آليات تحول التواجد الإماراتي في منطقة القرن الأفريقي
اعداد : نورهان علي محمد متولي – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
مع التغير الذي أصاب المنطقة الشرق أوسطية، من ثورات وأوضاع اتصفت بعدم الإستقرار منذ العام 2011، كانت نتيجتها تغيرات جذرية في نظم حكم بعض الدول العربية كمصر وتونس، وأصيبت دول أخرى بحروب داخلية وزعزعة أمنية كاليمن وليبيا وسوريا، عن طريق تدخلات إقليمية ودولية. ولكن بيد أن تغير النظم السياسية الداخلية لدول معينة شاركت في ما أطلق عليه ” ثورات الربيع العربي” ، لم يكن هو التحول الوحيد في المنطقة.
فقد شهدت المنطقة صعود دول جديدة على الساحة السياسية، وتداخلها كأطراف فاعلة في العديد من أزمات المنطقة، كدولة الإمارات العربية المتحدة، فهي تعمل على لعب دور إقليمي سياسي، واستراتيجي، بالإضافة إلى دورها الإنساني والتنموي الذي لطالما اشتهرت به([1]). وأصبح من أساسيات الدولة التواجد في العديد من المناطق التي تعظم من مكاسبها الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية على حد سواء.
فتنوع التواجد الإماراتي، في المناطق ذات الشأن الإقتصادي الكبير والتي لها ثقل استراتيجي، يوفر لها مكانة على الساحة الدولية، كوسيط فعال وشريك استراتيجي يمكن الإعتماد عليه، بعد أن تم نجاح الوساطة السعودية الإماراتية للتوصل لسلام بين الجانب الإيريتري والأثيوبي بعد حرب دامت 20 عاماً([2]).
إن التواجد الإماراتي في منطقة القرن الأفريقية باتت علنية، ولم يصبح الإقتصاد هو ركيزتها الوحيدة. الجدير بالذكر، أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودول القرن الأفريقي تاريخية، وكانت تتسم بنوع من الإستفادة الإقتصادية، والإمدادات الإنسانية والمساعدات التنموية([3]).ولكن بيد أن التواجد الإماراتي الأفريقي أصبح له ركائز أخرى غير الإقتصادي منها، وصار التواجد لإثبات الشخصية وصقل الصورة الإماراتية إقليمياً ودولياً، بالإضافة إلى تعظيم المكاسب والمصالح الإقليمية بالأساس.
إشكالية الدراسة:
إن هذه الورقة البحثية هي محاولة للإجابة على السؤال المحوري وهو: لماذا تحول التواجد الإماراتي في منطقة القرن الأفريقي من وجود تنموي إنساني، إلى تواجد سياسي عسكري ؟
وتقوم الورقة بالإجابة على أسئلة فرعية منها:
- ما هي أهمية منطقة القرن الأفريقي؟
- ما هي أسباب الإمارات لتغيير سياسة تواجدها في منطقة القرن الأفريقي؟
- ما هي أبرز العلاقات التي تربط الجانب الإماراتي بدول القرن ” الصومال، إريتريا، أثيوبيا، جيبوتي” ؟
الإطار النظري:
سيتم تناول الموضوع البحثي، وهو “التواجد الإماراتي في منطقة القرن الإفريقي” من خلال النظرية الواقعية، وهي من النظريات التقليدية والأساسية التي تساعد على تفسير العلاقات الدولية، إن الواقعية هي نظرية تحاول تحليل وتفسير العلاقات الدولية من خلال القوة، فمن خلال المنظور الواقعي الكلاسيكي فإن الدولة هي الفاعل الأساسي الوحيد في النظام الدولي ككل، وعليه فإن صانع القرار رشيد، لأنه يقوم بتعظيم مكاسب الدولة تلك، وتؤكد النظرية على أن تحقيق السلام ليس بسهل ولكن من الممكن الوصول له عن طريق عملية توازن القوى([4])، ومن هنا فإن فكرة المصلحة الوطنية هي الأسمى والأعلى في النظرية.
ولهذا فإن التواجد الإماراتي في القرن الأفريقي، من الممكن أن يتم تفسيره من خلال رغبة صانع القرار لتعظيم مكاسبه، والمضي قدماً من أجل تحقيق المصلحة الوطنية المطلقة تلك. فالتواجد في منطقة القرن الأفريقي، يعني التواجد الدائم في أهم المناطق والممرات المتحكمة في حركة الملاحة النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي إلى أوروبا، ويعني الإستفادة الدائمة من الموارد المعدنية المتنوعة المتواجدة في المنطقة. فتحقيق مصلحة دولة الإمارات العربية المتحدة في أن تكون سوق مفتوح يتم من خلاله عرض كافة المنتجات، سيتحقق من خلال الاستفادة من المواد الخام الأصلية المتواجدة في دول منطقة القرن الأفريقي وتصنيعهم داخل الدولة.
ويعتبر محدد الخوف والوقوف أمام الزحف الشيعي الإيراني هو أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية لدولة الإمارات، ولهذا فإن تواجدها القوي والدائم في المنطقة، يحقق مصلحتها لتصبح رادع للأفعال الإيرانية العدائية، وتعظيم قوتها الدفاعية ضد أي خطر إيراني من الممكن أن يهدد أمنها، بعد أن أصبح التواجد الإيراني في اليمن من خلال ميليشيا الحوثي مهدد لها.
وسوف يتم الإستعانة بالنظرية الواقعية الجديدة، لتسليط الضوء على الدور الإقليمي والدولي التي تريد دولة الإمارات العربية المتحدة أن تقوم به من خلال هذا التواجد. فإن الواقعية الجديدة تؤكد على فوضوية النظام السياسي، فهي تشير إلى أن النظام السياسي ككل هو في حالة فوضوية دائمة، وعلى الدول أن تتعامل مع هذه الفوضوية، للحفاظ على بقاءها self-preservation، من خلال المساعدة الذاتية فقط لا غير، لأن بوجود الفوضوية في النظام كأمر مطلق لا يمكن تغييره يجعل الدول في حالة من عدم اليقين الدائم([5]).
فمن الممكن أن يتم الإستعانة بنظرية الواقعية الجديدة” البنوية” على موضوع البحث، حيث أن هذه النظرية اتسعت لتشمل النظام العالمي ككل، فمحاولات الإمارات للتواجد في منطقة ذات بعد جيوسياسي هام يكشف عن غايتها لأن تصبح فاعل ذو ثقل في النظام الدولي، الذي يتميز بأنه فوضوي ويجب عليها أن تتعامل معه بطريقة فردية وأن لا تنتظر المساعدة من خلال أي دولة أخرى كأمريكا مثلاً لحمايتها من أي عدوان إيراني من الممكن حدوثه، ولهذا وجدت أن التواجد الفعال في المنطقة سيزيد من قوتها الدفاعية.
أولاً: الأهمية الإستراتيجية للقرن الأفريقي
إن مصطلح القرن الأفريقي كما أي من المناطق الجغرافية التي يتم تفسيرها بتعريفين مهمين أولهما التعريف الأنثربولوجي([6]) وثانيهما التعريف الجغرافي للمنطقة، فيؤكد التعريف الأنثربولوجي بأنه يتم وصف منطقة القرن الأفريقي لكل الأراضي التي يسكنها الصوماليون، أي الصومال، وجيبوتي، وأوغادين بأثيوبيا، ومحافظات أقصى شمال كينيا([7]).
أما عن التعريف الجغرافي، فيتم تعريف منطقة القرن الأفريقي، بأنها تلك المنطقة من اليابسة التي تبرز من الجزء الشمالي الشرقي للقارة الأفريقية، ويحدها من الشرق البحرالأحمر وخليج عدن، ليتسع التعريف ويضم كل من إرتريا وإثيوبيا وكينيا، ولكن يضيف عدد من السياسيين والإقتصاديين كل من السودان وجنوب السودان وأوغندا([8]). ومن هنا فتعتبر منطقة القرن الأفريقي واقعة في أهم الممرات البحرية المتحكمة في مرور المواد النفطية، كالبحر الأحمر، ومسيطرة على مضيق باب المندب، بالإضافة إلى تحكمها في منابع نهر النيل، ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية والإقتصادية والعسكرية للمنطقة.
أ/الأهمية الإستراتيجية للمنطقة:
تحظى منطقة القرن الأفريقي بأهمية استراتيجية دولية، فموقعها المتميز المطل على المحيط الهندي وإتصالها المباشر بمنطقة الخليج العربي، هو الدافع الأساسي لتواجد الدول الخليجية في المنطقة لحماية مصالحهم، عن طريق التواجد الدفاعي، لحماية عمليات نقل الغاز، والنفط والبضائع من خلال الحاملات. وبالإضافة إلى أن بروز أهمية المنطقة جاء عندما استشعر النظام الدولي ككل خطر القراصنة المهددين لطرق التجارة، فتم التأكيد بأن استقرار المنطقة من مصلحة الساحة الدولية ([9]). وغني عن القول، أن النظام الدولي ككل كان متأثراً بفترات عدم الاستقرار والإنفلات الأمني الواقع في الصومال، مصدراً عنفاً من قبل جماعات إرهابية، وتوتر في طرق التجارة.
ب/ الأهمية الإقتصادية للمنطقة:
تتنوع الموارد الطبيعية، كالنفط والغاز الطبيعي، في منطقة القرن الأفريقي، بالإضافة إلى وفرة في الثروات المعدنية كالذهب، والحديد، والنيكل، والفوسفات واليورانيوم. فتعتبر منطقة القرن الأفريقي من المناطق الواعدة بإنتاج النفط، فالسودان على سبيل المثال، يعتبر النفط فيه من الثروات الكامنة غير المستخرجة، فقد بدأ إنتاجه وتصديره في عام 1999، وتم تصدير أول شحنة إلى سنغافورة بشحنة تصل إلى 600 ألف برميل، ولكن تتمركز الثروة الهائلة في جنوب السودان، إذ تصل كمية النفط حد أقصى 4 مليارات برميل([10]).
إن إطلالة المنطقة على البحر الأحمر، وتحكمها في مضيق باب المندب، بالإضافة إلى السيطرة على منبع نهر النيل، يجعل هذه المنطقة غنية مائياً. فهي تعتبر الخزان المائي الذي يزود كل من مصر والسودان بالماء الصالح للشرب، ولهذه الإطلالة أهمية اقتصادية أخرى، فهي تعتبر المتحكم الأساسي في حركة النقل التجارية التي تستخدم ممر البحر الأحمر للوصول إلى قناة السويس، بالإضافة إلى الإطلالة الهامة على منطقة المحيط الهندي، وهو أحد الممرات المهمة للقوى الكبري والدولية([11]).
ج/ الأهمية العسكرية للمنطقة:
إن الموقع الجغرافي المتميز للمنطقة، اكسبها قدراً استراتيجياً وجيوسياسياً فريداً، بالإضافة إلى أنها أصبحت بمثابة بوابة لمنطقة شبة الجزيرة العربية، ودول حوض النيل، على غرار التحكم في منطقة باب المندب، فهي تعتبر من المناطق شديدة الخطورة على الدول المجاورة لها، فموقعها الجغرافي جعلها من أكثر الدول المُهددة في النظام الدولي، مما أدى إلى زيادة القواعد العسكرية فيها، ومن أقدم هذه القواعد، القاعدة الفرنسية “فورس فرانسيس جيبوت”، المتواجدة في جيبوتي حيث يصل عقد الإيجار سنوياً إلى 34 مليون دولار سنوياً، وتعمل القاعدة على تأمين حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وحماية جيبوتي من أي خطر داخلي وخارجي مهدد لها. بالإضافة إلى أكبر القواعد العسكرية وأهمها، القاعدة الأمريكية المنشأة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تحتوي على ما يقارب 4 آلاف فرد أمريكي عسكري ومدني، وتقع هذه القاعدة في جيبوتي أيضاً.
وهناك بروز قوي للتواجد الإيراني من خلال القوات الموالية لها، تسمى ب المجموعة 41 بحرية، وهي مكونة من لفرقاطة (لافان)، والمدمرة (الشهيد الأدميرال نقدي)، وسفينة (تنب) ، وتوجد من وقت لآخر ثلاث غواصات إيرانية من نوع (كيلو). الجدير بالذكر، أن إيران تسعى من خلال قواتها التحكم والسيطرة الكاملة لمضيق باب المندب، ليسهل عليها التحكم والتضييق على دول الخليج العربي.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول العربية المنشأة للقواعد العكسرية في منطقة القرن الإفريقي، حيث قامت بإنشاء قاعدة جوية على مدخل المضيق في جزيرة ميون، كما تم توقيع عقد لبناء قاعدة جوية شمال ميناء عصب بإرتريا([12]).
ثانياً: التواجد الإماراتي في منطقة القرن الأفريقي
إن التواجد والعلاقات التي تربط كل من الجانب الإماراتي مع دول منطقة القرن الأفريقي قديمة وتاريخية، منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971. فمن المتعارف عليه أن تم الإستعانة بالسودانيين أثناء قيام الدولة؛ فقد كان السودانيون جزءاً متأصلاً بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة إلى ما سبق كانت ركيزة السياسة الخارجية الإماراتية تجاه منطقة القرن الأفريقي، قائمة على إعتماد الجانب الإقتصادي كمحرك أساسي، فتواجدها كانت لحماية حرية التجارة الداعمة لها([13]).
بالإضافة إلى التواجد التاريخي والإقتصادي المحايد، كانت تتصف دولة الإمارات بتقاربها تجاه المنطقة من خلال الجوانب الإنسانية والتنموية، وتقديم كافة أشكال الدعم الإقتصادي لإعماله في مجالات التنمية العمرانية، وإعادة إحياء مناطق تعرضت لأضرار بفعل عنف الجماعات الإرهابية في المنطقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في يونيو 2012 قام صندوق أبوظبي للتنمية بإبرام إتفاقية بمبلغ 183 مليون درهم مع الجانب الإيريتري لتمويل المشاريع التنموية والخدمية داخل الدولة، وكان هناك تواجد للمستشفى الإماراتي الميداني الإنساني العالمي المتنقل في أرجاء إريتريا أيضاً.
وقد احتلت الصومال المرتبة ال11 في عام 2013 في قائمة الدول ال25 الأكثر تلقي للمساعدات الإماراتية الخارجية، إذا بلغ إجمالي المساعدات المادية الإماراتية للصومال حوال 92.32مليون درهم. وكانت قد أعلنت دولة الإمارات إنشاء حملة ” لأجلك يا صومال” والتي استهدفت تقديم المساعدة للملايين في الصومال الذين عانو من الجوع والجفاف اثر المجاعة التي أصابت البلاد. أما عن جيبوتي فقامت الدولة بالإستثمار في ميناء دورالي، لمساعدة جيبوتي للإستفادة منه وبإراداته، فقد تمكنت دولة الإمارات من أن تهيئته وإعادة تطويره، حيث قامت بتعظيم طاقته الإستيعابية حتى بلغت ( 1.25 مليون حاوية نفط)([14]).
ولكن بيد أن هناك تغيراً قد حدث لدى صانع القرار الإماراتي بالنسبة إلى الركائز الأساسية المحددة للعلاقات الرابطة بين دولته ودول القرن الأفريقي، وبالفعل بدأ هذا التحول كنتيجة لإشارات عدم استقرار استقبلها النظام الإماراتي من داخل الساحة الإقليمية (الشرق المتوسط). فقد كان أول سبب لتغير وتحول السياسات الإماراتية تجاه القرن الأفريقي ليصبح تواجدها أكثر فاعليه وملموس، الإنتفاضات العربية التي تمت في عام 2011، فقد شهد العالم العربي تغيراً إستراتيجي وجيوسياسي هائل، نتيجة لتغير نظم حكم كانت بمثابة دعامة للإقليم العربي([15]).
فقد أصبحت التوترات العربية كخيارات خارجية قادمة من النظام الإقليمي الأشمل، جاعلاً دولة الإمارات تعيد النظر في التواجد في المنطقة لحماية المصالح المتمركزة في تلك البقعة من القارة الأفريقية، وغني عن القول أن من أحد أهم الركائز الأساسية التي تميز السياسة الخارجية الإماراتية وهي مكافحة صعود التيارات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال، فكان المهدد لتواجد الإمارات في الساحة الأفريقية والإقليمية صعود جماعة الإخوان المسليمن المتمثل في حزب الحرية والعدالة إلى السلطة في مصر، فما كان من دولة الإمارات إلا أن يتم تكثيف جهود تواجدها للدفاع عن مصالحها، لتقي المنطقة من انتشار الايديولوجية الإسلامية وربما أن تصبح مصدراً لها([16]).
وتأتي الأزمة اليمنية هي ثاني الأسباب المنتجة لهذا التحول ، حيث أدت سياسة الرئيس الأمريكي السابق أوباما ” القيادة من الخلف” والإلتفاف حول دول شرق آسيا أكثر من دول الشرق الأوسط، إلى زيادة ضعف الدول الخليجية أمام المهدد الأساسي والأكثر خطورة بالنسبة لهم إيران، وخصوصاً بعد إبرام الإتفاق النووي الذي استبعدت فيه المملكة العربية السعودية، فكان على دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتعامل بمساعدة من السعودية مع السيطرة الحوثية المدعومة من قبل ايران في اليمن، وأن يتم وقف أي زحف شيعي من الممكن حدوثه([17]).
إن تقارب منطقة القرن الأفريقي من اليمن، وإطلالتهما على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، جعلتا من هذه المنطقة ساحة صراع باردة بين أطراف دولية وإقليمية، ولحماية المصالح الإمارتية وتعظيمها من خلال اكتساب القوة اللازمة عن طريق التواجد العسكري والسياسي في البحر الأحمر؛ الممر الدولي الهام في عملية نقل الحمولات النفطية والغاز، وبالإضافة إلى الوقوف أمام أي محاولة من الجانب الإيراني للسيطرة والتحكم في المنطقة، أي التسلسل وفرض النفوذ على منطقة الخليج العربي.
التحول في نهج دولة الإمارات العربية المتحدة، والرغبة في الصدارة، من خلال التواجد في مناطق الصراع، والتدخل في الأزمات الإقليمية، والظهور كفاعل دولي مهم في النظام الدولي ككل، يفسر جزءاً من التواجد الإماراتي في القرن الأفريقي، فأضحت المنطقة مكاناً لتواجد فواعل إقليمية ودولية ذو أوزان مختلفة، فكان على الدولة الحالمة بالريادة الإقليمية أن تتواجد في المنطقة أيضاً، إضافة إلى حماية المصالح الإماراتية المتواجدة هناك، من مصالح اقتصادية، ومصلحة الدفاع عن منطقة الخليج العربي من الزحف والتواجد الإيراني، فإن بناء الصورة الدولية كمحور أساسي في العلاقات الدولية أصبح من أساسيات دولة الإمارات، فهي كانت طرفاً في تحقيق السلام بين إريتريا وأثيوبيا بالإضافة إلى الجانب السعودي، و محاولاتها في التدخل في مفاوضات سد النهضة تشهد على هذا النهج، إضافة إلى التدخل في الأزمة الليببة والموقف الصريح في الوقوف بجانب حفتر.
فهناك إشارت لولادة إمارات جديدة مختلفة عن إمارات ما قبل أحداث 2011، الإمارات التي كانت أدوراها الخارجية تميل نحو الجانب الإنساني والتنموي فقط، أما الآن فتوجد إمارات راغبة في التمدد على الساحة الدولية، وأن تصبح محوراً في المنطقة الشرق أوسطية.
العلاقات الإمارتية مع كل من ( جيبوتي- اثيوبيا- اريتريا-الصومال)
تنشأ بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودول القرن الأفريقي على حدة، علاقات مميزة، فلا يمكن أن يتم الجمع بين كافة العلاقات وإختزالها في مسمى واحد حتى وإن كانت الركيزة هي الإقتصاد، لأن كل دولة تتميز بطبيعة منفردة وموقع منفرد.
أ/العلاقات الإماراتية الجيبوتية
إن ما يميز جيبوتي هو موقعها المهم، فهي بمثابة البوابة الأساسية لشرق أفريقيا، فالتواجد فيها يعني سهولة الدخول في شرق أفريقيا ككل، وإطلالتها المباشرة على البحر الأحمر تزيد من أهميتها، وهذا ما تعمل عليه الإمارات مع جيبوتي، فالأساس القائم عليه العلاقات المرتبطة بين الإمارات وجيبوتي هو التواجد في منافذها، فهي تمتلك استثمارات ضخمة في ميناء دورالي للحاويات، وفي ميناء النفط من خلال شركة Horizon، التي تعتبر بمثابة الشقيقة لشركة موانئ دبي.
ولكن لم تخلو العقبات والمشاكل بين الدولتين، فمنذ أن رفضت الإمارات تسليم المدعو عبدالرحمن بوريه إلى جيبوتي، وهو رجل أعمال مطلوب لدى الحكومة الجيبوتية، قامت الأخيرة بإنهاء حق امتياز شركة موانئ دبي في عام 2014، ومع التواجد الصيني في المنطقة ومع الدء في تشييد خط السكة الحديد الرابط بين جيبوتي وأثيوبيا، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الصينية في الإقليم، بيد أن جيبوتي تميل إلى التقارب الصيني أكثر من الإماراتي على الرغم من عودة العلاقات في 2016 ،بفضل وساطة سعودية([18]).
ب/العلاقات الإماراتية الأثيوبية
إن العلاقات الإماراتية الأثيوبية تاريخية، ولكنها بزغت بالظهور من جديد بعد أن تم وصول أبي أحمد للحكم، فهنا تلاقت الرؤى، وتمكن الطرفان من الإلتقاء في منطقة حياد، توفر للطرفين مكاسب نسبية. فالتقارب الإماراتي الأثيوبي كان في البداية لإيجاد حلول لمشكلات الأخيرة طرف فيها، كمشكلات داخل منطقة القرن الأفريقي وتم حلها دبلوماسياً بالفعل بين الجانب الأثيوبي والجانب الإيريتري، ومشكلات نهر النيل المتعلق بسد النهضة، ومشكلة التقارب الجغرافي بين اثيوبيا واليمن، حيث من مصلحة دولة الإمارات أن يكون تواجدها في اثيوبيا دائم وأن يظل التقارب مع السلطة إيجابياً، للوقوف أمام الزحف الإيراني.
تعد الركيزة الإقتصادية أحد أهم الركائز الأساسية التي تربط البلدين بعضهما ببعض، حيث تم الإعلان من قبل صندوق خليفة لتطوير المشاريع عن إبرام إتفاقية بقيمة 100 مليون دولار لدعم رواد الأعمال الأثيوبين العام الماضي([19]). بالإضافة إلى بناء إنبوب نفط بين كل من إريتريا وأثيوبيا([20]).
ج/ العلاقات الإماراتية مع إريتريا ([21])
ترتكز العلاقات الإماراتية مع إريتريا بالجانب الإقتصادي، حيث تعتبر الإمارات واحدة من أكثر الدول التي ساندت إريتريا إقتصادياً، فهي من ضمن أكثر 5 دول مانحة للدعم والمساعدات إلى إريتريا، وتتميز هذه العلاقات بأنها راسخة منذ محاربة إريتريا لإستقلالها حيث يبلغ عدد المواطنين الإريتريين إلى حوالي 5000 في الأراضي الإماراتية.
على الرغم من التقارب الإريتري من الجانب الإسرائيلي والإيراني والتركي في آن واحد، حيث يتم وصف سياساتها الخارجية بالمتخبطة، ولكنها منذ عاصفة الحزم الأولى وهي داعمة للجانب السعودي والإماراتي على الرخم من تخبط دبلوماسيتها، بالإضافة إلى توقيع عقد إيجار لمدة 30 عام لبناء قاعدة عسكرية جوية اماراتية في ميناء عصب.
د/ العلاقات الإماراتية الصومالية
تتنوع أطر التركيز في العلاقات الإماراتية الصومالية، حيث أنها تمتزج بنوع من الخليط الإقتصادي، والسياسي والإنساني؛ ففي العام 2015 قامت الإمارات بإقامة شراكة للتدريب مع وحدة مكافحة الإرهاب وجهاز الأمن والمخابرات، وتطوعت بتوفير كافة الإمدادات المادية لقوات الأمن الحكومية على مدار أربع سنوات، وقامت بإرسال ثلاث طائرات ن طراز “ايرز 2R تراش”، وطائرة هليكوبتر من طراز “ألوات 111”([22]).
وعلى غرار التقارب العسكري، فقد استضافت الإمارات أهم ثلاث مؤتمرات إقليمية ودولية تناقش فيها مشاكل متعلقة بالصومال، كالقرصنة ، والإرهاب وحل الخلافات بين الفرق الصومالية، وكانت هذه المؤتمرات بين عام 2012 وعام 2015. وأما عن الجانب الإقتصادي فتعتبر الإمارات الشريك التجاري الأول للصومال؛ حيث قمات الإمارات في عام 2014 باستيراد ما يقارب 648 ألف رأس من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، وكانت وقد توصلت شركة موانئ دبي العالمية إلى اتفاق لإدارة ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال لمدة 30 عامًا، وتبلغ نسبة الاستثمارات فيه حوالي 442مليون دولار([23]).
الإستنتاجات:
يتم الإستنتاج مما سبق عدد من الدلائل أهمها:
- أثرت إنتفاضات ما سمي بالربيع العربي على الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
- تنوع آليات السياسية الخارجية الإماراتية في تناول القضايا الإقليمية والدولية.
- رغبة صانع القرار الإماراتي حماية وتعظيم المصالح الإماراتية عن طريق التنويع في صنع التحالفات.
- القرن الأفريقي أصبح منطقة تواجه بارد بين قوى إقليمية ودولية.
- إقتناع صانع القرار الإماراتي بأن الإعتماد على الجانب الإقتصادي في صنع العلاقات بين الدول غير كافي.
- إمتلاك قوة التواجد والحرب على الصورة ضروران لتعميق العلاقات الخارجية الدولية.
الخاتمة:
التغيرات المحورية في الساحة الإقليمية والدولية قادرة على تغيير سياسات خارجية لدول، وجعل صناع قرار يدركون المعطيات المتوفرة بطرق مختلفة، فقد تم التأكيد من قبل أن التغير الممنهج لسياسة دولة الإمارات العربية المتحدة مع دول منطقة القرن الأفريقي بأن ما يحدث في الساحة الإقليمية له أثر على كيفية تناول صانع القرار السياسة الخارجية الملائمة.
إن إدراك صانع القرار، أن لتعظيم المصالح الإماراتية وجب تغيير السياسة المتبعة، والمحاولة لتنوع الآليات المستخدمة من حيث إضافة جوانب سياسية وعسكرية بجانب الجوانب الإقتصادية، كان لها خير دليل من ما آلت إليه العلاقات الإماراتية مع منطقة القرن الأفريقي.
المصادر والمراجع:
أولاً: المصادر باللغة العربية:
دروات علمية:
- الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي، ( international crisi group ، عدد 65، 2018)
- حسناء راضي عباس، إسراء أحمد، التنافس الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، ( مجلة دراسات دولية، العدد 80، بغداد)
- ميثاق مناحي دشر، النظرية الواقعية: دراسة في الاصول والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة ((قراءة في الفكر السياسي الامريكي المعاصر))، ( مجلة أهل البيت عليهم السلام، عدد 20)، العراق
دراسات علمية:
- أحمد ماجد، الأنثربولوجيا التعريف،الأهداف، الاتجاهات النظرية، متاح على: https://cutt.ly/Nb6vIdl
- سمية عبد القادر شيخ محمود شولي، موانئ القرن اإلفريقي: ساحة جديدة للتنافس الدولي، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2016.
- عبدالرحمن مصطفى باشا، الإمارات في القرن الإفريقي : الآليَّات والمستقبل، قراءات أفريقية ، تاريخ التصفح :24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/anwR3D6 .
- نهال أحمد،دبلوماسية السلام: الدور الإماراتي في القرن الإفريقي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 2018، متاح على: http://www.acrseg.org/40826
- نورا عياد، تصاعد النفوذ الإماراتي المتنامي في الصومال، المركز الديمقراطي العربي، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://democraticac.de/?p=44778.
مواقع إلكترونية:
- أبوظبي تعزز دعمها لمشاريع التنمية الإثيوبية، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/bnwQ32P
- ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻴﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ: ﺗﺨﻔﻴﻒ ﺍﻷﺛﺮ، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://annabaa.org/arabic/strategicissues/20932
- الإمارات تبني أنبوب نفط بين إرتيريا وإثيوبيا، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/AnwW0HO
- دور الإمارات في القرن الإفريقي… السلام والأمن لتحقيق التنمية الشاملة، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/Lb6IGzf
- رأفت صلاح الدين، الأهمية الجيوستراتيجية للقرن الأفريقي، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/4b6nagg
- صهيب عبدالرحمن، الأسباب التي قادت الإمارات إلى دول القرن الإفريقي، تاريخ التصفح: 22-5-2021، متاح على : https://cutt.ly/Ob5aUuM
- عز الدين جوهري، القرن الأفريقي: الأهمية الإستراتيجية.. والصراعات الداخلية، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: القرن الأفريقي: الأهمية الإستراتيجية.. والصراعات الداخلية – نشوان نيوز (com)
- ماجي فيك وألكسندر كورنويل، تحليل-الإمارات لعبت دورا في السلام بين إثيوبيا وإريتريا.. خلف الستار، تاريخ التصفح: 22-5-2021، متاح على: https://www.reuters.com/article/uae-ethiopia-mn5-idARAKBN1KT254
ثانياً: المراجع باللغة الإنجليزية:
دراسات علمية:
- Falode Adewunmi James, The theoretical foundation of Realism, Lecturer in the Department of History and International Relations, Lagos state University, Ojo, Lagos, 2015, Pp 5-7
- Mehari Taddele Maru, The United Arab Emirates (UAE) and Its Relations with the Horn of Africa ,available on: https://wargeyskasaxafi.files.wordpress.com/2020/02/61133-the_united_arab_emirates_uae_and_its_rel.pdf
[1] نهال أحمد،دبلوماسية السلام: الدور الإماراتي في القرن الإفريقي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 2018، متاح على: http://www.acrseg.org/40826
[2] ماجي فيك وألكسندر كورنويل، تحليل-الإمارات لعبت دورا في السلام بين إثيوبيا وإريتريا.. خلف الستار، تاريخ التصفح: 22-5-2021، متاح على: https://www.reuters.com/article/uae-ethiopia-mn5-idARAKBN1KT254
[3] صهيب عبدالرحمن، الأسباب التي قادت الإمارات إلى دول القرن الإفريقي، تاريخ التصفح: 22-5-2021، متاح على : https://cutt.ly/Ob5aUuM
[4] Falode Adewunmi James, The theoretical foundation of Realism, Lecturer in the Department of History and International Relations, Lagos state University, Ojo, Lagos, 2015, Pp 5-7
[5] ميثاق مناحي دشر، النظرية الواقعية: دراسة في الاصول والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة ((قراءة في الفكر السياسي الامريكي المعاصر))، ( مجلة أهل البيت عليهم السلام، عدد 20)، العراق، ص 413
[6] ويعد علم الأنثربولوجي إنكليزي الاصل، وتعني دراسة الإنسان في أبعاد مختلفة، البيوفيزيائية والاجتماعية، والثقافية، فهي علم شامل وجامع لكافة العلوم المتداخلة والمترابطة. وللمزيد يرجى الرجوع إلى: أحمد ماجد، الأنثربولوجيا التعريف،الأهداف، الاتجاهات النظرية، متاح على: https://cutt.ly/Nb6vIdl
[7] سمية عبد القادر شيخ محمود شولي، موانئ القرن اإلفريقي: ساحة جديدة للتنافس الدولي، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2016، ص3
[8] عز الدين جوهري، القرن الأفريقي: الأهمية الإستراتيجية.. والصراعات الداخلية، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: القرن الأفريقي: الأهمية الإستراتيجية.. والصراعات الداخلية – نشوان نيوز (nashwannews.com)
[9] رأفت صلاح الدين، الأهمية الجيوستراتيجية للقرن الأفريقي، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/4b6nagg
[10] حسناء راضي عباس، إسراء أحمد، التنافس الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، ( مجلة دراسات دولية، العدد 80، بغداد)، ص231
[11] مرجع سابق، ص 233
[12] م.س.ذ، متاح على: https://cutt.ly/4b6nagg
[13] الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي، ( international crisi group ، عدد 65، 2018)، ص 2
[14] دور الإمارات في القرن الإفريقي… السلام والأمن لتحقيق التنمية الشاملة، تاريخ التصفح: 23-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/Lb6IGzf
[15] الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي، م.س.ذ، ص 3
[16] ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻴﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ: ﺗﺨﻔﻴﻒ ﺍﻷﺛﺮ، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://annabaa.org/arabic/strategicissues/20932
[17] Mehari Taddele Maru, The United Arab Emirates (UAE) and Its Relations with the Horn of Africa ,available on: https://wargeyskasaxafi.files.wordpress.com/2020/02/61133-the_united_arab_emirates_uae_and_its_rel.pdf
[18] صهيب عبدالرحمن، م.س.ذ، متاح على: https://cutt.ly/Ob5aUuM
[19] أبوظبي تعزز دعمها لمشاريع التنمية الإثيوبية، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/bnwQ32P
[20] الإمارات تبني أنبوب نفط بين إرتيريا وإثيوبيا، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/AnwW0HO
[21] صهيب عبدالرحمن، م.س.ذ، متاح على : https://cutt.ly/Ob5aUuM
[22] عبدالرحمن مصطفى باشا، الإمارات في القرن الإفريقي : الآليَّات والمستقبل، تاريخ التصفح :24-5-2021، متاح على: https://cutt.ly/anwR3D6
[23] نورا عياد، تصاعد النفوذ الإماراتي المتنامي في الصومال، المركز الديمقراطي العربي، تاريخ التصفح: 24-5-2021، متاح على: https://democraticac.de/?p=44778