الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

 حماس وإيران …. إلى أين؟!

إعداد الباحثة : هبة المُعز –  باحثة دكتوراه- كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة- مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد

بدأت العلاقة بين حماس وإيران في أوائل التسعينيات، حيث كانت إيران تبحث عن حلفاء في مواجهة النفوذ الغربي والإسرائيلي في الشرق الأوسط، ووجدت إيران في حركة حماس شريكاً استراتيجياً في هذا السياق، وعلى مر السنين تطورت العلاقة لتشمل تبادل الدعم العسكري، بما في ذلك تقديم الأسلحة والتدريب العسكري، كما زاد التعاون المالي حيث قدمت إيران ملايين الدولارات لدعم حماس في مختلف المجالات العسكرية والتكنولوجية والسياسية.

وتعد العلاقة بين حماس وإيران معقدة وذات جوانب متعددة، حيث شهدت العلاقة بعض التوترات في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال؛ اختلفت حماس وإيران بشأن القضايا الإقليمية مثل النزاع في سوريا،  حيث دعمت حماس جماعات المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد وهو ما كان موضع خلاف مع الموقف الإيراني الذي دعم النظام السوري، ورغم ذلك استمرت إيران في تقديم الدعم لحماس، نظراً للروابط الاستراتيجية بين الطرفين في مواجهة إسرائيل

ومن خلال هذه الورقة سنوضح طبيعة العلاقة بين حماس وإيران، والدوافع التي تعزز من تلك العلاقة، ثم التداعيات المحتملة على مقتل القيادي البارز إسماعيل هنية.

  • الخلفية التاريخية لطبيعة العلاقة بين حماس وإيران

برزت حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عقب خروج أكبر دولة عربية من الصراع العربي– الإسرائيلي وتوقيع اتفاق كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، وشن إسرائيل حرباً شاملة على لبنان عام 1982 أدت لاحتلال العاصمة بيروت وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وبدأت علاقة إيران تتبلور مع الحركات الإسلامية في فلسطين مع تراجع علاقة طهران بالمنظمة، فاستقبل الخميني عام 1988 في طهران زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فتحي الشقاقي، وأخذت علاقة إيران بحركة المقاومة الإسلامية “حماس” تتبلور بعد عامين من نشوء الأخيرة أي عام 1990، وهو العام الذي عقدت فيه طهران مؤتمراً لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، كما دشنت إيران مكتباً سياسياً لحماس في طهران عام 1991، وذلك بناءً على طلب حماس خلال المؤتمر الثاني لدعم الانتفاضة بوجود تمثيل سياسي لها في طهران(1).

وتأسست العلاقة بين الطرفين من جهة حماس اتساقاً مع رؤيتها الثابتة القاضية بالتعاون مع كافة الدول والجهات في المنطقة لخدمة القضية الفلسطينية، على قاعدة التوازن دون الانحياز لأحد الأطراف الإقليمية أو لأي من المكونات الداخلية لهذه الأطراف، وعلى قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة والجهات، وبعيداً عن الاختلاف الطائفي لعبت الخلفية الإسلامية الحركية للطرفين ورؤيتهما لوجوب تحرير فلسطين كاملة من نهرها إلى بحرها وعدم الاعتراف بإسرائيل، ودورها في تقريب وجهات النظر والتعاون في مسار المقاومة  المسلحة ودعم صمود الشعب الفلسطيني(2).

وتمكنت حماس وهي البنية الأكثر أهمية في المقاومة الفلسطينية، من الحصول على الدعم اللوجستي والفني الذي تحتاج إليه إلى حد كبير من إيران؛ لمواصلة قتالها ضد الكيان المحتل، وبما أن موقع النظام الإيراني في السياسة العالمية يسمح له بدعم حماس، فإن هذا الوضع -بلا شك- جعل من الضروري بالنسبة لحماس تعزيز علاقاتها مع إيران من أجل مقاومة مستدامة(3).

  • دوافع العلاقة بين حماس وإيران

منذ أوائل التسعينيات قدمت إيران دعماً ملموساً لحماس من خلال الدعم المالي والعسكري والتدريبي، ويوجد عدة دوافع لكلا الطرفين ، سنوضحها على النحو الآتي:

 دوافع إيران متمثلة في:

  1. الاستراتيجية الإقليمية:  تسعى إيران في تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال تعزيز موقعها كزعيم للمحور الشيعي في الشرق الأوسط، ودعم حماس كحركة إسلامية سنية، كما تسعى إيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال دعم حركات المقاومة ضد إسرائيل، وتعتبر حماس جزءاً من محور المقاومة، الذي يشمل حزب الله في لبنان وبعض الميليشيات في العراق وسوريا.
  2. الهدف الأيديولوجي: تسعى إيران إلى دعم الحركات التي تتشارك معها في الأيديولوجية الإسلامية المعارضة للغرب وإسرائيل، مما يعزز موقفها كقائد للمحور الشيعي ضد النفوذ السني الغربي والصهيوني
  3. الضغط الجيوسياسي: تحاول إيران من خلال دعم حماس إحداث ضغوط على إسرائيل وحلفاؤها، مما يسهم في تحقيق أهدافها السياسية والجيوسياسية.

أما بالنسبة لدوافع حماس فهي متمثلة على النحو الآتي:

  1. الدعم المالي والعسكري: تحتاج حماس إلى دعم مالي وعسكري لدعم نضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتوفر إيران هذا الدعم بشكل كبير، مما يعزز قدرتها على الاستمرار في مقاومتها ضد المحتل، كما توفر التدريب العسكري والأسلحة لحماس مما يعزز من قدراتها العسكرية ويزيد من قدرتها على مواجهة إسرائيل.
  2. االتحالفات الاستراتيجية: تسعى حماس إلى تأمين تحالفات قوية لتعزيز موقفها الإقليمي، وتوفر إيران  لها منصة دعم قوية ضمن استراتيجية أوسع لمواجهة إسرائيل، كما توفر  لها إيضاً دعماً سياسياً ومكانة ضد محور المقاومة.
  3. الأيديولوجية: بالرغم من التباين الطائفي بين حماس السنية وإيران الشيعية، وتجمع بينهما أهداف مشتركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز النفوذ في المنطقة، وتعزيز حقوق الفلسطينيين.
  • تداعيات اغتيال القائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يضع إيران في ورطة حقيقية

جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران بعد 12 ساعة فقط من  غارة نفذتها مسيرة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في العاصمة البنانية بيؤوت، وقد أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عنها،وقال إنها استهدفت القيادي البارز في حزب الله” فؤاد شكر” المساعد الأقرب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتتضارب التصريحات بشأن مصير فؤاد شكر بين إسرائيل وحزب الله، ففي الوقت الذي أكد فيه الجيش الإسرائيلي مقتل شكر، واسمه العسكري محسن شكر، وقال إنه كان” اليد اليمنى” لحسن نصر الله، ورئيس المنظومة الاستراتيجية للتنظيم(4).

واغتيال هنية في طهران، حيث كان يشارك في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً مسعود بزشكيان، يعني أن الضربة طالت بنفس القوة إيران بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، تذكيراً بأن مسرح العمليات في تلك الليلة كان ممتداً على رقعة واسعة، من بيروت إلى طهران مروراً ببابل العراقية التي شهدت في نفس التوقيت قصفاً لمجموعات مسلحة مرتبطة بإيران، وتشير بعض التقديرات إلى أن إسرائيل قد تعد اغتيال هنية نقطة النهاية لحربها في غزة، وتسوقه باعتباره انتصاراً مهماً مؤذناً بانتهاء العمليات العسكرية في القطاع دون اتفاق مع الطرف الفلسطيني..لكنه وبالنظر إلى ما سبق وأعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أهداف لحرب غزة، فإن الاغتيال قد يكون بالنسبة له محطة مهمة في طريق تحقيق تلك الأهداف، لكن دون إنهاء العمليات في الوقت الراهن(5).

قد تكون هناك تداعيات كبيرة على طهران التي تعتبر من الداعمين الرئيسيين لحماس، ومن أبرز التداعيات المحتملة:

  1. الضغط السياسي:  قد تواجه طهران ضغطاً لتقديم ردود فعل قوية على هذا الحدث، نظراً لدعمها المستمر لحماس.
  2. التوتر الإقليمي: قد يؤدي اغتيال  إسماعيل هنية إلى تصاعد التوتر في منطقة الشرق الأوسط، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي بما في ذلك مصالح إيران.
  3. ردود الفعل العسكرية: قد تدعم إيران حماس عسكرياً أو تساهم في تصعيد الصراع، مما يزيد من احتمالية التوترات مع الأطراف المعنية في الصراع.
  4. تأثير في العلاقات الدولية:  قد يتسبب الحادث في تغيير الديناميات الدولية المرتبطة بإيران بما في ذلك علاقاتها مع القوى الكبرى والدول الإقليمية.
  5. الضغوط الدولية والإقليمية: تلعب الضغوط الإقليمية والدولية دوراً في التأثير على العلاقة بين الطرفين سواء عن طريق العقوبات والضغوط على إيران التي من الممكن أن تؤثر على قدرتها في دعم حماس.

ختامًا، اغتيال إسماعيل هنية القيادي البارز في حركة حماس قد يؤثر على العلاقات لبين إيران وحماس بعدة طرق،  حيث كان هنية له دور كبير في تعزيز العلاقة بين حماس وإيران لذا فقد يشهد الوضع بعض التغييرات في مستوى التعاون والدعم، ولكن من المتوقع أن تستمر العلاقة بين الطرفين حيث تعتبر إيران داعماً رئيسياً لحماس في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد تسعى إيران إلى الحفاظ على هذه العلاقة وتعزيزها من خلال دعم قادة آخرين داخل الحركة.

المصادر:

  1. روكسانا سلامة،” إيران والقضية الفلسطينية: ما بين الأيديولوجيا والمصلحة القومية”، مجلة شؤون فلسطينية (فلسطين: مركز الأبحاث الفلسطيني، العدد277، 2019م)، ص ص 103-122
  2. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات،” مستقبل العلاقة بين حماس وإيران”، تقدير استراتيجي(65)، مارس 2014م، تاريخ الدخول 31 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط  https://2u.pw/oWbFzwZ
  3. محمد حسين مرجان،” قراءة في مسار العلاقات بين حماس وإيران”، مجلة رؤية تركية، 4يونيو 2024م، تاريخ الدخول 31 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/RaJcgjIp
  4. ما التداعيات التي ستترتب على اغتيال إسماعيل هنية، بي بي سي عربي، 31 يوليو 2024م ، لمزيد من التفاصيل https://2u.pw/fg7celiP
  5. سمير العركي،” التداعيات الاستراتيجية لاغتيال إسماعيل هنية”، 31 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى https://2u.pw/O8TmHIkH
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى