الدراسات البحثيةالمتخصصة

اثر السياسة الخارجية الامريكية تجاه الهند علي فرص صعود الصين لقمة النظام الدولي

اعداد : حسامْ كمالِ محمدْ أبو الفتوحْ & رانيا مسعدْ محمدْ السيد قطب – اشراف : أ. م. د. دلالْ محمودْ السيدْ – أُسْتاذ مُسَاعِد اَلعُلوم السِّياسيَّة، كُليَّة الاقْتصاد والْعلوم السِّياسيَّة، جَامِعة القاهرة – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المُقدَّمةَ:

كانَ القرنُ العشرونَ منْ بينِ القرونِ الزمنيةِ التي شهدتْ تحولاتٍ في القوى الدوليةِ ، حيثُ إنهُ شهدَ صعودٌ قويٌ وسقوطٌ قويٌ ، ومنْ بينِ تلكَ القوى الصاعدةِ في القرنِ العشرينَ هيَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ ، ولكنْ بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ خرجتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ في وضعٍ اقتصاديٍ أفضلَ منْ أيِ دولةٍ أخرى في العالمِ على الرغمِ الموارد المستنزفةِ في الحربِ ، إلا أنَ الوضعَ الاقتصاديَ كانَ الأفضلَ بسببِ متطلباتِ الصناعاتِ العسكريةِ التي كانتْ مطلوبةً في الحربِ ، وعددَ منْ المتغيراتِ الأخرى التي جعلتْ الاقتصادَ الأمريكيَ الأفضلَ .)[1](

على الجانبِ الآخرِ كانتْ الصينُ في وضعٍ ليسَ كوضعِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنَ الصينَ في بدايةِ القرنِ العشرينَ كانتْ مقسمةً لمناطقِ نفوذِ منْ الدولِ الغربيةِ ، ثمَ قامتْ الصينُ بثورةِ 1911 وأقامتْ نظاما إمبراطوريا ، ثمَ تمَ احتلالُ جزءٍ كبيرٍ منها منْ قبلُ اليابانِ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ ، وبالتالي خرجتْ الصينُ منْ الحربِ العالميةِ الثانيةِ ضعيفةً بشكلٍ كبيرٍ ، بالإضافةِ إلى أوضاعٍ اقتصاديةٍ مترديةٍ ، وارتفاع حادٍ في التضخمِ ، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ أصبحتْ اليومَ الصينَ منْ بينِ أسرعِ اقتصاداتٍ في العالمِ ، على الرغمِ مما شهدتهُ خلالَ القرنِ العشرينَ.)[2](

أما بالنسبةِ إلى الهندِ فلمْ يختلفْ وضعها كثيرا عنْ الصينِ في القرنِ العشرينَ، حيثُ إنها دخلتْ القرنَ العشرينَ لها خبرةٌ كبيرةٌ منْ الاستعمارِ، ولكنْ بعدَ الحربِ العالميةِ الأولى تأسسَ الحزبُ الشيوعيُ في الهندِ عامَ 1925، حاولَ هذا الحزبِ العملِ على وجودِ إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ، ولكنها كانتْ طفيفةً، ولكنْ بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ بدأتْ الهندُ في بناءِ نفسها، حتى الوقتِ الحاليِ وبعد سنواتٍ منْ البناءِ تعتبرُ الهندُ منْ بينِ القوى الاقتصاديةِ التي لا يستهانُ بها في الساحةِ الدوليةِ.)[3](

ومنْ خلالِ تحليلِ الوضعِ السابقِ لدى الثلاثَ دولَ وهمْ الهندُ والصينُ والولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ ، يتمَ إيجادٌ أنَ وضعَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ كانتْ الأفضلَ ليسَ فقطْ منْ الصينِ والهندِ ، ولكنَ أفضلَ منْ دولِ العالمِ ، وبالتالي خرجتْ منهُ قوةً عظمى ، وهذا ما دفعها إلى المحافظةِ على وضعها على سيادةِ العالمِ ، وهذا الدافعُ يظهرُ في محاولتها مواجهةَ الصعودِ الصينيِ ، وعدمَ تركِ الفرصةِ للصينِ للصعودِ كقوةٍ عالميةٍ جديدٍ ، منْ بينِ الطرقِ التي تحاولُ بها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ عرقلةَ الصعودِ الصينيِ هيَ مساعدةُ الهندِ على الوقوفِ في طريقِ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي هذا ما سوفَ يتمُ التركيزُ عليهِ خلالَ تلكَ الدراسةِ .

أوَّلاً: المشْكلةُ البحْثيَّةُ:

كانتْ التغيراتُ على الساحةِ الدوليةِ لها أثرٌ بالغٌ في الكشفِ عنْ اختلالاتٍ في توازنِ القوى العالميةِ ، ومنْ خلالِ التمعنِ في هذهِ التغيراتِ ، يتمَ ملاحظةَ وجودِ صعودٍ سريعٍ وواضحٍ للصينِ ، التي عملتْ على بناءِ نفسها بسرعةِ كبيرةٍ ، لكيْ تكونَ لاعبا أساسيا على الساحةِ الدوليةِ ، حيثُ إنها لمْ تكتفِ بالسعي لتطوريها نفسها على تلكَ الساحةِ ، ولكنَ طموحها قدْ زادَ على ذلكَ في أنها تريدُ أنْ تكونَ قوى عظمى جديدةٌ ، كما أنها تريدُ أنْ تنافسَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ ، بلْ إنها تريدُ أنْ تسقطها عنْ عرشِ العالمِ .

وهذا الطموحُ الكبيرُ لا يخفى على الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنها أدركتْ الطموحَ الصينيَ بشكلٍ دقيقٍ ، وبالتالي هيَ لنْ تتركَ للصينِ طريق لكيْ تعملَ على الوصولِ إلى مبتغاها ، والعملُ على إزاحةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ عنْ عرشِ العالمِ ، وبالتالي هيَ تعاملتْ معَ الطموحِ الصينيِ بعدةِ طرقٍ كانَ آخرها سياسةَ الشراكةِ معَ الصينِ ، ولكنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ لمْ تسرْ في هذا الاتجاهِ وحدةً ، ولكنها اتجهتْ إلى العملِ في عدةِ مساراتٍ لكيْ تعملَ على تحجيمِ وكبحِ جماحِ الصينِ ، ومنْ بينِ تلكَ المساراتِ العملِ على تدعيمِ القوةِ الذاتيةِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، لكيْ تستطيعَ تلكَ الدولةِ الوقوفُ في وجهةِ الصينِ ، حتى تمنعَ خططها منْ إزاحةِ الولاياتِ المتحدةِ عنْ الهيمنةِ العالميةِ ، وذلكَ منْ خلالِ المساعدةِ والتدعيمِ الأمريكيِ .

قدْ رأتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ في الهندِ مبتغاها ، وذلكَ منْ خلالِ عدةِ عواملَ تتسمُ بهمْ الهندُ عنْ غيرها ، مما يؤهلها في الوقوفِ في وجهةِ الصينِ ، حيثُ إنَ الهندَ تمتلكُ قوةً بشريةً كبيرةً ، بالإضافةِ إلى القوةِ الاقتصاديةِ ، بالإضافةِ إلى المساحةِ الجغرافيةِ ، وحجمَ المواردِ الهائلِ ، وغيرها منْ العواملِ الخاصةِ التي تؤهلُ الهندُ لجعلها ندا للصينِ عنْ غيرها منْ دولِ إقليمِ شرقَ آسيا ، بالإضافةِ إلى ذلكَ يوجدُ عاملٌ يدفعُ الهندَ للسيرِ في طريقِ كبحِ الجماحِ الصينيِ ، ألا وهوَ العداءُ القديمُ بينهما ، والذي كانَ نتيجةَ لعددٍ منْ الأسبابِ منْ بينها الخلافاتُ الحدوديةُ وغيرها ، وبالتالي وجدتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ في الهندِ ما تبحثُ عنهُ .

وعلى الرغمِ منْ ذلكَ هناكَ عددٌ منْ الاتجاهاتِ التي تناولتْ هذا الشأنِ ، حيثُ إنَ الاتجاهَ الأولَ يرى أنهُ سوفَ يكونُ هناكَ نجاحٌ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في جعلِ الهندِ هيَ العقبةُ في وجهةِ الصعودِ الصينيِ ، وهذا نظرا إلى المقوماتِ التي تمتلكها الهندُ ، فضلاً عنْ حجمِ المساعداتِ التي منْ الممكنِ أنْ تقدمها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ إلى الهندِ في سبيلِ تحقيقِ هذا الهدفِ ، أما الاتجاهُ الثاني فيرى أنَ هذا الأمرِ مستبعدٍ تحقيقهُ ، وهذا نظرا إلى أنَ الفارقَ في القوى بينَ الهندِ والصينِ كبيرٌ على مختلفِ المستوياتِ ، وبالتالي لنْ تنجحَ الهندُ في الوقوفِ في وجهةِ الصينِ ، ومنعها منْ الصعودِ كقوةٍ عظمى جديدٍ ، أما الاتجاهُ الثالثُ فهوَ الوسطُ بينَ هذا وذاكَ ، حيثُ إنهُ يرى أنَ فكرةَ نجاحِ الهدفِ أوْ فشلهِ يتوقفُ على عددٍ منْ العواملِ منْ بينها قدرةُ الهندِ على تطويرِ قواها المختلفةِ للوصولِ إلى المستوى الصينيِ ، وبما يؤهلها منْ الوقوفِ في وجهةِ الصينِ ، ومنْ بينها حجمُ المساعداتِ التي يمكنُ أنْ تقدمها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ للهندِ لتحقيقِ هدفها ، وعرقلةُ الصينِ منْ الصعودِ كقوةٍ عظمى .

ومنْ رحمِ هذا الجدلِ تنبثقُ المشكلةُ البحثيةُ ، التي تحاولُ معرفةَ ما إذا كانتْ الهندُ بمساعدةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ سوفَ تنجحُ منْ الوقوفِ في طريقِ الصينِ منْ الصعودِ كقوةٍ عظمى ، وهذا منْ خلالِ عددٍ منْ المؤشراتِ التي منْ الممكنِ أنْ توضحَ الصورةُ الكاملةُ في الجدوى منْ وقوفِ الهندِ في طريقِ الصعودِ الصينيِ بمساعدةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، ومنْ هنا يتمحورُ السؤالُ البحثيُ الرئيسُ ألا وهوَ : إلى أيِ مدى سوفَ تؤثرُ السياسةُ الخارجيةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ على فرصِ صعودِ الصينِ خلالَ فترةِ الدارسةِ ؟

ثانيًا: الأسئلةُ البحثيةُ:

ومنْ خلالِ السؤالِ البحثيِ الرئيسِ سوفَ يتبقى عددٌ منْ الأسئلةِ الفرعيةِ ألا وهيَ:

1 – ما هيَ محدداتُ العلاقةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والهندِ؟

2 – ما هيَ طبيعةُ العلاقةِ بينَ الهندِ والصينِ؟ وما فارقَ القوةَ بينهما؟

3 – ما هيَ الكيفيةُ التي سوفَ تساعدُ منْ خلالها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ الهندُ على تحجيمِ الصعودِ الصينيِ؟

4 – ما هيَ التوقعاتُ المأمولةُ للفرصِ التي يمكنُ أنْ تحصلَ عليها الصينُ لكيْ تنجحَ في صعودها؟

ثالثًا: التحديدُ الزمنيُ للدارسةِ:

إنَ التحديدَ الزمنيَ للدراسةِ يبدأُ منْ عامِ 2014 ، فيما يخصُ عامَ 2014 فإنَ لهُ أهميةٌ خاصةٌ ، حيثُ إنهُ العامُ الذي وصلَ فيهِ إلى السلطةِ ناريندرا مودي في الهندِ ، وكانَ لهُ طموحٌ كبيرٌ في أنْ يجعلَ الهندَ قوةً إقليميةً وعالميةً كبيرةً ، على عكسِ سابقيهِ ([4])، هذا فضلاً عنْ وجودِ عددٍ منْ التوتراتِ بينَ الصينِ وجيرانها في الإقليمِ ، خاصةً في بحرِ الصينِ الجنوبيِ ، ما جعلَ بعضُ الدولِ في الإقليمِ مثلٍ الفلبين تستدعي تدخلَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ لحفظِ الاستقرارِ في المنطقةِ)[5](، بالإضافةِ إلى تلكَ الأسبابِ هناكَ سببٌ آخرُ وهوَ أنهُ قدْ وصلَ إلى السلطةِ في الصينِ الرئيسُ شيءَ جينِ بينغْ بعد سنةٍ واحدةٍ ، وكانَ لهُ طموحٌ كبيرٌ في جعلِ الصينِ قوةً عظمى ، تنافسُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بلْ وتتفوقُ عليها ([6])، وفيما يتعلقُ بنهايةِ الفترةِ الزمنيةِ فهيَ حتى وقتِ إعدادِ الدراسةِ في مايو 2023.

رابعًا: التحديدُ المكانيُ:

فيما يتعلقُ بالتحديدِ المكانيِ ، فقدْ تمَ التركيزُ على دولةِ الصينِ والهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنَ الهندَ هيَ تعتبر منْ بينِ الدولِ التي تسيرُ على طريقِ الصعودِ ، أما بالنسبةِ إلى الصينِ فهيَ في ذاتِ الطريقِ ، ولكنها متقدمةٌ بعددٍ منْ الخطواتِ ، أما بالنسبةِ إلى اختيارِ الهندِ للتركيزِ عليها ، وذلكَ بسببِ أنَ الهندَ لديها العديدَ منْ الإمكاناتِ التي يعتقدُ أنها إذا تمَ استغلالُ تلكَ الإمكاناتِ بشكلٍ جيدٍ ، منْ الممكنِ أنْ تكونَ الهندُ القوةُ الصاعدةُ الثانيةُ بجانبِ الصينِ ، كما أنَ الهندَ هيَ أقربُ دولةٍ منْ دولِ الإقليمِ للصينِ ، خاصةٌ فيما يتعلقُ بعنصرِ القوةِ البشريةِ ، والمساحةُ الجغرافيةُ وغيرهما ، وبالتالي وقعَ التركيزُ على تلكَ الدولةِ نظرا لإمكانياتها ، أما بالنسبةِ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، نظرا لأنها القوةُ العظمى الوحيدةُ على الساحةِ السياسيةِ ، كما أنها تريدُ تحجيمَ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي فهيَ سوفَ تعملُ على مساعدةِ الهندِ لعرقلةِ الصعودِ الصينيِ .

خامسًا: الأهميةُ البحثيةُ:

الأهمِّيَّة العلْميَّة:

تكمنَ أهميةَ تلكَ الدراسةِ في العملِ على توضيحِ الكيفيةِ التي منْ خلالها يمكنُ أنْ تعملَ قوةٌ عظمى على مساعدةِ دولةٍ معينةٍ ، للعملِ على الوقوفِ في وجهةِ دولةٍ أخرى ، كما أنها تسعى إلى الكشفِ عنْ الكيفيةِ التي منْ خلالها يمكنُ أنْ تحولَ قوةً عظمى علاقاتِ دولةٍ معينةٍ بدولةٍ أخرى ، خاصةً إذا كانتْ تلكَ الدولةِ في إقليمها ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ تحاولُ توضيحَ هلْ المواردُ التي تمتلكها دولةٌ معينةٌ ، سوفَ تعملُ على نجاحها في عرقلةِ صعودِ دولةٍ أخرى كقوةٍ عظمى ، أمٌ أنَ الأمرَ لهُ أبعادٌ أخرى غيرُ المواردِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ تعملُ على توضيحِ السبلِ التي يمكنُ أنْ تقومَ بها دولةً بمساعدةِ دولةٍ أخرى للوقوفِ أمامَ صعودِ دولةٍ ثالثةٍ ، بدلاً منْ تدخلها بشكلٍ مباشرٍ في إيقافِ هذا الصعودِ ، كما أنها سوفَ توضيحَ هلْ التدخلُ بشكلٍ مباشرٍ هوَ أنجحُ طريقِ أمِ مساندةِ دولةٍ أخرى لإيقافِ هذا الصعودِ هوَ الأنجحُ .

الأهمِّيَّة العمليَّة:

تعملَ تلكَ الدراسةِ على توضيحِ هلْ هناكَ قدرةٌ للهندِ على الوقوفِ ندا أمامَ الصينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ توضحُ أنهُ هلْ هناكَ إمكانيةٌ لتعطيلِ الصينِ عنْ طموحها في الصعودِ كقوةٍ عظمى ، بالإضافةِ إلى أنها تهدفُ إلى توضيحٍ أنَ هلْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ تملكُ القدرةُ في كبحِ جماحِ الصعودِ الصينيِ منْ خلالِ مساعدةِ الهندِ منْ أجلِ الوقوفِ أمامَ هذا الصعودِ ، كما أنها تريدُ توضيحَ ما إذا كانتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ تستطيعُ التأثيرَ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ ، وتحويلَ نمطِ العلاقةِ بينهما .

5 – مُرَاجعَة الأدبيَّات:

إنَ مراجعةَ الأدبياتِ سوفَ يتمُ العملُ على تناولها منْ خلالِ تقسيمها إلى ثلاثةِ محاورَ رئيسيةٍ، حيثُ إنَ المحورَ الأولَ سوفَ يتمُ عرضَ فيهِ الأدبياتُ والدراساتُ التي تتناولُ السياسةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ، ثمَ المحورِ الثاني سوفَ يتمُ عرضَ فيهِ الأدبياتُ التي تناولتْ العلاقاتُ الهنديةُ الصينيةُ، ثمَ المحورِ الثالثِ والأخيرِ الأدبياتِ التي تناولتْ العلاقةُ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ كالآتي:

المحور الأولِ: الأدبياتُ التي تناولتْ السياسةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ:

في هذا المحورِ سوفَ يتمُ عرضَ الدراساتِ التي عملتْ على تناولِ ما النهجُ والسياسةُ التي اتبعتها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ، بالإضافةِ إلى الأدبياتِ التي يمكنُ أنْ توضحَ طبيعةُ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ.

1-دراسة تحت عنوان “US FOREIGN POLICY TOWARD INDIA AFTER 9/11” مقدمة من الباحث “MD MASUD SARKER” ([7])

عملتْ تلكَ الدراسةِ على تحليلِ السياسةِ الخارجيةِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ اتجاهَ الهندِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدراسةِ قدْ عملتْ على التركيزِ بشكلٍ خاصٍ على فترةٍ كبيرةٍ نسبيا وهيَ الفترةُ ما بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ إلى نهايةِ الفترةِ الأولى لرئاسةِ أوجاما ، عملتْ تلكَ الدارسةِ علي دراسةَ تلكَ السياسةِ منْ خلالٍ زاويتينِ ، الأولى هيَ المفاهيميةُ ، والثانيةُ هيَ زاويةٌ تجريديةٌ ، حيثُ إنها قدْ أوضحتْ الأسبابُ التي أدتْ إلى تنامي دورِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في منطقةِ جنوبَ شرقِ آسيا بشكلٍ عامٍ ، وبشكلً خاصٍ زيادةَ المشاركةِ معَ الهندِ في تلكَ المنطقةِ ، تمحورتْ تلكَ الدراسةِ في الكشفِ عنْ محاولةِ إيضاحِ سببِ زيادةِ العلاقاتِ الهنديةِ الأمريكيةِ بعدَ أحداثِ 11 سبتمبرَ ، وهلْ هذهِ الأحداثِ هيَ السببُ في هذهِ الزيادةِ أمْ أنَ هناكَ عواملُ أخرى بعيدةٌ عنها .

عملُ الباحثِ في تلكَ الدراسةِ على استخدامِ المنهجِ التاريخيِ في إيجادِ حلٍ للمشكلةِ البحثيةِ للدراسةِ، كما أنهُ لمْ يكتفِ بذلكَ، بلْ إنهُ قدْ استخدمَ بعضُ النظرياتِ في الاقتصادِ الدوليِ، بالإضافةِ إلى نظرياتٍ في الأمنِ القوميِ.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ السببَ في زيادةِ العلاقاتِ الهنديةِ الأمريكيةِ بعدَ أحداثِ 11 سبتمبرَ لمْ يكنْ هوَ السببُ الأساسيُ والرئيسُ في زيادةِ العلاقاتِ بينَ البلدينِ ، وإنْ كانَ ذلكَ معَ فتراتِ صعودٍ وهبوطٍ مختلفةٍ ، ولكنْ كانَ زيادةَ التقاربِ بينَ البلدينِ نتيجةَ إعطاءِ الحربِ الباردةِ الفرصةِ لتقاربِ الدولتينِ على أساسٍ أنَ الدولتينِ ديمقراطيتانِ ، وذلكَ بسببِ العولمةِ والإصلاحاتِ الاقتصاديةِ التي عملتْ على انتهاجها الهندَ ، بالإضافةِ إلى أنَ زيادةَ الشراكةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ كانتْ قويةً بسببَ التحولاتِ في القوةِ التي حدثتْ في القرنِ الواحدِ والعشرينَ ، والتي كانتْ منْ بينِ أهمِ محاورها هيَ وضعُ دولةِ الهندِ محمودْ أساسٍ في استراتيجيةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ الكبرى .

2-دراسة بعنوان “Hegemonic Ideas and Indian Foreign Policy to the United States: Changes in Indian Expectations and Worldviews” مقدمة من الباحث “Zachary E. Pickens”. ([8])

عملتْ تلكَ الدراسةِ على شرحِ الصورةِ العامةِ للعلاقاتِ الهنديةِ الأمريكيةِ ، وذلكَ منْ خلالِ التركيزِ على دراسةٍ وتحليلٍ نوعيٍ للخطابِ الشعبيِ الهنديِ حولَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، كما أنها وضعتْ فرضيةً أساسيةً لها ، وهيَ أنَ التغييراتِ في السياسةِ الخارجيةِ الهنديةِ تجاهَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ قدْ حدثَ بها العديدُ منْ التغييراتِ نتيجةِ التغييراتِ التي حدثتْ في الأفكارِ السائدةِ في المجتمعِ الهنديِ ، وهذا حدثَ بمستوى أكبرَ منْ التغييراتِ التي حدثتْ في توزيعِ القدراتِ والقويِ في النظامِ الدوليِ ، وفي النظامِ الإقليميِ .

تمَ استخدامٌ في تلكَ الدراسةِ نظريةَ الدورِ في الكشفِ عنْ الأفكارِ المهيمنةِ في الخياراتِ السائدةِ في السياسةِ الخارجيةِ الهنديةِ، بالإضافةِ إلى أنهُ تمَ التركيزُ على الأيدولوجياتِ الموجودةِ في المجتمعِ الهنديِ، كما تمَ التركيزُ على وسائلِ الرأيِ العامِ الهنديةِ والصحفِ المنشورِ باللغةِ العربيةِ في تلكَ الدراسةِ، بالإضافةِ إلى استخدامِ أسلوبِ تحليلِ الخطابِ والمحتوي.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ لي أنَ هناكَ تصوراتٌ عامةٌ هنديةٌ تغيرتْ تجاهَ دورِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنهُ كانَ هناكَ مستوى منخفضٌ منْ التوقعاتِ لدورِ الولاياتِ المتحدةِ على أنها دولةٌ ديمقراطيةٌ صديقةٌ في النظامِ الدولَ السائدَ فيهِ سياساتُ القويِ ، بالإضافةِ إلى أنهُ في عهدِ بهاراتيا جاناتا كانَ الجمهورُ الهنديُ لمْ يكنْ مهتما بشكلٍ كبيرِ بالترنجْ في الثقافةِ الاستراتيجيةِ للحزبِ التي كانتْ تقومُ على سيطرةِ الحزبِ على المشهدِ السياسيِ ، بالإضافةِ إلى أنهُ ظهرَ فهمٌ جديدٌ لدورِ القوى الكبرى لدى الجمهورِ الهنديِ للقوى الكبرى ، ودورَ الهندِ كقوةٍ كبرى .

3-دراسة بعنوان “Space for Development: US-Indian Space Relations 1955 -1976” مقدمه من الباحث “Doraisamy Ashok Maharaj” ([9])

تعملَ تلكَ الدراسةِ على التركيزِ على التعاونِ بينَ كلٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والهندِ ، وبشكلً خاصٍ في مجالِ الفضاءِ ، حيثُ إنهُ يركزُ على الكيفيةِ التي طورتْ بها الهندُ برنامجها الفضائيَ ، حيثُ إنهُ يوضحُ أنَ الولاياتِ المتحدةَ تعاونتْ معَ الهندِ منْ خلالِ إنشاءِ محطاتِ تتبعٍ لتخطيطِ مداراتٍ صناعيةٍ وأقمارٍ صناعيةٍ ، كما أنَ التعاونَ قدْ شهدَ منحنى آخر ، حيثُ إنَ علماءَ الفضاءِ الهنودِ قدْ نبغوا في هذا المجالِ ما استعدي طلبهمْ للعملِ في وكالةِ ناسا الأمريكيةِ ، بالإضافةِ إلى أنَ فترةَ الحربِ كانتْ لها خصائصُ ألقتْ بظلالها على التعاونِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في مجالِ الفضاءِ .

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ الدافعَ وراءَ مساندةِ وتعاونِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ معَ الهندِ في البرنامجِ الفضائيِ خاصةً في فترةِ الحربِ الباردةِ، وهذا منْ أجلٍ ضمَ واحتواءَ الهندِ إلى المعسكرِ الغربيِ، وحتى لا تنضمُ إلى المعسكرِ الشرقيِ، الذي كانَ يزحفُ لضمِ حلفاءِ جددٍ، كما أنَ هذا التعاونِ كانَ طريقا منْ بينِ الطرقِ التي عملتْ منْ خلالها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ على نشرِ المثلِ الديمقراطيةِ الليبراليةِ والرأسماليةِ.

4- دراسة بعنوان “O lobby indo-americano no Congresso Americano e o Acordo Nuclear Civil de 2008” مقدمة من الباحث “João Paulo Nicolini Gabriel” ([10])

عملتْ تلكَ الدراسةِ إلى الكشفِ عنْ التصرفاتِ التي تقومُ بها جماعاتُ المصالحِ العرقيةِ وبخاصةٍ الهنديةَ في صياغةِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنَ دراسةَ الحالةِ لتلكَ الدراسةِ كانَ دراسةَ دورِ مجموعاتِ المصالحِ ودورهمْ في عمليةِ التفاوضِ داخلَ الكونجرس الأمريكيِ بشأنِ الاتفاقيةِ النوويةِ المدنيةِ لعامِ 2008 ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ تمَ تقسيمها إلى عدةِ محاورَ ، الأول منها هوَ خصائصُ أداءِ جماعاتِ العرقيةِ وأدائهمْ في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ ، والثاني منها هوَ العملُ على تحليلِ الملامحِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ للمجتمعِ الهنديِ والأمريكيِ ، والثالثُ منها هوَ مراقبةُ دورِ مجموعةِ المصالحِ الهنديةِ داخلَ الكونجرس الأمريكيِ أثناءَ مفاوضاتِ الاتفاقيةِ النوويةِ ، ثمَ في النهايةِ عملتْ تلكَ الدراسةِ على إلقاءِ الضوءِ على القيودِ المفروضةِ على جماعاتِ المصالحِ ، والظروفُ التي تحولُ دونَ نجاحها أوْ فشلها .

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ جماعةَ المصالحِ الهنديِ كانَ لها دورٌ كبيرٌ في المفاوضاتِ داخلَ الكونجرس الأمريكيِ بشأنِ الاتفاقيةِ النوويةِ ، بالإضافةِ إلى أنَ هذهِ المشاركةِ كانتْ نابعةً منْ التنظيمِ الجيدِ الذي كانتْ تتسمُ بهِ ، حيثُ إنهُ كانَ هذا الأمرِ على جدولِ أعمالها ، بالإضافةِ إلى أنَ السببَ في المشاركةِ الفعالةِ لهمْ كانتْ بسببِ تحالفهمْ معَ فئاتٍ أخرى مثلٍ رجالِ الأعمالِ ، هذا ما أدى إلى وجودِ تسهيلاتٍ في المفوضاتِ ، ولكنْ توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ القيودَ التي تواجهُ جماعةَ المصالحِ الهنديةِ مشكلةً وهيَ صعوبةُ المشاركةِ السياسيةِ ، حيثُ إنَ هذا الأمرِ يتطلبُ إيقاظَ المصالحِ السياسيةِ لكافةِ الأعضاءِ .

5-دراسة بعنوان “With an Eye to the East: The China Factor and The U.S.-India Relationship, 1949-1979” المقدمة من الباحث “Tanvi Madan”[11]

عملتْ تلكَ الدارسةِ على الإجابةِ عنْ السؤالِ هلْ الهندُ والولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ سوفَ تتحدانَ في مواجهةِ الصعودِ الصينيِ أمْ أنَ هذا التحالفِ وتلكَ الشراكةُ أمرا مستحيلاً ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ تعملُ على توضيحٍ أنَ الصينَ قدْ لعبتْ دورا كبيرا في تشكلِ العلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبينَ الهندِ ، بالإضافةِ إلى أنها تحاولُ استكشافَ طبيعةِ العلاقةِ بينَ الهندِ والولايات المتحدة ، كما أنَ تلكَ الرسالةِ تحاولُ توضيحَ مستقبلِ العلاقةِ بينَ الهندِ والصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ الصينَ يمكنُ أنْ تؤثرَ على العلاقةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنها يمكنُ أنْ تكونَ عاملاً في جعلِ هناكَ شراكةٌ كبيرةٌ بينَ البلدينِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ وجدتْ تلكَ الرسالةِ خاصةً في الفترةِ التي تعملُ على دراستها أنَ الصينَ كانتْ تعدْ تهديدا على الهندِ والولاياتِ المتحدةِ ، وبالتالي كانتْ دافعا لكيْ يكونَ هناكَ تعاونا بينهما ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ توصلتْ إلى أنَ هناكَ عددا منْ العواملِ تشاركتْ بها الهندُ الولايات المتحدة حولَ طبيعةِ التهديدِ الصينيِ ، ومدى إلحاحِ التهديدِ ، والكيفيةُ التي سوفَ يتعاملُ بها كلٌ منْ الهندِ والولايات المتحدة معَ الصينِ ، ولكنْ كانَ هناكَ نقاطُ اختلافِ بينَ الهندِ والولايات المتحدة فيما يخصُ الصينَ ، والتي منْ بينها ملاءمةُ الجهاتِ الفاعلةِ الأخرى مثلٍ الاتحادِ السوفيتيِ وباكستان ودورهمْ تجاهَ الصينِ ، وأفضلُ الأدواتِ التي يتمُ التعاملُ بها معَ الصينِ ، بالإضافةِ إلى اختلافهمْ في رؤيةِ المشاركةِ سوفَ تنجحُ أوْ الاحتواءِ الشديدِ هوَ الذي سوفَ ينجحُ ، بالإضافةِ إلى نقطةِ اختلافٍ أخرى وهيَ هلْ هناكَ حاجةٌ إلى الأمنِ الجماعيِ أوْ التعاملِ بمفردهِ معَ الصينِ .

يتمَ ملاحظةً منْ تلكَ الدراساتِ السالفِ ذكرها أنَ معظمَ الأدبياتِ قدْ ركزتْ على تأثيرِ الداخلِ على الخارجِ ، حيثُ إنَ هناكَ أدبيةٌ ركزَ على دورِ اللوبي الهنديِ وأثرةُ علي السياسةَ الخارجيةَ الأمريكيةَ ، كما أنَ هناكَ أدبيةٌ أخرى ركزتْ على تأثيرِ الأفكارِ في المجتمعِ الهنديِ وأثرها على العلاقةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وبالتالي أنَ تلكَ الأدبياتِ قدْ أغفلتْ وافتقرتْ إلى أبعادٍ أخرى مثلٍ البعدِ المؤسسيِ في الدولتينِ وأثرهُ على السياسةِ الخارجيةِ للدولتينِ ، بالإضافةِ إلى افتقارهمْ إلى التركيزِ على دورِ القيادةِ في تحديدِ مسارِ السياسةِ الخارجيةِ ، أما الجانبُ الآخرُ فقدْ ركزَ على تأثيرِ عواملِ خارجيةٍ على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، مثلٌ أحداثِ 11 سبتمبرَ ، والتغيراتُ في ميزانِ القوى العالميةِ ، ولكنَ تلكَ الأدبياتِ قدْ افتقرتْ إلى إبرازِ إثرَ دورِ دولِ جنوبِ شرقِ آسيا على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي أنَ هناكَ بعضُ الأدبياتِ اتفقتْ في اتجاهِ التناولِ وهوَ الاتجاهُ الداخليُ وأثرةُ علي العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، والبعضُ الآخرُ اتفقَ في تناولِ الاتجاهِ الخارجيِ وأثرهِ على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ .

المحور الثاني: الأدبياتُ التي تناولتْ العلاقاتُ بينَ الصينِ والهندِ:

سوفَ يتمُ في هذا المحورِ عرضَ الأدبياتِ التي تتعلقُ بالعلاقةِ بينَ الصينِ والهندِ، وأنماطَ وأنواعَ تلكَ العلاقةِ التي تجمعُ بينَ البلدينِ كالتالي:

1-دراسة بعنوان “ASIAN STATE RESPONSES TO CHINA’S SPACE POWER STRATEGY” مقدمة من الباحث “Benjamin T. Smart” ([12])

هدفتْ تلكَ الدارسةِ إلى الكشفِ عنْ ردِ فعلِ الدولِ في إقليمِ شرقَ آسيا الناتجُ عنْ الصعودِ الصينيِ كقوةٍ فضائيةٍ معَ سعيها للهيمنةِ في المحيطينَ الهنديَ والهادئِ، بالإضافةِ إلى أنَ القدراتِ الفضائيةَ الصينيةَ أصبحتْ تمثلُ تهديدا على الأمنِ القوميِ لدولِ الإقليمِ، بالإضافةِ إلى زيادةِ قدرتها الاقتصاديةِ ومكانتها الدوليةِ التي أصبحتْ تنافسُ عددا منْ الدولِ، وبالتالي عملتْ تلكَ الدارسةِ على فحصِ المناهجِ التي تتعبها كلٌ منْ اليابانِ والهندِ وفيتنام تجاهَ القوةِ الفضائيةِ الصينيةِ.

توصلتْ تلكَ الأطروحةِ إلى أنَ الدولَ الآسيويةَ تبتعدُ عنْ الأعرافِ التاريخيةِ منْ خلالِ توظيفِ أصولٍ فضائيةٍ عسكريةٍ لمواجهةِ التهديدِ الأمنيِ منْ الصينِ ، كما أنها تسمحُ للقطاعِ الخاصِ بلعبِ دورِ أكبرَ في صناعةِ الفضاءِ التجاريةِ لتحسينِ الكفاءةِ والقدرةِ الابتكاريةِ والتواصلِ الدبلوماسيِ ، بالإضافةِ إلى التعاونِ الثنائيِ والمتعددِ الأطرافُ ، فضلاً عنْ الاستثماراتِ في مشاريعِ علومِ الفضاءِ التكنولوجيةِ ، يكملَ أيضا استجابةَ القوةِ الناعمةِ المتجددةِ لدبلوماسيةِ الفضاءِ الصينيةِ ، تقدمُ هذهِ الأطروحةِ وصفاتٍ سياسيةً للولاياتِ المتحدةِ للاستفادةِ منْ الدرجةِ المتزايدةِ للتوافقِ بينَ المصالحِ الاستراتيجيةِ لقوى الفضاءِ الإقليميةِ ، وتشملَ التوصياتُ تعزيزَ العلاقاتِ العسكريةِ ، وتخفيفَ القيودِ التجاريةِ ، وزيادةُ التعاونِ في المجالِ المدنيِ لتحقيقِ التوازنِ ضدَ الصينِ .

2-دراسة بعنوان “Elephant, Dragon and Crescent: Border Disputes and the Relationship Between India, China and Pakistan (1947-71)” مقدمة من الباحث “Joyita Bhattacharya”[13]

تسعى تلكَ الدراسةِ إلى الإجابةِ عنْ سؤالينِ كيفَ ولماذا تشكلتْ العلاقاتُ الدوليةُ بينَ الثلاثِ دول في الإقليمِ وهمْ الهندُ والصينُ وباكستان ، وذلكَ منْ خلالِ ثلاثِ حروبِ كبرى في إقليمِ جنوبَ آسيا ، والتي يعددها الباحثُ وهمْ حربِ الهندِ والصينِ عامَ 1962 ، وحربَ الهندِ وباكستان عامَ 1965 ، وحربَ الهندِ وباكستان عامَ 1971 ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ عملتْ على التركيزِ على ثلاثةِ عواملَ محوريةٍ في التوترِ بينَ الثلاثِ دولَ وهمِ الميراثِ المضطربِ بينَ الحدودِ نتيجةِ الاستعمارِ ، وأزمةُ تشكيلِ الأمةِ ، وانعدامَ الثقةِ في الحربِ الباردةِ بينَ الشيوعيينَ والدولِ الشيوعيةِ .

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ الاضطراباتِ السياسيةَ الداخليةَ في كلٍ منْ الهندِ وباكستان كانَ لها أثرٌ كبيرٌ ، حيثُ إنهُ كانَ هناكَ تحالفٌ قويٌ بينَ الصينِ وباكستان أدى إلى استقلالِ باكستان الشرقيةِ وبنغلاديش ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ ، ولكنَ حساباتِ الحربِ الباردةِ خاصةً في عهدِ كسينجرْ ونيكسونْ أدتْ إلى حسمِ نوعا ما الصرعُ بينَ الهندِ وبينَ باكستان ، ولكنْ ما لبثَ أنْ تدخلَ الأمريكيَ والسوفيتيَ في المعاهداتِ أدى إلى تكثيفِ الصراعِ بينَ الدولِ المتحاربةِ ، حيثُ إنَ الفاعلينَ الدوليينَ الخارجينَ عنْ الصراعِ كانَ لهمْ دورٌ بارزٌ في تحويلِ مسارِ الصراعِ .

3-دراسة بعنوان “Beyond the Protracted Contest: Redefining the Sino-Indian Relationship” مقدمة من خلال الباحث “Louise Michelle Merrington” ([14])

تعملَ تلكَ الدراسةِ على تقديمِ مفهومٍ جديدٍ للعلاقاتِ الصينيةِ الهنديةِ ، حيثُ إنها تبتعدُ عنْ الأفكارِ التقليديةِ للتنافسِ باعتبارهِ الوحيدِ للعلاقةِ ، حيثُ إنهُ التنافسُ بينَ الدولتينِ كانَ يشملُ كلا منْ المجالِ السياسيِ والاقتصاديِ والعسكريِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ كانتْ العلاقاتُ بينَ الدولتينِ تشهدُ أنماطا مختلفةً ، ولكنَ التنافسَ على وجهةِ التحديدِ هوَ إحدى القوى الدافعةِ في العلاقةِ ، خاصةً في المسائلِ العسكريةِ والاستراتيجيةِ في المحيطِ الهنديِ أوْ الانتشارِ النوويِ ، ولكنَ تلكَ الدراسةِ عملتْ على الكشفِ عنْ العلاقةِ بينَ البلدينِ والتنافسُ بينهما منْ خلالِ سعيِ كلٍ منْ الدولتينِ في الحصولِ على العضويةِ الدائمةِ في مجلسِ الأمنِ التابعِ للأممِ المتحدةِ ، وبالتالي تلكَ الدراسةِ سوفَ تركزُ على التنافسِ في عددٍ منْ المجالاتِ منْ بينها التنافسُ في المنظماتِ الدوليةِ .

عملتْ تلكَ دراسةٌ على الانطلاقِ منْ نظريةِ انتقالِ القوةِ، حيثُ إنَ تلكَ النظريةِ تعملُ على التركيزِ على انتقالِ السلطةِ تقليديا بينَ القوةِ المهيمنةِ والقوةِ الصاعدةِ، بالإضافةِ إلى الظروفِ التي منْ المتوقعِ أنْ توجههُ القوةُ الصاعدةُ.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ التنافسَ بينَ الصينِ والهندِ يأخذُ عددا منْ الأشكالِ ، منْ بينِ تلكَ الأشكالِ هوَ التنافسُ الاستراتيجيُ ، والذي ينصبُ بشكلٍ أساسيٍ في النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ البلدينِ ، والتي أدتْ إلى استدعاءِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ إلى المنطقةِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ توصلتْ إلى أنَ هناكَ حالةٌ منْ عدمِ الثقةِ بينَ البلدينِ ، وذلكَ يعودُ إلى القربِ الجغرافيِ بينهما ، والذي تتوقعُ تلكَ الدارسةِ أنْ تتمَ حلةٌ منْ خلالِ حلِ تسويةِ النزاعِ الهنديِ الباكستانيِ ، والحدودُ بينَ الهندِ والصينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ تتوقعُ أنَ حالةَ التنافسِ بينَ البلدينِ سوفَ تستمرُ لفترةٍ ليستْ بقليلةٍ .

4-دراسة بعنوان “CONSTRUCTION OF CHINA AND INDIA’S NATIONAL INTERESTS: THE TIBET QUESTION” مقدمة من الباحث “SEOKBAE LEE”.)[15](

تعملَ تلكَ الدراسةِ على الكشفِ عنْ المصالحِ الوطنيةِ لكلٍ منْ دولةِ الهندِ والصينِ في منطقةِ التبت ، بالإضافةِ إلى الطرقِ التي تشكلُ بها المصالحُ ومتابعتها منْ خلالٍ الدولتينِ ، وبالتالي الهدفُ منْ تلكَ الدراسةِ هيَ مناقشةُ مواقفِ البلدينِ في منطقةِ التبت ، وذلكَ منْ خلالِ إطارِ تحليلٍ محددٍ ، وهذا منْ منظورٍ بنائيٍ عقلانيٍ ونقديٍ ، حيثُ إنها تحاولُ تحديدا ومقارنةَ الأسبابِ المنطقةِ وراءَ سعيِ كلٍ منْ الصينِ والهندِ إلى تحقيقِ المصلحةِ الوطنيةِ في منطقةِ التبت ، بالإضافةِ إلى أنها تدرسُ العملياتُ المحليةُ لتشكيلِ مصالحِ كلٍ منْ الدولتينِ في تلكَ المنطقةِ .

استخدمتْ تلكَ الدارسةِ في تحقيقِ هدفها أسلوبَ تحليلِ الخطابِ الناتجِ عنْ النخبِ في كلٍ منْ الهندِ والصينِ، والموجهةَ إلى تحديدِ مصالحِ الدولتينِ في منطقةِ التبت، حيثُ إنَ روايةَ الصينيةِ إلى أنَ التبت هيَ جزءٌ منْ الأمةِ الصينيةِ، أما الروايةُ الهنديةُ حاولتْ تعزيزَ القوميةِ الهنديةِ فيها منْ خلالِ النهجِ السخيِ والديمقراطيِ في التبت.

توصلتْ تلكَ الدارسةِ بمساعدةِ الممارساتِ الخطابيةِ للنخبِ في الهندِ والصينِ ، إلى أنَ القوميةَ هيَ الأداةُ التي يبررُ بها منطقُ النخبِ المصلحةِ الوطنيةِ المتجسدةِ في منطقةِ التبت ، كما أنهُ توصلتْ إلى أنَ القوميةَ هيَ واحدةٌ منْ بينِ الطرقِ التي ليستْ منْ السهلِ استخدامها ، لأنها منْ المحتملِ أنْ تكونَ قوةٌ شديدةٌ التقلبِ ، لكنها في الوقتِ نفسهِ يمكنُ أنْ تكونَ إحدى أقوى الطرقِ التي منْ خلالها تتمّ تعبئةُ الناسِ وتوحيدهمْ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنَ القوميةَ يمكنُ أنْ يتمَ استخدامها كاستراتيجيةٍ سياسيةٍ لتحقيقِ المصالحِ الوطنيةِ .

5-دراسة بعنوان “The Future of Indo-China Relations: Cooperation or Conflict?” مقدمة من الباحث “Karthikeyan Thiagarajan” ([16])

تركزَ تلكَ الدراسةِ على الكشفِ عما يتمُ قولهُ منْ قبلِ العلماءِ الليبراليينَ الاقتصاديينَ بشأنِ إنَ العلاقاتِ الاقتصاديةَ بينَ الدولتينِ يمكنُ أنْ تجعلَ هناكَ حالةٌ منْ السلامِ بينهمْ ، وتقللَ فرصُ الصراعِ والتوترِ بينهما ، وبالتالي هيَ تركزُ على التعاونِ بينَ الصينِ والهندِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدارسةِ توضحُ تأثيرَ التبادلِ الاقتصاديِ بينَ الصينِ والهندِ على المستوى السياسيِ ، هلْ هذا التبادلِ الاقتصاديِ يعملُ على وجودِ حالةٍ منْ السلامِ بينَ البلدينِ أمْ لا ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ ركزتْ على دورِ القيادةِ والمجتمعِ الاستراتيجيِ في التبادلِ التجاريِ بينَ البلدينِ .

قدْ توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنهُ هناكَ حالةٌ منْ الفشلِ في الاعتمادِ الاقتصاديِ بينَ البلدينِ ، وبالتالي أنَ هذا الفشلِ قدْ ترجمَ لأيِ الفشلِ في العلاقاتِ السلميةِ بينَ البلدينِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدارسةِ قدْ توصلتْ إلى أنَ الحجةَ القائلةَ بأنَ التبادلَ التجاريَ بينَ البلدينِ يمكنُ أنْ يعملَ على وجودِ حالةٍ منْ السلامِ بينَ البلدينِ قدْ فشلتْ في حالةِ الهندِ والصينِ ، وأنها تتنبأُ بأنَ العلاقةَ بينَ البلدينِ سوفَ يكونُ السمةَ البارزةَ فيها هيَ التنافسُ ، وهذا الذي تستدلُ عليهِ تلكَ الدارسةِ في أنَ كلا منْ الهندِ والصينِ تحشدُ جيوشها وتقويها على الحدودِ بينَ البلدينِ ، بالإضافةِ إلى كثرةِ المناوشاتِ على الحدودِ بينَ البلدينِ ، وبالتالي فإنَ مستقبلَ العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ وفقا لتلكَ الدراسةِ هيَ علاقةٌ صراعيةٌ وتنافسيةٌ .

6-دراسة بعنوان “China-India Rivalry and the Border War of 1962: PRC Perspectives on the Collapse of China-India Relations, 1958-62” مقدمة من الباحث “Jonathan Ward” ([17])

ركزتْ تلكَ الدارسةِ علي وجهاتِ النظرِ الصينيةِ عنْ الهندِ فيما يخصُ انهيارَ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ بينَ عاميْ 1958 و 1962 ، حيثُ كانتْ شدةُ هذا الانهيارِ كانَ في حربِ الحدودِ بينَ الصينِ والهندِ في عامِ 1962 ، كما أنها ركزتْ على تقديمِ تصورِ أوسعَ عنْ القولِ بأنَ انهيارَ العلاقاتِ بينَ البلدينِ كانتْ بسببِ المصالحِ في الهيمالايا ، حيثُ إنهُ تريدُ أنْ توضحَ أنَ الحزبَ الشيوعيَ الصينيَ كانَ يعتبرُ الهندَ تهديدَ شاملاً للجمهوريةِ الشعبيةِ الصينيةِ ، كما أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ قامتْ بناءً على ثلاثِ حججٍ أساسيةٍ ، الأولى أنَ الحزبَ الصينيَ رأيَ الهندِ على أنها تهديدٌ لقيمِ الجمهوريةِ الصينيةِ ، الثانيةَ أنَ الحزبَ الصينيَ يرى أنَ الهندَ هيَ تهديدٌ نابعٌ منْ خلالِ أجندةٍ دوليةٍ ، الثالثةَ هيَ أنَ الحزبَ الصينيَ رأي أنَ الهندَ تعملُ بنشاطٍ معَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والاتحادِ السوفيتيِ ضدَ الصينِ الشعبيةِ .

توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنَ النزاعاتِ الإقليميةَ والقضايا ذاتَ الصلةِ بالتدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ الصينيةِ وفقا للرؤيةِ الصينيةِ هيَ أمورٌ ذاتُ حساسيةٍ شديدةٍ ، وهيَ ترقَ إلى أنْ تصلَ إلى الصراعِ للإرادةِ الوطنيةِ الصينيةِ ، حيثُ إنَ الصينَ تعتبرُ الهندُ تعملُ عللَ التدخلُ في المبادئِ والأهدافِ والمخاوفِ الأمنيةِ الخاصةِ بالصينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الدراسةَ قدْ توصلتْ إلى أنَ الصينَ ترى الهندُ على أنها ورثتْ الإمبراطوريةُ البريطانيةُ في المنطقةِ ، ومنْ هذا المنطلقِ هيَ سوفَ تعملُ على تحدي المبادئِ التي تقومُ عليها جمهوريةُ الصينِ الشعبيةِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ الحزبَ الشيوعيَ الصينيَ كانَ يرى الهندَ على أنها كمنافسٍ ، ومنافس في المجالِ الافرواسيوي .

يتمَ ملاحظةً منْ تلكَ الدارساتِ السالفِ ذكرها أنَ أنها تشابهتْ بشكلٍ كبيرٍ في محورِ التركيزِ ، حيثُ إنَ معظمَ الدراساتِ في هذا المحورِ قدْ ركزتْ على أسبابِ ومحدداتِ خارجيةٍ في العلاقةِ بينَ الصينِ والهندِ ، ومنها أنَ هناكَ دراسةٌ ركزتْ على مصالحِ الدولتينِ في التبت ، وأخرى ركزَ على مصالحِ الدولتينِ في جبالِ الهيملايا ، بالإضافةِ إلى أنَ هناكَ منْ ذهبَ إلى التركيزِ على دورِ النزاعاتِ والحروبِ في تحديدِ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي أنَ الدراساتِ في هذا الاتجاهِ قدْ افتقرتْ إلى الكشفِ عنْ العواملِ الداخليةِ في تأثيرها على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، منْ بينِ العواملِ الداخليةِ التي تمَ الافتقارُ إليها هوَ دورُ المؤسساتِ الداخليةِ ودورِ القيادةِ السياسيةِ ، ودورَ الأيدولوجيةِ السياسيةِ السائدةِ في تحديدِ مسارِ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي على الرغمِ منْ تشابهِ الدراساتِ في تناولِ العواملِ الخارجيةِ محددٌ للعلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ ، إلا أنها افتقرتْ إلى تناولِ العواملِ الداخليةِ ودورها في العلاقاتِ بينَ الدولتينِ .

المحور الثالثِ: الأدبياتُ التي تناولتْ العلاقاتُ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ:

سوفَ يتمُ العملُ على توضيحِ الأدبياتِ والدراساتِ التي ركزَ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، أوْ ركزتْ على نمطٍ واحدٍ منْ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ كما يلي:

1-دراسة بعنوان “Cyber Deterrence and US-Sino Cyber Relations” مقدمة من الباحث “GEORGIA LETITIA POLLOCK LEACH” ([18])

تهدفَ تلكَ الدارسةِ إلى محاولةِ تطبيقِ نظريةِ الردعِ على حالةِ دراسةِ العلاقاتِ السيبرانية بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدارسةِ سوفَ توضحُ هلْ هناكَ إمكانيةٌ وفائدةٌ منْ الردعِ السيبراني كأداةٍ إداريةٍ بالإضافةِ إلى فعاليتها في مجالِ الفضاءِ السيبراني ، ونظرا لأنَ الدراساتِ السابقةَ عنْ هذا المجالِ وهوَ المجالُ السيبراني حديثٍ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ تعملُ على الكشفِ عنْ النطاقِ المستخدمِ في مختلفِ الحوادثِ السيبرانية في محاولةٍ لفحصِ الصورةِ الشاملةِ للعلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبينَ الصينِ في هذا المجالِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدراسةِ تضعُ احتماليةَ قيامِ حربٍ إلكترونيةٍ بينَ الدولتينِ ، واستخدامَ المجالِ والأداةِ السيبرانية للعملِ على شنِ هجماتٍ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي هيَ سوفَ توضحُ إلى أيِ مدى يمكنُ استخدامَ تلكَ الأداةِ منْ الدولتينِ ، ومنْ هيَ الدولةُ الأكثرُ نجاحا في استخدامِ تلكَ الأداةِ ، بالإضافةِ إلى محاولتها الكشفَ عنْ كيفيةِ تطبيقِ الردعِ عندَ النظرِ في خطورةِ الحادثِ السيبراني .

تمَ استخدامٌ في هذهِ الدراسةِ أسلوبُ البحث النوعيٍ للعملِ على فحصِ البياناتِ للحوادثِ السيبرانيهْ ضمنَ السياقِ الأوسعِ للعلاقاتِ السيبرانية بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ، تمَ العملُ على الاعتمادِ على تلكَ المنهجيةِ بسببِ مناسبتها لتحليلِ الظواهرِ وتوضيحِ المعلوماتِ ذاتِ القيمةِ.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنهُ على الرغمِ محدودية الردعِ ، إلا أنهُ يمكنُ أنْ يتمَ تطبيقهُ في المجالِ السيبراني ، حيثُ إنَ العلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ في المجالِ السيبراني كانَ بها اتفاقياتٌ فيما يتعلقُ بهذا المجالِ ، وعلى الرغمِ منْ أنهُ أداةٌ مفيدةٌ في تحسينِ العلاقاتِ بشكلٍ عامٍ ، ولكنهُ كانَ ضعيفا في كبحِ جماحِ الصينِ في إجراءِ حوادثَ سيبرأني ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ توصلتْ إلى أنَ إثباتَ القدراتِ الكبيرةِ السيبرانيهْ في الدولتينِ ، هوَ وسيلةٌ مهمةٌ لتحقيقِ الردعِ .

2-دراسة بعنوان “The North Korean Security Dilemma in Sino-US Relations” المقدمة من الباحث “Oliver Grünbacher” ([19])

تعملَ تلكَ الدارسةِ علي التركيزِ على شبهٍ الجزيرةِ الكوريةِ ، وموقفها في العلاقاتِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنَ شبه الجزيرةِ الكوريةِ منْ بينِ الأماكنِ والمحاورِ المهمةِ في التنافسِ الأمريكيِ الصينيِ في منطقةِ آسيا والمحيطِ الهادي ، وبالتالي تعملُ تلكَ الدارسةِ علي الكشفِ عنْ المعضلةِ الأمنيةِ في شبهٍ الجزيرةِ الكوريةِ في سياقٍ سياسيٍ أوسعَ ، حيثُ إنها تلقيَ نظرةٍ على المأزقِ الأمنيِ في الماضي ، والمحاولاتُ التي هدفتْ إلى حلِ هذا المأزقِ في ظلِ التفاعلِ الأمريكيِ الصينيِ ، بالإضافةِ إلى أنها ركزَ على الكيفيةِ التي تمَ التعاملُ بها معَ تلكَ الدولةِ على اعتبارِ أنها دولةٌ مارقةٌ نوويةٌ ، بالإضافةِ إلى توضيحِ مصالحِ كلٍ منْ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في شبهٍ الجزيرةِ الكوريةِ .

تمَ استخدامٌ في تلكَ الدراسةِ نظريةً منْ بينِ أكثرِ النظرياتِ انتشارا في العلاقاتِ الدوليةِ وهيَ الواقعيةُ الكلاسيكيةُ الجديدةُ، حيثُ إنهُ سوفَ يتمُ النظرُ إلى معضلةِ الأمنِ في كوريا الشماليةِ منْ واقعيٍ كلاسيكيٍ على مستوى منهجيٍ.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ إلى أنَ كوريا الشماليةَ منْ أجلِ أنْ تحلَ المعضلةُ الأمنيةُ لها ، علمتْ على تبني سياسةِ حافةِ الهاويةِ كسياسةٍ خارجيةٍ ، حيثُ إنها طبقتْ تلكَ السياسةِ بنجاحِ في حدثينِ أوليهما الأزمتينِ النوويتينِ ، وثانيهما انهيارُ اتحادِ الجمهورياتِ الاشتراكيةِ السوفيتيةِ كورقةِ مساومةٍ في العالمِ ، حيثُ إنها استخدمتْ خيارَ نزعِ السلاحِ النوويِ مقابلَ تسليمِ المساعداتِ ، حيثُ إنها ناورتْ معَ الصينِ في زيادةِ حجمِ المساعداتِ إليها ، بالإضافةِ إلى ذلكَ تريدُ الصينُ أنْ تتخليْ كوريا الشماليةُ عنْ سلاحها النوويِ ، لأنهُ يهددُ أمنها القويُ نظرا للقربِ الجغرافيِ ، كما أنَ الصينَ لا تريدُ وجودَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في المنطقةِ التي تسعى هيَ الأخرى إلى نزعِ السلاحِ النوويِ لدى كوريا الشماليةِ .

3-دراسة بعنوان “SINO-AMERICAN RELATIONS AND THE DIPLOMACY OF MODERNIZATION: 1966-1979” مقدمة من الباحث “MAO LIN” ([20])

تعملَ تلكَ الدراسةِ على التركيزِ على العلاقاتِ بينَ كلٍ منْ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وذلكَ في الفترةِ التي كانَ فيها كارترْ في حكمِ الولايات المتحدة ، وهذهِ الفترةُ كانَ يطلقُ عليها السبعينياتُ الطويلةُ ، تمَ تناولٌ في تلكَ الدراسةِ القضايا الاستراتيجيةَ بينَ الدولتينِ مثلٍ الدبلوماسيةِ الثلاثيةِ ، بالإضافةِ إلى تناولِ القضايا غيرِ الاستراتيجيةِ مثلٍ التبادلِ التجاريِ والثقافيِ ، كما أنها تمَ تبنيَ نهجٍ شاملٍ منْ خلالِ فحصِ الخطابِ المتمحورِ حولَ تحديثِ الصينِ ، بمعنى كيفَ عملَ صناعُ القرارِ في الصينِ على تحديثِ الصينِ ، بالإضافةِ إلى الكيفيةِ التي عملوا منْ خلالها على تحسينِ العلاقاتِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنَ العقودَ الثلاثةَ الأولى منْ حكمِ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ أبلغتْ الشعبَ الصينيَ أنَ التغييرَ ضروريٌ إذا أرادتْ الصينُ أنْ تصيحَ دولةُ محبةٍ للسلامِ والتعاونِ حقا ، بالإضافةِ إلى أنها توصلتْ إلى أنَ العلاقةَ بينَ الصينِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ كانتْ عاملاً مهما في تجربةِ الصينِ التنمويةِ ، حيثُ إنَ فكرةَ تحديثِ الصينِ هيَ التي ساعدتْ على الجمعِ بينَ الولايات المتحدة والصينِ ، ولكنْ كانَ هناكَ فجوةٌ في التوقعاتِ بينَ الدولتينِ ، حيثُ إنهُ على الرغمِ منْ التعاونِ بينَ الصينِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ الذي استفادتْ منهُ الصينُ ، إلا أنَ الصينَ كانتْ تتخوفُ منْ التأثرِ بالنظامِ الاجتماعيِ الأمريكيِ .

4-دراسة بعنوان “SINO-AMERICAN INTERACTIONS IN SOUTHEAST ASIA 1991-2015: IMPLICATIONS FOR VIETNAM” مقدمة من الباحث “THI HAI YEN NGUYEN” ([21])

تسلطَ تلكَ الدارسةِ الضوءُ على التعاونِ والمنافسةِ بينَ القوةِ العالميةِ وهيَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ وبينَ القوةِ الإقليميةِ وهيَ الصينُ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا ، حيثُ إنها تعملُ على توضيحِ المصالحِ التي تجمعُ بينَ كلٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ ، بالإضافةِ إلى أنها تركزُ على الفوائدِ الجماعيةِ التي يمكنُ أنْ تعودَ على دولةِ فيتنام منْ خلالِ الولايات المتحدة والصينِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدراسةِ توضحُ الموقعَ الذي تشغلهُ فيتنام في المنافسةِ والصراعِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، حيثُ إنها تريدُ أنْ تؤكدَ أنهُ على عكسِ المتوقعِ لمْ تعملْ فيتنام على تقويةِ العلاقاتِ معَ الولاياتِ المتحدةِ لكيْ تواجههُ بها النفوذُ الصينيُ كما فعلتْ بعضَ الدولِ ، ولكنها قدْ عملتْ على تبني استراتيجيةِ وسياسةِ متوازنةٍ بينَ الدولتينِ ، حيثُ إنَ تلكَ الدارسةِ توضحُ الظلالُ التي تمَ إسقاطها على فيتنام منْ خلالِ العلاقاتِ بينَ الصينِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

قدْ استخدمتْ تلكَ الدارسةِ المنهجُ التاريخيةُ للعملِ على تحليلِ ومقارنةَ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ والصينيةِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، ثمَ الآثارِ المترتبةِ على تلكَ السياسةِ في فيتنام، بالإضافةِ إلى استخدامِ تلكَ الدراسةِ النظريةِ الواقعيةِ والبنائيةِ الوظيفيةِ وتوازنِ القوى والتحوطِ في الكشفِ عنْ آثارِ دورِ كلٍ منْ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في الإقليمِ وأثرهِ على فيتنام.

توصلتْ تلكَ الدراسةِ خلالَ التركيزِ على الفترةِ بينَ 1991 إلى عامِ 2015 في العلاقاتِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا ، قدْ توصلتْ إلى أنَ فيتنام قدْ عملتْ على اتباعٍ في تطبيعِ العلاقاتِ معَ القوتينِ ، ثمَ قامتْ بتطورِ تلكَ السياسةِ إلى وجودِ علاقاتٍ ثنائيةٍ منفصلةٍ معَ الحلاقينَ بطريقةٍ استباقيةٍ ، حيثُ إنها عملتْ على وجودِ توازنٍ ديناميكيٍ بينَ القوتينِ ، منْ أجلِ تحقيقِ تعاونِ بينَ الدولتينِ للخروجِ بأكبرِ قدرِ منْ المصالحِ يخصُ الأمنُ القوميُ لها تنميتها ، قدْ استخدمتْ فيتنام في تلكَ السياسةِ الدبلوماسيةِ الذكيةِ والإبداعيةِ في معالجةِ القضايا بينَ الدولتينِ.

5-دراسة بعنوان “The US-Sino Trade War: The Bigger Picture” مقدمة من الباحث “Alec Kim”[22]

تتناولَ تلكَ الدراسةِ الحربِ التجاريةِ الجاريةِ بينَ كلٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبينَ الصينِ ، حيثُ إنها تريدُ أنْ تصلَ إلى الآثارِ الحقيقيةِ الكامنةِ المختلفةِ عنْ الموجودِ على السطحِ ، حيثُ إنها تركزُ على القضيةِ الأساسيةِ والصورةِ الكبيرةِ للحربِ التجاريةِ ، بالإضافةِ إلى أنها تريدُ أنْ تكشفَ ما تعنيهُ تلكَ الحربِ بينَ الدولتينِ ، بالإضافةِ إلى الكشفِ عنْ الكيفيةِ التي سيتمُ الكشفُ بها عنْ مسارِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ نحوَ الانعزاليةِ ، بالإضافةِ أنها تركزُ على تأثيراتِ القوةِ المهيمنةِ الأمريكيةِ في الاقتصادِ والتجارةِ العالميةِ على الحربِ التجاريةِ معَ الصينِ ، بالإضافةِ إلى أنها سلطتْ الضوءَ على وجهةِ نظرِ ورؤيةِ ترامبْ إلى تلكَ الحربِ ، وما هيَ الطرقُ التي سوفَ يتمُ التركيزُ عليهِ منْ خلالهِ في تلكَ الحربِ ، كما أنَ تلكَ الدارسةِ توضحُ النفوذَ الأمريكيَ في الدولِ المختلفةِ ، لأنها سوفَ توضحُ الصورةُ الكليةُ التي يمكنُ أنْ يتسمَ بها مسارُ الحربِ التجاريةِ معَ الصينِ .

توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنَ الحربَ التجاريةَ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ما هيَ إلى شيءٍ على السطحِ منْ العديدِ منْ أشكالِ التنافسِ بينَ الدولتينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدارسةِ قدْ أوضحتْ أنَ هناكَ عجزا في الجانبِ الأمريكيِ يقابلهُ صعودا متسارعا منْ الصينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدارسةِ قدْ ألقتْ الضوءَ أنهُ على الرقمِ منْ العجزِ الأمريكيِ أنَ تلكَ الدولةِ مسيطرةً على المسارِ الدوليِ بعدةِ أشكالٍ ، منْ بينها سيطرتها على عددٍ منْ المنظماتِ ، بالإضافةِ إلى نفوذها على عددٍ ليسَ بقليلٍ منْ الدولِ ، بالإضافةِ إلى هيمنتها على الأماكنِ الحيويةِ في الشرقِ الأوسطِ الخاصةِ بالنفطِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الدراسةِ قدْ توصلتْ إلى أنهُ إذا حدثتْ وتمَ استبدالُ دولِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بالصينِ ، فاني الصينِ لا تملكُ العواملُ التي توليها لأنْ تكونَ زعيمَ العالمِ ، بالإضافةِ إلى أنَ عبءَ الزعيمِ الدوليِ يعدْ كبيرا وثقيلاً علي إمكاناتِ الصينِ الحاليةِ .

منْ خلالِ الدراساتِ السابقةِ يمكنُ ملاحظةً أنَ هناكَ بعضُ الدارساتِ قدْ ركزَ على اتجاهِ التنافسِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، فمنها منْ ذهبَ إلى التنافسِ الاقتصاديِ والسياسيِ ، ومنهُ منْ ذهبَ إلى التركيزِ على الحربِ التجاريةِ بينَ البلدينِ ، ومنهُ منْ ذهبَ إلى التنافسِ في المجالِ السيبراني ، وبالتالي أنَ هناكَ بعضُ الدراساتِ قدْ تشابهتْ في اتجاهِ التنافسِ بينَ الدولتينِ ، ولكنَ هناكَ بعضٌ منْ الدراساتِ الأخرى قدْ ركزتْ على إثرِ العلاقاتِ والتنافسِ بينَ الدولتينِ على دولِ المنطقةِ ، حيثُ هناكَ منْ ذهبَ إلى التركيزِ على المعضلةِ الأمنيةِ الكوريةِ ، وأثرَ التنافسِ بينَ الدولتينِ على فيتنام ، ولكنْ أنَ تلكَ الدراساتِ قدْ افتقرتْ إلى التركيزِ على العواملِ الداخليةِ وأثرها على التنافسِ بينَ الدولتينِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ قدْ افتقرتْ إلى الكشفِ عنْ دورِ العواملِ الأيدولوجيةِ في السباقِ بينَ الدولتينِ على اعتبارٍ عنْ الأيدلوجيةِ بينَ الدولتينِ منْ أبرزِ نقاطِ الاختلافِ .

وانطلاقا مما سبقَ ذكرهُ في الثلاثةِ محاورُ السابقةِ التي ركزَ على العلاقاتِ بينَ ثلاثِ دولِ محلِ الدارسةِ وهمْ الهندُ والصينُ والولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ، وبالتالي سوفَ تتمُ الاستفادةُ منْ هذهِ الدراساتِ في الكشفِ عنْ طبيعةِ العلاقاتِ التي تجمعُ بينَ الثلاثِ دول، بالإضافةِ إلى الكشفِ عنْ نمطِ التفاعلِ بينهمْ، والعملُ على استقاءٍ منهمْ إثرَ هذا النمطِ منْ التفاعلِ على إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، والهيكلُ الدوليُ بشكلٍ عامٍ.

والجديرَ بالذكرِ في هذا الشأنِ ، والأمرُ الجليُ أنَ الدراساتِ العربيةَ أوْ الشرقِ أوسطيةً كانتْ قليلةً بشكلٍ لا يخفي على القاصي والداني ، حيثُ إنَ البحثَ العلميَ في هذا السياقِ والشأنِ يعدْ قليلاً بشكلٍ ملحوظٍ ، وبالتالي سوفَ تكونُ تلكَ الدارسةِ بمثابةِ تراكمٍ معرفيٍ العربيِ لما تمَ التوصلُ إليهِ في تلكَ الأدبياتِ ، وتكامل بينَ تلكَ الدارساتِ ، وتحقيقا لأبعادٍ علميةٍ ومعرفيةٍ أخرى في هذا الشأنِ والصددَ ، كما أنَ تلكَ الدارسةِ سوفَ تضيفُ إلى الدارساتِ السابقةِ بعدا آخرَ في التنافسِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وهذا البعدُ هوَ ما يمكنُ أنْ يكونَ شكلاً آخر منْ الوكالةِ ، وهوَ بدلُ منْ تدخلِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بشكلٍ مباشرٍ في تحجيمِ الصينِ ، هيَ سوفَ توكلُ تلكَ المهمةِ إلى الهندِ في تحجيمِ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي تلكَ الدارسةِ سوفَ تعملُ على إضافةِ بعدٍ جديدٍ في التنافسِ بينَ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

الإطار النظريِ للدراسةِ:

ينقسمَ الإطارُ النظريُ للدراسةِ إلى قسمينِ على النحوِ التالي:

1 – مفاهيم الدراسةِ.

2 – النظريةُ التحليليةُ المستخدمةُ في الدراسةِ.

1) مَفاهِيم الدِّراسةِ:

تركزَ هذهِ الدراسةِ على ثلاثةِ مفاهيمَ أساسيةٍ وهمْ مفهومُ ” توازنِ القوى “، ومفهومَ السياسةِ الخارجيةِ، ومفهومَ النظامِ الدوليِ، وسوفَ يتمُ تناولَ كلِ منهما، على النحوِ التالي:

أ) مفهومٍ توازنِ القوى:

لمْ يستقرْ في الأدبياتِ السياسيةِ على مفهومٍ واضحٍ ومحددٍ لتوازنِ القوى في النظامِ الدوليِ؛ وذلكَ لاختلافِ المدارسِ الفكريةِ والرؤى المفسرةِ لنشأةِ عمليةِ توازنِ القوى في العلاقاتِ الدوليةِ. ففي حينِ ينظرُ لهُ البعضَ على أنهُ نقطةٌ تعادلَ بينَ قوتينِ متعارضتينِ، ينظر لهُ البعضَ الآخرُ على أنهُ سياسةٌ دوليةٌ أوْ إقليميةٍ مقصودةٍ لذاتها كآليةٍ لحفظِ الاستقرارِ في النظامِ الدوليِ أوْ الإقليميِ[23].

فقدْ لعبَ مفهومُ ” توازنِ القوى ” دورا هاما في تطويرِ فكرِ العلاقاتِ الدوليةِ، وكانَ إحدى السماتِ الرئيسيةِ لأوروبا بعدَ الانقساماتِ الكبرى في القرنِ السادسِ عشر، حيثُ شكلَ صلحُ وستفاليا عامَ 1648 م ركيزةٍ أساسيةٍ لاستخدامِ توازنِ القوى كمحورٍ للعلاقاتِ الدوليةِ الأوروبيةِ في القرونِ اللاحقةِ، كما تمَ النظرُ لهُ على أنهُ أحدُ الحلولِ بشأنِ القضايا الأمنيةِ في الفترةِ المبكرةِ منْ نظامِ الدولةِ الحديثُ وعصرُ ما بعدَ الحربِ الباردةِ. وقدْ شهدَ القرنُ الثامنُ عشرَ الذي أطلقَ عليهِ العصرُ الذهبيُ لتوازنِ القوى بدايةِ تطويرِ المفهومِ القديمِ لتوازنِ القوى وعدمِ اقتصارهِ على الموازينِ العسكريةِ فقطْ، وشهدتْ القرونُ اللاحقةُ حتى عصرنا هذا في ظلِ التحولاتِ في استخدامِ القوى اتساعَ المفهومِ ليشملَ كلُ عناصرِ القوةِ الشاملةِ للدولةِ الصلبةِ والناعمةِ، وأصبحَ إحدى المواجهاتِ المهمةِ للسياساتِ الخارجيةِ للدولِ وفي التفسيراتِ الواقعيةِ للسياسةِ الدوليةِ معَ بدايةِ القرنِ العشرينَ.[24]

  • التعريفُ الاصطلاحيُ لمفهومِ توازنِ القوى:

تمَ استخدامُ مصطلحِ ” توازنِ القوى ” بعدةِ طرقِ كسياسةٍ، فهوَ يشيرُ إلى محاولةٍ مقصودةٍ لتعزيزِ توازنِ القوى، باستخدامٍ الدبلوماسيةِ أوْ ربما الحربُ، لمنعِ أيِ دولةٍ منْ تحقيقِ مركزٍ مهيمنٍ. بينما يشيرُ توازنَ القوى كنظامِ إلى حالةٍ لا تهيمنُ فيها دولةٌ واحدةٌ على الآخرينَ، وتميلَ إلى خلقِ توازنِ عامِ وكبحِ طموحاتِ الهيمنةِ لجميعِ الدولِ.

يمثلَ توازنُ القوى حالةً منْ التعادلِ النسبيِ أوْ التفوقِ النسبيِ في القدراتِ الشاملةِ بينَ طرفينِ متنافسينِ ، ينشأَ بطريقةٍ تلقائيةٍ نتيجةَ التنافسِ أوْ الصراعِ بينهما لتحقيقِ التفوقِ أوْ الهيمنةِ في النسقِ الدوليِ أوْ الإقليميِ ، ولا يمثلُ ( توازنُ القوى ) سياسةً أوْ هدفا تسعى إليهِ كلا الطرفينِ ، إلا في حالةِ اختلالِ هذا التوازنِ بينهما بانحرافٍ كبيرٍ يستدعي إعادةَ توجيهِ السياساتِ سواءٌ عنْ طريقٍ ( الأحلافُ – المعاهداتِ – استخدامُ القدرةِ العسكريةِ ) لإعادةِ حالةِ التعادلِ أوْ التفوقِ النسبيِ بينهما.[25]

يعرفَ ” سيدني فأي ” توازنُ القوةِ بأنهْ التوازنُ الحقُ بينَ دولِ أعضاءِ العائلةِ الدوليةِ، والقادرَ على منعِ أيِ منهما منْ أنْ تصبحَ قويةً بما فيهِ الكفايةُ لتفرضَ إرادتها على الآخرينَ. فتوازنُ القوى بحسبِ فأي يعدْ آليةً لمنعِ ظهورِ قوةٍ مهيمنةٍ تستطيعُ تحقيقَ مصالحها بشكلٍ منفردٍ وفرضِ مبادئها على باقي القوى في المجتمعِ الدوليِ[26].

حددَ ” زينس ” مجموعةٍ منْ التعريفاتِ لمفهومِ توازنِ القوى كالتالي: توازنُ القوى يعني ترتيبَ الأمورِ، بحيثُ لا تكونُ أيُ دولةٍ في وضعٍ يسمحُ لها بالهيمنةِ المطلقةِ على الآخرينَ. كما يعرفهُ على أنهُ يعملُ على توازنِ القوةِ بشكلٍ عامٍ على إبقاءِ متوسطِ قوةِ الدولِ منخفضا منْ حيثُ كلُ معيارٍ لقياسِ السلطةِ السياسيةِ، بحيثُ تتعرضُ الدولةُ التي تهددُ بزيادةِ قوتها عنْ المتوسطِ السائدِ إلى الضغطِ تلقائيا منْ جميعِ الدولِ الأخرى الأعضاءِ بالمجموعةِ السياسيةِ نفسها. ويشيرَ إلى أنَ المبدأَ الأساسيَ لتوازنِ القوةِ هوَ أنْ تتجهَ جميعُ القوى غيرِ المهددةِ إلى التدخلِ لمصلحةِ الجانبِ الذي يبدو أنهُ معرضٌ للخطرِ في الحربِ الدائرةِ للتأكيدِ منْ أنَ الخاسرَ لمْ يتمْ إزاحتهُ منْ النظامِ نهائيا، بلْ تمَ استيعابهُ في النظامِ الناشئِ العملاقِ[27].

وقدْ فرقَ ” كوينسي رايت ” بينَ ” توازنِ القوى الثابتِ ” الذي يمثلُ النظامُ، و ” توازنُ القوى الديناميكيِ ” الذي يمثلُ السياسةَ. فوصفَ ” رايت ” التوازنِ الثابتِ بالحالةِ التي تفسرُ استمرارَ التعايشِ بينَ الحكوماتِ المستقلةِ التي تتصلُ معَ بعضها البعضِ، بينما وصفَ التوازنُ الديناميكيُ بالسياساتِ المتخذةِ منْ قبلِ الدولِ للحفاظِ على هذهِ الحالةِ[28].

كما أشارَ ” مورجنثاوْ ” في كتابةِ ” السياسةِ بينَ الأممِ ” إلى أنهُ يمكنُ استخدامَ مفهومِ توازنِ القوى للتعبيرِ عنْ السياسةِ التي تهدفُ لإحداثِ توزيعٍ معينٍ للسلطةِ، أوْ كوصفٍ للحالةِ الواقعيةِ للتوزيعِ المتساوي للقوةِ على الصعيدِ الدوليِ، أوْ كمصطلحٍ يصفُ أيَ توزيعٍ للقوى السياسيةِ في العلاقاتِ الدوليةِ. ويؤكدَ ” مورجنثاوْ ” على أنَ توازنَ القوى هوَ نظامٌ يهدفُ إلى الحيلولةِ دونَ تفوقِ أيِ دولةٍ أوْ دولٍ على دولةٍ أوْ دولٍ أخرى في النظامِ الدوليِ ويعملُ على حفظِ الاستقرارِ، ومنْ ثمَ يهدفُ توازنَ القوى إلى تحقيقِ الاستقرارِ بالإضافةِ إلى المحافظةِ على الوحداتِ السياسيةِ المؤلفةِ للنظامِ الدوليِ.[29]

ينطلقَ ” خليلْ إسماعيلْ الحديثيّ ” في تعريفِ توازنِ القوى منْ منظورِ ” أنهُ سياسةٌ تسعى إليها الدولُ للحفاظِ على وجودها وأمنها ومركزها الدوليِ أوْ الإقليميِ، وذلكَ منْ خلالِ عمليةِ صراعٍ لاكتسابِ القوةِ”.[30]

  • المدلولاتُ الرئيسيةُ لمفهومِ توازنِ القوى:

وبعدُ استعراضِ هذهِ المعاني، فأنهُ يستنتج أنَ مفهومَ توازنِ القوى يمكنُ أنْ ينحصرَ في ثلاث مدلولاتٍ رئيسيةٍ وهيَ: المدلولُ العلميُ لتوازنِ القوى، المدلولُ النمطيُ لتوازنِ القوى، المدلولُ الأيديولوجيُ لتوازنِ القوى.

أولاً: المدلولُ العلميُ لميزانِ القوى: يعني ” الحالةَ التي يتسمُ بها توزيعُ القوةِ بينَ عددٍ منْ الدولِ بشكلٍ متعادلٍ نسبيا، حيثُ لا تكونُ لأيّ دولةِ القدرةِ على فرضِ هيمنتها على ما عداها منْ الدولِ”.[31]

     ثانيًا: المدلولُ النمطيُ لميزانِ القوى: هوَ أكثرُ المدلولاتِ حدوثا، يعني بهِ ميزانُ القوى السياسيةِ، ولهُ برنامجُ عملٍ إراديٍ تطبقهُ الدولةُ في المجالِ الخارجِ، تحقيقا لهدفٍ معينٍ، ويرتبطَ بما يجبُ أنْ يكونَ وليسَ بما هوَ قائمٌ بالفعلِ، لذلكَ فهوَ توازنٌ مقصودٌ ومستهدفٌ، وقدْ أظهرَ هذا المدلولِ ما يعرفُ بسياساتِ ميزانِ القوى كأدواتٍ دبلوماسيةٍ. تتنوعَ سياساتِ ووسائلَ تحقيقِ ميزانِ القوى منْ المدلولِ النمطيِ أوْ السياسيِ وتشملُ: سياسةُ المؤتمراتِ، سياسةُ فرقْ تسدْ، سياساتُ التحالفِ، سياسةُ حاملِ الميزانِ، سياسةُ التعويضاتِ الإقليميةِ، سياسةُ المناطقِ الفاصلةِ (العازلةَ)، سياسةُ التدخلِ وعدمِ التدخلِ، سياساتُ التسليحِ ونزعِ السلاحِ والرقابةِ على التسلحِ، سياسةُ الأثناءِ، سياسةُ الحربِ. [32]

     ثالثًا: المدلولُ الأيدلوجيُ لميزانِ القوى: يذهبَ المعنى الأيدلوجيُ إلى وصفِ السياساتِ التبريريةِ والدعائيةِ لدولةِ ما. فحينَ يكون الميزانُ لصالحها، فأنها تدعي وجودَ توازنٍ للقوى لتبريرِ المحافظةِ عليهِ، وعندما يكونُ الوضعُ عكسَ ذلكَ، فتسعى لتبريرِ سياستها الهادفةِ لتعديلِ الوضعِ القائمِ بادعاءِ وجودِ اختلالٍ في توازنِ القوى ووجوبِ تعديلهِ. فنجدُ أنَ الدولَ تتخذُ في هذهِ الحالةِ ميزانَ القوى كسندٍ للدفاعِ عنْ صورةٍ معينةٍ، لتوزيعِ القوةِ في المجالِ الدوليِ، أوْ التنكرِ لها على مقتضى مصالحها الوطنيةِ.[33]

وهذهِ المعاني الثلاثُ هيَ الشائعةُ في استخدامها لشرحِ مفهومِ توازنِ القوى ، غيرَ أنَ المعنى الحقيقيَ هوَ المدلولُ العلميُ ، حيثُ إنَ توازنَ القوى ليسَ سوى توزيعٍ متعادلٍ نسبيا للقويِ ، وينشا نتيجةُ للصراعِ الدوليِ منْ أجلِ القوةِ والنفوذِ وبصورةٍ تتمّ رغمَ إرادةِ أطرافِ هذا التوازنِ ، بدليلِ أنَ هذهِ الأطرافِ لا تستسلمُ لحالةِ التوازنِ ، بلْ إنها في زمنِ التوازنِ لا تتوقفُ عنْ السعيِ للإخلالِ بهِ لمصالحها ، فالتوازنُ لا يلغي الصراعُ والتنافسُ منْ أجلِ القوةِ لكنهُ يفرضُ على اللعبةِ السياسيةِ مجموعةً منْ القواعدِ يتوجبُ الالتزامُ بها.[34]

(ب) مفهومِ السياسةِ الخارجيةِ:

  • التعريفُ الاصطلاحيُ:

وفيما يتعلقُ بالمفهومِ الإصلاحيِ والإجرائيِ[35]، فتشيرَ أغلبَ الدراساتِ إلى عدمِ وجودِ تعريفٍ شاملٍ للسياسةِ الخارجيةِ على اعتبارها فرعا منْ فروعِ العلومِ السياسيةِ ، وقدْ تطرقَ البعضَ إلى أنَ تعريفاتِ السياسةِ الخارجيةِ قدْ تتسمُ بالعموميةِ ، على الرغمِ منْ أنَ أغلبها تتفقُ على مسألةِ تحقيقِ الهدفِ المرجوِ للوحدةِ الدوليةِ في تفاعلها معَ الوحداتِ الدوليةِ الأخرى التي توضعُ وفقَ الاستراتيجياتِ المقترحةِ منْ قبلُ صانعِ القرارِ والمؤسساتِ المعنيةِ بصنعِ القرارِ التي تأخذُ في اعتبارها نوعَ وخصائصُ النظامِ السياسيِ لهذهِ الدولةِ أوْ تلكَ . وفيما يلي سنقومُ بتعريفِ السياسةِ الخارجيةِ وفقا لثلاثةِ اتجاهاتٍ:

الاتجاه الأولِ: الذي يعرفُ السياسةَ الخارجيةَ على أنها مجموعةٌ منْ البرامجِ: منْ أهمِ روادِ هذا الاتجاهِ الدكتورِ ” محمدْ السيدْ سليمٍ ” الذي عرفَ السياسةَ الخارجيةَ بأنها ” برنامجُ العملِ العلنيِ الذي يختارهُ الممثلينَ الرسميينَ للوحدةِ الدوليةِ منْ بينِ مجموعةٍ منْ البدائلِ البرنامجيةِ المتاحةِ منْ أجلِ تحقيقِ أهدافٍ محددةٍ في المحيطِ الخارجيِ “.

الاتجاه الثاني: الذي يعرفُ السياسةَ الخارجيةَ على أنها سلوكُ صانعِ القرارِ: منْ أهمِ روادِ هذا الاتجاهِ ” تشارليزْ هيرمانْ ” الذي عرفَ السياسةَ الخارجيةَ بقولهِ ” تتألفُ السياسةُ الخارجيةُ منْ تلكَ السلوكياتِ الرسميةِ المتميزةِ التي يتبعها صانعو القرارِ الرسميونَ في الحكومةِ أوْ منْ يمثلونهمْ والتي يقصدُ بها التأثيرُ في سلوكِ الدولةِ الخارجيةِ “.

الاتجاه الثالثِ: يعرفَ السياسةَ الخارجيةَ على أنها نشاطٌ: فيعرفُ ” مارسيلْ مجرل ” السياسةِ الخارجيةِ بأنها ” ذلكَ الجزءَ منْ النشاطِ الحكوميِ الموجهِ نحوَ الخارجِ، أيْ الذي يعالجُ بنقيضٍ السياسةِ الداخليةِ، مشاكل تطرحُ ما وراءَ الحدودِ “.

  • التَّعْريف الإجْرائيِّ:

منْ خلالِ النظرِ في التعريفاتِ المختلفةِ للسياسةِ الخارجيةِ يمكنُ تقديمَ تعريفٍ شاملٍ لها على أنها: مجموعُ نشاطاتِ الدولةِ الناتجةِ عنْ اتصالاتها الرسميةِ معَ مختلفِ فواعلِ النظامِ الدوليِ، وفقا لبرنامجٍ محكمٍ التخطيطِ ومحددٍ الأهدافِ، والتي تهدفُ إلى تغييرِ سلوكياتِ الدولِ الأخرى أوْ المحافظةِ على الوضعِ الراهنِ في العلاقاتِ الدوليةِ. كما أنها تتأثرُ بالبيئتينِ الداخلية والخارجيةِ. وبالتالي يمكنُ استنتاجَ أهمِ خصائصِ السياسةِ الخارجيةِ كالآتي:

خصائص السياسيةِ الخارجيةِ:

تتميزَ السياسةُ الخارجيةُ بعددٍ منْ الخصائصِ يمكنُ حصرها في:

أولاً: الطابعُ الخارجيُ: ” بمعنى أنَ السياسةَ الخارجيةَ موجهةٌ للبيئةِ الخارجيةِ. فعلى الرغمِ منْ أنَ السياسةَ الخارجيةَ تصنعُ داخلَ أجهزةِ الدولةِ (البيئةُ الداخليةُ) إلا أنَ تنفيذها ومسارُ سلوكها يكونُ في إطارِ البيئةِ الخارجيةِ أيْ البيئةِ الدوليةِ. فالبيئةُ الخارجيةُ هيَ الإطارُ الذي تختبرُ فيهِ هذهِ السلوكياتِ وهوَ الذي تحققَ فيهِ الأهدافُ المسطرةُ للسياسةِ الخارجيةِ.

ثانيًا: الطابعُ الرسميُ: والمقصودُ بالرسميةِ هوَ ” أنَ السياسةَ الخارجيةَ تتخذُ منْ قبلِ جهةٍ رسميةٍ في الدولةِ. أيْ أنهُ لا يمكنُ لأيِ جهازٍ غيرِ رسميٍ في الدولةِ أنْ يكونَ لهُ الفصلُ النهائيُ في توجيهِ السياسةِ الخارجيةِ “.

ثالثًا: الطابعُ الاختياريُ: يعني أنَ ” برامجَ وقراراتِ السياسةِ الخارجيةِ مختارةً منْ عدةِ بدائلَ مقترحةٍ. فأيُ موقفٍ دوليٍ لا يوجبُ بالضرورةِ ردَ فعلٍ وحيدٍ وحتميٍ لدى الدولةِ المعنيةِ بهِ، وأنَ تلكَ الدولةِ تمتلكُ مجموعةً منْ الخياراتِ والبدائلِ الممكنةِ، فهيَ تختارُ أحدها حسبَ أهدافها ومصلحتها القوميةِ”.

  • عناصر السياسةِ الخارجيةِ:

السياسة الخارجيةِ للأمةِ تتمُ صياغتها وتنفيذها منْ قبلُ صانعي السياسةِ، وبذلكَ تأخذُ في الاعتبارِ المصلحةِ الوطنيةِ للأمةِ والبيئةِ الداخليةِ والخارجيةِ، والقيمُ الوطنيةُ، وأهدافَ السياسةِ الخارجيةِ، وقراراتُ الدولِ الأخرى، وطبيعةُ هيكلِ السلطةِ الدوليةِ. وعلى هذا تتشكلُ عناصرَ السياسةِ الخارجيةِ في إطارِ 16 عنصرا كالآتي:

 – حجمُ أراضي الدولةِ: فحجمُ الدولةِ يعدْ عاملٌ مهمٌ في سياستها الخارجيةِ. حيثُ يؤثرُ الحجمُ على البيئةِ النفسيةِ والتشغيليةِ التي يستجيبُ لها صناعُ السياسةِ الخارجيةِ والجمهورِ. ويشملَ ذلكَ أيضا حجمَ المواردِ البشريةِ، فتحاولُ الأممُ ذاتُ المواردِ البشريةِ وغيرِ البشريةِ الكبيرةِ أنْ تصعدَ لمصافِ القوى الكبرى، ويكونَ لديها فرصةٌ أكبرُ في حالِ امتلاكها لقوى بشريةٍ مؤهلةٍ لأنْ تصبحَ قوى كبيرةٌ في إطارِ العلاقاتِ الدوليةِ.

 – العاملُ الجغرافيُ: جغرافيا الدولةِ هيَ العاملُ الأكثرُ استقرارا ودائمةً لسياستها الخارجيةَ. تعدّ تضاريسُ الأرضِ وخصوبتها ومناخها وموقعها منْ العواملِ الجغرافيةِ الرئيسيةِ التي تؤثرُ على السياسةِ الخارجيةِ للأمةِ. هذهِ العواملِ تحددُ الاحتياجاتُ وكذلكَ القدرةُ على تلبيةِ احتياجاتِ شعبِ الأمةِ.

 – مستوى وطبيعةُ التنميةِ الاقتصاديةِ: تشكلَ القوةُ الاقتصاديةُ بعدا أساسيا للسلطةِ الوطنيةِ في العصرِ الحديثِ وفي الوقتِ الحاضرِ؛ يمكنُ استخدامهُ بشكلِ أكثرِ فعاليةٍ لضمانِ أهدافِ السياسةِ الخارجيةِ. لقدْ كانتْ القوةُ الاقتصاديةُ الأمريكيةُ أداةً رئيسيةً لسياستها الخارجيةَ. لقدْ أجبرَ ضعفُ روسيا الاقتصاديِ على تغييرِ سياستها تجاهَ الولاياتِ المتحدةِ وبلدانٍ أخرى. تطويرُ الاقتصادِ الهنديِ بالتأكيدِ أعطى دفعةً قويةً لعلاقاتِ الهندِ الخارجيةِ. وبالتالي، فإنَ مستوى وطبيعةَ التنميةِ الاقتصاديةِ والتصنيعِ والتحديثِ هما عاملانِ مهمانِ في السياسةِ الخارجيةِ.

 – العواملُ الثقافيةُ والتاريخيةُ: إنَ التراثَ الثقافيَ وتاريخَ الأمةِ هما عاملانِ مهمانِ وقيمانِ منْ سياساتها الخارجيةِ. إنَ القواعدَ والتقاليدَ التي تميزَ حياةَ أهلِ الدولةِ هيَ عواملُ مؤثرةٌ للغايةِ في سياستها الخارجيةِ. خلالَ عمليةِ تفسيرِ وصياغةِ أهدافِ المصلحةِ الوطنيةِ، يحكمَ صناعُ القرارِ دائما روابطهمْ الثقافيةَ والتقاليدَ والتجاربَ التاريخيةَ.

 – البنيةُ الاجتماعيةُ: كما أنَ هيكلَ وطبيعةَ المجتمعِ الذي تعملُ عليهِ السياسةُ الخارجيةُ عنصر هامٍ. يتمَ تحديدُ طبيعةِ المجموعاتِ الاجتماعيةِ ودرجةُ الصراعِ والوئامِ التي تميزَ علاقاتهما المتبادلةَ منْ خلالِ البنيةِ الاجتماعيةِ. مجتمعٌ يتميزُ بنزاعاتٍ داخليةٍ قويةٍ وأعمالِ الفتنةِ كمصدرٍ للضعفِ بالنسبةِ للسياسةِ الخارجيةِ.

– الهيكل الحكوميِ: إنَ تنظيمَ وهيكلَ الحكومةِ، أيْ الهيئاتِ التنظيميةِ التي تتعاملُ معَ صنعِ السياسةِ الخارجيةِ وتنفيذها، عنصرٌ آخرُ مهمٌ في السياسةِ الخارجيةِ. يتمَ تحديدُ شكلِ السياسةِ الخارجيةِ أيضا منْ خلالِ حقيقةِ ما إذا كانتْ الهيئاتُ الحكوميةُ التي تتعاملُ معها تشكلتْ بشكلٍ ديمقراطيٍ أمْ لا.

 – الوضعُ الداخليُ: مثلٌ العواملِ الظرفيةِ الخارجيةِ، تؤثرَ التغيراتُ المفاجئةُ أوْ الاضطراباتِ أوْ الاضطراباتِ التي تحدثُ داخلَ البيئةِ الداخليةِ للأمةِ على طبيعةِ ومسارِ السياسةِ الخارجيةِ. فعلى سبيلِ المثالِ، كانَ صعودُ قيادةٍ جديدةٍ في الصينِ هوَ الآنَ مدخل هامٍ للسياسةِ الخارجيةِ الصينيةِ. كانَ تصاعدُ حكومةِ التحالفِ الوطنيِ التقدميِ بقيادةِ الولاياتِ المتحدةِ في الهندِ عامَ 2004 بمثابةِ مصدرٍ لبعضِ التغييراتِ في العلاقاتِ معَ جيرانِ الهندِ.

 – ما يتمتعُ بهِ القائدُ منْ شخصيةٍ وخبراتٍ: بما أنَ السياسةَ الخارجيةَ للأمةِ يتمُ تنفيذها وتنفيذها منْ قبلِ القادةِ ورجالِ الدولةِ والدبلوماسيينَ، فإنها بطبيعةِ الحالِ تحملُ بصمةَ قيمها، ومواهبها، وخبراتها، وشخصياتها. إنَ الأفكارَ والتوجهاتِ والمعتقداتِ والكراهيةَ والمواقفَ والمعرفةَ والمهارةَ ورؤيةَ صناعِ القرارِ على مستوى العالمِ هيَ مدخلاتٌ مؤثرةٌ في السياسةِ الخارجيةِ. الاختلافاتُ بينَ القادةِ هيَ أيضا مدخلاتٍ مؤثرةً في السياسةِ الخارجيةِ.

 – المسألةُ السياسيةُ: على حدِ تعبيرِ روزناوْ، فإنَ ” الدرجةَ التي يخضعُ فيها المسؤولونَ العموميونَ للمساءلةِ، أما عنْ طريقِ الانتخاباتِ، أوْ المنافساتِ الحزبيةِ، أوْ الإشرافِ التشريعيِ، أوْ غيرها منْ الوسائلِ، يمكنَ أنْ تكونَ لها عواقبُ مهمةٌ على توقيتِ ومحتوياتِ الخططِ ينشطُ في الشؤونِ الخارجيةِ “. فإنَ النظامَ السياسيَ المستجيبَ والمسؤولَ أمامَ الناسِ، يعملَ في بيئةٍ مختلفةٍ عنْ النظامِ السياسيِ الذي هوَ نظامٌ مغلقٌ، أيْ نظامٍ غيرِ مفتوحٍ ولا مسؤول أمامَ الناسِ. كما أنَ السياسةَ الخارجيةَ لنظامٍ سياسيٍ مفتوحٍ أكثرِ استجابةٍ للرأي العامِ والمطالبِ العامةِ أكثرَ منْ السياسةِ الخارجيةِ لنظامٍ سياسيٍ مغلقٍ.

 – الأيدلوجيةُ: السياسةُ الخارجيةُ هيَ مجموعةٌ منْ المبادئِ وخطةِ عملِ استراتيجيةٍ اعتمدتها أمةٌ لتحقيقِ أهدافِ المصلحةِ الوطنيةِ. لديها دائما محتوى أيديولوجيٍ. منْ أجلِ تأمينِ الدعمِ لهدفها وكذلكَ لانتقادِ أهدافِ السياسةِ الخارجيةِ للدولِ الأخرى، فإنها تحتاجُ وتتبنى أيديولوجيةُ أوْ بعضِ المبادئِ الأيديولوجيةِ.

 – الدبلوماسيةَ: الدبلوماسيةَ هيَ الأداةُ التي تنتقلُ بها السياسةُ الخارجيةُ لدولةِ ما إلى ما وراءَ حدودها وتقيمُ اتصالاتٌ معَ دولٍ أخرى. إنها الدبلوماسيةُ التي تحاولُ تأمينَ أهدافِ السياسةِ الخارجيةِ أثناءَ العلاقاتِ معَ الدولِ الأخرى. إلى جانبِ كونها وسيلةً، فإنَ الدبلوماسيةَ هيَ أيضا مدخلاً للسياسةِ الخارجيةِ. وجهةُ النظرِ العالميةِ التي رسمتها الدبلوماسيةُ والتقاريرُ التي أعدها الدبلوماسيونَ هيَ مصادرُ قيمةٌ لصنعِ السياسةِ الخارجيةِ.

– البيئة الاستراتيجيةِ العالميةِ: إنَ العلاقاتِ التي تقيمها الدولُ فيما بينها تدعمها المصالحُ والقوى الوطنيةُ الخاصةُ بها. في الواقعِ، مثلٌ هذهِ العلاقاتِ تنطوي على النضالِ منْ أجلِ السلطةِ فيما بينها. التأثيرُ الصافي هوَ أنَ العلاقاتِ الدوليةَ تشكلُ هيكلاً قويا تلعبُ فيهِ الدولُ الأكثرُ قوةً – القوى العظمى والقوى الكبرى – دورُ أكثرِ قوةٍ وحيويةٍ منْ الدولِ الأقلِ قوةً نسبيا.

 – الرأيُ العامُ: الرأيُ العامُ (الوطنيَ والدوليِ) هوَ مدخلٌ هامٌ آخرٍ للسياسةِ الخارجيةِ. يجبَ على صانعي القرارِ في كلِ دولةِ قبولِ وجهةِ نظرِ الأشخاصِ الذينَ يمثلونها وكذلكَ الرأيُ العامُ العالميُ. بلا شكٍ، يجبَ على صانعي القرارِ كقادة أنْ يقودوا الجمهورُ، ولكنْ عليهمْ أيضا تلبيةَ مطالبِ الرأيِ العامِ.

 – التكنولوجيا: تطبيقُ المعرفةِ بالاختراعاتِ العلميةِ للأغراضِ العمليةِ والمفيدةِ يؤدي إلى التكنولوجيا. إنَ مستوى التطورِ التكنولوجيِ وطبيعةُ الدرايةِ التقنيةِ عناصرَ مهمةً في السياسةِ الخارجيةِ. لقدْ كانتْ التكنولوجيا المتقدمةُ للغايةِ عاملاً رئيسيا في قوةِ السياساتِ الخارجيةِ للقوى الكبرى.

 – البيئةُ الخارجيةُ: يجبَ أنْ تعملَ السياسةُ الخارجيةُ في البيئةِ الدوليةِ التي تخضعُ لكثيرٍ منْ التغييراتِ الظرفيةِ المتكررةِ والمهمةِ. وبالتالي، فقدْ كانَ دائما على التكيفِ وفقا لهذهِ التغييراتِ. هذهِ التغيراتِ الظرفيةِ تعملُ كمدخلاتٍ للسياسةِ الخارجيةِ.

– التحالفاتُ والمعاهداتُ الدوليةُ: التحالفُ هوَ وسيلةُ تجمعِ بها بعضُ الدولِ سلطاتها أوْ توافقُ على تجميعِ سلطاتها في حالةِ حدوثِ حالةٍ معينةٍ، فتعدٍ التحالفات بمثابةِ أدواتٍ للسياساتِ الخارجيةِ.

ج) مفهومٍ النظامِ الدوليِ:

يعني مصطلحُ النظامِ الدوليِ / العالميَ في تعريفهِ: ” مجموعةُ القواعدِ العامةِ للتعاملِ الدوليِ، في جوانبهِ الصراعيةِ والتعاونيةِ، كما تضعها القوى الكبرى في الجماعةِ الدوليةِ، وتفرضها على القوى الأخرى في مرحلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ “.

ويشيرَ مفهومُ النظامِ الدوليِ إلى التفاعلاتِ والأنشطةِ السياسيةِ والدوليةِ التي ينتجُ عنها بروزُ أنماطٍ مختلفةٍ ونماذجَ متباينةٍ منْ العلاقاتِ التي ترتكزُ حولَ أطرٍ تنظيميةٍ وهياكلَ مؤسسيةٍ معينةٍ، وقواعدُ سلوكيةٌ دوليةٌ محددةٌ، وهيَ القواعدُ التي يمكنُ أنْ تتطورَ معَ الوقتِ وفقَ ما تقضي بهِ معطياتُ الواقعِ، وتفرضهُ متغيراتُ الظروفِ.

2) النظرية التحليليةِ المستخدمةِ في الدراسةِ:

بالنظرِ إلى موضوعِ الدراسةِ، سنقومُ بالاستنادِ إلى نظريةِ توازنِ القوى في إطارِ المدرسةِ الواقعيةِ، إذْ إنها تشكلُ إطارا نظريا مناسبا لفهمِ أثرِ السياساتِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على علاقاتِ توازنِ القوى في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا. انطلاقا منْ ذلكَ، سيتمُ التطرقُ إلى نظريةِ توازنِ القوى وخاصةً فيما يتعلقُ بتوازنِ القوى الإقليميِ وأثرهِ على التوازنِ الدوليِ، منْ خلالِ التركيزِ على أهمِ المبادئِ والافتراضاتِ التي تقومُ عليها النظريةُ في نظرتها لواقعِ العلاقاتِ الدوليةِ والسياسةِ الخارجيةِ، بما يساعدُ على دراسةِ وتحليلِ الموضوعِ محلَ الدراسةِ.

في واقعِ العلاقاتِ الدوليةِ نجدُ أنَ القوى العالميةَ والدوليةَ تتصارعُ فيما بينها للاستحواذِ على أكبرِ قدرِ منْ القوةِ أوْ السعيِ لامتلاكها، بما يحققُ التوازنُ الكميُ والنوعيُ على المستوى الإقليميِ والدوليِ في مختلفِ المجالاتِ أوْ فيما يخصُ مجالاتٍ محددةً. وتسعى الدولُ في هذا المجالِ لتسخيرِ كافةِ قدراتها لخدمةِ الغاياتِ والأهدافِ التي تحققُ هذا التوازنِ وبما يحققُ مصالحها الوطنيةَ. ومنْ هذا المنطلقِ نجدُ أنَ هناكَ اختلافاتٌ في القوى النسبيةِ للدولِ تحكمها درجاتُ التفاوتِ في القدراتِ النوعيةِ والكميةِ والكيفيةِ التي تستخدمُ بها هذهِ القدراتِ، والتي تشملُ المكوناتُ الماديةُ وغيرُ الماديةِ التي يتضمنها تنظيمُ القوى وفقا لما هوَ متوفرٌ منها لكلِ دولةٍ.[36]

ومنْ هذا المنظورِ ظهرتْ الحاجةُ لفهمِ العلاقاتِ السياسيةِ الدوليةِ منْ خلالِ ما يسمى بنظريةِ توازنِ القوى في العلاقاتِ، حتى أصبحَ قانونا أساسيا يحكمُ هذهِ العلاقاتِ وبالتالي يحيطُ بدوافعِ السلوكِ الدوليِ، فأصبحَ التوازنُ يفترضُ تعددُ القوى السياسيةِ أيْ الدولِ. كما يشيرُ إلى التقاربِ الذي قدْ يحدثُ بينَ هذهِ الوحداتِ أوْ الدولِ والتنافسِ أوْ الصراعِ فيما بينهما. وعلى مستوى الصراعاتِ الإقليميةِ فهيَ على الرغمِ منْ أنها تبدو محدودةً ضمنَ إطارها الإقليميِ إلا أنَ لها امتداداتٌ عالميةٌ، أيْ أنها تشكلُ صراعاتٍ إقليميةً ذاتَ أبعادٍ دوليةٍ تتأثرُ بشكلِ أوْ بآخرَ بطبيعة التوازناتِ والمصالحِ الكونيةِ.[37]

أهمَ الافتراضاتِ التي قامتْ عليها نظريةُ توازنِ القوى:

تستندَ نظريةَ توازنِ القوى على ثلاث افتراضاتٍ محوريةٍ كالآتي:

 الافتراضُ الأولُ: إنَ الوحداتِ السياسيةَ والدولَ تفضلُ عادةَ زيادةِ قوتها بحيثُ لا تقتصرُ على ما لديها منْ هذهِ القوةِ إضافةً إلى المحافظةِ على ما تمتلكُ منْ قوةٍ دونَ أنَ تفقدها.

الافتراضُ الثاني: يقومَ على أنَ الدولَ تسعى لمنعِ دولٍ أخرى منْ تطويرِ قوتها وزيادتها بهدفِ التوسعِ على حسابِ دولٍ أخرى.

 الافتراضُ الثالثُ: الحربُ والأحلافُ الدوليةُ أسباب رئيسيةً لتغييرِ توازنِ القوى بينَ الدولِ.[38] أيْ أنَ الأنساقَ الدوليةَ التي تتوزعُ فيها عناصرُ القوى بالتساوي سواءٌ بينَ الدولِ أوْ أحلافٍ تكون أقلَ عرضةً للحروبِ منْ تلكَ الأنساقِ التي تتوزعُ فيها القوى بصورةٍ غيرِ متساويةٍ، فيصبحُ هذا المفهومِ (أيُ توازنِ القوى) هوَ الحالةُ التي يتعذرُ فيها على جميعِ الأطرافِ اللجوءَ لاستخدامِ القوةِ لحسمِ أيِ نزاعٍ بينها، وفي حالةِ وقوعِ هذا النزاعِ فإنهُ يكونُ ضمنَ حدودٍ ضيقةٍ.

وفي إطارِ نظريةِ توازنِ القوى سنقومُ بالتطرقِ لجانبٍ هامٍ منْ تلكَ النظريةِ وهوَ المتعلقُ بتوازنِ القوى الإقليميِ وأثرهِ على التوازنِ العالميِ، مما يسهمُ في فهمِ أهدافِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ منْ دعمِ الهندِ في بعضِ القضايا التي منْ شأنها أنْ تؤثرَ على وضعِ دولةِ الصينِ في الإقليمِ وأثرِ ذلكَ على التوازنِ النسبيِ للقوى بينَ كلٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ ودولةُ الصينِ على الصعيدِ العالميِ.

فنجدُ أنَ: توازنُ القوى الرئيسيِ الذي يضمُ علاقاتِ القوى المسيطرةِ على السياسةِ العالميةِ، يعتمدَ على توازناتٍ أخرى ذاتِ طابعٍ محليٍ يتأثرُ بها وتتأثرُ بهِ، وهوَ ما يطلقُ عليهِ التوازنُ الإقليميُ أوْ الفرعيِ. وهيَ أشكالُ منْ التوازناتِ تتكونُ داخلَ أطرٍ جغرافيةٍ محدودةٍ، تجمعَ عدد منْ الدولِ في علاقاتٍ تتسمُ بالصراعِ على السلطةِ والنفوذِ في هذا الإطارِ الجغرافيِ المحدودِ. وكمحصلةَ لهذا الصراعِ، فإنَ دولاً محدودةً تصلُ إلى مرحلةِ التعادلِ أوْ شبهٍ التعادلِ في القوةِ، مما يؤدي إلى قيامِ توازنِ قوى محليٍ، يتحكمَ في سلوكِ الدولِ، ويكون التنافسُ بينَ أقطابهِ بالأساليبِ السلميةِ وينتهي بالحروبِ.

إنَ توازنَ القوى الإقليميِ يلعبُ دورا مركبا، إذْ إنهُ يؤثرُ تأثيرا مباشرا في الصراعِ العالميِ، ويؤدي إلى حسمهِ أحيانا. ويمكننا القولُ إنَ الصراعاتِ العالميةَ الكبرى تعتمدُ في تطوراتها ونتائجها على ما يجري في الصراعاتِ والتوازناتِ المحليةِ، خاصةً في ظلِ وجودِ الأسلحةِ النوويةِ التي أسهمتْ في تراجعِ فرصِ الحروبِ المباشرةِ والواسعةِ بينَ القوى الكبرى أركانَ التوازنِ العالميِ. فاستعيضَ عنْ ذلكَ بالصراعاتِ الإقليميةِ المحدودةِ، حيثُ يتدخلُ كلُ طرفٍ دوليٍ في هذا الصراعِ بقصدِ تحقيقِ مكاسبَ إقليميةٍ تزيدُ رصيدهُ في ميزانِ القوى العالميِ، وتحطيمَ معسكرٍ خصمةٍ. فإذا تحققتْ المكاسبُ وتعددتْ في مناطقِ الصراعِ، فإنَ توازنَ القوى العالميِ يتحولُ نحوَ الطرفِ المنتصرِ.

يوجد عدةَ شروطٍ لهذهِ العلاقةِ بينَ التوازنِ الإقليميِ وأثرهِ على التوازنِ الدوليِ تتمثلُ في: (أ) أهميةُ الطرفِ الإقليميِ. (ب) إدراكُ القطبِ الدوليِ لأهميةِ توازنِ القوى الإقليميِ. (ج) وجودُ مصالحَ مشتركةٍ بينَ الطرفينِ الدوليِ والإقليميِ.[39]

3) منهجية الدراسةِ:

سوفَ نعتمدُ في هذهِ الدراسةِ على منهجينِ للتحليلِ أولهما منهجُ توازنِ القوى، ثانيهما منهجَ تحليلِ السياسةِ الخارجيةِ.

  • منهجُ توازنِ القوى:

يشكلَ منهجُ توازنِ القوى أوْ ما يعرفُ أيضا بمنهجِ التحليلِ في إطارِ التوازنِ أساسا مقبولاً لتحليلِ العلاقاتِ وتفهمها منْ منطلقاتٍ علميةٍ وواقعيةٍ، وذلكَ بالنظرِ إلى أنَ كلَ الدولِ تحرصُ على تطبيقِ السياساتِ التي تؤمنُ لها الحصولُ على أفضلِ وضعٍ ممكنٍ في إطارِ التوازناتِ الدوليةِ القائمةِ.[40]

ووفْقًا لِمَا سبق ذِكْره فِي إِطَار نَظَريَّة تَوازُن اَلقُوى عن كَيفِية اِسْتخْدام اَلقُوى اَلكُبرى لِلتَّوازنات الإقْليميَّة كاليه لِلْحفَاظ على التَّوازنات على اَلصعِيد العالميِّ ، سنعْمل على اِسْتخْدام مَنهَج تَوازُن اَلقُوى لِتفْسِير وَتحلِيل عَلاقَة الولايات المتَّحدة الأمْريكيَّة كَفاعِل دَولِي وعالَميٍّ بِالْهِنْد كَقوَّة صَاعِدة لَهَا وزْنهَا فِي إِقْليم جَنُوب شَرْق آسْيَا ، وَمَصلحَة الولايات المتَّحدة مِن جَرَّاء تَوثِيق علاقتهَا بِالْهِنْد عن طريق التَّرْكيز على : أوَّلًا : المكانة اَلتِي تَتَمتَّع بِهَا الهنْد حاليًّا فِي إِقْليم جَنُوب شَرْق آسْيَا . ثانيًا: المصالح الأمْريكيَّة فِي إِقْليم جَنُوب شَرْق آسْيَا، وَأثَر الهيْمنة الصِّينيَّة فِي الإقْليم على المصالح الأمْريكيَّة. ثالثًا: المصالح المشْتركة بَيْن كُلٍّ مِن الولايات المتَّحدة الأمْريكيَّة وَالهِند، وكيْف تَقُوم الولايات المتَّحدة بِدَعم الهنْد فِي النِّزاعات اَلتِي تَحدُث فِي الإقْليم ومَا مصالحهَا مِن وَرَاء ذَلِك، وكيْف يُؤثِّر الدَّعْم الأمْريكيُّ لِلْهنْد على اَلوُجود الصِّينيِّ فِي الإقْليم، وَعلَى العلاقات بَيْن دوْلتيْ الهنْد والصِّين.

  • مَنهَج تَحلِيل السِّياسة الخارجيَّة:

يَقُوم هذَا المنْهج على تَحلِيل سُلُوك الدَّوْلة على اَلصعِيد الخارجيِّ تُجَاه الوحدات الدَّوْليَّة اَلأُخرى، وكيْف تَقُوم الدَّوْلة بِاتِّبَاع سُلوكيَّات مُحَددَة لِتحْقِيق أَهدَاف سِياستهَا الخارجيَّة، حَيْث يَعتَبِر ذَلِك الإطَار العمَليِّ اَلذِي يُمْكِن مِن خِلاله التَّحَقُّق مِن الأهْداف الحقيقيَّة لِلْوحْدة الدَّوْليَّة، مِن خِلَال المقارنة بَيْن مَا هُو مُعلَن مِن أَهدَاف ومَا هُو كَائِن بِالْفِعْل.[41]

بِالتَّطْبيق على الموْضوع محلَّ الدِّراسة، سنعْمل على اِسْتخْدام هذَا المنْهج لِتحْلِيل سُلُوك الولايات المتَّحدة الأمْريكيَّة فِي إِدارة علاقتهَا بِالْهِنْد، وكيْف تَعمَل الولايات المتَّحدة على تَوجِيه أَدوَات سِياستهَا الخارجيَّة فِي إِطَار تَحقِيق مصالحهَا مع الهنْد، وَذلِك لِدراسة أثر السِّياسة الخارجيَّة الأمْريكيَّة تُجَاه الهنْد على العلاقات الهنْديَّة – الصِّينيَّة.

الفصْل الأوَّل

السِّياسة الخارجيَّة الأمْريكيَّة تُجَاه الهنْد

بدأتْ الولاياتُ المتحدةُ منذُ أواخرِ عهدِ الرئيسِ باراكْ أوباما أنْ تدركَ وتعترفُ بالأهميةِ الاقتصاديةِ المتزايدةِ لمنطقةِ آسيا والمحيطِ الهادئِ ، وبالتحدياتِ الأمنية التي منْ المحتملِ أنْ تواجهها الولاياتُ المتحدةُ مستقبلاً في تلكَ المنطقةِ ، وهوَ ما يعكسُ توجها أمريكيا عرفَ في البدايةِ بمسمى ” محورِ الارتكازِ الآسيويِ pivot to Asia ” ، ثمَ أصبحَ لاحقا يسمى ” إعادةَ التوازنِ rebalance ” ، وتقومَ نقطةُ ارتكازهِ على دعمِ الروابطِ الدبلوماسيةِ ، والعلاقاتُ التجاريةُ ، وكذلكَ الأمنيةُ للولاياتِ المتحدةِ معَ منطقةِ آسيا والمحيطِ الهادئِ.[42]

وتتمثلَ أهمَ التحدياتِ التي تواجها الولاياتُ المتحدةُ بمنطقةِ آسيا والمحيطِ الهادئِ في نموِ النفوذِ الصينيِ والانحدارِ النسبيِ لسلطةِ الولاياتِ المتحدةِ. فاتجهتْ الولاياتُ المتحدةُ ردا على ذلكَ باتباعِ سياسةٍ لوقفِ نفوذها المتراجعِ منْ خلالِ اتباعها سياساتٍ تهدفُ إلى التركيزِ على إرساءِ التوازنِ في المنطقةِ مما يعرقلُ هيمنةَ النفوذِ الصينيِ ، وذلكَ عنْ طريقِ اتخاذها سياسةَ قائمةٍ على تعزيزِ علاقتها بدولٍ جنوبَ شرقِ آسيا بالتركيزِ على الهندِ كونها الفاعلَ الإقليميَ الصاعدَ الذي يمتلكُ قويٌ قدْ تمكنها منْ مجابهةِ الصينِ في الإقليمِ ، وهوَ ما دفعَ الولاياتِ المتحدةَ بتوجيهِ اهتمامٍ خاصٍ لها كجزءٍ منْ استراتيجيتها لإدارةِ ميزانِ القوى المتغيرِ في آسيا.[43]

بالنظرِ إلى اختيارِ الولاياتِ المتحدةِ للهندِ للعملِ على تحقيقِ مصالحها في الإقليمِ فإنَ ذلكَ يرجعُ إلى ما عدةُ أمورٍ تتضمنُ القيمُ والمصالحُ المشتركةُ بينَ البلدينِ. بالإضافةِ للأهميةِ الاستراتيجيةِ للهندِ، فتقعُ الهندُ على مفترقِ طرقِ جنوبِ آسيا وجنوبِ شرقِ آسيا والشرقِ الأوسطِ، مما يجعلها لاعبا مهما في المنطقةِ. وأيضا لما تتمتعُ بهِ الهندُ منْ مؤشراتٍ تنمويةٍ مرتفعةٍ منذُ تولي رئيسِ الوزراءِ الهنديِ مودي في 2014، وما حققهُ منْ إنجازاتٍ تنمويةٍ يشارُ إليها بأنها أحدُ أهمِ النجاحاتِ المميزةِ في العقدينِ الماضيينِ.[44] مما أسهمَ في نظرِ الولاياتِ المتحدةِ للهندِ كونها الشريكَ المثاليَ للتعاونِ على تحقيقِ المصالحِ المتبادلةِ بينَ البلدينِ منذُ عهدِ كلٍ منْ الرئيسِ أوباما ورئيسِ الوزراءِ مودي في عامِ 2014 وحتى الآنَ.

بُناء على ما سبقَ تمَ تقسيمُ هذا الفصلِ إلى مبحثينِ كالآتي: يتناولَ المبحثُ الأولُ الأهدافَ والمصالحَ الأمريكيةَ في إطارِ التعاونِ معَ الهندِ. ويركزَ المبحثُ الثاني على أدواتِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ في إدارةِ علاقتها بالهندِ.

المبْحث الأوَّل

أَهدَاف ومصالح الولايات المتَّحدة الأمْريكيَّة فِي إِطَار تعاونهَا مع الهنْد

في هذا المبحثِ سوفَ يتمُ تناولَ الأهدافِ والمصالحِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ، والتي سوفَ تشملُ بشكلٍ أساسيٍ كلا منْ المصالحِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ، ولكنَ قبلاً سوفَ نتوجهُ للحديثِ عنْ التوجهاتِ الأساسيةِ في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ منذُ عامِ 2014 كالآتي:

لمْ تختلفْ توجهاتُ رؤساءِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ إيذاءَ الهندِ منذُ عامِ 2014 حتى الآنَ فنجدُ أنَ: إدارةٌ أوباما خلالَ فترةِ حكمهِ الثانيةَ منْ 2012 إلى 2017 قدمَ تصريحاتٍ حولَ رؤيتهِ الإيجابيةِ عنْ العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ كلٍ منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ خلالَ زيارتهِ للهندِ عامَ 2015. مشيرا إلى أنَ الهندَ تمثلُ شريكا هاما للولاياتِ المتحدةِ في المنطقةِ الآسيويةِ، وانْ التعاونِ بينَ البلدينِ يمثلُ مصلحةً مشتركةً للجانبينِ وللعالمِ بأسرهِ.[45]

إدارة دونالدْ ترامبْ خلالَ الفترةِ منْ 2017 حتى 2021، على الرغمِ منْ توجهاتِ الرئيسِ ترامبْ على المستوى الدوليِ والتي تراوحتْ بينَ الدعوةِ إلى التعاونِ الدوليِ والاهتمامِ بالشئونِ الدوليةِ، وبينَ الانسحابِ منْ بعضِ الاتفاقياتِ والمنظماتِ الدوليةِ معللاً ذلكَ بتفضيلهِ للعملِ على الأولوياتِ الوطنيةِ الأمريكيةِ. إلا أنهُ ظلَ على نهجِ إدارةٍ أوباما حولَ توثيقِ العلاقاتِ التعاونيةِ معَ الهندِ. ففي خطاباتهِ الرسميةِ وصفَ ترامبْ الهندِ بأنها شريكٌ استراتيجيٌ هامٌ للولاياتِ المتحدةِ، وأعربَ عنْ تقديرهِ للعلاقاتِ الثنائيةِ بينَ البلدينِ.

إدارةُ جونْ بايدنْ خلالَ الفترةِ منْ 2021 حتى الآنَ: حيثُ شهدتْ إدارةَ الرئيسِ بايدنْ نشاطا للولاياتِ المتحدةِ على الصعيدِ الدوليِ في إطارِ عددٍ منْ القضايا كتغيرِ المناخِ وحقوقِ الإنسانِ والالتزامِ بتعزيزِ الأمنِ ودعمِ السلامِ والاستقرارِ. وعلى صعيدِ توجهاتِ أمريكا تجاهَ الهندِ لمْ تختلفْ إدارةُ بايدنْ عنْ كلٍ منْ أوباما وترامبْ، فاتبعَ نفسُ النهجِ منْ التعاونِ لتعزيزِ علاقتهِ بالهندِ. مشيرا إلى زيادةِ التعاونِ الإقليميِ بينَ الهندِ وأمريكا، منْ خلالِ التركيزِ على عدةِ مجالاتِ وقضايا مشتركةٍ بينهما كمكافحةِ الإرهابِ، والتجارةُ والاستثمارُ، الطاقةُ والبنيةُ التحتيةُ.

نجدُ في النهايةِ أنهُ على الرغمِ منْ اختلافِ توجهاتِ رؤساءَ أمريكا بينَ إدارتي كلا منْ أوباما وبايدنْ ذاتَ التوجهِ الليبراليِ، وإدارةُ ترامبْ التي تميزتْ بالتنقلِ بينَ عددٍ منْ التوجهاتِ وتشملُ الانعزاليةُ الوطنيةُ والواقعيةُ والدوليُ المحافظُ، إلا أنَ توجهَ الولاياتِ المتحدةِ بشكلٍ عامٍ في توثيقِ علاقتها بالهندِ لمْ يتغيرْ منذُ عامِ 2014 وحتى الآنَ وانْ اختلفتْ الأساليبُ.

أولاً: المصالحُ السياسيةُ

للولاياتِ المتحدةِ العديدَ منْ المصالحِ السياسيةِ معَ الهندِ وتتضمنُ:

 1 – مواجهةُ النفوذِ المتزايدِ للصينِ:

تتميزَ الهندُ بموقعٍ استراتيجيٍ هامٍ، حيثُ تقعُ على مفترقِ طرقِ جنوبِ آسيا وجنوبِ شرقِ آسيا والشرقِ الأوسطِ، مما يجعلها لاعبا مهما في المنطقةِ، وكانتْ الولاياتُ المتحدةُ حريصةً على تطويرِ علاقاتٍ أوثقَ معَ الهندِ لموازنةِ نفوذِ الصينِ المتنامي في المنطقةِ.

فإنَ ظهورَ أيِ دولةِ كقوةِ موازنةٍ للولاياتِ المتحدةِ يتطلبُ تحقيقَ هيمنةٍ إقليميةٍ أولاً، فبذلكَ تستفيد منْ أحاديةٍ قطبيةٍ إقليميةٍ في تعزيزِ نفوذها على المستوى العالميِ. وهوَ ما ظهرَ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، فمعَ صعودِ الصينِ المتنامي كقوةٍ إقليميةٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ منذُ عامِ 2001، بالإضافةِ لاكتسابها العديدَ منْ الحلفاءِ في الإقليمِ ومنْ أهمهمْ روسيا، حيثُ إنَ التقاربَ بينَ روسيا والصينِ وخاصةً معَ ما يشهدهُ العالمُ حاليا منْ تصاعدِ النفوذِ الروسيِ الصينيِ وتحديهِ للهيمنةِ الأمريكيةِ أحاديةً القطبِ يشكلُ تهديدا للولاياتِ المتحدةِ. فنجدُ أنَ الهدفَ الرئيسيَ خلفَ قيامِ الولاياتِ المتحدةِ بتقويةِ علاقتها بالهندِ هوَ تقييدُ النفوذِ الصينيِ المتنامي في إقليمِ شرقَ وجنوبَ شرقِ آسيا، عنْ طريقِ إبرازٍ فاعلٍ إقليميٍ قويٍ كالهندِ قادر على مجابهةِ النفوذِ الصينيِ المتنامي في الإقليمِ والذي بدورهِ يعملُ على تقييدِ المصالحِ الأمريكيةِ.

ولقدْ أعربَ وزيرُ خارجيةِ الولاياتِ المتحدةِ ” ريكسْ تيلرسونْ ” خلالَ زيارتهِ للهندِ في أكتوبرَ 2017 ، عنْ رؤيتهِ لطبيعةِ الدورِ الذي تريدهُ الولاياتُ المتحدةُ منْ الهندِ بقولهِ : ” الهندُ بحاجةِ إلى شريكٍ موثوقٍ في المحافلِ الدوليةِ ، وأودُ أنْ أقولها بصراحةِ إنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ هيَ هذا الشريكِ الموثوقِ ، نظرا لقيمنا المشتركةِ ورؤيتنا المتطابقةِ حيالَ الأمنِ والاستقرارِ بالعالمِ ، والصينُ تتحديْ وتنتهكُ القوانينُ الدوليةُ عبرَ الاستفزازاتِ في بحرِ الصينِ الجنوبيِ “”.[46] مما يوضحُ أنَ واشنطن لا تريدُ خسارةَ المواقعِ في حربِ النفوذِ ضدَ الصينِ في المنطقةِ ، وترى في الهندِ وكيلاً قويا يمكنهُ أنْ يساعدها في زيادةِ نفوذها العسكريِ والسياسيِ على حسابِ الصينِ منْ المحيطِ الهنديِ وحتى الهادي.

ساهمتْ عدد منْ التطوراتِ التنمويةِ التي تمرُ بها الهندُ حاليا في تعزيزِ موقفها مقابلَ الصينِ، مما يمكنهُ أنْ يؤديَ إلى تحقيقِ هدفِ كلٍ منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في تقييدِ النفوذِ الصينيِ في المنطقةِ. ومنْ ضمنِ تلكَ التطوراتِ: ارتفاعُ معدلِ نموِ السكانِ للهندِ مقارنةً بالصينِ، فقدْ أفادتْ بياناتِ الأممِ المتحدةِ أنَ الهندَ تفوقتْ على الصينِ كأكبرِ دولةٍ في العالمِ منْ حيثُ عددُ السكانِ. فقدْ بلغَ عددُ سكانِ الهندِ 1.428 مليارِ نسمةٍ في منتصفِ عامِ 2023 وفقا لبيانٍ صدرَ عنْ صندوقِ النقدِ الدوليِ للسكانِ.[47] فمنْ المقررِ أنْ تصبحَ الهندُ، حيثُ أكثرُ منْ نصفِ السكانِ دونَ سنِ الثلاثينَ، أسرعَ الاقتصادياتِ نموا في العالمِ خلالَ السنواتِ القادمةِ. فتعدٍ الهند هيَ ثالثٌ أكبرِ اقتصادٍ في آسيا، ويتوقعَ أنْ يصلَ حجمُ اقتصادِ الهندِ إلى 40 تريليونا دولار في 2047 طبقا لتوقعاتِ صندوقِ النقدِ الدوليِ.[48] وذلكَ بالاعتمادِ على ما حققتهُ الهندُ منْ توسعٍ اقتصاديٍ بنسبةِ 6.9 % خلالَ السنةِ الماضيةِ 2022 وفقا لبنكِ التنميةِ الآسيويِ [49]، مما يجعلها واحدةً منْ أسرعِ الدولِ نموا بينَ الدولِ الكبرى (طبقا لمنظمةِ التعاونِ الاقتصاديِ والتنميةِ ).[50]

وفي المقابلِ تشهدُ الصينُ تراجعا في معدلِ النموِ السكانيِ، على الرغمِ منْ تراجعِ بكينْ عنْ سياسةِ الطفلِ الواحدِ في عامِ 2016، وتبنيها لسياسةِ الثلاثةِ أطفالٌ في عامِ 2021، إلا أنَ معدَ النموِ ما زالَ منخفضا وترجحُ عددٌ منْ النظرياتِ أنَ السببَ وراءَ ذلكَ يمكنُ أنْ يرجعَ إلى عددٍ منْ التفسيراتِ منْ ضمنها: ارتفاعُ تكاليفِ المعيشةِ، اعتيادُ السكانِ على الأسرِ الصغيرِ، ارتفاعُ سنِ الزواجِ والذي قدْ يؤدي إلى تأخرِ الإنجابِ أوْ تراجعِ الرغبةِ في الإنجابِ. فتشيرُ التقاريرُ إلى أنَ تعدادَ النساءِ في سنِ الإنجابِ أقلَ مما هوَ متوقعٌ، كما أنَ تحديدَ الإنجابِ بطفلٍ واحدٍ فقطْ منذُ عامِ 1980، أدى إلى اختيارِ الأزواجِ إنجابٌ ولدَ، مما أدى إلى زيادةِ النسبةِ على أساسِ جنسِ المولودِ حتى أصبحتْ أعلى منْ النسبةِ في معظمِ أنحاءِ العالمِ والتي تبلغُ 106 أولادٍ مقابلَ 100 فتاةٍ، لكنَ النسبةَ في الصينِ بلغتْ 120 ولدا، وفي بعضِ المقاطعاتِ ارتفعتْ إلى 130. مما يضعُ الصينَ أما معضلةٌ تنمويةٌ تتمثلُ في انخفاضِ معدلِ النموِ السكانيِ، معَ تراجعِ نسبةِ السكانِ في سنِ العملِ – بينَ 15 و59 عاما – منْ 70 % خلالَ العقدِ الماضي إلى 62 % حاليًا.[51] ووفقا لما سبقَ يتوقعُ أنْ يؤثرَ ذلكَ على التنميةِ الاقتصاديةِ للصينِ، وانخفاضَ نسبةِ الأيدي العاملةِ المحليةِ.

2- تعزيزُ الديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ:

للولاياتِ المتحدةِ مصلحةً في تعزيزِ الديمقراطيةِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ، والهندُ شريك مهمٍ في هذا الجهدِ. أنَ الهندَ أكبرَ ديمقراطيةً في العالمِ، وترى الولاياتُ المتحدةُ الهندُ كشريكٍ استراتيجيٍ في تعزيزِ القيمِ الديمقراطيةِ في المنطقةِ، حيثُ يؤمنُ كلا البلدينِ بأهميةِ حقوقِ الإنسانِ وحريةِ التعبيرِ وسيادةِ القانونِ. فدعمتْ الولاياتُ المتحدةُ جهودَ الهندِ لتعزيزِ الديمقراطيةِ في البلدانِ المجاورةِ لها، وقدمتْ المساعدةُ للهندِ في معالجةِ قضايا حقوقِ الإنسانِ. كما أعربتْ الولاياتُ المتحدةُ عنْ قلقها إزاءَ معاملةِ الهندِ للأقليةِ المسلمةِ وحثتْ الحكومةُ الهنديةُ على حمايةِ حقوقِ جميعِ مواطنيها.[52]

فتؤكدُ استراتيجيةُ الأمنِ القوميِ الأمريكيِ على أهميةِ الهندِ الديمقراطيةِ عندَ مناقشةِ التعاونِ في تعزيزِ النموِ الاقتصاديِ، ومكافحةُ تغيرِ المناخِ، ومكافحةُ جائحةٍ Covid – 19، والتصدي للتحديات التي تطرحها الصينُ في المنطقةِ. وتعملَ الإستراتيجيةُ على تعميقِ الشراكةِ الأمريكيةِ معَ الهندِ والدولِ الأخرى ذاتِ التفكيرِ المماثلِ على أنها ” إنشاءَ شبكةِ علاقاتٍ قويةٍ ومرنةِ ومتداعمهْ والتي تثبتُ الديمقراطياتُ.[53]

بالإضافةِ لكونِ الديموقراطيةِ مثلتْ عنصرا أساسيا في ركيزةِ القيمِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ، والتي تضمنتْ أيضا الإيمانَ بالتعدديةِ وسيادةِ القانونِ. إلا أنها ساهمتْ أيضا في تصورِ البلدانِ لبعضهما البعضِ كشركاء طبيعيينَ أوْ متشابهينِ في التفكيرِ، وحتى كقدوة خاصةٍ للبلدانِ والشعوبِ التي تسعى إلى تحقيقِ التوازنِ بينَ الديموقراطيةِ والتنميةِ والتنوعِ. وعلى سبيلِ المثالِ نجدُ أنَ نائبَ رئيسِ الولاياتِ المتحدةِ آنذاكَ جونْ بايدنْ لاحظَ في عامِ 2013 أنَ ” الرسالةَ التي ترسلها ديموقراطيةُ الهندِ إلى الناسِ في كلِ مكانٍ في العالمِ هيَ: أنهُ لا توجدُ دولةٌ بحاجةِ إلى الاختيارِ بينَ التنميةِ والحريةِ. إنهما ليسوا متناقضينِ”.[54]

كما كانتْ الديموقراطيةُ أيضا عاملاً مضاعفا للقوةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ، حيثُ عززتْ الركائزُ الأخرى للعلاقاتِ بينهما. فبالنظرِ للركيزةِ الاستراتيجيةِ، نجدُ أنَ الإداراتِ الأمريكيةَ القليلةَ الماضيةَ نظرتْ إلى الهندِ على أنها توازنٌ جيوسياسيٌ، وبديلٌ اقتصاديٌ، وتناقض ديموقراطيٍ معَ الصينِ الشيوعيةِ، وهوَ ما يمكنُ أنْ يثبتَ أنَ التنميةَ والديموقراطيةَ لا يستبعدُ أحدهما الآخرُ. وهذا الرأيُ بدورةِ مهدِ الطريقِ للاعتقادِ بأنَ نهوضَ الهندِ يصبُ في المصلحةِ الأمريكيةِ ويستحقُ الدعمُ منْ أجلِ التعاونِ الأمنيِ والدفاعيِ المتزايدِ، وللإداراتِ التي تعطي للهندِ حالةً منْ الاستثناءاتِ (على سبيلِ المثالِ، الصفقةُ النوويةُ المدنيةُ). بدورهِ، أشارَ صناعُ السياسةِ الهنودِ إلى أنَ الطبيعةَ الديموقراطيةَ لبلادهمْ تمثلُ أساسا لمثلٍ هذهِ الاستثناءاتِ وسببا لها لكونها جديرةٍ بالثقةِ سواءٌ على مستوى الولاياتِ المتحدةِ أوْ على المستوى العالميِ.[55]

دورُ الديموقراطيةِ في تعزيزِ الركيزةِ الاقتصاديةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ، والتي تشملُ التجارةُ والاستثمارُ والطاقةُ والهجرةُ والروابطُ التكنولوجيةُ. إنَ حقيقةً أنَ كلا البلدينِ يمثلونَ اقتصادياتٌ حرةٌ داعمةٌ للقيمِ الاقتصاديةِ الليبراليةِ ومنفتحةٍ نسبيا معَ القطاعاتِ الخاصةِ ورجالِ أعمالٍ مزدهرينِ، بالإضافةِ إنَ انتشارَ سيادةِ القانونِ والأنظمةِ القانونيةِ التي لها جذورٌ في القانونِ العامِ الإنجليزيِ قدْ سهلتْ المشاركةُ الاقتصاديةُ وتبادلُ السلعِ والخدماتِ، ورأسَ المالِ، والأفكارُ، والأشخاصُ. حتى أنَ رئيسَ الوزراءِ الهنديِ نارإندرا مودي عرض على المستثمرينَ أنَ الهندَ الديمقراطيةَ و ” الملتزمةَ بالقانونِ ” توفرَ الموثوقية والاستقرارُ واقترحَ أنْ تستثمرَ الشركاتُ الأمريكيةُ في ” محركاتٍ ديمقراطيةٍ ” للنموِ.[56]

قدْ أفادتْ الديموقراطيةُ أيضا في تعزيزِ ركيزةِ التعاونِ العالميِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في المنظماتِ والتجمعاتِ المتعددةِ الأطرافِ وحولَ القضايا العالميةِ مثلٍ تغيرِ المناخِ والصحةِ العامةِ. فقدٌ نظرتْ الولاياتُ المتحدةُ إلى الهندِ على أنها قوةٌ مختلفةٌ عنْ الصينِ، على سبيلِ المثالِ، إلى حدٍ كبيرٍ لأنهُ ينظرُ إليها على أنها دولةٌ ديموقراطيةٌ، وبالتالي دعمتها في منظماتٍ مثلٍ مجموعةِ موردي الموادِ النوويةِ، ومؤخرا، مجلسُ الأمنِ الدوليِ التابعِ للأممِ المتحدةِ. فقدْ أكدَ الرئيسُ الأمريكيُ جودْ بايدنْ خلالَ خطابهِ أمامَ الجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدةِ مؤخرا أنَ ” الولاياتِ المتحدةَ تدعمُ طلبَ الهندِ “.[57] وقدْ حصلتْ الهندُ بالفعلِ على مقعدٍ غيرِ دائمٍ في مجلسِ الأمنِ في يونيو 2020 ولمدةِ عامينِ.[58] وأخيرا نجدُ ركيزةُ القيمِ المشتركةِ قدْ أفادتْ أيضا العلاقاتِ بينَ الناسِ منْ كلا البلدينِ، حيثُ سهلتْ حركةَ الأفرادِ، وإنتاجَ المعرفةِ والروابطِ الثقافيةِ، وتفاعلَ المجتمعِ المدنيِ منْ بينِ أمورٍ أخرى.[59]

ثانيًا: المصالح الاقْتصاديَّة

يعدّ نموّ الهندِ الاقتصاديِ أحدُ الدوافعِ الأساسيةِ للولاياتِ المتحدةِ في تطويرِ علاقتها بالهندِ، في إطارِ زيادةِ التبادلِ التجاريِ والاستثماريِ، والتعاونُ في عددٍ منْ المجالاتِ كالبحثِ العلميِ ومجالاتُ الفضاءِ، والاستثمارُ في مجالاتِ كالطاقةِ والتكنولوجيا، كما تعملُ الولاياتُ المتحدةُ على توريدِ المعداتِ العسكريةِ للهندِ. فتسعى الولاياتُ المتحدةُ لجعلِ الهندِ بديلاً اقتصاديا للصينِ في منطقةِ جنوبَ شرقِ آسيا.

تتمثلَ الأهميةُ الاقتصاديةُ للهندِ في عدةِ جوانبَ منها: النموّ السكانيُ للهندِ والذي تخطى حاجزُ 1.3 مليارِ نسمةٍ لتصبحَ منْ أكبرِ الدولِ منْ حيثُ عددُ السكانِ، ويعتبرَ الشبابُ في الهندِ، الذينَ يمثلونَ أكثرُ منْ 60% منْ السكانِ، مصدرا هاما لجذبِ الاستثماراتِ الخارجيةِ. فالشبابُ يمثلونَ قوةٌ عاملةٌ كبيرةٌ ومؤهلةٌ، ويعتبرونَ أكثرَ تفتحا واستعدادا للتكيفِ معَ التغييراتِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ. لذلكَ، تعملَ الحكومةُ الهنديةُ على تشجيعِ الاستثماراتِ في مجالاتٍ مثلٍ التكنولوجيا والصناعاتِ الإبداعيةِ والسياحةِ، التي تستفيدُ منْ الشبابِ كقوةٍ عاملةٍ وكفاءةٍ.[60]

نجاحُ الحكومةِ الهنديةِ في دعمِ استقرارِ وتعزيزِ الاقتصادِ الهنديِ في ظلِ ما مرَ بهِ المجتمعُ الدوليُ منْ أزماتٍ خلالَ العقدِ الأخيرِ، أهمهمْ جائحةُ كورونا COVID – 19، والحربُ الروسيةُ الأوكرانيةُ والتي ما تزالُ مستمرةً حتى وقتنا الحاليِ. فلمْ يتأثرْ الاقتصادُ الهنديُ بشكلٍ كبيرٍ بالمقارنةِ ببقيةِ الدولِ الأعضاءِ في النظامِ الدوليِ، وذلكَ يرجعُ إلى: تنوعُ اقتصادِ الهندِ واعتمادهِ على عدةِ قطاعاتٍ مختلفةٍ، بما في ذلكَ الخدماتُ والزراعةُ والصناعةُ، فيعتمدُ الاقتصادُ الهنديُ بنسبةٍ كبيرةٍ على المنتجاتِ المحليةِ وذلكَ في إطارِ المبادرةِ التي حرصَ رئيسُ الحكومةِ المركزيةِ في الهندِ ” نارإندرا مودي ” على إطلاقها كأولى خطواتهَ نحوَ التنميةِ تحتَ عنوانِ ” صنعٍ في الهندِ ” والتي أعلنَ عنها في 25 سبتمبر 2014. تحريكُ الحكومةِ الهنديةِ للإصلاحاتِ الاقتصاديةِ وتحسينِ بيئةِ الاستثماراتِ، مما جعلَ الاقتصادُ الهنديُ أكثرَ مرونةٍ وقدرةٍ على التكيفِ معَ التحدياتِ الخارجيةِ. ضعفُ الارتباطاتِ التجاريةِ بينَ الهندِ وروسيا وأوكرانيا، حيثُ لا تعتبرُ روسيا وأوكرانيا منْ أهمِ شركاءِ التجارةِ للهندِ. استفادةُ الهندِ منْ ارتفاعِ أسعارِ النفطِ، حيثُ تعتبرُ مستوردا كبيرا للنفطِ، وبالتالي تستفيدُ منْ ارتفاعِ أسعارهِ[61].

في إطارِ المصالحِ الاقتصاديةِ، قامتْ الولاياتُ المتحدةُ باتخاذِ عددا منْ الخطواتِ لتعزيزِ علاقتها بالهندِ، فعملتْ على:

(1) توسيعُ فرصِ التجارةِ والاستثمارِ وتعزيزِ النموِ الاقتصاديِ في منطقةِ جنوبَ شرقِ آسيا. حيثُ تعملُ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ معا لتعزيزِ العلاقاتِ الاقتصاديةِ منْ خلالِ إنشاءِ منتدى الشراكةِ الاستراتيجيةِ بينهما، والذي يهدفُ إلى زيادةِ التجارةِ والاستثمارِ بينَ البلدينِ.

(2) الاهتمامُ بزيادةِ العلاقاتِ الاقتصاديةِ معَ الهندِ. تجعلَ الطبقةُ الوسطى المتناميةُ في الهندِ وعددِ سكانها الكبيرَ سوقا جذابةً للشركاتِ الأمريكيةِ. كانتْ الولاياتُ المتحدةُ تضغطُ منْ أجلِ اتفاقيةِ التجارةِ الحرةِ (FTA) معَ الهندِ، لكنَ المفاوضاتِ توقفتْ بسببِ الخلافاتِ حولَ حقوقِ الملكيةِ الفكريةِ وقضايا أخرى. ومعَ ذلكَ، فقدْ وقعتْ الولاياتُ المتحدةُ عددا منْ اتفاقياتِ التجارةِ والاستثمارِ معَ الهندِ لتعزيزِ التعاونِ الاقتصاديِ.[62]

(3) دعم جهودِ الهندِ لتصبحَ لاعبا رئيسيا في الاقتصادِ العالميِ. فقدمتْ الولاياتُ المتحدةُ مساعدةً ماليةً وتقنيةً للتنميةِ الاقتصاديةِ في الهندِ، بما في ذلكَ منْ خلالِ إنشاءِ فريقِ عملِ تمويلِ الطاقةِ النظيفةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ، والذي يهدفُ إلى تعزيزِ الاستثمارِ في الطاقةِ النظيفةِ في الهندِ. وتعاونتْ كلتا الدولتينِ على إطلاقِ مبادرةِ التجارةِ والتكنولوجيا الدفاعيةِ الأمريكيةِ الهنديةِ DTTI. حيثُ إنَ (DTTI) هيَ مبادرةٌ مشتركةٌ بينَ البلدينِ تهدفُ إلى تعزيزِ التعاونِ الدفاعيِ ونقلِ التكنولوجيا. بموجب هذهِ المبادرةِ، زودتْ الولاياتُ المتحدةُ الهندُ بمعداتٍ عسكريةٍ متطورةٍ، بما في ذلكَ طائراتُ الهليكوبتر ومعداتِ المراقبةِ.[63]

نجدُ أنَ العلاقاتِ الاقتصاديةَ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ تتضمنُ عددا منْ القطاعاتِ كالآتي:

التجارة: تعتبرَ التجارةُ جانبا مهما منْ العلاقاتِ الاقتصاديةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ. الولاياتُ المتحدةُ هيَ ثاني أكبرِ شريكٍ تجاريٍ للهندِ، والهندُ هيَ واحدةٌ منْ أسرعِ الأسواقِ نموا للصادراتِ الأمريكيةِ. في عامِ 2020، صدرتْ الولاياتُ المتحدةُ سلعا بقيمةِ 22.3 مليارِ دولارٍ إلى الهندِ، بينما استوردتْ بضائعَ بقيمةِ 54.4 مليارِ دولارِ منْ الهندِ. لدى الولاياتِ المتحدةِ والهندِ اتفاقيةَ تجارةٍ ثنائيةٍ تهدفُ إلى تقليلِ الحواجزِ التجاريةِ وتعزيزِ النموِ الاقتصاديِ. تغطي الاتفاقيةُ مجموعةً واسعةً منْ القطاعاتِ، بما في ذلكَ الزراعةُ والمنسوجاتُ والخدماتُ.[64]

الاستثمار: هوَ جانبٌ مهمٌ آخرُ للعلاقاتِ الاقتصاديةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ. الولاياتُ المتحدةُ هيَ ثاني أكبرِ مستثمرٍ أجنبيٍ في الهندِ، باستثماراتٍ تراكميةٍ تزيدُ عنْ 42 مليارِ دولارٍ. وقعتْ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ أيضا على معاهدةِ استثمارٍ ثنائيةٍ تهدفُ إلى تعزيزِ وحمايةِ الاستثماراتِ في كلا البلدينِ. توفرُ المعاهدةِ إطارا لحلِ منازعاتِ الاستثمارِ وتشجعُ الشفافيةُ والقدرةُ على التنبؤِ في عمليةِ الاستثمارِ.[65]

الطاقة: الطاقةُ مجال رئيسيٍ للتعاونِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ. الهندُ هيَ واحدةٌ منْ أكبرِ مستهلكي الطاقةِ في العالمِ، والولاياتُ المتحدةُ هيَ واحدةٌ منْ أكبرِ منتجي الطاقةِ في العالمِ. تعاونتْ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ في العديدِ منْ مشاريعِ الطاقةِ، بما في ذلكَ تطويرُ مصادرِ الطاقةِ المتجددةِ مثلٍ الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةُ الرياحِ. تقومَ الولاياتُ المتحدةُ أيضا بتصديرِ الغازِ الطبيعيِ المسالِ إلى الهندِ، مما ساعدَ على تنويعِ مصادرِ الطاقةِ في الهندِ.[66]

التكنولوجيا: هيَ مجالٌ آخرُ منْ مجالاتِ التعاونِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ. الولاياتُ المتحدةُ هيَ شركةٌ عالميةٌ رائدةٌ في مجالِ التكنولوجيا، والهندُ لديها مجموعةٌ كبيرةٌ منْ العمالِ المهرةِ في قطاعِ التكنولوجيا. تعاونُ البلدانِ في مشاريعَ تكنولوجيةٍ مختلفةٍ، بما في ذلكَ البحثِ والتطويرِ في مجالاتِ الذكاءِ الاصطناعيِ، والتكنولوجيا الحيويةُ، والأمنُ السيبراني. كما تقدمَ الولاياتِ المتحدةَ المساعدةَ الفنيةَ للهندِ في مجالاتٍ مثلٍ تطويرِ البنيةِ التحتيةِ والحوكمةِ الإلكترونيةِ.[67]

في الختامِ، تتنوعَ المصالحُ الاقتصاديةُ للولاياتِ المتحدةِ معَ الهندِ وتغطي مجموعةٌ واسعةٌ منْ القطاعاتِ (التجارةُ والاستثمارُ والطاقةُ والتكنولوجيا) هيَ المجالاتُ الرئيسيةُ للتعاونِ بينَ البلدينِ. تعتبر الولاياتُ المتحدةُ الهندُ شريكا رئيسيا في استراتيجيتها لتعزيزِ النموِ الاقتصاديِ والاستقرارِ في منطقةِ آسيا والمحيطِ الهادئِ.

المبْحث الثَّاني

أَدوَات السِّياسة الخارجيَّة الأمْريكيَّة فِي إِدارة علاقتهَا بِالْهِنْد

إنَ أهدافَ الدولِ تتحققُ عبرَ توظيفِ إمكانيتها ومواردها، وهذا التوظيفُ يقترنُ بوسائلَ مختلفةٍ باختلافِ الإمكاناتِ المتاحةِ لكلِ دولةٍ. تتفاوتَ هذهِ الوسائلِ ما بينَ الإكراهِ والترغيبِ ، وأحيانا منْ الممكنِ استخدامُ كلتا الوسيلتينِ ، وتندرجَ هذهِ الوسائلِ منْ حيثُ تصنيفها ضمنَ نوعينِ رئيسيينِ هما : أدواتُ القوةِ الصلبةِ والمتمثلةِ في الأداةِ الاقتصاديةِ كتقديمِ المساعداتِ أوْ فرضِ العقوباتِ ، والأداةُ العسكريةُ كاتباعِ الحكوماتِ لسياساتِ كالحربِ أوْ التحالفاتِ أوْ الدبلوماسيةِ القسريةِ ، أدواتُ القوةِ الناعمةِ والتي يمكنُ تعريفها طبقا لجوزيفْ نايْ بأنها : ” سلاحٌ مؤثرٌ يسعى إلى تحقيقِ الأهدافِ عنْ طريقِ الجاذبيةِ بدلاً منْ الإرغامِ ، أوْ دفعِ الأموالِ ” ، وتتمثلَ في عدةِ أدواتِ كالأداةِ الثقافية ، والقيمُ السياسيةُ.[68]

اتجهتْ الولاياتُ المتحدةُ في إدارةِ سياستها الخارجيةِ منذُ عهدِ الرئيسِ باراكْ أوباما للتركيزِ على ما يعرفُ باستراتيجيةِ القوةِ الذكيةِ والتي تقومُ على الدمجِ بينَ أدواتِ كلٍ منْ القوةِ الصلبةِ والناعمةِ. يعرف مصطلحُ القوةِ الذكيةِ طبقا لجوزيفْ نايْ بالقولةِ: ” إنَ القوةَ الذكيةَ تعني أنْ نتعلمَ بشكلِ أفضلَ كيفَ نجمعُ بينُ قوتنا الصلبةِ والناعمةِ في مواجهةِ التهديداتِ الدوليةِ القائمةِ والأخطارِ المتوقعةِ أوْ المحتملةِ “. نجحتْ الولاياتُ المتحدةُ في تفعيلِ استراتيجيتها القائمةِ على استخدامِ القوةِ الذكيةِ منذُ إدارةِ الرئيسِ أوباما، فسعتْ منْ خلالها إلى تجديدِ ذاتها، أولاً: لتنصرف إلى إعادةِ ضبطِ إيقاعِ العالمِ على وقعَ دورها، ثانيًا: فهيَ تسعى منْ خلالِ الشراكةِ الدوليةِ إلى إدارةِ التغييرِ الدوليِ عبرَ إعادةِ ترتيبِ النظامِ الدوليِ على أساسِ نظريةِ ” الغربِ الكبيرِ الموسعِ ” المستندِ إلى أوروبا الغربيةِ. وهذا الغربُ الكبيرُ الموسعُ يمكنُ أنْ ينظمَ العلاقاتِ الدوليةَ في نظامٍ عالميٍ متوسعٍ يحدُ منْ تمددِ الدورِ الصينيِ أوْ الروسيِ في النسقِ الدوليِ.[69]

وفي إطارِ ذلكَ سعتْ الولاياتُ المتحدةُ منْ خلالِ استخدامِ القوةِ الذكيةِ في إدارةِ سياستها الخارجيةِ إلى توطيدِ علاقتها بالهندِ عنْ طريقِ الشراكةِ الدوليةِ، ودعمها للهندِ لتصبحَ قوةً إقليميةً عالميةً منافسةً للصينِ لتحجيمِ نفوذها المتصاعدِ والذي يحدُ منْ الهيمنةِ الأمريكيةِ في إدارةِ النظامِ الدوليِ. وفيما يلي سنتناولُ أدواتِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ لتوطيدِ علاقتها التعاونيةِ بالهندِ.

أدوات السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ

اتسمتْ العلاقةُ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والهندِ بتاريخٍ منْ العلاقاتِ الوديةِ بينَ الطرفينِ بالأخصِ بعد انتهاءِ الحربِ الباردةِ عامَ 1991 م، فيما عدا بعضَ القضايا محلَ الخلافِ كقضيةِ حمايةِ حقوقِ الإنسانِ بالهندِ وعلاقةِ الهندِ بروسيا وغيرها منْ المسائلِ والتي يسعى صانعو السياسةِ لإيجادِ حلولٍ وسطٍ لها عبرَ إجراءِ المفاوضاتِ. قامتْ الولاياتُ المتحدةُ باستخدامِ عددٍ منْ الأدواتِ لتوثيقِ علاقتها بالهندِ وتشملُ: الأداةُ العسكريةُ، الأداةُ الاقتصاديةُ، الأداةُ الدبلوماسيةُ، الأداةُ الثقافيةُ، والقيمُ السياسيةُ المشتركةُ، الأداةُ الدعائيةُ.

أولاً: الأدوات الدبلوماسيةِ:

تعتبر الدبلوماسيةَ واحدةٌ منْ أهمِ الأدواتِ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدةُ لتعزيزِ علاقتها معَ الهندِ. وتشملَ هذهِ الأداةِ اللقاءاتِ الرسميةَ بينَ المسؤولينَ الأمريكيينَ والهنودِ، والزياراتُ الرسميةُ لكبارِ المسئولينَ في كلٍ منْ البلدينِ، وكذلكَ استضافةُ الهنودِ في مؤتمراتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ.

تتمتعَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بعلاقاتٍ دبلوماسيةٍ وثيقةٍ معَ الهندِ، خاصةً منذُ إدارةِ الرئيسِ أوباما وتولي مودي رئيسَ وزراءَ الهندِ في عامِ 2014. كانتْ الولاياتُ المتحدةُ أولَ دولةٍ تتبادلُ السفراءَ معَ الهندِ المستقلةِ في عامِ 1947. واليومُ، تستندَ العلاقاتُ الثنائيةُ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ على خمسِ ركائزَ أساسيةٍ وهيَ: التعاونُ الاستراتيجيُ، الطاقةُ وتغيرُ المناخِ، التعليمُ والتنميةُ، الاقتصادُ والتجارةُ والزراعةُ، العلمُ، والتكنولوجيا، والصحةُ، والابتكارُ.[70]

تعدّ سفارةُ الولاياتِ المتحدةِ في نيودلهي واحدةً منْ أكبرِ البعثاتِ الدبلوماسيةِ الأمريكيةِ في العالمِ، مما يعكسُ الأهميةَ التي توليها الولاياتُ المتحدةُ لعلاقتها معَ الهندِ. تمثلَ السفارةَ 17 وكالةٍ حكوميةٍ فيدراليةٍ أمريكيةٍ، منْ وزارةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ إلى إدارةِ الطيرانِ الفيدراليةِ. تنسقَ السفارةُ أنشطةَ أربعِ قنصلياتٍ – في مومبايْ وكلكتا وتشينايْ وحيدرْ أبادَ – لضمانِ أنَ العلاقةَ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ قويةٌ في جميعِ أنحاءِ البلادِ. وقدْ قامتْ سفارةَ الولاياتِ المتحدةِ بإنشاءِ المركزِ الأمريكيِ هوَ المركزُ الثقافيُ للسفارةِ بالهندِ، ويقدمَ المعارضُ الفنيةُ وإطلاقُ الكتبِ والبرامجِ الموسيقيةِ. يقعَ في 24 Kasturba Gandhi Marg في Connaught Place، نيودلهي، ويضمَ المكتبةَ الأمريكيةَ وهيَ مكتبةٌ عامةٌ.[71]

تبادلُ الزياراتِ الدبلوماسيةِ رفيعةً المستوى ودورها في تعزيزِ العلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ:

ففي خلالِ جولةِ الإعادةِ للانتخاباتِ العامةِ الهنديةِ عامَ 2014، واستشعارَ الولايات المتحدة بانتصارِ مودي الحتميِ قبلَ الانتخاباتِ بفترةٍ طويلةٍ، تواصلتْ معهُ السفيرةُ الأمريكيةُ نانسي بأولٍ، وذلكَ بعد مقاطعةٍ المسئولينَ الأمريكيينَ لمودي الذي كانَ رئيسا لولايةِ غوجاراتْ، لدورةِ المزعومِ في أعمالِ الشغبِ في غوجاراتْ عامَ 2002 م. بينما قامَ الرئيسُ أوباما بتهنئةِ مودي بعدِ انتخابهِ رئيسا لوزراءَ الهندِ عامَ 2014 م ، كما دعاهُ الرئيسُ أوباما لزيارةِ الولاياتِ المتحدةِ ، والتي تعدُ أولَ زيارةٍ على الإطلاقِ للرئيسِ مودي للولايات المتحدة والذي صرحَ بأنَ ” الهندَ والولاياتِ المتحدةَ مرتبطانِ ببعضهما البعضَ ، بالتاريخِ والثقافةِ ” . دعتْ إدارةً أوباما رئيسَ الوزراءِ الهنديِ مودي في يونيو 2016 لإلقاءِ كلمةٍ في جلسةٍ مشتركةٍ للكونغرس، وحرصتْ الولاياتُ المتحدةُ على تصويرِ المناسبةِ كفرصةٍ لتوطيدِ العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ البلدينِ.[72]

وتعدَ زيارةُ أوباما للهندِ في 2015 م حدثا خاصا حيثُ أصبحَ الرئيسُ باراكْ أوباما أولِ رئيسٍ للولاياتِ المتحدةِ يكونُ الضيفُ الرئيسيُ في احتفالاتِ الهندِ باليومِ الجمهوريِ الْ 66، وخلالَ هذا الحدثِ عقدتْ الهندُ والولاياتُ المتحدةُ أولَ حوارٍ ثنائيٍ بينهما حولَ الأممِ المتحدةِ والقضايا متعددةٍ الأطرافِ تحتَ شعارِ ” إعلانِ دلهي للصداقةِ ” الذي يعززُ ويوسعُ العلاقاتِ بينَ البلدينِ كجزءٍ منْ أجندةِ التنميةِ لما بعدَ عامِ 2015.

قامَ الرئيسُ ترامبْ في 24 فبراير عامَ 2020 م بزيارةِ مدينةِ أحمدْ أبادْ بولايةِ غوجاراتْ لمخاطبةِ حشدٍ هنديٍ كبيرٍ. الحدثُ الذي يحملُ عنوانَ ” ناماستي ترامبْ “، والذي كانَ بمثابةِ منصةٍ للرئيسِ الأمريكيِ ورئيسِ الوزراءِ الهنديِ لإظهارِ علاقتهما الوديةِ. كما اتفقَ الجانبانِ خلالَ الحدثِ على إقامةِ شراكةِ استراتيجيةٍ عالميةٍ شاملةٍ.[73]

وفي ظلِ تطورِ العلاقاتِ بينَ البلدينِ عقدَ الرئيسُ بايدنْ ورئيسِ الوزراءِ الهنديِ مودي اجتماعيينَ ثنائيينِ شخصيا في 2022 أعادا منْ خلالهِ تأكيدُ التزامهما بنظامٍ دوليٍ مرنٍ قائمٍ على القواعدِ يحمي السيادةَ وسلامةَ الأراضي ويدعمُ القيمَ الديموقراطيةَ ويعززُ السلامُ والازدهارُ للجميعِ. كما شاركَ الرئيسُ بايدنْ ورئيسِ الوزراءِ مودي في مشاركاتٍ متعددةٍ لآليةِ القادةِ الرباعيينِ معَ اليابانِ وأستراليا. وأكدَ الرئيسُ بايدنْ أنَ الولاياتِ المتحدةَ تدعمُ ظهورَ الهندِ كقوةٍ عالميةٍ رائدةٍ وشريكٍ حيويٍ في الجهودِ المبذولةِ لحمايةِ منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي كمنطقةِ سلامٍ واستقرارٍ وازدهارٍ متزايدٍ.[74]

قدْ وفرَ التبادلُ المنتظمُ للزياراتِ السياسيةِ رفيعةً المستوى بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ زخما مستداما للتعاونِ الثنائيِ، في حينِ أنَ هيكلَ الحوارِ المستمرِ واسعٍ النطاقِ قدْ وضعَ إطارا طويل الأجلِ لعلاقةِ الهندِ بالولاياتِ المتحدةِ. فقدُ ظهرِ التعاونِ الثنائيِ بينَ البلدينِ كتعاونٍ واسعٍ النطاقِ ومتعددٍ القطاعاتِ حيثُ يغطي مجالاتٍ عدةً كالتجارةِ والاستثمارِ، والدفاعُ والأمنُ، والتعليمُ، والعلومُ والتكنولوجيا، والأمنُ السيبراني، والتكنولوجيا العاليةُ، والطاقةُ النوويةُ المدنيةُ، وتكنولوجيا الفضاءِ والتطبيقاتِ، الطاقةُ النظيفةُ، البيئةُ، الزراعةُ والصحةُ.

ثانيًا: الأدواتُ الاقتصاديةُ:

تشملَ الأدواتُ الاقتصاديةُ الأنشطةَ التي تستعملُ للتأثيرِ في إدارةِ وتوزيعِ الثروةِ الاقتصاديةِ للدولةِ أوْ لأيِ وحداتٍ دوليةٍ أخرى. وتشملَ تلكَ الأنشطةِ إنتاج وتوزيعَ واستهلاكَ البضائعِ والخدماتِ وتبادلِ الثروةِ والمعاملاتِ الماليةِ. ومنْ أمثلةِ تلكَ الأنشطةِ إعطاءَ أوْ طلبِ المساعداتِ الاقتصاديةِ، والتفاوضُ حولَ تنظيمِ المعاملاتِ التجاريةِ والتعريفاتِ الجمركيةِ، وأدواتُ الحمايةِ التجاريةِ، والعقوباتُ والمقاطعاتُ الاقتصاديةُ، وإعطاءُ أفضلياتٍ تجاريةٍ.

تستخدم الولاياتُ المتحدةُ العديدَ منْ الأدواتِ الاقتصاديةِ في إدارةِ سياستها الخارجيةِ تجاهَ الهندِ، ومنْ بينِ تلكَ الأدواتِ:

إنَ إحدى الأدواتِ الرئيسيةِ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدةُ في سياستها الخارجيةِ تجاهَ الهندِ هيَ السياسةُ التجاريةُ: حيثُ سعتْ الولاياتُ المتحدةُ إلى زيادةِ التجارةِ معَ الهندِ، لأنها ترى الهندُ كسوقٍ يحتمل أنْ يكونَ مربحا للسلعِ والخدماتِ الأمريكيةِ.

ومعَ ذلكَ، فقدْ استخدمتْ الولاياتُ المتحدةُ أيضا السياسةَ التجاريةَ للضغطِ على الهندِ لإجراءِ إصلاحاتٍ في مجالاتٍ مثلٍ حقوقِ الملكيةِ الفكريةِ والوصولِ إلى الأسواقِ وأنظمةِ الاستثمارِ. على سبيلِ المثالِ، في عامِ 2019، أنهتْ الولاياتُ المتحدةُ وضعَ التجارةِ التفضيليةِ للهندِ بموجبَ برنامجَ نظامِ الأفضلياتِ المعممِ (GSP)، والذي سمحَ لبعضِ السلعِ الهنديةِ بدخولِ الولاياتِ المتحدةِ معفاةً منْ الرسومِ الجمركيةِ.

اتفاقياتُ التجارةِ الحرةِ: فتسعى الولاياتُ المتحدةُ إلى تعزيزِ التجارةِ بينَ البلدينِ منْ خلالِ التفاوضِ على اتفاقياتِ تجارةٍ حرةٍ. وفيما يتعلقُ بالاتفاقياتِ التجاريةِ: تمضي الولاياتُ المتحدةُ في مفاوضاتٍ لإبرامِ اتفاقياتٍ تجاريةٍ معَ الهندِ، مثلٌ اتفاقيةِ التجارةِ والاستثمارِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ (TIFA)، واتفاقيةُ الشراكةِ الاستراتيجيةِ الاقتصاديةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ (SSEP)، واتفاقيةُ الشراكةِ الاستراتيجيةِ الأمنيةِ والدفاعيةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ (SPSD).

في عامِ 2021، وصلَ إجماليُ التجارةِ الثنائيةِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ في السلعِ والخدماتِ إلى رقمٍ قياسيٍ بلغَ 157 مليارِ دولارٍ. تنظرَ العديدَ منْ الشركاتِ الأمريكيةِ إلى الهندِ باعتبارها سوقا مهما وقدْ قامتْ بتوسيعِ عملياتها هناكَ. وبالمثلِ، تسعى الشركاتُ الهنديةُ إلى زيادةِ وجودها في الأسواقِ الأمريكيةِ، وفي نهايةِ عامِ 2020، بلغَ إجماليُ الاستثمارِ الهنديِ في الولاياتِ المتحدةِ 12.7 مليارَ دولارٍ، ودعمَ أكثرَ منْ 70 ألفِ وظيفةٍ أمريكيةٍ. يساهمَ حواليْ 200 ألفِ طالبٍ هنديٍ في الولاياتِ المتحدةِ ب 7.7 مليارِ دولارِ سنويا في الاقتصادِ الأمريكيِ.

المساعداتُ الاقتصاديةُ: تقدمُ الولاياتِ المتحدةِ قدرا كبيرا منْ المساعداتِ الاقتصاديةِ للهندِ، بشكلٍ أساسيٍ منْ خلالِ الوكالةِ الأمريكيةِ للتنميةِ الدوليةِ (USAID). الهدفُ منْ هذهِ المساعدةِ هوَ دعمُ التنميةِ الاقتصاديةِ للهندِ وتحسينِ الرعايةِ الصحيةِ والتعليمِ وتقويةِ المؤسساتِ الديمقراطيةِ. على سبيلِ المثالِ، قدمتْ الولاياتُ المتحدةُ مساعدةً ماليةً للهندِ لمشاريعِ البنيةِ التحتيةِ، مثلٌ ممرِ دلهي – مومبايْ الصناعيِ، الذي يسعى إلى تحسينِ شبكةِ النقلِ في الهندِ وتعزيزِ النموِ الاقتصاديِ.

 الاستثمارُ: هوَ الأداةُ الاقتصاديةُ الثالثةُ التي تستخدمها الولاياتُ المتحدةُ في سياستها الخارجيةِ تجاهَ الهندِ. تعدّ الولاياتُ المتحدةُ واحدةً منْ أكبرِ مصادرِ الاستثمارِ الأجنبيِ المباشرِ في الهندِ، حيثُ تستثمرُ الشركاتُ الأمريكيةُ ملياراتِ الدولاراتِ في قطاعاتٍ مثلٍ التكنولوجيا والتصنيعِ والخدماتِ، معَ تشجيعِ الولاياتِ المتحدةِ الشركاتِ الأمريكيةِ على الاستثمارِ في الهندِ وتسهيلِ الوصولِ للسوقِ الهنديِ. تعتبر الولاياتُ المتحدةُ هذا الاستثمارِ وسيلةً لتعزيزِ النموِ الاقتصاديِ والتنميةِ في الهندِ، معَ خلقِ فرصِ عملٍ وفرصٍ للشركاتِ الأمريكيةِ.

التعاونُ منْ خلالِ المؤسساتِ الاقتصاديةِ الدوليةِ: وما يمثلهُ منْ أداةٍ أخرى منْ أدواتِ الولاياتِ المتحدةِ في إدارةِ علاقتها معَ الهندِ. تعملَ الولاياتُ المتحدةُ على إشراكِ الهندِ في عددٍ منْ المؤسساتِ الاقتصاديةِ الدوليةِ، فنجدُ أنْ يشاركَ كلا منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في مفاوضاتِ منظمةِ التجارةِ العالميةِ لفرضِ قواعدِ التجارةِ وتسويةِ النزاعاتِ. قدْ دفعَ اندماجُ الهندِ المتزايدِ في الاقتصادِ العالميِ بعضُ صانعي السياسةِ الأمريكيينَ إلى دعوةِ الهندِ، مثلٌ الصينِ، لتكونِ صاحبِ مصلحةٍ أكثرِ مسئوليةٍ في نظامِ التجارةِ العالميِ القائمِ على القواعدِ.[75]

تتعاونَ الهندُ والولاياتُ المتحدةُ بشكلٍ وثيقٍ في المنظماتِ متعددةً الأطرافِ، بما في ذلكَ الأممُ المتحدةُ ومجموعةُ العشرينَ والمنتدى الإقليميِ لرابطةِ أممِ جنوبِ شرقِ آسيا (آسيانْ) وصندوقُ النقدِ الدوليِ والبنكِ الدوليِ ومنظمةُ التجارةِ العالميةِ. في عامِ 2021، انضمتْ الولاياتُ المتحدةُ إلى التحالفِ الدوليِ للطاقةِ الشمسيةِ ومقرهِ الهندَ، وفي عامِ 2022 أصبحتْ سامانثا باورْ، مديرةُ الوكالةِ الأمريكيةِ للتنميةِ الدوليةِ (USAID)، الرئيسُ المشاركُ لمجلسِ إدارةِ التحالفِ منْ أجلِ البنيةِ التحتيةِ المقاومةِ للكوارثِ (CDRI) حيثُ الهندُ رئيسَ مشاركٍ دائمٍ.

تعتبر الولاياتُ المتحدةُ والهندُ نفسيهما شريكينِ رئيسيينِ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ، بما في ذلكَ تعزيزُ القدرةِ التنافسيةِ ومواجهةُ النفوذِ الاقتصاديِ للصينِ. تعدّ الهندُ منْ بينِ 14 دولةً في IPEF المكونَ منْ أربعِ ركائزَ، وهيَ أولُ مبادرةٍ تجاريةٍ واقتصاديةٍ رئيسيةٍ لإدارةِ بايدنْ في المنطقةِ. قدْ انضمتْ الهندُ إلى الركائزِ الأخرى ل IPEF وتتضمن (سلاسل التوريدِ، والطاقةُ النظيفةُ، والبنيةُ التحتيةُ وإزالةُ الكربونِ، والضرائبُ ومكافحةُ الفسادِ ).[76]

وفي النهايةِ تعدْ العلاقاتُ الاقتصاديةُ جانبا رئيسيا في العلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ. حيثُ تعتبرُ الولاياتُ المتحدةُ أكبرَ شريكٍ تجاريٍ واستثماريٍ للهندِ، وهيَ تعملُ معَ الهندِ على مستوياتٍ مختلفةٍ منْ التعاونِ الاقتصاديِ. ويتضحَ منْ خلالِ السياساتِ الاقتصاديةِ للولاياتِ المتحدةِ دعمها للهندِ لتصبحَ قوةً اقتصاديةً عظمى في إطارِ التحالفِ بينهما، فيتمثلُ ذلكَ في قيامِ الحكومةِ الأمريكيةِ بدعمِ الاستثمارِ في الهندِ، والعملُ على تسهيلِ التجارةِ الحرةِ بينَ البلدينِ. فقدٌ اتفقَ البلدانَ خلالَ إدارةِ بايدنْ في 2023 على حلِ بعضِ القضايا التجاريةِ الثنائيةِ واستكشافِ سبلٍ لتوسيعِ العلاقاتِ التجاريةِ.[77]

ثالثًا: الأدوات العسْكريَّة:

قامتْ الولاياتُ المتحدةُ بإجراءِ وتفعيلِ التحالفاتِ الدفاعيةِ العسكريةِ بينها وبينَ الهندِ منذُ عامِ 2014. ليستمرّ التعاونُ التجاريُ الدفاعيُ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ منْ خلالِ مذكرةِ اتفاقيةِ التبادلِ اللوجستيِ (LEMOA) في 2016، واتفاقيةُ الاتصالاتِ والتوافقِ والأمنِ (COMCASA)، واتفاقيةُ الأمنِ الصناعيِ (ISA) المعمولَ بها الآنِ. وقدْ دعمَ مكتبُ رئيسِ الوزراءِ الأمريكيِ الزيادةِ في إجماليِ التجارةِ الدفاعيةِ معَ الهندِ مما يقربُ منْ الصفرِ في عامِ 2008 إلى أكثرَ منْ 20 مليارِ دولارٍ في عامِ 2020 م. أيضا عملياتِ المبيعاتِ التجاريةِ (DCS)، حيثُ تدعمُ هذهِ المبيعاتِ آلافَ الوظائفِ في كلا البلدينِ، وتساعدَ في ضمانِ صحةِ القواعدِ الصناعيةِ الدفاعيةِ في كلٍ منْ الهندِ والولايات المتحدة.[78]

كانتْ الهندُ أولَ شريكٍ غيرِ تابعٍ للاتفاقيةِ يعرضُ على نظامِ التحكمِ في تكنولوجيا الصواريخِ منْ الفئةِ 1 نظامٌ جويٌ دونَ طيارٍ – وهوَ نظامُ Sea Guardian UAS الذي تصنعهُ شركةٌ General Atomics. يواصلَ رئيسُ الوزراءِ الأمريكيِ دعمُ الدعوةِ لطائراتِ Lockheed Martin F – 21 وBoeing ’ s F / A – 18 Super Hornet وF – 15 EX Eagle كجزءٍ منْ عملياتِ الاستحواذِ المستقبليةِ على الطائراتِ المقاتلةِ الهنديةِ. فسيؤدي الاختيارُ المحتملُ لأيٍ منْ هذهِ المنصاتِ إلى تعزيزِ القدراتِ العسكريةِ للهندِ، وزيادةُ قابليةِ التشغيلِ البينيِ العسكريِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ، وحمايةُ المصالحِ الأمنيةِ المشتركةِ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ. منذُ عامِ 2015، سمحتْ الولاياتُ المتحدةُ أيضا للهندِ بأكثرَ منْ 3 ملياراتِ دولارِ منْ الموادِ الدفاعيةِ عبرَ عمليةٍ DCS، التي ترخصَ تصديرُ المعداتِ والخدماتِ الدفاعيةِ وتقنياتُ التصنيعِ ذاتِ الصلةِ التي يتمُ التحكمُ فيها بموجبُ 21 فئةٍ منْ قائمةِ الذخائرِ الأمريكيةِ (USML).[79]

تشاركَ الهندُ في البرنامجِ الدوليِ للتعليمِ والتدريبِ العسكريِ (IMET)، وتلقتْ ما لا يقلُ عنْ مليونِ دولارٍ أمريكيٍ منْ تمويلِ IMET سنويا منذُ عامِ 2003. ويوفرَ معهدُ التعليمِ والتدريبِ العسكريِ الدوليِ (IMET) تعليما وتدريبا عسكريا احترافيا للطلابِ العسكريينَ وهوَ أمرٌ أساسيٌ لإقامةِ علاقاتٍ دائمةٍ معَ قادةِ المستقبلِ. تزيدَ دوراتٍ IMET الاحترافُ العسكريُ، وتعززَ قابليةَ التشغيلِ البينيِ معَ القواتِ الأمريكيةِ، وتقدمَ تعليماتٍ حولَ قانونِ النزاعِ المسلحِ وحقوقِ الإنسانِ، وتوفرَ التدريبِ التقنيِ والتشغيليِ، وتخلقَ فهما أعمقَ للولاياتِ المتحدةِ. يميلَ خريجو IMET الهنودَ إلى المضيِ قدما لتحقيقِ مرتبةٍ عاليةٍ في الجيشِ الهنديِ، مما يخلقُ تفاهما مشتركا وفرصا لزيادةِ إمكانيةِ التشغيلِ البينيِ بينَ الجيوشِ الأمريكيةِ والهنديةِ.[80]

في نوفمبرَ 2019، أجرتْ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ تدريباتٍ Tiger Triumph، وهيَ أولُ مناورةٍ ثلاثيةٍ الخدماتِ (بريةً وبحريةً وجويةً) بينَ البلدينِ. خلالَ التدريباتِ التي استمرتْ أسبوعا، اشتركتْ قواتِ المارينز والبحارةِ الأمريكيينَ معَ القواتِ منْ جميعِ فئاتِ القواتِ المسلحةِ الهنديةِ الثلاثةِ للتدريبِ على الاستجابةِ للكوارثِ وتسليمِ المساعداتِ الإنسانيةِ. وتشاركَ الهندُ أيضا في تمرينِ حافةِ المحيطِ الهادئِ (RIMPAC) الذي تقودهُ الولاياتُ المتحدةُ وتمرينُ الإبار الثلاثيَ معَ الولاياتِ المتحدةِ واليابانِ. تقومَ هذهِ التدريباتِ العسكريةِ المشتركةِ بتعزيزِ العلاقاتِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ وتساعدُ في إنشاءِ منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ أكثرَ استقرارا وأمانا.[81]

وفي مرفقٍ صحفيٍ للحوارِ الوزاريِ الرابعِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في 11 أبريلَ 2022، أعربَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِ ” لويدْ أوستنْ ” ترحيبهُ بالشراكةِ والتعاونِ معَ الهندِ في مجالِ الدفاعِ المشتركِ معبرا عنْ ذلكَ بقولهِ ” إننا نجتمعُ في لحظةٍ مهمةٍ في شراكتنا. لقدْ مرَ ما يقربُ منْ عقدينِ منْ الزمنِ منذُ أنْ وقعنا على أولِ إطارٍ دفاعيٍ ثنائيٍ، وقدْ نمتْ شراكتنا بشكلٍ كبيرٍ منذُ ذلكَ الحينِ”[82]

كما صرحَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِ ” لويدْ أوستنْ ” بأهميةِ شراكةِ الولاياتِ المتحدةِ معَ الهندِ في مجالاتِ الدفاعِ والأمنِ بقولةٍ: ” يظهرَ اجتماعُ اليومِ أننا نعملُ معا لبناءٍ واحدةٍ منْ أكثرِ الشراكاتِ أهميةً في عصرنا “. فتمَ خلالَ هذا الاجتماعِ عقدَ والتأكيدِ على تطويرِ مزيدٍ منْ مجالاتِ التعاونِ الأمنيِ والدفاعيِ بينَ البلدينِ. فأكدَ أوستنْ على تعميقِ التعاونِ معَ الهندِ في مجالِ الفضاءِ الإلكترونيِ، ومواصلةُ نموِ التعاونِ التجاريِ والتكنولوجيِ الدفاعيِ منْ خلالِ إبرامهما اتفاقيةً للعملِ المشتركِ على المركباتِ الجويةِ التي يتمُ إطلاقها منْ خلالِ تكنولوجيا الدفاعِ. كما تواصلُ الهندُ الحصولَ على منصاتِ الدفاعِ الأمريكيةِ الرئيسيةِ، مما يؤدي إلى إقامةِ روابطَ مهمةٍ وجديدةٍ بينَ القواعدِ الصناعيةِ الدفاعيةِ لكلا البلدينِ.[83]

تقومَ الولاياتُ المتحدةُ بدعمِ الهندِ كرائدةٍ في صناعةِ الدفاعِ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي، كمزودةٍ لشبكة الأمنِ في المنطقةِ. وذلكَ في إطارِ التحدياتِ التي تواجها كلا منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في منطقةٍ المحيطينَ، فقدْ أعربتْ الولاياتُ المتحدةُ قلقها منْ سعيِ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ إلى إعادةِ تشكيلِ المنطقةِ والنظامِ الدوليِ على نطاقِ أوسعَ بطرقٍ تخدمُ مصالحها. وفي إطارِ ذلكَ صرحَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِ أوستنْ بقولةٍ للهندِ: ” يسعدني أننا حددنا فرصا جديدةً لتوسيعِ النطاقِ العملياتيِ لجيوشنا وللتنسيقِ بشكلِ أوثقَ معا عبرِ امتدادِ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ”.[84]

وفي أحدثِ بيانٍ صادرٍ عنْ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ فيما يتعلقُ بالتعاونِ العسكريِ والأمنيِ المشتركِ الصادرِ بتاريخِ 31 – 3 – 2023، صرحَ المسئولونَ في كلا البلدينِ أنهما يتخذانِ خطواتٌ لتعزيزِ شراكتهما الدفاعيةِ، وذلكَ في أحدثِ علامةٍ على التعاونِ بينَ البلدينِ في مواجهةِ حزمِ الصينِ المتزايدِ. فظهرتْ الخططُ بينَ المسئولينَ الحكوميينَ ورجالِ الأعمالِ منْ كلا البلدينِ وتشمل تعاونا أكبرَ في الصناعاتِ ذاتِ الصلةِ بالجيشِ وتنسيقِ العملياتِ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي. منْ أهمِ مجالاتِ التعاونِ تلكنَ التعاونُ في تطويرِ المحركاتِ النفاثةِ وتكنولوجيا الذخائرِ العسكريةِ، وفقا لصحيفةِ الحقائقِ الصادرةِ عنْ البيتِ الأبيضِ التي صرحتْ بقولها ” إنَ الحكومةَ الأمريكيةَ ستنظرُ في تسريعِ مراجعةِ طلبٍ قدمتهُ شركةُ جنرالِ إلكتريكْ الأمريكيةِ لتصنيعِ محركاتِ نفاثةٍ في الهندِ لاستخدامها في الطائراتِ الهنديةِ الأصليةِ “. وعلى الصعيدِ العملياتيِ صرحتْ وزيرةَ الدفاعِ الأمريكيةِ ” كاثلين هيكسْ ” لمستشارِ الأمنِ القوميِ الهنديِ ” أحيتْ دوفالْ ” أنَ ” بناءَ التحالفاتِ والشراكاتِ بينهما يمثلُ أولويةً قصوى للبنتاغون “. ووفقا لبيانٍ لوزارةِ الدفاعِ الأمريكيةِ قالَ هيكسْ ” إنَ بناءَ الشركاتِ كانَ هدفا رئيسيا لاستراتيجيةِ الدفاعِ الوطنيِ الأمريكيِ لعامِ 2022، والتي تصفُ الصينُ بأنها تهديدٌ متزايدٌ متعددٌ المجالاتِ”.[85]

على الصعيدِ التقنيِ أظهرتْ كلا منْ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ بجانبِ اليابانِ وأستراليا – الأعضاءُ في الحوارِ الأمنيِ الرباعيِ – فيما يعرفُ باسمِ ” الرباعيِ ” والذي يمثلُ مجموعةً غيرَ رسميةٍ تركزُ على الأمنِ ويعودُ تاريخها إلى أوائلِ العقدِ الأولِ منْ القرنِ العشرينَ، نشاطا متزايدا في السنواتِ الأخيرةِ كجزءٍ منْ الجهودِ المبذولةِ لمواجهةِ نفوذِ الصينِ ومطالباتها الإقليميةِ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي.[86]

رابعًا: الأدوات الثَّقافيَّة:

تستخدم الولاياتُ المتحدةُ العديدَ منْ الأدواتِ الثقافيةِ في سياستها الخارجيةِ لتعزيزِ التعاونِ معَ الدولِ الأخرى، ويشملَ تلكَ الهندِ. ومنْ أمثلةِ هذهِ الأدواتِ الثقافيةِ:

البعثاتُ الثقافيةُ: ترسلَ الولاياتُ المتحدةُ بعثاتٍ ثقافيةً إلى الهندِ لتقديمِ الدعمِ والتبادلِ الثقافيِ بينَ البلدينِ. وتتضمنَ هذهِ البعثاتِ الثقافيةِ عدةَ أمورٍ كالمحاضراتِ، والمعارضُ، والعروضُ الفنيةُ، وورشَ العملِ، والمؤتمراتُ، والفعالياتُ الأخرى.

برامج التبادلِ الثقافيِ: تستخدمَ الولاياتُ المتحدةُ برامجَ التبادلِ الثقافيِ لزيادةِ الفهمِ المتبادلِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ. ويشملَ ذلكَ برامجُ مثلُ Fulbright، وInternational Visitor Leadership Program (IVLP)، وبرامجُ التبادلِ الثقافيِ الأخرى.[87]

الفعاليات الثقافيةِ: تنظمَ الولاياتُ المتحدةُ العديدَ منْ الفعالياتِ الثقافيةِ في الهندِ لزيادةِ الفهمِ المتبادلِ وتوثيقِ العلاقاتِ بينَ البلدينِ. وتشملَ هذهِ الفعالياتِ مثلٍ الحفلاتِ الموسيقيةِ والراقصةِ، والأفلامُ الوثائقيةُ، والمهرجاناتُ الثقافيةُ الأخرى. كما تستخدمُ الولاياتُ المتحدةُ الدعمَ الماليَ لتعزيزِ التعاونِ الثقافيِ معَ الهندِ. ويشملَ ذلكَ تقديمُ المنحِ الدراسيةِ والتمويلِ للمشاريعِ الثقافيةِ والفنيةِ.[88]

القيم المشتركةِ: استخدمتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ القيمَ السياسيةَ والاقتصاديةَ المشتركةَ بينها وبينَ الهندِ كأداةٍ لتعزيزِ التعاونِ بينَ البلدينِ. تمثلَ هذهِ القيمِ المشتركةِ:

 (1) الديموقراطيةُ: فتعتبر الديموقراطيةُ القيمةُ الأساسيةُ التي تجمعُ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ، حيثُ تعتبرُ البلدينِ ديموقراطيينَ وتحترمانِ مبادئ الحريةِ والعدالةِ وحقوقِ الإنسانِ. وفي حينِ أنَ الطبيعةَ الديموقراطيةَ المشتركةَ لكلا منْ الولايات المتحدة والهندِ لمْ تكنْ المحركَ الوحيدَ، فقدْ ساهمتْ بالتأكيدِ سواءَ بشكلٍ مباشرٍ أوْ غيرِ مباشرٍ في تطويرِ الشراكةِ بينهما على مدارِ العقديينِ الماضيينِ. فقدْ كانتْ الديموقراطيةُ بطرقِ مختلفةٍ مجالاً للتعاونِ، حيثُ تعملُ الديموقراطياتُ معا لضمانِ أمرينِ: أولاً: المرونةُ الديموقراطيةُ في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي. ثانيًا: مرونةُ النظامِ الدوليِ القائمِ على القواعدِ.[89]

(2) الحرية: تؤمنَ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ بأهميةِ حريةِ الفردِ، والتعبيرُ، والتجارةُ، والتنقلُ. الاقتصادُ الحرُ: تعتبرَ الولاياتُ المتحدةُ والهندُ منْ الدولِ التي تؤمنُ بأهميةِ الاقتصادِ المفتوحِ والتجارةِ الحرةِ، وتعملانِ في إطارِ الاقتصادِ الرأسماليِ.[90]

خامسًا: الأدوات الدعائيةِ:

هيَ تلكَ الأنشطةِ الموجهةِ إلى التأثيرِ في مفاهيمِ الأفرادِ العاديينَ والنخبِ غيرِ الرسميةِ في المجتمعاتِ الدوليةِ الأخرى. إنَ الولاياتِ المتحدةَ تقومُ باستخدامِ الأدواتِ الدعائيةِ لتعزيزِ الصورةِ الإيجابيةِ لها في الهندِ وتعزيزِ العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ البلدينِ. ومنْ خلالِ استخدامِ الأدواتِ الدعائيةِ مثلٍ الإعلاناتِ التلفزيونيةِ والإعلاناتِ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ والحملاتِ الإعلانيةِ الأخرى، يمكنَ للولاياتِ المتحدةِ توجيهَ رسائلَ إيجابيةٍ إلى الهنودِ حولَ قيمها ومبادئها وتحسينِ فهمهمْ للثقافةِ الأمريكيةِ. وبالتالي، يمكنَ أنْ يؤديَ ذلكَ إلى تحسينِ العلاقاتِ بينَ البلدينِ وتعزيزِ التعاونِ في مجالاتٍ مختلفةٍ مثلٍ التجارةِ، والاستثمارُ، والأمنُ، والدفاعُ.

على سبيلِ المثالِ قامتْ الولاياتُ المتحدةُ بعددٍ منْ المواقفِ في إطارِ ذلكَ منها: إطلاقُ حملةٍ إعلانيةٍ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ تحتَ عنوانِ ” Discover America ” تعرضَ معالمَ وأماكنَ سياحيةً شهيرةً في الولاياتِ المتحدةِ، معَ التركيزِ على التنوعِ الثقافيِ والطبيعيِ للبلادِ. عقدُ مؤتمراتِ وفعالياتِ ترويجيةٍ للتجارةِ والاستثمارِ بينَ الولاياتِ المتحدةِ والهندِ، معَ تسليطِ الضوءِ على أهميةِ الشراكةِ الاقتصاديةِ بينَ البلدينِ وفرصِ الاستثمارِ المتاحةِ. إطلاقُ حملةٍ إعلانيةٍ تروجُ للتعليمِ في الولاياتِ المتحدةِ، معَ التركيزِ على جودةِ التعليمِ وتنوعِ الخياراتِ المتاحةِ للطلابِ الدوليينَ. تنظيمُ فعالياتٍ ثقافيةٍ وفنيةٍ تعرضَ التنوعُ الثقافيُ والفنيُ في الولاياتِ المتحدةِ، معَ التركيزِ على المساهمةِ الهنديةِ في الثقافةِ الأمريكيةِ. إطلاقُ حملةٍ إعلانيةٍ تروجُ للابتكارِ والتكنولوجيا في الولاياتِ المتحدةِ، معَ التركيزِ على الشركاتِ الناشئةِ والابتكاراتِ الحديثةِ التي تنشأُ في الولاياتِ المتحدةِ.[91]

وتشيرَ بعضُ التقاريرِ إلى أنَ الولاياتِ المتحدةَ قامتْ بزيادةِ جهودها للتأثيرِ على الرأيِ العامِ في الهندِ منذُ تولي رئيسِ الوزراءِ ناريندرا مودي السلطةِ في عامِ 2014. وتشملَ هذهِ الجهودِ الترويجِ للأفكارِ والقيمِ الأمريكيةِ، وخاصةً في مجالاتٍ مثلٍ حقوقِ المرأةِ وحريةِ التعبيرِ والديمقراطيةِ. وقدْ شهدتْ الهندُ في السنواتِ الأخيرةِ زيادةً في عددِ المؤسساتِ والمنظماتِ الأمريكيةِ التي تعملُ في البلادِ، وهذا يعكسُ تزايدَ التأثيرِ الأمريكيِ في الهندِ. وتشيرَ بعضُ التقاريرِ إلى أنَ الولاياتِ المتحدةَ تستخدمُ بشكلٍ متزايدٍ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِ كأداةٍ دعائيةٍ للتأثيرِ على الرأيِ العامِ في الهندِ، وخاصةَ بعدَ انتشارِ موجاتِ العنفِ الطائفيِ في البلادِ.[92]

الفصْل الثَّاني

العلاقات الهنْديَّة الصِّينيَّة مُنْذ عام 2014

في هذا الفصلِ سوفَ يتمُ العملُ على دراسةِ العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ، ولكنْ منْ خلالِ الكشفِ عنْ أهمِ العواملِ التي يمكنُ أنْ تؤثرَ على تلكَ العلاقاتِ، وليسَ فقطْ دراسةَ العلاقاتِ في حدِ ذاتها، ثمَ سوفَ يتمُ العملُ على توضيحِ أهمِ مجالاتِ العلاقاتِ فيما بينهمْ، ومنْ هذا المنطلقِ فإنَ المبحثَ الأولَ في هذا الفصلِ سوفَ يركزُ على أهمِ العواملِ المؤثرةِ على العلاقاتِ الهنديةِ الصينيةِ، ثمَ المبحثِ الثاني سوفَ يركزُ على مجالاتِ العلاقاتِ فيما بينهمْ.

المبْحث الأوَّل

أهمَّ العوامل المؤثِّرة على العلاقات الهنْديَّة – الصِّينيَّة

في هذا المبحثِ سوفَ تكونُ بؤرةُ التركيزِ على العواملِ التي تؤثرُ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ، وبالتالي سوفَ يتمُ استعراضَ تلكَ العواملِ، ثمَ سوفَ يتمُ استنباطَ ما يمكنُ أنْ تفعلهُ تلكَ العواملِ في العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ، تلكَ العواملِ سوفَ تتمثلُ في الخلافاتِ الحدوديةِ بينَ الدولتينِ، ثمَ المنافسةُ الاستراتيجيةُ بينهما، ثمَ الجانبِ الاقتصاديِ وطموحِ كلِ دولةٍ في هذا المجالِ، ثمَ الكشفِ عنْ الاختلافاتِ السياسيةِ بينَ الدولتينِ، وأثرَ هذا الاختلافِ على العلاقاتِ بينهما.

حيثُ إنَ هذا التحليلِ يمكنُ أنْ يتمَ يصبُ في معرفةٍ إلى أيِ مدى يمكنُ أنْ تؤثرَ السياسةُ الخارجيةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ، وما إذا كانتْ تلكَ العواملِ المؤثرةِ قويةً للحدِ الذي يجعلُ منْ سياسةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ سبب في تغيرِ تلكَ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ، وعلى الرغمِ منْ تعددِ العواملِ المؤثرةِ على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ، إلا أنهُ سوفَ يتمُ التركيزُ على أهمها.

أولاً: الخلافاتُ الحدوديةُ بينَ الصينِ والهندِ

إنَ النزاعَ الحدوديَ بينَ الصينِ والهندِ هوَ نزاعٌ إقليميٌ في حالةٍ مستمرةٍ حولَ السيادةِ على جزئيينِ كبيرينِ نسبيا، وبعضَ الأجزاءِ الصغيرةِ المنفصلةِ منْ الأراضي، حيثُ إنَ الصينَ والهندَ تشتركانِ في حدودٍ يبلغُ طولها 3,488 كيلو مترا، إنَ الحدودَ بينَ الصينِ والهندِ تنقسمُ إلى ثلاث قطاعاتٍ أساسيةٍ وهمْ القطاعُ الغربيُ والقطاعُ الأوسطُ والقطاعُ الشرقيُ، وهؤلاءِ القطاعات بهمْ خلافاتٌ حدوديةٌ بينَ الصينِ والهندِ، وبالتالي سوفَ يتمُ التعرضُ إلى كلِ منهمْ على حدي:([93])

1- القطاع الغربيِ:

في هذا القطاعِ تشتركُ كل منْ الهندِ والصينِ على حدودٍ تبلغُ 2152 كيلو مترا ، وتتمثلَ في ولايتي جامو وكشمير التابعينَ إلى الهندِ ، ومقاطعةُ شيناجيانغْ الصينيةَ ، ولكنَ هناكَ نزاعا إقليميا في هذا القطاعِ علي اكسايْ تشينَ ، كانَ نتيجةَ هذا الخلافِ أنَ ذهبتْ الدولتينِ في حربِ عامِ 1962 ، كانَ مبررُ كلِ دولةٍ منْ الدولتينِ أنَ هذهِ المنطقةِ بالنسبةِ إلى الهندِ هيَ جزءٌ منْ كشمير ، أما مبررُ الصينِ أنها جزءٌ منْ شينجيانغْ ، أما فيما يتعلقُ بالسببِ الذي أدى إلى جدلٍ أوْ خلافٍ بلْ صراعٌ على تلكَ المنطقةِ يعودُ إلى الإمبراطوريةِ البريطانيةِ ، حيثُ إنها لمْ تعملْ علي أنَ شاءَ حدودا قانونيةً بينَ الدولتينِ ، حينما كانتْ الهندُ مستعمرةً بريطانيةً ، لأنَ الحدودَ بينَ الدولتينِ كانتْ مجردَ اقتراحٍ بما يسمى خطُ جونسونْ وخطِ ماكدونالدْ ، إنَ التصورَ الهنديَ أنَ خطَ جونسونْ هوَ الحدودُ الوطنيةُ الشرعيةُ معَ الصينِ ، على الجانبِ الآخرِ تعتبرُ الصينُ أنَ خطَ ماكدونالدْ هوَ الحدودُ الشرعيةُ والصحيحةُ معَ الهندِ ، أما فيما يتعلقُ بالوضعِ في الوقتِ الحاليِ فإنَ خطَ السيطرةِ الفعليةِ يفصلُ المناطقَ الهنديةَ في جامو وكشيرْ عنْ اكسايْ تشينَ ، كما أنهُ يسيرُ بالتوازي معَ خطِ مطالبةٍ اكسايْ تشينَ الصينيَ .

2- القطاع الأوسطِ:

إنَ هذا القطاعِ منْ بينِ أقلِ القطاعاتِ التي يوجدُ فيها نزاعاتُ وصراعاتُ حدوديةٌ بينَ الهندِ والصينِ، حيثُ إنَ الهندَ والصينَ تبلغُ في هذا القطاعِ حدودٍ مشتركةٍ 625 كيلو مترا، يبدأَ امتدادها منْ لاداخْ إلى نيبال، تكون الولاياتُ الهنديةُ في هذا القطاعِ هيَ هيماشالْ براديشْ واوتارانتشالْ معَ حدودِ التبت الصينيةِ، على الرغمِ منْ هذا الطولِ منْ الحدودِ بينَ الدولتينِ، ولكنَ الخلافاتِ عليها قليلةً بشكلٍ ملحوظٍ.

3- القطاع الشرقيِ:

في هذا القطاعِ تشتركُ كل منْ الهندِ والصينِ في حدودٍ تبلغُ 1,140 كيلو مترا ، أنَ هذا القطاعِ يبدأُ امتدادهُ منْ الحدودِ الشرقيةِ لدولةِ بوتان بدايةِ منْ ممرٍ تألو ، وهوَ يعملُ على الربطِ بينَ كلٍ منْ التبت والهندِ وميانمار ، يكون تحتَ مسمى خطِ مكماهونْ ، تمَ العملُ على إنشاءِ حدودٍ على طولِ قمةِ جبالِ الهيمالايا في تجمعاتِ المياهِ هناكَ ، على الرغمِ منْ أنَ هناكَ حالاتُ انحرافِ انهيارِ كيمانإْ وسوبانسيرْ وديهانغْ ولدوهيتْ لقمةِ جبالِ الهيمالايا ، على الرغمِ منْ الأخطاءِ التي قامتْ بها الحكومةُ البريطانيةُ بشأنِ الحدودِ بينَ الصينِ والهندِ ، ولكنها في عامِ 1913 عقدِ مؤتمرٍ ثلاثيٍ ضمَ كلٌ منْ الهنودِ والتبتيينَ ، وتمَ منْ خلالها إضفاءُ الطابعِ الرسميِ على الحدودِ بينَ كلٍ منْ الهندِ والتبت ، وتمَ اعتمادُ تلكَ الحدودِ منْ خلالِ اتفاقيةِ هذا المؤتمرِ ، ولكنْ منْ وجهةِ نظرِ الصينِ لا تعترفُ بتلكَ الحدودِ ولا خطَ مكماهونْ ، ترى أنهُ غيرُ قانونيٍ وغيرِ مقبولٍ ، وانْ مبررها في هذا أنَ ممثلي التبت الموقعينَ على اتفاقيةٍ شيملا التي عقدتْ عامَ 1914 التي أكدَ عليها خطُ مكماهونْ ، همْ لا يحملونَ الصفةُ القانونيةُ أوْ السلطةِ القانونيةِ لكيْ يوقعوا على تلكَ الاتفاقيةِ .

Source: central intelligence Agency (CIA)

المواجهات الحدوديةِ بينَ الصينِ والهندِ منذُ عامِ 2014:

سوفَ يتمُ التركيزُ في هذا الجزء على أهمِ الأحداثِ والمواجهاتِ الحدوديةِ بينَ الصينِ والهندِ التي حدثتْ بينَ عاميْ 2014 إلى آخرَ خلاف حدثَ بينهما وهوَ في عامِ 2022، وهذا اتساقا معَ السياقِ الزمنيِ لتلكَ الدراسةِ.

1- المواجهات الحدوديةِ في عامِ 2014:

قبلُ يومٍ واحدٍ فقطْ منْ زيارةِ الرئيسِ الصينيِ إلى الهندِ ، قامَ أكثرُ منْ 200 جنديِ منْ جيشِ التحريرِ الشعبيِ الصينيِ إلى ما تعتبرهُ الهندُ أراضيها ، استخدموا في هذا التدخلِ الرافعاتِ والجرافاتِ ، وكانَ الهدفُ منْ هذا التدخلِ بناءَ طريقٍ يبلغُ طولهُ 1.2 ميلٍ ، وكانَ الردُ منْ قبلِ الجنودِ الهنودِ أنْ قاموا بتحدي القواتِ الصينيةِ ، وطلبوا منهمْ الانسحابُ قبلَ أنْ يتمَ هدمُ مسارٍ تمَ بناؤهُ ، وكانَ قبلَ هذا الحادثِ تصريحاتٍ بينَ البلدينِ تضفي الطابعَ الإيجابيَ على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، ولكنَ أتتْ تلكَ الحادثةِ لتقوضِ تلكَ التصريحاتِ.)[94](

2- المواجهةُ الحدوديةُ في عامِ 2017:

تجددتْ المواجهاتُ الحدوديةُ بينَ الصينِ والهندِ مرةً أخرى في عامِ 2017 ، وذلكَ استمرَ أربعةَ أسابيعَ ، كانتْ بسببِ معارضةِ الهندِ لمحاولةٍ منْ قبلُ الصينِ العملُ على تمديدِ طريقٍ حدوديٍ كانَ يمرُ عبرَ هضبةٍ تسمي دوكلانْ في الهندِ ودونغلانجْ في الصينِ ، أنَ تلكَ الهضبةِ تقعُ في تقاطعِ بينَ الصينِ وبينَ ولايةٍ سيكيمْ وبوتان شمالِ شرقِ الهندِ ، هناكَ نزاعُ بينَ بكينْ وبينَ تيمفوسْ ، وتقومَ الهندُ بتأييدِ بوتان في المطالبةِ بها ، يرجعَ سببُ معارضةِ الهندِ لهذا الطريقِ إلى أنها تدركُ أنَ الصينَ إذا نجحتْ في إقامتهِ سوفَ يمنحها وصولاً أكبرَ إلى ما يسمى بـ ” عنقُ الدجاجةِ ” ، وهوَ ممرُ بطولِ 20 كيلو مترا ، يربطَ الولاياتِ الشماليةَ الشرقيةَ السبعَ بالبرِ الرئيسيِ الهنديِ ، وهوَ يعدُ نقطةَ استراتيجيةٍ ضعيفةٍ لدى الهندِ.)[95](

3- المواجهة الحدوديةِ في عاميْ 2020 و2022:

كانتْ أبرزَ مواجهتينِ بينَ الجانبِ الهنديِ والجانبِ الصينيِ على الحدودِ في عاميْ 2020 و 2022 ، خاصةً التي حدثتْ عامَ 2020 ، بسببَ ما نتجَ عنها منْ قتلى ، حيثُ قتلَ في هذهِ المواجهةِ 20 جنديا هنديا ، وكانَ هذا الاشتباكِ في وادي غالواني ، وعلى الرغمِ منْ وقوعِ قتلى إلا أنهُ لمْ يتمْ إطلاقُ طلقاتٍ ناريةٍ منْ أيِ نوعٍ منْ أنواعِ السلاحِ ، ولكنهُ كانَ مجردَ شجارٍ بالعصيِ والحجارةِ منْ الجانبِ الهنديِ والجانبِ الصينيِ ، وبالإضافةِ إلى ذلكَ كانَ هناكَ عددٌ منْ الجنودِ الصينيينَ الذينَ أصيبوا إصاباتٍ خطيرةً أيضا جراءَ الاشتباكِ ، يرجعَ البعضُ سببَ الحادثِ إلى أعمالِ البنيةِ التحتيةِ التي تقومُ بها الهندُ على الحدودِ بينها وبينَ الصينِ)[96](، أما في عامِ 2022 تجددتْ أيضا المواجهةَ بينَ الجانبِ الهنديِ والصينيِ ، كانَ هذا في قطاعِ تاوانجْ بولايةِ أروناتشالِ براديشْ ، وهوَ الطرفُ الشرقيُ منْ الهندِ ، ونتجَ عنهُ إصابةُ عددٍ قليلٍ منْ الجروحِ على الجانبينِ ، عقدُ قادةٍ الجانبينِ اجتماعا للتفاوضِ لعودةِ السلامِ في المنطقةِ ، وأوضحوا أنَ المواجهةَ كانتْ بدايتها توغلَ القواتِ الصينيةِ في الأراضي الهنديةِ.)[97](

دلالات النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ الصينِ والهندِ وأثرها على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ:

منْ خلالِ العرضِ السابقِ لتاريخِ النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ الدولتينِ ، ثمَ تتبعُ آخر مواجهاتٍ حدوديةٍ بينَ الطرفينِ ، يمكنَ أنْ يتمَ الاستدلالُ على إثرِ تلكَ النزعاتِ علي العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، منْ الملاحظِ أنهُ على الرغمِ منْ كثرةِ الموجهاتِ إلا أنَ الطرفينِ لمْ يقوموا برفعِ السلاحِ الناريِ على بعضهما البعضِ ، وذلكَ لأنَ الدولتينِ هما قوتانِ عسكريتانِ كبيرتانِ ، بالإضافةِ إلى أنهما دولتانِ نوويتانِ ، وبالتالي في حالةِ التصعيدِ منْ جانبِ أحدِ الجوانبِ منْ خلالِ استخدامِ الأسلحةِ الناريةِ يمكنُ أنْ يؤديَ ذلكَ إلى تشوفِ حربٍ عسكريةٍ كبيرةٍ بينَ الدولتينِ ، والذي بدورهِ يمكنُ أنْ يقطعَ العلاقاتِ منْ جذرها بينَ الدولتينِ.

منْ جانبٍ ثانٍ منْ التحليلِ، على الرغمِ منْ أنَ المواجهاتِ تأثيرها بسيطٌ بسببِ عدمِ التصعيدِ في أيِ مواجهةٍ، إلا أنها يمكنُ أنْ تعبرَ على فرضِ هيمنةِ أحدِ الجوانبِ على الآخرِ، حتى ولوْ منْ خلالِ الجنودِ، ومنْ الملاحظِ أنَ الجانبَ الأكثرَ فوزا في تلكَ الخلافاتِ الحدوديةِ هيَ الصينُ، وبالتالي يمكنُ أنْ يتمَ استخدامُ تلكَ النزاعاتِ الحدوديةِ لفرضِ الهيمنةِ منْ جانبِ دولةٍ على الأخرى.

جانبُ ثالثٌ منْ التحليلِ، يمكنَ أنْ يتمَ استدلالُ منْ تلكَ الموجهاتِ بينَ الطرفينِ الفرقِ في الاهتمامِ بالبنيةِ التحتيةِ بينَ الهندِ والصينِ، إذا تمَ التركيزُ على أسبابِ التدخلاتِ السابقةِ، سوفَ يتمُ إيجاد أنَ الصينَ في كثيرٍ منْ المحاولاتِ تتدخلُ في الأراضي التي ترى أنها أراضيها بسببِ مدِ طرقٍ معينةٍ، وبالتالي هذا يمكنُ أنْ يتمَ الاستدلالُ منْ خلالهِ أنَ الصينَ تهتمُ بالبنيةِ التحتيةِ الخاصةِ بها، حتى في المناطقِ الحدوديةِ، وهذا موجودٌ عندَ الهندِ أيضا، ولكنهُ بشكلِ أقلَ منْ الصينِ.

ثانيًا: المنافسة الاسْتراتيجيَّة والْإقْليميَّة بَيْن الصِّين وَالهِند:

إنَ الصينَ والهندَ هما قوتانِ ناشئتانِ ، يحاولَ كلُ منهمْ الهيمنةُ بطريقةٍ أوْ بأخرى تحقيقَ الهيمنةِ سواءٌ كانتْ الإقليميةُ أوْ الدوليةِ ، ولكنْ أنْ الصينَ قدْ قطعتْ شوطا كبيرا في الهيمنةِ الإقليميةِ ، وفي طريقها إلى الهيمنةِ العالميةِ ، على العكسِ منْ الهندِ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تتصادمَ طرقُ الهيمنةِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ ، وبالتالي تؤثرُ على العلاقاتِ فيما بينهمْ ، وبالتالي سوفَ يتمُ التركيزُ على طموحاتِ الصينِ لكيْ تحققَ الهيمنةُ على الإقليمِ ، ثمَ استعراضِ الطموحاتِ الهنديةِ في الهيمنةِ ، ثمَ توضيحِ هلْ سوفَ يكونُ هناكَ تصادمُ بينَ الجانبينِ في الهيمنةِ .

1- طموحات الصينِ للهيمنةِ:

إنَ الصينَ لديها شكلانِ منْ النوايا على تحقيقِ الهيمنةِ، هناكَ ممارساتٌ تدلُ على نوايا تحقيقِ الهيمنةِ القسريةِ، وهناكَ ممارساتٌ أخرى تدلُ على تحقيقِ الهيمنةِ الخيرةِ أوْ السلميةِ، وبالتالي يجبُ التطرقُ إلى الممارساتِ التي تقومُ بها الصينُ سواءٌ كانَ بالطريقةِ القسريةِ أوْ بالطريقةِ الخيرةِ. ([98])

أ – طريقُ الصينِ لتحقيقِ الهيمنةِ بالطريقِ القسريةِ: بناءُ الجزرِ والتحالفِ الروسيِ:

عملتْ الصينُ في عامِ 2018 علي اتباعِ استراتيجيةٍ عدوانيةٍ في البحرِ الصينيِ الجنوبيِ ، وذلكَ منْ خلالِ ادعائها أنَ هناكَ جزءا في هذا البحرِ ملكَ لها ، وبالتالي سعتْ إلى توسيعِ أراضيها وحدودها البحريةِ في جنوبِ شرقِ آسيا ، وهذا على حسابِ دولِ الجوارِ ، وتلكَ الدولُ هيَ فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي وتايوان ، كانَ استنادُ الصينِ في هذا الطريقِ إلى خرائطَ تاريخيةٍ ، وعلى الرغمِ منْ هذا صدرَ قرارٌ في عامِ 2016 منْ المحكمةِ الدوليةِ في لاهايْ بحكمٍ ضدَ الصينِ ، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ الحكمِ إلا أنَ الصينَ قدْ تجاهلتهُ مبررةٌ ذلكَ أنَ الصينَ ليسَ لها اختصاصٌ في هذا الأمرِ .

ولمْ تتوقفْ الصينُ عندَ هذا الأمرِ ، بلْ إنها تقومُ بما يسمى ” بناءُ الجزيرةِ ” ، وهيَ عمليةُ بناءٍ تبدأُ بها الصينُ بأخذِ جزيرةٍ صغيرةٍ ، لا تتعدى حجمها حجمَ صخرةٍ كبيرةٍ ، ولكنَ الصينَ تنقلُ إليها موادُ بناءٍ وسفنٍ ، وتنقل لها أيضا مهابطَ طائراتِ هليكوبترَ وغيرها ، وبالتالي تعملُ على بناءِ جزرٍ صناعيةٍ منْ خلالِ تلكَ الأدواتِ ، وبالتالي هيَ تعملُ منْ خلالِ تلكَ الممارسةِ على أخبارِ جيرانها والعالمِ أنَ مطالبها الإقليميةَ البحريةَ سوفَ يتمُ الحصولُ عليها بقوةٍ مطلقةٍ ، وبالتالي هيَ تعملُ على التمددِ الجيوسياسيِ .

على الجانبِ الآخرِ ، كانَ هناكَ دعمٌ ضمنيٌ منْ الجانبِ الصينيِ إلى الجانبِ الروسيِ في العديدِ منْ القضايا التي يمكنُ منْ خلالها إدراكُ التقاربِ الصينيِ الروسيِ ، ومنْ بينِ القضايا هيَ دعمُ الصينِ الضمنيِ إلى روسيا على ضمِ شبهٍ جزيرةٍ القرمْ ، وتوقيعهما اتفاقيةَ تعاونٍ في مجالِ الطاقةِ ، حيثُ إنَ الصينَ كانتْ صامتةً تماما أثناءَ ضمِ روسيا لشبهِ جزيرةٍ القرمْ في عامِ 2014 ، على الرغمِ منْ أنَ الصينَ في عامِ 2005 كانتْ تدينُ روسيا لأنها تخالفُ مبادئَ الصينِ ، وعلى الجانبِ الآخرِ وسطَ الأزمةِ الأوكرانيةِ والعقوباتِ الغربيةِ على روسيا دخلتْ الصينُ معَ روسيا في معاهدةِ تعاونٍ ، بالإضافةِ إلى إرسالِ لها حزمةٍ ماليةٍ كبيرةٍ ، ردتْ روسيا على ذلكَ ببيعِ النفطِ والغازِ الطبيعيِ بأسعارِ أقلَ بكثيرٍ منْ أسعارِ السوقِ.([99])

ب – طريقُ الصينِ لتحقيقِ الهيمنةِ بالطريقةِ الخيرةِ: السياسيةَ البيئيةِ وعملياتُ حفظِ السلامِ:

على الرغمِ منْ أنَ الصينَ تشتهرُ بإهمالها لقضايا البيئةِ ، إلا أنها وضعتْ في الآونةِ الأخيرةِ أعطتْ اهتماما لتلكَ القضايا ، حيثُ إنها واجهتْ ضغطا داخليا لتحسينِ جودةِ الهواءِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ قدْ أصبحتْ منْ الدولِ الرائدةِ في الطاقةِ المتجددةِ مثلٍ الطاقةِ الشميسة وطاقةُ الرياحِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ في أولمبيادَ بكينْ عامَ 2008 ، غيرتْ موقفها في المسائلِ العالميةِ المتعلقةِ بالتلوثِ البيئيِ ، حيثُ إنَ المديرَ التنفيذيَ لبرنامجِ الأممِ المتحدةِ للبيئيةِ أشادَ باستعداداتِ الصينِ الجيدةِ ، بالإضافةِ إلى مكافحتها للممارساتِ التي منْ شأنها يمكنُ أنْ تغيرَ المناخُ ، كما أنَ الصينَ قدْ صدقتْ على اتفاقيةِ باريس للمناخِ في سبتمبرَ عامَ 2018 .

عليَ الجانبُ الآخرُ، شاركتْ الصينُ بشكلٍ فعالٍ في عملياتِ إدارةِ المخاطرِ التابعةِ للأممِ المتحدةِ، حيثُ إنَ الصينَ قدْ دعمتْ العديدَ منْ عملياتِ حفظِ السلامِ، منْ خلالِ معارضتها للتدخلِ منْ قبلِ الدولِ الأخرى، وخاصةً الدولَ الاستعماريةَ على الدخولِ في شؤونِ الدولِ القوميةِ، خاصةٌ وأنَ الصينَ تعاني منْ حكمٍ استعماريٍ سابقٍ، وبالتالي كانَ للصينِ دور بارزٍ في الدعوةِ إلى عملياتِ السلامِ في عدةِ قضايا حولَ العالمِ. ([100])

2- مقومات الهندِ للهيمنةِ:

نظرا لأنَ بؤرةَ التحليلِ بشكلِ أكبرَ هيَ الهندُ عنْ الصينِ ، وبالتالي سوفَ يتمُ التركيزُ على الهندِ بنوعٍ منْ الإسهابِ ، حيثُ سوفَ يتمُ عرضَ المقوماتِ التي تمتلكها الهندُ لكيْ تحققَ الهيمنةُ الإقليميةُ ، ثمَ توضيحِ دورها في تحقيقِ الهيمنةِ منْ خلالِ تلكَ المقوماتِ ، حيثُ إنَ الهندَ لديها العديدَ منْ المقوماتِ التي تمتازُ بها عنْ غيرها منْ الدولِ ، وبالتالي سوفَ يتمُ التركيزُ على أهمَ تلكَ المقوماتِ ، التي يمكنُ أنْ تعطيها أفضليةُ وميزةُ نسيبة لكيْ تمارسَ نفوذا إقليميا ، ومنْ بينِ العواملِ أوْ المقوماتِ التي تمتلكها الهندُ هيَ العاملُ الجغرافيُ والاقتصاديُ والعسكريُ والسياسيُ.([101])

أ- العامل الجغرافيِ:

منْ بينِ المقوماتِ التي تمتلكها الهندُ في تحقيقِ هيمنتها الإقليميةِ هيَ الجغرافيا ، حيثُ إنَ الهندَ هيَ أكبرُ دولةٍ في جنوبِ آسيا وليسَ جنوبَ شرقِ آسيا ، وبلَ أنها سابعٌ أكبرِ دولةٍ في العالمِ منْ حيثُ المساحةُ ، ومنْ هذا المنطلقِ يمكنُ أنْ تحققَ هيمنةٌ على الدولِ المحيطةِ بها ، حيثُ إنَ نيبال وبوتان معتمدونَ كليا على الهندِ ، حيثُ إنَ نيبال وبوتان يتمتعانِ بأهميةٍ استراتيجيةٍ بالنسبةِ إلى الهندِ ، لأنهما تشتركانِ في حدودٍ معَ الصينِ أيضا ، وبالتالي هناكَ تنافسُ بينَ الصينِ والهندِ في النفوذِ على هاتينِ الدولتينِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الهندَ تمرُ بها جميعُ خطوطِ الاتصالِ البحريةِ الرئيسيةِ في المحيطِ الهنديِ منْ الشرقِ الأوسطِ إلى شرقِ آسيا عبرَ الهندِ ، وبالتالي تعتمدُ الدولُ الصغيرةُ المحيطةُ بالهندِ عليها في الاتصالاتِ والتجارةِ الماديةِ ، ومنْ هذا المنطلقِ يمكنُ أنْ تمارسَ الهندُ نفوذا على تلكَ الدولِ.([102])

ب- العامل الاقتصاديِ والعسكريِ والسياسيِ:

على الجانبِ الآخرِ ، منْ بينِ مقوماتِ الهندِ الجانبُ الاقتصاديُ ، حيثُ إنَ الهندَ اقتصادها يمثلُ ربعُ إجماليِ الناتجِ المحليِ في جنوبِ آسيا وفقا لعامِ 2018 يبلغ حواليْ 2.8 تريليونِ دولاً ، بمعدلِ نموٍ يبلغُ 7 – 6 % ، وبالتالي هيَ منْ بينِ أسرعِ الاقتصاداتِ نموا في العالمِ ، كما أنَ الهندَ تشاركُ في توسيعِ هذا الاقتصادِ منْ خلالِ انضمامها إلى المجموعاتِ الاقتصاديةِ الإقليميةِ والعالميةِ ، ومنها مبادرةُ خليجِ البنغال للتعاونِ التقنيِ والاقتصاديِ متعددٍ القطاعاتِ ، ورابطةُ جنوبَ آسيا للتعاونِ الإقليميِ ، والبريكس ، ورابطةُ دولِ جنوبِ شرقِ آسيا ، بالإضافةِ إلى أنَ الهندَ تعززُ بقوةِ علاقتها الاستراتيجيةِ معَ كلٍ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بشكلٍ أساسيٍ وروسيا وإسرائيلَ واليابانِ وأستراليا وفرنسا وغيرهمْ ، بالإضافةِ إلى توقيعِ العديدِ منْ اتفاقياتِ التعاونِ معَ تلكَ الدولِ ، كما أنَ الهندَ تعتبرُ منْ أكبرِ الدولِ المستوردةِ للسلاحِ في العالمِ ، حيثُ إنها تستوردُ منْ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيلَ وفرنسا وروسيا ، وبالتالي تلكَ الإمكاناتِ تعتبرُ مقوماتٍ يمكنُ أنْ تمارسَ منْ خلالها الهندُ نفوذها وهيمنةً كبيرينِ.

ج- السياسة الخارجيةِ الهنديةِ:

وفيما يتعلقُ بالسياسةِ الخارجيةِ الهنديةِ ، فإنَ الهندَ منذُ بدايتها في عامِ 1974 ، استلهمتْ سياستها الخارجيةُ منْ خلالِ مبادئِ عدمِ الانحيازِ والتعايشِ السلميِ ، وهذا نابعٌ منْ خلالِ الخبرةِ الاستعماريةِ البريطانيةِ ، ولكنْ دعا نهرو لأولِ مرةٍ إلى ما يسمى ب ” سياسةً بانتشيلْ ” تتكونَ تلكَ السياسةِ منْ خلالِ خمسةِ مبادئَ أساسيةٍ وهمْ : 1 – الاحترامُ المتبادلُ لوحدةِ أراضٍ وسيادةِ كلِ طرفٍ ، 2 – عدمُ الاعتداءِ على بعضنا البعضِ ، 3 – عدمُ التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ لدولِ الجوارِ ، 4 – المساواةُ والمنفعةُ المتبادلةُ ، 5 – التعايشُ السلميُ ، كانتْ تلكَ السياسةِ متبعةً بقوةٍ خلالَ الحربِ الباردةِ ، ولكنْ حينما آتي رئيسُ الوزراءِ مودي أعلنَ أنهُ سوفَ ينشطُ العلاقاتِ بينَ الهندِ وبينَ دولِ الجوارِ ، وفي حفلِ أداءِ اليمينِ الأولِ لمودي دعا جميعُ رؤساءِ دولِ جنوبِ آسيا للحضورِ ، ثمَ قامَ بزياراتٍ رسميةٍ إلى جميعِ الدولِ في جربِ آسيا مثلٍ بوتان ونيبال وبنغلاديش وسريلانكا .

دورُ الهندِ في تحقيقِ الهيمنةِ على دولِ الجوارِ ومنافستها لهيمنةِ الصينِ عليهمْ:

إنَ الصينَ تمارسُ نوعا منْ الهيمنةِ على الدولِ المحيطةِ بها في إقليمِ جنوبَ آسيا، وتذهبَ في تحقيقِ تلكَ الهيمنةِ إلى أبعدَ منْ النفوذِ السياسيِ، ولكنها يمكنُ أنْ تستخدمَ القوةُ العسكريةُ لفرضِ تلكَ الهيمنةِ، وبالتالي سوفَ يتمُ التعرضُ إلى بعضِ تلكَ الدولِ وهمْ باكستان، نيبال، بنغلاديش، سريلانكا، جزرُ المالديفْ.

 باكستان:

إنَ الهندَ لها تأثيرٌ كبيرٌ على الدولِ المحيطةِ بها ، وأولَ تلكَ الدولِ هيَ باكستان ، حيثُ إنها تمثلُ تحديا كبير لها إقليميا ، حيثُ إنَ الهندَ تصرفتْ كقوةٍ كبرى في الإقليمِ ، ورفضتْ تقاسمَ القوةِ معَ أيِ دولةٍ منْ دولِ جنوبِ آسيا ، وآتي هذا جليا في تقسيمِ شبهٍ القارةِ الهنديةِ في عامِ 1947 ، لمْ تقبلْ الهندُ بإنشاءِ باكستان ورأتْ أنها دولةٌ غيرُ طبيعيةٍ ، وكانتْ تأملُ في أنْ يكونَ وضعا مؤقتا فقطْ ، بلْ وتحركتْ بكلِ الوسائلِ لجعلِ تلكَ الدولةِ أمرا واقعا صعبا ، كما أنَ الدولتينِ قدْ خاضا حروبا في 1948 و 1965 و 1971 و 1999 ، كما أنَ الهندَ دعمتْ التمردَ في شرقِ باكستان ، ثمَ هاجمتْ الأراضي الباكستانيةُ ، بالإضافةِ إلى دعمِ المتمردينَ الانفصاليينَ البلوشْ ، أكبرَ قضيةٍ بينَ الجانبينِ هيَ كشمير ، التي تأججتْ نتيجةَ سياساتِ مودي الخاصةِ بدمجِ كشمير في الهندِ ، بالإضافةِ إلى أنهُ قامَ بإلغاءِ المادةِ 370 والمادةُ 35 أ اللتانِ وضعتْ كشمير كوضعٍ خاصٍ ، أدى ذلكَ إلى المزيدِ منْ التوترِ بينَ الدولتينِ .

 نيبال:

فيما يتعلقُ بالعلاقاتِ بينَ الهندِ ونيبال ، فإنَ الدولتينِ قريبتانِ في الثقافةِ والدينِ والتاريخِ ، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ تمارسُ الهندُ سلوكا مهيمنا عليها ، ويظهرَ هذا في السياقِ التاريخيِ المتوترِ بشكلٍ كبيرٍ ، سوفَ يتمُ التركيزُ على أحدثِ الفترةِ الأخيرةِ نظرا لطولِ التوتراتِ بينَ الدولتينِ ، في التسعينياتِ كانَ هناكَ اضطراباتٌ في نيبال ، تمَ التحريضُ عليها منْ قبلُ الهندِ ، وقبلها بعامٍ منعتْ الهندُ عملياتِ عبورِ نيبال بسببِ قضايا اتفاقياتِ العبورِ ، مما جعلَ نيبال تعاني منْ الموادِ الأساسيةِ للحياةِ والوقودِ ، وكانَ أحدُ الأسبابِ تناميَ العلاقاتِ بينَ الصينِ وبينَ نيبال ، منْ خلالِ عقدِ العديدِ منْ الاتفاقياتِ بينَ نيبال وبينَ الصينِ ، في عامِ 2015 اتهمتْ نيبال الهندُ بأنها تمارسُ حصارا تجاريا عليها ، وكانَ أحدُ أسبابِ ذلكَ هوَ الابتعادُ عنْ النفوذِ الهنديِ وإجراءُ اتفاقياتٍ تجاريةٍ معَ الصينِ ، ومنْ ذلكَ تريدُ الهندُ أنْ يكونَ لها نفوذُ أكبرَ على الشؤونِ الداخليةِ لنيبال لثلاثةِ أسبابٍ : الأول : ترى الهندُ نفسها أكبرَ قوةٍ في جنوبِ آسيا ، وبالتالي منْ الطبيعيِ أنْ تتدخلَ في شؤونِ الدولِ الصغيرةِ ، الثاني : تعتقدَ الهندُ أنَ العلاقاتِ بينَ الصينِ وباكستان لنيبال فيهِ تهديدُ لأمنها القوميِ ، الثالث : امتلاكُ نيبال مواردَ مائيةً ضخمةً يجعلها مطمعا للهندِ .

 بنغلاديش:

منْ الدولِ أيضا التي وقعتْ تحتَ الهيمنةِ والتدخلِ الهنديِ هيَ بنغلاديش ، حيثُ إنها تعدْ مهدَ التدخلِ الهنديِ ، كانتْ البدايةُ منذُ أنْ أصبحتْ بنجلاديش دولةً منفصلةً عنْ باكستان ، يوجد في بنجلاديش حزبانِ رئيسيانِ ، الأولَ رابطةً عوامي ، والثاني الحزبِ الوطنيِ البنغلاديشيِ ، كانَ الدعمُ الهنديُ متوجهةً إلى رابطةٍ العوامي ، حيثُ إنَ تلكَ الرابطةِ تؤيدُ بشكلٍ صريحٍ الهندِ ، ويعتبرَ الحزبُ البنغلاديشيُ مناهضا للتدخلاتِ الهنديةِ ، منْ بينِ نقاطِ الخلافِ بينَ الدولتينِ هيَ قضيةُ المياهِ ، بالإضافةِ إلى معارضةِ بنجلاديش التجارةِ الهنديةِ وسياسياتُ التعريفِ الجمركيِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الميزانَ التجاريَ بينَ الدولتينِ يصبُ في صالحِ الهندِ ، بلغتْ في عامِ 2017 حواليْ 6.036 مليونِ دولارٍ ورادةٍ منْ الهندِ ، مقابلَ صادراتٍ بلغتْ 456.6 مليونِ دولارٍ ، إضافةٌ إلى ذلكَ هناكَ خلافاتٌ حدوديةٌ بينَ الدولتينِ ، تمَ التوقيعُ على اتفاقيةِ ترسيمِ الحدودِ البريةِ خلالَ زيارةِ مودي إلى بنغلاديش عامَ 2015 .

 سريلانكا:

أما بالنسبةِ إلى سريلانكا فإنَ قضيةَ التأميل هيَ المحركُ الأساسيُ الذي يدفعُ الهندَ للتدخلِ ، حيثُ إنَ الهندَ تدعمُ التأميل في مواجهةِ الحكومةِ السريلانكيةِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ أهميةِ تلكَ القضيةِ للتدخلِ ، ولكنَ الهندَ ترى نفسها منخرطةً في منافسةٍ معَ الصينِ في التأثيرِ على الداخلِ السيريلانكيِ ، لأنَ الصينَ قامتْ بالعديدِ منْ الاستثماراتِ للبنيةِ التحتيةِ لسريلانكا ، وبالتالي يمكنُ أنْ يقللَ هذا منْ النفوذِ الهنديِ في البلادِ ، بالإضافةِ إلى أنَ سريلانكا تشتري الكثيرَ منْ الأسلحةِ الصينيةِ ، بالإضافةِ إلى أنَ باكستان قدْ دخلتْ على الخطِ وكانَ لها دورٌ في إنهاءِ الصراعِ المسلحِ في سريلانكا ، حيثُ إنَ هناكَ علاقاتٌ قويةٌ بينَ كلٍ منْ الجانبِ الباكستانيِ وبينَ الجانبِ السلايلانكي ، هناكَ تدريباتٌ للضباطِ السريلانكيينَ في مؤسساتٍ عسكريةٍ باكستانيةٍ .

 جزرُ المالديفْ:

هناكَ اهتمامٌ كبيرٌ منْ الهندِ بجزرِ المالديفْ كمحاولةٍ منها لمنافسةِ الصينِ على النفوذِ على تلكَ الجزءَ ، وهذا نظرا إلى الأهميةِ الجيوستراتيجيةِ ، حيثُ إنَ جزرَ المالديفْ تربطَ بينَ طريقٍ بحريةٍ مهمةٍ على المحيطِ الهنديِ ، عملتْ الصينُ على الاستثمارِ بكمياتٍ كبيرةٍ في البنيةِ التحتيةِ والتنميةِ في جزرِ المالديفْ ، بالإضافةِ إلى أنها تدعمُ رؤساء المالديفْ منهمْ محمدْ نشيدِ وإبراهيمْ محمدْ صليحْ ، على الجانبِ الآخرِ تدهورتْ العلاقاتُ بينَ الهندِ وجزرِ المالديفْ في عهدِ عبدِ اللهْ يمين ، وظهرَ ذلكَ علنا منْ خلالِ إغفالِ زيارةِ مودي إليها في جولتهِ لجنوبِ آسيا ، وخلالَ حملةِ يمينِ علي المعارضةَ عامَ 2018 ، دعا قادةُ المعارضةِ إلى مساعدةِ الهندِ ، ولكنْ تمَ ردعُ التدخلِ الهنديِ بسببِ الدعمِ الصينيِ للرئيسِ عبدَ اللهْ يمين ، ولكنْ في الانتخاباتِ الأخيرةِ عامَ 2018 فازَ بها محمدْ صليحْ وأعلنَ أنَ الهندَ هيَ أقربُ حليفٍ ، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ أنَ العلاقاتِ بينَ الهندِ وجزرِ المالديفْ تتقلبَ منْ حينٍ لآخرَ وفقا لتغيرِ السلطةِ .

دلالات الطموحاتِ الصينيةِ والهنديةِ على الهيمنةِ وأثرها على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ:

يظهرَ منْ خلالِ العرضِ السابقِ ، أنَ طموحاتِ الصينِ هيَ أنْ تصبحَ ذاتَ هيمنةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ ، وبالتالي فهيَ في طريقها لتحقيقِ هذا الهدفِ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ الهندَ هيَ تسعى بشكلِ أكبرَ إلى الصعودِ والهيمنةِ إقليميا بشكلِ أكبرَ ، حيثُ إنهُ ترى نفسها الدولةَ الأقوى في إقليمِ جنوبَ آسيا ، ومنْ هذا المنطلقِ فإنها تمارسُ النفودْ والهيمنةُ على الدولِ الأصغرِ المحيطةِ بها ، ولكنْ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا فإنَ تواجدها ضعيفٌ نظرا للهيمنةِ الصينيةِ هناكَ ، كما أنَ الصينَ لا تتركُ الهندُ تمارسُ النفوذَ وحدها على الدولِ في إقليمِ جنوبَ آسيا ، ولكنها أيضا تعملُ على وجودِ هيمنةٍ مضادةٍ للهندِ في الإقليمِ ، وبالتالي فهناكَ تصادمُ بينَ الهيمنةِ الهنديةِ والصينيةِ على الدولِ في الإقليمِ .

ثالثًا: الاختلافاتُ السياسيةُ والأيدولوجيةُ بينَ الصينِ والهندِ

منْ بينِ العواملِ التي يمكنُ أنْ تؤثرَ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ هيَ الاختلافاتُ السياسيةُ والأيدولوجيةُ بينَ الدولتينِ، وبالتالي منْ الواجبِ التطرقِ إلى الاختلافِ السياسيةِ والأيدولوجيةِ بينَ الدولتينِ، للتعرفِ على ذلكَ الاختلافِ، واستنباطَ التأثيرِ الناتجِ عنْ تلكَ الاختلافاتِ على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ. ([103])

1- نظام الحكم في كل من الصين والهند:

منْ أهمِ الاختلافاتِ بينَ الصينِ والهندِ هيَ الاختلافُ بينَ نظامِ الحكومةِ فيهما ، حيثُ إنَ الهندَ هيَ جمهوريةٌ ديمقراطيةٌ فيدراليةٌ ذاتُ شكلٍ برلمانيٍ للحكومةِ ، وبالتالي هذا لهُ انعكاسهِ الخاصِ على السياساتِ الداخليةِ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ الصينَ هيَ بشكلٍ رسميٍ جمهوريةً ديمقراطيةً موحدةً ، ولكنْ واقعيا يسيطرُ عليها الحزبُ الشيوعيُ بشكلِ استبداديينِ ، الصينُ والهندُ تنقسمُ فروعَ الحكومةِ لديهمْ إلى ثلاثةِ فروعٍ ، الهندُ تطبقُ هذا الشكلِ ، ولكنَ الصينَ تناطُ في الغالبِ بالبرلمانِ ، ولكنْ واقعيا أنَ الحزبَ الشيوعيَ الصينيَ يسيطرُ على البرلمانِ بها ، بالإضافةِ إلى أنَ كلَ سلطةٍ في الدولةِ هيَ في يدِ الحزبِ الشيوعيِ الصينيِ ، وهذا منْ خلالِ القوانينِ بشكلٍ مباشرٍ أوْ غيرِ مباشرٍ ، كما أنَ الرئيسَ الصينيَ الحاليَ شيَ جينٍ بينهُ يجمعُ في يدهِ عددا منْ المناصبِ في جميعِ الأجهزةِ ، أما بالنسبةِ إلى الهيئةِ التشريعيةِ في الصينِ فهيَ تتمثلُ في المجلسِ الوطنيِ لنوابِ الشعبِ الصينيِ ، وهوَ مكونٌ منْ مجلسٍ واحدٍ ، وسلطتهُ تتوقفُ عندَ النظرِ في القوانينِ وسنها وغيرها منْ الإقراراتِ ، ولكنْ يسيطرُ عليهِ سلطةُ الحزبِ .

على الجانبِ الآخرِ أنَ الهندَ لديها برلمانٌ مكونٌ منْ مجلسينِ ، وهوَ الممثلُ الأهمُ للسلطةِ التشريعيةِ في الولايةِ ، كما يوجدُ مجلسٌ للشيوخِ ، وهوَ مكونٌ منْ 12 شخصا منْ تعيينِ الرئيسِ ، انتخابُ الجمعيةِ التشريعيةِ وأعضاءُ الهيئةِ الانتخابيةِ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ ، أما مجلسُ النوابِ ينتمي انتخابهُ بطريقةٍ مباشرةٍ ، أنَ السلطاتِ المخولةَ للبرلمانِ في الهندِ أكبرَ وأوسعَ منْ نظيرهِ الصينيِ ، أما السلطةُ التنفيذيةُ الهنديةُ فهيَ تتكونُ منْ مجلسِ وزراءِ الاتحادِ ، ومجلسَ الوزراءِ الفيدراليِ ، يتمَ تشكيلها منْ خلالِ الحزبِ الحاصلِ على أكبرَ منْ نصفِ المقاعدِ في البرلمانِ ، أما السلطةُ التنفيذيةُ في الصينِ تمثلُ في مجلسِ الدولةِ برئاسةِ رئيسِ الوزراءِ ، وبالتالي هناكَ تشابهٌ في هيكلِ الحكومةِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ ، ولكنْ على أرضِ الواقعِ هناكَ اختلافاتٌ جوهريةٌ ، أنَ الهندَ لديها نظامٌ معقدٌ منْ البيروقراطيةِ هدفهُ تحقيقَ الديمقراطيةِ ، ولكنَ الصينَ لديها الحزبُ الحاكمُ يسيطرُ على كافةِ أشكالِ الحكمِ فيها .

2الثقافة السياسيةِ في كلٍ منْ الصينِ والهندِ:

الشقُ الثاني في الجانبِ السياسيِ هيَ الثقافيةُ السياسيةُ أوْ المجتمعِ نفسهِ ، حيثُ إنَ الهندَ هيَ اتحادٌ كونفدراليٌ يوحدُ عددا كبيرا منْ المجموعاتِ العرقيةِ في ولايةٍ قضائيةٍ ، كما أنَ لكلِ ولايةٍ أوْ إقليمِ أوْ مقاطعةِ خصائصها الثقافيةِ المختلفةِ ، بلْ ويذهبُ الأمرُ إلى أبعدَ منْ ذلكَ ، فهناكَ اختلافاتٌ في اللغةِ بينَ تلكَ المقاطعاتِ والولاياتِ ، كما أنَ الثقافةَ السياسيةَ في الهندِ ديمقراطيةً ، وانْ الشعبِ الهنديِ يمكنُ أنْ يتمَ التأثيرُ فيهِ منْ خلالِ الهيئاتِ التمثيليةِ ، منْ خلالِ أعضاءِ البرلمانِ والأحزابِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ أنَ التعدديةَ والبيروقراطيةَ التي تمتازُ بها الثقافةُ السياسيةُ الهنديةُ تؤدي إلى بطيءٍ عملياتِ اتخاذِ القرارِ .

على الجانبِ الآخرِ منذُ بدايةِ التاريخِ الحديثِ للصينِ قامتْ بتوحيدِ الشعبِ ومساواتهِ في العديدِ منْ المجالاتِ ، وهذا تمَ تأكيدهُ منْ خلالِ وصولِ الحزبِ الشيوعيِ الحاكمِ في السلطةِ ، تمَ تحويلُ القطاعِ الخاصِ إلى قطاعٍ جماعيٍ أوْ عامٍ ، على الرغمِ منْ أنَ تلكَ الممارساتِ جيدةً ، إلا أنها أصبحتْ وسائلها القمعَ والعنفَ ضدَ أيِ معارضةٍ ، والتي نتجَ عنها ثقافةٌ سياسيةٌ تؤمنُ بشكلٍ مطلقٍ بزعيمٍ واحدٍ مستبدٍ ، ولكنَ تلكَ الممارساتِ جعلتْ الصينُ تقفزُ في التنميةِ الاقتصاديةِ ، لأنَ السيطرةَ الصارمةَ على عددٍ كبيرٍ منْ السكانِ ، وروحَ الجماعةِ العاليةِ عملتْ جنبا إلى جنبٍ معَ اقتصادِ السوقِ ، أدى كلُ هذا إلى زيادةِ الإنتاجِ .([104])

 3 – المصالحُ الوطنيةُ في كلٍ منْ الصينِ والهندِ:

الشقُ الثالثُ في الجانبِ السياسيِ هيَ المصلحةُ الوطنيةُ ، أنَ كافةَ دولِ العالمِ تتشابهُ بشكلٍ تقريبيٍ في المصالحِ الوطنيةِ ، حيثُ إنَ أيَ دولةٍ تريدُ أنْ تؤمنَ حدودها وسيادتها وتزيدُ الاستقرارَ وتعززَ الاقتصادُ والتنميةُ لديها ، والصينُ والهندُ ليسا استثناءٌ على هذا ، حيثُ إنَ الصينَ أصبحتْ منْ بينِ أكبرِ الاقتصادياتِ في العالمِ ، وتنافسَ بشكلِ فرديِ الناتجِ المحليِ الإجماليِ الأمريكيِ ، حيثُ إنَ المصلحةَ الوطنيةَ للصينِ قدْ تجاوزتْ فكرةَ التنميةِ الاقتصاديةِ السلميةِ وأمنِ الدولةِ والوحدةِ ، ولكنها تريدُ توسيعَ نفوذها على الدولِ المجاورةِ ، بالإضافةِ إلى توسيعِ القوةِ البحريةِ للصينِ ، بالإضافةِ إلى إرادتها في تصحيحِ النظامِ الليبراليِ الغربيِ ، ولكنْ نظرا لأنَ الصينَ تفتقرُ للعديدِ منْ المعاييرِ التي منْ خلالها يمكنُ أنْ تحققَ طموحها في إنزالِ الولايات المتحدة منْ على عرشِ النظامِ الدوليِ ، ولكنها تسيرُ في الطريقِ الصحيحِ في زيادةِ النفوذِ في المنطقةِ ، وهذا ملاحظٌ في العديدِ منْ المواضعِ في الأنشطةِ الخارجيةِ التي تقومُ بها .

على الجانبِ الآخرِ أنَ الهندَ لا تهتمُ بشكلٍ كبيرٍ بالصعودِ كقوةٍ عظمى في هيكلِ النظامِ العالميِ ، ومنْ الممكنِ أنْ يتمَ إرجاعُ هذا السببِ منْ خلالِ الثقافةِ السياسيةِ في الهندِ ، وفهمَ الحكومةِ لقدراتها ، وبالتالي أنَ المصلحةَ الوطنيةَ الأساسيةَ للهندِ في الوقتِ الحاليِ هيَ تحقيقُ القيادةِ في المنطقةِ ، وحتى هذا الهدفِ تواجهها فيهِ الصينُ ، بالإضافةِ إلى أنَ هذا الهدفِ يجعلها ممثلاً للمنطقةِ في النظامِ الدوليِ ، وبالتالي منْ الممكنِ أنْ يتجهَ إليها العديدُ منْ اللاعبينَ على السياسيةِ الدوليةِ ، ومنْ أمثلتهمْ الشركاتُ متعددةً الجنسياتِ وغيرها ، كما أنَ الهندَ ترى أنَ القيادةَ الإقليميةَ يمكنُ أنْ تحققَ منْ خلالها أوْ تفي بالمصالحِ الوطنيةِ الأساسيةِ للتنميةِ .([105])

 4 – الأيدولوجيةُ في كلٍ منْ الصينِ والهندِ:

في الوقتِ الحاضرِ أنَ الصينَ لديها أيدولوجيةٌ اشتراكيةٌ ذاتُ خصائصَ صينيةٍ قدْ أعلنَ عنها في المؤتمرِ الوطنيِ الثامنِ عشرَ للحزبِ الشيوعيِ الصينيِ في عامِ 2012 تحتَ مسمى ” طريقِ الاشتراكيةِ ذاتِ الخصائصِ الصينيةِ ” ، ثمَ في عامِ 2015 كانَ هناكَ خطابٌ لشيِ جينِ بينغْ فقدْ أكدَ على أهميةِ التمسكِ بتفوقِ النظامِ الاشتراكيِ الصينيِ ، كما أكدَ على نموذجِ الاشتراكيةِ ذاتِ الخصائصِ الصينيةِ ، ثمَ في عامِ 2017 تمَ ذكرَ أيضا هذا المسمى في المؤتمرِ الوطنيِ التاسعِ عشر ، وكانَ هذا التصريحِ تحتَ عنوانٍ ” لا تنسى النيةُ الأصليةُ ، ضعْ في اعتباركَ المهمةَ ، أرفعَ رايةِ الاشتراكيةِ ذاتِ الخصائصِ الصينيةِ عاليا ” ، وبالتالي أنَ الصينَ في الوقتِ الحاليِ تتبعُ أيدولوجيةِ ” الاشتراكيةِ ذاتِ الخصائصِ الصينيةِ “.([106])

إنَ الاشتراكيةَ ذاتُ الخصائصِ الصينيةِ هيَ عبارةٌ عنْ دمجِ الحقيقةِ العالميةِ للماركسيةِ معَ الواقعِ المحددِ للصينِ، والأخذُ في الاعتبارِ الخصائصَ الصينيةَ، بالإضافةِ إلى العملِ على تحديثِ وتطويرِ كافةِ المجالاتِ في كلِ الصناعةِ والزراعةِ والصناعةِ والدفاعِ الوطنيِ والعلومِ التكنولوجيةِ، وبالتالي بناءُ الصينِ لكيْ تكونَ قوةٌ اشتراكيةٌ حديثةٌ ومزدهرةٌ وقويةٌ ومتحضرةٌ ومتناغمةٌ، وبالتالي هيَ تتلخص في الأخذِ بالمبادئِ الأساسيةِ للماركسيةِ، ولكنَ انطلاقا منْ الواقعِ الصينيِ. ([107])

على الجانبِ الآخرِ أنَ الهندَ قدْ تبنتْ أيدولوجيةً حاليةً تسمي الهندوتفا ، وهذهِ القوميةِ تمَ الإعلانُ الرسميُ على تبنيها منْ قبلِ الحزبِ الحاكمِ في الهندِ ، حيثُ إنهُ غالبا ما يشارُ إليها تحتَ مسمى القوميةِ الهندوسيةِ ، وأبسطُ تعريفا لها أنها أيدولوجيةٌ متطرفةٌ تهدفُ إلى تفكيكِ العلمانيةِ في الهندِ وتحويلِ البلادِ إلى دولةِ أغلبيةٍ هندوسيةٍ رسميةٍ أوْ ما يسمى ” هندو رشترا ” ، هذا بالإضافةِ إلى أنَ موديا يمثلُ تلكَ الأيدولوجيةِ بشكلٍ لمْ يسبقْ إلى أيِ زعيمِ قبلهِ قدْ مثلها ، حيثُ إنهُ قدْ دمعَ الجيشِ الشعبيِ لشبكةِ هندوتفا معَ صورتهِ القويةِ ، بالإضافةِ إلى أنهُ نجحَ في انتشارِ تلكَ الأيدولوجيةِ بشكلٍ كبيرٍ منْ خلالِ كسبِ مجتمعِ الأعمالِ ووسائلِ الإعلامِ في الهندِ ، ولكنَ تلكَ الأيدولوجيةِ ليستْ وليدةَ اللحظةِ ، ولكنْ لها خلفيةٌ تاريخيةٌ كبيرةٌ.([108])

تعودَ جذورَ أيدولوجيةٍ الهندوتفا إلى الحكمِ لاستعماري البريطانيِ ، في ذلكَ الوقتِ كانَ يتمُ تصوريها على أنها دينٌ بدائيٌ وخرافيٌ يحتاجُ إلى إعادةِ التأهيلِ والإصلاحِ ، وبسببَ التهميشِ الكبيرِ الذي تلقاهُ نتجَ عنهُ ظهورُ عددٍ منْ المنظماتِ القويمةِ الهندوسيةِ مثلٍ آريا ساماجْ ، دعتْ تلكَ المنظمةِ إلى العملِ على سيادةِ الثقافةِ والقيمِ الهندوسيةِ ، ثمَ بعدَ استقلالِ الهندِ ، أمستْ الهندوتفا قوةً سياسيةً كبيرةً تحتَ قيادةِ شخصياتٍ مثلِ قيناياكْ داودارْ سافاركارْ ، حيثُ إنهُ دعا إلى اتخاذِ تدابيرَ لتحويلِ المسلمينَ والمسحينِ إلى الهندوسيةِ ، تجددتْ دماءً هندوتفا في 1990 بسببِ صعودِ الحزبِ الحاكمِ الحاليِ وهوَ بهاراتيا جاناتا إلى السلطةِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ كانَ لتلكَ الأيديولوجيةِ تأثير على السياسيةِ الهنديةِ ، حيثُ إنَ هناكَ العديدُ منْ السياساتِ التي تمَ وضعها سواءٌ في الداخلِ أوْ في الخارجِ بناءا علي تلكَ الأيدولوجيةِ.([109])

دلالات الاختلافاتِ السياسيةِ والأيدولوجيةِ بينَ الصينِ والهندِ وأثرها على العلاقاتِ بينَ الدولتينِ:

منْ خلالِ ما تمَ عرضهُ ، اللاعبُ الدولةَ الأكثرَ ديمقراطيةً هيَ الهندُ عنْ الصينِ ، ولكنْ على العكسِ منْ المتوقعِ ، فمنْ الشائعِ أنْ تكونَ الديمقراطيةُ وحريةُ الرأيِ والتعبيرِ هيَ المحركُ للتنميةِ الاقتصاديةِ ، ولكنْ يتمُ إيجاد أنَ الصينَ لديها اقتصادٌ قويٌ ، ومستوى أعلى في التنميةِ منْ الهندِ ، حيثُ إنَ الصينَ لديها نظاما استبداديا منْ خلالِ أنَ كافةَ السلطاتِ والقراراتِ في يدِ الحزبِ الشيوعيِ الصينيِ الحاكمِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ هذا هناكَ تنميةٌ في كافةِ المجالاتِ إلى الحدِ الذي جعلها تقارنُ نفسها بالولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

جانبٌ ثانٍ منْ التحليلِ ، بناءٌ على القدراتِ الاقتصاديةِ الهائلةِ التي وصلتْ إليها الصينُ فقدْ تخطتْ والويها حفظَ الأمنُ لأراضيها والاستقرارِ ، ولكنَ الأمرَ قدْ ذهبَ إلى أبعدَ منْ ذلكَ ، حيثُ إنَ طموحها قدْ توسعتْ إلى فرضِ هيمنتها على الإقليمِ سواءٌ كانَ جنوبَ شرقِ آسيا ، أوْ جنوبَ آسيا ، بالإضافةِ إلى أنها ترى نفسها نداءً إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وترى أنها يمكنُ أنْ تتفوقَ على الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، على الجانبِ الآخرِ بسببِ قلةِ مستوى التنميةِ التي وصلتْ إليهِ الهندُ ، هذا يجعلُ المصلحةَ الوطنيةَ الخاصةَ بها تتوقفُ على مجردِ تحقيقِ القيادةِ والهيمنةِ على الإقليمِ الخاصِ بها وهوَ جنوبُ آسيا ، ولمْ تعرْ اهتماما لفكرةِ قيادةِ العالمِ ، أوْ الصعودِ كقوةٍ عظمى .

المبْحث الثَّاني

أهمَّ مجالَات العلاقات بَيْن كُلٍّ مِن الصِّين وَالهِند

على الرغمِ منْ أنَ الصينَ والهندَ قوتانِ كبيرتانِ في العديدِ منْ المجالاتِ، ولكنَ هذا لا ينفي أنَ بينهما العديدُ منْ مجالاتِ العلاقاتِ، وبالتالي في هذا المبحثِ سوفَ يتمُ التطرقُ إلى أهمَ تلكَ المجالاتِ، ومنْ بينِ تلكَ المجالاتِ التي سوفَ يتمُ التطرقُ إليها المجالُ الاقتصاديُ والتجاريُ، والمجالُ العسكريُ، والمجالُ التكنولوجيُ.

أولاً: المجالُ الاقتصاديُ والتجاريُ بينَ الصينِ والهندِ

هناكَ العديدُ منْ التغيراتِ في العلاقاتِ الاقتصاديةِ والتجاريةِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ، وهذا حدثَ بشكلٍ خاصٍ في أعقابِ انتشارِ وباءِ كورونا منْ مدينةِ ووهانْ الصينيةِ، بالإضافةِ إلى استمرارِ عدمِ الاستقرارِ على الحدودِ بينَ الدولتينِ، كما أنَ الهندَ قدْ رفضتْ الانضمامَ إلى الشراكةِ الاقتصاديةِ الإقليميةِ الشاملةِ التي تقودها الصينُ، وهذا انعكسَ على العلاقاتِ الاقتصاديةِ والتجاريةِ بينَ الدولتينِ كالتالي:([110])

1- نتائج وباءِ كورونا على العلاقاتِ الاقتصاديةِ بينَ الصينِ والهندِ:

منْ بينِ أسبابِ التحولِ في العلاقاتِ الاقتصاديةِ بينَ الصينِ والهندِ هيَ النتائجُ التي أدى إليها وباءُ كورونا ، والتي منْ بينها الاضطراباتُ في آلياتِ سلاسلِ الإمدادِ والتوريدِ التي نتجتْ عنْ عملياتِ الإغلاقِ ومعاييرِ التباعدِ الاجتماعيِ ، بالإضافةِ إلى انخفاضِ الطلبِ ، أدى كلُ هذا إلى توقفِ التصنيعِ والخدماتِ التجارةِ ، وكانَ الاستثناءُ الوحيدُ هوَ المنتجاتُ الصحيةُ ، إضافةٌ إلى كلِ ما سبقَ أتتْ المناوشاتُ على الحدودِ بينَ الصينِ والهندِ إلى القضاءِ على عقودِ منْ العملِ المقامِ الذي كانَ يعززُ التجارةَ والترتيباتِ بينَ المؤسساتِ في الدولتينِ ، على سبيلِ المثالِ في عامِ 1984 تمَ توقيعٌ على اتفاقيةِ الدولةِ الأكثرِ رعايةً ، ثمَ في عامِ 1994 وقعتْ اتفاقيةَ تجنبِ الازدواجِ الضريبيِ ، وزادَ على ذلكَ أنَ الهندَ قدمتْ امتيازاتٍ جمركيةً ل 188 منتجا صينيا ، والصينُ 217 منتجا هنديا .

ولكنَ الأمورَ لمْ تسرْ على وتيرةٍ حسنةٍ، حيثُ بدأتْ الحواراتُ الماليةُ، والحواراتُ الاقتصاديةُ، والتي أدتْ إلى ارتفاعِ أرقامِ التجارةِ الثنائيةِ التي كانتْ ضئيلةً بينَ الدولتينِ، وكمثالِ عليها بلغتْ 74 مليارِ دولارٍ في عامِ 2011، و66 مليارِ دولارٍ في عامِ 2012 و65.47 مليارِ دولارٍ في عامِ 2013. غيرَ أنَ الهدفَ عامَ 2005 المتمثلَ في الوصولِ إلى 100 مليارِ دولارِ بحلولِ عامِ 2010 لمْ يتحققْ، وفقا لإحصاءاتِ وزارةِ التجارةِ الهنديةِ، في حينِ بلغَ حجمُ التجارةِ الثنائيةِ 81.8 مليارِ دولارٍ في عامِ 2019، بحلولَ سبتمبرَ 2020 انخفضَ الرقمَ إلى 37 مليارِ دولارٍ، في حينِ تظهرُ إحصاءاتِ الجماركِ المقابلةِ في الصينِ 92.9 مليارِ دولارٍ و60.5 مليارِ دولارٍ على التوالي. ([111])

 2 – العجزُ التجاريُ بينَ الصينِ والهندِ:

منْ بينِ القضايا التي أصبحتْ مجالَ خلافٍ وجدلٍ بينَ الدولتينِ هيَ العجزُ التجاريُ المتزايدُ بينهما ، حيثُ إنَ صادراتِ الصينِ إلى الهندِ قدْ زادتْ بشكلٍ مستمرٍ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ وارداتها منْ الهندِ أقلَ بكثيرٍ ، وهذا يرجعُ إلى الحواجزِ غيرِ الجمركيةِ ، بالإضافةِ إلى النقصِ في المشترياتِ والاستثماراتِ بالجملةِ ، يزيدَ عليهِ التلاعبُ بالعملةِ ، وعدمَ وجودِ وضعِ اقتصادِ سوقٍ ، وغيرها منْ العواملِ ، نتجَ عنْ كلِ هذا وجودُ عجزٍ تجاريٍ للهندِ معَ الصينِ أكثرَ منْ 850 ميارْ دولارُ لصالحِ الصينِ ، والذي عملَ على طرحِ تلكَ المسألةِ هيَ أعلى المستوياتِ في القيادةِ الهنديةِ ، حيثُ إنَ الهندَ تريدُ أنْ يكونَ هناكَ اقتصادُ سوقٍ في الصينِ ، لأنَ هناكَ تمييزا ضدَ المنتجاتِ الهنديةِ في السوقِ الصينيِ ، ولكنْ في اجتماعِ ووهانْ غيرِ رسميٍ بينَ ناريندرا مودي وشيءُ جينٍ بينهُ في عامِ 2018 ، تمَ عقدُ النيةِ على حلِ تلكَ المشكلةِ ، منْ خلالِ العملِ على السماحِ بدخولِ 29 منتجا صيدلانيا هنديا إلى السوقِ الصينيةِ ، ولكنْ على أرضِ الواقعِ كانَ التحسنُ طفيفا في الصادراتِ الهنديةِ .([112])

 3 – قلةُ الاستثماراتِ المتبادلةِ بينَ الدولتينِ:

منْ بينِ الطرقِ التي يمكنُ منْ خلالها القضاءُ على الآثارِ السلبيةِ للعجزِ التجاريِ بينَ الدولتينِ هيَ الاستثماراتُ المتبادلةُ بينهما ، ولكنْ على العكسِ منْ ذلكَ حدثَ ، حيثُ على أرضِ الواقعِ أنَ الاستثماراتِ المتبادلةَ بينَ الدولتينِ نمتْ نموا سلبيا أوْ بشكلٍ لا يكادُ يذكرُ ، لأنَ كل منْ الصينِ والهندِ هما دولتانِ منْ القوى الصاعدةِ في آسيا ، وبالتالي كانَ هناكَ تدفقاتٌ للاستثمارِ الأجنبيِ بشكلٍ مباشرٍ ، وخاصةَ إلى الصينِ ، وعلى الجانبِ الآخرِ تلقتْ الهندُ العديدَ منْ الاستثماراتِ نظرا لسهولةِ ممارسةِ الأعمالِ التجاريةِ لديها ، ولكنْ على الرغمِ منْ كلِ هذا فإنَ الاستثماراتِ المتبادلةَ بينَ الصينِ والهندِ قليلةٌ بشكلٍ ملحوظٍ . ولكنَ عملتْ الزيارةُ التي قامَ بها رئيسُ الوزراءِ الهنديِ في عامِ 2015 إلى الصينِ إلى حلٍ بسيطٍ للوضعِ ، حيثُ إنهُ حصلَ على العديدِ منْ الوعودِ منْ قبلُ الصينِ بعودةِ الشركاتِ الصينيةِ إلى السوقِ الهنديِ والاستثمارِ فيهِ بقيمةِ 32 مليارِ دولارٍ ، ولكنَ الإحصاءاتِ الرسميةَ أوْ الممارسةِ العمليةِ على أرضِ الواقعِ تشيرُ إلى أنَ الاستثماراتِ التي قامتْ بها الصينُ في الهندِ تبلغُ 8.2 ملياراتِ دولارٍ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ الصينَ تجدُ أنَ السوقَ الباكستانيَ أكثرَ جاذبيةٍ منْ السوقِ الهنديِ ، وهذا يمكنُ أنْ يدلَ على أنَ الصينَ لديها اعتباراتُ استراتيجيةُ أثناءَ الاستثمارِ في الخارجِ.([113])

4- فشلُ اتفاقيةِ التجارةِ الحرةِ بينَ الهندِ والصينِ:

يأتي التعنتُ الصينيُ بعدَ فتحِ الأسواقِ للمنتجاتِ الصينيةِ نتيجةَ الخلافاتِ الحدوديةِ بينَ الدولتينِ ، والتي نتجَ عنها فشلٌ للعلاقاتِ الاقتصاديةِ الطويلةِ ، والتي كانتْ سوفَ يتمُ إنقاذها منْ خلالِ اتفاقيةِ التجارةِ الحرةِ بينَ الهندِ والصينِ ، والتي كانتْ تعتبرُ أكبرَ اتفاقيةَ تجارةٍ حرةٍ في العالمِ منْ حيثُ الحجمُ ، ولكنْ في أثناءِ زيارةِ رئيسِ الوزراءِ الهنديِ إلى الصينِ في عامِ 2003 شكلِ فريقا للنظرِ في جدوى الاتفاقِ التجاريِ الإقليميِ بينهُ وبينَ الصينِ ، ولكنْ سرعانَ ما كانَ هناكَ العديدُ منْ الخلافاتِ الخاصةِ بشرطِ ” المنفعةِ المتبادلةِ ” ، وهذا يرجعُ إلى أنَ الصينَ لا تريدُ فتَ سوقها ، ولا تريدُ الحدَ منْ العجزِ التجاريِ بينها وبينَ الهندِ ، كما أنها ترفضُ تخفيفَ القيودِ المفروضةِ على الوارداتِ الهنديةِ ، وإزالةُ الحواجزِ وغيرها .

كما أدتْ تلكَ الممارسةِ الصينيةِ المتعنتةِ إلى فشلِ مناقشاتِ الشراكةِ الاقتصاديةِ الإقليميةِ الشاملةِ، بعدُ أنْ استمرتْ سبعَ سنواتٍ كاملةٍ منْ المفاوضاتِ منذُ بدايتها التي كانتْ عامَ 2013، وبالتالي تخلفُ الهندِ عنْ فكرةِ الانضمامِ إلى ما يسمى الشراكةَ الاقتصاديةَ الإقليميةَ الشاملةَ، المكونةَ منْ 15 عضوا، مبررةً موقفها بالممارساتِ التي تقومُ بها الصينُ منْ تغييراتٍ في التعريفاتِ الجمركيةِ، وأحكامَ التصعيدِ على الاستثماراتِ، بالإضافةِ إلى مشاكلِ التلاعبِ بالعملةِ. ([114])

ثانيًا: المجالُ العسكريةُ بينَ الصينِ والهندِ

إنَ الصينَ والهند لديهمْ تاريخٌ طويلٌ منْ الصراعاتِ الحدوديةِ ، كانَ منْ بينها الحربُ بينهمْ في عامِ 1962 ، بالإضافةِ إلى أنَ الحدودَ بينهمْ التي لمْ يتمْ تحديدها على الرغمِ منْ وجودِ ثلاثِ عشرةِ جوالةٍ ، وذلكَ يرجعُ إلى وجودِ معضلةٍ أمنيةٍ بينَ الدولتينِ ، وعلى الرغمِ منْ عدمِ جودْ صراع مسلحٍ كبيرٍ بعدَ عامِ 1962 ، إلا أنَ هناكَ العديدُ منْ التوغلاتِ الحدوديةِ بينَ الطرفينِ ، على عكسِ كلِ ما سبقَ كانَ هناكَ توجهَ منْ كلا الطرفينِ بوجودِ تعاونٍ دفاعيٍ بينهمْ ، ومشاركةُ عسكريةٌ ، كانَ آخرها هوَ اتفاقيةُ الحفاظِ على السلامِ والهدوءِ عامَ 1993.)[115](

1- اتفاقية الحفظِ على السلامِ والهدوءِ عام 1993:

منْ بينِ أشكالِ السلامِ العسكريِ بينَ الهندِ والصينِ وآخرها هيَ تلكَ الاتفاقيةِ ، والتي نتجتْ منْ خلالِ توطيدِ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ بينَ الدولتينِ ، والتي تمتْ منْ خلالِ زيادةِ رئيسِ الوزراءِ الهنديِ راجيفْ غاندي إلى الصينِ في عامِ 1988 ، أدتْ إلى تأسيسِ وتعزيزِ التعاونِ الدفاعيِ والعسكريِ بينَ الدولتينِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ تلكَ الاتفاقيةِ كانَ هناكَ تحدياتٌ في أعقابِ تلكَ الاتفاقيةِ ، والمتعلقةَ برفضِ منحِ التأشيرةِ لضباطٍ في الجيشِ الهنديِ استنادا إلى أنها تسيطرُ على مناطقَ متنازعٍ عليها.)[116](

ثمَ في عامِ 1992 قامَ وزيرُ الدفاعِ الصينيِ بعلامةٍ فارقةٍ في العلاقاتِ العسكريةِ الصينيةِ الهنديةِ وهيَ زيارتهُ إلى الهندِ ، بالإضافةِ إلى أنها كانتْ أولَ زيارةٍ يقومُ بها وزيرُ دفاعِ بينَ الدولتينِ ، تمَ منْ خلالها الاتفاقُ على تطويرِ التبادلاتِ الأكاديميةِ والعسكريةِ والعلميةِ والتكنولوجيةِ بينهما ، كما أنهُ منْ خلالِ تلكَ الزيارةِ أكدتْ القيادةُ العسكريةُ الصينيةُ على تخفيضِ العسكريِ في المناطقِ الحدوديةِ ، نصتْ اتفاقيةَ 1993 أولاً: على حلِ مسائلِ الخلافاتِ الحدوديةِ بالطرقِ السلميةِ والوديةِ ، كما أنهُ لنْ يستخدمَ أيَ طرفِ القوةِ ضدَ الآخرِ في حلِ تلكَ المسائلِ ، ثانيًا: نصتْ على أنَ كلَ جانبٍ يجبُ أنْ يحافظَ على قواتهِ العسكريةِ في المنطقةِ المتفقِ عليها في الاتفاقيةِ ، والالتزامُ بحسنِ الجوارِ ، بالإضافةِ إلى اتفاقهمْ على تقليصِ عددِ القواتِ العسكريةِ بما يتوافقُ معَ مبدأِ الأمنِ المتبادلِ ، ثالثًا: نصتْ الاتفاقيةُ فيما يتعلقُ بالتدريباتِ العسكريةِ ، ونصتْ على أنَ كلَ جانبٍ يمكنُ أنْ يقدمَ إلى الآخرِ أخطارا بالتدريباتِ العسكريةِ على مستوياتٍ محددةٍ بالقربِ منْ المنطقةِ المتفقِ عليها ، رابعًا: نصتْ علي إنهُ في حالةِ أيِ حالاتِ طوارئَ سوفَ يتمُ التعاملُ معها منْ خلالِ الاجتماعاتِ والمشاوراتِ الوديةِ بينَ أفرادِ الحدودِ منْ الدولتينِ ، خامسًا: اتفقَ كلُ منهما على اتخاذِ الإجراءاتِ المناسبةِ لضمانِ عدمِ حدوثِ عملياتِ اقتحامٍ جويٍ عبرَ الخطِ المنصوصِ عليهِ.)[117](

2- التعاون الدفاعيِ بينَ الهندِ والصينِ:

إنَ التعاونَ الدفاعيَ بينَ الهندِ الصينِ لهُ تاريخٌ كبيرٌ ، على الرغمِ منْ كثرَ الحروبَ بينهما ، ولكنَ كانَ هناكَ مشاركاتٌ عسكريةٌ بينَ الجانبينِ ، كانتْ اللبنةُ الأولى في هذا المجالِ في عامِ 1998 ، حينما قامَ كلُ جانبِ منْ الجانبينِ بتوقيعِ اتفاقيةِ بشأنِ التعاونِ الدفاعيِ ، بالإضافةِ إلى الاتفاقِ على الإنتاجِ الدفاعيِ المشتركِ والبحوثِ والتدريبِ العسكريِ ، كما كانَ هناكَ زيارةٌ منْ جانبِ رئيسِ الوزراءِ الصينيِ إلى رئيسِ الوزراءِ الهنديِ في عامِ 1998 ، ووقعا مذكرةَ تفاهمِ بشأنِ تدابيرِ التعايشِ السلميِ والحفاظِ على السلامِ ، ثمَ في عامِ 1999 وقعتْ الصينُ والهندُ اتفاقيةً لتعزيزِ التعاونِ العسكريِ الثنائيِ ، ثمَ عامِ 2000 وقعَ الجانبانِ على اتفاقيةٍ للزياراتِ المتبادلةِ للوحداتِ والمؤسساتِ العسكريةِ منْ قبلِ كبارِ الضباطِ ، ثمَ في عامِ 2003 بدأَ الجيشانِ في عملِ مناوراتٍ عسكريةٍ مشتركةٍ ، عرفتْ باسمِ تمارينِ يدٍ بيدٍ ، و عامِ 2007 قررتْ الدولتانِ توسيعَ نطاقِ المناوراتِ العسكريةِ المشتركةِ لتشملَ وحداتِ المدفعيةِ والمدرعاتِ والقواتِ الجويةِ .

ثمَ في عامِ 2010 تمَ توقيعٌ أنَ التمرينَ بينَ الدولتينِ يكونُ كلُ ستةِ أشهرٍ ، وبسببَ الأهميةِ الكبيرةِ التي تحظى بها الهندُ في السياسيةِ الخارجيةِ الصينيةِ ، ومشاركةُ الهندِ في عملياتِ حفظِ السلامِ في أفريقيا ، تمَ الاتفاقُ أنَ النسخةَ القادمةَ منْ المناوراتِ المشتركةِ منْ ” يدٍ بيدِ ” تكونِ عامِ 2012 ، ثمَ النسخةُ الرابعةُ منْ هذا التمرينِ كانَ في عامِ 2014 ، ثمَ النسخةُ الخامسةُ في عامِ 2016 ، ثمَ آخر نسخةً منْ خلالِ هذا التمرينِ كانَ منْ 7 إلى 20 ديسمبر عامَ 2019 ، حيثُ كانتْ على سبعِ مراتٍ ، كانتْ الأولى في الصينِ والباقي في الهندِ ، يتمَ النظرُ إلى تدريباتِ ” يدٍ بيدٍ ” على أنها حدثا مهما في العلاقاتِ الصينيةِ الهنديةِ.([118])

ثالثًا: المجالُ التكنولوجيُ بينَ الصينِ والهندِ

إنَ المجالَ التكنولوجيَ منْ بينِ أهمِ المجالاتِ في الوقتِ الحاليِ ، حيثُ إنَ هذهِ المجالاتِ لا يعطي فقطْ الدولةُ ميزةً كبيرةً على الدولِ الأخرى ، ولكنهُ يمكنُ أنْ يكونَ السببُ في تقدمِ العديدِ منْ المجالاتِ الأخرى سواءٌ العسكريةُ أوْ الاقتصاديةِ أوْ حتى السياسيةِ ، وبالتالي سوفَ يتمُ التركيزُ على المجالاتِ التكنولوجيةِ في العلاقاتِ الهنديةِ الصينيةِ منْ خلالِ عددٍ منْ الجوانبِ أهمها تكنولوجيا المعلوماتِ ، والتكنولوجيا الحيويةُ ، والآلاتُ الزراعيةُ ، والتقنياتُ المتعلقةُ بالطاقةِ على النحوِ التالي:([119])

1- تكنولوجيا المعلوماتِ:

إنَ الهندَ والصينَ يعطيانِ أهميةٌ بالغةٌ في تكنولوجيا المعلوماتِ في أهدافهمْ التنمويةِ ، حيثُ إنَ الهندَ تمتلكُ أوراقَ اعتمادٍ في مجالاتِ التكنولوجيا ، خاصةً في قطاعِ البرمجياتِ ، إلى الحدِ الذي جعلَ أكثرُ الدولِ المتقدمةِ مثلٍ الصينِ واليابانِ تسعى إلى الحصولِ على متخصصي في تكنولوجيا المعلوماتِ منْ الهندِ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ الصينَ تتمتعُ بعددٍ منْ أجهزةِ التكنولوجيا والتي تستحوذُ على وحداتِ إنتاجِ سطحِ المكتبِ منْ خلالِ شركةٍ لنيوفو ، وبالتالي أنَ الصينَ لاعبا عالميا في مجالِ تكنولوجيا المعلوماتِ ، بالإضافةِ إلى أنَ صناعةَ المعلوماتِ في الصينِ تبلغُ 7.5 % منْ الناتجِ المحليِ الإجماليِ لعامِ 2005 ، إنَ الهندَ قدْ عملتْ على إطلاقِ عددٍ منْ شركاتِ تكنولوجيا المعلوماتِ مثلِ NIT ، TCS ، INFOSYS ، WIPRO عملتْ على تأسيسِ علاقاتٍ تجاريةٍ في الصينِ ، حيثُ إنَ NIIT قدْ قامتْ في الصينِ منذُ عامِ 1997 كمشروعً مشتركٍ أجنبيٍ ، بالإضافةِ إليها قامتْ APTECH معَ أكثرَ منْ مائةِ مركزِ تدريبٍ بالعملِ على تدريبِ عددٍ منْ متخصصي تكنولوجيا المعلوماتِ في الصينِ، إضافةٌ إلى ذلكَ بدأَ عددٌ منْ شركاتِ التكنولوجيا الصغيرةِ بالعملِ في الأسواقِ الصينيةِ ، كما نما قطاعُ الإنترنت في السنواتِ الأخيرةِ معَ العديدِ منْ البواباتِ الصينيةِ مثلِ SINA ، SOHU وغيرها ، على الرغمِ منْ ذلكَ التعاونِ هناكَ تنافسُ منْ الدولتينِ في هذا المجالِ .

2 – التكنولوجيا الحيويةُ:

إنَ التكنولوجيا الحيويةَ لها أهميةٌ بالغةٌ في كلٍ منْ الصينِ والهندِ ، حيثُ إنَ هناكَ العديدُ منْ التطبيقاتِ التي يتمُ إنشاؤها لهذا الشأنِ ، أنَ الصينَ كانتْ لها الأولويةُ في هذا المجالِ لكنْ في الآونةِ الأخيرةِ أصبحتْ الهندُ ذاتُ باعَ كبيرٌ في مجالِ التكنولوجيا الحيويةِ ، التي تستخدمُ لأغراضٍ طبيةٍ ، كما أنَ الصينَ قدْ عملتْ على تطويرِ ما يسمى تسلسلُ الأرزِ في عامِ 2002 وهوَ تطويرُ زراعةِ الأرضِ منْ خلالِ التكنولوجيا ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ طورتْ سلالاتِ أرزٍ عاليةٍ الغلةِ تساهمُ في منحها الأمنِ الغذائيِ ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ تمتلكُ عددا منْ الشركاتِ في مجالِ التكنولوجيا الحيويةِ والتي منْ بينها مونسانتو ولمجينْ ونيوروجينْ وماركْ شاربَ ودومَ وياكوشينْ وهوفمانْ وغيرهمْ ، على الجانبِ الآخرِ دخلتْ شركاتِ التكنولوجيا الحيويةِ الزراعةِ الصينيةِ في السوقِ الهنديِ ، مثلَ أنَ الشركةَ الصينيةَ Biocentury Transgene علاقةً معَ شركةٍ Nath Seeds الهنديةَ لتزويدها بتقنيةٍ وراثيةٍ هيَ BT ، BT + والتي تعملُ على تحسينِ الإنتاجِ الزراعيِ .

على الرغمِ منْ التقدمِ الذي وصلتْ إليهِ الصينُ في هذا المجالِ إلا أنَ التجربةَ الهنديةَ هيَ الأكثرُ تقدما وتقارنُ بالعديدِ منْ الدولِ المتقدمةِ الأخرى، وبالتالي يمكنُ أنْ تتعلمَ الصينُ منْ التجربةِ الرائدةِ الهنديةِ في مجالِ التكنولوجيا الحيويةِ، انتقلتْ شركاتِ الأدويةِ الهنديةِ إلى الصينِ للتنافسِ معَ الشركاتِ العالميةِ العملاقةِ. Ranbaxy و Reddys Labs هيَ بعضُ الشركاتِ الهنديةِ التي تعملُ في الصينِ خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ ، تعملَ شركةً Ranbaxy في الصينِ باسمِ Ranbaxy Guangzhou China Ltd ، حيثُ بلغتْ مبيعاتها حواليْ 12.3 مليونَ دولارٍ أمريكيٍ في عامِ 2003 بينما تعملُ Reddy s Labs في الصينِ باسمِ Kushan Rotam Reddy Pharmaceutical.

3 – الآلاتُ الزراعيةُ:

أنَ الآلاتِ الزراعيةَ تؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الإنتاجِ الزراعيِ ، بالإضافةِ إلى أنها يمكنُ أنْ تؤديَ إلى ارتفاعٍ في البطالةِ ، وبالتالي فإنَ هناكَ احتفاظا في التوازنِ في هذا المجالِ بينَ الصينِ والهندِ ، تنتشرَ الآلاتُ الزراعيةُ والحصاداتُ والدارسُ في الصينِ أكثرَ منْ الهندِ ، وهذا يرجعُ إلى سببِ سياسةِ الحكومةِ الصينيةِ التي تتجهُ إلى تعزيزِ الآلاتِ الزراعيةِ ، ونجحتْ في إصلاحِ الأراضي الزراعيةِ في السنواتِ الأولى منْ قيامِ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ ، حيثُ إنَ هذا المجالِ كانَ مصبوبا في ذهنِ المواطنِ الصينيِ لإدراكهِ أنَ التكنولوجيا تحسنَ منْ الإنتاجِ الزراعيِ خلالَ فترةِ التجميعِ ، ولكنْ على الجانبِ الآخرِ أنَ الهندَ لمْ يكنْ لديها هذا الوعيِ ، حيثُ إنَ الهندَ فشلتْ في إصلاحاتٍ زراعيةٍ هامةٍ ، بسببَ غيابِ منظماتٍ المزارعينَ والمنظماتِ غيرِ الحكوميةِ ، وبالتالي في الوقتِ الحاليِ تعملُ الهندُ على الاستفادةِ منْ التجربةِ الصينيةِ في جانبِ الآلاتِ الزراعيةِ المتقدمةِ .

 4 – التقنياتُ المتعلقةُ بالطاقةِ:

إنَ الصينَ والهندَ توجهاتِ طلبٍ كبيرةٍ على الطاقةِ في الوقتِ الحاليِ منْ خلالِ العددِ السكانيِ الضخمِ في كلِ منهما ، بالإضافةِ إلى معدلاتِ النموِ الاقتصاديِ العاليةِ ، ولكنْ أنْ الصينَ تملكُ الصدارةُ في هذا المجالِ عنْ الهندِ ، حيثُ إنَ الصينَ قدْ عملتْ على تجهيزِ عددٍ لا بأسَ بهِ منْ المنازلِ والمكاتبِ في الصينِ بأنظمةِ تحويلِ الكهرباءِ الأوتوماتيكيةِ لتوفيرِ الكهرباءِ ، وبالتالي تعملُ الهندُ على الاستفادةِ منْ التقدمِ الصينيِ في هذا المجالِ ، حيثُ إنها يمكنها بالتأكيدِ استيرادَ بعضِ هذهِ الأشياءِ منْ الصينِ ، يدخلَ الصينيونَ ببطءِ في هذا القطاعِ في الهندِ . على سبيلِ المثالِ، فازتْ شركتانِ صينيتانِ، شركةٌ Shandong Electric Power Construction Company وشركةُ Chung Hsin Electric and Machinery MFG Corporation، بعقدينِ معَ شركةٍ BALCO الهنديةَ وشركةُ BSNL على التوالي. لتكونَ قادرا على تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِ في هذا القطاعِ، يحتاجَ كلاهما إما إلى استيرادِ التقنياتِ المتقدمةِ أوْ تطويرِ التقنياتِ بشكلٍ مشتركٍ نظرا لسياقها المحددِ، لا شك في أنَ استيرادَ التقنياتِ المتقدمةِ سيساهمُ في كفاءةِ استخدامِ الطاقةِ، ولكنَ هذهِ التقنياتِ لها ثمنٌ باهظٌ، كانَ تطويرُ تقنياتِ توفيرِ الطاقةِ بشكلٍ مستقلٍ وبالتعاونِ معَ الدولِ المتقدمةِ الأخرى أولويةٌ في كلا البلدينِ، يمكنَ للهندِ والصينِ التنسيقَ معَ بعضهما البعضِ في إجراءِ المفاوضاتِ معَ موردي التكنولوجيا.

الفصْل الثَّالث

أثر السِّياسة الخارجيَّة الأمْريكيَّة تُجَاه الهنْد على العلاقات الهنْديَّة – الصِّينيَّة وَفرَص الصُّعود الصِّينيِّ

في هذا الفصلِ سوفَ يتمُ العملُ على تناولِ ما هوَ الأثرُ الذي يمكنُ أنْ تحدثهُ السياسةُ الخارجيةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ على جانبينِ ، أولهما على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ ، منْ حيثُ الدعمُ الذي تتلقاهُ الهندُ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، والتي لا تريدُ صعودَ الصينِ كقوةٍ عظمى ، وثانيهما علي فرصِ الصعودِ الصينيِ ، سواءً كانتْ تلكَ السياسةِ تجاهَ الهندِ سوفَ تشكلُ تهديدا على فرصِ صعودِ الصينِ كقوةٍ عظمى في العالمِ ، أمْ أنَ تلكَ السياسةِ لا تؤثرُ على تلكَ الفرصِ ، وبالتالي سوفَ يعملُ هذا الفصلِ على تناولِ هذينِ الجانبينِ ، منْ خلالٍ مبحثينِ ، الأولَ الذي يتناولُ انعكاساتِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةِ ، والثاني سوفَ يتناولُ أثرَ تلكَ الانعكاساتِ على فرصِ الصعودِ الصينيِ كما يلي :

المبْحث الأوَّل

اِنْعكاسات السِّياسة الخارجيَّة الأمْريكيَّة تُجَاه الهنْد على العلاقات الهنْديَّة – الصِّينيَّة

فيما سبقَ تمَ عرضُ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ، وتمَ عرضُ أهمِ ملامحِ العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ، وبالتالي سوفَ يتمُ استكمالَ هذا السياقِ وهوَ تناولُ انعكاساتِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ، وذلكَ منْ خلالِ عدةِ نقاطٍ، منها دراسةَ تلكَ الانعكاساتِ العسكريةِ، ثمَ الانعكاساتِ السياسيةِ، والانعكاساتُ الاقتصاديةُ، والانعكاساتُ الدبلوماسيةُ، كما يلي:

أولاً: الانعكاساتُ العسكريةُ للسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةِ

قدْ تمَ عرضٌ في الفصلِ السابقِ أهمَ النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ الصينِ وبينَ الهندِ ، وكانَ أبرزُ صداما بينَ الدوليتينِ علي الحدودَ قدْ وقعَ في عامِ 2020 ، حيثُ وقعَ عددٌ منْ القتلى ، خاصةً في الجانبِ الهنديِ ، وبناءا علي تلكَ المناوشاتِ بينَ الدولتينِ في الحدودِ ، قامتْ الهندُ بتوقيعِ اتفاقٍ معَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في يومِ 27 تشرين الأولِ / أكتوبرُ عامُ 2020 ، نصُ هذا الاتفاقِ على إمكانيةِ الوصولِ الهنديِ إلى الوصولِ إلى الوقتِ الحقيقيِ إلى الاستخباراتِ الجغرافيةِ المكانيةِ الأمريكيةِ ، وهذا الاتفاقُ يعرفُ باسمِ ” التبادلِ والتعاونِ الأساسيِ BECA ” ، كانَ هذا الاتفاقِ بينَ وزيريْ الدفاعِ والشؤونِ الخارجيةِ الأمريكيِ والهنديِ ، وهذا الاتفاقُ يهدفُ بشكلٍ أساسيٍ إلى تعميقِ التعاونِ بينَ كلٍ منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بهدفِ التصدي لسياساتِ الصينِ المتزايدةِ في المنطقةِ.([120])

بالإضافةِ إلى تلكَ الاتفاقيةِ فقدْ حصلتْ الهندُ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ على طائراتٍ مسلحةٍ بدونِ طيارِ منْ ترازْ بريداتورْ، وهذهِ هيَ المرةُ الأولى التي تحصلُ فيها الهندُ على مثلٍ تلكَ الأنواعَ منْ الطائراتِ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، وهذا على الرغمِ منْ ترددِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في إرسالِ تلكَ الطائراتِ، ولكنها غيرتْ سياسةَ معاملتها معَ الطائراتِ دونَ طيارٍ، حيثُ إنها أعلنتْ أنها توافقُ على بيعِ تلكَ الطائراتِ إلى الهندِ.

 1 – تبادلُ المعلوماتِ:

وأثرَ تلكَ الاتفاقياتِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ هيَ أنَ الهندَ هيَ في الوقتِ الحاليِ أقربَ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ منْ أيِ حليفٍ آخرَ ، ولتوضيحَ هذا الأمرِ بشكلِ أكبرَ ، قبلُ تلكَ الاتفاقيةِ كانَ على الولاياتِ المتحدةِ أنْ تدققَ بشكلٍ كبيرٍ في تبادلِ معلوماتِ الأقمارِ الصناعيةِ فوقَ غربِ الصينِ والتبت ، ولكنْ وفقا لتلكَ الاتفاقيةِ يمكنُ أنْ تمررَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ إلى الهندِ والقواتِ الهنديةِ المعلوماتِ بشكلٍ فوريٍ ، بالإضافةِ إلى استفادةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ منْ رؤيةِ الهندِ واستخباراتها ، وبشكلً خاصٍ في قضايا الإرهابِ في كلٍ منْ باكستان والصينِ ، وبالتالي منْ خلالِ تلكَ الاتفاقياتِ يمكنُ للهندِ أنْ تحصلَ على المعلوماتِ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ عنْ الصينِ .

 2 – زيادةُ كفاءةِ التدريباتِ الهنديةِ في حالةِ الصراعِ بينَ الصينِ والهندِ:

على الجانبِ الآخرِ ، وبالإضافةِ إلى تبادلِ المعلوماتِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ ، هناكَ تدريباتٌ مشتركةٌ بينَ الهندِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، تستفيدَ الهندُ منْ تلكَ التدريباتِ في حالةِ حدوثِ أزمةٍ بينها وبينَ الصينِ ، حيثُ إنَ الهندَ يمكنُ أنْ تستفيدَ منْ التدريباتِ التي تقومُ بها معَ الولاياتِ المتحدةِ في حالةِ حدوثِ صراعٍ عسكريٍ بينها وبينَ الصينِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ أنَ التعاونَ العسكريَ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ يعملُ على زيادةِ سياسةِ الردعِ الهنديةِ أمامَ الصينِ ، والتي ردتْ علي ذلكَ – المقصودُ الصينَ – بإجراءِ مناوراتٍ عسكريةٍ بينها وبينَ باكستان ، كما أنَ هاتينِ الدولتينِ قدْ زعموا أنَ التعاونَ المشتركَ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبينَ الهندِ سوفَ يؤدي إلى زعزعةِ الاستقرارِ في المنطقةِ .

 3 – ردُ فعلِ الصينِ على زيادةِ الشراكةِ العسكريةِ الهنديةِ الأمريكيةِ:

ولكنْ أنَ بكينْ منْ خلالِ تلكَ الشراكةِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ سوفَ يزيدُ منْ قوةِ الهندِ في النزاعاتِ الحدوديةِ مستقبلاً ، وبالتالي فهيَ ترى أنَ هناكَ زيادةٌ في الأهميةِ الاستراتيجيةِ للحدودِ بينها وبينَ الهندِ ، وبالتالي فإنها ترى أنَ أيَ مكسبٍ أوْ خسارةٍ للأرضِ هوَ جزءٌ منْ اللعبةِ الجيوستراتيجيةِ الأكبرِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ ، وبالتالي هيَ ترى أنَ ردَ فعلها على هذهِ الشراكةِ سوفَ تكونُ منْ خلالِ تحسينِ ميزاتِ الصينِ التكتيكيةِ في النزاعِ الحدوديِ ، بالإضافةِ إلى أنها يمكنُ أنْ تستغلَ عدمَ الاستقرارِ في الحدودِ لصرفِ نظرِ الهندِ عنْ طموحاتِ الصينِ الجيوستراتيجيةِ الأكبرِ منْ مجردِ الحدودِ.)[121](

أثرُ التعاونِ النوويِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ على تحالفاتِ الصينِ:

كانَ هناكَ اتفاقيةٌ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والهندِ بشأنِ حقوقِ إعادةِ معالجةِ الوقودِ النوويِ المستهلكِ ، وتمتْ الموافقةُ منْ عددٍ منْ الدولِ على حقوقِ إعادةِ معالجةِ الوقودِ النوويِ الهنديِ ، وهذا تحتَ إشرافِ الوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ الذريةِ ، وبالتالي هذا يعطي للهندِ وضعا لا تمتازُ بهِ الدولُ الأوروبيةُ واليابانُ ، وعلى الجانبِ الآخرِ تجدُ الصينُ نفسها في موقفٍ صعبٍ ، كونها محاطةً باليابانِ منْ الغربِ والهندِ منْ الشرقِ ، اللتانِ وقعتا صفقاتٌ نوويةٌ معَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .

بالإضافةِ إلى ذلكَ ، هناكَ ما يسمى ب ” مجموعةَ موردي الموادِ النوويةِ ” تلكَ الدولِ تضمُ الصينُ ، وكانَ يجبُ إذا دخلتْ الهندُ في تلكَ المجموعةَ يجبُ الموافقةَ بالإجماعِ ، على الرغمِ منْ وضعِ الصينِ الصعبِ – لما شرحَ سلفا – إلا الصينُ قدْ وافقتْ على انضمامِ الهندِ إلى تلكَ المجموعةَ ، على الرغمِ منْ أنها كانتْ تستطيعُ أنْ ترفضَ دخولها ، ولكنها قبلتْ الهندُ في المجموعةِ ، حتى يكونَ هناكَ موقفٌ مماثلٌ معَ باكستان ، حيثُ إنهُ قدْ تمَ اقتراحُ تزويدِ باكستان بمفاعلينِ نوويينِ خلالَ الاجتماعِ مجموعةَ موردي الموادِ النوويةِ ، وبالتالي الدعمُ الأمريكيُ للهندِ في الجانبِ النوويِ يؤثرُ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ.([122])

ثانيًا: الانعكاسات السياسية للسياسة الخارجية الامريكية تجاه الهند على العلاقات الهندية – الصينية:

ان الولايات المتحدة الامريكية قد قامت في المجال السياسية بعدد من الاحداث التي كان لها إثر على العلاقات الهندية الصينية، ومن بين تلك الاحداث هي الوثيقة التي تم الكشف عنها، بالإضافة الي إقرار عدد من القوانين التي أدت الي التأثير على العلاقات بين الهند والصين، وبالتالي سوف يتم تناول هذان الحدثين بشكل من التفصيل فيما يلي:

1- أثرُ الوثيقةِ الأمريكيةِ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ:

قامتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بحدثِ سياسيةٍ بارزٍ كانَ لهُ بالغٌ الأثرِ على العلاقاتِ الهنديةِ الصينيةِ ، ألا وهوَ إصدارُ مجلسِ الأمنِ القوميِ الأمريكيِ وثيقةَ ” الإطارِ الاستراتيجيِ الأمريكيِ لمنطقةِ المحيطينَ الهنديَ والهادي ” ، والتي رفعتْ عنها السريةُ منْ خلالِ واشنطن ، منْ بينِ دلالاتهِ التأكيدَ على نهجِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ تأييدَ الهندِ في الحفاظِ على ” التفوقِ الدبلوماسيِ والاقتصاديِ والعسكريِ في منطقةِ جنوبَ شرقِ آسيا ” ، كما أنَ تلكَ الوثيقةِ تعترفُ بالهندِ دولةً ديمقراطيةً متشابهةً في الفكرِ معَ الولاياتِ المتحدةِ ، كما أنها تعترفُ بأنَ لها دورا في الحفاظِ على أمنِ المحيطِ الهنديِ.([123])

كانَ لتلكَ الوثيقةِ أثر على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ منْ خلالِ أنها كشفتْ عنْ سيطرةِ الصينِ على المياهِ في هضبةِ التبت منْ خلالِ الصينِ ، حيثُ إنَ التبت مصدرَ منْ بينِ مصادرِ المياهِ بينَ الصينِ والهندِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ الوثيقةِ قدْ أوضحتْ مدى خطورةِ تلكَ السيطرةِ الصينيةِ على مصدرِ المياهِ الآتيةِ منْ التبت ، حيثُ إنَ الصينَ قدْ قامتْ ببناءِ عددٍ منْ السدودِ على أنهارِ مثلٍ براهمابوترا وايراوادي ومكونا ، بالإضافةِ إلى أنَ الصينَ أصبحَ لديها القدرةُ على تخزينِ وتحويلِ المياهِ ، مما قدْ يؤدي إلى جفافٍ في بعضِ المناطقِ التي تسيرُ فيها الأنهارُ .

بالإضافةِ إلى ذلكَ قدْ تمَ الكشفُ عنْ مدى خطورةِ الممارساتِ التي تقومُ بها الصينُ منْ خلالِ أنها تغلقُ السدودُ في نهرِ الميكونغْ ، معَ عدمِ موافقةِ الدولِ التي يسيرُ بها ذلكَ النهرِ وهيَ كمبوديا ولاوس وميانمار وتايلاند وفيتنام ، كما أنَ الصينَ في عامِ 2017 لمٍ توضحُ بياناتٍ خاصةً بالنهرِ معَ الهندِ ، على الرغمِ منْ توقيعِ معاهدةٍ بينهمْ تنصُ علي تشاركُ المعلوماتُ ، ومنْ بينِ تلكَ المعلوماتِ هيَ الأوقاتُ التي تفيضُ فيها الأنهارُ ، مما جعلَ هناكَ صعوبةٌ شديدةٌ على الحكومةِ الهنديةِ في تحذيرِ الناسِ بوجودِ فيضاناتٍ .

وبالتالي أنَ الكشفَ عنْ تلكَ الوثيقةِ يمكنُ أنْ يؤديَ إلى وجودِ صراعاتٍ بينَ الصينِ والهندِ على المياهِ الموجودةِ بينَ الصينِ والهندِ في منطقةِ التبت، خاصةً أنَ الصينَ على الرغمِ منْ وجودِ الاتفاقياتِ التي تنظمُ حصصَ المياهِ، إلا أنَ الصينَ لا تلتزمُ بها، وبالتالي هذا يؤثرُ ذلكَ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ.

2- أثرُ القوانينِ الأمريكيةِ على العلاقاتِ بينَ الصينِ منْ جانبِ وتايوان والهندِ منْ جانبٍ آخرَ:

إنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ عملتْ على إقرارِ عددٍ منْ القوانينِ التي تدعمُ تايوان ، ولكنَ هذا منْ خلالِ تعزيزِ علاقةِ تايوان معَ الدولِ الأخرى ، وكالاتُ الأممِ المتحدةِ ، مثلٌ منظمةِ الأممِ المتحدةِ وغيرها ، ولكنْ منْ بينِ تلكَ الدولِ هيَ الهندُ ، حيثُ إنهُ قدْ تضمنَ قانونُ ” السياسةِ والدعمِ التبتيٍ ” ، وقانونَ ” ضمانِ تايوان ” ، الذي وقعتهُ إدارةُ ترامبْ في ديسمبرَ في عامِ 2020 ، وبالتالي منْ خلالِ تلكَ القوانينِ ترسلُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ رسالةً أنَ هناكَ ترابطا بينَ الهندِ وتايوان عسكريٌ ، وكانَ هناكَ رفضٌ صينيٌ بشكلٍ قاطعٍ ، وظهرَ ذلكَ منْ خلالِ ردٍ فوريٍ منْ الصينِ بالرفضِ على القانونينِ الصادرينِ منْ الكونغرس الأمريكيِ .

ولكنْ أنْ التشريعاتِ الأمريكيةِ قدْ تتسببُ في تعقد بينَ كلٍ منْ تايوان والهندِ، حيثُ إنَ هناكَ سياساتٌ خاصةٌ للدولتينِ في جنوبِ شرقِ آسيا ومنطقةِ المحيطينَ الهنديَ والهادي، ولكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ سوفَ تقومُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بالعملِ كوسيطٍ صامتٍ لتسهيلِ أهدافِ سياستها الخارجيةِ والعسكريةِ تجاهَ الصينِ، ولكنْ على الجانبِ الآخرِ أنَ إدارةَ الهندِ وتايوان قدْ يكونُ لها أهدافٌ أخرى بالخروجِ منْ حدةِ العلاقاتِ بينهمْ وبينَ الصينِ.

نتجَ عنْ تلكَ القوانينِ التعاونِ بالفعلِ بينَ تايوان وبينَ الهندِ ، فعلى سبيلِ المثالِ أصدرتْ السفارةُ الصينيةُ في نيودلهي رسالةَ استفزازٍ إلى وسائلِ الإعلامِ الهنديةِ ، تريدَ فيها عدمَ التعليقِ على اليومِ الوطنيِ لتايوان ، ولكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ كانَ هناكَ تغطيةٌ منْ وسائلِ الإعلامِ الهنديةِ على نطاقٍ واسعٍ لاحتفالاتٍ تايوانيةٍ ، كما كانَ هناكَ امتنانُ منْ المواطنينَ التايوانيينَ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِ ، منْ خلالِ إظهارِ صورةِ رئيسةِ تايوان ورئيسِ وزراءَ الهندِ يؤسسانِ ما يعرفُ ب ” تحالفُ الشايِ والحليبِ ” ، بينَ الهندِ وتايوان ، بالإضافةِ إلى ذلكَ كانَ هناكَ تأييدٌ كبيرٌ منْ القادةِ التايوانيينَ بالنهجِ الهنديِ تجاهَ الوضعِ التايوانيِ ، حيثُ شكرَ وزيرُ الخارجيةِ ” جوزيفْ وو ” علنا السياسيونَ ووسائلُ الإعلامِ الهنديةِ لوقوفهمْ في وجهٍ دبلوماسيةٍ ” الذئبِ المحاربِ ” الصينيةِ.([124])

ثالثًا: الانعكاساتُ الاقتصاديةُ للسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةِ

بعدٌ جائحةِ كورونا في عامِ 2020 ، عانتْ اقتصاداتِ العديدِ منْ دولِ العالمِ ، وعلى رأسهمْ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ والهندَ ، وبالتالي فإنَ تلكَ الجائحةِ يمكنُ أنْ توفرَ فرصةٌ مهمةٌ لتعزيزِ الشراكةِ الاقتصاديةِ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي فإنَ هناكَ عددا منْ أشكالِ التعاونِ بينهمْ لكيْ يتمَ تعويضُ الخسائرِ في الأرواحِ البشريةِ والاضطرابِ الاجتماعيِ والدمارِ الاقتصاديِ ، بالإضافةِ إلى هذا التعاونِ الاقتصاديِ ، فإنَ التعاونَ الاقتصاديَ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيِ تهدفُ منهُ الولاياتُ المتحدةُ إلى تشجيعِ الهندِ لكيْ تكونَ زعيما إقليميا في تعزيزِ النظامِ العالميِ الذي يحافظُ ويؤمنُ بدورِ الديمقراطياتِ الصاعدةِ .

على الجانبِ الآخرِ ، أنَ الصينَ مستعدةٌ لأحداثِ معالجةٍ في اقتصادها بعد أزمةِ كورونا منْ خلالِ أنها تمتلكُ أكبرَ احتياطيِ منْ العملاتِ الأجنبيةِ في العالمِ ، وإضافةُ إلى اقتصادها الموجةَ مركزيا معَ ميزاتٍ رأسماليةٍ ، وبالتالي فهيَ ترى أنها تتمتعُ بميزةٍ اقتصاديةٍ ، كما أنَ الهندَ هيَ أكبرُ دولةٍ في إقليمِ جنوبَ آسيا ، وبالتالي فهيَ لديها الاقتصادُ الأكبرُ مقارنةٍ بالدولِ في الجوارِ ، كما أنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ منْ مصلحتها تشجيعَ الهندِ اقتصاديا لكيْ تحدَ منْ القوةِ الاقتصاديةِ الصينيةِ .)[125](

أولَا: إثر الدعم الاقتصادي الأمريكي للهند على انتقال الشركات من الصين الي الهند:

وبناءٌ على إدراكِ الصينِ هدفَ الولاياتِ المتحدةِ في جعلِ الهندِ قوةً اقتصاديةً، تعملَ منْ خلالِ الشركاتِ الصينيةِ على الاستحواذِ على الشركاتِ الهنديةِ، وبالعملِ على دفعِ نيودلهي إلى تغييرِ قواعدِ الاستثمارِ الأجنبيِ المباشرِ لها، كما أنَ القواعدَ الجديدةَ التي تريدها أقرتها الهندُ هيَ أنَ أيَ شركاتٍ منْ ” دولِ مشاركةِ الحدودِ ” ستحتاجُ إلى موافقةِ الحكومةِ قبلَ القيامِ بأيِ استثماراتٍ في البلادِ، ولكنَ الصينَ قدْ عارضتْ ذلكَ على الفورِ، ووصفتْ إياهُ أنها سياساتٌ ” تمييزيةٌ “. ([126])

كما أنَ وزيرَ الخارجيةِ الهنديِ وهوَ ” مايكْ بومبيةْ ” قدْ تحدثَ إلى المسؤولينَ الحكوميينَ الأمريكيينَ عنْ حاجةِ الهندِ إلى ما يسمى ب ” إعادةَ هيكلةِ ” سلاسةِ التوريدِ العالميةِ ، وتقليلَ الاعتمادِ على الصينِ ، كما أنَ الشركاتِ الأمريكيةَ لديها الرغبةُ في الخروجِ منْ السوقِ الصينيةِ ، والدولةُ الصينيةُ بالكاملِ ، وهذا الاتجاهُ قدْ تمَ تشجيعهُ بعدَ كورونا ، وليستْ الشركاتِ الأمريكيةَ فقطْ التي تريدُ ذلكَ ، ولكنْ أنْ اليابانَ أيضا سوفَ تدفعُ شركاتها لمغادرةِ الصينِ ، وبالتالي أنَ تلكَ الشركاتِ سوفَ تعملُ على الاختيارِ بينَ الدولِ الآسيويةِ ، وهذا نظرا لأنَ هناكَ العديدُ منْ الميزاتِ بهمْ ، أبرزهمْ الأجورُ القليلةُ ، وبالتالي فإنَ الإدارةَ الأمريكيةَ سوفَ تعملُ على تشجيعِ تلكَ الشركاتِ لانتقالهمْ إلى الهندِ لخدمةِ غرضها الاستراتيجيِ .

منْ بينِ الأسبابِ التي تجعلُ هناكَ رغبةٌ كبيرةٌ لدى الشركاتِ للانتقالِ إلى الهندِ هيَ التكلفةُ المتزايدةُ لممارسةِ الأعمالِ التجاريةِ في الصينِ، وصعوبةُ العثورِ على عمالٍ مهرةٍ، ولكنْ أنْ الهندَ يتمُ النظرُ إليها على أنها وجهةٌ أفضلُ منْ الصينِ، لانخفاضِ التكلفةِ، ووجودَ العمالةِ الماهرةِ، ومنْ بينِ تلكَ الشركاتِ هيَ شركاتُ السياراتِ مثلِ فوكسكونْ لتصنيعِ السياراتِ الكهربائيةِ، بالإضافةِ إلى العديدِ منْ شركاتِ الملابسِ مثلٍ أديداسْ ونايكي وباتاغونيا.)[127](

على الجانبِ الآخرِ ، الصينُ تدركُ تلكَ الخططِ ، وبالتالي فهيَ سوفَ تعملُ على الردِ منْ خلالِ وضعِ عددٍ منْ السياساتِ التي منْ شأنها إيقافَ خروجِ الشركاتِ منْ السوقِ الصينيِ ، خاصةً الشركاتِ التقنيةِ ، مثلٌ سامسونجْ وابلَ وغيرها ، والتي منْ بينها تخفيضُ قيمةِ عملتها باستمرارِ أمامَ الدولارِ الأمريكيِ وغيرها منْ السياساتِ على نفسِ النسقِ ، ولكنَ هناكَ بعضُ السياساتِ الصارمةِ التي تتخذها أمامَ الشركاتِ التي تنوي الخروجَ منْ السوقِ الصينيِ ، وبالتالي أنَ تلكَ السياساتِ سوفَ تؤثرُ بشكلِ أوْ بآخرَ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ.([128])

ثانيًا: الأثر على الصَّادرات والتَّبادل التِّجاريِّ بَيْن الصِّين وَالهِند:

كانَ هناكَ تناوبُ بينَ كلٍ منْ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ كأكبرِ شريكٍ تجاريٍ في الهندِ ، حيثُ إنَ الأمريكيينَ كانَ كانوا يعلمونَ أنهُ في عامِ 2021 ، أصبحتْ الهندُ هيَ الوجهةُ الأولى للصادراتِ النفطيةِ الأمريكيةِ ، وانْ الماسِ هوَ أكبرُ وارداتِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ منْ الهندِ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ كانَ هناكَ حصولٌ على عددٍ منْ الخدماتِ منْ الولاياتِ المتحدةِ للهندِ ، حيثُ في عامِ 2019 كانَ الأمريكيونَ همْ ثاني أكبرِ زوارٍ أجانبَ إلى الهندِ ، وخمسةُ أضعافِ الزائرينَ الذاهبينَ للصينِ ، بينما كانَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ هيَ الوجهةُ الأجنبيةُ الأكثرُ شعبيةً للمسافرينَ الهنودِ ، حيثُ إنها تعملُ على استقبالِ أكثرَ منْ ضعفِ عددِ الزوارِ القادمينَ منْ الصينِ وهونغْ كونغْ مجتمعينَ ، بالإضافةِ إلى أنَ التبادلَ التجاريَ بينَ الدولتينِ يتأرجحُ بينَ الصعودِ الهبوطِ كما يلي:([129])

Data: World Trade Organization, USCI chart

إضافة إلى ما سبقَ ، يوضحَ الشكلُ السابقُ أنَ هناكَ تراجعا في الصادراتِ التي تقدمها الصينُ للهندِ ، على الرغمِ منْ أنَ الصادراتِ التي تقدمها الهندُ إلى الصينِ قدْ زادتْ ولكنها نسبةٌ طفيفةٌ ، مقارنةُ بالنسبةِ التي تراجعتْ فيها صادراتُ الصينِ للهندِ ، وهذا يرجعُ إلى عدةِ أسبابٍ ، أهمها كما سبقَ القولُ وجودَ تعاونٍ اقتصاديٍ كبيرٍ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وإضافةُ إلى هذا السببِ فإنَ الخلافاتِ الحدوديةَ بينَ الصينِ والهندِ كانَ لها آثارٌ على التبادلِ التجاريِ بينَ الدولتينِ ، بالإضافةِ إلى أنها لها آثارٌ على مستوى آخرَ ، فقدْ عملتْ الهندُ بعدَ الخلافاتِ الحدوديةِ في عامِ 2020 علي حظرِ عددٍ منْ التطبيقاتِ الصينيةِ فيها ، والتي منْ بينها تطبيقُ TikTok ، بالإضافةِ إلى ذلكَ كانتْ التطبيقاتُ الهنديةُ المحظورةُ وصلتْ إلى أكثرَ منْ 220 تطبيقا ، على الجانبِ الآخرِ كانَ هناكَ دعما كبيرا لتطبيقِ Instagram الأمريكيَ والذي يقعُ مقرهُ في كاليفورنيا ، وهوَ يعدُ أكبرَ شبكةً اجتماعيةً في الهندِ .

على الرغمِ منْ عدمِ رغبةِ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في وجودِ معدلِ تبادلٍ تجاريٍ بينَ الصينِ والهندِ كبيرٌ ، خاصةٌ أنَ هذا الأمرِ لا يرضي الهندَ ، بسببَ أنَ التبادلَ التجاريَ يصبُ بشكلٍ كبيرٍ لصالحِ الصينِ – كما هوَ موضحٌ في الشكلِ أعلاهُ – لكنْ كانَ ردُ الفعلِ الصينيِ على هذا هوَ زيادةُ الصادراتِ بينها وبينَ الهندِ ، حيثُ إنَ الصينَ في عامِ 2020 تجاوزتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ كأكبرِ شريكٍ تجاريٍ للهندِ ، على الرغمِ منْ بذلِ الحكومةِ الهنديةِ قصارى جهدها لتقليلِ الاعتمادِ على الصادراتِ الصينيةِ الرخيصةِ ، ولكنَ هذا لمْ يوقفْ مساعيَ الصينِ لوجودِ تبادلٍ تجاريٍ كبيرٍ بينها وبينَ الهندِ ، ومنْ هذا أنهُ على الرغمِ منْ المبادراتِ الهنديةِ الحكوميةِ لجعلِ الهندِ تعتمدُ على نفسها وهما Make in India و Atmanirbhar Bharat ، ولكنَ زادَ التبادلُ التجاريُ بينَ الصينِ والهندِ بنسبةِ 15.3 % لتصل إلى 32 مليارِ دولارٍ في الربعِ الأولِ منْ عامِ 2022 ، ولكنَ النسبةَ الأكبرَ منْ تلكَ الصادراتِ تصبُ لصالحِ الصينِ.)[130](

ولكنْ كيفَ يمكنُ أنْ تكونَ هناكَ جهودُ منْ خلالِ الحكومةِ الهنديةِ والإدارةِ الأمريكيةِ بتقليلِ الاعتمادِ على الصينِ ، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ يكونُ هناكَ ارتفاعٌ في التبادلِ التجاريِ بينَ الدولتينِ ، يمكنَ أنْ يتمَ استنتاجُ منْ ذلكَ أنَ الصينَ هيَ التي تريدُ أنْ يكونَ هناكَ اعتمادٌ عليها بشكلٍ كبيرٍ ، على الرغمِ منْ علمٍ بالنوايا الأمريكيةِ والهندِ ، هذا يظهرُ في الفجوةِ الكبيرةِ في التبادلِ التجاريِ بينها وبينَ الهندِ ، فعلى الرغمِ منْ علمها بأنَ الولايات المتحدة تريدُ أنْ تدعمَ الهندُ لكيْ تكونَ اللاعبَ الاقتصاديَ الأكبرَ ، وعلى الرغمِ منْ الخلافاتِ الحدوديةِ ، ولكنْ تريدُ المحافظةُ على قوةِ التبادلِ التجاريِ بينها وبينَ الهندِ ، وهذا منْ منطلقِ الاعتمادِ الدائمِ على الصينِ .

رابعًا: الانعكاساتُ الدبلوماسيةُ للسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةِ

إنَ العلاقاتِ الدبلوماسيةَ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبينَ الهندِ متعددةً، حيثُ إنهما عضوانِ في عددٍ منْ المنظماتِ الدوليةِ، ولكنْ أبرزَ وأحدثَ تلكَ المنظماتِ هيَ ما يسمى ب ” مجموعةَ الرباعيِ the Quad “، وبالتالي الجديرِ بالذكرِ التعرفِ على ماهيتهُ، وأثرهُ على العلاقاتِ الهنديةِ الصينيةِ.

أولاً: ماهيةُ ” مجموعةِ الرباعيِ “the Quad:

إنَ المجموعةَ الرباعيةَ أوْ الرباعيِ ، تضمَ كلا منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ واليابانِ والهندِ وأستراليا ، كانتْ بشكلٍ رسميٍ حوارا أمنيا ، بدأَ في عامِ 2004 ، بهدفَ تقديمِ المساعداتِ الإنسانيةِ ، لأنَ في ذلكَ العامِ حدثَ تسونامي في المحيطِ الهنديِ ، ثمَ تمتْ إضافةَ الطابعِ الرسميِ عليهِ في عامِ 2007 منْ خلالِ رئيسِ الوزراءِ اليابانيِ ، ولكنْ ظلَ خاملاً حتى عامِ 2017 ، حينما تمَ إحياؤهُ مرةً أخرى ، وهذا لمواجهةِ النفوذِ الإقليميِ المتنامي منْ الصينِ ، حيثُ إنَ إدارتي ترامبْ وبايدنْ أنَ تلكَ المجموعةَ هيَ مفتاحُ التحولِ للتركيزِ أكثرَ على منطقتيْ المحيطينَ الهادي والهنديِ ، وكانتْ أولَ قمةٍ عقدتْ فيها عامُ 2021 ، على الجانبِ الآخرِ أنَ الصينَ قدْ نددتْ أنَ تلكَ المجموعةَ تعتبرُ ” ناتو آسيويٍ ” ، وهذا على الرغمِ منْ عدمِ وجودِ اتفاقيةِ دفاعٍ مشتركٍ ، ولكنَ أعضاءُ المجموعةِ يدعونَ أنَ التحالفَ هوَ بغرضِ تعميقِ العلاقاتِ الاقتصاديةِ والدبلوماسيةِ والعسكريةِ ليسَ أكثر ، ولكنَ بعضَ الباحثينَ يرونَ أنَ هذهِ الشراكةِ هيَ هدفها التحصينُ ضدَ العدوانِ الصينيِ ، وقدْ تمَ استقاءَ هذا الاحتمالِ منْ خلالِ الإعلانِ الرسميِ للمجموعةِ في مارسَ عامَ 2021 الذي نصَ علي ” نأتي بوجهاتِ نظرٍ متنوعةٍ ونتحدُ في رؤيةٍ مشتركةٍ لمنطقةِ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ الحرةِ والمفتوحةِ ، نحنُ نسعى جاهدينَ منْ أجلِ منطقةٍ حرةٍ ومنفتحةٍ وشاملةٍ وصحيةٍ وترتكزُ على القيمِ الديمقراطيةِ وغيرِ مقيدةٍ بالإكراهِ”.([131])

ثانيًا: أثرُ ” مجموعةِ الرباعيِ the Quad ” على العلاقاتِ الهنديةَ الصينيةَ:

سبقَ الذكرُ أنَ هناكَ نزعاتٌ عسكريةٌ حدوديةٌ بينَ الصينِ والهندِ ، وصلتْ إلى أوجها في عامِ 2020 ، بالإضافةِ إلى أنَ هناكَ العديدُ منْ التوغلاتِ الصينيةِ في الأراضي الهنديةِ ، هذهِ الخلفيةِ قدْ دفعتْ الهندُ إلى تغييرِ سياستها ، والتي كانتْ تتجنبُ منْ خلالها التحالفاتُ العسكريةُ الرسميةُ ، ولكنْ بسببِ التأثيرِ الاستراتيجيِ للأزمةِ بينَ الصينِ والهندِ ، إلى إطلاقِ الهندِ العنانُ للتعاونِ بينَ شركائها ، وخاصةً الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ منْ خلالِ المجموعةِ الرباعيةِ ، وبالتالي كانَ هذا منْ بينِ الدوافعِ التي جعلتْ الهندُ تنضمُ إلى هذا التحالفِ ، ظنا منها أنَ هذهِ الشراكةِ سوفَ تعززُ منْ حريتها في التصرفِ ، ولكنَ هذا أدى إلى تبني الصينِ موقف عدوانيٍ تجاهَ الهندِ ، وهذا ما كانتْ تخشاهُ الهندُ ، بالإضافةِ إلى ذلكَ فقدْ سارعتْ الدولُ إلى تعاونيٍ عسكريٍ بشكلٍ منفصلٍ ثنائيا وثلاثيا ورابعًا ، ولكنْ كانَ هذا التعاونِ بعيدا عنْ الآلياتِ الرسميةِ للمجموعةِ ، وبناءٌ على ذلكَ كانَ هناكَ موقفٌ معادٍ منْ الصينِ تجاهَ تلكَ الكتلةَ ، وموقفًا معاديًا أيضا تجاهَ الهندِ.([132])

ثالثًا: بَعْض تحفُّظَات الهنْد على ” مَجمُوعة الرُّباعيِّ the Quad “:

على الرغمِ منْ انضمامِ الهندِ إلى ذلكَ التحالفِ ، إلا أنها لديها بعضُ التحفظاتِ على هذا الرباعيِ ، منْ بينها حينما تمَ توقيعُ ما يسمى ب ” AUKUS ” ، وهوَ ترتيبٌ دفاعيٌ قدْ وقعَ بينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وأستراليا والمملكةِ المتحدةِ في ينايرَ 2021 ، وبعدهُ أكدَ رئيسُ الوزراءِ الهنديِ على أنَ هذهِ الصفقةِ بعيدةً كلَ البعدِ عنْ الرباعيِ ، كما أنهُ حرصَ على حضورِ أولِ قمةٍ للرباعيِ لكيْ يقللَ منْ أهميةِ تلكَ الصفقةِ ، تحفظها على ذلكَ أنَ المجموعةَ الرباعيةَ هيَ لا تريدها الهندُ أنْ تكونَ منظمةٌ آسيويةٌ لحلفِ شمالِ الأطلسيَ ، وبالتالي هيَ لا تقبلُ بذلكَ ، كما أنها لا تريدُ أنْ تكونَ في مواجهةٍ معَ الصينِ منْ خلالِ تلكَ المجموعةَ ، حيثُ إنَ التكلفةَ التي سوفَ تعودُ عليها هيَ مواجهةُ العملاقِ الصينيِ كبيرةً ، وبالتالي هذا يفرضُ عليها موازنةُ حساباتها الأمنيةِ والدبلوماسيةِ والاقتصاديةِ بشكلٍ طويلٍ الأمدِ ، إذا كانتْ في مواجهةٍ معَ العملاقِ الصينيِ ، بالإضافةِ إلى أنَ تلكَ المجموعةَ تعملُ على جعلِ الهندِ تحجمُ عنْ تنويعِ مصادرِ أسلحتها ، حيثُ إنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ قدْ قوضتْ منْ المعداتِ العسكريةِ منْ فرنسا إلى الهندِ ، وبالتالي أنَ الهندَ ترى أنها لها ما يبررُ لها تنويعُ مصادرها منْ المعداتِ العسكريةِ.([133])

على الرغمِ منْ تلكَ التحفظاتِ ، إلا أنَ الهندَ في حاجةٍ إلى تلكَ المجموعةَ نظرا إلى أنَ تلكَ المجموعةَ توفرُ لها استراتيجيةٌ طويلةٌ الأمدِ في ردعِ الصينِ في المنطقةِ ، حيثُ إنَ الصينَ الهاجسَ الأساسيَ لها هوَ الجانبُ الاقتصاديُ لها ، وهذا ما يظهرُ في مبادرةِ الحزامِ والطريقِ ، كما أنَ تلكَ المجموعةَ بمثابةِ البابِ المفتوحِ أمامَ الهندِ للتعاونِ الدفاعيِ دونَ اللجوءِ إلى تحالفٍ أمنيٍ رسميٍ ، كما أنَ الهندَ تعتبرُ مهمةً بشكلٍ أساسيٍ لتلكَ المجموعةِ ، نظرا للثقلِ التي تحصلُ عليهِ منْ كلِ منطقةٍ منْ منطقتيْ المحيطينَ الهنديَ والهادي .

المبْحث الثَّاني

أثر العلاقات الهنْديَّة – الصِّينيَّة فِي إِطَار التَّقارب اَلهنْدِي الأمْريكيِّ على فُرَص الصُّعود الصِّينيِّ

يركزُ هذا المبحثِ على عرضِ فرصِ الصعودِ الصينيِ لقمةِ النظامِ الدوليِ بالاستنادِ على ما تمتلكهُ منْ مؤشراتٍ للقوةِ سواءٌ اقتصاديا أوْ عسكريا أوْ سياسيا، ومنْ ثمَ تداعياتُ التقاربِ الهنديِ الأمريكيِ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ وأثرِ ذلكَ على فرصِ صعودِ الصينِ لقمةِ النظامِ الدوليِ كالآتي:

أولًا: فرصَ الصعودِ الصينيِ إلى قمةِ النظامِ الدوليِ

إنَ قراءةَ المجرياتِ التاريخيةِ للقوةِ القوى الاقتصاديةَ والسياسيةَ العالميةَ، تشيرَ إلى أنَ بنيةَ النظامِ الدوليِ شهدتْ تحولينِ رئيسيينِ للقوى العالميةِ خلالَ الأربعةِ قرونِ الماضيةِ. الأولَ تمثلُ في صعودِ القارةِ الأوروبيةِ في القرنِ السابعِ عشر لتصبحَ قوةً عظمى عالميةً ، والثاني تمثل في ظهورِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في نهايةِ القرنِ التاسعِ عشرَ عندما أصبحتْ القوةُ الحاسمةُ عسكريا واقتصاديا وسياسيا ، والتي انفردتْ بقيادةِ العالمِ ، وبنهايةِ القرنِ العشرينَ ، وبدايةَ القرنِ الحادي والعشرينَ ، فإنَ العالمَ يشهدُ صعود لقوةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ جديدةٍ هيَ الصينُ ، التي تمتلكُ منْ المقوماتِ ما يؤهلها لتكونِ قوةٍ فاعلةٍ في مجرياتِ الأحداثِ السياسيةِ والاقتصاديةِ في العالمِ ، وما يجعلها مؤهلةً لتغييرِ موازينِ القوةِ في المستقبلِ.[134] فتمتلكُ الصينُ العديدَ منْ المقوماتِ التي تجعلها مؤهلةً لتصبحَ قوةً عالميةً ، وفيما يلي سنقومُ بعرضِ مؤشراتِ قوةِ الصينِ كقوى عالميةٍ ، والتي تتضمنُ كلا منْ مؤشراتِ القوةِ الصلبةِ ( كالقوةِ العسكريةِ والاقتصاديةِ ) ومؤشراتِ القوةِ الناعمةِ ( كالثقافةِ والأيدلوجية والدبلوماسيةِ ) ، كالآتي :

1- مؤشرات القوة الاقتصادية:

لقدْ حققَ الاقتصادُ الصينيُ نتائجَ باهرةً خاصةً في معدلاتِ النموِ الحقيقيِ والصادراتِ وجذبِ الاستثمارِ الأجنبيِ المباشرِ ، مما أهلِ الصينِ لتخطوَ بثباتِ نحوَ صدارةِ الاقتصادِ العالميِ ، محتلا أماكنَ بلدانِ كبرى منافسةً لهُ ، وهذهِ المؤشراتُ جعلتْ بعضَ الآراءِ والتحليلاتِ تذهبُ إلى أنَ القرنَ الحاليَ سيصبحُ قرنا صينيا.[135] يعتبر اقتصادُ الصينِ منْ أكبرِ الاقتصاداتِ حولَ العالمِ ، حيثُ يعودُ ذلكَ إلى حجمِ النموِ في الإنتاجيةِ المحليةِ والصادراتِ الضخمةِ والاستثماراتِ في رأسِ المالِ التي تقومُ بها الصينُ بالإضافةِ إلى العمالةِ الرخيصةِ بها مما أدى لذلكَ النموِ ، فقدْ بلغَ حجمُ الناتجِ المحليِ الإجماليِ للصينِ 12 تريليونا دولارَ عامِ 2017 ، بنسبةِ نموٍ بلغتْ ( 9.7 % ) عامِ 2017.[136] وهوَ ما يمثلُ حواليْ ( 14.84 % ) منْ إجماليِ الاقتصادِ العالميِ ، لتحتلّ المرتبةُ الثانيةُ عالميا بعدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ الذي بلغَ إنتاجها المحليُ الإجماليُ ( 18.5 ) تريليونِ دولارٍ ، بينما الهندُ فقدْ شكلَ إجماليُ الناتجِ المحليِ الإجماليِ ( 2.26 ) تريليونِ دولارٍ ، وبذلكَ تعتبرُ الصينُ محركا هاما لاستقرارِ وانتعاشِ الاقتصادِ العالميِ ، حيثُ وصلَ معدلُ مساهمةِ الصينِ في النموِ الاقتصاديِ إلى ما يقربُ منْ 30 % عامِ 2017.[137]

وعليهِ يمكنُ إبرازَ ملامحِ بروزِ الصينِ كقوةٍ اقتصاديةٍ فيما يلي: تحتلَ الصينُ المرتبةُ الأولى عالميا منْ حيثُ معدلُ نموِ الناتجِ المحليِ الإجماليِ، حيثُ تراوحَ هذا المعدلِ بينَ 2004 و2019 إلى 6.11 و11 % سنويا، وهوَ أكبرُ معدلاً للنموِ بينَ القوى الكبرى في العالمِ. تعتبر الصينُ ثاني أكبرِ قوةٍ اقتصاديةٍ في هيكلِ الاقتصادِ العالميِ بعدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، إذْ ارتفعَ ناتجها المحليُ الإجماليُ سنةَ 2019 إلى حواليْ 14.34 تريليونِ دولارٍ. كما أنَ الصينَ هيَ أكبرُ مستثمرٍ عالميٍ في الطاقاتِ المتجددةِ باستثماراتٍ فاقتْ 758 مليارِ دولارِ بينَ عاميْ 2010 – 2019. تعدّ الصينُ هيَ القوةُ العالميةُ الأولى في احتياطيِ النقدِ الأجنبيِ الذي بلغَ 3.22 تريليوناتِ دولارٍ أمريكيٍ. تعتبر الصينُ الأكثرُ تصديرا في العالمِ، فحصتها منْ إجماليٍ ناتجٍ التصنيعِ العالميِ تبلغُ حواليْ 30 %، وتعدَ الصينُ منْ أعلى الدولِ جذبا للاستثماراتِ المباشرةِ عالميا وفقا لتقريرِ لجنةِ الأممِ المتحدةِ للتجارةِ والتنميةِ لعامِ 2019.[138]

2- مؤشراتُ القوةِ العسكريةِ:

ببلوغِ الاقتصادِ الصينيِ مرحلةً ضخمةً وضعتهُ في مصافِ الدولِ الكبرى، اتجهتْ الصينُ إلى تطويرِ قوتها العسكريةِ في إطارِ مواكبةِ الوضعِ الاقتصاديِ والسياسيِ للبلادِ، وذلكَ لحمايةِ وضعها الاقتصاديِ الذي يحتاجُ إلى تدعيمٍ عسكريٍ منْ أجلِ حمايةِ إمداداتها الحيويةِ الاستراتيجيةِ. وقدْ أشارَ معهدُ إستكهولم لأبحاثِ السلامِ في تقريرِ لهُ عامُ 2017، أنَ نسبةَ الصينِ منْ الإنفاقِ العسكريِ العالميِ بلغتْ 7.3 % في المرتبةِ الثانيةِ خلفَ الولاياتِ المتحدةِ، وقدْ شكلَ هذا الإنفاقِ نحوَ 1.9 % منْ إجماليِ الناتجِ القوميِ الإجماليِ لعامِ 2017[139]، بينما أعلنتْ الحكومةُ الصينيةُ خلالَ الجلسةِ الافتتاحيةِ للاجتماعِ السنويِ للبرلمانِ الصينيِ، في مايو منْ عامِ 2018، أنها تنوي أنفاقَ 175 مليارِ دولارٍ على الجيشِ، أيُ زيادةِ ميزانيتها العسكريةِ بنسبةِ 8.1 % لعامِ 2018.[140]

حاليا يحتلُ جيشَ التحريرِ الشعبيِ للصينِ المرتبةِ الثالثةِ على مستوى أقوى جيوشِ العالمِ بعدَ الولاياتِ المتحدةِ وروسيا وفقَ مؤشرٍ “global fire power”[141] لعام 2023، والذي يستخدمُ أكثرَ منْ 60 عاملاً لتصنيفِ الجيوشِ. كما أنَ الجيشَ الصينيَ هوَ الأكبرُ منْ حيثُ العددُ، إذْ يصلُ عددُ القواتِ إلى 1.6 مليونِ جنديٍ، والثاني منْ حيثُ الميزانيةُ بعدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ. فمنذُ تولي ” شيِ شينْ بينغْ ” مقاليدَ الحكمِ في الصينِ، بدأتْ عمليةَ تطويرِ وتحديثِ الجيشِ بشكلٍ متسارعٍ، إذْ يطمحُ الرئيسُ الصينيُ إلى تحويلهِ إلى ” قوةٍ منْ الطرازِ العالميِ ” بحلولِ عامِ 2049، في الذكرى المئويةِ لتأسيسِ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ. تمكنتْ الصينُ أيضا، منْ تجاوزِ الولاياتِ المتحدةِ لتصبحَ أكبرَ قوةً بحريةً في العالمِ منْ حيثُ عددُ السفنِ الحربيةِ، بواقعَ 730 وحدةٍ بحريةٍ صينيةٍ مقارنةً ب 484 وحدةٍ بحريةٍ أمريكيةٍ. وفيما يتعلقُ بالترسانةِ النوويةِ، نجدُ أنَ الصينَ تمتلكُ نحوَ 350 رأسا نوويا.

3- مؤشرات القوةِ الناعمةِ:

إجمالاً، أنَ معظمَ النقاشاتِ والتحليلاتِ المتعلقةِ بصعودِ الصينِ تنصبُ على مظاهرِ القوةِ الصلبةِ الصينيةِ المتصاعدةِ، معَ أنَ عناصرَ القوةِ الناعمةِ مثلٍ الثقافةِ والأيدلوجية والدبلوماسيةِ هيَ وحداتٌ أساسيةٌ في تحديدِ مكانةِ القوى الكبرى، لذلكَ فمنْ الجديرِ إعطاءَ حيزِ منْ الاهتمامِ بهذا الموضوعِ الحيويِ والمؤثرِ في فكرةِ محاولةِ الصعودِ والهيمنةِ للدولِ الكبرى. ويمكنَ رصدُ توظيفِ القوةِ الناعمةِ في السياسةِ الخارجيةِ الصينيةِ في جملةٍ منْ المظاهرِ، تثبتَ بشكلٍ واضحٍ انتهاجِ الصينِ لسياسةِ خارجيةٍ تؤهلها لتصبحَ قوةً كبرى عالميةً، فقدْ أدركَ قادةُ الصينِ أهميةَ هذهِ العناصرِ باعتبارها تتيحُ أمامَ الصينِ فرصا مواتيةً لخدمةِ مكانتها على الصعيدينِ الإقليميِ والدوليِ[142]، وذلكَ بالاستنادِ على عددٍ منْ الدلالاتِ كالآتي:

       انخراطُ الصينِ في المؤسساتِ الدوليةِ: يمكنَ ملاحظةً أنَ الصينَ قدْ ضاعفتْ بشكلٍ دراماتيكيٍ منْ وجودها وانخراطها في المنظماتِ الدوليةِ، فمنذُ عامِ 1994، وهيَ الفترةُ التي أعقبتْ العهدَ الماويَ عملتْ الصينُ على التخلي عنْ فكرةِ أحجامها المشاركةِ في المؤسساتِ الدوليةِ والتي كانتْ نتاجَ تشكيلِ النظامِ الدوليِ ما بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ (كالبنكِ الدوليِ، وصندوقَ النقدِ الدوليِ، منظمةُ الأممِ المتحدةِ، . . . إلخْ). بلْ ضاعفتْ منْ هذهِ المشاركةِ وعملتْ على المساهمةِ بإقامةِ منطقةِ التجارةِ الحرةِ معَ دولِ الآسيانْ ، وأصبحتْ عضوا نشطا في الحوارِ الأمنيِ الإقليميِ ، وانضمتْ إلى معاهدةِ الصداقةِ والتعاونِ في جنوبِ شرقِ آسيا ، وبدأتْ تشاركُ في مهماتِ حفظِ السلامِ الأمميةِ ، كذلكَ لعبتْ دورا أساسيا ونشطا فيما يتعلقُ بآليةِ ” اجتماعِ منظمةِ شنغهاي ” كهيكلٍ متعددٍ الأطرافِ ، وفي دلالاتٍ أخرى تؤكدُ على سعيِ الصينِ للتدخلِ في الشئونِ الدوليةِ ، فقدْ بدأتْ بزيادةِ مساهمتها في تقديمِ المساعداتِ الموجهةِ للخارجِ ، وبذلتْ جهودا كبيرةً لمطابقةِ المعاييرِ الدوليةِ في بعضِ المسائلِ الحساسةِ مثلٍ مسائلِ التجارةِ الحرةِ ، عدمُ الانتشارِ النوويِ ، وحتى مسائلِ حمايةِ البيئةِ.[143]

       اتباعُ سياسةِ خارجيةٍ صينيةٍ سلميةٍ: شكلُ شعارِ ” النموِ السلميِ للصينِ ” والذي تمَ استخدامهُ لأولِ مرةِ عامِ 2003، أحدُ أهمِ مبادئِ السياسةِ الخارجيةِ الصينيةِ لدى الجيلِ الرابعِ منْ القادةِ الصينيينَ، حيثُ يستخدمُ قدتْ الصينُ هذا الشعارِ أساسا لطمأنهُ بلدان شرقِ آسيا والولاياتِ المتحدةِ، منْ أنَ نموَ الصينِ الاقتصاديِ والعسكريِ لا يشكلُ تهديدا للأمنِ والاستقرارِ بالمنطقةِ، بلْ سيكونُ لهُ نتائجُ إيجابيةٌ على الدولِ الأخرى. أيْ أنَ القادةَ الصينيينَ يصورونَ النموّ الاقتصاديُ والعسكريُ للصينِ في شكلِ لعبةٍ غيرِ صفريةٍ، أنَ الصينَ هيَ أقلُ منْ منافسٍ اقتصاديٍ بالمقارنةِ بالفرصِ الاقتصاديةِ التي توفرها. ومنْ الدوافعِ التي دفعتْ الصينُ لتبني ذلكَ الشعارِ، هوَ محاولةُ تجنبِ أيِ مواجهةٍ في المستقبلِ القريبِ معَ الولاياتِ المتحدةِ، وتجسيدا لحالةِ الواقعيةِ السياسيةِ في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ، ودافعَ آخر يتمثلُ في إدراكِ القادةِ الصينيينَ لأهميةِ العلاقاتِ التجاريةِ معَ الولاياتِ المتحدةِ في تعزيزِ الاقتصادِ الصينيِ.[144]

       الثقافة الصينيةِ ومحاولاتُ الاستقطابِ : ففي الغالبِ يتمُ النظرُ إلى الثقافةِ الصينيةِ منْ الداخلِ باعتبارها ثقافةٍ عالميةٍ ، وبكلماتِ الرئيسِ ” هو جينتا ” رئيسِ الصينِ منْ عامِ 2003 – 2013 ” الثقافةِ الصينيةِ ليستْ ثقافةَ الصينيينَ بلْ ثقافةَ العالمِ بأكملهِ ” ، ففي الوقتِ الحاليِ تقومُ الحكومةُ الصينيةُ بإقامةِ تبادلاتٍ ثقافيةٍ معَ العديدِ منْ دولِ العالمِ ، للتعريفِ بالصينِ وترويجِ ثقافتها ، حيثُ تقومُ بتوفيرِ الدعمِ والتمويلِ لإقامةِ مهرجاناتٍ كبيرةٍ في العواصمِ الغربيةِ ، وفي سياقِ ذلكَ قامتْ بافتتاحِ 32 مركزا كونفوشيوسيتا ثقافيا في 23 بلدا منْ أجلِ تقديمِ صورةٍ جيدةٍ عنْ ثقافتها للعالمِ الخارجيِ ، ومنْ جهةٍ أخرى عملتْ منْ خلالِ ذلكَ على محاولةِ تهميشِ النفوذِ التايوانيِ عالميا . على صعيدٍ آخرَ، شهدَ عددُ الطلبةِ الأجانبِ المدمجينِ في الجامعاتِ الصينيةِ نموا كبيرا، ففي العقدِ الأخيرِ ارتفعَ عددُ الطلبةِ الأجانبِ لثلاثةِ أضعافٍ في انعكاسٍ لموقعِ الصينِ كعاملِ جذبٍ ثقافيٍ في آسيا.[145]

في النهايةِ نجدُ أنهُ قدْ أدركَ قادةُ الصينِ امتلاكها ما يؤهلها لتصبحَ قوةً عالميةً، وفي إطارِ ذلكَ سعتْ الصينُ لاتخاذِ عددٍ منْ السياساتِ على كافةِ المستوياتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والعسكريةِ والثقافيةِ والدوليةِ لتعزيزِ مكانتها في توجها الخارجيَ، محاولةٌ بذلكَ اقتناصَ المكانةِ التي تراها ملائمةً لها على الصعيدِ العالميِ كقوةٍ كبرى معَ تراجعِ سياسةِ الأحاديةِ القطبيةِ التي فرضتها الولاياتُ المتحدةُ بعد نهايةِ الحربِ الباردةِ، وظهورَ العالمِ اليومِ في إطارِ منْ التعدديةِ القطبيةِ. ويسهمَ في ذلكَ ما تمتلكهُ الصينُ بالفعلِ منْ مكانةٍ دوليةٍ فبالإضافةِ لكونها عضو دائمٍ في مجلسِ الأمنِ التابعِ للأممِ المتحدةِ، ومنْ الدولِ الخمسِ التي لها حقُ الفيتو مما يمنحها الفرصةَ في عرقلةِ القضايا التي تكونُ في غيرِ صالحها ودعمُ القضايا التي تدعمها، مما يعطي لها قوةٌ للتحكمِ في النزاعاتِ التي تكونُ طرفا فيها. كما نجدُ أنَ ما يشهدهُ العالمُ اليومَ منْ التقاربِ الصينيِ الروسيِ، يشكلَ دعما للصينِ في ظلِ التقاربِ الثقافيِ بينَ روسيا والصينِ، حيثُ تسعى روسيا منذُ إدارةِ بوتينْ إلى استعادةِ مكانتها الدوليةِ، وهوَ ما يدفعُ الصينَ لاتخاذِ روسيا كحليفٍ لها في آسيا.

بالرغمِ مما سبقَ ذكرهُ منْ مؤشراتِ القوةِ التي تمتلكها الصينُ والتي تدعمُ صعودها كقوةٍ عالميةٍ، إلا أنَ هناكَ عددا منْ التحدياتِ تواجهها وتعيقُ منْ فرصتها للصعودِ على قمةِ النظامِ الدوليِ إذا ما أخفقتْ في التعاملِ معها، ومنْ أهمَ تلكَ التحدياتِ الصعودِ الهنديِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، كقوةٍ اقتصاديةٍ منافسةٍ للصينِ. وهوَ ما ستتمُ مناقشتهُ تاليا لتوضيحِ أثرِ الصعودِ الهنديِ المدعومِ بالولايات المتحدة على فرصِ الصعودِ الصينيِ لقمةِ النظامِ الدوليِ.

ثانيًا: تداعياتِ التقاربِ الهنديِ الأمريكيِ على العلاقاتِ بينَ الهندِ والصينِ وأثرِ ذلكَ على فرصِ صعودِ الصينِ لقمةِ النظامِ الدوليِ

تواجهَ الصينُ اليومِ العديدُ منْ التحدياتِ التي تعيقُ تقدمها لقمةِ النظامِ الدوليِ، ومنْ ضمنها ما تشهدهُ الصينُ منْ انخفاضِ معدلاتِ التنميةِ منذُ عامِ 2018 نتيجةِ لعدةِ أسبابِ منْ ضمنها: ما شهدتهُ الصينُ في السنواتِ الأخيرِ منْ كونها مصدرا لتفشي وباءٍ Covid – 19 واتخاذِ العديدِ منْ الدولِ إجراءاتٍ حمائيةً وهوَ ما لا يساعدُ الاقتصادُ الصينيُ، بالإضافةِ إلى ما تشهدهُ الصينُ حاليةً منْ تراجعٍ للنموِ السكانيِ وتغيرِ التركيبِ الديموغرافيِ وأثرِ ذلكَ على الأداءِ الاقتصاديِ للصينِ. وفي ظلِ ما سبقَ ظهرَ تحدٍ آخرَ أمامَ الصينِ ألا وهوَ الصعودُ الهنديُ كقوةٍ اقتصاديةٍ منافسةٍ للصينِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، بالإضافةِ لما شكلهُ التقاربُ الهنديُ الأمريكيُ منْ تحدٍ للصينِ في إطارِ بعضِ النزاعاتِ القائمةِ بينَ الهندِ والصينِ.

ووفقا لما تناولناهُ في المبحثِ الأولِ منْ أثرِ التقاربِ الهنديِ الأمريكيِ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةَ، سنقومُ في هذا المبحثِ في إطارِ استكمالِ المبحثِ الأولِ، ببيانِ أثرِ العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةَ في إطارِ التقاربِ الهنديِ الأمريكيِ على فرصِ الصعودِ الصينيِ كالآتي:

1- على الصعيدِ العسكريِ : إنَ التعاونَ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ في إطارِ اتفاقياتِ الدعمِ الأمنيِ والعسكريِ ، قدْ منحَ الهندَ مزيدا منْ القوةِ والنفوذِ في حالةِ حدوثِ مواجهةٍ على الحدودِ بينها وبينَ الصينِ ، كما أنهُ وبامتلاكِ الهندِ للأسلحةِ النوويةِ في إطارِ التسهيلاتِ التي منحتها الولايات المتحدة للهندِ بشأنِ امتلاكها لها ، قدْ وضعَ أمامَ الصينِ تحديا في حالٍ استخدمها للأسلحةِ النوويةِ في مواجهةِ الهندِ في إطارِ النزاعاتِ الحدوديةِ بينهما أوْ غيرِ ذلكَ ، لأنَ الهندَ ستقومُ بالردِ بالمثلِ على الصينِ ، مما ساوى بينَ النفوذِ الصينيِ والهنديِ في تلكَ النقطةِ وإنْ كانَ بشكلٍ نسبيٍ .

بالإضافةِ إلى أنَ اتفاقَ الدفاعِ المشتركِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ، سيضعُ أمامَ الصينِ تحديا آخر، في حالٍ اتخذتْ الصينُ الهندُ كعدوّ لها في إطارِ الخلافاتِ بينهما، لأنَ ذلكَ سيعتبرُ تهديدا للهندِ مما سيدفعُ القواتِ الأمريكيةَ للتدخلِ، وبذلكَ سيكونُ على الصينِ المحاربةِ على جبهتيْ الأمريكيةِ والهنديةِ. ووفقا لما سبقَ فإنهُ منْ المتوقعِ أنْ تستمرَ النزاعاتُ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ، وذلكَ لأنَ الصينَ لنْ تخاطرَ بأنْ تلجأَ لاستخدامِ القوةِ العسكريةِ لإنهاءِ الأمرِ لصالحها، دونُ أنْ تفكرَ في عواقبَ ذلكَ. مما يضحي تحدٍ أمامَ الصينِ، فإما أنْ تقبلَ بتسويةِ الأمرِ سلميا معَ الهندِ في إطارِ التوصلِ لحلٍ مشتركٍ، أوْ أنْ تصرَ الصينُ على موقفها مما سيضطرها إلى الدخولِ في نزاعٍ مسلحٍ معَ الهندِ، وما سينتجُ عنْ ذلكَ منْ أضرارٍ للصينِ سواءٌ على مستوى التنميةِ أوْ على مستوى ما ستحدثهُ تلكَ النزاعاتِ معَ الهندِ منْ أضرارٍ بالبلدِ.

2- على الصعيدِ السياسيِ: أظهرتْ الولاياتُ المتحدةُ دعمها للهندِ في إطارِ إظهارِ مجلسِ الأمنِ القوميِ الأمريكيِ وثيقةَ ” الإطارِ الاستراتيجيِ الأمريكيِ لمنطقةِ المحيطينَ الهنديَ والهادئِ “، والتي أكدتْ الولايات المتحدة منْ خلالها على أمرينِ: أوليهما تأييدها للهندِ في الحفاظِ على التفوقِ الدبلوماسيِ والاقتصاديِ والعسكريِ في منطقةِ جنوبَ شرقِ آسيا، ثانيًا اعترافها بالهندِ كدولةٍ ديموقراطيةٍ مشابهةٍ لها في الفكرِ. مما يضيعُ أمامَ الصينِ عدد منْ التحدياتِ تتمثلُ في: الدعمُ الأمريكيُ للهندِ فيما يتعلقُ باستردادِ حقوقها في الأنهارِ على قمةِ التبت، والتي تعملُ الصينُ على استغلالها لصالحها، وما إذا كانتْ الصينُ ستقبلُ بذلكَ أمْ أنهُ سيضمُ إلى قائمةِ الخلافاتِ بينَ الهندِ والصينِ.

تأكيدُ الولاياتِ المتحدةِ على دورها في منطقةٍ المحيطينَ الهنديَ والهادي كضامنٍ للأمنِ والاستقرارِ، بالإضافةِ لشراكتها معَ الهندِ والتي ستكونُ ذريعةً للولاياتِ المتحدةِ للتصدي للصينِ في حالِ ارتكابها لأيِ أعمالِ عنفٍ، مما سيفرضُ على الصينِ فكرةَ الوجودِ الأمريكيِ في منطقةٍ المحيطينَ، والتي كانتْ تعملُ الصينُ على التخلصِ منْ وجودها في المنطقةِ، والتحررُ منْ هيمنتها على النظامِ الدوليِ.

امتلاكُ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ قيما ديموقراطيةً مشتركةً وتأكيدهما العملَ على تعزيزها لدى الدولِ المجاورةِ للهندِ، في إطارِ إظهارِ النموذجِ التنمويِ الهنديِ القائمِ على إعلاءِ الروحِ الديموقراطيةِ، هوَ ما دفعَ العديدَ منْ الدولِ في آسيا إلى بناءِ علاقاتٍ تعاونيةٍ معَ الهندِ في إطارِ منْ التعاونِ الثنائيِ أوْ متعددٍ الأطرافِ (كعلاقةِ الهندِ بإندونيسيا والتي تعتبرُ منْ أكبرِ الديموقراطياتِ، والفلبين، وفيتنام).

أسهمُ ذلكَ في ظهورِ الصينِ كقوةٍ تتمتعُ بنظمِ سلطويةٍ متناقضةٍ معَ القيمِ الديموقراطيةِ المنتشرةِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا. حيثُ أصبحتْ علاقاتُ الهندِ في إطارِ الإقليمِ أكثرَ اتساعا مقارنةٍ بالهندِ، خاصةً في ظلِ التعاونِ الهنديِ معَ دولِ كبرى كاليابانِ وكوريا الجنوبيةِ في إطارِ التعاونِ المشتركِ معَ الولاياتِ المتحدةِ. ولقدْ وضعَ ذلكَ تحديا أمامَ الصعودِ الصينيِ، في ظلِ انحدارِ شعبيةِ الصينِ لدى دولِ الإقليمِ لصالحِ الهندِ.

إنَ قيامَ الولايات المتحدة بدعمِ العلاقاتِ بينَ كلٍ منْ الهندِ وتايوان كانَ لهُ أثرٌ أيضا في تحدي النفوذِ الصينيِ ، فقدْ عملتْ الولايات المتحدة على إقرارِ عددٍ منْ القوانينِ التي تدعمُ تايوان ، وذلكَ عنْ طريقِ تعزيزِ علاقةِ تايوان بعددٍ منْ الدولِ منْ بينهمْ الهندُ ، مما أسهمَ في إطارِ التعاونِ الدعائيِ بينَ الهندِ وتايوان خلالَ المناسباتِ المختلفةِ كاليومِ الوطنيِ لتايوان ، في إعادةِ إحياءِ النفوذِ الدوليِ لتايوان ، والتي كانتْ تعملُ الصينُ على تهميشها والتعاملُ معها على أنها جزءٌ منْ الصينِ ، وذلكَ رغبةً منْ الصينِ على أنْ ينظرَ المجتمعُ الدوليُ لتايوان على أنها لا تمثلُ دولةَ قائمةٍ بذاتها وإنما تعتبرُ جزءا منْ الصينِ ، وذلكَ لتسهيلِ الأمرِ على الصينِ فيما يتعلقُ بضمِ تايوان لها . مما يضيعُ تحدٍ آخرُ أمامَ الصينِ في ظلِ دعمِ كلٍ منْ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ لتايوان، ورغبةُ الصينِ في الاستحواذِ عليها.

3- على الصعيدِ الاقتصاديِ:

بالإضافةِ لما يشهدهُ الاقتصادُ الصينيُ منْ تحدياتٍ ، إلا أنَ الصعودَ الاقتصاديَ الهنديَ المتسارعَ يعدُ منْ أكبرِ التحدياتِ التي تواجها الصينُ حاليا ، ففي ظلِ رغبةِ الولاياتِ المتحدةِ في اتخاذِ الهندِ كبديلٍ اقتصاديٍ للصينِ في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا ، دفعُ ذلكَ العديدَ منْ الشركاتِ والمستثمرينَ إلى تحويلِ استثماراتهمْ للهندِ ، خاصةً في ظلِ ما تمرُ بهِ الصينُ الآنِ منْ بطيءٍ في النموِ الاقتصاديِ ، وما تشهدهُ الهندُ منْ تسارعٍ في وتيرةِ التنميةِ الاقتصاديةِ ، فيمثلُ السوقُ الهنديُ السوقُ الأنسبُ للاستثماراتِ الأجنبيةِ حاليا ، خاصةً في ظلِ الدعمِ الأمريكيِ للبنيةِ التحتيةِ بالهندِ . مما يضعُ الصينَ أمامَ تحدٍ هامٍ لمواجهةِ ما تمرُ بهِ منْ أزماتٍ اقتصاديةٍ، والعملُ على استعادةِ مكانتها الاقتصاديةِ بالإقليمِ، لتجنبِ سحبِ الاستثماراتِ الأجنبيةِ، والتي تعدُ عاملاً أساسيا في الاقتصادِ الصينيِ. كما أنهُ في ظلِ النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ الهندِ والصينِ، والتقاربُ الهنديُ الأمريكيُ، عملتْ الهندُ على تعزيزِ تبادلها التجاريِ معَ الولايات المتحدة، في مقابلِ تخفيضها لتبادلها التجاريِ معَ الصينِ، مما يفقدُ الصينَ شريكا اقتصاديا هاما كالهندِ في منطقةِ شرقَ آسيا، في ظلِ التنافسِ بينَ الصينِ والغربِ، وعدمَ وجودِ بديلٍ اقتصاديٍ للصينِ كالسوقِ الهندية فيما يتعلقُ بانخفاضِ القيمةِ في مقابلِ جودةِ السلعِ والخدماتِ.

بالنهايةِ نجدُ أنَ الصينَ في يومنا هذا تواجهُ عددا منْ التحدياتِ التي تعوقُ منْ فرصةِ صعودها إلى قمةِ النظامِ الدوليِ، والتي على ما يبدو أنهُ لنْ يتمَ تجاوزٌ أغلبها في المستقبلِ القريبِ كالصراعاتِ الحدوديةِ بينَ الهندِ والصينِ، وقضيةُ تايوان. وفي إطارِ النموِ الاقتصاديِ البطيءِ للصينِ، وارتفاعَ معدلاتِ النموِ الاقتصاديِ للهندِ بشكلٍ متسارعٍ وغيرِ مسبوقٍ، سيعملُ ذلكَ على إرساءِ حالةٍ منْ التوازنِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ في الإقليمِ، في إطارِ التقاربِ النسبيِ بينهما في مختلفِ المجالاتِ.

اَلْخَاتِمَة:

فقدْ تمَ عرضٌ فيما سبقَ الأثرُ الذي يمكنُ أنْ تحدثهُ السياسةُ الخارجيةُ الأمريكيةُ تجاهَ الهندِ على فرصِ صعودِ الصينِ إلى قمةِ النظامِ الدوليِ ، وعلى العلاقاتِ الصينيةِ – الهنديةَ ، وذلكَ منْ خلالِ أنْ تمَ عرضُ فصلِ أولِ قدْ تناولَ بشكلٍ مفصلٍ السياسيةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ ، ثمَ جاءَ الفصلُ الثاني لكيْ تناولُ العواملِ المؤثرةِ على العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ ، وفي ختامِ الفصولِ آتي الفصلُ الثالثُ لكيْ يبرزَ أثرُ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الهندِ على فرصِ صعودِ الصينِ لقمةِ النظامِ الدوليِ ، ومنْ خلالِ العرضِ السباقِ لتلكَ الفصولِ وما الأفكارُ والموضوعاتُ التي تمَ عرضهمْ في جوفها ، فقدْ تمَ التوصلُ منْ خلالِ تلكَ الدارسةِ إلى بعضِ النتائجِ النهائيةِ التي تمَ تقسيمها إلى عددٍ منْ المجالاتِ ، وهيَ كالتالي :

فيما يتعلقُ بالنتائجَ السياسيةِ التي تمَ التوصلُ إليها في الدارسةِ ، وهيَ أنَ العلاقاتِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ هيَ علاقةُ قوةٍ ، حيثُ إنَ هناكَ العديدُ منْ النقاطِ التي تشجعُ تقويةَ العلاقاتِ بينَ الدولتينِ ، وبالتالي فإنَ فكرةَ التعاونِ بينَ الهندِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ لها حيزٌ كبيرٌ في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ رؤيةَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ لاستمرار هيمنتها علي بنية النظام العالمي  تدفعها للتعاونَ وتقديم الدعمُ للهندُ لكيْ تقفَ أمامَ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي نجد ان الولايات المتحدة تعمل علي تعزيز الفرص التي من شأنها توثيق العلاقات بينها وبين الهند.

منْ النقاطِ التي توصلتْ إليها الدراسةُ أيضا في الجانبِ السياسيِ فيما يتعلقُ بالصينِ ، أنَ الصينَ تُظهر بشكلٍ كبيرٍ رغبتها في الصعود كدولة عظمي مهما كانتْ العواقبُ أمامها ، حيثُ إنها تدرك تخوف الولايات المتحدة من ازدياد قوتها وهيمنتها علي إقليم جنوب شرق اسيا، وتعلمَ أيضا أنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ لا تريدُ منْ يهددُ تربعها على عرشِ العالمِ ، ومن ثم فهي تستوعب هدف الولايات المتحدة من تقديم الدعم للهند، والذي يتمثل في محاولة الولايات المتحدة ان تعيق من فرص الصعود الصيني بالتضيق عليها في إقليم جنوب شرق اسيا، وعلى الرغمِ منْ ذلكَ فأنَ السياسةَ الصينيةَ تسعى بكلِ الطرقِ إلى الصعودِ إلى قمةِ النظامِ العالميِ مهما كانتْ العواقبُ أمامها ، حتى لوْ كانتْ المواجهةُ أمامها كبيرةٌ  والتي قد تصل الي مواجهة قوةٍ عظمى كالولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ سواء بشكل مباشر او غيرِ مباشرٍ منْ خلالِ الهندِ.

منْ بينِ النقاطِ السياسيةِ أيضا ، فيما يخصُ النفوذُ السياسيُ بينَ الهندِ والصينِ ، فقدْ توصلتْ الدراسةِ إلى أنهُ على الرغمِ منْ وجودِ دعمِ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ للهندِ ، ولكنْ النفوذَ الهنديَ في جنوبِ شرقِ آسيا ضعيفٌ نسبيا مقارنة بالصين، وهذا ليس من شأنه ان يدعم نوايا الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ التي تريدُ للهندِ أنْ تقفَ أمامَ النفوذِ الصينيِ، ولكنْ فيما يتعلقُ بالنوايا الهنديةِ نفسها ، أنَ الهندَ لا تسعى بالشكلِ الذي تتصورهُ الولاياتُ المتحدةُ في تقويةِ نفوذها في إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا ، ولكنْ بدلاً منْ ذلكَ هيَ تسعى لكيْ تقويَ نفوذها في إقليمِ جنوبَ آسيا ، وبالتالي أنَ التنافس في النفوذِ بينَ كلٍ منْ الصينِ والهندِ إقليميا يصبُ لصالحِ الصينِ.

وفي نفسِ الصددِ توصلتْ الدراسةِ أيضا الي أنَ الهندَ لا تسعى لكيْ تقوي نفوذها في الساحةِ العالميةِ بشكلٍ عامٍ، ولكنها تكتفي حالياً بتقوية نفوذها على المحيطِ الإقليميِ، وهذا على عكسِ ما تنوي إليهِ الصينُ في تقويةِ نفوذها عالميا.  كما ان الهندَ والصينَ على الرغمِ منْ وجود الخلافاتِ بينهمْ الا ان العديد من المصالح الاقتصادية تجمعهما، حيثُ إنَ العلاقاتِ بينَ القوتين الآسيويينَ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ في التنافسِ والصراع ، ولكنْ على العكسِ منْ ذلكَ هناكَ تلاقٍ وتعاونٌ بينَ الدولتينِ في بعضِ المجالاتِ ، وبالتالي فأن رغبة الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في أنْ تكونَ الهندُ حجرَ عثرةٍ أمامَ الصعودِ الصينيِ لقمةِ النظامِ الدوليِ يستلزمَ ان تصل الأمور بينهما الي حد الصراعُ المسلح، وهوَ ما لا يوجدُ بالشكلِ المطلوبِ حالياً في العلاقاتِ بينَ الصينِ والهندِ .

وتتمثل النتائجِ الاقتصاديةِ التي توصلتْ إليها الدارسةِ في الاتي:  أنَ الصينَ – كما تمَ العرضُ مسبقا – هيَ قوةٌ اقتصادية صاعدة تمكنت من الاستحواذ علي مكانه بين الاقتصاديات الكبرى بل والتصدر الي قمة النظام الدولي اقتصادياً ، فقد قفز الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ الي الحد الذي اصبح فيه ينافس الاقتصاد الأمريكي والذي يعتبر الاقتصاد الأول عالمياً، بل وتجاوزه وإمكانية تصدر الصين كأكبر قوة اقتصادية عالمياً، وبالتالي أنَ فكرةَ التنافسِ الاقتصاديِ بينَ الهندِ و الصينِ ، فهيَ تصبُ لصالحُ الصينَ ، وبالتالي فأنَ الدعمَ الأمريكيَ للهندِ لكيْ تقفَ في وجهةِ الصعودِ الاقتصاديِ للصينِ هي نقطةٌ ضعيفةٌ الحدوثِ نسيبا ، وهذا نظراً إلى الفارقِ الكبيرِ بين كلاً من الاقتصادِ الهنديِ والاقتصادِ الصينيِ ،  فبالرغم منْ التعاونِ الكبيرِ والدعمِ الاقتصادي الذي تتلقاهُ الهندُ منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ الا انها لا تزال في طور الصعود الاقتصادي مما لا يؤهلها لمنافسة الاقتصاد الصيني.

كمأ انَ وجود العديدُ منْ العلاقاتِ الاقتصاديِة بينَ الهندِ والصينِ والمتمثلة في التبادلَ التجاريَ  يزيدُ في الآونةِ الأخيرةِ  وهو من شانه ان يمثل دافعاً لتخفيف التوتر بين الدولتين، حيثُ إنَ التعاونَ الاقتصاديَ يقللُ بشكلِ أوْ بآخرَ الصدام بينَ أيِ دولتينِ ، وبالتالي أنَ رغبةَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في أنْ تكونَ الهندُ هيَ حجرُ عثرةٍ أمامَ الصعودِ الصينيِ يستلزمُ قطع العلاقات الاقتصادية بينهما، الا ان كلاً من الهند والصين لم يظهروا بشكل او بأخر رغبتهم بذلك ، وبالتالي ان التعاونُ الاقتصاديُ بينَ الهندِ والصينِ يهددُ الهدفُ الأمريكيُ .

أنهُ على الرغمِ منْ الفارقِ الهائلِ في الاقتصادِ بينَ الهندِ والصينِ ، إلا أنَ الهندَ تعملُ على التطويرِ منْ اقتصادها، وهذا يضافُ لهُ الدعمُ الأمريكيُ ، وبالتالي إذا كانَ هناكَ توقفٌ في الصعودِ الصينيِ ، أوْ إذا لمْ تقمْ الصينُ بتطويرِ ودعم قدرتها الاقتصاديةِ محاولة إيجاد حلولاً لما تمر به من أزمات علي مستوي التنمية الاقتصادية، يمكنَ أنْ تصلَ الهندُ – بسببَ تطويرها – إلى درجةٍ أوْ مستوي تصبح بالفعلِ تهديدا على الصعودِ الاقتصاديِ للصينِ ، ولكنَ هذا على المدى البعيدِ ، ولكنْ في الوقتِ الحاليِ أنَ تهديدَ الهندِ للصعودِ الاقتصاديِ الصينيِ على الرغمِ منْ الدعمِ الأمريكيِ ما يزالُ ضعيفا نسبيا .

وعلى الرغمِ أنَ هناكَ العديدُ منْ الشركاتِ الأمريكيةِ التي انتقلتْ في الآونةِ الأخيرةِ إلى الهندِ، الا أنْ الشركاتِ الاقتصاديةِ الصينيةِ هيَ أقوى بشكلٍ ملحوظٍ منْ الشركاتِ الاقتصاديةِ للهند ، وبالتالي فعلى صعيدِ التنافسِ بينَ الشركاتِ الاقتصاديةِ بينَ في كلٍ منْ الهندِ والصينِ، أنَ الشركاتِ الصينيةَ تتفوقُ على الشركاتِ الهنديةِ ، وهذا على الرغمِ منْ الدعمِ الذي تتلقاهُ الهندُ منْ الشركاتِ الأمريكيةِ، ولكنْ أنَ بعضَ الشركاتِ الهنديةِ هيَ بعيدةٌ عنْ التفوقِ على الشركاتِ الصينيةِ .

فيما يتعلقُ بالنتائجِ العسكريةِ التي توصلتْ إليها الدارسةِ نجد ان:  الوقوفَ الهنديَ أمامَ الصعودِ العسكريِ الصينيِ هوَ أمرٌ ضعيفٌ نسبيا ، وهذا على الرغمِ منْ الدعمِ والتعاونِ العسكريِ بينَ الهندِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وهذا يمكنُ أنْ يرجعَ إلى عددٍ منْ الأسبابِ ، ومنها أنَ هناكَ تعاونا عسكريا كبيرا بينَ الصينِ وبينَ روسيا التي تعدُ ثاني أقوى جيشٍ في العالمِ بعدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، وهناكَ العديدُ منْ الاتفاقاتِ العسكريةِ بينهمْ ، هذا إضافةً إلى أنَ الصينَ منفردةٌ تطورَ ترسانتها العسكريةِ ، إضافةٌ إلى أنَ القطاعَ العسكريَ الصينيَ هوَ متطورٌ أكثرَ منْ القطاعِ العسكريِ الهنديِ ، وبالتالي أنَ فكرةً أنَ تنافسَ الهندِ الصعودُ العسكريُ الصينيُ هوَ أمرٌ بعيدٌ نسبيا .

في نفسِ الصددِ ، أنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ هيَ معروفةٌ أنَ تعاونها العسكريَ معَ أيِ دولةٍ يحملُ العديدُ والعديدُ منْ الشروطِ التي يمكنُ منْ خلالها أنْ تمولَ الولاياتُ المتحدةُ تلكَ الدولةِ بالأسلحةِ المتطورةِ ، وبالتالي أنَ الدعمَ العسكريَ الأمريكيَ إلى الهندِ سوفَ يكونُ فيهِ العديدُ منْ العقباتِ ، على الجانبِ الآخرِ أنَ التعاونَ العسكريَ بينَ الصينِ وروسيا هوَ أيسرُ منْ ذلكَ ، خاصةٌ أنَ روسيا ليستْ شروطها قاسيةٌ لتمويلِ الدولِ بالأسلحةِ ، وهذا سوفَ يكونُ أيسرَ إذا كانَ المتعاونُ معهُ هيَ الصينُ ، وبالتالي أنَ الدعمَ العسكريَ الأمريكيَ للهندِ لنْ يكونَ هوَ الطريقُ لكيْ تكونَ الهندُ هيَ العقبةُ للوقوفِ في طريقِ الصعودِ الصينيِ إلى قمةِ النظامِ الدوليِ .

منْ بينِ النقاطِ التي تمَ التوصلُ إليها أيضا في الجانبِ العسكريِ ، هيَ أنَ الهندَ نفسها تدركُ الحجمَ العسكريَ الكبيرَ للصينِ ، وتدركَ أيضا أنَ الصينَ هيَ دولةٌ نوويةٌ بالإضافةِ إلى نفسها بالطبعِ ، وبالتالي هيَ تتجنبُ الصدامَ العسكريَ المباشرَ بينها وبينَ الصينِ ، وهذا قدْ ظهرَ جليا في النزاعاتِ الحدوديةِ بينَ الصينِ والهندِ ، حيثُ لمْ يتمْ إطلاقُ التيارينِ في تلكَ النزاعاتِ ، وبالتالي أنَ تلكَ النوايا والأهدافِ التي توجدُ لدى الهندِ هيَ معارضةٌ للنوايا الأمريكيِ التي تريدُ منْ خلالها الهندُ أنْ تقفَ أمامَ الصعودِ الصينيِ .

على نفسِ طريقَ السيرِ في دربِ أهدافِ ونوايا الدولِ، أنَ الهندَ لا تريدُ أنْ تهيمنَ عسكريا على إقليمِ جنوبَ شرقِ آسيا، لعلمها أنَ الصينَ والولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ يتنافسانِ على الهيمنةِ عليهِ، ولكنْ على الجانبِ الآخرِ أنها تريدُ أنْ تزيدَ منْ الهيمنةِ العسكريةِ على إقليمِ جنوبَ آسيا، حيثُ إنَ هناكَ العديدُ منْ التدخلاتِ العسكريةِ منْ الهندِ في تلكَ الدولِ، وبالتالي أنَ الأهدافَ الأمريكيَ في مواجهةِ الهندِ للصعودِ الصينيِ يتعارضُ معَ أهدافِ الهندِ نفسها.

بالنسبةِ للنتائجِ الدبلوماسيةِ التي توصلتْ إليها تلكَ الدراسةِ ، هيَ أنَ هناكَ دعما كبيرا منْ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ على الصعيدِ الدبلوماسيِ ، وهذا منْ أجلِ الوقوفِ في وجهةِ الصعودِ الصينيِ إلى قمةِ النظامِ الدوليِ ، وهذا يظهرُ جليا في التفاعلِ بينهمْ في المنظماتِ المختلفةِ ، ولكنْ على الرغمِ منْ ذلكَ أنَ الصينَ تعلمُ أنَ هناكَ تحالفاتٌ بينَ الهندِ وبينَ الولاياتِ المتحدةِ ، وبالتالي هيَ أيضا تسيرُ في مواجهةِ هذهِ التحالفاتِ ، منْ خلالِ وجودِ تحالفاتٍ مضادةٍ ، حيثُ إنها تعملُ على تقويةِ موقفها منْ خلالِ العديدِ منْ التحالفاتِ معَ دولِ عدةٍ في الإقليمِ وفي العالمِ ، وهذا ليسَ فقدا لمواجهةِ العقبةِ الهنديةِ في طريقها ، ولكنْ لمواجهةِ نفوذِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ نفسها ، وبالتالي على الرغمِ منْ أنَ الهندَ يمكنُ أنْ تكونَ عائقا أمامَ صعودها منْ خلالِ التحالفاتِ بينها وبينَ الولاياتِ المتحدةِ ، ولكنَ هناكَ أيضا تزايد في قوةِ الصينِ منْ خلالِ التحالفِ التي توجدها الصينُ .

عليَ الخطى الدبلوماسيةُ، توصلتْ تلكَ الدارسةِ إلى أنهُ على الرغمِ منْ رغبةِ الولاياتِ المتحدةِ منْ الدفعِ بالهندِ كعقبةٍ أمامَ الصعودِ الصينيِ، ومنْ أشكالها الجانبَ الدبلوماسيَ، ولكنْ أنْ التواجدَ بينَ الهندِ والصينِ في عددٍ منْ التحالفاتِ والمنظماتِ ما يزالُ حاضرا، حيثُ إنَ الهندَ والصينَ هناكَ نوعا ما شكلَ منْ تعاونٍ فيما بينهما على الجانبِ الدبلوماسيِ، وبالتالي هذا يمكنُ أنْ يكونَ منْ التحدياتِ التي تواجهُ النوايا والأهدافُ الأمريكيُ تجاهَ الهندِ.

وإجمالاً لما سبقَ، أنَ السياسةَ الخارجيةَ الأمريكيةَ تجاهَ الهندِ في جعلها عقبةً أمامَ الصعودِ الصينيِ كقوةٍ عظمى ما يزالُ بعيد المنالِ، ولكنْ على الجانبِ الآخرِ هوَ منْ الممكنِ أنْ يؤثرَ بشكلِ أوْ بآخرَ على العلاقاتِ الهنديةِ – الصينيةِ، ولكنْ فيما يتعلقُ بكونهِ يمكن أنْ يكونَ سلاحا أوْ حجرِ عثرةٍ أمامَ تحليقِ الطائرةِ الهنديةِ في سماءِ النظامِ الدوليِ فهوَ أمرُ ما يزالُ حدوثهُ بعيدا.

الرؤية المستقبلية:

بناء على ما تمَ تحليلهُ وعرضهُ والتوصلُ إليهِ، يمكنَ أنْ يتمَ استشرافُ بعضِ السيناريوهاتِ التي يمكنُ أنْ تحدث مستقبلاً، والتي تتمثل في خمس سيناريوهاتٍ رئيسيةٍ كالتالي:

السيناريو الأولُ:  يتخلصَ في الإدراكِ منْ الإدارةِ الأمريكيةِ أنَ الهندَ على الرغمِ منْ كافةِ القدراتِ التي تحملها ، وعلى الرغمِ منْ الثقلِ التي تحتوي عليهِ تلكَ الدولةِ ، ولكنها بعيدةٌ عنْ الوقوفِ أمامَ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تقومَ الإدارةُ الأمريكيُ في التخلي عنْ الدعمِ الذي يتمُ الهدفُ منهُ لجعلِ الهندِ قوةً تواجهُ الصينُ ، ويتمَ الاكتفاءُ بجعلِ العلاقاتِ معَ الهندِ هيَ علاقاتٌ بسيطةٌ أوْ عاديةٍ كأيَ دولةً أخرى ، نظرا لأنَ الهدفَ المأمولَ منْ الهندِ هوَ هدفٌ بعيدٌ المنالِ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تتخليْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ عنهُ .

السيناريو الثاني: يتلخصُ في أنَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ تسيرُ على نفسِ خطواتها لجعلِ الهندِ هيَ القوةُ التي تقفُ أمامَ الصعودِ الصينيِ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تعملَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ على زيادةِ الدعمِ الأمريكيِ للهندِ بشكلٍ مكثفٍ أكثرَ منْ المعتادِ أوْ منْ الواقع في الوقتِ المعاصرِ، مما يجعلُ هدفَ جعلِ الهندِ القوةِ التي تقفُ أمام الصينُ قريبًا بدلاً منْ كونهِ هدفًا بعيد المنالِ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تزيدَ الإدارةُ الأمريكيةُ الدعمَ على كافةِ المجالاتِ والأصعدةِ لكيْ تؤهلَ الهندُ أنْ تكونَ العقبةُ أمامَ الصعودِ الصينيِ لقمةِ النظامِ الدوليِ.

السيناريو الثالثُ: يمكنُ تلخيصهُ في أنْ يستمرَ الوضعُ كما هوَ عليهِ، في أنْ يكونَ الدعمُ الأمريكيُ للهندِ معتدل، ليسَ هوَ المؤهلُ لجعلها القوةَ المواجهةَ للصعودِ الصينيِ، ولا هوَ دعمٌ بسيطٌ أوْ عاديٍ كأيَ دولةً نظرا لأنَ منطقةَ جنوبَ شرقِ آسيا وجنوبِ آسيا هامينِ بالنسبةِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، وبالتالي يستمرُ الوضعُ كما هوَ عليهِ.

السيناريو الرابعُ: يتمثل في امكانيه تحقيق رغبة الولايات المتحدة الامريكية في دخول الهند في نزاع مسلح مع الصين، خاصة إذا توافر لدي الهند الدافع لذلك في خضم الخلافات بين الهند والصين في الإقليم، والذي من شأنه ان يعوق الصعود الصيني لأنه سيضيف عقبة امام هيمنة الصين على الإقليم مما من شانه ان يضعف مركزها عالمياً.

السيناريو الخامسُ: والذي يشير الي إمكانية تفادي الهند لحدوث صدامات بينها وبين الصين، والذي من شانه ان يعوق المساعي الامريكية في تحجيم هيمنة الصين على إقليم جنوب شرق اسيا. وذلك إذا اتجهت الهند الي تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما وبين الصين والعمل على حل الخلافات بينهما بالطرق السلمية كونهما دول جوار، وان أي نزاع مسلح يمكن ان يحدث لن يؤثر عليهما فقط وانما على امن واستقرار الوضع الأمني والاقتصادي للإقليم والذي يمر بمرحلة ازدهار حالياً، وان حدوث ذلك من شانه ان يعرقل عملية التنمية في كلاً البلدين.

منْ وجهةِ نظرِ الباحثينَ أنَ السيناريو الأكثرَ احتماليةً للحدوثِ هوَ السيناريو الثالثُ ، وهوَ أن يبقي الوضعُ كما هو، حيثُ إنَ الهندَ على الرغمِ منْ أنها قوةٌ صاعدةٌ ، وعلى الرغمِ منْ عددٍ المؤشراتِ التي ترجحُ تراجعَ القوةِ الأمريكيةِ ، إلا أنَ الهندَ ما زالتْ أمامها الكثيرَ لكيْ تقيدَ الصعودَ الصينيَ ، وبالتالي يمكنُ أنْ تلجأَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ لوسيلةٍ أخرى غيرِ الهندِ لكيْ تكبلَ بها الصعودُ الصينيُ، ولكنْ في كافةِ الأحوالِ الأيامِ المقبلةِ هيَ التي سوفَ تكشفُ أيَ السيناريوهاتِ أكثرَ احتماليةٍ في الحدوثِ ، لذا فلننتظرْ ونشاهد .

قائمة المراجع:

أولًا: المراجع باللغة العربية:

الكتب:

  1. إبراهيم أبو خزام، الحروب وتوازن القوي: دراسة شاملة لنظرية توازن القوي وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلم، (بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2009م).
  2. خليل إسماعيل الحديثي، الوسيط في التنظيم الدولي، (الموصل، مطبعة جامعة الموصل، ١٩٩١)، ص٣١.
  3. مايكل شيهان، توازن القوي: التاريخ والنظرية، (القاهرة مركز المحروسة للنشر والتوزيع، 2016).

الدوريات والمجلات العلمية:

  1. احمد مشعان نجم، توازن القوي الدولي وتوازن القوي الإقليمي: دراسة نظرية تحليلية، قضايا سياسية، ع 51، 27-8-2019.
  2. احمد يوسف محمد، تطور مفهوم وتطبيقات توازن القوي في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 220، ابريل 2020.
  3. بن ضيف الله بلقاسم، القوة الذكية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي المعاصر 2008- 2016 مقاربة نظرية للفهم، مجلة المستقبل العربي، العدد 438، 2019.
  4. سيف الهرمزي، مقتربات القوة الذكية كآلية من آليات التغيري الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية أنموذجا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نوفمبر 2016.
  5. شوقي عبد الكريم، التغيرات الإقليمية الجديدة وتأثيرها على التوازنات الدولية في الشرق الأوسط: دراسة في التحالف الروسي الاوكراني، مجلة دراسات لجامعة عمار ثلجي الاغواط، ع57، 2017.
  6. عربي لادمي محمد، السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم والتوجهات والمحددات، المركز الديموقراطي العربي، 27-12-2016.
  7. محمد شاعة، تطور حقل تحليل السياسة الخارجية: دراسة في الاعمال النموذجية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، ع7، 3-9-2017.
  8. مغاوري شلبي علي، “الصين والاقتصاد العالمي، مقومات القوة وعوائق الاندماج”، مجلة السياسة الدولية، ع 167، يناير 2007.
  9. مي سامي المرشد، استراتيجية القوة الناعمة في السياسة الخارجية – دراسة حالة الولايات المتحدة، مجلة العلوم السياسية والقانون، مارس 2022.
  10. وفاء لطفي، القوي الاسيوية الصاعدة في النظام الدولي: الهند نموذجاً، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ع1، يناير 2023.

الرسائل العلمية:

  1. عادل علي سليمان، مفهوم القوة في العلاقات الدولية 1991-2017، (رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الآداب والعلوم، 2018)، ص 20. https://meu.edu.jo/libraryTheses/5ca84ef6e8983_1.pdf
  2. علي فايز يوسف، توازن القوي واثرة في الشرق الأوسط بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003-2011، (رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2012)، ص 13. https://meu.edu.jo/libraryTheses/5867858879429_1.pdf
  3. محمد عصام خوجة، الاخطار التي تواجه توازن القوي الإقليمي في منطقة الخليج العربي من عام 1990م الي عام 2009م، (رسالة ماجستير، جامعة مؤتة، عمادة الدراسات العليا، 2010).

المصادر الالكترونية:

  1. نصف النمو العالمي في قبضة الصين والهند في عام 2023، سكاي نيوز عربية، 14-4-2023، متوفر علي، 28-4-2023. متوفر على https://tinyurl.com/yc56b446
  2. مجموعة البنك الدولي، الانفاق العسكري العالمي عام 2017، تاريخ الدخول 4-5-2023، متوافر على https://data.albankaldawli.org/indicator/MS.MIL.XPND.GD.ZS

ثانيًا: المراجع باللغة الإنجليزية:

Articles:

  1. Barbara Smith and Marti Flacks, How Supporting Democracy Benefits the U.S.-India Partnership, the carter center, 1-11-2022.
  2. Joshi, Y. (2015). Between ‘Concern’ and ‘Opportunity’: US Pivot to Asia and Foreign Policy Debate in India. Journal of Asian Security and International Affairs, 2(3), 314–337. https://www.jstor.org/stable/48602325
  3. Reddy, Prasada, 1997. “New trends in globalization of corporate R&D and implications for innovation capability in host countries: A survey from India,” World Development, Elsevier, vol. 25(11), pages 1821-1837, November.
  4. Relationship, Observer Research Foundation, No. 284, November 2020.
  5. Rup Narayan Das, India-China Defence Cooperation and Military Engagement, Journal of Defence Studies, Vol 4. No 4. October 2010.

Theses:

  1. Alec Kim, The US-Sino Trade War: The Bigger Picture, (MASTER, California State University Maritime Academy, 9 December 2019)>
  2. Benjamin T. Smart, ASIAN STATE RESPONSES TO CHINA’S SPACE POWER STRATEGY, (Master, University of South Carolina, Department of National Security Affair, June 2019).
  3. CHYI CHEN, Socialism with Chinese Characteristics in Deng Xiaoping Eraï¼Case Studies of Four Cardinal Principles and The Ideas of Speeches in Southern China, (Master, Sun Yat-sen University, 2017)
  4. Doraisamy Ashok Maharaj, Space for Development: US-Indian Space Relations 1955 -1976, (PhD thesis, The Academic Faculty, December 2011).
  5. GEORGIA LETITIA POLLOCK LEACH, Cyber Deterrence and US-Sino Cyber Relations, (Master, University Sydney, the Department of Security Studies and Criminology, January 2017).
  6. João Paulo Nicolini Gabriel, O lobby indo-americano no Congresso Americano e o Acordo Nuclear Civil de 2008, (mestrado, Universidade Estadual Paulist, Instituto de Políticas Públicas e Relações Internacionais, 2019).
  7. Jonathan Ward, “China-India Rivalry and the Border War of 1962: PRC Perspectives on the Collapse of China-India Relations, 1958-62, (PhD, University of Oxford, Somerville College, 2016).
  8. Joyita Bhattacharya, Elephant, Dragon and Crescent: Border Disputes and the Relationship Between India, China and Pakistan (1947-71), (Masters, McGill University, Department of History and Classical Studies, April 2022).
  9. Karthikeyan Thiagarajan, The Future of Indochina relations: Cooperation or Conflict? (Master, Florida State University, COLLEGE OF SOCIAL SCIENCES AND PUBLIC POLICY, 2016).
  10. Louise Michelle Merrington, Beyond the Protracted Contest: Redefining the Sino-Indian Relationship (PhD, Australian National University, October 2011).
  11. MAO LIN, SINO-AMERICAN RELATIONS AND THE DIPLOMACY OF MODERNIZATION: 1966-1979, (PhD, The University of Georgia, 2010).
  12. MD MASUD SARKER, US FOREIGN POLICY TOWARD INDIA AFTER 9/11, (PhD thesis, A University of Sussex, MAY 2016).
  13. Oliver Grünbacher, The North Korean Security Dilemma in Sino-US Relations, (MASTER, University of Vienna, 2018), p2, p54.
  14. Randall L. Schweller, The Balance of Power in World Politics, Oxford University Press ,26-6-2016,
  15. SEOKBAE LEE, CONSTRUCTION OF CHINA AND INDIA’S NATIONAL INTERESTS: THE TIBET QUESTION, (PhD, the University of Westminster, September 2016).
  16. Seth Cropsey, the rebalance to Asia: what is its security aims and what is required of U.S policy, Hudson institute, June 2014,
  17. Stephen Westcott, The Intractable Sino-Indian Border Dispute: A Theoretical and Historical Account, (PhD, thesis, Murdoch University, 2017).
  18. Tanvi Madan, With an Eye to the East: The China Factor and The U.S.-India Relationship, 1949-1979, (PhD, The University of Texas at Austin, May 2012).
  19. THI HAI YEN NGUYEN, SINO-AMERICAN INTERACTIONS IN SOUTHEAST ASIA 1991-2015: IMPLICATIONS FOR VIETNAM, (PhD, University of Wollongong, 2015) p4, p264.
  20. Zachary E. Pickens, Hegemonic Ideas and Indian Foreign Policy to the United States: Changes in Indian Expectations and Worldviews, (Master, faculty of the College of Arts and Sciences, Ohio University, November 2007).
  21. Randall L. Schweller, The Balance of Power in World Politics, Oxford University Press ,26-6-2016, p2-3.

Internet:

  1. AIJAZ AHMAD, India in the politics of the 20th century, frontline india’s national magazine, Mar 03, 2001, https://frontline.thehindu.com/the-nation/article30249985.ece
  2. Albert, Melissa. “Xi Jinping”. Encyclopedia Britannica, 14 Nov. 2022, https://www.britannica.com/biography/Xi-Jinping. Accessed 28 January 2023.
  3. Ali, Samran, India in its Neighborhood: Hegemonic Behavior?, research gate, 2020, https://www.researchgate.net/publication/340807614_India_in_its_Neighborhood_Hegemonic_Behavior
  4. ANTONY J. BLINKEN, Secretary Antony J. Blinken, Secretary of Defense Lloyd J. Austin III, Indian Minister of External Affairs Dr. S. Jaishankar, and Indian Minister of Defense Rajnath Singh at a Joint Press Availability, U.S. DEPARTMENT OF STATE, APRIL 11, 2022, Available at https://tinyurl.com/2ywxt5c9  , 22-4-2023.
  5. APARNA PANDE, US wants India to stand up to China. It can do that only with American aid and tech support, THE PRINT, 18 May 2020, https://tinyurl.com/3wd3v7tn
  6. Arif rafiq, what is Hindutva? globely news, September 27, 2019, https://globelynews.com/south-asia/what-is-hindutva/
  7. Army Exercise Between China and India, unacademy, 2023, https://unacademy.com/content/upsc/study-material/army-exercise/hand-in-hand-army-exercise-between-china-and-india/
  8. Brad Lendon, US and India to boost defense and technology cooperation as China threat grows, CNN, 1-4-2023, Available at https://edition.cnn.com/2023/02/01/asia/us-india-defense-technology-cooperation-intl-hnk/index.html , 22-4-2023.
  9. Carla Freeman, Daniel Markey, Vikram J. Singh, A Closer Look at Biden’s Indo-Pacific Strategy, The United States Institute of Peace, Monday, March 7, 2022, https://www.usip.org/publications/2022/03/closer-look-bidens-indo-pacific-strategy
  10. China And India: Partners and Rivals, USC US-China Institute, April 18, 2022, https://china.usc.edu/china-and-india-partners-and-rivals
  11. China in the 20th Century, King’s College History Department, Spring 2000, https://departments.kings.edu/history/20c/china.html#Overview
  12. China in the 20th Century, King’s College History Department, Spring 2000, https://departments.kings.edu/history/20c/china.html#Overview
  13. China will increase its military budget for 2018 by 8.1 percent, France 24, 5-3-2018, https://tinyurl.com/2ze6b9x7 , 4-5-2023.
  14. Comparison of United States and China Military Strengths (2023), GFP, 2023, Available at https://www.globalfirepower.com/countries-comparison-detail.php?country1=united-states-of-america&country2=china , 4-5-2023.
  15. Danner, LK, Martín, FE. China’s hegemonic intentions and trajectory: Will it opt for benevolent, coercive, or Dutch-style hegemony? Asia Pac Policy Stud. 2019; 6: 186– 207. https://doi.org/10.1002/app5.273
  16. Defining our relationship with India for the next century: An address by U.S. secretary of state Rex Tillerson, CSIS, October 18 ,2017. https://www.csis.org/analysis/defining-our-relationship-india-next-century-address-us-secretary-state-rex-tillerson
  17. (2022, February 25). China and India: Comparison of Political Systems. Retrieved from https://demoessays.com/china-and-india-comparison-of-political-systems /
  18. Diego A. Cerdeiro and Sonali Jain-Chandra, China’s Economy is Rebounding, But Reforms Are Still Needed, IMF, 3-2-2023, https://www.imf.org/en/News/Articles/2023/02/02/cf-chinas-economy-is-rebounding-but-reforms-are-still-needed
  19. D’Souza, Shanthie Mariet. “Narendra Modi”. Encyclopedia Britannica, 26 Jan. 2023, https://www.britannica.com/biography/Narendra-Modi . Accessed 28 January 2023.
  20. Economic Survey 2022-23, Government of India/ Ministry of Finance, January 2023. https://www.indiabudget.gov.in/economicsurvey/doc/echapter .pdf
  21. Eleanor Albert, China’s Big Bet on Soft Power, council on foreign relations, 9-2-2018, Available at https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-big-bet-soft-power , 4-5-2023.
  22.   Hans J. Morgenthau, politics among nations: the struggle for power and peace, (Boston, McGraw-Hill Higher Education, 2006), p179. http://saldanha.pbworks.com/f/Morgenthau.Politics+Among+Nations.pdf
  23. Hindutva, boocah, 2016, https://hindutva.app/hindutva/
  24. India and China troops clash on Arunachal Pradesh Mountain border, BBC NEWS, 13 December 2022, https://www.bbc.com/news/world-asia-63953400
  25. India Economic Snapshot, OECD, 2022-2023, Available on https://www.oecd.org/economy/india-economic-snapshot/
  26. India elected non-permanent member of UN Security Council, the times of India, Jun 18, 2020, Available on https://timesofindia.indiatimes.com/india/india-elected-non-permanent-member-of-un-security-council/articleshow/76434802.cms , 28-4-2023.
  27. India elected non-permanent member of UN Security Council, the times of India, Jun 18, 2020, Available on https://tinyurl.com/ysawukaj , 28-4-2023.
  28. India, International Monetary Fund, WORLD ECONOMIC OUTLOOK (APRIL 2023), Available at https://www.imf.org/external/datamapper/profile/IND  , 2-5-2023.
  29. India-China border standoff highlights tensions before Xi visit, the Guardian, 18 September 2014, https://www.theguardian.com/world/2014/sep/16/india-china-border-standoff-xi-visit
  30. Indian army: 20 soldiers killed on Chinese border, Made for minds, 06/16/2020, https://www.dw.com/en/indian-army-20-soldiers-killed-in-clash-on-chinese-border/a-53823780
  31. India’s Economy to Grow by 6.4% in FY2023, Rise to 6.7% in FY2024, Asian Development Bank, 4-4-2023, https://www.adb.org/news/india-economy-grow-6-4-fy2023-rise-6-7-fy2024#:~:text=NEW%20DELHI%2C%20INDIA%20(4%20April,of%20government%20policies%20to%20improve
  32. Isabel Muttreja, Arzan Tarapore, India-China relations: Is the Quad the answer? Chatham House, 28 MARCH 2023, https://www.chathamhouse.org/2023/03/india-china-relations-quad-answer
  33. Alan Kronstadt, U.S.-India Trade Relations, congressional research service, 31-3-2023 https://crsreports.congress.gov/product/pdf/IF/IF10384
  34. LARRDIS, Impact of Russia-Ukraine War on Indian economy, PARLIAMENT LIBRARY AND REFERENCE, July 2022, https://parliamentlibraryindia.nic.in/lcwing/Impact%20of%20Russia-Ukraine%20war%20on%20Indian%20Economy.pdf  .
  35. Manjari Chatterjee Miller, The Quad, AUKUS, and India’s Dilemmas, CONCIL FORIGN RELATIONS, October 13, 2021, https://www.cfr.org/article/quad-aukus-and-indias-dilemmas
  36. Patrick Mendis and Leah Green, “Security for Sale: The Great Game of the U.S. – Indian Civil Nuclear Cooperation Treaty and its Implications for China and Pakistan,” The SAIS European Journal (Johns Hopkins University), April 2, 2012, https://sais-journal.herokuapp.com/posts/security-for-sale .
  37. Patrick Mendis, Antonina Luszczykiewicz, Test of Endurance: Why America Will Stand by India, THE NATIONAL INTEREST, February 28, 2021, https://nationalinterest.org/feature/test-endurance-why-america-will-stand-india-178833
  38. policycommons Prithvi Iyer, Understanding the Indian Public Opinion-Foreign Policy https://policycommons.net/artifacts/1424484/understanding-the-indian-public-opinion-foreign-policy-relationship/2038757/
  39. Rachel Kleinfeld, Five Strategies to Support U.S. Democracy, Carnegie endowment for international peace, 15-9-2022. https://tinyurl.com/yc3t6fm2
  40. RAJESH TRICHUR VENKITESWARAN, China-India Trade Ties Grow Stronger, Global Finance, MAY 09, 2022, https://www.gfmag.com/magazine/may-2022/china-india-trade-ties-grow-stronger
  41. Remarks by Vice President Joe Biden on the U.S.-India Partnership at the Bombay Stock Exchange, The White House, Office of the Vice President, July 24, 2013, Available at https://tinyurl.com/472emsnr , 28-4-2023.
  42. Remarks by Vice President Joe Biden on the U.S.-India Partnership at the Bombay Stock Exchange, The White House, Office of the Vice President, July 24, 2013, Available at https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2013/07/24/remarks-vice-president-joe-biden-us-india-partnership-bombay-stock-excha , 28,4,2023.
  43. Shivaji Kumar, How Obama Revived U.S.-Indian Relations, the national interest, 6-6-2016. https://nationalinterest.org/feature/how-obama-revived-us-indian-relations-16473
  44. South China Sea – 2014 Developments, global security, 2014, Date of entry: 28/1/2023, https://www.globalsecurity.org/military/world/war/south-china-sea-2014.htm
  45. Srikanth Kondapalli, India-China Economic and Trade Relations, CHITAN, November 24, 2020, https://chintan.indiafoundation.in/articles/india-china-economic-and-trade-relations /
  46. STATISTICAL COMMUNIQUE OF THE PEOPLE’S REPUBLIC OF CHINA ON THE 2017 NATIONAL ECONOMIC AND SOCIAL DEVELOPMENT, National Bureau of Statistics of China, 28-2-2018, Available at http://www.stats.gov.cn/english/pressrelease/201802/t20180228_1585666.html , 4-5-2023  .
  47. Tanvi Madan, Democracy and the US-India relationship, Brookings, January 22, 2021. https://www.brookings.edu/articles/democracy-and-the-us-india-relationship/
  48. Tanvi Madan, Democracy and the US-India relationship, Brookings, 22-1-2021, Available at https://tinyurl.com/2p8yjx28 , 24-4-2023,
  49. The world’s 10 biggest economies in 2017, world economic forum, 9-3-2017, Available at https://www.weforum.org/agenda/2017/03/worlds-biggest-economies-in-2017/ , 4-5-2023.
  50. S. History Primary Source Timeline, library of congress, 2017, https://tinyurl.com/28m7cdzz
  51. S. India relations, council on foreign relations, Available at https://www.cfr.org/timeline/us-india-relations, 22-4-2023
  52. S. India relations, council on foreign relations, Available at https://www.cfr.org/timeline/us-india-relations , 22-4-2023.
  53. S. Security Cooperation with India, U.S. DEPARTMENT OF STATE, JANUARY 20, 2021. Available https://tinyurl.com/yhvw4pz2 . 22-4-2023
  54. S.-India Joint Statement, The White House, Office of the Press Secretary, 30-9-2014, Available at https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2014/09/30/us-India-joint-statement  , 22-4-2023.
  55. US | India Defense Technology and Trade Initiative (DTTI), Director, International Cooperation, https://www.acq.osd.mil/ic/dtti.html#:~:text=While%20DTTI%20is%20not%20a,defense%20systems%20for%20sustainment%20and
  56. US Relations with India, U.S. department of state, July 18, 2022. https://www-state-gov.translate.goog/u-s-relations-with-india/?_x_tr_sl=ar&_x_tr_tl=en&_x_tr_hl=en&_x_tr_pto=wapp
  57. Vallery, The Impact of Multinational Companies Leaving China, China Merchants Holdings, SEPTEMBER 25, 2022, https://www.cmhi.com.hk/the-impact-of-multinational-companies-leaving-china/
  58. Vikram J. Singh, Spurred by China Rivalry, U.S., India Deepen Strategic Ties, The United States Institute of Peace, Wednesday, December 9, 2020, https://www.usip.org/publications/2020/12/spurred-china-rivalry-us-india-deepen-strategic-ties /
  59. What is the Quad, and how did it come about?, THE GURDIAN, 22-5-2022, https://www.theguardian.com/world/2022/may/24/what-is-the-quad-and-how-did-it-come-about
  60. What’s behind the India-China border stand-off? BBC NEWS, 5 July 2017, https://www.bbc.com/news/world-asia-40478813
  61. World Investment Report 2019, UNCTAD, 15-3-2019, https://unctad.org/system/files/official-document/WIR2019_CH2 .pdf.
  62. Zerine Tanzim and Fatema-Tuj-Juhra. (2021). SOFT POWER STRATEGY OF CHINA IN 21ST CENTURY: STRENGTHS AND WEAKNESSES. https://doi.org/10.5281/zenodo.5203093

ثالثًا: المراجع باللغة الصينية:

中國特色社會主義, 百度, (2022-07-01), https://tinyurl.com/5xbkynjp

[1] U.S. History Primary Source Timeline, library of congress, 2017, https://www.loc.gov/classroom-materials/united-states-history-primary-source-timeline/post-war-united-states-1945-1968/overview/

[2] China in the 20th Century, King’s College History Department, Spring 2000, https://departments.kings.edu/history/20c/china.html#Overview

[3] AIJAZ AHMAD, India in the politics of the 20th century, frontline india’s national magazine, Mar 03, 2001, https://frontline.thehindu.com/the-nation/article30249985.ece

[4] D’Souza, Shanthie Mariet. “Narendra Modi”. Encyclopedia Britannica, 26 Jan. 2023, https://www.britannica.com/biography/Narendra-Modi . Accessed 28 January 2023.

[5] South China Sea – 2014 Developments, global security, 2014, Date of entry: 28/1/2023, https://www.globalsecurity.org/military/world/war/south-china-sea-2014.htm

[6] Albert, Melissa. “Xi Jinping”. Encyclopedia Britannica, 14 Nov. 2022, https://www.britannica.com/biography/Xi-Jinping.  Accessed 28 January 2023.

[7] MD MASUD SARKER, US FOREIGN POLICY TOWARD INDIA AFTER 9/11, (PhD thesis, A University of Sussex, MAY 2016).

[8] Zachary E. Pickens, Hegemonic Ideas and Indian Foreign Policy to the United States: Changes in Indian Expectations and Worldviews, (Master, faculty of the College of Arts and Sciences, Ohio University, November 2007).

[9] Doraisamy Ashok Maharaj, Space for Development: US-Indian Space Relations 1955 -1976, (PhD thesis, The Academic Faculty, December 2011) p8, p203.

[10] João Paulo Nicolini Gabriel, O lobby indo-americano no Congresso Americano e o Acordo Nuclear Civil de 2008, (mestrado, Universidade Estadual Paulist, Instituto de Políticas Públicas e Relações Internacionais, 2019).

[11] Tanvi Madan, With an Eye to the East: The China Factor and The U.S.-India Relationship, 1949-1979, (PhD, The University of Texas at Austin, May 2012).

[12] Benjamin T. Smart, ASIAN STATE RESPONSES TO CHINA’S SPACE POWER STRATEGY, (Master, University of South Carolina, Department of National Security Affair, June 2019).

[13] Joyita Bhattacharya, Elephant, Dragon and Crescent: Border Disputes and the Relationship Between India, China and Pakistan (1947-71),( Masters, McGill University, Department of History and Classical Studies, April, 2022).

[14] Louise Michelle Merrington, Beyond the Protracted Contest: Redefining the Sino-Indian Relationship (PhD, Australian National University, October 2011).

[15] SEOKBAE LEE, CONSTRUCTION OF CHINA AND INDIA’S NATIONAL INTERESTS: THE TIBET QUESTION, (PhD, the University of Westminster, September 2016).

[16] Karthikeyan Thiagarajan, The Future of Indo-China Relations: Cooperation or Conflict? (Master, Florida State University, COLLEGE OF SOCIAL SCIENCES AND PUBLIC POLICY, 2016).

[17] Jonathan Ward, “China-India Rivalry and the Border War of 1962: PRC Perspectives on the Collapse of China-India Relations, 1958-62, (PhD, University of Oxford, Somerville College, 2016).

[18] GEORGIA LETITIA POLLOCK LEACH, Cyber Deterrence and US-Sino Cyber Relations, (Master, University Sydney, the Department of Security Studies and Criminology, January 2017).

[19] Oliver Grünbacher, The North Korean Security Dilemma in Sino-US Relations, (MASTER, University of Vienna, 2018).

[20] MAO LIN, SINO-AMERICAN RELATIONS AND THE DIPLOMACY OF MODERNIZATION: 1966-1979, (PhD, The University of Georgia, 2010).

[21] THI HAI YEN NGUYEN, SINO-AMERICAN INTERACTIONS IN SOUTHEAST ASIA 1991-2015: IMPLICATIONS FOR VIETNAM, (PhD, University of Wollongong, 2015).

[22] Alec Kim, The US-Sino Trade War: The Bigger Picture, (MASTER, California State University Maritime Academy, 9 December 2019).

[23] احمد مشعان نجم، توازن القوي الدولي وتوازن القوي الإقليمي: دراسة نظرية تحليلية، قضايا سياسية، ع 51، 27-8-2019، ص 161.

https://www.iasj.net/iasj/article/167479

[24] Randall L. Schweller, The Balance of Power in World Politics, Oxford University Press ,26-6-2016, p2-3.

[25] احمد يوسف محمد، تطور مفهوم وتطبيقات توازن القوي في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 220، ابريل 2020، ص 15.

[26] شوقي عبد الكريم، التغيرات الإقليمية الجديدة وتأثيرها على التوازنات الدولية في الشرق الأوسط: دراسة في التحالف الروسي الاوكراني، مجلة دراسات لجامعة عمار ثلجي الاغواط، ع57، 2017، ص 185.

[27] مايكل شيهان، توازن القوي: التاريخ والنظرية، (القاهرة مركز المحروسة للنشر والتوزيع، 2016)، ص12-14.

[28] المرجع السابق، ص22.

[29]   Hans J. Morgenthau, politics among nations: the struggle for power and peace, (Boston, McGraw-Hill Higher Education, 2006), p179. http://saldanha.pbworks.com/f/Morgenthau.Politics+Among+Nations.pdf

[30] خليل إسماعيل الحديثي، الوسيط في التنظيم الدولي، (الموصل، مطبعة جامعة الموصل، ١٩٩١)، ص٣١.

[31] علي فايز يوسف، توازن القوي واثرة في الشرق الأوسط بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003-2011، (رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2012)، ص 13. https://meu.edu.jo/libraryTheses/5867858879429_1.pdf

[32] المرجع السابق، ص 13.

[33] علي فايز يوسف، مرجع سبق ذكره، ص 15.

[34] إبراهيم أبو خزام، الحروب وتوازن القوي: دراسة شاملة لنظرية توازن القوي وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلم، (بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2009م)، ص50.

[35] عربي لادمي محمد، السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم والتوجهات والمحددات، المركز الديموقراطي العربي، 27-12-2016

[36] محمد عصام خوجة، الاخطار التي تواجه توازن القوي الإقليمي في منطقة الخليج العربي من عام 1990م الي عام 2009م، (رسالة ماجستير، جامعة مؤتة، عمادة الدراسات العليا، 2010)، ص 9.

[37] المرجع السابق، ص 9.

[38] محمد عصام خوجة، مرجع سبق ذكره، ص 17.

[39] احمد مشعان نجم، مرجع سبق ذكره، ص 167-169.

[40] عادل علي سليمان، مفهوم القوة في العلاقات الدولية 1991-2017، (رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الآداب والعلوم، 2018)، ص 20. https://meu.edu.jo/libraryTheses/5ca84ef6e8983_1.pdf

[41]   محمد شاعة، تطور حقل تحليل السياسة الخارجية: دراسة في الاعمال النموذجية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، ع7، 3-9-2017، ص292. https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/457/2/3/80435

[42] Seth Cropsey, the rebalance to Asia: what is its security aims and what is required of U.S policy, Hudson institute, June 2014, p 2-3.

[43] Yogesh Joshi, Between ‘Concern’ and ‘Opportunity’: US pivot to Asia and foreign policy debate in India, Jstor, December 2015, p1.

[44] وفاء لطفي، القوي الاسيوية الصاعدة في النظام الدولي: الهند نموذجاً، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ع1، يناير 2023، ص 241.

 

[45] U.S.-India Joint Statement, The White House, Office of the Press Secretary, 30-9-2014, Available at https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2014/09/30/us-India-joint-statement , 22-4-2023.

[46] Defining our relationship with India for the next century: An address by U.S. secretary of state Rex Tillerson, CSIS, October 18 ,2017.

[47] India, International Monetary Fund, WORLD ECONOMIC OUTLOOK (APRIL 2023), Available at https://www.imf.org/external/datamapper/profile/IND , 2-5-2023.

[48] نصف النمو العالمي في قبضة الصين والهند في عام 2023، سكاي نيوز عربية، 14-4-2023، متوفر علي https://2u.pw/Rj5Myw  ، 28-4-2023.

[49] India’s Economy to Grow by 6.4% in FY2023, Rise to 6.7% in FY2024, Asian Development Bank, 4-4-2023, https://www.adb.org/news/india-economy-grow-6-4-fy2023-rise-6-7-fy2024#:~:text=NEW%20DELHI%2C%20INDIA%20(4%20April,of%20government%20policies%20to%20improve

[50] India Economic Snapshot, OECD, 2022-2023, Available on https://www.oecd.org/economy/india-economic-snapshot/

[51] Diego A. Cerdeiro and Sonali Jain-Chandra, China’s Economy is Rebounding, But Reforms Are Still Needed, IMF, 3-2-2023,  https://www.imf.org/en/News/Articles/2023/02/02/cf-chinas-economy-is-rebounding-but-reforms-are-still-needed .

[52] Barbara Smith and Marti Flacks, How Supporting Democracy Benefits the U.S.-India Partnership, the carter center, 1-11-2022.

[53] المرجع السابق، ص 2.

[54] Remarks by Vice President Joe Biden on the U.S.-India Partnership at the Bombay Stock Exchange, The White House, Office of the Vice President, July 24, 2013, Available at https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2013/07/24/remarks-vice-president-joe-biden-us-india-partnership-bombay-stock-excha , 28-4-2023.

[55] Tanvi Madan, Democracy and the US-India relationship, Brookings, January 22, 2021.

[56] المرجع السابق.

[57] Remarks by Vice President Joe Biden on the U.S.-India Partnership at the Bombay Stock Exchange, The White House, Office of the Vice President, July 24, 2013, Available at https://obamawhitehouse.archives.gov/the-press-office/2013/07/24/remarks-vice-president-joe-biden-us-india-partnership-bombay-stock-excha , 28,4,2023.

[58] India elected non-permanent member of UN Security Council, the times of India, Jun 18, 2020, Available on https://timesofindia.indiatimes.com/india/india-elected-non-permanent-member-of-un-security-council/articleshow/76434802.cms , 28-4-2023.

[59] Tanvi Madan، مرجع سبق ذكرة.

[60] وفاء لطفي، مرجع سبق ذكره، ص 240.

[61] LARRDIS, Impact of Russia-Ukraine War on Indian economy, PARLIAMENT LIBRARY AND REFERENCE, July 2022, https://parliamentlibraryindia.nic.in/lcwing/Impact%20of%20Russia-Ukraine%20war%20on%20Indian%20Economy.pdf .

[62] Economic Survey 2022-23, Government of India/ Ministry of Finance, January 2023. https://www.indiabudget.gov.in/economicsurvey/doc/echapter.pdf

[63] US | India Defense Technology and Trade Initiative (DTTI), Director, International Cooperation, https://www.acq.osd.mil/ic/dtti.html#:~:text=While%20DTTI%20is%20not%20a,defense%20systems%20for%20sustainment%20and

[64] India elected non-permanent member of UN Security Council, the times of India, Jun 18, 2020, Available on https://timesofindia.indiatimes.com/india/india-elected-non-permanent-member-of-un-security-council/articleshow/76434802.cms , 28-4-2023

[65] المرجع السابق.

[66] المرجع السابق.

[67] المرجع السابق.

[68] مي سامي المرشد، استراتيجية القوة الناعمة في السياسة الخارجية – دراسة حالة الولايات المتحدة، مجلة العلوم السياسية والقانون، مارس 2022، ص 198-200.

[69] سيف الهرمزي، مقتربات القوة الذكية كآلية من آليات التغيري الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية أنموذجا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نوفمبر 2016، ص 406-411.

[70] U.S. India relations, council on foreign relations, Available at https://www.cfr.org/timeline/us-india-relations , 22-4-2023

[71] المرجع السابق.

[72] Shivaji Kumar, How Obama Revived U.S.-Indian Relations, the national interest, 6-6-2016. https://nationalinterest.org/feature/how-obama-revived-us-indian-relations-16473

[73] U.S. India relations, council on foreign relations, Available at https://www.cfr.org/timeline/us-india-relations , 22-4-2023.

[74] US Relations with India, U.S. department of state, July 18, 2022. https://www-state-gov.translate.goog/u-s-relations-with-india/?_x_tr_sl=ar&_x_tr_tl=en&_x_tr_hl=en&_x_tr_pto=wapp

[75] المرجع السابق.

[76] المرجع السابق.

[77] K. Alan Kronstadt, U.S.-India Trade Relations, congressional research service, 31-3-2023.

[78] U.S. Security Cooperation with India, U.S. DEPARTMENT OF STATE, JANUARY 20, 2021. Available at https://www.state.gov/u-s-security-cooperation-with-india/#:~:text=U.S.%2DIndia%20defense%20trade%20cooperation,(ISA)%20now%20in%20place.. 22-4-2023

[79] المرجع السابق.

[80] المرجع السابق.

[81] المرجع السابق.

[82] ANTONY J. BLINKEN, Secretary Antony J. Blinken, Secretary of Defense Lloyd J. Austin III, Indian Minister of External Affairs Dr. S. Jaishankar, and Indian Minister of Defense Rajnath Singh at a Joint Press Availability, U.S. DEPARTMENT OF STATE, APRIL 11, 2022, Available at   https://www.state.gov/secretary-antony-j-blinken-secretary-of-defense-lloyd-austin-indian-minister-of-external-affairs-dr-s-jaishankar-and-indian-minister-of-defense-rajnath-singh-at-a-joint-press-availability/ , 22-4-2023.

[83]  المرجع السابق.

[84] المرجع السابق.

[85] Brad Lendon, US and India to boost defense and technology cooperation as China threat grows, CNN, 1-4-2023, Available at https://edition.cnn.com/2023/02/01/asia/us-india-defense-technology-cooperation-intl-hnk/index.html , 22-4-2023.

[86] المرجع السابق.

[87] Tanvi Madan, Democracy and the US-India relationship, Brookings, 22-1-2021, Available at https://www-brookings-edu.translate.goog/articles/democracy-and-the-us-india-relationship/?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=en&_x_tr_pto=wapp , 24-4-2023,

[88] المرجع السابق.

[89] المرجع السابق.

[90] المرجع السابق.

[91] Rachel Kleinfeld, Five Strategies to Support U.S. Democracy, Carnegie endowment for international peace, 15-9-2022.

[92] Prithvi Iyer, Understanding the Indian Public Opinion-Foreign Policy

Relationship, Observer Research Foundation, No. 284, November 2020, p8-14.

[93]   Stephen Westcott, The Intractable Sino-Indian Border Dispute: A Theoretical and Historical Account, (PhD, thesis, Murdoch University, 2017)

[94] India-China border standoff highlights tensions before Xi visit, the Guardian, 18 September 2014, https://www.theguardian.com/world/2014/sep/16/india-china-border-standoff-xi-visit

[95] What’s behind the India-China border stand-off? BBC NEWS, 5 July 2017, https://www.bbc.com/news/world-asia-40478813

[96] Indian army: 20 soldiers killed on Chinese border, Made for minds, 06/16/2020, https://www.dw.com/en/indian-army-20-soldiers-killed-in-clash-on-chinese-border/a-53823780

[97] India and China troops clash on Arunachal Pradesh Mountain border, BBC NEWS, 13 December 2022, https://www.bbc.com/news/world-asia-63953400

[98]   Danner, LK, Martín, FE. China’s hegemonic intentions and trajectory: Will it opt for benevolent, coercive, or Dutch-style hegemony? Asia Pac Policy Stud. 2019; 6: 186– 207. https://doi.org/10.1002/app5.273

[99] المرجع نفسه

[100] المرجع نفسه

[101]   Ali, Samran, India in its Neighborhood: Hegemonic Behavior?, research gate, 2020, https://www.researchgate.net/publication/340807614_India_in_its_Neighborhood_Hegemonic_Behavior

[102] المرجع نفسه

[103]   DemoEssays. (2022, February 25). China and India: Comparison of Political Systems. Retrieved from https://demoessays.com/china-and-india-comparison-of-political-systems/

[104] المرجع نفسه

[105] المرجع نفسه

[106] CHYI CHEN, Socialism with Chinese Characteristics in Deng Xiaoping Eraï¼Case Studies of Four Cardinal Principles and The Ideas of Speeches in Southern China, (Master, Sun Yat-sen University, 2017)

[107] 中國特色社會主義, 百度, (2022-07-01), https://baike.baidu.hk/item/%E4%B8%AD%E5%9C%8B%E7%89%B9%E8%89%B2%E7%A4%BE%E6%9C%83%E4%B8%BB%E7%BE%A9/929612#3

[108] Arif rafiq, what is Hindutva? globely news, September 27, 2019, https://globelynews.com/south-asia/what-is-hindutva/

[109]   Hindutva, boocah, 2016, https://hindutva.app/hindutva/

[110]   Srikanth Kondapalli, India-China Economic and Trade Relations, CHITAN, November 24, 2020, https://chintan.indiafoundation.in/articles/india-china-economic-and-trade-relations/

[111] المرجع نفسه

[112] المرجع نفسه

[113] المرجع نفسه

[114] المرجع نفسه

[115] Rup Narayan Das, India-China Defence Cooperation and Military Engagement, Journal of Defence Studies, Vol 4. No 4. October 2010, p 1.

[116] Ref, p 2.

[117] Ref, p 3.

[118] Army Exercise Between China and India, unacademy, 2023, https://unacademy.com/content/upsc/study-material/army-exercise/hand-in-hand-army-exercise-between-china-and-india/

[119]   Reddy, Prasada, 1997. “New trends in globalization of corporate R&D and implications for innovation capability in host countries: A survey from India,” World Development, Elsevier, vol. 25(11), pages 1821-1837, November.

[120]   Vikram J. Singh, Spurred by China Rivalry, U.S., India Deepen Strategic Ties, The United States Institute of Peace, Wednesday, December 9, 2020, https://www.usip.org/publications/2020/12/spurred-china-rivalry-us-india-deepen-strategic-ties

[121] Carla Freeman, Daniel Markey, Vikram J. Singh, A Closer Look at Biden’s Indo-Pacific Strategy, The United States Institute of Peace, Monday, March 7, 2022, https://www.usip.org/publications/2022/03/closer-look-bidens-indo-pacific-strategy

[122]   Patrick Mendis and Leah Green, “Security for Sale: The Great Game of the U.S. – Indian Civil Nuclear Cooperation Treaty and its Implications for China and Pakistan,” The SAIS European Journal (Johns Hopkins University), April 2, 2012, https://sais-journal.herokuapp.com/posts/security-for-sale.

[123]   Patrick Mendis, Antonina Luszczykiewicz, Test of Endurance: Why America Will Stand by India, THE NATIONAL INTEREST, February 28, 2021, https://nationalinterest.org/feature/test-endurance-why-america-will-stand-india-178833

[124] المرجع نفسه

[125] APARNA PANDE, US wants India to stand up to China. It can do that only with American aid and tech support, THE PRINT, 18 May, 2020, https://theprint.in/opinion/us-wants-india-to-stand-up-to-china-it-can-do-that-only-with-american-aid-and-tech-support/422444/

[126] المرجع نفسه.

[127] Vallery, The Impact of Multinational Companies Leaving China, China Merchants Holdings, SEPTEMBER 25, 2022, https://www.cmhi.com.hk/the-impact-of-multinational-companies-leaving-china/

[128] مرجع سابق

[129]   China And India: Partners and Rivals, USC US-China Institute, April 18, 2022, https://china.usc.edu/china-and-india-partners-and-rivals

[130] RAJESH TRICHUR VENKITESWARAN, China-India Trade Ties Grow Stronger, Global Finance, MAY 09, 2022, https://www.gfmag.com/magazine/may-2022/china-india-trade-ties-grow-stronger

[131]   What is the Quad, and how did it come about?, THE GURDIAN, Tue 24 May 2022, https://www.theguardian.com/world/2022/may/24/what-is-the-quad-and-how-did-it-come-about

[132]   Isabel Muttreja, Arzan Tarapore, India-China relations: Is the Quad the answer? Chatham House, 28 MARCH 2023, https://www.chathamhouse.org/2023/03/india-china-relations-quad-answer

[133]   Manjari Chatterjee Miller, The Quad, AUKUS, and India’s Dilemmas, CONCIL FORIGN RELATIONS,  October 13, 2021, https://www.cfr.org/article/quad-aukus-and-indias-dilemmas

[134] مغاوري شلبي علي، “الصين والاقتصاد العالمي، مقومات القوة وعوائق الاندماج”، مجلة السياسة الدولية، ع 167، يناير 2007، ص 80-81.

[135] مغاوري شلبي علي، المرجع السابق، ص 80.

[136] STATISTICAL COMMUNIQUE OF THE PEOPLE’S REPUBLIC OF CHINA ON THE 2017 NATIONAL ECONOMIC AND SOCIAL DEVELOPMENT, National Bureau of Statistics of China, 28-2-2018, Available at http://www.stats.gov.cn/english/pressrelease/201802/t20180228_1585666.html , 4-5-2023.

[137] The world’s 10 biggest economies in 2017, world economic forum, 9-3-2017, Available at https://2u.pw/EaNSnx . , 4-5-2023 .

[138] World Investment Report 2019, UNCTAD, 15-3-2019, https://unctad.org/system/files/official-document/WIR2019_CH2.pdf .

[139] مجموعة البنك الدولي، الانفاق العسكري العالمي عام 2017، متوافر علي https://data.albankaldawli.org/indicator/MS.MIL.XPND.GD.ZS ، تاريخ الدخول 4-5-2023.

[140] China will increase its military budget for 2018 by 8.1 percent, France 24, 5-3-2018, https://2u.pw/EWANRu  , 4-5-2023.

[141] Comparison of United States and China Military Strengths (2023), GFP, 2023, Available at https://www.globalfirepower.com/countries-comparison-detail.php?country1=united-states-of-america&country2=china , 4-5-2023.

[142] Eleanor Albert, China’s Big Bet on Soft Power, council on foreign relations, 9-2-2018, Available at https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-big-bet-soft-power , 4-5-2023.

[143] المرجع السابق.

[144] Zerine Tanzim, SOFT POWER STRATEGY OF CHINA IN 21ST CENTURY: STRENGTHS AND WEAKNESSES, IJAR, 18-3-2021, p 460.

[145] المرجع السابق، ص 461.

4.2/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى