الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

السودان بين ضياع السيادة والكوارث الإنسانية

اعداد : محمود السقا – باحث متخصص في الشأن الافريقى .

  • المركز الديمقراطي العربي

 

شهدت السودان خلال العام المنصرم حرب من أسواء الحروب التى مرت عليها خلال تاريخها الممتلئ بالحروب الأهلية و عدم الإستقرار السياسى حيث دمرت تلك الحرب معظم البنية التحتية المهترأه فى الأساس و أدت إلى أزمة نزوح من أصعب الأزمات التى مرت على العالم فى العقد الأخير على الأقل وفقدت خلالها السودان السيطرة على معظم الأراضى و الحدود .

يعتبر السبب الرئيسى وراء الإشتباكات هوا الإتفاق الإطارى المدعوم من الإتحاد الأوربى و الذى يحدد توقيت وأسلوب دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية فى الجيش السودانى وأسلوب إختيار القائد العسكرى للجيش هل هو ضابط محترف تدرج فى الرتب فى الجيش السودانى كما يرجح البرهان أم أنه مدنى منتخب من خارج المؤسسة العسكرية كما يرجح حميدتى ليتيح فرصة لقادة الدعم السريع بالمنافسة على ذلك المنصب العسكرى الرفيع .

الأوضاع الأمنية و العسكرية على الأرض .

1 – المشهد فى العاصمة السودانية .

إندلع الصراع بين الدعم السريع و الجيش السودانى فى 15 أبريل 2023 وفى خلال فترة وجيزة وبتاريخ 30 مايو من نفس العام تمكنت قوات الدعم السريع من إسقاط الفيلق الإستراتيجى للقوات المسلحة السودانية حيث أدى ذلك إلى التحكم فى طرق الإمداد للجيش السودانى بعد السيطرة على معظم المواقع العسكرية فى الخرطوم بما فيها مجمع اليرموك العسكرى [1] والذى تسبب فى أزمة شديدة فى الذخائر و الأسلحة و نتيجة لذلك إستولت قوات الدعم السريع شبة العسكرية على القصر الرئاسى ومبنى الأذاعة وسيطرة الدعم السريع على محطات الإذاعة بالكامل إلا أن الجيش السودانى إستطاع فى إستمرار البث التلفزيونى من أماكن أخرى و حاول الجيش السودانى الدفاع المستميت عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة مستخدماً التفوق الجوى مما أجبر قوات الدعم السريع على اللجوء للمنشئات المدنية و الإحتماء بها برغم من ذلك فرضت ملشيا الدعم السريع سيطرتها على الخرطوم وتعتبر العواصم أحد الأهداف الهامة فى أى حرب والتى بالإستيلاء عليها يتحقق أحد عوامل النصر إلا أن سيطرة الدعم
السريع على الخرطوم منقوصة وغير مستقرة مما يجعل من الصعب جداً تقييم
أعمال القتال بها .

إستطاعت قوات الدعم السريع التقدم تجاه مدينتى أم درمان وبحرى المجاورتين للخرطوم حيث أظهرت ذلك مدى خفة الحركة و القدرة على المناورة العالية على عكس القوات المسلحة التى تعانى من ضعف البنية مثل باقى مؤسسات الدولة و تعانى بالإضافة إلى إستخدامها المعدات الثقيلة عديمة الجدوى فى حرب المدن بالإضافة إلى عدم الخبرة فى تلك الحروب .

تمكنت ملشيا الدعم السريع بعد ذلك من السيطرة على قاعدة للمدرعات جنوب الخرطوم و التى كانت مقر لقيادة الإنقلاب الذى اطاح بالبشير وفى منتصف ديسمبر2023 تمكنت ملشيا الدعم السريع من السيطرة على ولاية الجزيرة فى الخرطوم حيث إرتفع معدل العنف الإنتقامى وأدى ذلك إلى نشر الخوف فى الولايات التى تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية مما دعى الملشيات العرقية و المجتمعية إلى الإحتشاد ضد ملشيا الدعم السريع[2] .

2 –  المشهد شرق السودان .

إتجهت قوات الدعم السريع بالعمليات إلى دارفور التى كانت شاهداً على أعمال العنف على يد الجنجويد سابقا ًحيث أعلنت سيطرتها على الفرقة 15 المشاة بالجنينة وبعد أقل من أسبوع أعلنت سيطرتها على الفرقة 16 فى نيالا و الفرقة 21 بولاية وسط دارفور و سيطرت على غرب دارفور فى 15 أكتوبر 2023 وقد قامت قوات الدعم السريع بعدة جرائم حرب فى غرب دارفور مما دفع الناس إلى النزوح للشرق و التكدس فى المدارس فى محاولة للحماية من هجمات ملشيا الدعم السريع خاصة أنه لم يتبق سوى الفاشر عاصمة شمال دارفور خارج سيطرة الدعم السريع ويبدو أن أعمال الإغتصاب كانت ممنهجة وموجهة ضد الناشطات السياسيات بسبب دورهن أو دور عائلاتهن النشط سياسياً و المناهض لقوات الدعم السريع [3].

و سرعان ما تحول الأمر فى غرب دارفور إلى مواجهات بين الملشيات العربية المدعومة من  قوات الدعم السريع و الملشيات العرقية المدعومة من قوات التحالف السودانية وطالت الخلافات الملشيات العربية وتحول إلى حرب فيما بينها مثل النزاع بين قبيلتى السلامات وبنى هلبة حيث أشعل تلك الصراعات التنافس فى السيطرة على الأراضى و الموارد الطبيعية للدولة التى لم يعد له سيطرة على معظم الأراضى فى دارفور.

كثفت القوات المسلحة السودانية هجماتها الجوية على الفاشر فى محاولة حرمان قوات الدعم السريع من السيطرة عليها وأعلنت جماعات المتمردين السابقة وعرقية الزغاوة عن تعبئة عامة تهيئاً لهجوم محتمل على الفاشر لكن الخلافات بين تلك المجموعات أدت إلى تقويض إستقرار التحالف فقد دعمت بعض الجماعات القوات المسلحة السودانية و بقت أخرى على الحياد و أعلنت أن هدفها الرئيسى هو حماية المدنين وبرغم ذلك قام جيش تحرير السودان وهو حركة حياد بالسيطرة على جبل مرى وهى منطقة حدودية بين شمال ووسط وجنوب دارفور ونشر قواته فى الفاشر وقد قام بالتحذير من أى هجوم للقوات الدعم السريع عليها .

تعتبر تحركات الدعم السريع فى دارفور مؤشر على محاولة إنفصال ملشيا الدعم السريع بالإقليم و أيضا تحسين الوضع العسكرى بعد التعرض لعدد من الهزائم فى الخرطوم بعد فشل ملشيا الدعم السريع فى السيطرة على مرافق القوات المسلحة فى الخرطوم و القبض على كبار القادة .

3 – المشهد فى جنوب السودان  .

تعتبر كوردفان مركزا لوجيستيا حيث أنها تتمتع بموقع فريد بين بين دارفور  والمنطقة الوسطى بما فيه الخرطوم وأدت الإشتباكات بين ملشيا الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى إغلاق الطريق بين بارا وأم درمان والذى تستخدمة قوات الدعم السريع فى التهريب من داخل و خارج الخرطوم .

حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الأبيض عاصمة شمال كوردفان حيث أدى ذلك إلى زيادة العنف فى المدينة ونقص حاد فى السلع وتقييد حرية حركة الأفراد بعد أن تم تدمير مطار الأبيض كما أدى القصف العنيف و ضربات المدفعية إلى تدمير البنية التحتية للمدينة مما دفع الملشيات العرقية إلى الإشتباك مع ملشيا الدعم السريع بما جعل الأمر أكثر عنفاً و تعقيداً حيث أصبح النقص فى الأغذية و الأزمات الأنسانية  مؤثرات جديدة تواجه كوردفان وعلى زاد من حدتها النزوح من الخرطوم والولايات المجاورة [4].

فى جنوب كوردفان تم إستهداف قرى منطقة قردود نياما من ملشيات متحالفة مع قوات الدعم السريع مثل قرى اللبان والسلامات القريبة من حى العباسية بقوات كبيرة من الملشيات المسلحة مما خلف كم هائل من الدمار وحرق المنازل مما أدى زيادة أعداد المصابين المنقولين لمستشفى العباسية مما يستنزف مواردها الطبيه المحدوده فى الأساس .

كانت معظم الهجمات توجه للقرى التى تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان و أصبح النازحون إلى جنوب كوردفان يعانون المزيد من أعمال العنف و السلب و النهب للمتلاكاتهم .

فى غرب كوردفان كانت مدينة بابنوسة التى تضم الفرقة 22 المشاة تشهد إشتباكات عنيفة بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية و إمتدت الإشتباكات للقبائل بالمنطقة حيث تجددت المواجهات بين قبيلة المسيرية و قبيلة الحمر التى تعود للعام 2022 حيث إتخذت القوات المسلحة السودانية قبيلة الحمر كحليف وزودتها بالأسلحة بما يؤكد على محاولة القوات المسلحة السودانية و ملشيا الدعم السريع الإستفادة من الخلافات العرقية لتحقيق مكاسب شخصية بالنهاية نجد ان الحال لا يختف كثيراً عن دارفور من حيث تعدد الملشيات المسلحة المنقسمة الذى يجعل الأمر أكثر تعقيداً .

بالنظر للأوضاع على الأرض نجد أن النزاع المسلح بدأ بين ملشيا الدعم السريع و القوات المسلحة السودانية ولكنه إستقطب عدة ملشيات مسلحة آخرى يمكن تقسيمها فى خمس إتجاهات متباينة الإتجاه الأول يمثل الملشيات التى تدعم القوات المسلحة السودانية وقد تم تسليحها و تدريبها بواسطة القوات المسلحة الإتجاه الثانى ملشيات تدعم ملشيا الدعم السريع مولتها ودربتها الملشيا ايضاً أما الإتجاه الثالث فهو الملشيات التى تدعى أنها محايدة وأن هدفها الأساسى هو حماية المدنيين بينما الحقيقة أنها تسعى لتحقيق مصالح خاصة الإتجاه الرابع هى ملشيات تتقاتل على أساس عرقى أو دينى أما الإتجاه الخامس ويعتبر الأخطر هو ملشيات تحاول السيطرة على الأرض و الموارد الطبيعية بما ينذر بكارثة آخرى مستقبلاً .

الأوضاع السياسية .

1 – السياسة الداخلية .

عام 2023 وبعد إندلاع النزاع المسلح بدأت ملشيا الدعم السريع  تقديم نفسها على أنها لاعب سياسى جديد حيث قام زعيمها بتعيين لجنة سياسية بمهمة التنسيق مع القوى السياسية الآخرى سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية ونشرت الملشيا ما أسمته رؤيا جديدة لكيفية حكم السودان و الأسباب الجذرية لعدم الإستقرار السياسى فى السودان .

وبرغم من أن الملشيا تحاول تقديم مخرج سياسى للوضع فى السودان إلا أنها فى حد ذاتها تؤثر على الأمن القومى السودانى كونها ضالعة فى علاقات مباشرة مع القوى الإقليمية و الدولية وقد أدت حربها مع القوات المسلحة السودانية إلى إنتشار تجارة الأسلحة عبر الحدود وباتت حدود السودان ضعيفة وغير مسيطر عليها وأصبحت السودان سوق للأسلحة لتغذية الأطراف المسلحة[5] .

وتفتقر القوات المسحلة السودانية إلى التوحد على هدف واحد وتجنيب النزاعات السياسية الداخلية  حيث تعتبر المصالح الشخصية و الإقتتال السياسى من المشاكل المزمنة داخل القوات المسلحة والتى تؤثر بدورها على وزارة الخارجية السودانية وأسلوب صنع السياسة الخارجية للدولة بما أفقد الدولة القدرة على إيضاح الصورة بداخلها و إكتساب التأييد العالمى للجيش السودانى و إظهار الأعمال الإجرامية التى تنتهجها ملشيا الدعم السريع [6] .

2 – التدخلات الخارجية فى السودان .

أدى الفشل  السياسى للمجلس العسكرى السودانى إلى عدم إمتلاك الدولة القدرة على السيطرة على البلاد مما نتج عنه تدخلات أجنبية فى الشأن الداخلى السودانى لعدد من الدول فقد التقارب الأيرانى مع السودان حيث ذودت القوات المسلحة السودانية بالطائرات بدون طيار مهاجر 6 ويؤثر ذلك التقارب على الأمن الإقليمى لمنطقة البحر الأحمر فقد سعت أيران إلى فرض وجودها فى منطقة البحر الأحمر لحماية مصالحها فى المنطقة مما قد يسبب تعارض تلك المصالح مع دولة أخرى قد يؤدى ذلك لتمدد الصراع العسكرى بين فاعلين أخرين[7] .

أما الأمارات العربية المتحدة فقد تم إتهامها بتقديم الأسلحة والدعم اللوجيستى لماشيا الدعم السريع ومن جانبها أكدت الأمارات أن وجودها فى المنطقة لتقديم الدعم الأنسانى فقط وأنها قامت بإنشاء مستشفى ميدانى فى مدينة أمجراس بتشاد وبلغت عدد الرحلات من الأمارات إلى مطار أمجراس عدد 122 رحلة وقد تقدمت السودان بشكوى إلى مجلس الأمن مفادها أن الأمارات قدمت دعماً لملشيا الدعم السريع مما أدى إلى إشعال الحرب فى السودان ما تسبب عنه مقتل آلاف من الشعب السودانى ونزوح الملايين وأن أفعال الأمارات تهدد الأمن و السلم اللإقليمى و الدولى و قد تم إعتبارها عدوان على سياسة السودان [8].

بنيت الإتهامات السودانية للإمارات على أنه تم ضبط عدد من الأسلحة الأمارتية فى الحرب بحوزة ملشيا الدعم السريع تبرهن على تورط الأمارات فى الحرب السودانية وقد تؤدى هذة الشكوى إلى تغيير الأوضاع فى السودان و السماح للتدخلات الخارجية بشكل أكثر بعد اللجوء إلى مجلس الأمن الأمر الذى أدى إلى إصطفاف بعض القوى الدولية إلى جانب السودان و إصطفاف البعض الآخر إلى جانب الأمارات مما أدى إلى زيادة دائرة الصراع [9].

وقد تم إكتشاف تورط روسيا فى دعم ملشيا الدعم السريع عن طريق إكتشاف صواريخ كورنيت الروسية بحوزة مقاتلى الدعم السريع تم توريدها لهم عن طريق فاجنر وتستهدف روسيا فى الأونة الاخيرة تعزيز نفوذها فى القارة الأفريقية على حساب نفذ الإتحاد الأوربى و أمريكا وتقدم الحماية لدول أفريقيا على يد قوات فاجنر مقابل الحصول على نسبة من الموارد الطبيعية للدولة وشهدت الأونة الأخيرة تدخل أوكرانيا لدعم القوات المسلحة السودانية للتأثير على المصالح الروسية فى دولة السودان .

جعلت الحرب بين ملشيا الدعم السريع و القوات المسلحة السودانية من دولة السودان ساحة للصراعات الدولية أثبتت عدم سيطرة المجلس الإنتقالى على الدولة وجعل منها ساحة للمعارك الدولية ومعركة لفرض النفوذ الدولى على حساب الشعب السودانى الذى طالما عانى من الأزمات السياسية .

الأوضاع الإقتصادية .

يوجه السودان أحداث مختلفة منذ عام 2018 أحدثت دمار فى إقتصاده حيث فقدت العملة السودانية أكثر من ثلث قيمتها و تأكل إحتياطى النقد الأجنبى ونتيجة النزاعات المسلحة و عدم الإستقرار السياسى إنعدام الأمن و أعمال السرقة و النهب فقد السودان رأس المال البشرى و توقف الإنتاج الأمر الذى شل قدرة الدولة حيث إنخفض النمو الإقتصادى إلى -18.3 وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولى .

وقد إنكمش الإقتصاد السودانى بنسبة 40% عام 2023  و من النتظر أن يستمر فى الإنكماش بنسبة 28 % بنهاية عام 2024 وفقاً لوزارة المالية السودانية نتيجة الأضرار التى ألحقتها الحرب بالقطاع الصناعى للسودان و أيضاً تدمير البنية التحتية بالعاصمة السودانية مما دفع الحكومة السودانية إلى التفكير فى بناء عاصمة جديدة .

إنخفض متوسط دخل الفرد بشكل كبير لكن وقد تم إخفاء التقارير التى تذكر مستوى الإنخفاض فى متوسط دخل الفرد عمداً و قد زاد الفقر بشكل مفجع وتفيد بعض التقارير إلى أن عدد السكان اللذين يعيشون بأقل من 2.15 دولار يومياً زاد بنسبة 33 % عام 2023 وقد زاد معدل الفقر ليصل إلى 66.1 % عام 2022 طبقاً لأخر إحصائية تمت فى السودان .

وقد أدى النزاع المسلح إلى تدمير البنية التحتية للنظام المصرفى وتعرضت البنوك للسرقة و النهب و تم إستهدافها بواسطة صواريخ و مدفعية كلا الطرفين المتصارعين إلا أن بنك السودان تمكن فى الأونة الأخير من إستعادة النظام المصرفى الأساسى
و تمكن من  ربط 23 بنك من أصل 37 إلا أنه لم يتمكن من إستعادة نظام المقاصة الإلكترونية ونتيجة لذلك أصبح تحويل الأموال بين البنوك غير ممكن الأمر الذى زاد الوضع الإقتصادى الهش فى الأصل من التدهور [10].

الأوضاع الإنسانية .

أ – حالات القتل .

الوضع الإنسانى فى السودان يزداد سوء وصول إلى وصفه بأصعب ازمة إنسانية تشهدها البشرية بعد مرور عام على النزاع المسلح فقد تم إرتكاب العديد من الجرائم فى حق الشعب السودانى وخلال عام تشير النتائج إلى حدوث 4000 حالة عنف سياسى أدت إلى مقتل ما يقرب من 16000 حالة قتل إلا أن هذة الإحصائية ليست دقيقة نظراً لإستحالة دخول مراقبيين إلى السودان [11].

ب – النازحيين و اللاجئين

و بالرغم من حدة الأزمة فى السودان فإن المجتمع الدولى يتناسى تلك الأزمة إلى ان وصل أعداد النازحين ما يقرب من 8.6 مليون نازح منهم 6.6مليون نازح و 2 مليون لاجئ وتستضيف تشاد 37 % من اللاجئين و جنوب السودان 30 % من اللاجئين ومصر 24 % بينما تستضيف إثيوبيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى مجتمعين 8% وقد أثرت أزمة اللاجئين على تلك البلاد خاصة مع تزايد أعداد اللاجئيين و الدخول بشكل غير شرعى مما جعل اللاجئين أزمة أخرى خارج السودان[12] .

ﺟ – جرائم العنف الجنسى .

تقوم ملشيا الدعم السريع بإرتكاب عدة جرائم بشكل ممنهج ضد الشعب السودانى من ضمنها جرائم الإغتصاب والعنف الجنسى فقد تم رصد  ما لا يقل عن 118 حالة عنف جنسى إرتكبت من قبل ملشيا الدعم السريع ذات التاريخ الممتلئ بتلك الجرائم منذ إشتراكها فى أخماد تمرد إقليم دارفور[13] .

د – النظام الصحى .

توقفت حوالى 70 % من المنشأت الصحية فى السودان عن العمل حيث تم قصف 13 مستشفى و تم إخلاء 19 أخرى قسراً و تم إستهداف الأطقم الطبية و مخازن الأدوية و قد أدى إحتلال أطراف النزاع المسلح للمستشفيات و المختبر المركزى للصحة بالسودان إلى تعطل تقديم الخدمات الصحية الأمر الذى أدى إلى إصابة الأطفال بأمراض مزمنة و متوطنة قد تم القضاء عليها من قبل و أن تلك الأمراض ستستغرق عدة سنوات للقضاء عليها مرة أخرى .

أيضا تسبب الجثث الملقاه بالشوارع و طرقات السودان نتيجة تقاتل أطراف النزاع زيادة الضغط على القطاع الصحى وتؤدى إلى زيادة الأزمة الصحية و زيادة إحتمال تعرض المواطنين للأمراض و الأوبئة المعدية وقد حذرت منظمة الصحة العالمية عدة مرات من خطورة تواجد جثث دون دفن فى الشوارع [14].

ه – الأمن الغذائى .

يتعرض ما يقرب من 18 مليون سودانى لخطر المجاعة من أصل 45 مليون نسمة هم سكان السودان بنسبة تصل إلى 40% وقد تم رصد أن الأفراد المتواجدون فالأماكن الأكثر تضررا يحصلون على وجبة واحدة يومياً كما يشكل إرتفاع أسعار المواد الغذائية أحد أهم التحديات للحكومة وقد تم رصد عدة سرقات للمساعدات الإنسانية المقدمة للشعب السودانى على يد ملشيا الدعم السريع بما يزيد الأوضاع سوء و قد ساهم تدهور الوضع الإقتصادى و توقف معظم الأسواق فى زيادة حدة أزمة الأمن الغذائى ما جعلها أكبر أزمة نقص أغذية فى العالم منذ عقود[15] .

  • من خلال ما سبق يمكن إستنتاج – عدد من السيناريوهات –  التى قد تتم فى السودان فى ظل الأزمة الراهنة .

السيناريو الأول : تغلب القوات المسلحة على ملشيا الدعم السريع .

ينطلق هذا السيناريو من تغيير القوات المسلحة لإستراتيجية القتال و إتباع عقيدة الهجوم بدلاً من الدفاع وبمعاونة بعض القوى الدولية والملشيات التى تم تدريبها من المحتمل أن تتغلب القوات المسلحة على قوات الدعم السريع وتتولى مسئولية إستكمال المسار الديموقراطى لكن فى هذة الحالة ستواجه القوات المسلحة السودانية عدة تحديات أهمها نزع السلاح من جميع الملشيات لعدم تكرار أحداث الدعم السريع إعادة الأعمار لما تم تدميرة خلال النزاع المسلح التوافق على حكومة إنتقالية تمثل جميع الفئات و العرقيات دون أقصاء لأحد وذلك الأمر من الصعوبة بما يجعله شبه مستحيل فقد شهد السودان العديد من الإنقسامات و محاولات الإنقسام التى فككت الدولة وجعلت منها دولة فاشلة .

السيناريو الثانى : تغلب ملشيا الدعم السريع على القوات المسلحة .

ينطلق هذا السيناريو من إحتمالية إنهاء الحرب لصالح ملشيا الدعم السريع حيث أنها هى الأخف حركة و الأقدر على حرب العصابات لما يتوفر لها من خبرة لإشتراكها فى حرب إقليم دارفور ولكن هذا السيناريو مستبعد لعدم تقبل معظم العرقيات لنجاح ملشيا الدعم السريع وفى هذا السيناريو سيكون التحدى أمام ملشيا الدعم السريع هو إكتساب الشرعية الدولية وبناء علاقات دولية و إقليمية فى ظل رفض العديد من القوى الدولية و الإقليمية لها و أيضا سيوجهها تحدى إعادة الإعمار للبنية التحتية التى تم تدميرها وتقديم تعويضات للشعب السودانى عن الجرائم التى إرتكبتها الملشيا فى حقه .

السيناريو الثالث : تمكن القوى الدولية من توافق طرفى النزاع المسلح .

ينطلق هذا السيناريو من محاولة بعض القوى الإقليمية الوفاق بين طرفى النزاع المسلح لكن هذا السيناريو مستبعد نظراً لعدم حسم أعمال القتال المسلح على الأرض وعدم وصول أحد أطراف الصراع لمرحلة الإنهاك بما يجعله يفضل الوصول لحل سلمى للصراع وأيضاً خوف أطراف النزاع من التعرض للمسألة بشأن الجرائم التى إرتكبت فى حق الشعب السودانى وتدخل بعض القوى الأجنبية لتغذية النزاع و إستمراره قائم لتحقيق مصالح خاصة .

السيناريو الرابع : تقسيم السوان إلى دويلات .

ويعتبر هذا السيناريو الأخطر و هو تمزق السودان وإتخاذ كل ملشيا مسلحة لجزء وأعلان إنفصاله وفى هذة الحالة ستكون القوى الدولية مضطرة لإعطاء العرقيات حق تقرير المصير على غرار ما حدث فى جنوب السودان لإيقاف الحرب ومحاولة حل الأزمات الإنسانية الاصعب فى تاريخ البشرية الناتجة عن أعمال النزاع المسلح .

الخاتمة

فى النهاية نجد أن السودان أصبحت دولة فاشلة متناحرة مفككة ويصعب على أياً من أطراف النزاع المسلح حسم الأمر لصالحه فقد فرض الطرفين حرب الرابح فيها هو أكبر الخاسرين حيث أنه سيواجه تحديات إعادة إعمار دولة دمرت البنية التحتية لها و أصاب شعبها الفقر و إنهار القطاع الصحى و الإقتصادى بها وسيواجه صعوبة تجميع العرقيات المختلفة و إحياء المسار الديموقراطى مرة أخرى .

[1] – مجمع اليرموك هو مجمع مصانع للأسلحة و الذخائر و مخزن للسلاح  على عمق 120 م تحت الأرض جنوب العاصمة السودانية تم إستهدافه بواسطة أربع طائرات وتعتبر إسرائيل المتهم الأول بإستهداف مجمع اليرموك .

[2]–  Bringning clarity to crisis , One Year of War in Sudan , London , 14 April 2024 , https://acleddata.com/2024/04/14/sudan-situation-update-april-2024-one-year-of-war-in-sudan/

[3]  – human rights watch , Darfur : rabid supports forces  : alelid militaris rape dozens , new yourk , August 17, 2023 , https://www.hrw.org/news/2023/08/17/darfur-rapid-support-forces-allied-militias-rape-dozens .

[4]ACAPS , North Kordofan: pre-crisis and current situation ,( moraco , 10 octoper 2023 ) , pp 2 – 3

[5]  – international affairs fourm , The RSF Militia Can’t Play Any Political Role , united state of America , 27 april 2024 https://www.iaforum.org/Content/ViewInternal_Document.cfm?contenttype_id=1&ContentID=9657  .

[6] –  Areej elhage , Policy Analysis , RSF’s Battle Successes in Sudan: The Consequences of Legitimizing Hemedti ,turkey, 10 jan 2024 https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/rsfs-battle-successes-sudan-consequences-legitimizing-hemedti  .

[7]  –  jonathancampbell ., washington institute for near east polcy . curbing outside intervention in sudan war , ( united state , 4 april 2024 ) https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/curbing-outside-intervention-sudan-war .

[8]  – الميادين نت , السودان  يقدم شكوى إلى مجلس الأمن الدولى ضد الأمارات , ( لبنان , 29 مارس 2024 )  https://www.almayadeen.net/news/politics/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9–

[9] – jonathancampbell ., washington institute for near east polcy . curbing outside intervention in sudan war , ( united state , 4 april 2024 ) https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/curbing-outside-intervention-sudan-war .

[10]  – gov-uk , Country policy and information note: humanitarian situation, Sudan, February 2024 (accessible) , united kingdam ,  5 March 2024 , https://www.gov.uk/government/publications/sudan-country-policy-and-information-notes/country-policy-and-information-note-humanitarian-situation-sudan-february-2024-accessible .

[11]  – [11]-  Bringning clarity to crisis , One Year of War in Sudan , London , 14 April 2024 , https://acleddata.com/2024/04/14/sudan-situation-update-april-2024-one-year-of-war-in-sudan/ .

[12]  – gov-uk , Country policy and information note: humanitarian situation, Sudan, February 2024 (accessible) , united kingdam ,  5 March 2024 , https://www.gov.uk/government/publications/sudan-country-policy-and-information-notes/country-policy-and-information-note-humanitarian-situation-sudan-february-2024-accessible .

[13]   – jamey keaten , Rape and sexual violence in Sudan’s ongoing conflict may amount to war crimes, a new UN report says , p b s news houer , united state , 23 february 2024 https://www.pbs.org/newshour/world/rape-and-sexual-violence-in-sudans-ongoing-conflict-may-amount-to-war-crimes-a-new-un-report-says .

[14]  – gavi , vaccineswork , Sudan conflict leaves health system in ‘total collapse’ , 5 may 2023 https://www.gavi.org/vaccineswork/sudan-conflict-leaves-health-system-total-collapse?gad_source=1&gclid=CjwKCAjwxLKxBhA7EiwAXO0R0KMI4zHBI19lgDnhSIIJ1zbBGUycTy5_bKZzS0X-e6X3FjpOTnVR7hoC4mIQAvD_BwE .

[15]  – government of the Netherlands , Threat of food crisis in Sudan: potentially the biggest famine in decades ,Netherlands ,  15 april 2024 , https://www.government.nl/latest/news/2024/04/15/threat-of-food-crisis-in-sudan-potentially-the-biggest-famine-in-decades .

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى