الدراسات البحثيةالمتخصصة

 الجــدار الأخـــــضــر الــعظــــيم : مشروع بيئي يحقق هدف أمني / عسكري  

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

رغم عدم الإستقرار السياسي المزمن والإنقلابات العسكرية المُتتالية والعمليات الديموقراطية الصورية المزيفة , يجري حالياً علي أراضي الصحراء الكبري التي تُقدر مساحتها بـ 9,400,000 كيلو متر مربع أو 8,500,00 كيلو متر مربع أي ما تُقارب مساحة القارة الأوروبية أو الولايات المُتحدة وهي مساحة تُعادل 40% من مساحة القارة الأفريقية ومُمتدة في 11 بلد في منطقتي الصحراء الكبري والساحل علي المحيط الأطلنطي وحتي ساحل البحر الأحمر وتشمل موريتانيا/الجزائر/ ليبيا/ مالي/ تشاد/النيجر/ السودان/ مصر , وتزحف كل عام داخل الأراضي غير الصحراوية بحوالي 48 كيلومتر وتبلغ كمية الأمطار بها نحو  100 مليمتر / عام (1) , يجري علي أراضي هذه الصحراء صراع وضحت بعض نذره بين الأطراف الدولية , وأقربها جغرافياً لهذا النطاق هو الإتحاد الأوروبي سواء ككتلة واحدة أو بين دولتين أو أكثر من دوله , وموضوع هذا الصراع هو موارد الطاقة الأحفورية والمُتجددة بالصحراء , وقد يكون الإتحاد الأوروبي بوجه خاص هو الطرف المُرشح للظفر في نهاية هذا الماراثون ويمكن إستجلاء ذلك من الخطة الأوروبية المُستهدفة لتحقيق إستراتيجية أمن الطاقة الأوروبية , ولإن الإقتصاد الأوروبي إقتصاد صناعي في المقام الأول , فتقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية عن الربع الثالث من عام 2013 أشار إلي أن نصيب أوروبا من القيمة المُضافة للمنتجات يُقدر بـ24,7% فيما قُدرت هذه النسبة لشرقي آسيا بـ 17,2% والصين 15,3% (2) , لكن هذا الحجم من النمو الصناعي مُهدد بسبب إفتقاد نسبي لأوروبا وتحديداً دول الإتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة التقليدية أوالأحفورية أي البترول والغاز واليورانيوم وبدرجة أقل الفحم وبحثها الدؤوب عن مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة أو النظيفة وهو ما يسعي إليه واضعي إستراتيجية الطاقة للإتحاد الأوروبي , ولكي يحقق الإتحاد الأوروبي هذه الإستراتيجية فقد وضع علي الأمدين القصير والطويل مشروعين عملاقين أحدهما من الطاقة الأحفورية القابلة للنضوب وهو مشروع خط الغاز العابر للصحراء الكبري ونقل الغاز من دلتا النيجر بنيجيريا عبر الصحراء فالمتوسط فأوروبا والآخر مشروع مؤسسة DESERTEC وهو القائم علي إستغلال آشعة شمس الصحراء الكبري لتوليد الكهرباء ونقلها عبر كوابل خاصة لأوروبا وإتصالاً بتأمين هذين المشروعين تبنت ألمانيا صاحبة مبادرة DESERTEC مبادرة أخري تتكامل مع المشروعين تتعلق بإقامة نطاق يُسمي الجدار الأخضر العظيم GREAT GREEN WALL وبيان ذلك كله علي النحو الآتي :-

أولاً – مـــشروع توليد الطاقة من آشعة شمس الصحراء الكبري المعروف باسم  DESERTEC   : –

يُعد توليد الطاقة الكهربائية من الشمس أو من ما يُسمي بالخلايا الفوتوفلطية أو Solar Photovoltaic  إهتماماً إستباقياً من القوي الإقتصادية الدولية , وهذه الخلايا  تُصنع من مادة بلورية سميكة كالسيليكون البلوري أو لابلورية رقيقة كالسيليكون اللابلوري أو مواد مترسبة كطبقات فوق شرائح من أشباه الموصلات وتتأثر الكهرباء المُلدة بشدة سطوع الشمس وبكفاءة الخلية في تحويل الطاقة الشمسية إلي طاقة كهربائية يمكن تخزينها في بطاريات حامضية مصنوعة من الرصاص أو قاعدية مصنوعة من معدن النيكل والكادميوم بتحويل التيار المُستمر إلي تيار مُتردد يمكنه تشغيل الأجهزة الكهربائية المنزلية والصناعية وقد أُنتجت هذه الخلايا لأول مرة عام 1950 وأستخدمت في الأقمار الصناعية الأمريكية وعملت علي تقليص حجم خزانات الوقود بها وقد تم تصنيع نماذج كثيرة من الخلايا الشمسية توفر الطاقة للتطبيقات المختلفة ثابتة أو متنقلة دون إستخدام وقود وبقليل من الصيانة , وهذه الخلايا الشمسية  تتميز بقدرتها علي إنتاج الكهرباء دون الحاجة للأجزاء دوارة يصعب صيانتها فلا تروس تتاآكل ولا ‘مدة دوران تحتاج إلي تزييت ولا ريش توربينات تتصدع , كل هذه المزايا أوجدت للخلايا الفوتوفلطية قبولاً لدي قطاعات مختلفة .

ثانـــياً : مــــشروع خط الغاز العابر للصحراء الكبري  : –

يستهلك الإتحاد الأوروبي 482 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً و 40% من إمدادات هذه الكمية يأتي من داخل حدود الإتحاد الأوروبي(26) , ومن المُتوقع أن يهبط إنتاج الإتحاد الأوروبي من الغاز بسرعة في مدي السنوات القادمة بحيث ستزيد الإعتمادية علي الإستيراد الذي مصدره 3 دول هي النرويج والجزائر وروسيا(27) والأخيرة أكبر مصدر غاز للإتحاد الأوروبي (40% إلي 75 % من مجمل الواردات الأوروبية من الغاز مصدرها روسيا و26% من هذه الكمية مصدرها روسيا فيما 45% منها من خط أو كرانيا)   .

يُعتبر هذا المشروع أحد مشروعات الطاقة العملاقة بأفريقيا وهو أيضاً من المشروعات التي يعول عليها الإتحاد الأوروبي في إطار إستراتيجيته لأمن الطاقة والمشروع مُصمم ليمد أوروبا بالغاز من خلال ربطه بخط الغاز القائم وبخطوط أخري هي خط عبر المتوسط TRANS – MEDITERRANEAN وخط المغرب- أوروبا وخط MEDGAZ وخط GALSI وكلها خطوط عابرة للمتوسط ويُقدر طول خط الغاز العابر للصحراء القادم من نيجيريا حتي المتوسط 4,200 كم منهم 1,030 كم داخل أراضي نيجيريا و853 كم داخل أراضي جمهورية النيجر و2,310 كم داخل أراضي الجزائر ويسير الخط  في 50% من طوله في إقليم السافانا الإستوائي شبه الجاف قبل أن يصل إلي جبال الأطلس وأخيراً يصل إلي منطقة حاسي الرمال وهي منطقة إلتقاءلأنابيب البترول و الغاز الطبيعي الواصلة للساحل الجزائري علي المتوسط , وتقدر تكلفة المشروع 10 بليون دولار لإنشاء الخط و3 بليون دولار لتجميع الغاز والبنية الأساسية اللازمة للخط  .

مشروع الجدار الأخضر العظيم

في تقديري أن مبادرة مشروع الجدار الأخضر العظيم تعتبر في أحد أوجهها أحد وسائل تحقيق إستراتيجية أمن الطاقة الأوروبية بل وتتكامل معها , فالمشروع لا ينفصل عن هذه الإستراتيجية قطعاً – بالرغم من أن واضعيها لم يصرحوا بذلك – ففي تقديري أن مشروعات الطاقة الأوروبية ومشروع الجدار الأخضر محددات للنطاق الجغرافي للمفهوم الجيوبوليتيكي الجديد الذي أطلقه المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط / Maurizio Massari في زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة في9/4/2012 وهو مفهوم البحر الأبيض المتوسط الكبير Greater Mediterranean Region علي غرار مفهوم القرن الأفريقي الكبير الذي أطلقته إدارة الرئيس / كلينتون والشرق الأوسط الكبير الذي أطلقته إدارة الرئيس/ بوش , وعليه فمنطقة الصحراء الكبري بالذات مُقبلة علي مرحلة مُختلفة في علاقتها بأوروبا عبر الإتحاد الأوربي مرحلة سيكون الشق الأمني والعسكري مُبرراً بتأمين التعاون والنفع الإقتصادي المُتبادل وسيكون لأوروبا بهذه المنطقة ثقل إضافي يزيده الثقل الأمريكي الذي وُجد مع إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا  AFRICOM , كما أن إمتداد الجدار بإتجاه دارفور يؤكد بعض الرؤي عن إقتراب تحقق الأحلام التي تراود الأوروبيين بشأن دارفور التي يُضمنونها مخططهم في الصحراء الكبري في خضم صراعهم مع غيرهم علي الطاقة   .

تستند فكرة المشروع التي سبق وإقترحها رئيس بوركينافاسو السابق/  TOMAS SANKARAعلي إيجاد وسيلة لوقف زحف الصحراء وكررها رئيس نيجيريا الأسبق/  OLUSEGUN OBASSANJO بعده بعشرين عام عندما تقدم بها لقمة الإتحاد الأفريقي عام 2005 إلي أن أقرت القمة الدولية التي عُقدت في بون في فبراير 2011 مبادرة الجدار الأخضر العظيم وذلك كحدث عرضي في المؤتمر المُشترك للجان العلوم والتكنولوجيا ومراجعة تطبيق معاهدة الأمم المُتحدة لمكافحة التصحر UNCCD وفي تطوير لاحق لعملية التبني أطلق الإتحاد الأفريقي من جانبه هذا المشروع وأعلنه في أديس أبابا في 26 سبتمبر 2011 بتكلفة تُقدر بـ 1,75 مليون يورو ويحظي بدعم من الإتحاد الأوروبي ومنظمة الأغذية والزراعة FAO لمواجهة ظاهرتي التصحر والجفاف ومذاك إكتسب هذا المشروع دعماً دولياً من خارج أفريقيا(52) والمبادرة أو المشروع يستهدف مواجهة الآثار السلبية التي تداعت جراء ظاهرة التغير المناخي وعوامل أخري بشرية , فعلي مر العقود السابقة بإستثناء سنوات قليلة كان مستوي الأمطار في نطاقي الساحل والصحراء متدنياً وبالتالي كان الجفاف السائد في المنطقتين مُهدداً للتوازن البيئي بهما وعمل في النهاية علي  تدني الإنتاج والإنتاجية الزراعية وأدي ذلك إلي موجات هجرة وتجريف للغابات التي إختفت من مناطق الساحل المنضوية تحت مشروع الجدار الأخضر العظيم والتي كان معدل إختفاء غاباتها وفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة عام 2005(53 )  :-

  • بوركينافاسو           15,000 هكتار سنوياً
  • مــــــالي               99,000 هكتار سنوياً
  • موريتانيا              10,000 هكتار سنوياً
  • النيـــجر               62,000 هكتار سنوياً
  • نيجيريا                398,000 هكتار سنوياً
  • السنغال               45,000 هكتار سنوياً
  • تشـــاد                82,000 هكتار سنوياً
  • السودان              956,000 هكتار سنوياً
  • إثيوبيا                40,000 هكتار سنوياً
  • إرتريا                5,000 هكتار سنوياً
  • جيبوتي              – – – – – – – – – – –

إذا فمجموع مساحة الغابات التي جُرفت في الإحدي عشر دولة التي تدخل في إطار مشروع الجدار الأخضر العظيم أو الـ GGW بسبب ما تقدم مليون و712 ألف هكتار , وقد تطور مفهوم هذه الفكرة / المبادرة التي تتضمن منطقة الساحل الممتدة شرقاً من أرتريا وجيبوتي حتي غربي أفريقيا عند السنغال وموريتانيا ليشمل منطقة بحيرة تشاد بحيث أصبح المشروع يُعرف بأنه ” الحائط الأخضر العظيم  وبحيرة تشاد أو GGWSSI ” لأنه سيُوقف زحف الصحراء وتآكل التربة الزراعية ويحمي موارد المياه ومنها مياه بحيرة تشاد التي تآكلت في 25 عاما عندما كانت مساحتها في ستينات القرن الماضي 25 ألف كم مربع وأصبحت الآن 2,5 كم مربع فقط  , وهذا الحائط نطاقه الجغرافي عمقه 15 كم وطوله 7,775 كم , وفي هذا الشأن أشارت وكالة IPS للأنباء في 24 فبراير 2011 ” أن الحائط الأخضر العظيم وفقاً لفكرته التي صاغتها 11 دولة واقعة علي طول الحدود الجنوبية للصحراء الكبري مع الشركاء الدوليين (المانحين) تهدف إلي الحد من التصحر في منطقة الصحراء وتشكل ركيزة لبرنامج دولي إقتصادي وبيئي مُتعدد الأوجه , كما أن هذا المشروع سيمد دوله بموارد طاقاوية وخضروات وفواكه وأطعمة أخري وسيدعم التنمية الإقتصادية ويسهم بالتالي في الإستقرار السياسي , وأكد د / Andre Daniel هذا المعني بالـ  UNCCDعندما قال ” إن إقامة  الجدار الأخضر العظيم  عبر إفريقيا يجب أن يكون دفعاً لتعاون دولي يهدف إلي مكافحة الفقر … وأن الإستقرار السياسي بالغ الأهمية الآن وضعاً في الإعتبار الغليان السياسي في العالم العربي وهو الجار المباشر لهذه الدول الإحدي عشر المُشاركة في الإجتماع والمُنخرطة في مشروع الجدار الأخضر العظيم “(54) ولإن المشروع يهم أوروبا التي تتطلع للصحراء الكبري نهماً بمواردها التعدينية والطاقوية فإن مسئولاً ألماني بوزارة التعاون الإقتصادي ذكر علي هامش إجتماع الدول المُشاركة في المشروع قوله ” إن المانحون الدوليون جاهزون لدعم المشروع ” فيما قال السيد/ Richard Escadafal  رئيس اللجنة العلمية الفرنسية للتصحر في نفس هذه المناسبة ” إن مشروع الجدار الأخضر العظيم في تصميمه الحالي يتجاوز أسمه فالهدف منه تأمين الإستزراع والتنمية المُتكاملة لأجناس وأنواع من النباتات الإقتصادية  المُضادة للجفاف وللأنشطة المُدرة للدخل والمُوجهة للبنية الأساسية “(55) , كما أن آخرين معنيين بالمشروع يرون أن هذه المنطقة تُعتبر نطاقاً إنتقالياً بين الصحراء الكبري شمالاً ونطاق السافانا الأفريقي جنوباً ” , ويُذكر أن هذه المبادرة يمولها مرفق البيئة العالمي GLOBAL ENVIROMENT FACILITY بمبلغ 115 مليون دولار ومن هيئات ومؤسسات تنمية دولية بمبلغ 3 بليون دولار ويُذكر كذلك أن الدول الإحدي عشر الموقعة والتي شاركت في إجتماع بون المُشار إليه وقعت جميعها علي معاهدة إقامة الحائط الأخضر العظيم GGW في ندجامينا وعُينت لها سكرتارية من أجل المزيد من تطوير هذه المبادرة ليكون إطارها جامعاً لمنطقتي الساحل والصحراء أي لتشمل منطقة بحيرة تشاد أيضاً لمعالجة والحد من تناقصها (هناك مشروع لنقل مياه نهر  Oubangui – أحد روافد رئيسية لنهر الكونجو – لبحيرة تشاد والمشروع في أحد التقديرات الجادة يُعد سابقة  قد تؤدي لتغيير في القوانين المتعلقة بمياه الأنهار وعدد من المبادئ الراسخة ذات الصلة وفي تقديري أنه بالنظر إلي ما يحيط الموقف المصري من جدل من دول حوض النيل (ما عدا السودان حتي الآن) لمحاججتها أي مصر بمبدأ الحق التاريخي الذي يُشكل الجزء الصلب – حتي الآن-  في إستراتيجية مصر المائية وبالنظر كذلك إلي معارضة مصر لمبدأ الإتجار في المياه وهو مبدأ لا ينصرف معناه فقط في تسعير المياه كمياً بل أيضاً في تسعيرها بتكثيف المهددات والضغوط والمخاوف علي تدفقها , فإن مشروع نقل مياه  نــهر  Oubangui  لبحيرة تشاد سيساهم في تشكيل جزء من الرأي العام الدولي يتبني مفاهيم جديدة منها نقل المياه من أحواض المياه لخارجها وهو مفهوم يجب ألا نشترك فيه مع دول بحيرة تشاد والإكتفاء فقط بمتابعة أنشطة هذا التجمع للإحاطة بالسياسات المائية الأفريقية) , وهناك رأي يذهب للقول بأنه من المُثير للتساؤل أن مصر لم تشملها مبادرة الجدار الأخضر العظيم بالرغم من أنها جغرافياً جزء لا يتجزأ من الصحراء الكبري وتعاني كما يعاني السودان ودول حوضي نهر النيجر وبحيرة تشاد من ظاهرتي التصحر والهدام ENSABLEMENT التي تهدد مجري النيل أيضاً في الجزء من مجراه في جنوبي مصر وشمال السودان وبالتالي فمصر معنية كالسودان لتشملها هذه المبادرة بالإضافة إلي أن هناك مخزون من المياه الجوفية (خزان الحجر الرملي النوبي) بهذه المنطقة يوفر إمكانية إمتداد الجدار الأخضر العظيم , كما أن هذا الموقف يؤكد غياب مصر في موضوعات أخري أو مبادرات أخري لأن السياسة الأفريقية لمصر متناقصة القوة والحيوية والحركية وبطبيعة الأمر وفي تقديري أن تدني حيوية سياسة مصر الأفريقية لاشك أنه وضع مرتبط  بتناقص الدور المصري في أفريقيا – علي الأقل – وأصبح محصوراً في المشاركة في الإجتماعات السنوية لقمة الإتحاد الأفريقي التي غابت رئاسة دولة / مبارك عنها لإنشغالها في أمور أخري وهو موقف كان ومازال يُسجل علي مصر ويؤكد أنها لابد وأن تعني بإستعادة الدور والمكانة في أفريقيا , وفي الواقع فإن إستعادتهما ليس أمراً ذا صلة بالظهور أو الفخر بقدر ما هو إلتزام حضاري جيو/ سياسي ذا مردود إقتصادي بلا ريب  , وفي الواقع أيضاً ومن وجهة نظر الإقتصاد السياسي فإن القوي الشاملة لدولة ما أو مجموعة دول ذات مصالح ممتدة خارجيا كدول الإتحاد الأوروبي مثلاً لا تفصل بين إهتماماتها المصلحية في الصحراء الكبري ككل وبين منطقة الساحل , ومن هنا كان ربط بحيرة تشاد بالجدار الأخضر العظيم الذي يُعد حزاماً لهذا النطاق البري العظيم , فبحيرة تشاد ومحيطها لا يمكن النظر إليها في ضوء مشروع الجدار الأخضر العظيم ومشروعات الطاقة المختلفة علي أنها نقطة لوجيستيكية إستراتيجية في منتصف مسافة الجدار الأخضر العظيم الممتد من السنغال غرباً حتي أرتريا شرقاً فحسب بل هي تمثل نطاقاً بترولياً مع بترول جنوب السودان في حقول الوحدة وعدرائيل تضمه الولايات المتحدة إلي نطاق بترول الدول الثماني بخليج غينيا , وتضع بعض المصادرالبترولية تقديراً لإحتياطي تشاد من البترول علي أنه 1,5 بليون برميل إستثمر فيه CONSORTIUM تقوده شركتين أمريكيتين ما يربو علي 3,7 بليون دولار لتطوير إحتياطيات البترول بها وبالفعل بدأ تصدير البترول عام 2004 من هذه المنطقة عبر خط أنابيب يبدأ من AGADEM  لمسافة 2000 كم يمر عبر الكاميرون لينتهي في الأطلنطي ,كما أن المؤسسة الوطنية الصينية للبترول توسعت   هناك في جهودها الكشفية وهي الآن تقيم مصفاة بطاقة 20,000 إلي 60,000 برميل/ يوم يقوم تتغذي من خط أنابيب بترول طوله 302 كم آت من آبار البترول وهناك إحتياطيات أخري أُكتشفت مؤخراً حول نهر CHARI BAGUIRMI في RANIER وMIMOSA  وهناك تفكير في نقلهم بخط أنابيب يرتتبط  بنظام الأنابيب بنيجيريا بل حتي بمصفاة مقترحة حول MAIDUGURI وفي التقدير أنه لو تم  نقل هذه الكميات عبر خط أنابيب يرتبط  بنظام الأنابيب بنيجيريا فسيكون الأمر مجزيا للجميع خاصة وأن هناك ثمة إقتراح بالربط بمصفاة في MAIDUGURI  فسوف يقلل هذا من إعتمادية تشاد علي الكاميرون , وعلي الجانب الآخر بجمهورية النيجر شهدت هناك الإنقلاب البترولي في هذه الدولة التي كانت تستورد معظم إحتياجاتها البترولية من نيجيريا بل ومعظم إمدادها الكهربائي أيضاً وتقدر مصادر حكومية بالنيجر إحتياطياتها بحوالي 800 مليون برميل يجري تطويرها بمعرفة الصينيين والفرنسيين لضخ هذا البترول في أنابيب من خلال بنين ليعبر بالتالي نيجيريا (علمت أن هناك إحتمالات بترولية في منطقة DIFFA بالنيجر والقريبة من بحيرة تشاد , هذا في الوقت الذي أقام الصينيون فعلاً مصفاة بترول حالياُ في مدينة ZINDER  بالنيجر(قريباً من شمال نيجيريا) بقدرة إنتاجية مماثلة للتي في تشاد أي حوالي 20 ألف برميل / يوم ويتم إمداد هذه المصفاة بالبترول الخام من خلال انبوب طوله 400 كم من حيث هو في حقوله بتكلفة قدرها 1 بليون دولار , وهكذا نجد أنه فيما يضع الفرنسيين أياديهم علي معظم يورانيوم النيجر يضع الصينيوم أياديهم علي بترولها لكن وفيما يتعلق ببترول تشاد والنيجر فإن هاتين الدولتين بحاجة من الوجهة اللوجيستيكية لنيجيريا بالإضافة إلي أن الدول الثلاث المتشاطئة علي بحيرة تشاد بحاجة لمنظومة لإستغلال إحتياطيات البترول المعروف تواجدها الآن بمنطقة بحيرة تشاد كما أن هناك مشاكل إقليمية يتعلق بعضها بالمياه ( مشروع إنقاذ بحيرة تشاد من التقلص والسدود علي نهر النيجر) وبعضها الآخر يتعلق بالبترول الذي بالبحيرة فقد أشارت وكالة أنباء ALL AFRICA في 26 /11/2010 من MAIDUGURI إلي تصريح أدلي به السيد /  AUSTEN ONIWON المدير الإداري لمجموعة NNPC بنيجيريا أشار فيه إلي ” أن رئيس نيجيريا / GOODLUCK JONATHAN  وجه مجموعته لمواصلة الإستكشاف للبترول بحوض بحيرة تشاد وأن ذلك أمر يُعد خارج إلتزام الحكومة بتنمية إحتياطيات البترول وليس هناك من  دافع  سياسي لهذا التوجيه ” .

وبالرغم من أن بترول الصحراء الكبري أي بمالي والنيجر وتشاد لا يُقارن بكمية الإحتياطيات المؤكدة لبترول الدول الثماني المُنضوية بلجنة خليج غينيا , إلا أن بترول الصحراء الكبري مع ذلك يُعد هدفاً تجارياً لدي شركات البترول وهدفاً مُعيناً لدول الصحراء الكبري الحبيسة الثلاث (تشاد / النيجر / مالي) علي تمويل جزء من عمليات التنمية بها , وقد أوردت وكالة الأنباء الصينية من نيامي / النيجر في 4 يناير2014 بالإحالة علي مصدر رسمي قوله أن حكومة النيجر قررت تصريف بترولها الخام عبر خط الأنابيب العابر لتشاد ومنها للكاميرون(وعلقت الوكالة بالإشارة إلي أن هناك 59 موضعاً جديداً للإستغلال بنفس المنطقة التي يُستخرج منها الصينيون البترول وهي AGADEM يُتوقع أن تحوي مليار برميل وعليه فإن بترول النيجر الخام المُرتقب نقله عبر خط تشاد/الكاميرون سيكون ما بين 60,000 إلي 80,000 برميل , كما أن هناك نشاط موجه لقطاع البترول في مالي أيضاً وبالرغم من عدم الإستقرار السياسي بها عقب الإنقلاب العسكري في 21 /3/2012 إلا أن الحكومة الإنتقالية منحت شركتان تشيكية وإيرلندية رخصة الإستكشاف البترولي في حوض TAOUDENI الممتد من موريتانيا لشمال غربي مالي وجزء اقل منهما بجنوب الجزائر   .

تطورات المشروع   

 إطلاق شبكة بحثية لمساعدة مبادرة السور الأخضر العظيم

أشار موقع University World News- Africa Edition-  في 4 مايو2023 أنه في إطار عام لمبادرة السور الأخضر العظيم تم إطلاق شبكة متعددة التخصصات من المعاهد الفرنسية والجامعات الإفريقية لتوفير إطار تعبئة للإدارة المستدامة للأراضي والأقاليم في منطقة السور الأخضر الكبير بالصحراء والساحل وتبلغ مساحة GGW حوالي 8000 كيلومتر مربع وتمتد عبر 22 دولة أفريقية وقد أطلق الاتحاد الأفريقي مبادرة GGW في عام 2007 بهدف استعادة المسطح الطبيعي المتدهوربالقارة وإعادة الأمل للملايين من الناس في منطقة الساحل – بما في ذلك من خلال إنشاء فرص العمل وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر – وقد تم إطلاق شبكة الأبحاث الدولية IRN RESET-GGW: للبحث والخبرة العلمية والمعرفة من أجل الإدارة المستدامة لأراضي وأقاليم السور الأخضر الكبير باستضافة وزارة التعليم العالي والبحث في جيبوتي في جيبوتي في 25 أبريل 2023و الــ IRN RESET-GGW وهي مبادرة أفريقية طموحة تهدف إلى عكس تدهور النظم البيئية الحيوية بشكل مستدام ، ومعالجة الأزمات المناخية وتحسين الظروف المعيشية مع الحفاظ على النظم البيئية الزراعية في 11 دولة في الصحراء الكبرى والساحل وهي بوركينا فاسو وتشاد وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال والسودان وتغطي GGW  780 مليون هكتار من الأراضي القاحلة وشبه القاحلة حول الصحراء وتؤوي 232 مليون شخص  .

الأهمية والأهداف

على الرغم من إجراء العديد من الدراسات العلمية في بلدان GGW إلا أن جزءًا منها فقط قد أدى إلى منشورات مفيدة لدعم اتخاذ القرار الفعال لتنفيذ GGW وهذا ينشئ حاجة ملحة للجمع بين المعرفة العلمية متعددة التخصصات وجعل المجتمع العلمي الأفريقي لاعبا رئيسيا في التحالفات الإقليمية والوطنية والإقليمية التي يتم تشكيلها وتتمثل رؤية مبادرة GGW في تعزيز تطوير فسيفساء من أنظمة الاستخدام المستدام للأراضي والإنتاج الزراعي الرعوي المتنوع والمرن في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي (شبه الجزيرة الصومالية) والساحل هو”المنطقة شبه القاحلة الشاسعة في إفريقيا التي تفصل الصحراء الكبرى في الشمال والسافانا الاستوائية في الجنوب”، وفقًا لمجلة الأمم المتحدة Africa Renewal وبالتالي يهدف RESET-GGW متعدد التخصصات والمشترك بين المؤسسات إلى حشد الخبرات الحالية متعددة التخصصات لدعم التنفيذ المبتكر لمبادرة GGW التي ستمكن من استراتيجيات بحثية جديدة ودعم فعال للقرارات ولتحقيق هذه الأهداف ستقوم IRN RESET-GGW بإجراء دراسات تدريبية وبحثية في العلوم الزراعية والبيئية وعلوم الأرض والكون وعلوم البيانات مع التركيز بشكل خاص على التنوع البيولوجي الزراعي والإدارة المستدامة للأراضي والموارد الطبيعية وخدمات النظام البيئي ونظم الإنتاج والهجرة والتنقل والأراضي الريفية  .

الجامعات الأفريقية المعنية

في 18 أغسطس 2023 نشر موقع Science the wire نقلاً عن مجلة Knowable Magazine أن الدكتور أومارو مالام عيسى مدير الأبحاث في معهد البحوث والتنمية المستدامة أو IRD في فرنسا والذي سينسق أنشطة IRN RESET-GGW قال لـ University World News : “تضم شبكة الأبحاث متعددة التخصصات العديد من الجامعات الأفريقية ومراكز بحثية تقع في ستة دول أفريقية هي : بوركينا فاسو وجيبوتي وإثيوبيا والسنغال والنيجر وتشاد وتشمل المؤسسات الشريكة معهد البيئة والبحوث الزراعية وجامعة جوزيف كي زيربو في بوركينا فاسو ومركز الدراسات والبحوث في جيبوتي في جيبوتي وجامعة أديس أبابا في إثيوبيا والهيكل الاتحادي لبحوث مرونة النظم الزراعية في مواجهة المناخ والتكثيف البيئي في منطقة الساحل وجامعة عبده موموني في نيامي وجامعة أندريه ساليفو في زيندر وجامعة دان ديكو دانكولودو دي مارادي في النيجر ومركزSuivi Écologique  والمعهد السنغالي للبحوث الزراعية في داكار وجامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار وجامعة جاستون بيرجر أو UGB في سانت لويس وجميعها في السنغال والمعهد التشادي للبحوث الزراعية من أجل التنمية في تشاد .

لأكثر من قرن من الزمان حاول الناس في جميع أنحاء العالم وقف “زحف الصحاري” من خلال زراعة “جدران خضراء” من الأشجار يصل طولها أحيانًا إلى آلاف الكيلومترات وقد باءت هذه الجهود بالفشل وغالباً ما كانت معدلات بقاء الأشجار أقل من 30% وانخفض التنوع البيولوجي وانخفض منسوب المياه وتعطلت سبل العيش المحلية وتعرض الفقراء بالفعل لمزيد من التهميش وعلى الرغم من هذا التاريخ الحافل بالإشكاليات فإن رؤية الجدار الأخضر من الأشجار لصد الصحراء ظلت تحظى بشعبية كبيرة حيث تم التعهد بمليارات الدولارات وإنفاقها في الصين على برنامج حزام الشمال الثلاثة وفي أفريقيا على مبادرة الجدار الأخضر العظيم وعمل علماء البيئة والجغرافيين في الأراضي الجافة في أفريقيا وآسيا لعقود من الزمن وبدا أن فكرة “الجدران الخضراء” ليست مضللة فحسب بل إنها خطيرة أيضا ففكرة الجدار الأخضرالتي كان من المحتم أن تفشل لأسباب اجتماعية وبيئية على حد سواء تعمل على تعزيز الافتراضات الخاطئة حول طبيعة التغير البيئي في الأراضي الجافة في العالم – مما يقدم دعما قويا لمفاهيم مضللة مفادها أن التدخلات التي تركز على التكنولوجيا من أعلى إلى أسفل هي الأفضل وينبغي لنا أن نتخلى عن فكرة إفساح المجال أمام تدخلات أكثر واقعية وقائمة على الأدلة وفعالة , فالعلماء اليوم يُعرفون التصحر علي أنه تدهور الأراضي القاحلة الناجم عن سوء الإدارة البشرية المحلية , وهذا يختلف عن الجفاف الذي هو فقدان الغطاء النباتي بسبب تغير المناخ فنحن نعلم الآن أن التصحر لا يتسبب في تقدم حواف الصحاري إلى الأمام فبدلاً من ذلك يحدث التصحر على شكل بقع في مناطق ذات ضغط أرضي مرتفع وأكثر استمرارًا بسبب الرعي والزراعة وجمع الحطب فليست هناك حاجة لوقف مسيرة التصحر إلى الأمام – لأنه لا يوجد مثل هذا الموقف فعلى الرغم من أن بعض الحدود الصحراوية قد تتوسع بسبب الجفاف الناتج عن تغير المناخ إلا أن الأشجار المتعطشة للمياه لا تفعل الكثير لمكافحة ذلك وبعبارة أخرى فإن جدار الأشجار ليس مناسبًا لإصلاح أي من القضيتين .

فوائد للباحثين الأفارقة

وأشار عيسى إلى أن IRN RESET-GGW سوف يقوم بتعبئة ودعم مجتمع الباحثين والطلاب من الجامعات الأفريقية من خلال بعثات المراقبة العلمية والتنشيط وتثمين النتائج والبيانات ومشاركتها والتدريب متعدد التخصصات وأضاف عيسى: “سيتم تعبئة الباحثين الأفارقة الشباب في مشاريع بحثية متعددة التخصصات تركز على الاحتياجات المحددة وسيتم دعم عملهم من أجل تثمينه سواء في المجلات العلمية الدولية أو من خلال المنتجات العلمية التي تهدف إلى إثراء المبادرات العامة وتعزيز صنع القرار” “وسيتم أيضًا تسجيل الباحثين الأفارقة في برامج التنقل داخل منطقة GGW او الدار الأخضر العظيم وكذلك في إجراءات بناء القدرات من خلال المدارس الصيفية وورش العمل التدريبية المستعرضة.” , وقال الدكتور حسن ريالة المتخصص في الموارد الطبيعية وتغير المناخ وإدارة الكوارث والمخاطر والقدرة على الصمود في جامعة جيبوتي، لـ University World News إن “هذه الشبكة ستسهل التعاون بين المجتمع الأكاديمي الأفريقي وتساعد في تنسيق ومراقبة وقياس التأثير” لدراساتهم حول تنفيذ أهداف GGW ” وأضاف ريالة إن الشبكة ستساعد أيضًا في توجيه الأبحاث إلى حيث تكون هناك حاجة إليها بما في ذلك تطوير خدمات النظام البيئي وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة  .

تتغذى برامج الجدار الأخضر من اعتقاد خاطئ مفاده أن زراعة الأشجار في أي مكان ستؤدي دائمًا إلى تحسين المناخ وإمدادات المياه والتنوع البيولوجي بينما تمنع التآكل وتخفف من تغير المناخ وتعود أصول هذا الاعتقاد المتمركز حول الشجرة إلى أوروبا في القرن الثامن عشر وبحلول القرن التاسع عشر وصلت إلى مستوى الأيديولوجية حيث كان الغطاء الحرجي مساويا للحضارة وقد استخدمت القوى الغربية هذا المفهوم لتبرير مجموعة واسعة من المشاريع الاستعمارية والإمبريالية في بيئات غير مناسبة في جميع أنحاء العالم , إن النظرة العالمية التي تركز على الأشجار والتي تساوي بين التحسين البيئي والغطاء الشجري رغم أنها صالحة لبعض النظم الإيكولوجية إلا أنها لا تترجم بشكل جيد إلى بيئات الأراضي الجافة التي لم تكن مغطاة في الأصل بالغابات بل بالسهوب أو الأراضي العشبية أو السافانا لذا فإن استبدالها بصفوف من الأشجارالتي غالبًا ما تكون جميعها من نفس النوع لا يعد عمومًا تحسينًا بيئيًا , فقد أظهرت الأبحاث أن الأشجار ذات الكثافة العالية يمكن أن تتنافس مع النباتات المحلية مما قد يؤدي إلى انخفاض في توافر الرطوبة والتنوع البيولوجي وحماية الغطاء الأرضي من التآكل مع فوائد محدودة للتخفيف من تغير المناخ وفي الصين حيث تم استهداف أكثر من ربع سكان البلاد لزراعة الأشجار في الفترة من عام 1952 إلى عام 2008 إلا أنه من المدهش أنه لم يتم العثور على أدلة كافية تشير إلى وجود تأثير إيجابي لجهود الزراعة على التغيرات في الغطاء النباتي أو العواصف الترابية وتظل التقييمات الأكثر شمولاً للتأثيرات البيئية المترتبة على جهود زراعة الأشجار على نطاق واسع بعيدة المنال نظراً لمحدودية البيانات التي تم جمعها أو مشاركتها من قبل الحكومات والمنظمات التي تدعم هذه البرامج , فالجدران الخضراء تمثل مشكلة ليس فقط من الناحية البيئية بل أيضًا من الناحية الاجتماعية فغالبًا ما يعطي المروجون الانطباع بأن هذه المناطق الجافة فارغة بشكل أساسي والحقيقة هي أن هذه المناطق يسكنها في أغلب الأحيان تقريبًا أشخاص يستفيدون جيدًا من أراضيهم الجافة ومن المفهوم أنهم غالبًا ما يقاومون استبدال حقولهم أو مراعيهم بمزارع الأشجار والأسيجة , كما توفر مشاريع الجدار الأخضر فرصة للأقوياء للسيطرة على الفئات الأكثر ضعفا واستبعادها من خلال ستارإعادة التأهيل البيئي في النيجر مثلاً .

استخدمت النخب المحلية برامج الجدار الأخضر كفرصة للاستيلاء على الأراضي العامة السابقة (والربح منها) ففي الجزائراستخدمت الحكومة برنامج السد الأخضر للحد من الرعي والسيطرة عليه – وهي ممارسة التنقل مع الماشية في مناطق واسعة والتي كانت مرهقة إدارياً ويُنظر إليها خطأً على أنها “بدائية” وفي الصين أيضاً نجح برنامج حزام الشمال 3 بالاشتراك مع برامج أخرى في إبعاد الرعاة عن مراعيهم وتوظيفهم في زراعة الأشجار بدلاً من ذلك , لقد أسيء فهم الرعي والتقليل من قيمته منذ فترة طويلة ويدرك علماء البيئة الآن أن تربية الماشية المتنقلة تعمل على تعزيز القدرة الاجتماعية والبيئية على الصمود في مواجهة تغير المناخ , إن العمل ضدها يلحق الضرر بمجتمعات الأراضي الجافة , وقد ساعد تمويل برامج الجدار الأخضر في بعض الأحيان على دعم التدخلات الفعالة ولكن نجاحهم لم يأت بسبب ارتباطهم بالجدار الأخضر العظيم بل على الرغم منه  , فلا تزال أسطورة الجدران الخضراء التي تعيق الصحراء تحظى باهتمام عام قوي وتمويل سخي على الرغم من فقدان مصداقيتها من قبل العلوم البيئية المعاصرة وينبغي التخلص منها وبدلاً من ذلك يتعين علينا أن نمضي قدماً في بذل جهود بديلة للحفاظ على الأراضي الجافة وتنميتها وتكون أكثر ملاءمة من الناحية البيئية وتدعم استراتيجيات سبل العيش المستدامة المحلية في مواجهة تغير المناخ العالمي  .

التقدم بطيء في بناء الجدار الأخضر العظيم في أفريقيا ولكن بعض النقاط المضيئة تزدهر :

أشار موقع MONGABAY في3أغسطس 2023 أن الجدار الأخضر العظيم الطموح في أفريقيا وهو عبارة عن فسيفساء من جهود إعادة التشجير لوقف التصحر قد أبتلي بالتأخير والتحديات , ومع ذلك فقد ذاقت بعض جهود إعادة التشجير طعم النجاح وأصبحت نموذجًا يحتذي به الكثيرون , ويقترح الخبراء الابتعاد عن النظر إلى المبادرة على أنها مجرد عملية لغرس الأشجار وبدلاً من ذلك يجب رؤيتها كنهج تشاركي شامل يشمل المجتمعات المحلية ويساعدها على بناء سبل عيشها ودخلها ومع ذلك لا تزال التحديات كثيرة بما في ذلك الوضع الأمني المتقلب ونقص المياه وتحديات التنسيق والمراقبة المتفرقة طويلة المدى للبقع المعاد تشجيرها والأطراف الجنوبية للصحراء ديناميكية مع اختلاف هطول الأمطاروتتقطع بقع الأرض الموجودة على الحافة وتتغير بين اللون الأخضر والبني القاحل وتؤدي الأنشطة البشرية مثل الرعي الجائر أو إزالة الغابات أو سوء الري إلى زيادة تدهور بعض الأجزاء القاحلة بالفعل في منطقة الساحل مما يؤدي إلى التصحر ومع ارتفاع حرارة الكوكب يمكن أن تؤدي التغيرات في أنماط هطول الأمطار إلى فترات جفاف أطول على الحدود الجنوبية للصحراء مما يؤدي إلى تمدد الصحراء إلى عمق أكبر ويؤثر على ما يقرب من مليون شخص وسبل عيشهم في منطقة الساحل .

في عام 2007استجاب الاتحاد الأفريقي لجفاف منطقة الساحل من خلال اتخاذ قرار ببناء “الجدار الأخضر” بطول 8000 كيلومتر (5000 ميل) علي أن يمتد حاجز الأشجار كما تم تصوره في البداية على طول الطريق من داكار في الغرب إلى جيبوتي في الشرق ويكتمل بحلول عام 2030 , وتحولت فكرة الجدار ببطء إلى مفهوم أكثر مرونة مع زاوية اجتماعية واقتصادية : فسيفساء من الأراضي الحرجية التي تتخللها الأراضي الزراعية والمراعي موزعة على أكثر من 780 مليون هكتار (1.93 مليار فدان) والتي تعود بالنفع أيضًا على المجتمعات المحلية , ويهدف هذا الجهد الطموح المعروف رسميًا باسم “مبادرة الجدار الأخضر الكبير للصحراء والساحل ” (GGWSSI) إلى استعادة 100 مليون هكتار (247 مليون فدان) من الأراضي المتدهورة واحتجاز 250 مليون طن متري من الكربون لمكافحة تغير المناخ وإنشاء 10 ملايين فرصة عمل بنهاية هذا العقد , وقد أقامت أكثر من 20 دولة أفريقية شراكة مع العديد من الوكالات الدولية ومعاهد البحوث ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية لبناء الجدار ومنع جفاف منطقة الساحل مع توفير سبل العيش والفوائد البيئية لأكثر من 200 مليون شخص يعيشون في جميع أنحاء المنطقة المتضررة .

يقول أمادو ديالو لـ MONGABAY : “إن مبادرة الجدار الأخضر العظيم هي برنامج “رائد”ويهدف إلى المساهمة في القضاء على الفقروضمان النمو والتنمية المستدامة من خلال … الإدارة التشاركية والمتكاملة للموارد الطبيعية والبيئة في منطقة الصحراء والساحل.” وديالو هو المسؤول عن خطة العمل البيئية للشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا التابعة لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية (AUDA-NEPAD) والتي تنسق تنفيذ مبادرة الجدار الأخضر العظيم  .

على الرغم من أهدافه النبيلة فلم يتم إحراز تقدم يذكر في بناء الجدار الأخضر العظيم حتى الآن إذ تمت استعادة حوالي 18 مليون هكتار (44 مليون فدان) من الأراضي المتدهورة وعلى الرغم من أن هذا يمثل مساحة بحجم كمبوديا إلا أنه لا يزال يمثل 18% فقط من إجمالي الهدف وقد واجه تأمين مبلغ 33 مليار دولار اللازم لتمويل المشروع الطموح بالكامل وعوداً فاشلة وتأخيرات مؤلمة وضعف التنسيق بين أصحاب المصلحة والشركاء الماليين مما دفع المبادرة للخروج عن مسارها ففي عام 2021 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره من زعماء العالم عن مبادرة تسريع الجدار الأخضر العظيم وهي مبادرة لتعزيز بناء الجدار مع تعهد بمبلغ 14.3 مليار دولار من التمويل الجديد للفترة 2021-2025 مما ساعد على تسريع وتيرته اعتبارًا من مارس ف2023تم صرف 2.5 مليار دولار من هذا التعهد , ويقول توم سكيرو الرئيس التنفيذي لمنظمة Tree Aid وهي منظمة غير حكومية تعمل على استصلاح الأراضي ومعالجة الفقر في منطقة الساحل : “على مدى العامين أو الثلاثة أعوام الماضية كان هناك اهتمام أكبر بالموضوع أكثر مما كان عليه من قبل” “وتقوم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر [اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر] بإنشاء مُسرّع يركز أكثر قليلاً على محاولة المساعدة في تحقيق [مبادرة الجدار الأخضر العظيم] , ولم تلق فكرة زراعة حواجز الأشجار أو الجدران الخضراء لوقف انتشار الصحارى نجاحا يذكر في جميع أنحاء العالم.

يقول مات تيرنر من جامعة ويسكونسن ماديسون الذي درس النظم البيئية في منطقة الساحل منذ عام 1987: “يشير الجدار ضمنًا إلى مجموعة متجاورة من الأشجارتنمو على نطاق إقليمي والطبيعة لا تعمل بهذه الطريقة” فإن فكرة الصحراء “المتوسعة” عفا عليها الزمن حيث يفضل الفهم العلمي الحديث وجهة النظر القائلة بأن حدود الصحراء هي مناظر طبيعية ديناميكية تتغير بناءً على الاختلافات في هطول الأمطار – وهو أمر يتفاقم الآن بسبب تغير المناخ , إن الحواجز الشجرية وخاصة في المناطق القاحلة لا تفعل الكثير لمعالجة تغيرات هطول الأمطار وغالبا ما لا تنجح على المدى الطويل وقد تكافح من أجل النمو أو يتم قطع الوقود عنها في نهاية المطاف أو حتى قد تؤدي إلى نزوح المجتمعات الرعوية المحلية وعندما تم الإعلان عن الجدار الأخضر العظيم لأول مرة كانت الفكرة هي بناء مثل هذا الحاجز الشجري , إن صورة الجدار الأخضر العظيم تثير اهتمام المانحين والتمويل ويقول تورنر: “هذه صورة قوية ولا يمكننا أن نستبعد أن هذا خطأ ” , وعلى مر السنين وفي مواجهة الانتقادات حول فعاليته تحولت فكرة جدار الأشجار إلى فسيفساء من المناظر الطبيعية التي توفر فوائد متعددة: منع الجفاف ومكافحة تغير المناخ ودعم سبل العيش المحلية من خلال الزراعة وتربية النحل والحراجة الزراعية وتربية الحيوانات .

تعمل منظمة Tree Aid منذ عام 1987 في الأراضي الجافة في السنغال ومالي وبوركينا فاسو وغانا والنيجر وإثيوبيا وجميعها منخرطة في مبادرة الجدار الأخضر العظيم ولا تعمل المنظمة على استعادة الأراضي فحسب بل تدعو أيضًا إلى إدارة الأراضي وإدارتها وهي أمور ضرورية لتوليد دخل مستدام للمجتمعات المحلية ولديها ما يقرب من 100 موظف في أفريقيا وتقول إنها تزرع شجرة واحدة كل 19 ثانية كجزء من مبادرة الجدار الأخضر العظيم وتقول حتى الآن إن عملها نجح في استعادة وحماية أكثر من 167 ألف هكتار (413 ألف فدان) من الأراضي المتدهورة , ومع ظهور تعويضات الكربون كنموذج تمويلي لمشاريع استعادة الأراضي دخلت منظمة Tree Aid في شراكة مع اللجنة الأولمبية الدولية لتنمية “غابة أولمبية” في مالي والسنغال ويهدف المشروع إلى زراعة أكثر من 589 ألف شجرة كجزء من الجدار الأخضر العظيم القادر على عزل 200 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على مدار 25 عامًا – أي أكثر من البصمة الكربونية المقدرة للجنة الأولمبية الدولية للفترة 2021-2024 ويقول سكيرو إن مشاريع تعويض الكربون التي تنفذها منظمة Tree Aid هي بمثابة مصدر دخل آخر للمجتمعات المحلية مما يؤدي إلى الاستغناء عن الوسطاء والتربح والمساعدة في الإدارة طويلة المدى للأراضي المستعادة وتقوم المنظمة أيضًا بتثقيف المجتمعات المحلية حول حقوقهم وتدريبهم على المهارات اللازمة للترميم , ويقول الخبراء إن السنغال كانت حتى الآن الأكثر نجاحا في مسعاها لبناء السور الأخضر العظيم داخل حدودها ويعزو ديالو من السنغال من AUDA-NEPAD، هذا النجاح إلى النهج التصاعدي الذي تتبعه في العمل مع المجتمعات وتصميم نموذج لإدارة الأراضي حيث تعود حيازة الأراضي إلى المجتمعات المحلية بدلاً من الدولة ويقول: “ملكية هذه المبادرة موجودة من قبل سكان الريف لذا فهم يشعرون أن هذه المبادرة ملك لهم” , ويضيف سكيرو: “إن عملية الترميم ليست هي كل شيء وتنهي كل هذا فهناك حوافز طويلة الأجل للاستعادة – لديك أرض أفضل وعائدات أفضل ونتائج أفضل بشكل عام لك ولعائلتك – ولكن الحوافز قصيرة الأجل [تتعلق] بشكل خاص بتوليد الدخل  .

نمادج لمبادرة الــجـــدار الأخـــــضر الــعـــظــــيـــم :

الـــــصــــومــــــال :

أُعلن في 14 يوليو2023 أن الصومال خصصت مبلغ 10 ملايين دولار أمريكي لمواجهة التحدي الثلاثي المتمثل في التصحر وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي الذي يُلقى عليه اللوم جزئيًا في تدمير الأرواح وخلق الجوع في الدولة الواقعة في القرن الأفريقي , وفي هذا قال الرئيس الصومالي: “نطلق اليوم رسميًا مبادرة الجدار الأخضر العظيم (GGWI) في الصومال ونعلن عن التزامنا المالي بمبلغ 10 ملايين دولار والذي سيكون جزءًا من مخصصات بلادنا من صندوق التكيف بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية” , وأضاف الرئيس أن “إنضمام الصومال إلي مبادرة الجدار الأخضر العظيم تعد علامة بارزة في التزام بلادنا بالتصدي لتغير المناخ والتدهور البيئي الذي تسبب في الكثير من المعاناة لشعبنا” , وبعد الإطلاق أصبحت الصومال أحدث دولة عضو في الاتحاد الأفريقي تنضم إلى GGWI التي تضم بالفعل 36 دولة من الصحراء الكبرى والساحل والقرن الأفريقي والأراضي الجافة في الجنوب الأفريقي , ومن المتوقع أن تعزز GGWI مبادرة الرئيس محمود “لإعادة تخضير الصومال” التي تم إطلاقها في أكتوبر من العام الماضي لزراعة 10 ملايين شجرة لتعزيز التنوع البيولوجي والقدرة على التكيف مع المناخ والمساعدة في مكافحة الدورات المتكررة من الجفاف المدمر في البلاد , وفي حديثه نيابة عن الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس ATMIS، السفير محمد الأمين سويف قال مفوض شرطة ATMIS هيلاري ساو كانو إن البعثة ستواصل دعم FGS في جهودها لإعادة تخضير البلاد , وأوضح أنه”على مستوى المهمة قررت ATMIS دمج القضايا البيئية في جميع عملياتها وأشار كانو إلى أن هذا القرار يتماشى مع الالتزام الذي تعهدت به ATMIS وUNSOS (مكتب الأمم المتحدة لدعم الصومال) خلال الدورة الثالثة والعشرين لجمعية الوكالة الدولية للطاقة المتجددة التي عقدت في أبو ظبي في بداية العام وأضاف مفوض شرطة ATMIS: “لقد تعهدت ATMIS بالفعل بدعم من UNSOS بزراعة 30.000 شجرة حول حوالي 58 قاعدة تشغيل أمامية قبل خروجنا النهائي في العام المقبل” , وقالت وزيرة البيئة والتغير المناخي الصومالية خديجة المخزومي : إن المبادرة ستقطع شوطا طويلا في حل التحديات المتعلقة بالمناخ التي تواجه الصومال وقالت المخزومي: “نأمل أن يقطع هذا المشروع شوطاً طويلاً نحو مساعدة الصومال في حل تحدياته والتي تشمل إزالة الغابات وأزمة المناخ”.

تتعرض أفريقيا بشكل متزايد للصدمات المناخية وعلى الرغم من أنها لا تساهم إلا بحوالي 4% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية من خلال GGWI إلا أن الاتحاد الأفريقي يأمل في استعادة ما مجموعه 910 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2063 مع رؤية متوسطة المدى لاستعادة 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة حاليًا واحتجاز 250 مليون طن كربون وإنشاء 10 ملايين فرصة عمل خضراء بحلول عام 2030 في جميع أنحاء العالم بمنطقة الساحل والأراضي الجافة في القارة .

تــــنــــزانــــيـــــا :

في يوليو 2023 أعلن أن تنزانيا إقتربت من وضع استراتيجية وخطة عمل وطنية لتنفيذ مبادرة الجدار الأخضر العظيم التي تهدف إلى مكافحة تغير المناخ ووقف التصحر وتغيير حياة الناس واجتمع التكنوقراط الحكوميون الذين يتعاملون مع قضايا البيئة من مكتب نائب الرئيس ومكتب النائب الأول للرئيس في زنجبار مع شركاء التنمية وخبراء البيئة والباحثين في دار السلام في أغسطس 2023 في ورشة عمل للتحقق من خطة العمل الوطنية لتنفيذ خطة العمل الوطنية للجدار الأخضر العظيم في تنزانيا.

إن الجدار الأخضر العظيم الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي في عام 2007 مبادرة لتغيير قواعد اللعبة تهدف إلى استعادة المناظر الطبيعية المتدهورة في القارة وعكس اتجاهات التصحر وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي من خلال مجموعة مشتركة من التدخلات ومنذ إطلاقه تم تنفيذ الجدار الأخضر العظيم في منطقتي الصحراء والساحل ثم توسع مؤخرًا ليشمل دول مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي (SADC) بما في ذلك تنزانيا وتمت قيادة خطة العمل الوطنية لتنزانيا (NAP) من خلال الشؤون البيئية تحت إشراف مكتب نائب الرئيس لإدارة البيئة بمساعدة مستشار مستقل والإشراف العام لمنسق الجدار الأخضر العظيم وفريق أساسي يتألف من مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “منظمة الفاو” وخبراء الاتحاد الأفريقي  .

تنزانيا هي الدولة الثالثة التي تطور خطة عمل وطنية هذا العام وذلك بفضل التعاون بين إدارة البيئة تحت إشراف فريق مكتب نائب الرئيس والشركاء الآخرين الذين تم التشاور معهم إما عبر التبادلات الافتراضية أو الاجتماعات وجهًا لوجه وقال ممثل الفاو في تنزانيا الدكتور نيابيني تيبو إن المنظمة التابعة للأمم المتحدة ملتزمة بدعم مبادرة الجدار الأخضر العظيم في جميع أنحاء القارة وفي المناطق الفرعية وقال :”حتى الآن قمنا بدعم جمع البيانات على المستوى القاري بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى دعم الوكالة الأفريقية للجدار الأخضر العظيم (PA-GGW) والمؤسسات الإقليمية والوطنية من أكثر من 30 دولة.”   وقال الدكتور تيبو إنه بين عامي 2018 و2020 تم جمع بيانات على المستوى القاري حول معايير مختلفة تتعلق بالبيئة الفيزيائية الحيوية والزراعة واستخدام الأراضي وأوضح : إن البيانات التي تم جمعها مثل النسبة المئوية للأراضي القابلة للاستصلاح وإجمالي مكاسب الكربون المحتملة تم استخدامها لإرشاد قرارات الاستثمار حول استعادة الأراضي واستعادة المناظر الطبيعية للغابات وبرامج تخزين الكربون ومن خلال التمويل من مرفق البيئة العالمية (GEF-7 DSL IP) تدعم منظمة الأغذية والزراعة حكومة تنزانيا في معالجة تدهور الأراضي وإزالة الغابات وتدهور الغابات في غابات ميومبو الجافة في تنزانيا كما يدعم المشروع المجتمع الريفي من خلال الممارسات الزراعية الجيدة (GAP) وتطوير سلسلة قيمة العسل في المناظر الطبيعية في كاليوا ومليلي في منطقتي تابورا وروكوا على التوالي , وقال فرحات مبارك مدير البيئة في مكتب النائب الأول للرئيس في زنجبار: إن تنزانيا ستستفيد من بناء القدرات والوصول إلى الموارد المالية لتنفيذ المشاريع التي تركز على الإدارة المستدامة للأراضي والتكنولوجيا التي ستساهم في جهود مكافحة الجفاف والتصحر , وبالإضافة إلى ذلك تشمل الفوائد الأخرى مكافحة الجفاف وإدارة الموارد الطبيعية وتطوير نظم الإنتاج الريفية في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات والغابات  .

حوض بحيرة تشاد

يغطي الجدار الأخضر العظيم البلدان التي يعمل فيها 60 إلى 75 % من السكان في الزراعة (مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا ومالي والنيجر) ومع تسبب تغير المناخ في حالات الجفاف والفيضانات واضطراب أنماط الطقس وأصبحت الحياة وسبل العيش في مرمى النيران وتتزايد الضغوط البشرية على الموارد الطبيعية – وخاصة استخراج المياه لأغراض الري والأخشاب لتوليد الطاقة – في جميع أنحاء المنطقة ويربط الخبراء بين هذه الضغوط على الموارد الطبيعية والصراعات وحتى ظهور الإرهاب والتمرد في المنطقة  .

في حوض بحيرة تشاد يمر نهر كومادوجو يوبي عبر 6 ولايات في نيجيريا ومنطقة ديفا في النيجر وتتسبب أعمال التطوير غير المخطط لها في الجزء العلوي من النهر في نيجيريا في حدوث تغييرات كبيرة في أنظمة المياه في اتجاه مجرى النهر في النيجر بسبب انخفاض قدرة التسلل على ضفاف النهر المعدلة المحيطة , وقد بدأ مشروع حوض بحيرة تشاد الذي يموله مرفق البيئة العالمية (GEF) وتنفذه لجنة حوض بحيرة تشاد (LCBC) محادثات لزيادة التواصل والتعاون بين ممثلي مختلف الولايات النيجيرية ومنطقة ديفا لتحسين الإدارة للموارد المائية ونظمها  .

يقول دياوي كونتي “كان النيجر يثير مخاوف بشأن إطلاق نيجيريا لكميات كبيرة من المياه منذ عام 2012 لكن لم يكن لديه المنصة الكافية للتواصل مع السلطات اللامركزية المسؤولة فالتبادلات التي تم تنظيمها كجزء من المشروع تقلل من مخاطر الصراعات المستقبلية في منطقة مضطربة وتضمن تنفيذ ميثاق المياه بما في ذلك حماية الأنهار وضفاف الأنهار فإلى جانب تحسين إدارة الموارد الطبيعية والحوارتساهم المشاريع التي يدعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضًا بشكل مباشر في حماية واستعادة النظم البيئية , وفي بوركينا فاسو أيضاً تمت الموافقة مؤخراً على مشروع ممول من صندوق أقل البلدان نمواً لاستعادة حوض ناكامبي الذي يوفر خدمات مهمة لإدارة المياه للمجتمعات المحلية والمزارعين والصيادين والرعاة , وبهذا الصدد توضح كلاريس كوليبالي قائدة فريق البيئة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بوركينا فاسو أن “استعادة الأراضي والتي يتم تحديدها من خلال المشاركة المجتمعية القوية وتنفيذها من خلال أنشطة النقد مقابل العمل لها فوائد بيئية واجتماعية وسلامية لسكان القري وتقول : “سيتم تقسيم المجتمعات إلى مجموعات مع مناطق تدخل مختلفة وتقاسم الإنتاج والإيرادات بين مجموعات مختلفة وستعمل الأعمال المنفذة على زيادة الغلة وخدمات النظام البيئي في حوض ناكامبي مع تعزيز التماسك الاجتماعي في القرية بالإضافة إلى ذلك من خلال توفير فرص عمل للشباب الذين سيكونون أقل عرضة للعمل في مناجم الذهب أو الالتحاق بالتمرد المسلح .

الأمن المناخي في مالي

إن تحسين إدارة الموارد الطبيعية وحده لن يكون الحل الوحيد لبناء السلام في منطقة الساحل ولذا يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جنبا إلى جنب مع أصحاب المصلحة الآخرين على تحقيق الاستقرارفي المنطقة ويشمل ذلك برمجة أكثر شمولاً كما هو الحال في منطقة موبتي في مالي حيث تمت الموافقة مؤخرًا على مشروع ممول من مرفق البيئة العالمية لاستعادة النظم البيئية من أجل بناء السلام وسيكون جزءًا من برنامج أكبر للأمن المناخي بتمويل من حكومة الدنمارك , وسيظل عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الحكومات والشركاء المحليين ومجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة مثل وكالة البلدان الأفريقية للجدار الأخضر العظيم أساسيا لتوسيع نطاق هذه الجهود وتوفير اللبنات الأساسية للاستدامة وتحقيق مستقبل طويل الأجل من أجل رؤية للسلام في منطقة الساحل وأفريقيا وخارجها .

بناء السلام في منطقة الساحل من خلال “الجدار الأخضر العظيم”:

أورد موقع Relief Web التابع لـبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP في 26 مايو2022أن المبادرات التي يدعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تربط بين حماية البيئة والإدماج الاجتماعي والفرص الاقتصادية وبناء السلام في منطقة مزقها التصحر وتغير المناخ فعندما بدأ إنشاء الجدار الأخضر العظيم في عام 2007 كان يُنظر إليه على أنه مبادرة لزراعة الأشجار لاستعادة المناظر الطبيعية المتدهورة في أفريقيا وتحويل حياة الملايين في منطقة الساحل واستهدفت الحملة في البداية 11 دولة في منطقة الساحل وقد تم تصميمها لوقف تقدم الصحراء الكبرى التي نمت بنسبة 10 % منذ عام 1920 وكان الهدف هو زراعة مليارات الأشجار على مسافة 8000 كيلومتر والتي من شأنها أن تصبح رمزا حيا لالتزام أفريقيا بمعالجة أزمة المناخ والدخول في عصر جديد من الاستدامة والنمو الاقتصادي , ومع تسليط الضوء على إلحاح أزمة المناخ تطورت المبادرة بشكل كبير في العقد الماضي فنهم يزرعون الأشجار لكنهم أدركوا أيضًا أن غرس الأشجار وحده لا يكفي فتعترف المبادرة بشكل كامل بأهمية إدارة الموارد الطبيعية كأداة رئيسية لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة وينعكس هذا من خلال أولوياتها المتمثلة في “تنمية سبب للبقاء للمساعدة في كسر دائرة الهجرة” و”تنمية رمز للسلام في البلدان التي يستمر فيها الصراع في نزوح المجتمعات” ففي السنوات الأخيرة حظيت هذه المبادرة باهتمام متزايد من المجتمع الدولي والجهات المانحة ومنظومة الأمم المتحدة مع فهم واضح بأن استعادة النظم الإيكولوجية وتحسين إدارة الموارد الطبيعية سيكون لهما فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى على المستويين المحلي والعالمي وفي المقابل، ستكون هذه الفوائد بمثابة محفزات لعمليات بناء السلام والتنمية المستدامة التي تقع في قلب مجموعة كبيرة من المبادرات وأولويات الجهات المانحة في جميع أنحاء أفريقيا ومنطقة الساحل على وجه الخصوص .

هل هذا المشروع البيئي له طابع عسكري مُحتمل ؟

يتطلع الأوربيين إلي تنفيذ عدة مشروعات تتعلق بإستغلال موارد الطاقة بمنطقتي الساحل والصحراء , لكن حتي هذه الآونة يواجه الأوربيين عقبة رئيسيىة في سبيل تحقيقهم لذلك , هذه العقبة هي المقاومة المُسلحة أو ما يسمونه هم بالإرهاب المُتصاعد في هاتين المنطقتين والذي تعمل فرنسا بمساندة أوروبية لمواجهته وفي سبيل ذلك جردت العسكرية الفرنسية حملتين أو عمليتين عسكريتين   مُتتاليتين الأولي عملية Serval التي تم إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي برقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 لإرسالها لشمال مالي و الثانية Barakhane (لم يصدر قرار من مجلس الأمن يُرخص لها الإنتشار ربما إعتماداً علي القرار السابق برقم2085) بل وأستطاعت الدبلوماسية الفرنسية إقامة جبهة ساترة لهاتين العمليتين الوحشيتين أخذت مُسمي  G 5 SAHELأو قوة الساحل الخماسية مكونة من كتائب مُنتخبة من القوات المسلحة لخمس دول من دول الساحل هي موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو , وتم أيضاً إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تخحت رقم 2359 بتاريخ 21 يونيو 2017 لتشرها في هذه المناطق “لمحاربة الإرهاب” , وفي الحقيقة فإن الإرهاب الذي يُروج له الفرنسيون ومعهم الأوربيون والأمريكيون ليس إلا أسماً زائفاً لحقيقة المقاومة المُسلحة الرافضة للوجود والسيطرة العسكرية الفرنسية والغربية عموماً لمنطقتي الساحل والصحراء واللتان تمثلان مجالاً مُتسعاً للصراع الدولي علي الموارد الأولية عموماً ومنها موارد الطاقة ففي مؤتمر عن أفريقيا عقدته فرنسا علي هامش مؤتمر باريس حول التغير المناخي في الأول من ديسمبر 2015 أعلن الرئيس الفرنسيFrancois Hollande أن بلاده تخطط لإنفاق مليارات اليورو في الطاقة المتجددة ومشاريع بيئية أخرى في مستعمراتها السابقة في غرب إفريقيا وفي جميع أنحاء إفريقيا على مدى السنوات الخمس المقبلة مُوضحاً قوله : أن حكومته ستضاعف استثماراتها في توليد الطاقة المتجددة ، بدءًا من مزارع الرياح إلى الطاقة الشمسية ومشاريع الطاقة الكهرومائية عبر القارة لتبلغ ملياري يورو بين عامي 2016 و 2020 , كما ستضاعف ثلاث مرات مساهمتها في معركة إفريقيا ضد التصحر وتحديات تغير المناخ الأخرى لتصل إلى مليار يورو سنويًا بحلول عام 2020, وبالطبع لم يُستدل حتي الآن ما إذا كانت فرنسا قد أوفت بما قاله الرئيس الفرنسي السابق Hollande   ,وعلي أية حال فمن بين أهم مشروعات إستغلال الموارد الطاقوية في منطقتي الساحل والصحراء مشروعان رئيسيان كما أسلفت وهما  :

الأول / مشروع DESERTEC والـــثاني / مشروع خط الغاز العابر للصحراءTRANS-SAHARAN GAZ PIPE LINE  أو TSGP .

الجدار الأخضر العظيم مشروع بيئي يحقق هدف أمني / عسكري

مازالت هناك صعوبة إلي حد ما في تقبل فكرة أن مشروع الجدار الأخضر العظيم هدفه النهائي مواجهة الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي بوقف زحف الصحراء ومقاومة الجفاف فقط وحصراً , فهذا المشروع لا يمكن منطقياً أن يحظي بالتمويل والترويج الإعلامي له من الممولين الغربيين دولاً وبنوك إلا إذا كان يلتقي مع مصالح إستراتيجية لهؤلاء الممولون وذلك لعدة أسباب أهمها في تقديري :

(1) لم نسمع عن إقامة جدار أخضر عظيم مماثل بتخوم صحاري مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء الغربية مع المناطق الزراعية بوادي النيل وجبال ووديان مناطق أطلس والقبائل بالرغم من أن السودان إختفت الأشجار في مساحة تبلغ 956,000 هكتار سنوياً وهي أكبر مساحة إختفاء إن قيست بالدول التي سيُقام فيها الجدار الأخضر العظيم , الذي لم يعباً بإقامته قي صحاري السودان ومصر ودول الشمال الأفريقي وهم من يروجون ويمولون إقامة الجدارالأخضر العظيم في موقعه جنوب الصحراء الكبري الفاصلة والممتد من ساحل البحر الأحمر شرقاً عند جيبوتي وأرتريا والساحل الموريتاني علي المحيط الأطلنطي غرباً , إذن الدافع أصبح يتضح تدريجياً , فالجدار الأخضر جدار وظيفي وليس وسيلة لحماية البيئة فقط فوظيفته الفصل والحماية وهو من ثم إذن ذا وظيفة عسكرية / أمنية موازية , فالمشروعات الطاقوية والإستخراجية والصناعية في منطقتي الساحل والصحراء لأنها ستتطلب تمويلاً كثيفاً وآجالاً لتكون مشروعات ذات مردوديةRentable  مُستقبلاً لابد من حمايتها من مهددات وأخطار أي مقاومة أو تمرد مُسلح بهاتين المنطقتين والجدار الأخضر العظيم سيوفر حماية ودفاعاً من نقاط ثابيتة قد تكون مُستعمرات أو مستوطنات ثابتة علي نمط المستزطنات الصهيونية في فلسطينة المُحتلة تُقام بموافقة رؤساء نفس الدول التي تتكون منها قوة الساحل الخماسية أو G 5 Sahel التي أقامتها وجمعت تمويلها فرنسا نيابة عن هذه الدول , وبالتالي فإن هذا الجدار إن تمت إقامته بالإرادة والتمويل المُنفرد لدول الساحل والصحراء فسيكون تحت السيادة المُطلقة لدول المنطقتين  وسيكون بالفعل وحصرياً سبيلاً لمواجهة ظاهرة التغير المناخي بآثارها السلبية , وهو مالم يدركه أو علي الأقل ما لم يعترف بها قادة ومتخذي القرار بمنطقتي الساحل والصحراء إنه وسيلة للنفاذ والإستعمار الغربي الجديد للمنطقتين , ففي الإستعمار التقليدي القديم تذرع الأوروبين بنشر الحضارة ومن خلال هذا المشروع المُفاجئ يتذرعون بمواجهة ظاهرة التغير المناخي .

(2) إن المشروع يتوفر له قوة دفع تمويلية وهو يحتاج لكي يكتمل تنفيذه إلي 33 مليار دولار تم تدبير 42% منه حتي الآن وهو وضع يعني أنه قد حقق 50% أو يكاد من المُخطط له , مما يعني أنه ماض إلي هدفه النهائي , فالمشروع جارتنفيذه بصفة أولية ورئيسية بتمويل دولي وهو التمويل الذي حُرمت منه مصر والسودان عندما قررتا شق قناة جونجلي في جنوب السودان فمجرد ضخ التمويل الدولي للمشروع يعني أن للأوربيين مصلحة تتجاوز ذلك خاصة وأن الآثار والتداعيات  الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي في أفريقيا عديدة وفي مناطق تتجاوز منطقتي الساحل والصحراء ولا تلقي عناية أو تمويلاً بهذه الضخامة وهذا الكرم , فقد أعلن David Malpass رئيس البنك الدولي أمام قمة ” كوكب واحد”  للتنوع البيولوجي التي عُقدت في 11 يناير 2021 عن التزام جديد لمجموعة البنك الدولي في الأراضي الجافة في الساحل الأفريقي المتاخم للحافة الجنوبية للصحراء الكبرى بإجمالي 5 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة , وكان الالتزام الجديد للبنك الدولي جزءًا من 14 مليار دولار تعهدت بها فرنسا ومانحون آخرون لمبادرة الجدار الأخضر العظيم في قمة “كوكب واحد” , كما تعهد بنك التنمية الأفريقي(AfDB) بتقديم مبلغ 6.5 مليار دولار على مدى 5 سنوات لتمويل مبادرة الجدار الأخضر العظيم ,  ووفقًا لبنك التنمية الأفريقي سيتم استخدام هذا التمويل لتنفيذ سلسلة من البرامج لدعم المشروع بالاعتماد على مصادر التمويل الداخلية والخارجية  بما في ذلك صندوق الطاقة المستدامة لأفريقيا (SEFA) وصندوق المناخ الأخضر (GCF) ومرفق البيئة العالمية (GEF)   .

ومع ذلك فهناك ثمة ملاحظات علي هذا المشروع من بعض المُتخصصين مثل Ian Scoones من معهد دراسات التنمية ومقره المملكة المتحدة و Camilla Toulmin من المعهد الدولي للبيئة والتنمية فقد أشارا إلي أنه بالرغم من أن المبادرة ضخمة من حيث الحجم إذ أن المشروع يمتد عبر 8000 كيلومتر و 100 مليون هكتار في الصحاري وبالرغم من المعني الرمزي للجداركونه يعكس التدهور البيئي  ويقمع التمرد والصراع ويوقف تدفق المهاجرين  , إلا أنه يجب التنويه بأن النظريات العلمية المتعلقة بتوسع الصحراء جنوبًا والتي ظهرت لأول مرة خلال الحقبة الاستعمارية الأوروبية ثبت فيما بعد أنها خاطئة فقد أظهرت الأدلة أن منطقة الساحل تتحدى مثل هذه التفسيرات المبسطة إذ أن تدهور الأراضي الجافة ينشأ كنتيجة لتفاعل معقد للعمليات ولا يتوسع في اتجاه واحد , كما تظهر صور الأقمار الصناعية والأدلة الأثرية من مناطق الأراضي الجافة فترات رطبة وجافة مع دورات تخضير وتجفيف في الغطاء النباتي تحدث على مراحل بمرور الوقت وبشكل  شديدة التباين حيث تكون محاولات الاستقرار والسيطرة عقيمة  , والأهم في هذا التحليل إشارته إلي أن أي من مشاريع البنك الدولي لم يُقدرتأثير تغيير أنماط هطول الأمطار على تأثيرات التخضير , كذلك فقد خلصت مجموعة التقييم المُستقلة للبنك الدولي (IEG) إلي أن المخاطر المحتملة لمبادرة الجدار الأخضر العظيم بما في ذلك الخطر المتمثل في أن التثبيت مع التزامات التمويل الكبيرة وأهداف غرس الأشجار قد يؤدي إلى تجاوز الممارسات المحلية المتوازنة بدقة لاستخدام الأراضي في منطقة الساحل التي يقوم بها المزارعون والرعاة واخرين , ومع ذلك لا تزال هناك أسئلة مهمة حول الأساس المنطقي للتنمية الأساسية للمبادرة والتي ترددت في النتائج التي توصلت إليها مجموعة التقييم المستقلة للبنك (IEG) في تقييماتها لاستثمارات البنك الحالية في منطقة الساحل  .

(3) إن تطلع الإتحاد الأوروبي للوصول إلي موارد الطاقة علي إختلافها بالصحراء الكبري والساحل تحقيقاً لأمن الطاقة في نطاقهما وخفضاً لإعتماديته علي روسيا كما أكدت ذلك الحرب الروسية / الأوكرانية , تلزمه بالسعي لتحقيق أقصي درجات الأمن من أجل الإستخدام المنتظم علي هذه الموارد من منطقتي الساحل والصحراء وتحقيق مشروع الجدار الأخضر العظيم أحد وسائل تحقيق هذا الأمن وإلا فما هو مبرر العمليتين العسكريتين الفرنسيتين المُتتاليتين Serval وBarkhane في شمالي مالي والنيجر (حيث تستغل فرنسل لما يزيد عن 45 عاماً متصلة يورانيوم النيجر بسعر بخس وتستغل بعض شركاتها وشركات كندية وأسترالية ذهب مالي ؟) هذا بالإضافة لتشكيل تنظيم عسكري مُساند للعسكرية الفرنسية تحت اسم قوة الساحل الخماسية أو G 5 Sahel بالتوازي مع القوة المُشتركة مُتعددة الجنسيات العاملة في منطقة بحيرة تشاد Multi National Joint Task Force هذا بالإضافة إلي قوة الأمم المتحدة متعددة الجنسيات للإستقرارالمتكامل في مالي MINUSMA , ويُضاف إلي كل هذا التواجد العسكري الأمريكي مُمثلاً في قيادتها العسكرية لأفريقيا مباشرة ومن خلال ما يُسمي بـ Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership , هذه الدرجة العالية من العسكرة في هاتين المنطقتين لا شك في أنها تؤكد أن الهدف النهائي لمشروع الجدار الأخضر العظيم أو GGW هو تأمين المصالح الإقتصادية للقوي الغربية وفي مقدمتها الإتحاد الأوروبي (استثمرت المفوضية الأوروبية بالفعل أكثر من 7 ملايين يورو أي 7.5 مليون دولارفي هذا المشروع) وهناك من المسئوليين الأوروبيين من يري أن هناك علاقة مباشرة بين أوروبا ومنطقتي الساحل والصحراء بإعتبارهما إمتداد لمفهوم العلاقة المتوسطية  أي أن منطقتي الساحل والصحراء إمتداد لمفهوم ” جنوب البحر المتوسط ” , وكان أول من طرح هذا المفهوم هو المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط Maurizio Massari في 9 أبريل 2012 أثناء زيارته للأمارات العربية المتحدة , ولم يتكرر هذا الإصطلاح بعد ذلك علي لسان أي من المسئولين من الإتحاد الأوروبي ربما لأسباب تتعلق بأمن التخطيط السياسي الأوروبي أو بالخشية مما قد يسببه طرح مثل هذا المفهوم من تعقيدات مختلفة داخل الإتحاد الأوروبي بعد أن تسبب قيام الإتحاد من أجل المتوسط أو UNION POUR LA MEDITERRANEE في خلاف ألماني/ فرنسي .

إن إقامة مايُسمي بالشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء عام 2005 المعـروفة إختصاراًبـ TSCTP أو الـ The Trans-Sahara Counterterrorism Partnership وهي كما تقول المصادر الرسمية الأمريكية في التعريف بها أنها كيان متعدد الوكالات يعمل لعدة سنوات Multiyear و  Multiagencyلدعم العمل الدبلوماسي والتنمية والأنشطة العسكرية لكبح إنتشار الفكر المتطرف في تسع دول وكما هو واضح فهو تعريف مرن وبالرغم مما وصفت به هذه الخطوة من قبل البعض بالضعف إلا أن الشراكة المُضادة للإرهاب عبر الصحراء أو الـ TSCTP واصلت وللآن العمل في نطاق الصحراء الكبري ونظمت بعض ندوات النقاش في النيجر وغيرها , وقد تلي هذه الخطوة عمل أكبر يعتبر علامة علي شمولية التخطيط الإستراتيجي الأمريكي ألا وهو إقامة القيادة العسكرية لأفريقيا AFRICOM وهي في تقديري من أخطر القرارات والتطورات في الإستراتيجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وقد أعلنت الولايات المتحدة عنها في  7/2/2007 .

ويسوق تناول الجانب العسكري / الأمني المُحتمل للجدارالأخضر العظيم مقارنته بالحائط الذي أقامته إدارة الرئيس الأمريكي السابق Donald Trump إلي الإشارة إلي مقال قصيرنشرته صحيفة Vail Daily في 14 مارس 2018 من واقع مقال نشرته وكالة Associated Press عن “The Wall” أو “الحائط) أشارت فيه إلي : ” أن حائط الرئيس Trump الذي سيفصل حدود الولايات المتحدة عن المكسيك يعتقد البعض أنه ضروري لحماية حدودنا الجنوبية من المكسيك وهو الحائط الذي بلغت تتراوح تقديرات بناءه  من 18 مليار إلى 70 ملياردولار ” , أما في أفريقيا فهم يبنون نوعاً آخر من الجدران تتعاون فيه عشرون دولة أفريقية وهو عبارة عن  جدار أخضر – جدار من الأشجار يبلغ طوله 7775 كيلومترًا وعرضه 15كم يمتد عبر القارة بأكمله والغرض منه منع الصحراء من الاستمرار في الزحف جنوبا لمنطقة الساحل التي تعتبر موطن الملايين من الناس ، الواقعة علي الخطوط الأمامية بجبهة مواجهة ظاهرة التغير المناخي الذي تسبب في الجفاف المستمرالذي أدي لحدوث التصحر وما ترتب على ذلك من اضطرابات للمجتمعات المحلية , ويؤمل في أن تجني الدول التي يمر عبرها هذا الجدار بعض الفوائد من أهمها : (1) أن زراعة الأشجار من أكثر الطرق فعالية لعزل أو “خفض” مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي (2) بالرغم من أن الحد من الانبعاثات أمر ضروري إلا أن مشاريع إعادة التحريج تسمح للأشجار بالقيام بتقليل المستويات الحالية من ثاني أكسيد الكربون (3) سيدعم المشروع المجتمعات المحلية من خلال توفير وظائف خضراء ذات دخل حقيقي زيادة الأمن الاقتصادي(4)زيادة الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية وانخفاض الصراع المحتمل على الموارد الشحيحة لدى السكان أسباب أكثر للبقاء في وطنهم بدلاً من الهجرة إلى بلدان أخرى(5) بناء الجدارالأخضر في جميع أنحاء القارة الأفريقية يوفر رمزا للسلام والأمل لكل من المنطقة والعالم (6)  تستعيد الأشجار صحة التربة مما يسمح بتدفق المغذيات والمياه داخل التربة .

(4) إن المشروع يحقق الأمن والإستقرار الديموجرافي علي مستوي الإتحاد الأوروبي فبحلول عام 2020 من المتوقع أن يهاجر حوالي 60 مليون شخص من إفريقيا جنوب الصحراء إلى شمال إفريقيا أو أوروبا بسبب التصحر وعدم الإستقرار السياسي والإحتراب الأهلي وسيزداد هذا العدد خلال العقود اللاحقة , لذلك يطرح مؤيدو مشروع الجدار الأخضر العظيم الآن قضية أن الجدار يعتبر جزءاً أساسياً من استراتيجية أوسع لوقف موجة المهاجرين الأفارقة القادمين إلى شواطئ أوروبا – الذين يموت الكثير منهم على طول الطريق .

(5) يأتي هذا المشروع وإن لم يُعلن عن ذلك تنفيذاً لخطة عمل لاجوس , فقد فطن الزعماء والمسئولين المعنيين الأفارقة للأزمة الغذائية سواء أسبابها أو وسائل مواجهتها , وكان ذلك في أبريل 1980 عندما وضعوا في إطار منظمة الوحدة الأفريقية ما سُمي بخطة عمل LAGOS التي ببساطة تعد إطاراً لعمل مُركز وأكثر فاعلية لمواجهة الأزمة الغذائية بأفريقيا وتقوية أمنها الغذائي خاصة ما ورد في الفقرة 48 من هذه الخطة والذي يعني بتحديد ثابت لأهداف وطنية بصفة سنوية لإنتاج السلع والمواد الإعاشية ووضع نظام رقابي قابل للإستمرار علي مستويا الدولة والإقليم (مجلةAFRIQUE AGRICULTURE عدد 107 يوليو 1984) , وفي إطار خطة عمل لاجوس أيضاً عقد الأفارقة مؤتمرات وندوات نقاشية وورش عمل للتباحث في وسائل التصدي للأزمة الغذائية وكان من المؤتمرات المبكرة في هذا الشأن المؤتمر الـ 13 الذي عُقد بين منظمة الأغذية والزراعة FAO وأفريقيا في هراري في الفترة من 10 إلي 20 يوليو 1984(اللجنة الفنية) ومن 23 إلي 25 يوليو 1984(وزراء الزراعة) وكان موضوعه الغذاء والزراعة , وأتُفق علي أن يقدم هذا المؤتمر توصياته لمؤتمر الـ FAO عام 1985 , وبعد هذا المؤتمر شرعت منظمة الأغذية والزراعة في إعداد دراسة مُعمقة عن سياسىة التسعير الزراعي من شأنها تحفيز الإنتاج الزراعي بالقارة لتقدمها لمؤتمر الـ FAO عام 1985, بل إن فرنسا المُتهمة دائما بإنتهاج سبيل يحقق أهدافها نفسها التي كانت تحققها من خلال   مستعمراتها السابقة بأفريقيا كانت تتابع منذ أن أنهت إستعمارها في الستينات وحتي الثمانينات من القرن الماضي  العمل لمكافحة التصحر خاصة في غربي أفريقيا , ورصدت الحكومة الفرنسية عام 1983 مبلغ 1,4 مليار فرنك فرنسي للبحث العلمي للزراعة علي أن يكون نصف هذا المبلغ لغربي أفريقيا وربعه للمنطقة السودانية / الساحلية , بل لقد وصل الإهتمام المبكر بخطورة الأزمة الغذائية بأن أشار السيد EDOUARD SAOUMA المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة FAO في كلمته أمام المؤتمر الـ 22 للمنظمة في 7 نوفمبر 1983 في روما بأن الهدف الأولي للمؤتمر هو الأمن الغذائي منوهاً بأن الموقف الغذائي بالعالم يدعو جداً للقلق *( العدد 101 الصادر في أول يناير 1984 لمجلة AFRIQUE AGRICULTURE) .

أين الصحراء المصرية من مشروع الجدار الأخضر العظيم ؟

يذهب رأي إلي القول بأنه من المُثير للتساؤل أن مصروالسودان لم تشملهما مبادرة الجدار الأخضر العظيم بالرغم من أنهما جغرافياً بهما جزء من الصحراء الكبري وبالرغم من أن 80% وأكثر من اراضيهما صحاري , كما أن مصر والسودان كدول حوضي نهر النيجر وبحيرة تشاد (العذبة) يعانيان آثارظاهرتي التصحر والهدام ENSABLEMENT التي تهدد مجري النيل فيضيق في الجزء من مجراه في جنوبي مصر(العوينات) وشمال السودان (الولاية الشمالية) وبالتالي فمصروالسودان هناك مُبرر قوي لأن تشملهما هذه المبادرة في هذين الموضعين بالإضافة إلي غرب مصر والسودان بهما 50% تقريباً من مساحة خزان الحجر الرمل النوبي وبه مخزون ضخم (حوالي 100 مليار متر مكعب من المياه غير المُتجددة) من المياه الجوفية بهذه المنطقة مما يوفرمُبرر وإمكانية إمتداد الجدار الأخضر العظيم إليهما , ومع ذلك فمصر حالياً تقوم بجهد في ذلك المجال , إذ أن مصر تمكنت من زراعة غابة ضخمة علي مساحة 200 هكتار باستخدام مياه الصرف الصحي في وسط صحراءها القاحلة وماضية في زراعة الأشجار في محاولة لمكافحة تغير المناخ .

والسؤال / لماذا لا تتحرك مصر والسودان بفاعلية بإتجاه الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي (AfDB) لكي يشملهما في برنامج مماثل كمشروع الجدار الأخضر العظيم خاصة وأن الأمم المتحدة في تقاريرها ذات الصلة المباشرة بقضية التغير المناخي وإتفاقية باريس بشأنها تُشير إلي إن هناك حوالي ملياري هكتار من الأراضي المتدهورة في جميع أنحاء العالم لديها إمكانية استعادة النظام البيئي ؟ ومما يُعزز ذلك هذا أن هناك جهود تُبذل حالياً لتطبيق مبادرة الجدار الأخضر العظيم (GGWI) في الجنوب الأفريقي , فقد صرح Sibongile Mabivela كبير المسؤولين في برنامج البيئة وتغير المناخ الأول في أمانة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (Sadc) أنه تم اتخاذ بعض الخطوات بعد الاجتماع الأخير في عام 2017 بشأن جدوى توسيع المبادرة لتشمل هذه المنطقة , وسبق ذلك إبلاغ Pohamba Shifeta وزير البيئة الناميبي مفوض الاتحاد الأفريقي السابق للاقتصاد الريفي والزراعة السيد Tumusiime Peace بأن  ناميبيا مهتمة بلعب دوررائد في مد مبادرة الجدار الأخضر العظيم لتصل إلي الجنوب الأفريقي وأن سكرتارية الاتحاد الافريقي تعمل مع سكرتارية Sadc والحكومة الناميبية على جهود توسيع المبادرة لتشمل الجنوب الافريقي .

مشروع الجدار الأخضر العظيم يحظي  بدعم دولي لم تحظ به مشروعات أخري ؟

هناك مشروعات عديدة ومختلفة تُظهر وبوضوح المفارقة والإنتقائية التي تُميز إختيارات المموليين الدوليين الأوروبيين وغيرهم عموماً عند إتخاذهم قرار تبني وتمويل المشروعات فيما وراء حدود الإتحاد الأوروبي أو غيره من القوي الدولية المُمولة , وسأقتصر هنا في بيان ذلك علي مصر في 3 مشروعات قومية هي :

(1) مشروع إقامة مصر للسد العالي :

وهو من أوضح حالات تطبيق مبدأ الإنتقائية فيما يتعلق بتمويله من المموليين الدوليين , ففي 19 يوليو 1956 أعلنت الولايات المتحدة رسمياً عن سحبها لعرض تمويل السد العالي ومذلك فعلت بريطانيا , وقد أدت تداعيات قرار الولايات المتحدة وبريطانيا سحب تمويلهما لهذا المشروع القومي إلي تداخله مع مسائل خلافية بين مصر والغرب سبقت الإعلان عن مشروع السد العالي نفسه من أهمها الإستراتيجية الأمريكية لبناء أحلاف دفاعية لمواجهة الإتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط والتي رفضتها مصر وإستراتجية مصر إزاء إسرائيل وكذا قضية التسليح التي تعارضت مع الموقف الأمريكي / البريطاني الداعم لأمن إسرائيل والذي تعارض مع المكون التسليحي الذي طلبته مصر من الولايات المتحدة وبريطانيا وتعارض مع أمن إسرائيل الأمر الذي حدا بمصر إلي طلب تسليح من الكتلة الشيوعية فعقدت مصر ما سُمي بصفقة السلاح التشيكية فما كان من الغرب إلا أن يسحب تمويله مما أدي لسحب البنك الدولي لسحب تمويله بدعوي عدم وجود إتفاق بين دول حوض النيل في شأن مياه النيل وهو ما رددته إثيوبيا , فلم تجد مصر مفراً من إتخاذ قرار مؤثر – حتي يومنا هذا – بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 .

(2) مشروع  قناة جونجلي بجنوب السودان :

وهو مشروع مصري / سوداني نشأت فكرته عندما وقعت حكومتي مصر والسودان في 8 نوفمبر 1959 إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل , فقد تضمن هذا الإتفاق في البند “ثالثاً ” وعنوانه : ” مشروعات إستغلال المياه الضائعة في حوض النيل ” ما نصه ” تتولي جمهورية السودان بالإتفاق مع الجمهورية العربية المُتحدة (مصر) إنشاء مشروعات زيادة إيراد النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل في مُستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض ويكون صافي فائدة هذه المشروعات من نصيب الجمهوريتين بحيث تُوزع بينهما مُناصفة ويُساهم كل منهما في جملة التكاليف بهذه النسبة أيضاً …” ,  وفي الواقع فإن ما يفقده نهر النيل سنوياً في المُستنقعات ومنطقة السدود بجنوب السودان نتيجة ضعف سعة الأنهر وإنبساطها وقلة إنحدارها , لذا فقد تبلورت عدة مشاريع هدفت إلي تقليل هذا الفاقد لأقصي درجة ممُكنة بزيادة إيراد نهر النيل منها , وأتضح وفقاً لدراسات مُختلفة أن أقصي ما يمكن إسترداده من هذه الفواقد يبلغ حوالي18 مليار متر مكعب / عام وذلك علي النحو الآتي :

الــمُــوقـــع                              جُـــــمــــــلة الـــفـــاقــــد                              مـــا يُــــمكــن إســـتــرداده

بحر الجبل (علي مرحلتين)          12 مليار متر مُكعب /عام                             8 مليار متر مُكعب/عام

الـسوباط ومـشار                     19 مليار متر مُكعب/عام                              4 مليار متر مُكعب/عام

بـــــحـــر الـــغــزال                  12 مليار متر مُكعب/عام                               6 مليار متر مُكعب/ عام

الــــجــــمـــلة   :                      24 متر مُكعب/ عام                                    18 متر مُكعب/عام

تبنت الهيئة الفنية الدائمة لمياه النيل المُنبثقة عن إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959عدة مشروعات معنية بإستغلال فواقد مياه نهر النيل كان أولها مشروع تقليل الفاقد من مستنقعات بحري الجبل والزراف المعروف باسم قناة جونجلي ويبلغ متوسط الإيراد السنوي لبحر الجبل عند بلدة منجلا حوالي 30 مليار متر مُكعب/ عام بينما لا يصل من هذا الإيراد إلي النيل الأبيض عند ملكال عن طريق بحري الجبل والزراف إلا نحو 15 مليار متر مُكعب أو أقل , وهذه الفواقد تزيد بزيادة تصرف منجلا وتقل مع إنخفاض هذا التصرف مما يدل علي أن الفاقد في هذه المنطقة مرجعه عدم كفاءة مجري بحري الجبل والزراف , لذلك إتجه التفكير منذ عشرينات القرن الماضي إلي معالجة هذا الموقف حتي يمكن  تمرير جانب من هذه التصرفات إلي أن تصل للنيل الأبيض , فبدأ دراسة هذا المشروع عام 1921, وفي مايو 1947 رُفعت مُذكرة للحكومتين تضمنت الخطوط العريضة لتنفيذ هذا المشروع تضمنت فيما تضمنته : (1) إستخدام البحيرات الإستوائية (فيكتوريا – كيوجا- ألبرت) للتخزين المُستمر واسع المدي لمُعادلة التصرفات الخارجة منها (2) تحسين كفاءة بحر الجبل شمال منجلا وكذلك بحر الزراف ليمكنها مواجهة التصرف في حدود 75 مليون متر مُكعب/ يوم محسوبة عند منجلا بما في ذلك إستكمال دراسة خور العلياب وتحسين كفاءته بإعتباره يحمل جزءاً هاماً من تصرف بحر الجبل (3)إنشاء قناة جديدة تبدأ من جونجلي عند نهر أثيم بمنطقة الدينكا بالقرب من بور عاصمة ولاية جونقلي إلي النيل الأبيض لتحمل تصرفاً في حدود 43 مليون متر مُكعب/ يوم , علي أن يُنفذ شق هذه القناة أو المشروع علي مرحلتين الأولي مرحلة لا تتوقف علي التخزين في البحيرات الإستوائية , وقد قُدرمتوسط الفائدة المائية لهذا المشروع عند أسوان جراء تنفيذ مرحلته الأولي من واقع الدراسات حوالي 3,8 مليار متر مُكعب/ عام , علي أن يتم إقتسام هذه الكمية بين مصر والسودان (قبل إنفصال جنوب السودان في 9 يوليو 2011) وذلك طبقاً لنصوص الإنتفاع الكامل بمياه النيل  , وقد بدأ العمل في مشروع قناة جونجلي المائي بولاية أعالي النيل عام 1980 ( هناك من يشير إلي أن الحفر بدأ جدياً عام 1978) بهدف تغيير مجري النيل الأبيض في المنطقة المليئة بالمُستنقعات والمعروفة باسم منطقة السد Sudd , ويبلغ طوله هذه القناة 360 كم وتم حفر 260 كم قبل توقف العمل بها بعد تدمير التمرد للحفار تبلغ تقديرات الفائدة المائية منه بعد تنفيذ مرحلتيه عند أسوان حوالي 7 مليار متر مُكعب / عام تُقسم مُناصفة بين مصر والسودان .

إن مشروع جونجلي الذي تم حفر 260 كم منه حتي توقفه عام 1984 وتبقي نحو 100 كم متر منه لا يمكن تصور أنه مازال كما هو بمعني أن الأمطار الكثيفة بجنوب السودان لابد وأنها طمرت مسافة كبيرة من هذه القناة , ومع ذلك تظل مشكلة التمويل لإستئناف الحفر (وهو أمر مُستبعد) قائمة .

لم يحظ مشروع قناة جونجلي بالرغم من أهميته القصوي لمصر والسودان (وحتي جنوب السودان )بتمويل أو روبي أو دولي , ذلك أن لمصر تجربة مؤلمة مع السوق الأوروبية في جلب تمويل لحفر قناة جونجلي بمنطقة السدود بجنوب السودان , فبالرغم من   السوق الأوروبية (قبل مرحلة الإتحاد الأوروبي)  وافقت مبدئياً وقتذاك علي تخصيص 45 مليون وحدة نقد أوروبية لمصر و15 مليون وحدة نقد أوروبية للسودان أما مبلغ التمويل الباقي وهو 30 وحدة فيتم تدبيره من أحد مصادر التمويل الدولية  , ثم وفي سبتمبر 1983 وافقت السوق الأوروبية علي تخصيص 100 ألف دولار لتمويل إجراء تعديلات في إجراءات التعاقد لتتلائم مع قوانين ونظم السوق الأوروبية , ثم وفي مرحلة تالية قالت مصادر بالسوق الأوروبية أن السوق الأوروبية لن يوافق بصفة نهائية علي التمويل إلا بعد تدبير باقي المبلغ , وفي نهاية هذه المماطلات إلتقي وزير الري المصري بممثل السوق الأوروبية بالقاهرة في 2 سبتمبر 1984 وتحدثا في موضوع تأخر السوق الأوروبية في تمويل مشروع جونجلي وقال الأخير أن ممثل السوق الأوربية بالخرطوم أشار إلي أن الموقف الأمني في الجنوب سيئ وأنهم يطلبون مذكرة رسمية من السودان بشأن هذا الموقف ولذلك فهم ينتظرون تحسن الموقف الأمني هناك لبدء المفاوضات بشأن التعاقد  , وكان هذا اللقاء علي خلفية الهجوم الذي شنته عناصر تمرد جنوب السودان في فبراير 1984 علي معسكر الشركة الفرنسية التي تولت عمليات حفر القناة وأختطافهم لمجموعة من الرهائن وتدمير الحفار مما أدي إلي توقف العمل , وقامت مصر والسودان بتسديد تعويض شهري لهذه الشركة نظير مصورفاتها الجارية وإستهلاك المعدات, وتوقف بعد ذلك الحديث عن تمويل السوق الأوروبية للمشروع  .

(3) المشروع القومي لتنمية سيناء ومشروع توشكي :

سبقت الإشارة إلي أن مشروع توشكي توفر له مصدران رئيسيان للتمويل فقط وبصفة حصرية هما (1) دولة الإمارات العربية المتحدة (صندوق أبو ظبي ومنحة رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان و(2) الموازنة العامة للدولة المصرية , واكد ذلك تصريح أدلي به د. عثمان محمد عثمان وزير التخطيط في أكتوبر 2002 لم يُشر فيه إلي أي تمويل دولي ولا من البنك الدولي بل أشار أشار إلي أن الخطة الخمسية المصرية الحالية تضمنت إستثمارات قدرها 2,405 مليار جنيه لمشروع توشكي منها 2 مليار جنيه توجه لترعة الشيخ زايد و401 مليون جنيه توجه لمحطة الرفع وأنه تم إعتماد 843,6 مليون جنيه هذا العام 2002/2003 منها 241,6 مليون جنيه لمحطة الرفع و602 مليون جنيه لترعة الشيخ زايد وأن المُنفذ من تلك الإستثمارات خلال الربع الأول من العام بلغ 171 مليون جنيه منها 96 مليون جنيه للترعة و75 مليون جنيه للمحطة , وأضاف أن المستهدف خلال الخطة الخمسية الحالية 2002/ 2007 الإنتهاء من جميع أعمال ترعة الشيخ زايد وفروعها والأعمال الصناعية عليها وكذا إنشاء محطة الرفع الرئيسية ومحطة محولات الإصلاح توشكي/2بجهد 220/66/22 كيلوفولت لتشغيل عدد 18 وحدة طلمبات بالكامل لخدمة الزمام المقرر علي الترعة وقدره 540 ألف فدان , كما أنه من المقرر الإنتهاء خلال عامي 2002/2003 من أعمال الحفر والتبطين بالترعة والفرعين (1) و (2) وتشغيل وحدتين من وحدات طلمبات المحطة لخدمة 61 ألف فدان في أكتوبر الحالي , ثم أشار إلي أنه من المنتظر إنتهاء أعمال دليل فرعي (3) و(4) في نهاية 2004 وأنه تمت زيادة الإستثمارات اللازمة من 5,780 مليار جنيه التكلفة المبدأية إلي 6,534 مليار جنيه للمشروع الذي يشمل إنشاء محطة رفع رئيسية تتكون من 21 وحدة طلمبات بالبر الأيسر لبحيرة ناصر لتغذي ترعة رئيسية طولها 508 كم , وهذه الترعة تتغذي أربعة فروع لنقل 5 مليارات متر مكعب من بحيرة ناصر سنوياً لإستصلاح وإستزراع 540 ألف فدان كمرحلة أولي تزيد إلي نحو مليون فدان وتصل تكلفة الفدان إلي ما يزيد عن عشرة الآف جنيه , وأوضح أن الدراسات التي أُجريت للمشروع تشير إلي أن معدل العائد الداخلي علي رأس المال المُستثمر في المشروع يتراوح ما بين 9 و 6 و15% , وأكد الوزير في نهاية تصريحه أن الإنفاق علي المشروع يتم من خلال الموازنة العامة للدولة ما عدا المنحة المُقدمة من صندوق أبو ظبي وقدرها 100 مليون دولار توجه للأعمال الخاصة وتقوم بتنفيذه أحدي الشركات الإماراتية *(الأهرام 10 أكتوبر 2002) , وهو ما قد يؤكد أن البنك الدولي إما أنه رفض تمويل المشروع أو أنه لم يُعرض عليه , كما أنه بالرغم من أن وزير التخطيط أشار إلي توافر التمويل في موازنة2002/2003 إلا أن وزير المالية مدحت حسانين  كان قد صرح في أبريل من نفس العام بأن أزمة السيولة في طريقها للإنفراج وأن الحالة الإقتصادية أصبحت الآن أكثر من مُطمئنة وأن التمويل لم يتوقف في أي لحظة لمشروع توشكي سواء عن طريق الخطة السنوية أو عن طريق بنك الإستثمار القومي لأنه من المشروعات المفتوحة التي لا يمكن توقفها . *(الأهرام 7 أبريل 2002)

ما تقدم يُشير إلي أن مبدأ الإنتقائية معمول به دائماً من الممولين الدوليين دولاً وهيئات ومنظمات بغض النظر عن رؤية اصحاب هذا المشروع الوطني أو ذاك بمردوديته علي الشعب , فالممول في الغالب لا يعباً بهذا المعيار حتي وإن أعلن عن ذلك , والإنتقائية مؤسسة في الغالب الأعم علي دوافع سياسية من قبل المانحين أو المموليين الدوليين تماماً , ومشروع الجدار الأخضر العظيم حالة ماثلة فالمشروع يحظي بتمويل دولي بل وتعهد دولي بالرعاية من مراكز بحثية غربية أيضاً , وربما كان مُفيداً في إطار تأكيد مبدأ الإنتقائية الذي يتحري تطبيقه الممولين الدوليين النظر إلي تطبيقه علي عدد من المشروعات الأخري مثل مشروعات المياه وإستخداماتها المختلفة ومنها مثلاً :

(1) حالة مشروع قناة البحر الميت بين الأردن والسلطة الفلسطينية (التي من غير المُتيقن تنفيذها بعد إعلان الرئيس الأمريكي Trump نقل سفارة بلاده للقدس وتهديد السلطة بالإستغناء عن الدور الأمريكي في عملية السلام الإفتراضي بين الكيان الصهيوني والسلطة) والكيان الصهيوني الذي وافق مجلس وزراءه عليه في جلسته بتاريخ 24 أغسطس 1980 , هذا المشروع نُشر في مايو عام 2006 أنه حظي بموافقة مبدأية علي تمويله من الولايات المتحدة , وهو مشروع تتراوح تكلفته ما بين 11,1 بليون دولار إلي 11,3 بليون دولار وفقاً لدراسة جدوي له قام بها البنك الدولي أشارت تحديداً إلي أن تمويله سيكون من صندوق أوصياء تأسس في ديسمبر 2006 لهذا الغرض يضم فرنسا واليونان وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وهولندا والسويد والولايات المتحدة التي ساهمت بمبلغ 16,7 مليون دولار لوضع دراسة الجدوي التي نُشرت في يوليو 2002 .

(2) حالة مشروع إنقاذ بحيرة تشاد التي تناقصت مساحتها فبعد أن كانت 25,000 كم مربع في ستينات القرن الماضي أصبحت لا تزيد حالياً  عن 2,500 كم مربع , ويرمي هذا المشروع الذي يتكلف 14 مليار دولار إلي مد بحيرة تشاد بمياه نهر OUBANGUI أحد روافد نهر الكونجو  , و تستهدف لجنة بحيرة تشاد التي تضم في عضويتها 6 دول تقودها نيجيريا تمويل هذا المشروع من الوكالات والبنوك الدولية والمانحين الدوليين مثل مؤسسة Fondations Ford و Rockefeller و Bill et Melinda Gates و Bill Clintonالأمريكية وعلي موارد مصدرها العلاقات الثنائية , وهو للأسف ما لا يُتوقع أن يلقاه مشروع قناة جونجلي – بفرض إستئنافه وهو فرض بعيد المنال – من إستجابة تمويلية لأسباب منها الخطورة المُحدقة بالمشروع والتعقيدات السياسية وإفتقاد الأطر القانونية السابق بيانها .

نــــتـــيـــجــــة :

مما لاشك فيه أن مشروع إقامة الجدار الأخضر العظيم أوGGW مشروع ستستفيد منه مباشرة علي الأقل 11 دولة أفريقية جنوب الصحراء الكبري , فهو سيعمل علي مكافحة التداعيات السلبية لظاهرة التغير المناخي التي تعاني منها هذه الدول , ومن المتوقع تحقيق هذا المشروع لأنه : (1) يحظي بتمويل دولي من دول أوروبية عدة في مقدمتهم فرنسا و(2) سيحقق المصالح الأوروبية وفي صدارتها إستغلال موارد الطاقة المتوفرة بمنطقتي الساحل والصحراء خاصة اليورانيوم وآشعة الشمس والبترول (3) سيعمل أو يساعد علي الوقف النسبي لموجات هجرة الأفارقة لدول أفريقية أخري و / أو أوروبا , ولذلك فالجدار الأخضر العظيم وإن كان يُروج له بإعتباره مشروع بيئي في إطار معركة الكفاح ضد ظاهرة التغير المناخي إلا أنه جدار جمائي للمصالح الأوروبية في منطقتي الساحل والصحراء الكبري سيُستخدم لإقامة نقاط سيطرة وتحكم عسكرية ثابتة مُوزعة علي طول إمتداد الذي يتراوح ما بين 4,500كم إلي 8000كم بعمق يبلغ  15 كم لتأمين هذه المصالح الإقتصادية بصفوة مُنتظمة وبتكلفة ودرجات خطر أقل , وبالتالي فهذا الجدار الأخضر العظيم يُقام من أجل الدول الأحدي عشر المُستفيدة منه وكذلك لتأمين مصالح الإتحاد الأوروبي .

دعم اوروبا لهذا المشروع يؤكد مرة أخري وليست أخيرة تحري الدول الأوربية ومؤسسات التمويل الدولية (البنك الدولي وغيره)  لمبدأ الإنتقائية في إتخاذ قرارات التمويل للمشروعات الكبري بالعالم الثالث , ومع ذلك فإن علي مصر والسودان ودول الشمال الأفريقي العربية الإتحاد معاً – في وقت مناسب مُستقبلاً – لإقامة جدار أخضر عظيم شمال الصحراء الكبري مقابل الجدار الأخضر العظيم الذي يجري تنفيذه جنوب الصحراء الكبري وهو ما تحاول دول تجمع SADC فعله لمكافحة التصحر والجفاف خاصة في صحاري Namib الساحلية ومساحتها 81,00 كم مربع وفي Kalahari Desert بالجنوب الأفريقي التي تبلغ مساحتها 900,000 كم مربع .

إن السعار الذي أصاب السياسة والعسكرية الفرنسية بسبب إنقلاب النيجر في 26 يوليو 2023 دافعه الرئيسي أن النيجر هي المحطة قبل النهائية للوجود العسكري الفرنسي الثقيل في أفريقيا (تشاد هي المحطة النهائية) ومستودع اليورانيوم الذي يمون أكثر من 48 مفاعل نووي فرنسي لتوليد أكثر من 70% من الكهرباء التي تنتجها فرنسا وبالتالي فخسارة فرنسا للنيجر معناه المُباشر فقدان أكثر من 30% من قوة فرنسا الشاملة كدولة , ولذلك تحرض فرنسا دول التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا “إيكواس” في سابقة إستثنائية لإستعادة عميلهم المخلص رئيس النيجر الذي أطاح به إنقلاب 26 يوليو2023(الذي سبقه ممادو إيسوفو الرئيس السابق الأعظم في قدر عمالته لفرنسا والذي حرضها للتدخل عسكريا في مالي وأتي بهم للنيجر) وبالرغم من ذلك لزمت فرنسا السكون في حالة إنقلابات مالي المُتتالية وإنقلاب بوركينافاسو وهي الإنقلابات السابقة مباشرة علي إنقلاب النيجر , ومع ذلك وعلي كل حال فسيستمر جهد فرنسا ودول رئيسية بالإتحاد الأوروبي بعد تسوية مؤقتة ” لأزمة إنقلاب النيجر ” من أجل تنفيذ المشروع البيئي / الأمني المُسمي : ” مبادرة الجدارالأخضر الكبير للصحراء والساحل أو GGWSSI وبوتيرة أعلي رغم التباطؤ الحالي الذي من بين أسبابه إنقلابات النيجر ومالي وبوركينافاسو المُتتالية , فهذه الدول الأوروبية لا تتحرك بهذا القدر العالي من الديناميكية ولا تمول إلا بالنذر اليسير الأزمات الغذائية المُزمنة بدول الساحل عامة والنيجر خاصة , فلم إذن هذه الهمة في إنفاذ مبادرة الجدار الأخضر الكبير للصحراء والساحل  ؟ .

الـــــســــفــــيـــر بـــــلال الـــمـــصـــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي –  الــــقــــاهــــرة تــحـــريــــراً في26 أغسطس 2023

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى