الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

نحو إرساء مَنْهَجِيَّة فَعَّالة لمؤسسات مكافحة الفساد في العالم

اعداد : الكاتب الصحفي/ فوزي أمين العزي – المركز الديمقراطي العربي

 

تَوَغَلَ الفَسَادُ في سائرِ دولِ العَالَمِ، خصوصًا في الدول النَّامِيَة- التي وضعها في مصاف الدول الفاشلة-، وأفرز انْعِكَاسَاتٍ سيئة وأضرارًا بالغة، في مختلف جوانبُ الحياة الإنسانية، الثقافية أو الدينية أو السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية أو الرياضية أو العسكرية أو العلمية أو التكنولوجية، وغيرها.

فِي البِدَايَةِ أُوَدُّ أَنْ أُوَضِّحَ معنى كلمة الفَسَاد (Corruption): فهي عبارة عَنْ لَفْظٍ شَامل لكافة النواحي السلبية في الحياة، ويدخل فيها كل سلوك يتضمن الإتلاف وتدهور مبادئ الأخلاق وإلحاق الضرر بالآخرين.

كما لا يمكن هنا إغفال تعريف منظمة الأمم المتحدة للفساد بأنه (سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص)، إضافة إلى تعريف منظمة الشفافية الدولية للفساد بأنه “استغلال السلطة من أجل المكاسب والمنافع الخاصة”، أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه “إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص”.

وهنا قضية؛ قد يكون إلقاء الأضواء الكاشفة عليها من الأهمية بمكان؛ وهي أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) نفسها لا تحتوي على تعريف محدد للفساد، لكنها تألفت من خمسة أجزاء أساسية؛ وهي: الجزء الأول هو “التدابير الوقائية”، والجزء الثاني هو “التجريم وإنفاذ القانون”، والجزء الثالث هو “التعاون الدولي”، والجزء الرابع هو “استرداد الموجودات”، والجزء الخامس هو “المساعدة التقنية وتبادل المعلومات”(1).

غير أنَّ ثمةَ تنويهًا مهمًا حول أنواع الفساد؛ وهي: الإداري والمالي والأخلاقي والأمني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها.

وغنيّ عن البيان؛ أن نقول: إن إنشاء مؤسسات عامة وخاصة ومنظمات مجتمع مدني، معنية بحماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، سواء على مستوى الدولة الواحدة، أم على مستوى العالم؛ قد شكل خطوة في الاتجاه الصحيح؛ لاستئصال الفساد من جذوره، وكشف الفاسدين للرأي العام، وتقديمهم إلى القضاء، ومحاسبتهم وفق القانون.
من ناحية نظرية وواقعية؛ نقول: إن هذه المؤسسات حققت العديد من الإنجازات في مجال عملها، وأخفقت في جوانب أخرى.

مقترحات عمليِّة فعَّالة :

إن ثمة مقترحات عمليِّة فعَّالة؛ وفق رؤية علمية، ومنهجية موضوعية، مستوعبة لأبعادهما المطروحة، وقائمة على البحث والتأصيل والتدقيق؛ رأيت أن أطرحها هنا؛ لإرساء مَنْهَجِيَّة فَعَّالة لمؤسسات مكافحة الفساد؛ لتساهم في تحسين وتطوير أدائها، والوصول بها إلى الدرجة الكافية والمطلوبة في تحقيق كافة أهدافها وأنشطتها.
وفي الحقيقة؛ أنا لا أود أن اسْتَرْسِلَ في سَرْدِ تلك المقترحات؛ ولكني سأكتفي بالإشارة إلى أهمها فيما يلي:

–  استكمال جوانب القصور في البناء الهيكلي والمؤسسي لها؛ بما يمكنها من القيام بدورها على أكمل وجه.

– تأسيس وحدات أو قطاعات ضمن أطرها الإدارية وهياكلها التنظيمية، يكون عملها التواصل مع مختلف الشرائح المجتمعية، خصوصًا فئتي الطلاب والموظفين، إضافة إلى منحهم “بطاقات عضوية فخرية” فيها.

–  تشييد العديد من الفروع والمكاتب التابعة لها، موزّعة على مناطق جغرافية مختلفة، بما يتناسب مع حجم أعمالها وأنشطتها.

– رفد كافة وحداتها وقطاعاتها بكوادر وكفاءات جديدة؛ مؤهلة علميًا وأكاديميًا، من مختلف المجالات التخصصية (العلمية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الإدارية، المالية، وغيرها)؛ كي تكون قادرة على مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي في وقتنا الراهن.

–  عقد ورش عمل، وتبني فعاليات وأنشطة ودورات تدريبية وندوات ومؤتمرات، موجهة لتدريب موظفيها؛ بهدف تأهيلهم، وتقديمهم مخرجات، أكثر جودة وإتقانًا، في ميدان عملهم.

–  سرعة اتخاذ القرارات، بعيدًا عن التعقيدات الروتينية المملة، وبحيث تترجم كل الخطط والبرامج التي تتبناها إلى الواقع العملي، وحتى لا تكون حبرًا على ورق.

–  تحديد الوقت اللازم؛ لإنجاز مهامها، ضمن جدول زمني محدد؛ مما يساعدها على بلوغ أهدافها المتوخاة بأقل جهد، وأقصر وقت.

–  إعداد أدلة تعريفية، توضح البيانات والمعلومات الخاصة بها، ويفضل أن توزع مجانًا على المواطنين، خصوصًا المسؤولين والموظفين في مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، ومنظمات المجتمع المدني، وطلبة المدارس والمعاهد والجامعات.

–  تعزيز علاقات التعاون والشراكة فيما بينها، بالإضافة إلى مختلف المنظمات والمؤسسات ذات الاهتمام بجهود مكافحة الفساد.

–  توعية الناس بداء الفساد، من عدة جوانب (تعريفه، أنواعه، مؤشراته، أماكن انتشاره، أضراره الوخيمة، وسائل مكافحته، وغيرها)، إلى جانب تعريفهم بأهدافها وأنشطتها، وذلك؛ عبر التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة.

–  تشجيع الصحفيين، وتحفيزهم على إجراء تحقيقات لكشف قضايا الفساد ومرتكبيها، مع توفير الحماية اللازمة لهم، لا سيما المتخصصين منهم، في الصحافة الاستقصائية (التحقيقية)(2)؛ التي تتمكن من كشف الفساد، وتعرية الفاسدين؛ من خلال المعلومات والأدلة “الوثائق والمستندات” المؤكدة، بعيداً عن الشخصنة والتناولات السطحية، العقيمة والعديمة الفائدة.

–  ترغيب المواطنين، لا سيما الموظفين منهم، في مختلف القطاعات (العام، الخاص، المختلط)، لتقديم البلاغات والشَكَاوَى المتعلقة بقضايا الفساد إلى الجهات، ذات الصلة بمكافحة الفساد، مع تحملها مسؤولية حمايتهم من أية أضرار قد تلحق بهم، نتيجة ذلك.

–  ترسيخ مبدأ المساءلة ومحاسبة المقصرين، داخل الأجهزة الحكومية والخاصة، في مختلف دول العالم.

–  إبلاغ الجهات المختصة (الأمنية، القضائية) لضبط المتورطين في جرائم الفساد، أيًّا كان موقعهم، والتحقيق معهم، وإحالتهم الى القضاء، ليأخذوا العقاب الرادع.

–   حث الدول على تبني مفهوم “الحكومة الإلكترونية”(3)؛ لما لها من دور كبير في زيادة الشفافية والفعالية في إدارة الدولة، ومن ثم دعم جهود مكافحة الفساد.

–  إقامة مؤسسات ثقافية وفنية وأدبية؛ تسهم إسهاماً فاعلا وبارزا في مكافحة الفساد؛ من خلال ما تقوم به من فعاليات وأنشطة متنوعة (الأفلام، عالم السينما والمسرح، الشعر، الخط، المكتبات العامة، الأغاني، وغيرها).

–  معالجة كل أوجه القصور، في مختلف الجوانب (التشريعية، القانونية، الإدارية)، والتي تعيق أعمالها، وتحد من نشاطاتها.

– تشجيع الدول على تنفيذ مبدأ “من أين لك هذا؟”، في جميع مفاصلها وقطاعاتها المتنوعة.

– تضمين مفاهيم وقيم مكافحة الفساد والحكم الجيد في المناهج الدراسية، لمختلف المراحل الأساسية والثانوية والجامعية؛ لتنشئة الجيل الجديد على مفاهيم النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد.

– دعم وتحفيز الباحثين والأكاديميين والمثقفين على إعداد البحوث والدراسات العلمية الدقيقة حول الفساد؛ التي تراعي قواعد المنهج العلمي والتفكير الإبداعي ومعاييرهما؛ من أجل أن تسهم في تطوير أداء جهود مكافحة الفساد، وتعزيز التدابير اللازمة للوقاية منه، وتحديث آليات ووسائل مكافحته.

– إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد؛ بما يكفل سرعة البت فيها، وتنفيذ الأحكام النهائية، بعيداً عن التطويل الممل.

– إرساء قيم ومبادئ النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد كسلوك في أوساط المجتمعات.

– استغلال اليوم العالمي للفساد(4)؛ في إقامة أنشطة وفعاليات ثقافية مختلفة (مهرجانات، مؤتمرات وندوات، معارض، فنون تشكيلية، توزيع كتب ومطويات ونشرات وملصقات، وغيرها)، ذات الصلة بمكافحة الفساد؛ للوصول بخدماتها وأنشطتها إلى أكبر عدد من المواطنين، في كافة أرجاء العالم.

– إجراء مسابقات متنوعة للمواطنين، لا سيما طلبة المدارس والجامعات، حول مكافحة الفساد، ومبادئ الشفافة والنزاهة، وإعطاء جوائز تشجيعية للفائزين منهم.

–  بناء جامعات ومعاهد ومراكز بحوث متخصصة في مجال مكافحة الفساد.

تنويه مهم:

أحب أن أنوه إلى أمر مهم جدًا؛ وهو أن هذه المقترحات موجهة إلى كل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، سواء على مستوى الدولة الواحدة، أم على مستوى العالم.

ختامًا :

تجدر الاشارة هنا إلى أن ما ورد من مقترحات سابقة لمؤسسات مكافحة الفساد؛ لا نقصد منها الانتقاص من أدائها، أو اثبات أن هناك قصورًا واضحًا في عملها؛ وإنما نقصد إعانتها على إيجاد استراتيجية واضحة المعالم والأهداف؛ لاستشراف آفاق المستقبل، والإعداد لمواجهة التحديات الماثلة أمامها، في ميدان مكافحة الفساد.

وهذا بالطبع؛ لا يمنعها من دراسة هذا الموضوع دراسة كافية وافية من كل الجوانب، والوقوف على مواطن القصور التي أصابتها، والكشف عنها، والعمل سريعًا على تلافيها، ومعالجتها بمهنية وموضوعية، وفق خطة استراتيجية بناءة.

ولازال الأمل يراودني في عهد جديد تقوم به تلك المؤسسات، تجاه أمم وشعوب الأرض؛ وهو ما يجعلها أدعى إلى تفكير إيجابي، أكثر انفتاحًا وتنويرًا؛ لكي تشارك بفاعليِّة في عملية تغيير؛ للوصول إلى “عَالَمٍ خَالٍ مِنْ الفَسَادِ”.

الهوامش:

1- للمزيد بخصوص اتفاقية منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، راجع موقع المنظمة على شبكة الإنترنت، الرابط الإلكتروني:

https://www.unodc.org/romena/ar/uncac.html

2- يعرف رئيس المركز الدولي للصحفيين “ديفيد نابل”، الصحافة الاستقصائية أنها “مجرد سلوك منهجي ومؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصًا على الموضوعيـة والدقة وللتأكد من صحة الخبر وما قد يخفيه انطلاقًا من مبدأ الشفافية ومحاربـة الفساد، والتزامًا بدور الصحافة ككلب حراسة على السلوك الحكومي، وكوسيلة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم خدمة للمصلحة العامة، ووفقا لمبادئ قوانين حـق الاطلاع وحرية المعلومات”.
ويوضح “ديفيد نابل” أن مفهوم الصحافة الاستقصائية انطلق منذ الستينات مع الرئيس،”تيودور روزفلت” وفريق المنظفين أصحاب الحملة ضد الفساد والرشوة، وأصبح اليوم عملا مؤسسيًا، له أصوله ومبادئه يساهم في تغيير الأوضاع، وهو عمل بحثى كالذي يتطلبه أي تحقيق صحفي لكن في العمق، يسهله .

– للمزيد؛ انظر: الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”، والرابط الإلكتروني:
https://kenanaonline.com/users/Arabmedia/posts/149702

3- الحكومة الإلكترونية: هو نظام حديث تتبناه الحكومات باستخدام الشبكة العنكبوتية العالمية والإنترنت في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور عمومًا، ووضع المعلومة في متناول الأفراد وذلك لخلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والدقة تهدف للارتقاء بجودة الأداء.

– للمزيد؛ انظر: الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”، والرابط الإلكتروني:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9_%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9

4-  اليوم العالمي لمكافحة الفساد: أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام؛ كيوم دولي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد، ودور اتفاقية الأمم المتحدة في مكافحته ومنعه.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى