الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

ضـــربة أخري قــــاصــــمة لـــفــرنـــسا : بدء تداعي منطقة الــفــرنك الأفــريــقي

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أعلن رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني يوم الأحد 11 فبراير 2024 عن إمكانية إنشاء عملة مشتركة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو , وبحسب الجنرال عبد الرحمن تياني فإن إنشاء عملة مشتركة مع الثلاثة يعتبر “خطوة للخروج” من “الاستعمار” وكان يشير إلى الفرنك الأفريقي F cfa  وفرنسا القوة الاستعمارية السابقة وأضاف الجنرال عبد الرحمن تياني أن الدول الثلاث “لديها خبراء (نقديون) وسنقرر في الوقت المناسب” يعتقد رئيس المجلس العسكري في النيجر أيضًا أن “العملة هي علامة على السيادة” وأن دول AES “منخرطة في عملية استعادة سيادتها الكاملة”وأكد أنه ” لم يعد هناك أي شك في أن دولنا بقرة فرنسا النقدية الحلوب” , هناك قدر من الجدية في نية الدول الثلاثة لإنتزاع نفسها من الرابطة الوثيقة مع القوة الإستعمارية السابقة لهم : فرنسا ذلك أن هذه الدول الثلاث ألغت إتفاقاتهاالعسكرية والأمنية مع فرنسا وصفت الوجود العسكري الفرنسي بها وكذلك فالإتصالات الدبلوماسية مع الفرنسيين في حدها الأدني أو كادت تتواري بالإضافة إلي أن النيجر ومالي وبوركينافاسو انسحبوا منذ نحو إسبوعين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ((ECOWASالتي تضم في عضويتها15دولة) والتي يرونها مُعرضة لضغوط فرنسية تُمارس ضدهم فشكلوا معا تحالف يُدعي بتحالف دول الساحل (AES)المعروف أيضًا باسم ليبتاكو-جورما وهو تحالف أو اتفاق دفاع مُشترك أبرم بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو في 16 سبتمبر 2023 وسُمي بتحالف دول الساحل (AES) , ومن المحتمل جداً في تقديري أن تسعي فرنسا لإحباط هذه الخطوة أو الضربة القاصمة التي مازالت في طور النية لدي الدول الثلاث للخروج من منطقة الفرنك الأفريقي  F cfaوإصدارعملة مُشتركة لهم يُتوقع أن تُسمي عملة : الساحل , بأقصي طاقتها المخابراتية والدبلوماسية وعلي الصعيد العلني أعلن في 6 فبراير2024 أن الرئيس الفرنسي ماكرون أصدر قراراً بتعيين الوزير الفرنسي السابق جان ماري بوكيل الذي أدان فرنسا أفريقيا Françafrique (فهو يراه نظام فساد واستقطاب سياسي وعبارة عن محافظ التجارية بين باريس ومستعمراتها الأفريقية السابقةوهو سيناتور سابق فقد ابنه بيير الضابط في الجيش الفرنسي في حادث تصادم طائرتين هليكوبتر في مالي في ديسمبر 2019) “مبعوثا شخصيا” له لأفريقيا في وقت تخطط فيه باريس لتقليص وجودها العسكري في القارة بشكل كبير , كما كلف الرئيس الفرنسي وزير الدولة السابق للتعاون في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي (2007وخرج من الوزارة 2008) بمهمة “الشرح” للدول الشريكة التي تستضيف القواعد الفرنسية (السنغال وساحل العاج والجابون وتشاد) شرح أسباب وطرائق هذه التعديلات القادمة في النظام الدبلوماسي العسكري الفرنسي مع الاهتمام باحتياجاتهم فيما يتعلق بالتدريب والتعاون والمعدات وسيتعين على جان ماري بوكيل تقديم توصياته إلى الإليزيه في يوليو2024 , وقد تضاعفت نكسات السياسة الفرنسية في أفريقيا بتصفية الوجود الفرنسي في النيجر ومالي وبوركينافاسو فبعد أن أدت خيبات الأمل في منطقة الساحل إلى تسريع عملية إعادة تنظيم فرنسا التي تعتزم خفض عدد أفرادها العسكريين بشكل كبير باستثناء جيبوتي لصالح وجود أكثر سرية وقالت مصادر مطلعة لوكالة فرانس برس إن الخطوط العريضة لعملية إعادة التنظيم هذه تم تحديدها خلال مجلس الدفاع في ديسمبر 2023.

لا يمكن أن نقول بحرية وبدون هامش من الخطأ أن مطالبة الدول الثلاث النيجر ومالي وبوركينافاسو تعتبر تـهـديداً أو أنها أمر مفاجــئ فقد سبق ذلك في يوليو 2018ولأول مرة منذ استقلال الدول الأفريقية في مستهل ستينات القرن الماضي أن خرجت مظاهرات عامة في العديد من عواصم البلدان الأفريقية داكار وكوتونو وليبرفيل وباماكو وغيرها بل حتي في منطقة باريس بفرنسا نفسها طالبت باختفاء الفرنك الأفريقي وهي العملة التي فرضت وقت الاستقلال على 14 دولة من قبل الاستعمار الفرنسي (إبان عهد ديجول) وقاد هذه المظاهرات الحركات الشبابية أي أن هناك دخول جيل جديد من الناشطين الأفارقة إلى الساحة وليس من قبيل المصادفة أن الفرنك الأفريقي هو الذي كان مستهدفا في ترسانة التبعية التي فرضها المستعمر منذ الستينيات وفي الواقع فقد انتهت جميع المناطق النقدية الاستعمارية الأخرى بتفكك آخر منطقة نقدية وهي منطقة الجنيه الاسترليني في عام 1979إلا الفرنك الأفريقي فقد صمد منذ بدء التعامل به , وقد تم إنشاء منطقة الفرنك رسميًا في عام 1939 خلال الحرب العالمية من أجل “تشكيل “صندوق حرب”  فقد كان هناك توقع بعدم الاستقرار نتيجة أي حالة صراع عالمي في المستعمرات الفرنسية فتم منح “امتياز استثنائي” للبنوك الخاصة مما يسمح لها بإصدار الفرنكات بنفس سعر الفرنك المتروبوليتان وكان الاهتمام الأساسي في فجر الحرب العالمية هو تجنب هروب رأس المال الأمر الذي أدى كما توضح وثيقة من بنك فرنسا كيفية “فرض رقابة صارمة على الصرف وفرض عدم قابلية تحويل الفرنك على الجزء الخارجي من منطقة جغرافية” أي في الفضاء الذي يشمل البر الرئيسي لفرنسا وأقاليم ما وراء البحار أي في مستعمراتها الأفريقية والآسيوية .

في نهاية الحرب العالمية الثانية تم إنشاء فرنك CFA F (فرنك المستعمرات الفرنسية في غرب ووسط أفريقيا) وفرنك CFP F(فرنك المستعمرات الفرنسية في المحيط الهادئ) وقد أدى الخوف من تطرف نضالات التحرير الوطني في الستينيات إلى دفع الجنرال ديجول إلى الشروع في إنهاء الاستعمار الذي لم يؤد إلى استقلال حقيقي وللقيام بذلك كان من الضروري – وفقاً للرؤية الإستعمارية لديجول – دمج الدول الجديدة في علاقات تعاونية بنت بشكل منهجي اعتماداً اقتصادياً على باريس فقد أصبحت الرابطة الاستعمارية رابطة استعمارية جديدة , وفي هذا السياق تم الحفاظ على منطقة الفرنك والفرنك الأفريقي مع مجرد عملية تجميل لمراعاة الاستقلال ليصبح فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا فرنك الجماعة المالية الأفريقية لغرب أفريقيا وفرنك التعاون المالي في وسط أفريقيا وخضعت منطقة الفرنك قبل الاستقلال وبعده لنفس القواعد الإلزامية الخمس التي تمنح السيطرة على السياسات الاقتصادية لدول منطقة الفرنك في باريس وهذه القواعد هي :

القاعدة الأولى / قاعدة “مركزية احتياطيات النقد الأجنبي” من قبل بنك فرنسا مما يعني الالتزام بإيداع جزء أساسي من احتياطيات العملات الأجنبية لبلدان منطقة الفرنك (65% حتى عام 2005 و50% منذ ذلك الحين) لدى بنك فرنسا ولم تعد هذه الاحتياطيات تحت التصرف الحر للدول ذات السيادة رسميًا إذ يتم وضع هذه الودائع لصالح الاقتصاد الفرنسي وتنتج فائدة وبذلك تتم السيطرة على نصف عائدات البلدان الأفريقية في خدمة الاقتصاد الفرنسي وتقدر المبالغ المسروقة من دول منطقة الفرنك بـ 8000 مليار فرنك أفريقي عام 2014 على حد قول الخبير الاقتصادي الكونجولي ستيفان كوندا مامبو أي 12 مليار يورو .

القاعدة الثانية / قاعدة التكافؤ الثابت بين الفرنك الأفريقي والفرنك منذ إنشاء اليورو معه وتختلف قيمة الفرنك الأفريقي بالنسبة للعملات الأخرى (الدولار، الين، إلخ) بنسب تساوي تلك الخاصة بالاختلافات بين اليورو والعملات الأخرى فعندما ينخفض اليورو أو يرتفع مقابل الدولار على سبيل المثال فإن الفرنك الأفريقي يفعل الشيء نفسه وهذا في الواقع إنكار حقيقي للاقتصادات الأفريقية فتُحرم دول منطقة الفرنك من إمكانية التصرف على سعر صرف عملتها بينما كما أوضح هذه الرافعة الاقتصادي جان لوك دوبوا إذ إعتبر أنها “أداة للسياسة الاقتصادية ذات أهمية خاصة لأن هذه الدول تنتج وتصدر السلع ويجب أن تصبح قادرة على المنافسة” في السوق الدولية , ويُعتبر أن الارتباط باليورو القوي يعوق الصادرات إلى وجهات أخرى غير الاتحاد الأوروبي .

إتصالاً بهذه القاعدة يجدر بالذكرأن فرنسا صدقت رسميا في20 مايو  2020 على نهاية الفرنك الأفريقي الذي ينبغي أن يسمى من الآن فصاعدا “إيكو” لكن دون أن تتخلى فرنسا عن التزامها المالي تجاه أفريقيا في وقت تعاني القارة من أزمة فيروس كورونا وأوضح وزير الخارجية جان إيف لودريان أن “دور فرنسا يتطور ليصبح الضامن المالي الصارم للمنطقة” , وفيما يتعلق بالعملة الإيكولوجية الجديدة يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه العملة ستمتد لاحقًا إلى جميع الدول الأعضاء الخمسة عشر في مجموعة دول غرب إفريقيا (ECOWAS) فقبل الإعلان عن نهاية فرنك الاتحاد المالي الأفريقي كانت هذه الدول قد وافقت على إطلاق عملة مشتركة هذا العام والتي ستسمى أيضًا إيكو , وبهذه المناسبة وخلال جلسة استماع  20 مايو2020 قال الوزير الفرنسي المختص أمام لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية : “لقد تم الوفاء بالالتزامات ونحن هناك”وكذلك قالت المتحدثة باسم الحكومة سيبيت ندياي بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون يعطي الضوء الأخضر لفرنسا إن “هذه النهاية الرمزية يجب أن تكون جزءا من تجديد العلاقة بين فرنسا وأفريقيا وتكتب صفحة جديدة في تاريخنا” , وأوضح مصدر فرنسي لوكالة فرانس برس أن “هذا هو التنفيذ الملموس لاتفاق 21 ديسمبر الذي أعلنه الرئيس الإيفواري الحسن واتارا بحضور نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق هذا الإصلاح للفرنك الأفريقي( طبعاً لم يكن إصلاحاً بأي معني) وستواصل فرنسا لعب دورها كضامن لهذه العملة والتي ستحافظ أيضًا على تكافؤ ثابت مع اليورو (1 يورو = 655.96 فرنك أفريقي) ومن المتوقع أن تتطور هذه النقطة عندما تظهر العملة المشتركة لغرب أفريقيا إلى حيز الوجود  , ويجدر بالإشارة إلي أنه في نهاية عام 2020بلغت الاحتياطيات التي يحتفظ بها المصرف المركزي لدول غرب أفريقيا لدى الخزانة الفرنسية 9.4 مليار يورو ووفقا لبياناته المالية الأخيرة تم تقسيم هذا المبلغ بين الحسابات المراسلة – أي الحسابات التي فتحها المصرف المركزي لدول غرب أفريقيا مع الأنظمة المصرفية الأجنبية – ومحفظة الأوراق المالية للمصرف المركزي لدول غرب أفريقيا  , ويُشار في هذه النقطة أنه في 3 في ديسمبر 2019أعلن إيمانويل ماكرون والحسن واتارا نهاية الفرنك الأفريقي وهي العملة الموروثة من العهد الإستعماري وقد كان لدى ماكرون وواتارا هدفان فمن ناحية معالجة الرموز المزعجة (الاسم، الممثلين الفرنسيين، إدارة احتياطيات النقد الأجنبي من قبل الخزانة الفرنسية) مع الحفاظ على ركائز نظام CFA (إشراف الخزانة الفرنسية على نظام CFA، التكافؤ الثابت مع اليورو حرية تحويل رأس المال والدخل) ومن ناحية أخرى أرادوا سحب البساط من تحت مشروع العملة الموحدة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) ويعود تاريخ مشروع العملة الإقليمية الموحدة إلى عام 1983. وفي يونيو 2019 اجتمعت الدول الخمس عشرة وقررت تسمية عملتها الموحدة “إيكو” (في إشارة إلى إيكواس وهي الاختصار الإنجليزي لـ إيكواس) ووضعت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عددًا معينًا من المتطلبات لأي دولة ترغب في أن تكون جزءًا من المنطقة البيئية المستقبلية ولم تحترم دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا هذه المتطلبات عندما أصدر ماكرون وواتارا إعلانهما وهكذا سعى ماكرون وواتارا حرفياً إلى سرقة اسم “إيكو” وخلق الارتباك عمدا وقد أعلن أن إعلان الرئيس الفرنسي والرئيس الإيفواري إنما هدف إلي تطبيق عملية إصلاح إداري وليس نقدي للفرنك الأفريقي CFA F  أي أنها عملية شكلية صورية فقبضة فرنسا مازالت متحكمة وقوية علي الإقتصاديات الفرانكفونية فلم يتغير شيئ بصفة جوهرية وإزاء هذاأعرب وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في المنطقة النقدية لغرب إفريقيا (WAMZ) عن استيائهم خلال اجتماع عقد في يناير 2020.

القاعدة الثالثة / هي قابلية النقل المجانية ووفقاً لهذه القاعدة لا يوجد حد لتحويلات الأموال إلى أوروبا وفرنسا فالنهب وفقاً لهذه القواعد والقوانين المالية ذات الصلة أصبح قانونيا فتُعاد الأرباح المحققة في المنطقة إلى أوروبا مما يجعل أفريقيا ممولاً لأوروبا بشكل عام ولفرنسا بشكل خاص وتصبح العودة إلى الوطن هي القاعدة وإعادة الاستثمار المحلي هي الاستثناء وهكذا فإن هجرة رؤوس الأموال الأفريقية إلى أوروبا تقدر بـ 850 مليار دولار حسب الاقتصادي السنغالي ديمبا موسى ديمبيلي بين عامي 1970 و 2008 .

القاعدة الرابعة / هذه القاعدة تُعد النظير الإيجابي للقواعد الثلاثة السابقة وقد تم طرح هذه القواعد الثلاثة كشروط “للاستفادة” من الأخيرة: ضمان قابلية التحويل غير المحدودة من قبل الخزانة الفرنسية فإذا كانت دولة في منطقة الفرنك غير قادرة على ضمان الدفع بالعملة الأجنبية مقابل وارداتها فإن الخزانة الفرنسية تتعهد بتعويض ذلك عن طريق توفير العملة الأجنبية المفقودة ويضمن لأي شخص لديه فرنك CFA أن يكون قادرًا على تحويلها إلى عملات أجنبية لذلك فإن قابلية التحويل هذه وهي قمة السخرية غير صالحة بالنسبة لمختلف فرنكات الاتحاد المالي الأفريقي بينهما مما يؤدي إلى تأثير منطقي يتمثل في تثبيط التجارة بين البلدان الأفريقية لكن كل ذلك ليس مهما طالما يزداد الإقتصاد الفرنسي قوة من عملية الشفط والنهب هذه .

القاعدة الخامسة /  وتتمحور في الاعتماد المباشر من خلال الإدارة المشتركة للبنكين المركزيين الأفريقيين في المنطقة : BEAC (بنك دول وسط أفريقيا) و BCEAO (البنك المركزي لدول غرب أفريقيا) وبالبنك الأول أربعة مديرين فرنسيين عضو في مجلس إدارة BEAC واثنان في BCEAO قبل كل شيء فإن الإجماع مطلوب لأي قرار مهم وبشكل ملموس هذا هو حق النقض الذي يمنع القرارات التي تتعارض أو قد تتعارض مع المصالح الفرنسية , وبناء علي هذه القواعد الخمس يمكن القول أن الإرث الاستعماري الأول لأفريقيا هو في الواقع استعمار نقدي ومالي جديد لخصه المؤرخ والجغرافي جان سوريت كانال على النحو التالي ” بعد الاستقلال أصبح الحفاظ على الفرنك الأفريقي في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا أداة للاستعمار الفرنسي الجديد مما أعطى فرنسا السيطرة على اقتصادها ومكانة مميزة للشركات الفرنسية ولم يكن للدول الأفريقية عملياً أي حق في السيطرة على عملتها الصادرة عن معاهد الإصدار التي تم نقل مقرها الرئيسي من فرنسا إلى أفريقيا فقط في الفترة 1972-1973وكانت لدى فرنسا العملات التي تم الحصول عليها عن طريق بيع المواد الخام الأفريقية وقد سمحت قابلية التحويل الحرة للشركات الفرنسية بوضع بضائعها بشكل تفضيلي في منطقة الفرنك وإعادة الأرباح ورأس المال بحرية إلى الوطن وكان لا بد من وضع غالبية الأصول الأجنبية للدول الأفريقية في “حسابات العمليات” للخزانة الفرنسية والتي كانت مربحة باستمرار حتى نهاية السبعينيات ووفقاً لبول فابرا كاتب العمود الاقتصادي في صحيفة لوموند فإن “الضمان” “التي قدمتها فرنسا للفرنك الأفريقي كانت موجودة فقط بشرط عدم وجود سبب للعب والعبث ! .

لكن الفرنك الأفريقي F cfa مر بإختناقات وتحديات رافضة له وكان أول من تنبه لمعني السيطرة الإقتصادية والمالية للفرنك الأفريقي الرئيس الغيني الراحل احمد سيكوتوري , ومنذ أن أعلن سيكو توري رفضه التام للتبعية لديجول ولفرنسا بالتبعية في عام 1958ورفض الإنضمام لمنطقة الفرنط وأصدر بدلاً عنه عملته الوطنية في الأول من مارس1960: الســيــلي : أصبح خاضعاً لضغوط اقتصادية مستمرة من قِبَل القوة الاستعمارية السابقة فقد أراد ديجول أن يجعل من غينيا عبرة من خلال معاقبة الشخص الذي تجرأ على القول رداً على الابتزاز في نهاية “المساعدة” الفرنسية : “نحن نفضل الفقر في الحرية على الثروة في العبودية […] نحن لا نفعل ذلك ولن نفعل ذلك” ولن نتخلى أبدًا عن حقنا في الاستقلال , وكان أن تم سحب موظفي الخدمة المدنية والفنيين الفرنسيين على الفور بعد هذا الخطاب وحدث نزيف مالي حقيقي في غينيا ويلخص مدير البنك المركزي الغيني سياق هذا القرار على النحو التالي: “لقد كانت مسألة تجنب خنق اقتصادنا من قبل القوة التي كانت تسيطر عليه حتى ذلك الحين وقد تم إفراغ الصناديق من محتوياتها وأعادت الشركات الفرنسية أرباحها الفائقة إلى الوطن دون أي رقابة لقد كان النزيف ومع ذلك لا يمكننا حقًا التحكم في الاقتصاد دون التحكم في عملتنا , ولم يمض وقت طويل حتى جاء رد الفعل من باريس واتخذ شكل “عملية برسيل” وهي عملية نقدية تخريبية وتتكون هذه العملية من “إدخال كمية كبيرة من الأوراق النقدية الغينية المزيفة إلى البلاد بهدف زعزعة التوازن الاقتصادي كما صرح أحد المسؤولين عن هذه العملية موريس روبرت فالعملية في حد ذاتها ليست سوى إحدى الوسائل من بين وسائل أخرى عديدة للإطاحة بسيكو توري كان علي الفرنسيين زعزعة استقرار نظام سيكو توري وجعله عرضة للخطر وغير شعبي وتسهيل استيلاء المعارضة على السلطة (عملية إنقلابية قادها ديالوتيلي الذي أعدم بعد إحباط محاولته الإنقلابية التي ساعده فيها البرتغاليين أيضاً) تتضمن عملية بهذا الحجم عدة مراحل: جمع المعلومات وتحليلها، ووضع خطة عمل بناءً على هذه المعلومات ودراسة وتنفيذ الوسائل اللوجستية واعتماد التدابير اللازمة لتنفيذ الخطة وبمساعدة المنفيين الغينيين الذين لجأوا إلى السنغال قاموا أيضًا بتنظيم مجموعات معارضة في فوتا جالونوهي الهضبة الغينية وتم الإشراف على العمليات من قبل خبراء فرنسيين في العمليات السرية الذين قاموا بتسليح وتدريب هؤلاء المعارضين الغينيين وكثير منهم من قبيلة الفولاني  وكان الهدف النهائي بالتأكيد هو إرغام غينيا على الركوع ولكن أيضًا تحذير وتهديد الدول الأخرى في منطقة الفرنك وفشلت  خطة زعزعة الاستقرارفي غينيا وفي مالي من ناحية أخرى أدت خطة مماثلة إلى انقلاب أطاح بالرئيس موديبو كيتا في هذا البلد أيضًا يرتبط الخروج من منطقة الفرنك بهدف “إنهاء الاستعمار الاقتصادي الذي حدده المؤتمر الثاني لتجمع الاتحاد السوداني الديمقراطي الأفريقي (US-RDA) في سبتمبر 1960بزعامة الزعيم موديبو كيتا رئيس الجمهورية وكما حدث في غينيا كانت ردة الفعل عبارة عن محاولة لزعزعة الاستقرار في مالي وهذه المرة كان عبر تشجيع المظاهرات العامة أمام السفارة الفرنسية للمطالبة بالعودة إلى الفرنك الأفريقي وللقيام بذلك إعتمد العملاء الفرنسيون على قلق العديد من التجار بشأن العملة الوطنية غير القابلة للتحويل ويتذكر النقابي والناشط في US-RDA أمادو سيدو تراوري هذه الأحداث على النحو التالي : كان ميلاد الفرنك المالي بمثابة الجرس على وعي الاستعمار الجديد في مالي وغرب أفريقيا وهذا كثير جدًا بتقدير الاستعمار وعملائه المأجورين وكان من الضروري التصرف بسرعة والضرب بقوة لإسقاط السلطة الشعبية وكان تقادم تكتيكات العرقلة وتأخير الإجراءات يعني أن تكتيك العنف الوحشي تجلى بعد  19 يوم فقط من إنشاء العملة المالية في شكل مؤامرة في 20 يوليو 1962وفي هذه المناسبة داسوا العلم الوطني ومزقوا الأوراق النقدية وهتفوا بشعارات مثل :”تحيا فرنسا”و”يسقط الفرنك المالي .

عُومل جزء كبير من احتياطيات النقد الأجنبي (من الفرنك الأفريقي) في البنك المركزي الفرنسي وفقاً لقاعدة المركزية وأتاحت هذه المركزية للدولة الفرنسية باستثمار هذه العملات وكسب الفائدة منها وفي قمة السخرية يمكن بعد ذلك اعتبار جزء من هذه الأموال “مساعدة تنموية” للدول المُتعاملة بالفرنك الأفريقي وهي ردول الساحل والصحراء و”إقراض” الجزء الآخر بفوائد لهذه الدول الأفريقية فمن الطبيعي أن تضع فرنسا مثل أي وكيل اقتصادي ذكي رأس المال الأفريقي الهائل في المؤسسات المالية التي تحصل على أفضل معدلات الأجور إنه يلائم بشكل منطقي فرق سعر الفائدة فعلى سبيل المثال تضمن دفع معدل سنوي للأفارقة قدره 2% بينما تحصل على مكافأة قدرها 4.5% وهو صافي فرق سعر الفائدة هو 2.5% فعلى افتراض أن رأس المال الأفريقي المستثمر يصل إلى 100 ألف مليار فرنك أفريقي فإن فرنسا تحصل على فائدة سنوية صافية قدرها 250 مليار فرنك أفريقي ومن هذه [الموارد التي تم الحصول عليها على هذا النحو] تسحب فرنسا جزءًا صغيرًا عشرة مليارات فرنك أفريقي على سبيل المثال لإقراضها لبلدان منطقة الفرنك بأسعار فائدة منخفضة تتراوح بين 3% و10% سنويًا متفوقة على ذلك علي غيرها من القوي الكبري المنافسة لها علي نهب هذه الدول ولتظهر للعالم أجمع أعمال الكرم تجاه أفريقيا التي تدعي أنها تساعدها !  ,

في إطار تفاقم المنافسة بين أوروبا (وبشكل خاص فرنسا) والولايات المتحدة تم توسيع منطقة الفرنك لتشمل بلداناً لا تنتمي إلى الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية السابقة  كغينيا الاستوائية في عام 1985وغينيا بيساو في عام 1997 كما أن الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل تخفيض قيمة فرنك الاتحاد المالي الأفريقي كان متناسب إذ اعتبر صندوق النقد الدولي والحكومة الأمريكية أن المبالغة في تقدير قيمة الفرنك الأفريقي تشكل عائقًا أمام القدرة التنافسية والنمو للدول الأعضاء في منطقة الفرنك وبالتالي فإن انتعاشها الاقتصادي يتطلب بالضرورة تخفيض قيمة العملة

كانت المظاهرة المضادة التي نظمتها US-RDA لدعم فرنك جمهورية مالي ضخمة حين ندد المتظاهرون بما يسمى الآن “مؤامرة 20 يوليو” حيث اتهمت الحكومة المالية السفارة الفرنسية بصلاتها بالمتظاهرين قد زاد قرار إخلاء القواعد العسكرية الفرنسية من توتر العلاقات بين مالي والقوة الاستعمارية السابقة , فحتى عام 1968وسقوط موديبو كيتا الذي أطاح به انقلاب عسكري استمرت المسافات السياسية والاقتصادية بين مالي وفرنسا في التباعد ويلخص المؤرخ بيير بويلي الأمر حين قال أن الانقلاب الذي قام به الجنرال موسى تراوري في نوفمبر 1968 كان بمثابة تقارب فوري مع باريس والذي إكتمل بسرعة من خلال ضمان نقدي من بنك فرنسا على أساس سلسلة من الشروط وعلى وجه الخصوص خصخصة الشركات المملوكة للدولة بعد استيفاء الشروط وكان أن  ألغت فرنسا ديون مالي وإعتمدت مالي الفرنك الأفريقي مُجدداً كعملة لها في يونيو 1984.

وفي توجو  عارض زعيم الاستقلال سيلفانيوس أوليمبيو بلقنة غرب أفريقيا الفرنسية في النصف الثاني من الخمسينيات والتي حللها باعتبارها استمرارًا للهيمنة الاستعمارية وبعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية أعلن عن نيته مغادرة منطقة الفرنك وإنشاء عملة وطنية فتم اغتياله في يناير 1963ويصف المؤلفان الكاميرونيان أرنو روميو ومارتن فانكوا أسباب الانقلاب والاغتيال على النحو التالي : كان الوضع المالي لتوجو المستقلة حديثًا غير مستقر للغاية لذا وللخروج من هذا الوضع قرر أوليمبيو إخراج بلاده توجو من المنطقة النقدية للفرنك الأفريقي وإنشاء عملتها الخاصة في 13 يناير 1963لكن بعد ثلاثة أيام من بدء أوليمبيو في طباعة عملة بلاده اغتالته مجموعة من الجنود الأميين المدعومين من فرنسا وكان أول رئيس منتخب لأفريقيا المستقلة حديثًا وكان حلم أوليمبيو هو بناء دولة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي , ولننتهي بالحالتين المدغشقرية والموريتانية اللتين أدتا إلى الخروج من منطقة الفرنك رغم الضغوط فبالنسبة لموريتانيا التي غادرت المنطقة النقدية في عام 1973 أعتبر قربها من دول المغرب العربي أمر يجعل من ممارسة الضغط المباشر عليها أكثر صعوبة ومن ناحية أخرى وبالنسبة لموريتانيا التي تتمتع بموارد طبيعية أفضل، كان الخروج من منطقة الفرنك خيارا سياسيا واضحا لصالح الاستقلال النقدي الكامل الذي يتوافق مع التقارب السياسي مع دول المغرب العربي  , أما بالنسبة لمدغشقر فقد تم خروج الفرنك الأفريقي في نهاية عقد من الاحتجاج الاجتماعي الذي جمع بين ثورات الفلاحين وتمرداتهم في جنوب البلاد منذ عام 1967 وهي حركة ثقافية وسياسية للشباب المتحدرين من العبيد والأحياء الشعبية في معارضة الهيمنة الثقافية الفرنسية  .

إن حقيقة أن رؤساء الدول الأفريقية مثل الحسن واتارا من ساحل العاج أو ماكي سال من السنغال أو باتريك تالون من بنين يتقدمون للدفاع عن العملة الاستعمارية يدل على ارتفاع الاحتجاجات ضد الفرنك الأفريقي في الواقع فلعقود من الزمن كانت هذه المواقف عديمة الجدوى حيث بدت هذه العملة غير قابلة للجدل بالنظر إلى توازن القوى الأيديولوجية في أفريقيا و أضطر رؤساء دول آخرون إلى ترديد هذا الوعي المتنامي ولو من بعيد  فهكذا كان الحال في 11 أغسطس 2015 مع الرئيس التشادي إدريس ديبي وهو أكبر عملاء فرنسا في أفريقيا الذي أعلن : أن اليوم هناك FCFA الذي تضمنه الخزانة الفرنسية لكن هذه العملة أفريقية عملتنا ومن الضروري الآن أن تكون هذه العملة ملكنا بالفعل حتى نتمكن عندما يحين الوقت من جعل هذه العملة عملة قابلة للتحويل وعملة تسمح لجميع هذه البلدان التي لا تزال تستخدم FCFA بالتطور ومعها المنطقة الفرعية والدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية أيضا ما أسميه التعاون النقدي مع فرنسا وهناك بنود عفا عليها الزمن ويجب إعادة النظر في هذه البنود لمصلحة أفريقيا وأيضا لمصلحة فرنسا هذه البنود تسحب اقتصاد أفريقيا إلى الأسفل وهذه البنود لن تسمح بالتنمية بهذه العملة , ويأتي هذا الإعلان بشكل ملحوظ خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لاستقلال تشاد ويتحرك رئيس بوركينا فاسو روك مارك كريستيان كابوري في نفس الاتجاه من خلال إعلانه في القمة الثانية والخمسين للإيكواس (الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) في ديسمبر 2017 ليقول هو أيضاً في إتجاه آخر أنه “تم الحفاظ دائمًا على الخيار القائل بأن عام 2020 يجب أن يكون تاريخ إنشاء الإيكواس” وإذا ظلت هذه المواقف التي اتخذها رؤساء الدول أقلية ومعزولة فهي جزء من سياق أوسع من الإدانة حيث يتحدث الوزراء السابقون والمسؤولون السابقون في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والأكاديميون بشكل متزايد للمطالبة إما بالخروج من فرنك الاتحاد المالي الأفريقي أو الخروج من الفرنك الأفريقي وإنشاء عملة أفريقية أو إصلاح منطقة الفرنك ولنأخذ مثالا واحدا فقط وهو كارلوس لوبيز وهو مواطن من غينيا بيساو شغل منصب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة وهوالذي أعلن في عام 2016 أن “الفرنك الأفريقي آلية عفا عليها الزمن ويجب إعادة النظر فيها فلا يمكن لأي دولة في العالم أن تتبع سياسة نقدية ثابتة لمدة ثلاثين عاماً لكن هذا موجود في منطقة الفرنك الأفريقي , ولذا لاشك أن  هناك خطأ ما .

كانت المؤسسات المعنية الفرنسية تتابع عن كثب الإنهيارات في مكانة فرنسا في فضاء دول الفرانكفون ودليل ذلك أنه في خطابه في واجادوجو عام 2017 تحدث الرئيس الفرنسي عن تغيير مسار فرنسا في إفريقيا قبل أن يعلن في فبراير 2023 عن تحول عميق في العلاقات مع القارة بهدف وضع حد للعلاقات التي يُنظر إليها محليًا على أنها غير متكافئة ومتناقضة , لكن إزاء الوضع الجديد الناتج عن تآكل مكانة فرنسا بثلاثي تحالف الساحل وخاصة بعد الإنسحاب من إإيكواس والتلويح بالخروج من منطقة الفرنك الأفريقي كان علي فرنسا أن تبدأ في تصعيد جهودها الكلية وخاصة المخابراتية (وهذا الجهد مستقل تماماً عن أي جهود ديبلوماسية وإقتصادية تبذلها فرنسا والهدف منه التخلص من أي مخاطر مصدرها دول التحالف الثللاثي ومراقبة أي ميول مماثلة من دول أفريقية أخري) لمحاولة منع كارثة تدريجية تأتي في النهاية علي مكانة فرنسا في أفريقيا فبدأ جهد علني في المعالجة الفرنسية للموقف الصعب الناتج عن نشوء تحالف دول الساحل المكون من خصوم فرنسا الجدد : النيجر ومالي وبوركينافاسو ذلك أن أدني خسارة متوقعة لفرنسا ستكون خروج متدرج ومتتالي لدول أفريقية أخري من فلك الفرنك الأفريقي  F cfa, فرابطة الفرنك الأفريقية النقدية مع فرنسا كانت موضوعاً مطروحاً بصوت عال من مسؤليين سياسيين نافذين ومفكريين إقتصاديين ونقديين بالدول الأفريقية الداخلة في كتلة الفرنك الأفريقي F cfa فقد رؤي الفرنك الأفريقي F cfa علي أنه رابطة نقدية خاسرة للدول الأفريقية التي تتداوله وتعمل به ورابح جداً لفرنسا إذ عن طريقه يستطيع الإقتصاد الفرنسي سحب قدر كبير من الربحية من مقدرات وموارد الدول الأفريقية , ولذلك ومنذ تسعينات القرن الماضي كانت الأصوات المُنادية بإعادة تقييم الفرنك الأفريقي (حيث تم تثبيت الرابطة السعرية للفرنك الأفريقي مع الفرنك الفرنسي ثم مع اليورو لمدة طويلة جدا وهو ما إعترف به  مؤخراً الخبير النقدي الفرنسي أوليفييه فاليعند إجابته عن سؤال حول ما إذا كان خروج الدول الثلاث سيؤدي إلي إنخفاض الفرنك الأفريقي فقال  “لا على الإطلاق إن تخفيض قيمة الفرنك الأفريقي أمر غير محتمل على الإطلاق حيث أن قيمته ثابتة عند تعادل ثابت مع اليورو”) أو الخروج من نطاقه تخبو وتختفي ثم تتعالي ثانية طيلة هذه الفترة الطويلة , لكنها عادت الآن بقوة وبكثير من العزم والإتحاد مابين الإرادتين السياسية والإقتصادية أو النقدية خاصة مع الطريقة الخشنة المُتعالية التي عالجت بها فرنسا الإنقلابات العسكرية في الدول الثلاث : النيجر ومالي وبوركينافاسو إضافة للرغبة العارمة من جموع شعوب الدول الثلاث ومن أغلب النخب السياسية والإقتصادية والمالية بالدول الثلاث في التخلص من فرنسا وظلها الثقيل في فضاء الفرانكفون كله وفي هذه الدول الثلاث الفقيرة ومما زاد من ثقل الظل الفرنسي تلك الضغوط الخالية من حسن التقدير التي مارستها الدبلوماسية الفرنسية علي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWAS مُعتقدة أن عسكريو النيجر ومالي وبوركينافاسو اليوم مثلهم مثل عسكريو ستينات القرن الماضي يمكن إدارتهم من باريس أو علي الأقل من السفارة الفرنسية في نيامي وبماكو وواجادوجو والحقيقة أن هذا الإعتقاد فيه من الغباء أكثر مما فيه من السخافة , ففرنسا طيلة السنوات العشر الماضية إرتكبت خطأ عظيم لم تنتبه له فهي أذلت عسكريات الدول الثلاث وهمشتها من خلال الإصرار غير المحدود علي تكوين ما سُمي بمجموعة الساحل الخماسية تلك القوة التي في سبيل تكوينها شحذت فرنسا قواها الدبلوماسية والعسكرية والمخابراتية وإستطاعت إلي حد كبير توفير التمويل اللازم لإقامتها وإستمرارها بذريعة مكافحة الإرهاب الذي صنعته في الإعلام وروجته كذباً وإفتراء في المنتديات أما في الواقع فلم يكن في مواجهة الوجود العسكري الفرنسي سوي المناهضين الرافضين لعسكرة بلادهم ولإستمرار النهب والسلب الفرنسي لموارد ومقدرات هذه البلدان الثلاث برضي وحراسة الزعماء الذين صنعتهم فرنسا صناعتها للرسوم المتحركة مثل ممادو إيسوفو الذي أتاح لفرنسا وللولايات المتحدة أراضي بلاده لتقيم قواعد عسكرية بحجة مكافحة الإرهاب ولدي قصص حقيقية علي زيف هذه الفرية ومن بعده جاء تلميذه محمد بازوم في النيجر ونظراتهما في مالي وبوركينافاسو وقد كانت قوة الساحل الخماسية تلك أو  G5 Sahelجيش مُصغر كونته فرنسا لتحقيق غرض رئيسي وهو تسويغ التدخل العسكري الفرنسي المُتحرر من آليات ومبادئ حقوق الإنسان في حربها علي من تصفهم زيفاً وزوراً بالإرهابيين وهم في الحقيقية إسلاميون أحرار يذودون عن أراضيهم ومقدرات بلادهم التي ينهبها الفرنسيون برضي وحراسة رؤساء هذه الدول الثلاث وغيرهم ممن لم يُتم إقتلاعم من كراسي السلطة , المهم في الأمر أن العسكريين بالنيجر ومالي وبوركينافاسو شعر معظمهم بعد تكوين وعمل G 5 Sahel أنهم ماكثين علي مقاعد الإحتياط أو أنهم لا ينتمون إلي جيش مُستغني عن خدماته وبالتالي أقل أهمية فالمهم للفرنسيين وبالتالي للقادة الأفارقة الذين أباحوا لهم إنتهاك أراضيهم وأعانوهم علي إستباحة سيادات هذه الدول وحتي العسكريين الماليين والنيجريين والبوركينابيين الذين إنخرطوا في G 5   Sahel لم يكن أيس منهم سوي مُشارك في قوة إسناد لعمليتين العسكريتين الفرنسيتين اللتين عاثتا في النيجر ومالي فسادا وإنتهكتاً السكان والأرض معاً أعني عمليةServal  التي بدأت في 11 يناير 2013و أنتهت في15 يوليو2014  لتتلوها عملية Barkhane التي بدأت في الأول من أغسطس 2014 وإنتهت في 9 نوفمبر2022 بدون أن تحقق أي منهما وهو التصدي للإرهاب في منطقتي الساحل والصحراء , كل ما في الأمر ممارسة المزيد من الإذلال للسكان المسلمين وإحكام خنق هذه الدول , ولذلك وبغض النظر عن كل المعايير / النقدية والفنية التي قد تمنع أو تعرقل إتخاذ قرار الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي F  cfa فإن القادة العسكريين في النهاية ماهم إلا أفراد ينتمون لمجتمعات أذلها وخنقها الفرنسيون وآن أوان التخلص من مساوئ فرنسا وحتي ميزاتها النسبية مرة وللأبد ومنها يمكن فهم ما قاله الجنرال تياني من أن “العملة هي علامة على السيادة” وعليه فقرار الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي مع خسائره فهو مكسب لتكريس مبدأ السيادة الذي هو الآخر سنتج عنهميزات تنموية حقيقية علي المديين القصير والبعيد فمنهج السلب والنهب الفرنسي لإقتصاديات دول الفرنك الأفريقي سيستمر ويستمر معه نزيف هذه الإقتصاديات الضعيفة بسبب الإعتمادية المُستمرة علي إبقاء مخزن القيمة لدي لص محتال لم يقتصر نهبه علي إقتصاديات الشعوب بل والوكلاء الذين سخرهم للتسلط والإستبداد والنهب الشخصي ففي 15يناير2024 أشارت وسائل الإعلام الفرنسية إلى أنه “في هذا الملف الواسع أي ملف إستيلاء الدولة أو الحكومة الفرنسية إيهما أستولت على أكثر من 45 مليار فرنك أفريقي من الأصول غير المشروعة لهذا للرئيس المُطاح به في إنقلاب عسكري في 2023علي بونجو ويعود تاريخ هذا الملف لأكثر من 15 عاما ويشتبه في أن الأصول التي تم الحصول عليها بفضل أموال من “فرانسإفريقيا”، وهو نظام قوي للفساد والاستقطاب السياسي والمطاردات التجارية بين باريس ومستعمراتها السابقة في القارة وقد كانت الإطاحة بالرئيس علي بونجو أونديمبا من السلطة هي التي شككت في حصانته كرئيس للدولة وهددته بأن يكون الطفل البونجو الحادي عشر الذي تتم محاكمته في هذا الشأن وقال ويليام بوردون محامي جمعية الشفافية الدولية لمكافحة الفساد إن “علي بونجو فقد حصانته ويُظهر الملف أنه يمكن استجوابه إذا لم تتم محاكمته لكن مما لا شك فيه أن حالته الصحية السيئة تشكل عائقاً أمام ذلك” ويتقدم التحقيق بسرعة وقد قام النظام القضائي الفرنسي بالفعل بمصادرة العديد من الأشياء , وفي الواقع ووفقًا لقناة TV5 Monde فقد “تم توجيه الاتهام إلى ثلاث شركات عقارية يشتبه في تورطها في شبكة غسيل الأموال في أكتوبر ونوفمبر لتنضم إلى بنك BNP Paribas الذي تم اتهامه في أغسطس 2021 بـ “ما لا يقل عن 35 مليون يورو” من الأموال المزعومة” , وفي أغسطس2023ومرة ​​أخرى في ديسمبر2023 تمت مصادرة حوالي عشرة عقارات في الأحياء الراقية في باريس أو في بروفانس أو في كوت دازور (جنوب) تقدر قيمتها بحوالي ثمانية ملايين يورو وفي المجمل تمت مصادرة ممتلكات تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 70 مليون يورو حتى الآن حسبما أشار مصدر قضائي في سبتمبر2023 .

مع كل ما تقدم فمايزال الإعلام الغربي يروج وبطرق ملتفة لرسائل مختلفة بعضها حقيقي للآثار السيئة لقرار الخروج عن منطقة الفرنك الأفريقي فقد تم التفاوض على إصلاح فرنك CFA طوال النصف الثاني من عام 2019 بين فرنسا والدول الثمانية الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) : بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال،  وتوجو وفرنسا  لكن مع ذلك فالفرنك الأفريقي لم يختف تماما فالبلدان الستة في وسط أفريقيا وهي الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونجو والجابون وغينيا الاستوائية وتشاد والتي تشكل منطقة نقدية متميزة مُستمرة في استخدامه .

وكمثال نقلت وكالة رويترز عن تشارلي روبرتسون رئيس الإستراتيجية الكلية في شركة FIM Partners ومقرها لندن قوله إن “التخلي عن العملة الموحدة سيؤدي إلى كساد كبير” مضيفًا أن ذلك سيكون أسوأ خطأ سياسي يمكن أن ترتكبه هذه الدول وهو أمر يستحق التفكير فيه نظرا لأن مالي هي الدولة الوحيدة من بين الدول الثلاث التي جربت تجربة العملة الوطنية بين عامي 1962 و1967، دون جدوى , وبالنسبة للخبير النقدي الفرنسي أوليفييه فالي الذي عمل مستشارًا فنيًا لصندوق النقد الدولي لدول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وكان مقره في باماكو وعمل كذلك في نيامي  فهو يري أنه من الممكن أن تقرر الدول الثلاث في تحالف دول الساحل الجديد (AES)الانفصال عن فرنك الاتحاد المالي الأفريقي والبنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) ولكن دون مغادرة المنطقة الجمركية للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) ويري أن المشكلة الكبرى ليست في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا بل في سلوك البنك المركزي لدول غرب أفريقيا الذي جمد جميع حسابات الخزانة النيجيرية فهذا هو حجر العثرة , والموقف الحالي في الدول الثلاث في نظر السيد أولفييه فالي ليس سيئاً فلم يكن هناك انخفاض صافي في النمو الاقتصادي فأداء المالية العامة في مالي جيد جدًا وميزانية النيجر لعام 2024هي ميزانية معقولة جدًا لأنها أقل بألف مليار [من فرنك الاتحاد المالي الأفريقي] عما كان مخططًا له في البداية وكانت التوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي والتي تعود إلى شهر يوليو 2023 تعتمد على النمو الاقتصادي في النيجر بنسبة 6%، والذي سيعززه بالتأكيد الذهب الذي بدأ إنتاجه في الصين واليورانيوم – الذي ترتفع أسعاره – والنفط – الذي من المتوقع أن يزود خط الأنابيب المؤدي إلى النيجر خلال أيام قليلة  ولميناء سيمي في بنين , أما بوركينافاسو فقد أعلن في  15 ديسمبر 2023 أن وزير الأمن القومي ألبرت كان داباه أعرب عن خيبة أمله إزاء تخصيص الميزانية لوزارته فبينما طلبت الوزارة 2.5 مليار ين لم تحصل إلا على 1.6 مليارين وذكر الوزير أن هذا التخفيض في المخصصات قد يعيق قدرتهم على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية خاصة في العام الانتخابي المقبل ورغم هذه الانتكاسات أكد أن الوزارة ستواصل العمل من أجل الأمن الوطني كذلك ترأس رئيس المجلس التشريعي الانتقالي الدكتور عثمان بوجمعة الجلسة العامة يوم 15 ديسمبر 2023لدراسة والتصويت على قانون الميزانية الأولية لتنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2024 وتعكس الميزانية أولويات الحكومة في تمويل استعادة السلامة الإقليمية وإدارة الأزمة الإنسانية مع تخصيص جزء كبير من المال لقطاعي الدفاع والأمن جدير بالإشارة أن الميزانية البوركينابية وعاءها 3019.1 مليار فرنك أفريقي من الإيرادات و3694.6 مليار فرنك أفريقي من النفقات مما يؤدي إلى عجز في الميزانية العالمية قدره -675.5 مليار فرنك أفريقي وقد تحسنت الإيرادات بمقدار 387.8 مليار فرنك أفريقي مقارنة بعام 2023على الرغم من الظروف السائدة ومع ذلك ارتفعت النفقات أيضًا بمقدار 458.7 مليار فرنك أفريقي مقارنة بالعام السابق وتبلغ حصة ميزانية الدولة المخصصة لقطاعي الصحة والدفاع 11.90% و29.49% على التوالي في عام 2024وتشمل الاستثمارات المخططة لعام 2024تخصيص 29.49%من موازنة الدولة لقطاعي الدفاع والأمن، و11.90% لقطاع الصحة و26.26% لقطاع التعليم وقد خصصت لوزارة الشؤون الإنسانية ميزانية قدرها 49.9 مليار فرنك أفريقي وأكد وزير المالية أنه سيتم تخصيص الموارد المالية لمختلف القطاعات لتغطية الاحتياجات الأساسية .

يهيمن العملاق النيجيري إلى حد كبير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والتي تمثل وحدها 66% من الناتج المحلي الإجمالي في حين تمثل الدول الثلاث مجتمعة ضمن المجموعة 8% فقط كما أن مالي والنيجر وبوركينا فاسو – ذات الاقتصادات الزراعية في الغالب – دول مقفلة لا ساحل لها ولا زال سكانها يعتمدون على الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في العديد من الجوانب الاقتصادية الأخرى مثل إمداداتهم من الكهرباء كما توفر مؤسسة إيكواس ضمانًا لهذه البلدان للوصول إلى السوق المالية الدولية وبخروجها من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا فإن الدول الثلاث ستحرم نفسها من التمويل في المستقبل على سبيل المثال ويمكنهم رؤية انخفاض تصنيفهم بسرعة وانخفاض قيمة العملة الجديدة المستقبلية وبالنسبة للنيجر ومالي وبوركينا فاسو لا تقتصر التحديات على طباعة أوراق نقدية جديدة فحسب بل سيكون من الضروري أيضًا إنشاء بنك مركزي وصياغة واتخاذ قرار بشأن سياسة نقدية مشتركة وإدارة الانتقال نحو التخلي عن فرنك الاتحاد الأفريقي وهناك طبعاً العديد من الأسئلة الهامة الأخرى ويري المعارضين لقرارالإنسحاب من كتلة الفرنك الأفريقي لذلك فهذا القراريستحق التفكير فيه نظرا لأن مالي هي الدولة الوحيدة من بين الدول الثلاث التي جربت تجربة العملة الوطنية بين عامي 1962 و1967.

عوداً إلي مسألة الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي F cfa  يؤكد آخرون أن مسألة الفرنك الأفريقي التي تم إنشاؤها في عام 1945هي بمثابة ثعبان البحر الحقيقي لبلدان غرب ووسط أفريقيا وفي حين يشيد أنصارهذه الرؤية بارتباط الفرنك الأفريقي باليورو باعتباره ضمانة لاستقرار الاقتصاد الكلي فإن منتقديها يدينونها على العكس من ذلك باعتبارها كابحاً للنمو وأثراً عفا عليه الزمن من الهيمنة الاستعمارية الفرنسية حتى إصلاح عام 2019 عندما كان مطلوبًا من الدول الاحتفاظ بجزء من احتياطياتها من النقد الأجنبي لدى الخزانة الفرنسية ويؤكد هذه الرؤية كيمي سيبا رئيس المنظمة غير الحكومية Urgences panafricanistes خلال مقابلته مع سبوتنيك على هامش القمة الروسية الأفريقية حيث قال في شأن  أزمة الفرنك الأفريقي بالنسبة للبلدان الأفريقية فقال أنه يعتبر الفرنك الأفريقي :”سرطانا” “يقضي على أي عملية تنافسية” وبدعم من اليورو وهو عملة قوية للغاية بالنسبة للاقتصادات المحلية فإن الفرنك الأفريقي “لا يتماشى مع الواقع الاقتصادي لبلداننا”  .

علي الرغم من أن نية الدول الثلاث : النيجر ومالي وبوركينافاسو مـعـقـودة لتحقيق الإستقلال الفعلي عن سطوة فرنــــســا إلا أن هناك ثمة إشارات أخري تنفي تحقيق هذه النية في المدي القصير علي الأقل ففي  30 يناير 2024أشار رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري عقب إعلان انسحاب بلاده من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى أن اتفاقية FCFA قد تكون الخطوة التالية وفي هذه الأثناء اضطرت بوركينا فاسو إلى تأجيل عملية التعبئة المالية في السوق الإقليمية دون إبداء الأسباب كما أشار عبد الله ديوب وأبوبكر ناكانابو وزير خارجية مالي ووزير الاقتصاد في بوركينا فاسو على التوالي خلال البيانات الإعلامية الأخيرة إلى أن بلديهما لا يفكران بعد في مغادرة منطقة الفرنك وقالا : “لقد لاحظنا (…) أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا يتم التلاعب بها في بعض الأحيان من قبل القوى الأجنبية وقال أبو بكر ناكانابو في تصريحات نقلتها وكالة الإعلام البوركينية : “نعتقد أن طريقة العمل هذه لا تتوافق مع ما لدينا كرؤية (…) فيما يتعلق بـ UMOA حتى الآن ليس لدينا نفس هذه الانتقادات” , وقبل أيام قليلة كان وزير الخارجية المالي قد أشار وفقا لتعليقات نقلتها عدة وسائل إعلام إلى أن بلاده ستبقى في الاتحاد النقدي , وتخفف مثل هذه التعليقات من حالة عدم اليقين التي خلقتها تعليقات إبراهيم تراوري رئيس بوركينا فاسو ففي مقابلة أجراها آلان فوكا الصحفي السابق بإذاعة فرنسا الدولية (RFI) أشار إبراهيم تراوري إلى أن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا سيكون المرحلة التالية من عملية “تقرير المصير” التي بدأتها الدول الثلاث التي دخلت في تحالف الساحل , وتأتي المعلومات التي قدمها الوزيران في الوقت الذي اضطرت فيه بوركينا فاسو إلى تأجيل إصدار يهدف إلى تعبئة ما يقرب من 35 مليارفرنك أفريقي (57.6 مليون دولار) يوم 31 يناير 2024 في سوق المال للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. واعترف مسؤول من شركة إدارة الاستثمار بأن إعلانات “تقرير المصير” للمصدرين الأعضاء في تحالف الساحل تشكل مصدرا لعدم اليقين بين المستثمرين وتأكيداً لذلك فبمناسبة نسخة 2024 من اجتماعات سوق الأوراق المالية العامة التي عقدت في كوتونو كشف ممثلو بوركينا فاسو ومالي أن بلديهما يخططان لتعبئة 1,444 مليار فرنك أفريقي و1,220مليار فرنك أفريقي على التوالي في سوق رأس المال الإقليمي (عن طريق المزاد وعن طريق القطاع العام) الأهداف التي تشير إلى أن خروج هذين البلدين من FCFA قد لا يكون على جدول الأعمال هذا العام .

لكن علي أية حال فالتقديرات عن إتخاذ الدول الثلاث لقرار الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي تقديرات مُضطربة قد تكتمل وبالتالي يمكن أن يُنظرإليها بجدية لو أن تقييماً نقدياً / إقتصادياً تم إجراءه حتي يُتخذ القرار السياسي اللازم لها ,  فوفقًا للمعلومات التي تسربت إلى الصحافة الإقليمية فإن هذا القرار ليس مجرد انفصال جديد عن الكتلة الإقليمية لغرب أفريقيا بل إنه يَعِد بعواقب خطيرة ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة لهذه الدول الثلاث التي تعد من بين أفقر دول العالم , لكن بعيداً عن أي التقديرات سيكون مُرجحاً فإني أعتقد أن هناك مخزون من الكراهية متوفر لدي القيادات العسكرية بالدول الثلاث , فمثلاً نجد الجنرال عبد الرحمن تياني رئيس المجلس العسكري   بالنيجر يقول في مقابلة على التلفزيون الوطني في 15 يناير 2024: “لقد سلبتنا فرنسا القوة الاستعمارية السابقة الكثير لأكثر من 107 سنوات وعليها أن تدفع نقدا ديون 65 عاما من النهب الممنهج لمواردنا ووفقا للزعيم النيجيري فإن “العملة هي خطوة للخروج من هذا الاستعمار”وأضاف أن دول الساحل الثلاث “لديها خبراء [نقديون] وفي الوقت المناسب [هم] سيقررون” وأصر الجنرال تياني على أن “العملة هي علامة على السيادة” وأن دول المنطقة “منخرطة في عملية استعادة سيادتها الكاملة”ووفقا له “لم يعد هناك أي شك في أن دولنا هي البقرة الحلوب لفرنسا” , وقبل بضعة أيام كان إبراهيم تراوري رئيس المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو قد أكد بقوة في مقابلة نُشرت على موقع يوتيوب : “الأمر لا يتعلق بالعملة فأيًا كان ما يبقينا في العبودية فسوف نكسر تلك القيود” , وفي سيـــاق مـــتصل حاول رئيس الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو أبولينير يواكيمسون كيليم دي تامبيلا طمأنة البلاد من خلال الذهاب للقاء الفاعلين الاقتصاديين بهدف إقناعهم بأن هذا الخروج من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا يمكن أن يمثل فرصة بعيداً عن المسائل الإيديولوجية وقال: “حكومتنا لن تتخذ أي إجراء دون إشراك القطاع الخاص”خاصة في مواجهة أصحاب العمل في بوركينا فاسو وأكد أن الحكومة ستتفاوض بشأن اتفاقيات ثنائية مع الدول الأعضاء بعد الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وشدد على أن : “الانسحاب من الإيكواس سيسمح لنا بالتالي بإعادة تنظيم أنفسنا وفقا لمصالحنا والتوقيع على اتفاقيات ثنائية مع من يريد ذلك في مختلف المجالات وفقا للمصالح المتبادلة وذلك دون تدخل أي قوة مهما كانت”رئيس الوزراء بينما أبدى القطاع الخاص مخاوفه وهي عديدة وملموسة , ومن جهة أخري فقد أعلن عضو بأحد الأحزاب التشادية (الجمهوري الوطني لتشاد) لـوكالة “سبوتنيك” الروسية أن تحرير الفرنك الإفريقي والعودة إلى الشراكة مع روسيا من الأصول التي ستضمن السيادة الاقتصادية والنقدية للدول الإفريقية حيث يستمر تداول الفرنك الإفريقي الذي يمثل “نير الاستعمار”وأضاف أن الفرنك الأفريقي لا يزال اليوم “نيراً” للاستعمار الجديد الذي قوض لأكثر من 60 عاماً تقريباً تنمية المنطقة و”عمل في إطار غرق الاقتصاد” وبالنسبة للسياسي التشادي فإنه في الظروف الجديدة لعالم متعدد الأقطاب الذي يظهر في السياق السياسي الحالي فإن الشعب “لديه طموح جديد” يتجاوز القادة السياسيين ويطالب “بخطوة إلى الأمام ليكون قادرًا على المساواة مع الشعوب الأخرى التي تعيش” , من أخري وإتصالاً بجدية الدول الثلاث المُحتمل إتخاذها قرار الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي المُرتبطة عضوياً بالمالية الفرنسية فقد عُقد في واجادوجو في 16 فبراير 2024إجتماع لتحالف دول الساحل AESالثلاثة وتم تنظيمه بعد أسابيع قليلة من انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وكرر الوزراء قرارا لا رجعة فيه وتريد دول الساحل الثلاث التي يقودها جنود الآن إنشاء اتحاد كونفدرالي  , من جهة أخري أعلن وزير الدفاع البوركينابي الجنرال قسوم كوليبالي أن “واجادوجو تتيح لنا اليوم الفرصة لاتخاذ خطوة أخرى في مواصلة إنشاء الأدوات والآليات والإجراءات الخاصة بتحالفنا وكذلك في الهيكل القانوني للاتحاد الذي تتوخاه دولنا الثلاث” وحضرت إلى جانبه وفود وزارية من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وقال نظيره النيجيري الجنرال ساليفو مودي: “هذه الآلية ستسمح لتحالفنا والاتحاد الكونفدرالي بالعمل بفعالية لتحقيق السعادة الكبيرة لسكاننا” وقد تمت مناقشة مشروع الكونفدرالية هذا بالفعل في بداية ديسمبر 2023في باماكو خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث وفي مقابلة في 11 فبراير2023على التلفزيون الوطني ذكررئيس  المجلس العسكري في النيجرCNSP الجنرال تياني أيضًا إمكانية إنشاء عملة مشتركة , لكن لُوحظ أن الوزراء لم يراجعوا ميثاق تحالف دول الساحل لكنهم اتفقوا على أن المعاهدة المستقبلية المتعلقة بإنشاء الكونفدرالية ستأخذ في الاعتبار انسحابهم الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وفيما يتعلق بمعاهدة إنشاء الكونفدرالية وهو تحالف لدول الساحل فإنه يقوم علي مرجعيات تاريخية خاصة بشعوب الساحل , وفي هذا الإجتماع حث الوزراء المجتمعين وزراء الخارجية على مواصلة التفكير في المعاهدة بهدف تحسينها قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية لقمة رؤساء الدول”.

جدير بالذكرأن منطقة الفرنك الأفريقي F cfa تتكون من مجموعتين الأولي من من ثمانية دول أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) والتي لديها بنك مركزي مشترك هو البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BCEAO) والثانية  تتكون من ست دول أعضاء في الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (CEMAC) التي تشترك في بنك مركزي آخرهو بنك دول أفريقيا الوسطى (BEAC) ثم تم استبدال UMOA وCMAC بـ UEMOA وإنشاء الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا ثم تم التصديق على معاهدة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في أغسطس عام 1994، ولكن لم يتم التصديق على معاهدة الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا إلا في عام 1994وفي يونيو 1999 زاد عدد الدول الأعضاء في منطقة CFA من 11 إلى 12عندما انضمت مالي إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في عام 1984 ومن 12 إلى 13 عندما دخلت غينيا الاستوائية الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا في عام 1985 ومن 13 إلى 14 عندما انضمت غينيا بيساو إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في عام 1997. وقد استبعدت جنوب أفريقيا ونيجيريا اللتين تمثلان معًا 40% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أجل ذلك كما استبعدت إريتريا وليبيريا وناميبيا والصومال والسودان بسبب عدم وجود إحصاءات موثوقة ,تمثل الصادرات السلعية في منطقة CFAثلث الناتج المحلي الإجمالي وتمثل المواد الخام 90% من قيمة الصادرات , كما يُنظر لصادرات النفط علي أنها ليست ذات أهمية كبيرة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا لكنها تمثل ما يقرب من ثلثي أعضاء الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وتساهم بها ثلاث دول (الكونجو وغينيا الاستوائية والجابون) من إجمالي الصادرات في CEMAC وتتجاوز 80% , بالنسبة لمنطقة CFA ككل فإن ما تم اكتسابه في السبعينيات قد ضاع خلال فترة السبعينيات فالركود الذي شهدته الفترة 1987-1993ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالكاد أعلى منه اليوم , تؤدي التقلبات في أسعار المنتجات المصدرة إلى خفض النمو على المدى الطويل ولم تقم الحكومات بتراكم الاحتياطيات خلال السنوات الجيدة لتوفيرها احتياجاتهم خلال السنوات السيئة بل على العكس من ذلك فقد استفادت الحكومات من ذلك ملاءتها في السنوات الجيدة للاقتراض وعندما تكون أسعار التصدير متدنية لا تكون الحكومات قادرة على الاقتراض من الخارج  .

الفرنك الأفريقي هو عبارة عن عملة تُستخدم في 14 دولة أفريقية منها بنين / بوركينا فاسو / الكاميرون / جمهورية أفريقيا الوسطى / تشاد / الكونجو برازافيل / غينيا الاستوائية / الجابون/  ساحل العاج / مالي / النيجر / السنغال/ توجو / غينيا بيساو وقد تم إنشاء هذه العملة في عام 1945 من قبل فرنسا ولذا تعد واحدة من أقدم العملات الأفريقية وكانت في الأصل مرتبطة بالفرنك الفرنسي ثم بإنضمام فرنسا للإتحاد الأوروبي صار الإرتباط بين اليورو والفرنك الأفريقي حيث اعتمدت فرنسا , وقد كان الفرنك الأفريقي موضوعًا لكثير من الجدل في السنوات الأخيرة حيث شككت العديد من الدول الأفريقية في شرعية العملة وتأثيرها على اقتصاداتها وبينما يجادل البعض بأن الفرنك الأفريقي كان بمثابة قوة استقرار في المنطقة يرى آخرون أنه أعاق النمو الاقتصادي والتنمية , إن أحد الانتقادات الرئيسية للفرنك الأفريقي هو أنه يعتمد بشكل كبير على السياسات الاقتصادية لفرنسا والاتحاد الأوروبي ونظرًا لأن العملة مرتبطة باليورو فإن أي تغييرات في قيمة اليورو يمكن أن يكون لها تأثير كبير على قيمة الفرنك الأفريقي ويرى البعض أن هذا الترتيب أعطى فرنسا قدراً كبيراً من السيطرة على اقتصادات البلدان الأفريقية التي تستخدم الفرنك الأفريقي ويرى أنصار الفرنك الأفريقي أنه كان بمثابة قوة استقرار في المنطقة حيث يوفر عملة موثوقة ساعدت في منع التضخم المفرط وعدم الاستقرار الاقتصادي ويشيرون إلى حقيقة أن الفرنك الأفريقي مدعوم من الخزانة الفرنسية مما يعني أن البلدان الأفريقية التي تستخدم العملة لديها إمكانية الوصول إلى مصدر ثابت للتمويل بينما يري النقاد أن الفرنك الأفريقي قد أعاق النمو الاقتصادي والتنمية في البلدان الأفريقية ويشيرون إلى أن قيمة العملة مبالغ فيها الأمر الذي يجعل الصادرات من البلدان الأفريقية أكثر تكلفة وأقل قدرة على المنافسة في السوق العالمية وقد جعل هذا من الصعب على البلدان الأفريقية تنويع اقتصاداتها والابتعاد عن الاعتماد على الموارد الطبيعية لكن كان من الواضح أن الماليين والإقتصاديين الأفارقة في الفرنكفون كان معظمهم لا يري ربحية إقتصادية من تبني الفرنك الأفريقي  F cfaولذلك وفي السنوات الأخيرة كانت هناك دعوات للدول الأفريقية لتبني عملاتها الخاصة والابتعاد عن الفرنك الأفريقي ومع ذلك فإن قول هذا أسهل من فعله حيث تفتقر العديد من البلدان الأفريقية إلى البنية التحتية والخبرة اللازمة لإنشاء عملاتها الخاصة والحفاظ عليها بالإضافة إلى ذلك تخشى العديد من الدول الأفريقية من أن يؤدي الابتعاد عن الفرنك الأفريقي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم اليقين .

إن عملية إنسحاب الدول الثلاثة النيجر ومالي وبوركينافاسو من إيكواس ثم عزمها علي الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي ذات الإرتباط الوثيق بالإقتصاد والمالية الفرنسية لا شك يعتبر ضربة كارثية للمصالح الفرنسية ولباقي دول إيكواس فتكشف مجلة الإيكونوميست أن رؤوس الحربة في الاقتصاد العالمي سبعة من الاقتصادات العشرة الأسرع نمواً في العالم على مدى السنوات الخمس المقبلة ستكون في أفريقيا : إثيوبيا : 8.1% موزمبيق : 7.7% تنزانيا : 7.2% الكونجو : 7.0% غانا : 7.0% زامبيا ؛ 6.9% نيجيريا : 6.8% وقد ساهمت عدة عوامل في الصحة الاقتصادية الجيدة لهذه البلدان وقد أدت عقود من التقشف في ظل حكم برامج التكيف الهيكلي المتعددة لمؤسسات بريتون وودز إلى توحيد المالية العامة وإنشاء بيئة مواتية للاستثمارات , وعلي صعيد آخر نجد أن بلدان منطقة الفرنك التي تشترك في عملة مشتركة هي فرنك الاتحاد المالي الأفريقي هي البلدان التي تخلفت عن الصحوة الاقتصادية التي بدأت تظهر في أفريقيا بلغت معدلات النمو الإقليمي فيها وفقًا لصندوق النقد الدولي (IMF) في المتوسط ​​5.5% في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) الذي يضم ثماني دول (بنين، وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي). والنيجر والسنغال وتوجو) ونظراً لأن عدد السكان هناك ينمو بمعدل 3% في المتوسط فإن هذا يعني أن الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد لا تتجاوز 2.5% أما بالنسبة للمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (CEMAC) فيبلغ متوسط ​​معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي والسكان على التوالي 4.6% و2.8% مع زيادة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1.8% ونتيجة لذلك تقتصر برامج التنمية لدول منطقة الفرنك في عدد معين من البلدان على برامج مكافحة الفقر حيث يأتي برنامج الأغذية العالمي لإنقاذها لإطعام جزء من سكانها وهذا هو الحال على سبيل المثال في السنغال والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والكاميرون وأسباب هذا التناقض ذات شقين السبب الأول هو الاختيارات الخاطئة التي تقوم عليها السياسة النقدية للبنكين المركزيين في منطقة الفرنك البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BCEAO) وبنك دول وسط أفريقيا (BEAC) ويتعلق السبب الثاني بعدم إحراز تقدم في عملية التكامل الاقتصادي في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا والجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا فالاختيارات الخاطئة للبنوك المركزية فيما يتعلق بالسياسة النقدية ترتكز من ناحية على استراتيجيتها لمكافحة التضخم ومن ناحية أخرى على سعر الصرف وقابلية التحويل والتحويل الحر لفرنك الاتحاد المالي الأفريقي , وفيما يتعلق باستراتيجية مكافحة التضخم لجأ البنك المركزي لدول غرب أفريقيا ومجموعة دول شرق أفريقيا بشكل منهجي إلى تحديد أسعار فائدة رئيسية مرتفعة لتنفيذ هذه الاستراتيجية وضمان استقرار الأسعار في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا والجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا وتأتي هذه السياسة الائتمانية التقييدية نتيجة للتقييم الضعيف للأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار في بلدان منطقة الفرنك ويربط كلا البنكين المركزيين بينهما فائض في المعروض من النقود وهذا غير صحيح لأن ارتفاع الأسعار هو مصدر خارجي أكثر منه داخلي ومن المؤكد أن هناك زيادات تضخمية ترجع إلى عوامل داخلية مثل عدم كفاية العرض الزراعي وعدم استقراره نتيجة دورات الجفاف والتصحر المؤدية للأزمات الغذائية في دول الساحل , لكن التضخم هناك مستورد بالأساس لأنه مرتبط بارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية كذلك فارتفاع أسعار الإيجار النقدي في منطقة الفرنك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغير هذه المعايير ولتوفير حل لعدم كفاية وعدم استقرار العرض الزراعي، كان من المنطقي أكثر تعزيز سياسات سهولة الوصول إلى الائتمان الرخيص للمنتجين لتحفيز الزيادة في إنتاج الغذاء الأمر الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض واستقرار أسعار المواد الغذائية من ناحية أخري وبصفتها حارسة لجزء كبير من المدخرات الوطنية والتدفقات المالية وملاذات لرأس المال المضارب الناجم عن تحرير سياسات سعر الصرف وفي حالة فائض السيولة الدائمة تجمع البنوك التجارية الفرنسية الأرباح عن طريق منح قروض قصيرة الأجل للدول بفائدة تصل لـ 6% يمنحونها لحكومات منطقة الفرنك لتمويل وارداتها من النفط والمواد الغذائية والسلع الرأسمالية وغيرها أما بالنسبة لأسعار الفائدة على القروض الممنوحة للمباني (الشركات والأفراد) فمن الممكن أن تصل إلى 18% فهل يمكن في مثل هذه الظروف أن نتفاجأ بالتغطية المصرفية المنخفضة التي تميز بلدان منطقة الفرنك وتراجع التصنيع فيها ؟

 الــتـــقـــــديــــــر

إن حدث وأنسحبت مالي والنيجر وبوركينافاسو من نطاق الفرنك الأفريقي F cfa فمن المحتمل أن تنهار كتلة الفرنك الأفريقي تدريجياً  فهناك ميل ينمو منذ زمن طويل نسبياً منذ تسعينات القرن الماضي لا يؤيد إستمرار الإرتباط النقدي داخل كتلة الفرنك الأفريقي ليس فقط لكونه وجه كئيب من أوجه الإرتباط بالقوة المُستعمرة السابقة وهي فرنسا لمعظم دول غرب أفريقيا بل لأنه إرتباط خاســــر بالمعايير الفنية النقدية / الإقتصادية ولذا فقد يتدرج الأمر بإنسحابات متتالية في المستقبل وتكتمل الكارثة بتآكل ثم تداعي مكانة فرنسا كقوة دولية كحالة بريطانيا والفائز من هذا الوضع الجديد قوة دولية أخري كبري ناشئة كالصين وروسيا الإتحادية واليابان الذين يراقبون هذا الإنهيار للمكانة الفرنسية عن كثب وبشغف لإقتناص السوق الأفريقي وبصفة أعم للإقتصاديات الأفريقية   .

إن إنسحاب النيجر ومالي وبوركينافاسو من إيكواس ( رغم المادة 91التي تنص علي أن الإنسحاب مداه سنة واحدة وليس فوريا كما يريده الثلاثي المُنسحب) وتلويح هذه الدول الثلاثة بالخروج من منطقة الفرنك الأفريقي المرتبط بفرنسا ( وبالإتحاد الأوروبي بالتبعية) سيشكل ضربة قاصمة للإستراتيجية الفرنسية في أفريقيا التي تُدعي بسياسة Françafrique التي تداولها الرؤساء الفرنسيين علي إختلافهم ما بين اليمين واليسار الفرنسي والذين قام كل منهم بإجراء تعديل ما عليها فيما هي قائمة علي أساس كريه ألا وهو أن أفريقيا لابد أن أفريقيا الفرانكفونية منتج حصري لفرنسا وفي سبيل ذلك أضعفت فرنسا العمليات الديموقراطية في أفريقيا وهشمت المؤسسات المالية والإقتصادية الأفريقية من خلال توطين وترسيخ الفرنك الأفريقي F cfa كعملة متدولة داخل مستعمراتها السابقة بغرب أفريقيا وكان ربط هذه الدول بإتفاقيات عسكرية وأمنية مع هذه الدول إحكاماً للأصفاد الفرنسية لإيدي وأقدام هذه الدول التي شعر الوطنيون المخلصون فيها بأنهم في سجن فرنسي يُخطط له جيداً فلا فكاك منه , ولهذا لا غرابة في توقع أن القادة العسكريين في النيجر وبوركينافاسو ومالي سيمضون نحو تأكيد إنسحابهم من إيكواس التي كالإتحاد الأفريقي تحت التأثير السلبي لنفوذ وتمويل القوي الكبري فلا هما منظمتان محايدتان ولا هما منظمتان تتسمان بالكفاءة والفاعلية كل ما في الأمر أنهما أداة في ستر التدخلات الخارجية للقوي الكبري في القارة كلها وفي غرب أفريقيا خاصة

ألهبت الحرب الظالمة التي يشنها شذاذ الآفاق الصهاينة ومعهم دعم رئيسي من الولايات المتحدة الأمريكية في غزة وكذلك الإنسحاب الدراماتيكي لمالي والنيجر وبوركينافاسو الشعوب الأفريقية بلا أدني شك ومن الواضح أن صورة الكيان الصهيوني في القارة الأفريقية ومبدأ إزدواجية المعايير الذي تنتهجه المؤسسات الأفريقية علي إختلافها ومنها إيكواس ألب النخب الأفريقية وكنتيجة ألب الجماهيير الأفريقية في أرجاء القارة وكشف المكون الإستعماري الحقيقي للقوي الكبري ومنها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا , وبالتالي فلن تكون ثورة مالي والنيجر وبوركينافاسو علي فرنسا القوة الإستعمارية التي أفقرت كل الدول الأفريقية الداخلة في نطاق هيمنتها  كتلك التي في كتلة F cfa هي آخر ثورة تندلع في أفريقيا الفراكفونية بالذات , وقدأعلن في 16 فبراير 2024أنه في الأيام الأخيرة تعرضت سفارتا الولايات المتحدة وفرنسا في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونجو الديمقراطية لاحتجاجات عنيفة وتُتهم الدولتان الغربيتان بدعم الحرب في شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية المستمرة منذ ما يقرب من 30 عامًا وانتشرت مقاطع فيديو لهذه الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي وكانت مصحوبة في بعض الأحيان بتعليقات انتقادية لدور الغرب في أفريقيا وفي هذه التغريدة التي تمت مشاهدتها أكثر من مليوني مرة يشير أحد مستخدمي الإنترنت إلى أن غضب المتظاهرين يمكن تفسيره جزئيا بضريبة استعمارية سنوية قدرها 500 مليار دولار يتعين على جمهورية الكونجو الديمقراطية أن تدفعها لفرنسا  .

بطبيعة الحال سوف تتأثر سإستراتيجية Françafrique تأثراً بالغاً وقد تُستبدل بإستراتيجية جديدة كل الجدة فقد أُستهلكت هذه الإستراتيجية العتيقة وتداعت مؤخراً من دول فرانكفونية ثلاثة ضعيفة ومشكلة فرنسا أنهم تقليديون وشديدو التزمت والإرتباط والزهو بالإرث الإستعماري المقيت لغيرهم , وهم يتبعون في أغلب سياساتهم في مناطق أخري بالعالم نموذج مماثل لنموذج Françafrique , ففي لــبـنـــان مـثلاً نجدهم يقتفون أثر Françafrique بالطائفية التي كرسوها في الدستور اللبناني وهم حتي في مهام المبعوثين الفرنسيين الذين يذهبون ويروحون بين بيروت وباريس يعملون لقاعدة الطائفية حتي في بعض إتصالاتهم مع حزب الله فيما يتعلق بالمواجهة مع الكيان الصهيوني البائس , في كل  الأحوال سوف يكلفهم خروج النيجر ومالي وبوركينافاسو الكثير , لكنهم وعبر المكتب الثاني أو المخابرات الخارجية الفرنسية لا شك يبحثون عن وسائل وطرق ومناهج تعينهم علي التخلص من قادة الإنقلاب في هذه الدول الثلاث فهم أتوا من خارج المقاييس والمعايير الفرنسية ولابد من إنهائهم وبسرعة ففرنسا دائماً مع العسكريين في إستلاب السلطة لكن بشرط أن يكونوا غيرمؤهلين للحكم وكان مستواهم الديني والنفسي والعلمي أو التعليمي متدني , وهو ما يضعه قادة البلاد الثلاثة في الحسبان فهم مدركون ومتنبهون إلي خطر فرنسا أكثر من ذي قبل علي الأمن القومي لبلادهم وسوف يستخدم الإعلام الفرنسي والساسة الفرنسيون ونظرائهما في أفريقيا وبكثافة أكثر مــعزوفــة الإرهاب لكي يثيروا عدم الإستقرار في هذه الدول الثلاث ففرنسا وأضرابها قوة هـــدم لا قوة بـــنــاء وهذا مالم يعتقده قطاع من الساسة والدبلوماسيين الـــعـــرب لشديد الأسف .

أكبر المُستفيدين من الضربة القاصمة المحتملة بالخروج التام الناجذ من منطقة الفرنك الأفريقي والآتية من الثلاثي المُنسحب من إيكواس هم وبالترتيب الولايات المتحدة والصين وروســـيــا , ومن التوقع في الأمد القصير بعد إتخاذ قرار الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي المُرتبط باليرو أن تدفع الولايات المتحدة صندوق النقد الدولي ليدعم هذه الدول كل حسب أهميته الإقتصادية والعسكرية والأمنية لها ليدعم إقتصاديات هذه الدول الثلاث بما يكفي لصد المؤثرات السلبية المتوقعة جدا لهذا الخروج وجعله آمناً بقدر ما فالولايات المتحدة كما فعلت في ملأ الفراغ الذي ترتب علي إنسحاب الإمبراطورية البريطانية من بقاع عدة بالعالم و بالشرق الأوسط خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ومغيب شمسها , فهي الآن تزحف لملأ الفراغ الناتج عن تصفية الوجود الفرنسي في غرب أفريقيا والعالم الفرنكفوني وذلك بصفة تدريجية خالية من الدوي الإعلامي وستكون عملية الملأ هذه بواسطة القيادة الأمريكية العسكرية لأفريقيا AFRICOM ووكالة التنمية الأمريكية الدولية USAID  والتي من أهم وسائل دعمها قانون الفرصة والنمو لأفريقي أو  African Growth and Opportunity Actالصادر عام 2000 والذي يوفر لدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المؤهلة إمكانية الوصول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية لأكثر من 1800 منتج بالإضافة إلى أكثر من 5000 منتج مؤهل للدخول بدون رسوم جمركية بموجب برنامج نظام التفضيلات المعمم  , فالولايات والصين وروسيا كل بقدره وقدرته الإستيعابية يعمل علي إقتناص نصيبه من الفراغ الفرنسي المتوقع في الأمد القصير للوجود المُتعدد في غرب أفريقيا  .

ستحاول فرنسا في الأمد القصير العمل وبمنتهي السرعة علي إتخاذ وسائل إستخباراتية قد تضطرها إلي إتباع وسائل لن تخرج عن معني كونها تخريبية Sabotage لإحباط  إن لم الإنقلاب علي أوكسر إرادة قادة الدول الأفريقية الثلاث النيجر ومالي وبوركينافاسو المُتمردة والناقمة علي فرنسا التي تواجه أكبر أزماتها الآن علي الإطلاق , والأمر المدهش أن فرنسا مازالت تُعامل من قادة الشرق الأوسط علي أنها دولة قوية والتعاون معها ذا مردودية Rentabilité ومرغوبة فيماهي في الواقع السياسي في غرب أفريقيا تُعد دولة أو قوة مذمومة  .

الـــــــــســـــــفــــــيـر : بــــــــلال الــــمــــصـــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقــــاهـــــرة تــحــريــراً في 20 فـبرايـر2024

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى