كيفية مواجهة تحديات كتابة البحوث العلمية : استكشاف العوامل المؤثرة
بقلم : م.د. تمارا كاظم الأسدي – الجامعة المستنصرية/ كلية العلوم السياسية
- المركز الديمقراطي العربي
يعد البحث العلمي اسلوب موجه لاستعراض حقائق معينة يستند الى افتراضات منطقية من أجل الخروج بمعالجات موضوعية لمشكلة محددة بغية تحقيق غايات علمية مطلوبة، ومن هنا سيتم تناول الموضوع من زوايا عدة تتمثل بالأتي:-
أولاً- نظرة في العقبات.
عزوف الباحثين عن البحث العلمي يمكن أن يكون نتيجة لعدة أسباب، منها:
- نقص التمويل: قد يكون التمويل غير كافي لدعم الأبحاث العلمية، مما يجعل الباحثين يواجهون صعوبة في تنفيذ مشاريع بحثية والتركيز على مواضيع مهمة، مما يقلل من إمكانية تحقيق نتائج بحثية ذات جودة، إذ يشكل الأنفاق على البحث العلمي في الدول المتقدمة ما بين (٣-٥%) من متوسط الناتج القومي الأجمالي، أما في الدول النامية فأن الأنفاق البحث العلمي في الدول النامية أقل من (1%) من متوسط الناتج القومي الأجمالي، لاسيمّا أن هيكلية البحث العلمي تندرج في معظم الدول النامية تحت مظلتين رئيستين هما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة العلوم والتكنولوجيا ويلاحظ أن هناك أزدواجية وتداخلاً في مهامها، وكما لا توجد آلية تجمع بينهما، مقابل غياب دعم القطاع الخاص للمؤسسات البحثية العربية وضعف التعاون مع منظمات المجتمع المدني، في حين أن القطاع الخاص يشكل الممول الأكبر لأنشطة البحث والتطوير في الدول المتقدمة بخاصة العلوم التطبيقية والتقنية، فقد انفق القطاع الخاص ضعف إنفاق القطاع العام في كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، فيما لم يتجاوز الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير (30%) في الولايات المتحدة و (20%) في اليابان، بينما الحالة تكون معكوسة في الدول العربية حيث لم يتجاوز إسهام القطاع الخاص معدل (5%) من إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير، وبالتالي قد أدى إفتقار مراكز البحوث الى التمويل في بعض الدول النامية عموماً وبعض الدول العربية خصوصاً الى نتيجتين ملموستين هما:
- صعوبة إيجاد جهات ممولة للبحث العلمي، فجعل المراكز العلمية تضطر أحياناً إلى قبول شروط وأجندات معينة لتوجيه مخرجات هذه البحوث والابتعاد عن الموضوعية.
- ضعف مخرجات البحوث بسبب تدني كفاءات الأدوات المستعملة في جمع البيانات.
- الضغوط الأكاديمية: تزداد الضغوط الأكاديمية على الباحثين مع الزمن، مما يمكن أن يقلل من وقتهم المخصص للبحث والإبداع، إذ أن نقص الدعم الأكاديمي، سواء من الجامعات أو المؤسسات البحثية، عائقًا أمام استمرارية الباحثين وتحفيزهم.
- ضغوط النشر والتقييم: عملية نشر البحوث تصبح أحيانًا معقدة وتكلفة، فالضغط لنشر البحوث في مجلات مرموقة مثل مستوعبات سكوباس قد يؤدي إلى التركيز على الكمية على حساب الجودة، مما يؤثر على رغبة الباحثين في المشاركة في البحث العلمي.
- نقص التحفيز: قد يشعر بعض الباحثين بنقص التحفيز نتيجة لعدم رؤية قيمة أو تأثير إيجابي يمكن أن ينتج عن أبحاثهم.، مما يولد شعور بعدم الاهتمام الكافي في بعض الأحيان، يمكن أن ينقص الاهتمام العام بالبحوث العلمية أو أن يُقدر الباحثين بشكل غير كافي، فضلاً عن انعدام التشجيع والدعم قد يكون هناك نقص في الدعم والتشجيع من الجهات الحكومية أو المؤسسات الأكاديمية للباحثين.
- تحول الاهتمامات: يمكن أن يؤدي تغيير اهتمامات الشباب والباحثين إلى تحولهم نحو مجالات أخرى بعيدًا عن البحث العلمي.
- صعوبة الوصول إلى الموارد والبنية التحتية: في بعض المناطق، يكون من الصعب الوصول إلى المكتبات والمختبرات والمعدات اللازمة للبحث العلمي.
- قلة الفرص الوظيفية: نقص الفرص الوظيفية في مجال البحث العلمي يمكن أن يجعل الباحثين يتجهون نحو مجالات أخرى توفر لهم فرصًا أكبر.
- التحديات الشخصية والعائلية: الظروف الشخصية والعائلية قد تكون عائقًا أيضًا، حيث يمكن أن يواجه الباحثون تحديات مثل التوازن بين العمل والحياة الشخصية، لذا ضغوط الحياة والالتزامات الشخصية والاقتصادية قد تكون عاملاً رئيسا في تحديد الوقت والجهد المخصصين للبحث العلمي.
- المتطلبات البيروقراطية: الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات المرتبطة بالبحث العلمي يمكن أن تكون عائقًا.
- قلة المراجع والدوريات العلمية لاسيّما باللغة العربية في بعض الاحيان، مما اضطر الدارسون إلى الاعتماد على المراجع الأجنبية وترجماتها، دون الوعي باختلاف الثقافات.
- ضعف مهارات البحث العلمي لدى بعض الباحثين: وأهم هذه المهارات يتعلق باختيار موضوع البحث، وتحديد المشكلة وعدم الخلط بين الأهداف والأهمية، ووضع خطة البحث، مما يؤدي لانعدام الرغبة البحثية الجادة لدى الباحثين، هذا فضلاً عن عقبة كبيرة يعاني منها عدد كبير من الباحثين هي ضعف مستوى اللغة الانكليزية التي تعد الأوسع والأكثر انتشارا على المستوى العالمي.
وبناءّ على هذهِ الاسباب فأن انقطاع البحث العلمي يمكن أن يسفر عن تأثيرات سلبية على التقدم العلمي والتنمية. ويؤدي ذلك إلى تقليل إمكانية اكتشاف المعلومات الجديدة وابتكار التقنيات الحديثة، مما يحد من تطور المجتمع والاقتصاد.
“الحلول والمعالجات”
أولاً- الدور المؤسسي والحكومي:
لتعزيز البحث العلمي، يجب تخفيف هذهِ العقبات وتوفير بيئة داعمة ومشجعة للباحثين ويتمثل الدور المؤسسي والحكومي في دعم البحث العلمي في:
- توفير التمويل والبنية التحتية الضرورية، ووضع سياسات تشجيعية لتعزيز الأبحاث الابتكارية. يشمل ذلك إقامة مراكز بحثية وتشجيع المؤسسات الأكاديمية والصناعية على التعاون عبر زيادة الميزانيات المخصصة للإنفاق على البحوث العلمية.
- ربط الجامعات ومراكز البحوث بشبكات وقواعد المعلومات الدولية، وبناء قاعدة معلوماتية شاملة لتيسير الحصول على المعلومة والمعرفة من أيه جهة في العالم، كذلك الربط بين مراكز البحوث العربية ومراكز البحوث في الدول الأوربية لخلق الاحتكاك مع تلك المراكز ورفع مستوى البحث العلمي.
- يجب وضع تصور عام ومخطط للبحث العلمي على مستوى الجامعات عبر تحديث المكتبات الجامعية بأحدث الكتب العلمية في مختلف التخصصات والاشتراك في المجلات العلمية العالمية المتخصصة.
- تقليل الأعباء الإدارية والتدريسية الملقاة على عاتق أعضاء التدريس من أجل إعطائهم الوقت الكافي للقيام بالبحوث العلمية ، وتحسين الوضع المادي للباحثين وأساتذة الجامعات؛ لخلق الحافز للبحث العلمي.
- إنشاء هيئات مهمتها الإشراف على عملية البحث والتطوير بدلا من ارتباط البحث العلمي بالجامعات المرتبطة بالوزارات وتخصيص ميزانية كبيرة لهذه الهيئات ومنحها استقلالية تامة من أجل رفع مستوى البحث العلمي، والابتعاد عن الروتين الاداري والمالي المعقد الذي يعد عقبة كبيرة أمام تطور البحث العلمي.
- تشجيع الشباب والباحثين على ممارسة البحث العلمي عبر توفير الفرص والدعم المناسب، مثل ورش العمل او اعتماد حوافز ومكأفات مالية ومعنوية مشجعة تغطي التكاليف المعيشية وتكاليف البحوث، والتركيز على العمل الجماعي المشترك من خلال البحوث المشتركة والفرق البحثية وتكثيف الحوارات العلمية.
- تفعيل أسلوب المنافسات البحثية، وتحفيز الفضول والاستكشاف من خلال توفير موارد تعليمية وأمثلة نموذجية للأبحاث الناجحة. كما يمكن استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل لتوفير منصات تبادل المعرفة وتشجيع التفاعل بين الباحثين الشبان.
- تقديم التسهيلات للباحثين الناشطين في مجال المشاركة في المؤتمرات والندوات داخل البلد وخارجه من ناحية الايفاد وتغطية تكاليفه ومكافأة الباحثين المشاركين في تلك المؤتمرات سنوياً.
- تمثل إقامة مراكز بحثية متقدمة وتوفير فرص التدريب للباحثين الشبان أيضًا خطوات مهمة، علاوة على تعزيز ثقافة الابتكار وحماية حقوق الملكية الفكرية يسهمان في جذب المواهب ودعم الاستدامة البحثية، كما أن التفاعل المستمر مع المجتمع العلمي العالمي وتبادل المعرفة يعزز أيضًا التطور العلمي في هذه المجتمعات.
- الاهتمام بتنشيط الترجمة للأبحاث والمصادر العلمية الأجنبية الى اللغة العربية.
ثانياً- دور الباحثين:
- التركيز على البحوث التطبيقية والميدانية ، فهذا النوع من البحوث قادر على معالجة المشكلات التي تعترض عمل منشآت الأعمال سواء في القطاع العام أو الخاص، على الرغم من أهمية البحوث النظرية.
- تطوير اللغة الانكليزية لدى الباحثين عبر إقامة دورات لتعلم اللغة.
- أتباع أساليب أكثر حداثة في البحث العلمي من خلال تفعيل طريقة الاستبانة وأجراء المقابلات على سبيل المثال.
- كذلك لتحقيق النجاح في كتابة بحث علمي ومواجهة تحديات كتابة البحوث العلمية يمكن للباحثين اتباع الخطوات الاتية:
- اختيار الموضوع بعناية: من خلال تحديد مجال محدد للبحث يثير اهتمام الباحث، والتأكد من أنه ذو صلة بمجال دراسته.
- إجراء البحث الأولي: عبر البحث عن الأدبيات العلمية المتعلقة بالموضوع للحصول على فهم شامل للمشكلة والتحديات المحتملة.
- وضوح الهدف: تحديد هدف البحث بوضوح، وتقديم شرح حول كيفية سيسهم في حل تحديات كتابة البحوث العلمية.
- تحليل العوامل المؤثرة: عبر تحليل العوامل التي تؤثر على عملية كتابة البحوث العلمية، مثل التقنيات، والمصادر، والجوانب الأخلاقية.
- تنظيم المعلومات: يقوم الباحث بتنظيم المعلومات بشكل منهجي في هيكل منطقي، يشمل مقدمة، وأجزاء رئيسة، وخاتمة.
- الكتابة الفعّالة: استعمال لغة دقيقة وواضحة، ومدروسة في التعبير عن الافكار وتجنب الجمل المعقدة بدرجة كبيرة.
- مراجعة وتحرير البحث: القيام بمراجعة وتحرير البحث بعد كتابته للتحقق من السلامة اللغوية وتنسيق المراجع بشكل صحيح.
- الالتزام بالأخلاقيات البحثية: لابد للباحث التأكد من احترام الأخلاقيات البحثية، مثل توثيق المصادر وتجنب الانتحال الأدبي.
- التعاون وطلب المساعدة: عن طريق مشاركة الافكار مع الأخرين للحصول على آراء وتعليقات.
- التقييم الذاتي: لابد من مراجعة البحث بانتظام وتقييم مدى التقدم، فضلاً عن استعداد الباحث لإدخال التحسينات الضرورية.
باتباع هذه الخطوات، يمكن تحسين فرص النجاح في التغلب على تحديات كتابة البحوث العلمية، وبالتالي التقليل من رغبة الباحثين في العزوف عن كتابة البحوث العلمية.