مآلات تقارب الرياض والحوثي
اعداد : سامي الأشول – صحفي يمني
- المركز الديمقراطي العربي
تحاول المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية منذ عام 2021 إنهاء القطيعة الدبلوماسية التي بدأت عام 2016 بعد عقود من التوتر الدائم. أثمرت الجهود مؤخرا بإعلان اتفاق في العاشر من مارس 2023 في بكين.
أخذ الوصول إلى اتفاق بين طهران والرياض وقتاً طويلاً من الإعداد، وكانت اليمن محوراً رئيسياً للمشاورات التي استمرت لسنوات بين مسؤولي المخابرات السعودية والإيرانية.
بينت الأحداث والتطورات الأخيرة أن البلدين وخصوصا السعودية تسعيان إلى إنهاء أو على الأقل تقليص التزامهما في المنطقة وإنهاء “حروبهما بالوكالة”، فقد أصبحت مكلفة للغاية ولم يعد بإمكان طهران والرياض حشد ونشر القوات لتغيير الوقائع على الأرض. كما أن السعودية بأمس الحاجة للخروج بصورة “مشرّفة” من حربها في اليمن التي عجزت فيها عن تحقيق أهداف التحالف المعلنة واستنزفت ميزانية المملكة بشكل كبير.
أشرفت الرياض بشكل مباشر على تدريب وتسليح قوات يمنية بقيادة عليا سعودية “قوات درع الوطن”؛ كانت مهمتها في الأساس تأمين حماية المجلس الرئاسي وحكومة “الشرعية”. مع تغير سياسة السعودية وتوجهاتها للخروج من هذه الحرب والتقارب مع الحوثي؛ أقدمت على نشر هذه القوات في معظم المحافظات الجنوبية؛ مما يدل على أن تأمين وتقوية شوكة “الشرعية” في عدن لم يعد أولوية قصوى. في هذا السياق تستمر السعودية في تقليص دعمها لحكومة الشرعية؛ رغم محدودية هذا الدعم سياسيا واقتصاديا وعسكريا أيضا، فلم تمتلك الشرعية خلال سنوات الحرب الماضية أسلحة نوعية تمكنها من حسم المعركة رغم وصولها إلى أطراف صنعاء ثم جاءت أوامر التحالف بتوقف زحف الجيش الوطني اليمني.
التقارب السعودي – الحوثي ركز على إيقاف الرياض دعمها للشرعية وحزب الإصلاح، وهذا ما نراه مجسدا على الأرض وفي ميادين القتال بالمقابل تقوم طهران بوقف دعمها للحوثيين، هذا الأمر يثير العديد من الأسئلة بعد الصفقة الإيرانية السعودية المعلنة: هل يمكن فعلا أن تقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى اليمن؟ هل ستضغط إيران على الحوثيين؟ أم ستتظاهر إيران بسياسة الإنكار في استمرار تسليحها للحوثيين؟ هل ستثير السعودية هذه القضية وتطلب من الصين الضغط على إيران؟
مهما يكن الأمر، فإن زيارة الوفد السعودي والعماني “علنا” إلى صنعاء في 9 إبريل 2023 هو نتيجة مباشرة للتقارب السعودي الإيراني، بالتالي تتوجه الأنظار إلى اليمن لمعرفة مآلات هذا الاتفاق، الأكثر أهمية في المنطقة منذ بداية القرن الحالي.
توصل الطرفان “الحكومة السعودية والميليشيا الحوثية” خلال شهور المفاوضات الماضية إلى تفاهمات حول قضية توقف استهداف الأراضي السعودية بالطيران المسير او الصواريخ البالستية وتأمين الحدود من خلال منطقة آمنة فاصلة على امتداد الحدود بين البلدين بالمقابل يتم دفع رواتب موظفي الحكومة والدفاع والجيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ وإعادة فتح الموانئ التي تسيطر عليها ميليشيا أنصار الله الحوثية ومطار صنعاء وإطلاق الأسرى وجهود إعادة الإعمار وانسحاب القوات الأجنبية من اليمن، والتوافق على صيغة نهائية للاتفاق.
لكن في حال تم توقيع اتفاق في جولات المفاوضات القادمة التي سيتم استئنافها ما بين لحظة وأخرى؛ هل سيؤدي هذا الاتفاق إلى إنهاء القتال في اليمن؟ يجب علينا إدراك أن الأطراف الأخرى المشاركة في القتال في اليمن، التي تحظى بدعم من السعودية أو الإمارات، لم تشارك في هذه الجولة من المحادثات بين السعوديين والحوثيين، ويعلنون استيائهم لأن الطرفان يتفاوضان على مستقبل اليمن دون أن يشمل هذا التفاوض بقية الأطراف اليمنية المعنية. وهناك من يعتبر أن نتائج هذه المفاوضات لا تلزمهم؛ خصوصا الجماعات المحلية المسلحة التابعة للإمارات في عديد المحافظات الجنوبية.
توسعت دائرة الإقصاء للأطراف المشاركة في هذه المحادثات لتشمل الحكومة الشرعية بذاتها ورئيس المجلس الرئاسي الذي وقف عاجزا أمام التقارب السعودي الحوثي، وأقصى ردة فعل بدرت منه كانت الاحتجاج أو ربما “الشكوى” للسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر وتأكيده بأنه “لا يمكن الوثوق بالحوثيين”.
بالنسبة لأبو ظبي ما يزال موقفها مبهما حتى اللحظة، لكنها بلا شك قادرة على استخدام المجلس الانتقالي الذي يزداد نفوذه في حضرموت الأمر الذي يمكن أن يغير سير المحادثات بشكل كبير. مد الإمارات نفوذها في حضرموت والعديد من المحافظات الجنوبية واستثمارها بمبالغ ضخمة في تمويل وتدريب ميليشيا محلية تابعة لها سمح لها باستقلالية اتخاذ القرار في اليمن دون الرجوع لأي جهة؛ سواء كانت على مستوى السلطة المحلية او حتى على مستوى التحالف.
تحاول السعودية حاليا الحفاظ على مصالحها وأولوياتها في اليمن مستغلة شبق الحوثيين إلى السلطة، بينما سبقتها الإمارات قبل عدة سنوات في مد نفوذها على مساحات شاسعة في الأراضي اليمنية مستغلة شراهة بعض الشخصيات الجنوبية إلى السلطة، خصوصا تلك التي تم إقالتها من مناصبها في ظل حكومة الشرعية، فجمعتهم فيما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي واستخدمتهم لتحقيق أغراضها على الأراضي اليمنية.
تسعى الرياض إلى الخروج من هذه الحرب باعتبارها وسيطا لا شريكاً وطرفاً رئيسيا في تدمير البنى التحتية وتقويض معالم الدولة؛ جنبا إلى جنب مع شريكتها الإمارات التي يبدو أنها غير راضية عن تقارب الرياض وصنعاء بهذا الشكل، لكن لم يبدر منها أي موقف رسمي معلن حتى اللحظة.
بعد 8 سنوات من استنزاف دماء وثروات اليمن يجري حاليا توزيع أشلاءه بين طامحون لتوسيع نفوذهم الإقليمي “السعودية والإمارات” أو عملاء فاسدون باعوا السيادة ورمزية الدولة ومقدرات الوطن مقابل سلطة ” شكلية” تعتمد على إفقار الشعب وتجهيله. أهم سلاح يستخدمه العملاء المحليون في المحافظات الشمالية والجنوبية يكمن في الاستحواذ والإقصاء والفرز الطائفي واستجرار الهويات، الأمر الذي يساعد السعودية والإمارات على التحكم في المشهد اليمني بشكل كامل.
في ظل تحكّم الرياض في المشهد العام للحرب في اليمن وتقاربها مع الحوثي سيدخل البلد في المرحلة المقبلة في حالة اللا حرب واللا سلم، فالأطراف الدولية والإقليمية تحاول أن تسجل موقفا يحسب لها باعتبارها سبب إنهاء الصراع في اليمن؛ غير أن نهاية الحرب دون إيجاد قاعدة متينة لسلام حقيقي مع الحوثيين ستزيد من معانة الشعب وتؤجل الحسم لسنوات قادمة لتصبح الحرب من كونها سعودية إيرانية بالوكالة إلى حرب داخلية مباشرة مع الحوثيين إما لاستعادة الدولة من ميليشيا الحوثي أو محاولة هذ الأخير السيطرة الكاملة على الدولة في كل محافظات اليمن الشمالية. الحوثي غير مستعد أن يشارك اليمنيين صناعة المستقبل السياسي، للبلد ولن يتخلى عن البعد الطائفي والمذهبي والقمع الوحشي للمعارضين؛ كما أنه لا يوجد ضمانات حقيقية أو توجه إيراني للتخلي عن مشروعه التوسعي في المنطقة.
بالتالي لن تكون مبادرة الرياض في شكلها الحالي سوى استمرارا لحالة “اللا دولة” من خلال احتفاظها “أي الرياض” بنفوذها الجزئي في كلا من المهرة وحضرموت ومن ثم توسيع هذا النفوذ للحصول على سيطرة كاملة على الموانئ الاستراتيجية الواقعة على البحر العربي لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي في مد أنابيب النفط إليها؛ هذا المشروع الذي تسعى الرياض إلى تحقيقه منذ عقود مضت؛ خصوصا عند التوقيع على “اتفاقية الحدود اليمنية – السعودية، في العام 2000، ليتبعه في العام 2002 توقيع اتفاقية مبادئ بين وزارة النفط و المعادن اليمنية و الشركة المتحدة لخطوط أنابيب البترول، بهدف إنشاء خط أنابيب نفط يمتد من أراضي السعودية إلى أحد الموانئ اليمنية على البحر العرب، إلا أن الرئيس السابق على عبدالله صالح رفض هذه الاتفاقية خوفا من زيادة النفوذ السعودي على الأراضي اليمنية. في العام 2015 كشف مسئولون سعوديون عن مشروع قناة سلمان، وهي قناة مائية ستربط البحر العربي بالسواحل السعودية الشرقية على الخليج العربي، وهو المشروع الذي كشفت عنه وثيقة صادرة عن الخارجية السعودية، والتي بموجبها شكلت لجنة من الاستخبارات والخارجية والداخلية في العام 1998، بهدف الحصول على منفذ بحري على البحر العربي[1]“.
لا يهم الرياض أن تبقى المناطق الغربية والجنوبية الغربية تحت نفوذ أبو ظبي؛ ولا يٌستبعد أنها هي من ترك الإمارات توسع نفوذها في عدن وشبوة وأبين وجزء من حضرموت بهدف إشغال اليمنيين عن الأعمال الإنشائية لمد أنبوب النفط شرق البلاد؛ خصوصا وقد رافق ذلك إضافة العديد من المنشآت العسكرية التي شيدتها السعودية في المحافظة، وإضافة الآلاف من السكان المحليين إلى كشوفات الرواتب التي تقدمها لهم في محاولة واضحة لتهدئة رجال القبائل المعادين؛ كما أنشأت الرياض قوة عسكرية غير نظامية “ونقلت القبائل المهرية المقيمة في السعودية إلى المهرة عام 2017 الأمر الذي ساعدهم في إنشاء قاعدة دعم سعودية في المنطقة. حاولت شركات البناء السعودية إقامة بنية تحتية في المهرة، واعتبر الكثيرون أنها مقدمة لبناء خط أنابيب، مما أدى إلى اشتباكات بين قبائل المهرة وأطقم شركات الهندسة السعودية. أمنت القوات السعودية ميناء نشطون، ما أثار شكوكًا محلية بأنه كان موقعًا مخصصًا لمحطة تصدير النفط[2]“.
بالنسبة لميليشيا الحوثي فالمبادرة ترسخ سيطرته على المحافظات الشمالية التي تقع تحت نفوذه حاليا. يبدو أن الرياض تعمل بنصيحة السفير البريطاني ” مايكل آرون ” الذي حاول اقناعها بأن الحوثي لا يشكل خطرا على المملكة باعتبار أنهم “منتج محلي” ويمكن التعامل معهم كما جرى سابقا مع اسلافهم من القادة الزيود إضافة إلى “موقع اليمن غير الحدودي مع إيران، والاختلافات المفترضة بين الزيدية التي يعتبر الحوثي نفسه ممثلاً لها وبين الاثني عشرية التي يمثلها النظام الإيراني، وغيرها من العوامل التي يمكن أن تجعل من مهمة فصل الرأس (في طهران) عن الذراع في صنعاء أمراً ليس بعيد المنال[3]“.
الحوثي بحاجة حقيقة لتوقيع هذه الاتفاقية حيث يبدو من خلالها أنه الطرف المنتصر والأقوى القادر على سحق أي خصم محلي؛ خصوصا الحكومة الشرعية التي ستزداد تفككا وسيتم تجميد كل المرجعيات السابقة في تفاوضها مع الحوثيين وستزداد الهوة بينها وبين الرياض وربما أدى الأمر إلى أن تفقد المزيد من المناطق التي تحت سيطرتها سواء بتمرد داخلي أو بسيطرة حوثية.
بيد أن الهدف الأكبر لميليشيا الحوثي يكمن في حصولها على اعتراف دولي يشرعن وجودها، الأمر الذي أخفقت فيه مرارا لدرجة وضعها على قائمة الجماعات الإرهابية، ولم تكن في يوم أقرب إلى تحقيق هذا الهدف مما هي عليه الآن.
[1] السعودية تبدأ الخطوات العملية لمشروعها النفطي في السواحل الشرقية لليمن، المهرة بوست، 30/07/2018، متوفر على الرابط التالي
https://almahrahpost.com/news/5122#.ZEQUT87P1PY
[2] يحيى أبو زيد، هل استيقظت الرياض من حلمها بإنشاء أنبوب نفط في المهرة؟، مؤكز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 24/12/2021، متوفر على الرابط التالي:
https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/16060
[3] عادل الأحمدي، هل يمكن فصل الحوثي عن مشروع إيران، 06/06/2020، متوفر على الرابط التالي،