السابق، ص47.

 ([5])د.جمال الضلع، وآخرون، حوارات الإقليمية والعالمية في منطقة الساحل والصحراء ( عمان: دار حامد للنشر والتوزيع،2016م)،ص119.

([6]) المرجع السابق، ص120.

[7])) موسوعة لاروس، أطلس العالم (بيروت، دارعويدات للنشروالطباعة،2013)، ص101.

[8]) )  قاموس لاروس، مرجع سبق ذكره، ص101.

[9]) ) محمد عبدالغني سعودي، قضايا إفريقية( الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب،1980م) ص11.

[10])) حسناء سيف،”إفريقيا في المنظر الاستراتيجي الفرنسي بعد انتهاء الحرب الباردة”، مجلة البحثية للعلوم الإنسانية والإجتماعية ( مؤسسة خالد الحسن، مركز الدراسات والأبحاث، المجلد السابع، العدد8،2017م)، ص 294.

[11]))  د.إجلال رأفت،” السياسة الفرنسية في إفريقيا جنوب الصحراء”، مجلة السياسة الدولية( القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد106، أكتوبر1991)، ص 10.

[12])) د. محمود أبو العينين،” العلاقات الأوروبية الأفريقية بعد انتهاء الحرب الباردة، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 140، 2000م)، ص23.

[13]) )  إجلال رأفت، مرجع سبق ذكره، ص11.

[14]))  أحمد عسكر،”أفريقيا في الاستراتيجية العسكرية الفرنسية”، مركز فكر، متاح على https://2u.pw/6sOQq

[15]) ) مولاي بومجوط، مرجع سبق ذكره، ص ص 128-129.

[16])) حسين بوقارة، السياسة الخارجية (الجزائر: دار هومة، 2012م)، ص81.

[17]) ) حسناء سيف، مرجع سبق ذكره، ص295.

[18])) مولاي بومجوط، مرجع سبق ذكره، ص ص 133-134.

[19]) ) مولاي بومجوط، مرجع سبق ذكره، ص136.

[20])) إجلال رأفت، مرجع سبق ذكره، ص14.

[21]) ) على مدوني،” التدخل الفرنسي في مالي: الأسباب والانعكاسات”، مجلة الحقوق والحريات(الجزائر، المجلد8، العدد3، أكتوبر2020)، ص130.

[22]))  تمام همام تمام،” المقاومة الوطنية ضد التوسع الفرنسي في أعلى النيجر”، مجلة الدراسات الإفريقية (جامعة القاهرة: معهد البحوث الإفريقية،1979م)، ص ص106-1070

[23])) عبير شليغم،” التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه أفريقيا“، 15 فبراير2015م، متاح على الرابط http://www.acrseg.org/36650

[24]))  حورية ساعو، محمد غربي،” موقف الجزائر من التدخل العسكري الفرنسي في مالي”، مجلة الأكاديمية للدراسات الاتماعية والإنسانية( الجزائر، العدد18، 2017م)، ص ص249-250.

([25])Poorest Countries in the World 2021,December2021,Available at: https://2u.pw/EhzPg.

[26]) ) غدير دليلة، الاستراتيجية الأمنية الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي دراسة حالة مالي، رسالة ماجستير،( الجزائر: جامعة قاصدي مرباح-ورقلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2015م)، ص49.

 ([27])عبير شليغم،“التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه أفريقيا”، مرجع سبق ذكره.

[28]))  زهيرة مزرارة، ميلود عامر حاج،” السياسة الأمنية الفرنسية تجاه الساحل الإفريقي بين القطيعة والاستمرارية”، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية( الجزائر،العدد18، 2017م)، ص265.

[29]) )  المرجع السابق، ص49.

[30]))  عبير شليغم،“التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه أفريقيا”، مرجع سبق ذكره.

[31])) سمية صحراوي،“دراسة للتدخل الفرنسي في مالي بعد 2012:عملية برخان العسكرية أنموذجاً”، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية( الجزائر، المجلد8، العدد2، 2021م)، ص ص 473-474.

[32])) نفس المرجع السابق، ص ص 469-470.

[33]))  د.محمد بوضياف،” إستراتيجية الحرب المحدودة عملية سيرفال نموذجاً”، مجلة المعيار (الجزائر، العدد 18، يونيو 2017م)، ص ص 127- 128.

([34])France in Mali: A year of hunting jihadists in West Africa,11/1/2014, Available at: https://2u.pw/xOQjR.

[35])) د. شيماء محيي الدين،” الوجود العسكري الفرنسي ومكافحة الإرهاب في الساحل: ماذا بعد برخان؟”،4 إبريل 2020، متاح على https://pharostudies.com/?p=4146

[36]))  سمية صحراوي، مرجع سبق ذكره، ص471.

[37]))  نفس المرجع السابق.

[38]))  وحدة تحليل السياسات في المركز العربي،” أزمة مالي والتدخل الخارجي”، تقدير موقف ( الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فبراير 2013م)، ص ص 9-10.

4.6/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى