جدلية العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية: دراسة تطبيقية جمهورية الصين الشعبية 1978 – 2022
إعداد الباحث : رامز الشيشي – إشراف : أ.د. أحمد إبراهيم خضر (أستاذ علم الاجتماع السياسي المتفرغ بجامعة الأزهر ) – د. لبنى غريب مكروم (مدرس العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد، جامعة السويس)
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة: –
بادئ ذي بدء، تُعَدُّ العلاقة بين الديمُقراطية واستقرار الحُكم، والتنمية بصفة عامة أو “التنمية الاقتصادية” بصفة خاصة من العلاقات الجدليَّة والمثيرة للاهتمام للعديد من المُنظرين في علمي السياسة والاقتصاد على حد السواء. فالانتعاش الاقتصادي لدولة ما يُساعد ويُعزز بشكل كبير من استقرار النظام السياسي السائد فيها، بينما تؤثر المصاعب والقلاقِل الاقتصادية بشكل سلبي في درجة قبول الشعوب لنُظم الحُكم السائدة في بلادها. ومن جانب آخر، هناك من يرى أن الاستقرار السياسي يُعَدُّ عاملًا رئيسيًا من العوامل المساعدة في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الخارجية. وخلافًا لذلك، فإنه عندما تعصف المشكلات السياسية بدولة ما قد يكون ذلك مرآه عاكسة عن الأداء الاقتصادي الضعيف لهذه الدولة، أو دليل على عدم فعالية مؤسسات ذلك النظام الرسمية والغير رسمية. ونتيجةً لذلك، يُدرك خُبراء الاقتصاد وعلماء السياسة بشكلٍ متزايد ضرورة وأهمية وجود مؤسسات قوية للديمُقراطية والتنمية، حيث تتفاعل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الرسمية وغير الرسمية، مع بعضها البعض لتشكيل وتوزيع الثروة والسُلطة في مجتمع معين. كما أنه عند الإشارة إلى التنمية كعملية تضمن تطورًا للمجتمعات الإنسانية نجد أنها تتضمن في طياتها اختزالًا لجوانب متعددة ومتداخلة فيما بينها سواء كانت (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وثقافية) تتفاعل فيما بينها، بغض النظر عن المحور الذي يدور في سياقه هذا التفاعل.
وبالتالي، فإن نقطة البدء عند الحديث عن التنمية بجانبيها السياسي، والاقتصادي أو بالأحرى المتغير الأهم في تحقيق التنمية، والذي يثور بشكل خاص في تيار الدراسات الانمائية الغربية وخصوصًا “الأمريكية” والتي ترى أن المتغير الاقتصادي المستقل هو الأكثر أهميةً، في حين المتغير السياسي التابع هو الأقل أهميةً. ومن ثم، فإنه بعد إنجاز خطوات كبيرة إزاء التنمية الاقتصادية، فإنه نتيجةً لتلك الخطوات التي تتمثل في (وجود طبقة برجوازية، وتحول في البنية الطبقية، وجود مستوى تعليمي لائق، دخول مرتفعة، توسع عمراني) ستتحقق الديمُقراطية على أساس أن مثل تلك الخطوات أو الشروط تتضمن توفير البيئة المُلائمة للديمُقراطية. وهناك تيار برؤية مغايرة يذهب بأن المتغير السياسي المستقل هو الأكثر أهميةً، وأنه يستوعب المتغير الاقتصادي التابع. بعبارة أخرى، أن الديمُقراطية هي النظام المُلائم لتحقيق التنمية الاقتصادية وذلك لما تتمتع به من خصائص (كالمساءلة، الشفافية، وسهولة تدفق المعلومات). وفي هذا السياق، تُمثل التنمية الاقتصادية والتحول الديمُقراطي أهمية كبرى في أڇندة السياسة الخارجية للحكومات الغربية والمؤسسات الدولية. وبالتوازي مع ذلك، نجد أنهما يُشكلان تحديين أساسيين للدول النامية لاسيما دول أوروبا الشرقية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذا المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي “الياسمين”، أو أنها ليست ضرورية بالمرة كما في حالة النظام السياسي الصيني. وعلى المستوى النظري، عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الديمُقراطية والتنمية، فإن وجود العملية الديمُقراطية وتوطيدها لا يعني ضمنًا أن التنمية الاقتصادية أمر لا مفر منه، حيث إن جمهورية الصين الشعبية، حققت تنميتها الاقتصادية على أيدي زعماء الحزب الشيوعي الصيني، فهذا التطور يأتي في الوقت الذي حاول فيه الحزب الشيوعي الصيني أن يكسر احتكار العالم الديمُقراطي للتقدم الاقتصادي. فلقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الأسرع نموًا اقتصاديًا وليس أدل على ذلك من ارتفاع مستويات المعيشة فيها كل ٣٠ عامًا تقريبًا، في حين تضاعفت مستويات المعيشة في الصين كل عِقد من الزمان تقريبًا في الأعوام الأربعين الماضية. بل أكثر من ذلك، تقول النُخب الصينية إن نموذجها الذي أحكم الحزب الشيوعي الصيني تنظيمه والجهد الكبير الذي بذله لملء الموهوبين صفوف القيادة السياسية العُليا أكثر كفاءةً من الديمُقراطية وأقل عرضةً للجمود، فالقيادة السياسية الصينية تتغير مرة كل ١٠ سنوات تقريبًا. ومع ذلك، يميل الاقتصاديون إلى تفضيل انتشار الديمُقراطية من خلال النظر إليها على أنها قيمة في حد ذاتها، مرتبطة بمفهوم الحرية، ولكن هذا أكثر قبولًا على المستوى النظري منه على المستوى العملي.
كما أن العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية وفقًا للنظام السياسي الصيني هي علاقة ذات طبيعة مرنة، حيث استطاع الحزب الشيوعي الصيني باستلهامه للمرتكزات الأساسية للنموذج الغربي (الحرية، الملكية الخاصة)، وذلك بالتوازي مع الحفاظ على خصوصيته الثقافية فيما تم تسميته “الاشتراكية بخصائص صينية” أن يحافظ على استقرار النظام الاجتماعي. وقد برز ذلك بشكلٍ واضح مع الخطط الخمسية التي قامت على يد مهندس الإصلاح الاقتصادي “دينج شياو بينج” عام ١٩٧٨؛ لتتماهي وتتناغم مع ثقافة الشعب الصيني، وكذا طبيعة النظام السياسي الصيني نفسه الذي مر بموجات مضطربة منذ بداية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين تمثلت في رضوخه لإرادات القوى العظمى فيما عُرِفَ بقرن الإذلال الصيني الأمر نفسه الذي يُشكل دافعًا لسياسة الرئيس الحالي “شي جين بينغ” في الوقت الراهن والتي تتمثل في رؤيته للصين ٢٠٤٩. هذا بجانب تعزيز البنية التحتية كتأكيد للسيادة العالمية، وربط العالم مع الصين من خلال مشروع الحزام والطريق. أكثر من ذلك، يُمثل النموذج التنموي الرائد لجمهورية الصين الشعبية تحديًا للديمُقراطية الغربية التي تعاني من اضطرابات متعددة وتحديدًا مع ضعف إدارتها لقضايا شائكة في النظام الدولي الراهن كجائحة كوفيد-١٩ مع تعامل النظام الصيني المُتميز في السيطرة على الجائحة واحتوائها؛ بفضل التدابير الصارمة وانخفاض أعداد الإصابات والوفيات. بينما شهدت عدد من الدول الديمُقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية والهند وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة معدلات مرتفعة وذلك وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، وجامعة ڇونز هوبكنز.
إشكالية الدراسة: –
تتمثل المشكلة البحثية في محاولة التعرف على طبيعة العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية، حيث إنها من الموضوعات ذات الطبيعة الجدلية بين المُنظرين سواء في علم السياسة أو الاقتصاد، وأنها لا تزال غير محسومة حتى الآن. فلقد طُرِحَ تياران فكريان حول ذلك ظهرت في شكل طابع جدلي يتعلق بمسألة الأولوية، هل التنمية الاقتصادية هي التي تقود إلى الديمُقراطية أم أن الديمُقراطية هي التي تقود إلى التنمية الاقتصادية؟ وبالتطبيق على جمهورية الصين الشعبية التي تُعَدُّ من الدول التي حققت مستويات متقدمة من التنمية الاقتصادية، وانعكاسات ذلك على إمكانية التحول الديمُقراطي فيها.
وبالتالي، فإن هذه الدراسة ستسعى للإجابة على التساؤل الرئيسي التالي:
إلى أي مدى يُمكن للتنمية الاقتصادية أن تساهم في عملية التحول الديمُقراطي بجمهورية الصين الشعبية؟
تساؤلات الدراسة: –
ما هي طبيعة العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية؟
ما هي طبيعة النظام السياسي الصيني؟
ما هي مؤشرات التنمية الاقتصادية في جمهورية الصين الشعبية؟
ما هي طبيعة التفاعل بين السياق الاقتصادي والسياسي في جمهورية الصين الشعبية؟
ما هي التحديات التي يواجهها النظام السياسي الصيني؟
فرضية الدراسة: –
تقوم هذه الدراسة على افتراض رئيسي مفاده أن هنالك تأثير متبادل بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية.
حدود الدراسة: –
–الحَد المكاني: يتحدد الحَد المكاني للدراسة في العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية نظريًا، وتطبيقيًا في جمهورية الصين الشعبية؛ إذ إن جمهورية الصين الشعبية من الدول التي استطاعت تحقيق مستوى متقدم من التنمية الاقتصادية دون أن تتبنى الديمقراطية كنظام حكم.
–الحَد الزمني: يتحدد الحَد الزمني للدراسة في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين حيث جدلية العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية في جمهورية الصين الشعبية منذ ١٩٧٨ حتى ٢٠٢٢؛ وذلك لأن عام ١٩٧٨ يُمثل البداية الحقيقية لعملية الإصلاح الاقتصادي التي قام بها الرئيس الصيني “دينج شياو بينج” حتى العام ٢٠٢٢ لأنه يعكس المستوى المتقدم من التنمية الاقتصادية التي حققتها على مدار العقود السابقة، وكذا انعكاس تلك التنمية بشكل واضح علي مكانة جمهورية الصين الشعبية في الترتيب الاقتصادي العالمي من خلال مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط دخل المواطن الصيني.
أهداف الدراسة: –
معرفة العلاقة الجدلية بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.
معرفة طبيعة النظام السياسي الصيني.
معرفة واقع التنمية الاقتصادية والإلمام بمراحلها في النظام السياسي الصيني.
توضيح إمكانية مساهمة التنمية الاقتصادية في التحول الديمقراطي في النظام السياسي الصيني.
توضيح أبرز التحديات التي تواجه النظام السياسي الصيني.
أهمية الدراسة: –
تكمن أهمية الدراسة في توضيح العلاقة ذات التأثير المتبادل بين التنمية الاقتصادية والديمُقراطية بالتطبيق على جمهورية الصين الشعبية، وذلك بالنظر إلى كونها إحدى دول العالم النامي. كما أن الدراسة من شأنها تزويد صُناع القرار في الدول العربية تحديدًا بأهمية وضرورة إيجاد نوع من التوافق بين التنمية الاقتصادية والديمُقراطية على حد السواء، وذلك بغض النظر عن تجربة النظام السياسي الصيني الاشتراكي الذي استلهم الحرية، والملكية الخاصة بوصفها مُرتكزات أساسية للنموذج الغربي مع احتفاظه بخصوصيته الثقافية التي هي جزء لا يتجزأ من منظومته القيمية.
الدراسات السابقة: –
تتعدد وتتنوع الأدبيات الغربية التي تناولت العلاقة ذات التأثير المتبادل بين كلًا من الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية، ولذلك، سيتطرق الباحث لأبرز الدراسات التي تناولها الباحثين وفقًا لرؤيتهم الخاصة حول تلك العلاقة في الاتجاه الأول الآتي:
الاتجاه الأول: الدراسات التي توضح العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية.
أولًا، دراسة: “سيمور مارتن ليبست” بعنوان (حول الشروط الاجتماعية لقيام الديمقراطية: التنمية الاقتصادية والشرعية السياسية)[1]
قام عالم الاجتماع الأمريكي “ليبست” في دراسته هذه بإجراء مقارنة تجريبية في كل من الدول المُتقدمة في أوروبا الغربية، وكذا الدول النامية في أمريكا اللاتينية وذلك من خلال العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. خلص ليبست من دراسته إلى أن هناك نوعًا من الإيجابية بين دخل الفرد والديمقراطية بمعنى أنه كلما ارتفع دخل الفرد، كلما ارتفعت احتمالات أن هذه الدولة ستكون أكثر ديمُقراطيةً. وبالتالي، فإن التنمية الاقتصادية وفقًا له تؤدي إلى تحقيق الديمقراطية. ويتضح من تقسيمه لدول أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية إلى أن الدول التي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية تكون على حد وصفه “ديمُقراطيات مستقرة”، في حين الدول المتأخرة اقتصاديًا وصفها بكونها نُظم ديكتاتورية.
ثانيًا، دراسة: “ايفرت هاجن” بعنوان (إطار مرجعي لتحليل التغير الاقتصادي والسياسي)[2]
رأى هاجن أن مستويات التقدم الاقتصادي يُمكن التعبير عنها في وجود مؤشرات مرتفعة (التعليم، التحضر، الرفاهية، التصنيع، الدخل، التطور الاتصالي). بجانب ذلك، صنف النظام السياسي ومستوى الديمقراطية الموجود في دولة ما في وجود ما أسماه “بالمنافسة السياسية” كمرادف للديمقراطية. ونتيجةً لهذا، فإن الدول صُنِفَتْ إلى دول تنافسية، دول شبه تنافسية، دول سلطوية. وانتهت دراسة هاجن إلى أن التقدم الاقتصادي سيوازيه تقدم مُماثل في المنافسة السياسية، بعبارة أخرى أنه نتيجة لارتفاع مؤشرات التنمية الاقتصادية السابق ذكرها، فإن الديمقراطية ستتحقق.
ثالثًا، كتاب: “صامويل هنتنجتون” بعنوان (الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين)[3]
رأى صامويل هنتنجتون أن العوامل الاقتصادية كان لها بالغ الأثر على الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي التي بدأت في البرتغال ٢٥ إبريل ١٩٧٤ بانقلاب عسكري على نظام “مارسيلو كايتانو”، حتى وصول “أنطونيو رومالو” ذو التوجهات الديمقراطية نوفمبر ١٩٧٥، ومن ثم انتشار الموجة الثالثة لتصبح موجة عالمية تضم ثلاثون دولة حتى عام ١٩٩٠. كما انتهى هنتنجتون إلى أن ذلك التحول مرده الطفرة الهائلة التي شهدتها أسعار النفط في السبعينات، والتي أدت إلى انتكاسات أضعفت الأنظمة السلطوية. كما أن تحقيق دول عديدة لمستويات عالية من النمو الاقتصادي في منتصف الستينات من القرن العشرين حتى أوائل السبعينات؛ مهد الطريق لقيام الديمقراطية. وأشار هنتنجتون إلى أن موجات التحول عادةً ما يُصاحبها موجات مضادة كالفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى مثل وصول موسوليني إلى إيطاليا، وهتلر إلى ألمانيا.
رابعًا، كتاب: “عصام فاهم العامري” بعنوان (المأزق العالمي للديمقراطية بلوغ نقطة التحول)[4]
رأى العامري أن الديمقراطية تُعاني من مأزق، وذلك وفقًا لمؤشرات القياس المعتمدة لها، وانتكاساتها وبروز تحديات متعاظمة تنحدر بها إلى نوع من الدكتاتورية والقيصرية؛ الأمر الذي أوصلها إلى نقطة تحول حادة سببها الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الدخول نتاج لما وصفه بـ “توعك الديمقراطية”. ونتيجة لذلك، تواجه احتمالين أولهما: حدثًا مماثلًا لما حدث في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، والمتمثل في انحسار النظم الديمقراطية، وتصاعد النظم السلطوية. ثانيهما، السير بها إلى آفاق رحبة تنهض بمؤسساتها مرة أخرى. كما رأى العامري أن الديمقراطية عندما طُبِقَتْ خارج الغرب، لتمدد في الدول العربية مثل العراق وليبيا وغيرها من الدول التي عانت خلال السنوات الماضية أن تلك الدول انهارت. كما أنه مع انهيار النُظم الديكتاتورية أصبحت هذه الدول تعاني الآن الاضطراب والفوضى وانعدام الأمن وتدهور في الأوضاع الاقتصادية. ووفقًا له، فإن الفوضى الداخلية والحرب الأهلية أسوأ من الدكتاتورية والقمع وغياب الحريات.
ولهذا، نرى بعد استنباطنا لرؤية العامري أنه حاول الربط بين الديمقراطية ومعدلات التنمية الاقتصادية بشكلٍ غير مباشر، وذلك بعد أن انحسرت وتمثلت في انخفاض الدخول، وتدني مستوى المعيشة مع اندلاع الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية. أي أن هناك علاقة بين التنمية الاقتصادية واستقرار النظم الديمقراطية. كما أن تطبيق مثل تلك الديمقراطية في نظم ديكتاتورية عربية قد لا تكون بالفكرة الجيدة، لاسيما أن هذه النظم كان لديها معدلات تنمية مرتفعة انحسرت تمامًا بعد التدخل فيها بحجة نشر الديمقراطية!
خامسًا، كتاب: ” ڇورج سورينسون” بعنوان (الديمقراطية والدمقرطة العمليات والآفاق في عالم متغير)[5]
رأى سورينسون أن التدخل واسع النطاق من قِبَل الدولة في الاقتصاد أمر صعب جدًا أن يحدث، إن لم يكن مستحيلًا في دولة ديمقراطية. فالنظام السياسي السلطوي برأيه يزيد من معدل التنمية الاقتصادية، في حين أن النظام السياسي الديمقراطي هو ترف يُعيق التنمية الاقتصادية. فالسمة المميزة للنظام التنموي السلطوي هي القدرة على تعزيز كلًا من النمو والرفاهية. فالحكومة الصينية موجهة نحو الإصلاح وتتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية، كما تسيطر على جهاز الدولة الذي يتمتع بالقدرة البيروقراطية والتنظيمية لتعزيز التنمية وتديره نخبة من الدولة الملتزمة أيديولوجيًا بتعزيز التنمية الاقتصادية.
سادسًا، كتاب: “مورتون هالبيرن”، ” ڇوزيف سيغل”، “مايكل اينشتاين” بعنوان (ميزة الديمقراطية: كيف تعزز الديمقراطيات الرخاء والسلام)[6]
رأوا أن نوع وطبيعة النظام السياسي لدولة ما هو العامل المهم في تحديد المستوى الاقتصادي والاجتماعي لها، وليس فقط العامل المؤسسي. ونتيجة لذلك، رأوا أن الديمقراطية كنظام حكم أفضل من غيرها من النظم في تحقيق التنمية الاقتصادية، وذلك لعدة أسباب برأيهم، والتي تتمثل في أن الديمقراطية تُتيح وتوفر الانتخابات والتي تجعل من أداء الاستجابة للمواطنين أسرع، من خلال وصول قادة يعملون على تلبية مطالب شعوبهم. أيضًا، هناك خصائص معينة تتسم بها النظم السياسية الديمقراطية ولا تتوافر في نظم أخرى مثل (المساءلة، تدفق المعلومات، الشفافية، الملاءمة). وبالتالي، مع توافر هذه الأسباب ستتحسن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول ذات الطبيعة الديمقراطية.
سابعًا، دراسة: “دارون أسيموغلو”، “سوريش نايدو”، “باسكوال ريستريبو”، “وڇيمس روبنسون” بعنوان (الديمقراطية تسبب النمو)[7]
انتهت هذه الدراسة إلى أن الديمقراطية تؤدي إلى إصلاحات اقتصادية، وزيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، وانخفاض الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية، وكلها عوامل تدعم من النمو الاقتصادي.
وفي سياق الأدبيات السابقة التي تناولت العلاقة التبادلية بين متغيري الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، ورؤى كل تيار حول حجته. نستطيع أن نخلص إلى أنه لا توجد دولة تستطيع في الواقع العملي تحقيق معدلات تنمية اقتصادية دون أن توفر الأُطر والمؤسسات اللازمة القادرة على القيام والشروع في التنمية، بجانب التخفيف من حدة الصراع على المناصب بحيث لا يكون لها تأثيرات سلبية على التنمية الاقتصادية وهذا يتضح في جمهورية الصين الشعبية. وفي نفس الوقت، يمكن أن نخلص إلى أن النظم الديمقراطية توفر خصائص تمنع من انفراد طبقة نخبوية معينة “الكليبتوقراطيين” من البقاء في السلطة السياسية دون أن تعبأ بمطالب مواطنيها، وهذا يجعل من الديمقراطية آلية ملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حد السواء بجانب الحريات السياسية التي تكون مقترنة بها في الأساس.
يمكن القول من خلال مراجعة الاتجاه الأول في الدراسات السابقة إن مسألة تحقيق التنمية الاقتصادية هي أمر مرهون ليس بطبيعة النظام السياسي للدولة، بل بجودة الحُكم وإدراك القيادة السياسية الحاكمة بخصوصية النظام الاجتماعي وقيمه السائدة، ومدى ملاءمتها أو عدم ملاءمتها لثقافة الشعب نفسه الذي من خلاله يستمد شرعيته السياسية.
وبالتركيز على الدراسات التي تناولت إمكانية التحول الديمُقراطي في جمهورية الصين الشعبية، نجد تعددًا فيها نتناول بعضًا منها في الاتجاه الثاني الآتي:
الاتجاه الثاني: الدراسات التي تناولت التحوُّل الديمُقراطي في جمهورية الصين الشعبية.
أولًا، دراسة: “نجلاء الرفاعي” بعنوان (العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في الصين)[8]
انتهت هذه الدراسة إلى أن النظام السياسي الصيني والنُخب الصينية المتشددة تتحدى مفهوم الديمُقراطية العالمية، وتشترك في سلوك عدائي تجاهها، وترى أن الديمقراطية والنظام السياسي التنافسي بعيدان المنال على المدى القصير والمتوسط، مع تمسك القيادة الصينية بفكرة الخلافة بين التنمية الاقتصادية والسياسية، مع إعطاء الأولوية للإصلاح الاقتصادي أولًا ثم السياسي.
ثانيًا، دراسة: “داني مي” بعنوان (الطبقة الوسطى المتنامية وغياب الديمقراطية في الصين)[9]
قامت هذه الدراسة بتفسير السلوك السياسي للطبقة الوسطى الصينية، وتحديد أسباب عدم مساهمة هذه الطبقة في التحول الديمقراطي، بالرغم من انطباق شروط أفكار ليبست عليها. وانتهت هذه الدراسة إلى أن هذا التحول لم يحدث؛ نتيجةً لعدم وجود موقف سياسي واحد لهذه الطبقة. ولهذا، تم تصنيف المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف المجموعات الفرعية من الطبقة الوسطى الصينية المسؤولين الحكوميين وكوادر الحزب، ورجال الأعمال الخاصين في الشركات الصغيرة أو المتوسطة، والمهنيين، والموظفين ذوي الياقات البيضاء. فهناك حالة من التوتر بين هذه المجموعات الفرعية ذات المصالح المختلفة والمواقف المختلفة تجاه التغيير الديمُقراطي. وخلصت إلى أن النظام الصيني لديه طرق فعالة لإدارة هذه المجموعات الفرعية من الطبقة الوسطى؛ الأمر الذي يخدم النظام الصيني في إعاقة النشاط السياسي لهذه المجموعات.
ثالثًا، دراسة: ڇون مولر بعنوان (الصين: صعود أم زوال؟)[10]
يرى مولر بأن الصين دولة ذات نظام كليبتوقراطي “حُكم اللصوص” تواجه العديد من المشاكل: “الدمار البيئي، وتباطؤ النمو، وشيخوخة السكان بسرعة، وتقلص القوى العاملة، والمستويات الهائلة من الإنتاج الصناعي المفرط، وتراكم الديون المحلية، وشبكة الأمان الاجتماعي التي لا تزال غير كافية، والنظام السياسي القمعي على نحو متزايد…. فهي تشهد حربًا أهلية لم تنته بعد مع تايوان وعلاقات غير مستقرة مع عدد كبير من الأقليات العرقية، ورغم أن الصين قد تتمكن في نهاية المطاف من التعامل مع هذه المشاكل وغيرها، إلا أنها سوف توقف انتباه زعمائها لفترة طويلة. وأن الهبوط أو على الأقل الركود المطول قد يحدث، بدلًا من الارتفاع المستمر في النمو.
رابعًا، مقال: تايلور كوين بعنوان (لماذا قد لا تتحول الصين أبدًا إلى الديمقراطية؟)[11]
يرى كوين أن الصين لن تتحول ديمُقراطيًا لسببين يتمثلان في أنها لم تكُ ديمقراطية قط منذ آلاف السنين من التاريخ، وبرأيه ربما يستمر هذا التاريخ ببساطة. كما أن الطبقة المتوسطة إلى الطبقة المتوسطة العليا لا تزال أقلية في الصين، وسوف تبقى كذلك لفترة طويلة. ويمكن لبلد أصغر أن يبني من حيث النسبة المئوية طبقة متوسطة أكبر، من خلال التصدير، مما يمكن لبلد كبير جدًا ومكتظ بالسكان أن يبنيه. وليس هناك ما يكفي من الطلب في الأسواق العالمية لرفع مستوى معيشة كل أو حتى معظم الشعب الصيني، وبالتالي فإن التفاوت الصيني من المرجح أن يظل مرتفعًا، على حساب القوى الديمُقراطية. وعلى هذا فإن الصين سوف تزداد ثراءً، مع انحدار عدد الديمقراطيات في العالم. ومع استمرار النمو العالمي بنحو 4٪ سنويًا، فإن كوين يرى أن العلاقة بين الدخل والديمقراطية ليست قوية في الواقع في الوقت الراهن. كما يرى أن التيارات القومية في الصين قوية جدًا، وأن الصينيين متحدين ولديهم حافز قوي “لجعل الصين عظيمة مرة أخرى”.
من خلال اطلاعنا على الاتجاه الثاني في الدراسات السابقة، نتفق بشكل كبير مع تايلور كوين؛ فالنظام السياسي الصيني على مدار القرون العديدة السابقة ذو طبيعة حُكم قائمة على “السلالات” الامبراطورية، ولم يكُ يومًا منفتحًا على الخارج، بل إنه مع سعي القوى الاستعمارية الأوروبية المختلفة للسيطرة على خيرات وثروات المجتمع الصيني في منتصف القرن التاسع عشر والتي تعرضت لها آخر سلالة حاكمة ممثلةً في أسرة “تشينغ”، مثلت دافعًا سياسيًا لا يزال نشطًا حتى الآن في سياسات الصين سواء داخليًا أو خارجيًا. فهذا الدافع يتمثل في القومية الصينية التي تعرضت لقرن كامل من الإذلال في الفترة الممتدة من ١٨٣٩ حتى ١٩٤٩. ولذلك، فإنه ليس غريبًا ألا تتحول الصين ديمُقراطيًا الآن في ظل تفوق نموذجها التنموي القائم على جودة الحكم، والذي يجمع فيما تسميه النُخب الصينية بالاشتراكية بخصائص صينية. فضلًا عن ذلك، ومع معاناة الديمُقراطية الغربية من قلاقل وأزمات، وهذا ما أكد عليه كوين بقوله لقد حان الوقت مرة أخرى للغرب أن يتعلم من الصين. فالقوة العاطفية للقومية الصينية أقوى مما كنا نعتقد، والاستقرار غير مضمون، والوضع الديمُقراطي الغربي السابق أقل جاذبيةً مما كان يعتقد الكثيرون منا أو على الأقل يأملون فيه، وهنا يكمن بيت القصيد حول موضوعنا الذي يركز على مدى مساهمة التنمية الاقتصادية في عملية التحول الديمُقراطي بجمهورية الصين الشعبية.
الإطار النظري للدراسة: –
تحاول هذه الدراسة تحليل إمكانية مساهمة التنمية الاقتصادية التي تحققت في جمهورية الصين الشعبية على مدار أربعة عقود في تحوُّلها ديمُقراطيًا.[12] ولذلك، سيتم توظيف اقتراب الاقتصاد السياسي(*) فهو يهتم بالبحث عن الكيفية التي تؤثر بها الدولة وعملياتها السياسية على التفاعلات الاقتصادية وكيفية توزيع أرباح تلك التفاعلات.
ومن الناحية العكسية، هذا الاقتراب يوضح كيفية تأثير التفاعلات الاقتصادية على الرفاهية وتوزيعها على القوى السياسية المختلفة على المستوى الداخلي والدولي، لذا فهناك تأثير متبادل ما بين قوى السوق والدولة. ولفهم مصطلح الاقتصاد السياسي بصفته علم بيني، يجب تفكيكه فالاقتصاد يشير إلى الندرة التي خلقت الحاجة إلى الاقتصاد أي الاعتدال في توظيف الموارد. وبالتالي، فإن الاقتصاد هو علم إدارة الندرة. كما أن كلمة سياسي تشير إلى حقيقة أنه لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد إذا لم يكن هناك سوق، وهذا يؤكد دور الدولة كفاعل سياسي في إدارة ذلك الاقتصاد.
مفاهيم الدراسة: –
ماهية التنمية الاقتصادية
يُعَدُّ مفهوم التنمية أحد أبرز وأهم والمفاهيم التي انتشرت بشكل بارز في القرن العشرين لاسيما أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث تبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وكذا تشابك مفهوم التنمية مع عدة مفاهيم أخرى سائدة التخطيط، الإنتاج، التقدم. ومن ناحية أخرى، يخلط البعض بين مفهوم التنمية والنمو، هذا فضلًا عن عدم وجود تحديد علمي دقيق لمفهوم التنمية، وإن كانت أدبيات التنمية أشارت إلى أنها تعني التغيير Change الذي يشمل الانسان، والمجتمع، والدولة. فهذا المفهوم لقي جدلًا واسعًا وحيزًا كبيرًا من النقاش في الدراسات الاقتصادية باعتباره يمثل محصلة الجهود المبذولة لتحقيق رفاهية الإنسان.
وفي هذا السياق، نجد أن أصول مفهوم التنمية تعود إلى الربع الأخير من القرن الثامن عشر في عصر الاقتصادي البريطاني “آدم سميث” .Adam Smith ومع ذلك، فإنه رغم قدم ظهور مفهوم التنمية إلا أنه لم يُستخدم إلا على سبيل الاستثناء منذ عصر سميث حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانا المصطلحان اللذان يتم استخدامها كبديل لمفهوم التنمية: التقدم المادي Material Progress، التقدم الاقتصادي Economic Progress وحتى عندما صارت تطوير مسألة تطوير دول أوروبا الشرقية كانت المصطلحات المستخدمة وقتذاك تُعرف باسم التصنيع، التحديث .Modernization, Industrialization كما أن التنمية لغةً من النماء بمعنى الزيادة والكثرة، وتنمية الشيء تعني إحداث النماء فيه.
وتُعرف التنمية بشكلٍ عامٍ على أنها زيادة قابلة للاستمرار. كما أن التنمية هي النتيجة أو المحصلة النهائية للنمو، فالنمو مفهوم كمي يُشير إلى الزيادة المستمرة في إنتاج السلع الاقتصادية في بلد ما، بينما التنمية مفهوم كمي ونوعي على حد السواء يهدف إلى رفع مستوى الإنسان في مختلف المجالات الحياتية، فالنمو لا يتناول مختلف نواحي الحياة عكس التنمية. ويُقاس النمو بالدخل الفردي الحقيقي، بينما التنمية وبسبب كونها مفهوم أشمل من النمو ذات أبعاد متعددة اجتماعية، ثقافية، ديمغرافية، اقتصادية وسياسية، فإنها تحتاج إلى معايير متعددة الأبعاد. فتتضمن التنمية الاقتصادية تغييرًا في البنية الاقتصادية بين مختلف فروع وقطاعات الاقتصاد الوطني، وتكمن أهميتها النسبية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بل وزيادته. خلاصة القول إن التنمية هي التي تتحقق من خلال تحقيق أهداف النمو الاقتصادي، وبالتالي تحقيق التنمية الشاملة، والتي تسمى “الرؤية الاجتماعية للتنمية”، والتي تتطلب الخروج عن البعد الاقتصادي ليشمل جميع الأبعاد الأخرى لتحقيق التوازن النسبي بين الكم والنوع.
النمو الاقتصادي = الزيادة السنوية في دخل الفرد.
التنمية الاقتصادية = النمو الاقتصادي + التغيرات الهيكلية. [13]
ومع بدايات ظهورها في علم الاقتصاد، استُخدمت للدلالة على عملية إحداث تغيير جذري وكلى في بنى المجتمع المادية أو المعنوية؛ بغرض إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطوير الذاتي والمستمر بما يُمكنه من تلبية احتياجات أفراده المتجددة عن طريق التوظيف والتخصيص الجيد للموارد الاقتصادية. وبعد أن انتشر هذا المفهوم في الدراسات الاقتصادية، انتقل بشكل كبير في حقل السياسة في ستينات القرن العشرين يهتم بتطوير الدول الغير الأوروبية تجاه التنمية السياسية، ومن ثم الديمُقراطية.
كما أشار الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والأربعين ديسمبر ١٩٨٦ إلى أن التنمية حق وهي تعني عملية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية هدفها التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في التنمية، وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.[14] وفي هذا السياق، يمكن أن نعرف التنمية بأنها هي جميع التغيرات المادية والمعنوية التي من شأنها إحداث تفاعلات إيجابية في حياة الشعوب والأمم المختلفة. حيث تتمثل التغيرات المادية تلك في وجود مستوى اقتصادي، وتكنولوجي لائق، في حين التغيرات المعنوية في وجود تحولات إيجابية في معتقدات وتقاليد وسلوكيات تلك الشعوب. ويُشير “البريطاني فريدريك هاريسون” إلى أن مفهوم التنمية يظل دائمًا مرتبط بشكل مرن بالخلفية العلمية والاستراتيجيات النظرية. فالاقتصاديون عرفوها بأنها زيادة في مستويات الإنتاج الاقتصادي، ويعرفها علماء السياسة بأنها عملية تمدين أو تحضر تتضمن إقامة المؤسسات السياسية والاجتماعية، ويعرفها علماء الاجتماع بأنها تغيير اجتماعي تستهدف القيم والمواقف والمُمارسات. وفي هذا السياق، تتعدد مفاهيم التنمية ومستوياتها. فيمكن تعريفها على أنها عملية تغيير حضاري كلي لمختلف بني ومؤسسات المجتمع على المستويين المادي والمعنوي. كما أن التنمية عملية واعية ومخططة وشاملة ومتنوعة هدفها إحداث تغييرات جذرية في أي مجتمع. فنجد على سبيل المثال: التنمية البشرية، التنمية الاجتماعية، التنمية الاقتصادية، التنمية الثقافية، التنمية السياسية. كما يُمكن أن نقيس هذا التغيير الذي يحدث جراء عملية التنمية من خلال المؤشرات الاقتصادية مثل: متوسط دخل الفرد، مستوى المعيشة، حجم الناتج المحلي الإجمالي. أو بمؤشرات اجتماعية مثل: معدل التحضر، الثقافة العامة عند الأفراد، مستوى وجودة التعليم والرعاية الصحية. أو بمؤشرات سياسية مثل: المشاركة السياسية، الشفافية، احترام حقوق الإنسان، كفاءة الجهاز البيروقراطي.[15]
وتتمثل خصائص التنمية الاقتصادية في أنها:
– ظاهرة إنسانية تقوم على الإنسان باعتباره العنصر الرئيسي في عملية التقدم، وهي منه وإليه.
– هي ظاهرة تأتي في الغالب بعد الأزمات والقلاقل الاجتماعية التي تمر بها الدول.
– هي ظاهرة مجتمعية شاملة.
– هي ظاهرة تتم بأساليب مرسومة مخططة.
– هي ظاهرة مستمرة لا تقف عند حد معين.
– التنمية الاقتصادية تُعزز الدخل القومي.
– التنمية الاقتصادية تُحسن مستوى المعيشة.
ماهية الديمقراطية
إن هناك اتفاق كبير بأن بدايات تطبيق الديمقراطية تعود إلى الإغريق، فيمكن التأكيد على أنها مثل الفلسفة، اخترعها الإغريق وأخذت مكانها في الثقافة اليونانية. فكانت أثينا أول مدينة تقيم الديمُقراطية، ولعبت دورًا نشطًا في تطوير ونضج الديمُقراطية، وكذلك الفلسفة، وكان أحد أبرز مظاهر التعلق بمسقط رأس الاختراع هو أن الفلسفة اليونانية وصلت إلى ذروتها تحت سيادة الديمُقراطية في أثينا. ونتيجةً لذلك، يمكن تعريف الديمُقراطية Democracy بأنها كلمةً يونانيةً تتكوَّن من مقطعين؛ المقطع الأول Demos ويعني الناس أو الشعب، والمقطع الثاني Kratos ويعني الحُكم، وبذلك يشير مفهوم الديمُقراطية لغةً إلى حُكم الشعب أو حُكم الأغلبية. تُعرَّف الديمُقراطية اصطلاحًا بأنّها نظام الحُكم، حيث تكون السلطة العُليا بيد الشعب الذي يمارس سلطاته بشكلٍ مباشرٍ، أو عن طريق مجموعة من الأشخاص يتمّ انتخابهم لتمثيل الشّعب بالاعتماد على عمليةٍ انتخابيّةٍ حرةٍ ونزيهة، حيث ترفض الديمُقراطية جعل السلطة كاملةً ومُركَّزة في شخصٍ واحد، أو على مجموعة من الأشخاص كالحُكم الدكتاتوري، أو الأوليغارشية (حُكم القِلة).
فقد ظهر أفلاطون Plato بعد إعدام معلمه سقراط وهزيمة أثينا على يد إسبارطة في الحرب البيلوبونيزية Peloponnesian War(٤٣١ق.م- ٤٠٤ق.م).[16] وهكذا فقد ربط أفلاطون بين هذه الأحداث غير المنطقية، مؤكدًا أن الفوضى ستستمر ما دام نظام الجهل والأنانية، والفتنة والاضطرابات، وعدم الكفاءة، والسلبية، والرشوة، واحتقار المبادئ، واللامساواة، وغيرها من الصفات الشريرة مزدهرة.[17] عارض أفلاطون صراحةً النظام الديمُقراطي في أثينا، واصفًا إياه بأنه غير أخلاقي، بل وحرمه من وصف النظام السياسي عندما اعتبره خاضعًا للدساتير على أساس أن الحُرية الكاملة التي يستند إليها أدت إلى الفوضى والغرور، حتى يمتلك الجميع دستوره ويؤمن كل شخص بقدرته على فعل كل شيء.
كما أيدَّ أرسطو Aristotle وجهة نظر أستاذه أفلاطون وكان من أبرز من جسَّد هذا النظام أو المفهوم في كتابه ”دستور الأثينيين“ الذي رفض فيه الديمُقراطية، وبخاصة تلك التي لا تحترم القانون. وضع أرسطو الديمُقراطية ضمن أشــكال الحُكم المنحرفة، أو الفاســدة التي لا تسعى لتحقيق المنفعة العامة. ووفقًا لأرسطو، فإن أفضل نظام حُكم هو النظام القائم على الدستور مع الطبقة المتوسطة الكبيرة. وقد صنف نظم الحُكم إلى ثلاث جيدة بشرط توافر دستور للحُكم، وثلاث سيئة إذا لم يتوافر دستور.[18]
١. حُكم الفرد في حالة وجود دستور: نظام ملكي Monarchy وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد طاغية.
٢. حُكم القِلة في حالة وجود دستور: نظام أرستقراطي أي حكم الأفضل Aristocracy وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد الأوليغارشية.
٣. حُكم عامة الشعب “الأغلبية” في حالة وجود دستور: نظام ديمُقراطي Democracy وفي حالة غياب الدستور نكون بصدد الفوضى “الأناركية”.
وقد وجد أرسطو أن نظام الحُكم الأمثل هو النظام الدستوري الذي يجمع بين النظامين الديمقراطي والأوليغارشي؛ لأنه وجد أن النظام الملكي ليس نظاماً جيدًا لأنه لا يوجد ضمانات بأن الفرد الحاكم سوف يحكم بالعدل والفضيلة بدلًا من الطيش والهوى والمصالح الشخصية، ولأنه أيضًا نظام وراثي فقد يحكم فرد جاهل أو غير عقلاني الدولة. أما النظام الأرستقراطي ففيه نفس المشاكل من حيث أن الأقلية الحاكمة قد تحكم وفقًا لمصالحها الشخصية بدلًا من المصلحة العامة.
ولذلك، خلص أرسطو إلى أن النظام الدستوري الأفضل للحُكم القائم على الدمج والخلط بين النظامين الديمُقراطي والأوليغارشي لتكوين “النظام المُختلط” الذي يحفظ التوازن ويحقق الانسجام بين المبادئ المتعارضة بأخذ الحل الوسط بينهما والحل الوسط يأتي عن طريق الطبقة المتوسطة الصالحة التي لم يفسدها الغنى الفاحش أو يحطمها الفقر المدقع. وأخيرًا فقد نبه أرسطو أن النظام المثالي يختلف من دولة إلى أخرى باختلاف البيئة والظروف الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وطبيعة الشعب وأخلاقه فقد يكون لدولة نظامًا مثاليًا ولكنه لا يصلح لغيرها لظروف خاصة بها.
ويعود الاستخدام الحديث للديمُقراطية مع الاضطرابات الثورية حدثت في المجتمعات الغربية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث الثورة الأميركية ١٧٧٦، والثورة الفرنسية ١٧٨٩. فلقد رأى صامويل هنتنجتون أنه عند الحديث عن الديمُقراطية تبرز العديد من المشكلات والتي تتمثل في عدم الدقة والغموض وتحديدًا عند تحديد مصدر السُلطة، الأغراض التي تؤديها الحكومة، والإجراءات المتبعة لتكوين الحكومة.[19] فكان هناك جدلًا سائدًا حول الديمُقراطية بعد الحرب العالمية الثانية بين من أصروا على تعريف الديمُقراطية وفقًا للمصدر والغرض؛ أي مصدر السلطة السياسية والتي تكون في إرادة الشعب، والغرض من وجود سُلطة سياسية المتمثل في تحقيق المصلحة العامة لذلك الشعب، وبين المُنظرين المؤمنين بضرورة وجود مفهوم اجرائي للديمُقراطية.
فلقد عرَّف ڇوزيف شومبيتر الديمُقراطية اجرائيًا على أنها “ترتيبات مؤسساتية للوصول للقرارات السياسية التي يكتسب بها الأفراد السُلطة عبر كسب أصوات الناس”.[20] بمعنى ضرورة اختيار أقوى صناع القرار عبر انتخابات عادلة ونزيهة ودورية يتنافس فيها المرشحون على أصوات الناس التي يحق لكل بالغ من أبناء الشعب المشاركة فيها.
ويعرفها “قاموس أوكسفورد” بأنها نظام حُكم يُتيح لشعب دولة ما التصويت لانتخاب مُمثليه.[21]
وفي هذا السياق، قد يخلط البعض بين الديمُقراطية كنظام حُكم راسخ في الدول الغربية، وبين التحول الديمُقراطي كمرحلة انتقالية أو بالأحرى عملية تُتبع في بعض الدول النامية من أجل تحقيق الديمُقراطية. ووفقًا لهنتنجتون، فإن التحول الديمُقراطي هو حركة انتقالية تتحول فيها النظم الغير ديمقراطية إلى نُظم ديمقراطية تحدث في فترة زمنية معينة. كما يرى أنه قد حدثت ثلاث موجات من التحول إلى الديمُقراطية في العالم الحديث، وبالتوازي مع تلك الموجات التحولية، كان يتبعها موجات مضادة تجاه اللاديمقراطية؛ فالتاريخ برأيه لا يتصف بوحدة الاتجاه.[22]
وعرف الدكتور علي الدين هلال التحول الديمُقراطي على أنه “مجموعة العمليات التي تحقق انتقال نظام سياسي من الحُكم السلطوي إلى الحُكم الديمُقراطي”.[23]
إن محاولة التأصيل المفاهيمي للتحول الديمُقراطي تستدعي الرجوع إلى الأصول اللغوية للمصطلح، فكلمة التحول لغةً تعبر عن تغير نوعي في الشيء أو انتقاله من حالة إلى حالة أخرى، وهي المرحلة الوسطية التي تقع بين الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر وتبدأ عملية التحول نحو الديمُقراطية بالتفكيك التدريجي للنظام السلطوي، ويشير لفظ التحول الديمُقراطي لغةً إلى التغير أو النقل، فيُقال حول الشيء أي غيره أو نقله من مكانه. كما أن أنماط هذا التحول تتعدد وتتنوع فنجد:[24]
نمط التحول من الأعلى:
يتسم هذا النمط في عملية التحول الديمُقراطي عندما يُبادر قادة النظم الغير ديمُقراطية (قيادات سياسية مدنية أو قيادات عسكرية) بتحويل النظام ليصبح أكثر ديمقراطيةً، على الرغم من أن هذا الأسلوب من التحول يأتي بمبادرة من السلطة الحاكمة فإنه لا يعني إلغاء دور الجماهير في عملية التحول الديمقراطي حيث يلجأ القادة في بعض الأحيان إلى إحداث تحول؛ نتيجةً للضغوطات الشعبية وتزايد المطالب الاجتماعية بإحداث تغيرات ديمُقراطية.
نمط التحول من الأسفل:
يتسم هذا النمط من التحول الديمُقراطي بمشاركة الشعب كفاعل رئيسي، ويظهر هذا النمط في مرحلة تتسم بتصاعُد قوة المعارضة الشعبية وانهيار قوة النخبة الحاكمة مما يؤدي إلى الإطاحة بها ومن ثم انهيار النظام السلطوي (الشمولي) مما يدفع بالقيادات في محاولة منها لتدارك الوضع بالانطلاق في إقرار بعض الإصلاحات المطلوبة من أجل احتواء الأزمة ذات الأبعاد المركبة، ومثال ذلك ما شهدته الدول العربية في إطار ما تُعرف بثورات الربيع العربي.
نمط التحول التفاوضي:
يكمن مرد هذا النمط في وجود تدهور لشرعية النظام السياسي؛ نتيجةً لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي یؤدي إلى تزايد الضغوطات الداخلية بشكلٍ خاص، والمطالب الخارجية بشكلٍ عام نحو التحول الديمُقراطي، وهذا ما یدفع بقوى المعارضة التي تتمتع بدعم وتأييد داخلي وخارجي في هذه الحالة إلى الإطاحة بالنظام، ومن ثم يهرول النظام للدخول في مفاوضات مع المعارضة من اجل التوصل إلى حل وسط یكفل مصالح كافة القوى السیاسیة، وغالبًا ما يأتي هذا النمط كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين.
منهج الدراسة:-
تحاول هذه الدراسة إقامة نوع من التكامل المنهجي، ولهذا سيعمل الباحث على استخدام المنهج المؤسسي لصامويل هنتنجتون، فهو يُعطى أهمية للمؤسسات في تحديد السلوكيات والمخرجات السياسية، على اعتبار أن المؤسسات تمثل تغيرًا مستقلًا يؤثر على تحديد من هم الفاعلون الذين يسمح لهم بالمشاركة في الساحة السياسية، تحديد نمط السياسات التي ينتجها صانعي القرار. فالمؤسسة كما يراها هنتنجتون “هي أنماط من السلوك المتسق والمتكرر بين الأفراد”. كما أنها تضم مجموعة كبيرة الأشخاص سواء في مؤسسات عامة أو خاصة، ويكون لها هدف مشترك مرتبط بالعالم الخارجي، وهي مهمة جدًا عند تنفيذ العديد من الأهداف الجماعية. والمؤسسات السياسية تكون رسمية كالمؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية والبيروقراطية، غير رسمية لتشمل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وجماعات المصالح وجميعها ضرورية لأي نظام سياسي.[25] وبالنظر إلى الحزب الشيوعي الصيني وما يقوم به من دور كبير في عملية صنع واتخاذ القرار في النظام السياسي الصيني، وكذا مبادئه المستمدة من المنظومة القيمية الصينية القائمة على الاحترام والولاء الشديد للقيادة السياسية.
ومنهج تحليل السمات الشخصية عند “رالف ستوڇديل” الذي رأى أن القيادة ليست حالة كامنة، بل هي نتاج علاقة عملية بين القائد وأعضاء الجماعة. كما أن ذلك القائد يتسم بسمات معينة كالذكاء، الاجتماعية، اليقظة، البصيرة، المثابرة، المبادرة، الثقة بالنفس. فهذه السمات الشخصية جزء لا يتجزأ من القيادة، وأن سمات القائد الناجح يجب أن تكون ذات صلة بمتطلبات الوضع القيادي؛ أي يكون قادرًا على مواجهة التحديات، وتلبية آمال واهتمامات الأتباع.[26] وبناءً على ذلك، يمكن تفسير سلوكيات القادة السياسيين الصينيين الذين اضطلعوا بتحقيق التنمية الاقتصادية بدءًا بـ دينج شياو بينج وصولًا إلى شي جين بينغ. فسلوك القائد السياسي يتشكل ويتحدد، تبعًا لتصوره وتشخيصه وتقديره وإدراكه، ووضوح أهدافه في الداخل والخارج.
أيضًا، وفقًا لمنهج تحليل النظم، تميل المجتمعات والجماعات إلى أن تكون كيانات مستمرة نسبيًا تعمل في إطار بيئة أشمل. هذه الكيانات يمكن نعتها بصفة النظام نظرًا لأنَّها تُمثل مجموعة من العناصر أو المتغيرات المتداخلة وذات الاعتماد المتبادل فيما بينها، والتي يمكن تحديدها وقياسها. كما أن لهذه الكيانات أيضًا حدود مميزة تفصلها عن بيئتها فضلًا عن أنَّ كل منها يميل إلى الحفاظ على ذاته من خلال مجموعة من العمليات المختلفة، خاصة عندما يتعرض للاضطراب سواء من داخل أو خارج حدوده مع بيئته الأوسع. وقد عرف ديفيد ايستون David Easton “النظام” بأنه أيّ كيان يتكون من مجموعة الأجزاء التي ترتبط ببعضها البعض.[27] كما عرف جابرييل ألموند Gabriel Abraham Almond النظام السياسي بأنه نظام من التفاعلات التي توجد في كل المجتمعات المستقلة والتي تؤدي وظائف التكامل والتكيف عن طريق القسر المادي أو التهديد باستخدامه، سواء كان استخدامه له شرعيًا أو استبداديًا. كما اعتمد العديد من علماء السياسة الأفكار التي أسسها ديفيد ايستون لدراسة السياسة والتي تقوم على فكرة أن الحياة السياسية جسد من التفاعلات ذات الحدود الخاصة والتي تحيطها نُظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر.
هذا بجانب المدخل التاريخي لتحليل وتتبع التطور التاريخي للتنمية الاقتصادية في جمهورية الصين الشعبية، ودور القيادات السياسية الصينية في تحقيقها.
أدوات ومصادر إعداد المادة العلمية: –
تم الاعتماد في إعداد وجمع المادة العلمية لهذه الدراسة على مصادر متنوعة من الكتب، والدراسات والدوريات العلمية، والمواقع الإلكترونية العربية الأجنبية وفيديوهات الرسوم المتحركة التثقيفية على حد السواء.
تقسيم الدراسة: –
تُقسم الدراسة إلى أربعة فصول تسبقهما الإطار العام للدراسة وتليهما الخاتمة بنتائجها وتوصياتها، حيث يأتي الفصل الأول بعنوان جدليات العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، والفصل الثاني بعنوان طبيعة النظام السياسي الصيني، الفصل الثالث بعنوان واقع التنمية الاقتصادية في النظام السياسي الصيني، وكذا الفصل الرابع بعنوان التحديات التي يواجهها النظام السياسي الصيني
المبحث الأول
واقع العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية
إن الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية هدفان محوريان للعديد من الدول، حيث يُمكن أن يتشابكا مع بعضهما البعض في نُظم سياسية ذات مواصفات معينة. وبالتوازي مع ذلك، وفقًا للباحثين الذين تعمقوا في هذه العلاقة فإنها قد تكون علاقة مفككة ولا تفتقر إلى المحاذير في نُظم أخرى. فوفقًا لآدم برزيفورسكي ورؤيته بشأن الحُجة القائلة بأن الديمُقراطية تعيش بشكلٍ أفضل في الدول الأكثر ثراءً، فإن الاقتراح القائل بأن الديمُقراطية هي نتيجة بسيطة للتنمية الاقتصادية هي أكثر إثارةً للشك من جانبه.[28]
ولهذا، نجد أن العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية هي –في أحسن الأحوال– علاقة واحدة غامضة، تتجلى هذه العلاقة في دول ديمُقراطية ذات اقتصاديات مرتفعة. وعلى العكس من ذلك، تلك الدول سريعة النمو التي لا تزال غير ديمُقراطية، مثل جمهورية الصين الشعبية والتي تعمل بشكل متزايد على رسم مسار تنموي وسياسي فريد من نوعه، يرتكز بشكل كبير على مفهومها الخاص لتاريخها وقيمها. وفي هذا السياق، يُمكن التمييز بين ثلاث منظورات للعلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. ينطلق المنظور الأول، من فرضية مفادها أن التنمية الاقتصادية “متغير مستقل”، الديمقراطية “متغير تابع”. وهذا يعني أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون توافر شروط أولية معينة حتى تضمن تحققها، وهذه الشروط هي (النمو الاقتصادي، التعليم، الصحة، الثقافة العامة) وهذه هي رؤية المدرسة التحديثية التي ظهرت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
وينطلق المنظور الثاني، من أن الديمقراطية عامل أساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية، فالديمقراطية هنا “متغير مستقل”، والتنمية الاقتصادية “متغير تابع”. وقد ساد هذا الطرح منذ نهاية الثمانينات في القرن الماضي حتى الوقت الراهن مُدعمًا بأطروحات الحُكم الراشد من قبل مؤسسات ووكالات التنمية الدولية التي اتجهت إلى التركيز على ضرورة تبنى الدول وبالأخص دول العالم النامي الديمقراطية كنظام حُكم حتى تحقق التنمية الاقتصادية هذا في إطار المقاربة الخاصة بتحقيق التنمية البشرية، مكافحة الفقر تحت تأثير أطروحة الاقتصادي الهندي “أمارتيا سن” كمنظور ثالث يعتبر أن جوهر التنمية هي الحرية. ونتيجةً لذلك، فإن الاهتمام بمسألة الحريات والديمقراطية عند أمارتيا سن ليس فقط بسبب كونها وسيلة هامة لتحقيق التنمية، لكن لكونها تحمل في طياتها أهمية جوهرية لمفهوم الحرية الإنسانية بشكلٍ عام.
أولًا: التنمية الاقتصادية تقود إلى الديمقراطية (المدرسة التحديثية)
تنطلق هذه الرؤية من فرضية مفادها أن الديمقراطية هي الغاية النهائية للتنمية الاقتصادية، وأنها تتحقق مع توافر عدد من الشروط الأولية المتمثلة في دراسة “سيمور مارتن ليبست” والتي أكد فيها على ضرورة وجود مستويات مرتفعة من التنمية الاقتصادية، تحولات في البنية الطبقية، ظهور طبقة برجوازية، التوسع العمراني، وجود تعليم، وثقافة عامة، وذلك من خلال تطبيقه ومقارنته عن توافر تلك الشروط من عدمها بين دول أوروبا المتقدمة، والدول الفقيرة في أمريكا اللاتينية.[29] وبصفة عامة تُعرف عملية التحديث، حسب “رونالد أنجلهارت”، “كريس ويلزل” على أنها: مجموعة مُتلازمة من التغيرات الاجتماعية المرتبطة بالتصنيع، والتي تتصل بجميع جوانب الحياة والتي تعمل في المدى البعيد على التأثير في صُنع المؤسسات السياسية الديمقراطية.[30]
وبالاتفاق مع نظرية سيمور مارتن ليبست، تناول “لاري دايموند” التأثير الإيجابي للتنمية الاقتصادية في مجال التحول الديمُقراطي من وجهة نظر اجتماعية سلوكية، حيث أكد أنه عندما تصبح دولة ما أكثر ثراءً، وأكثر تصنيعًا، تمدينًا “تحضرًا”، وأفضل تعليمًا، فإن القيم العامة في المجتمع تصبح أكثر ملاءمةً للديمُقراطية.[31]
علاوةً على ذلك، يتمتع الناس بدخل أعلى ويصبحون أكثر إفادة: “يصبحون أكثر وعيًا وثقةً من الناحية السياسية، وأكثر ميلًا إلى المشاركة في السياسة والتفكير بأنفسهم. وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى دراسة أخرى تناولت تلك العلاقة كدراسة “روبرت دال” الذي أوضح أن التعددية كأحد أشكال الديمقراطية هي هدف نهائي لأي عملية تنموية.[32] وبالإضافة إلى ذلك، تناولت دراسة أخرى العلاقة بشكلِ غير مباشر مثل “كارل دويتش” الذي ركز على أهمية التعبئة الاجتماعية المنبثقة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتي تقود بدورها إلى وجود تحولات سياسية، فمثل هذه التحولات برأيه لا تحدث بدون وجود ما يُدعى بالاتصال الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع. فالبناء التدريجي لشبكة هذا الاتصال هو السمة المميزة لما أسماه دويتش “بالتعبئة الاجتماعية المؤدية إلى صهر كُل فردٍ ضمن إطار عام سياسي”.[33]
ويمكن توضيح العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية في الشكلين الآتيين:
ثانيًا: الديمقراطية تقود إلى التنمية الاقتصادية
ظهرت هذه المقاربة في الثمانينات من القرن الماضي مع أتون الحرب الباردة، والتي انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي ٢٥ ديسمبر ١٩٩١، وحديث فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ وانتصار القيم الليبرالية على حد وصفه. فهذه المقاربة ترى بأن الديمقراطية هي النظام السياسي الأمثل لتحقيق التنمية الاقتصادية.[34] وبالتالي، هي ترفض بشكلِ كلى افتراضات الرؤية التحديثية من خلال تأكيدها على أن الديمقراطية هي الشرط الأولى والحاسم في تحقيق التنمية الاقتصادية وليس العكس. وفي هذا السياق، يرى كلًا من “ڇوزيف سيغل”، “ميشال اينشتاين”، “مورتون هالبيرن” أن نوعية النظام السياسي لها دور حاسم في التأثير على مستوى الأداء الاقتصادي للدولة، وليس فقط العامل المؤسسي. فالديمقراطية برأيهم بما تمتلكه من خصائص كالمساءلة، الشفافية، تدفق المعلومات وغيرها تجعلها نظام ملائم لتحقيق التنمية الاقتصادية. أيضًا، يرى كلًا من “باتريسيو نافيا”، “توماس زويفل” أن النظم الديمقراطية تكون أفضل بكثير من النظم الديكتاتورية في الرعاية الصحية؛ فوفقًا لهم وفيات الأطفال في الأنظمة الديمقراطية تكون أقل كثيرًا من النظم الديكتاتورية. بالإضافة إلى هؤلاء، يرى “ڇون بول فتيوسي” أن المُساءلة، الشفافية، المشاركة في صُنع القرار السياسي تمثل متغيرات هامة في تطوير السوق، والمساهمة في تشكيل وبناء بيئة استثمارية جيدة.
ويمكن توضيح العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في الشكل الثالث الآتي:
ثالثًا: التنمية بوصفها حرية “أمارتيا سن”
يؤكد الاقتصادي الهندي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد “أمارتيا سن” على أهمية جعل الإنسان محورًا للعملية التنموية، وكذا التأكيد على أهمية الديمقراطية. فوفقًا له، يُمثل مفهوم القدرة؛ أي إمكانيات الفرد الحقيقية، وكذا البدائل الممكنة من الأعمال التي يُمكن للفرد أن ينجزها عاملًا هامًا في تحقيق طموحاته. وعلى هذا الأساس تم التمييز بين القدرة، والعمل على أساس أن العمل يُمثل مختلف أنماط الحياة الممكنة لدى الفرد، في حين القدرة تُمثل مجموع هذه الأنماط، هذا فضلًا عن حرية الاختيار من بين تلك الأنماط. [35]
وفي هذا السياق، أشار “سن” إلى أنه لا يجب الحكم على نوعية حياة الأفراد انطلاقًا من قاعدة الأعمال المنجزة Accomplished works؛ لأن هذا يجعلنا نركز على المحصلة النهائية التي وصل إليها الأفراد، وليس على العوامل المساعدة “الفرص” Opportunities التي ساعدت هؤلاء الأفراد على تحقيقها. فالأعمال المنجزة هذه تُشكل عند “سن” حياة الفرد، وهي التي تحدد وجوده، وأفعاله، هذا بجانب حريته. وفي هذا السياق، قام بتعريف التنمية على أنها عملية توسعة مجال الحريات الأساسية التي يتمتع بها الأفراد. فإذا كانت الحرية الإنسانية هي جوهر التنمية فإن التنمية تستلزم إزالة جميع المصادر الرئيسية لافتقاد الحريات: الفقر والطغيان وشُحّ الفرص الاقتصادية، وكذا الحرمان الاجتماعي المنظم وإهمال المرافق، كما أن إنجاز التنمية يتوقف بالكامل على فعالية الحرية التي يتمتع بها الشعب.
واستنادًا إلى الفوائد العديدة لتأمين حقوق الإنسان، يُجادل سن بأنه كلما زاد احترام الحقوق، زادت المستويات المُمكنة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية على حد السواء. ومع ذلك، يشير سن أيضًا إلى أن التنمية الاقتصادية لا تُفضل دائمًا تطوير الحريات الديمقراطية كما هو الحال في حالة الدول الآسيوية السلطوية التي تستخدم التنمية كذريعة للاستبداد، والحد من الحريات الشخصية للشعوب. ويدعي أنه “لم تحدث أي مجاعة على الإطلاق في تاريخ العالم في ظل ديمقراطية فاعلة”؛ ويرجع ذلك إلى أن الحكومات الديمقراطية يكون لديها حافز قوي لاتخاذ تدابير لتجنب المجاعات وغيرها من الكوارث”.
المبحث الثاني
رؤية نقدية للمدرسة التحديثية
إن أفكار المدرسة التحديثية التي ترى بأنه كلما كانت هناك معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية، زادت معها فرصة أن تُصبح الدولة “ديمقراطية” قد أثارت الكثير من الجدل. فعلى مدار أكثر من خمسة عقود من النقاش المكثف حول الظروف الأكثر ملاءمةً للتحول الديمُقراطي، تم تطبيق العديد من الدراسات فيما أصبح يعرف باسم نظرية التحديث على عدد لا يحصى من الحالات بطرق متنوعة، في محاولات لاختبار صحتها من قِبْل عدد كبير من الباحثين. وفي هذا السياق، برزت الأنظمة السلطوية التي استطاعت إثبات وتحدي الاتجاه العام للمدرسة التحديثية بشكلٍ مرنٍ. ونتيجة لذلك، نجد أن الادعاء المركزي لنظرية التحديث هو أن المستويات المرتفعة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية ستجعل الدول أكثر عرضةً للانتقال إلى أشكال الحُكم الديمقراطية والحفاظ عليها قد تعرض للعديد من الانتقادات.
١-أن التنمية الاقتصادية لا تقود بالضرورة إلى ما تُسمى “بالديمقراطية”، وذلك يعود لوجود بعض النُظم السلطوية التي قامت بتحقيق مستويات هائلة وسريعة من التنمية الاقتصادية دون أن تصبح ديمقراطية كحالة جمهورية الصين الشعبية الذي أشار إليها كلًا من “بروس بيرنو دو موسكيتا”، “ڇورج داونز”؛ مفسرين ذلك بقيام النُظم السلطوية باستثمار فوائد التنمية الاقتصادية لصالح بقائها في الحكم. كما يؤكدون أن استنهاض التنمية في الدول الفقيرة يتطلب وجود الحكومات الاستبدادية فهي أقدر على حشد الموارد المتاحة وتوجيهها نحو الأنشطة الإنتاجية التي تزيد الناتج الاقتصادي.
٢- تحقيق بعض الدول تحولات ديمقراطية دون أن تحقق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية في إطار الموجة الثالثة من الديمقراطية التي تحدث عنها هنتنجتون، وهو ما وضع الرؤية التحديثية في مأزق؛ نتيجةً لعدم قدرة الشروط الأولية للديمقراطية على تفسير أسباب الانتقال.
٣- أيضًا، من بين أقوى الانتقادات التي وُجِهَتْ لهذه الرؤية تجاهلها أثر الاستعمار والإمبريالية على دول العالم الثالث؛ الأمر الذي يُعَدُّ فشلًا ذريعًا في الاعتراف بأن النمو الاقتصادي إنما تأخر كثيرًا؛ بسبب سعي هذه الإمبريالية إلى أن تحول دون تقدم هذه الدول. فعند محاولة كشف الانحياز الأيديولوڇي والتمركز العرقي عن قصد أو غير قصد لنظرية التحديث نجدها موجهة لخدمة مصالح الغرب الاقتصادية والحضارية، وذلك من خلال الادعاء بأن النموذج الرأسمالي الغربي، هو النموذج الأمثل وليس هناك بديل ملائم غيره للدول الأخرى.[36]
٤- كما أن الحديث عن التقليدية، التحديثية يشوبه شيء من الغموض وعدم الوضوح، فالدول المتقدمة المفترض أنها تروج بشكلٍ شبه دائم لهذه الرؤية لم تبذل جهدًا حقيقيًا في السعي إلى امتلاك دول العالم الثالث للموارد الأساسية التي تُمكنها من إحداث تحولات تدريجية نحو التنمية، والتحضر بشكلٍ مستقل. فهذه الدول عمدت على نهب خيرات وثروات دول العالم الثالث منذ قرون عديدة، وتحديدًا خلال التوسع الأوروبي الفترة من ١٥٠٠ إلى ١٨٠٠.
وفي هذا السياق، عمدَ التجار الأوروبيون على التجول في السواحل الأفريقية والآسيوية، وأراضي أمريكا الجنوبية بحثًا عن الذهب والتوابل والعبيد وغزو طرق التجارة القائمة.[37] والتي تعود إلى المرحلة التجارية “المركنتيلية” (**). إضافةً إلى ذلك، ومع اختلاف السياق الزمني سرعان ما أدركت الدول ذات النهج الرأسمالي أن إرسال رأس المال والتكنولوجيا إلى العالم الثالث لن يؤتي ثماره ما لم يكن هذا الإرسال مصحوبًا بتغييرات اجتماعية وثقافية وسياسية أوسع نطاقًا ومتسقة في دول الجنوب الأمر الذي يكشف عن أن مثل تلك التغييرات لا تزال ممتدة منذ قرون عديدة حتى الوقت الراهن في إطار ما يُدعى “بالاستعمار الهيكلي الجديد”.
المبحث الأول
طبيعة النظام السياسي الصيني
يُعتبر النظام السياسي الصيني واحد من أهم النظم الموجودة في الوقت الراهن، لما شهده من تطور على مدار قرون عديدة مليئة بالتحديات والتهديدات سواء أكانت داخلية أو خارجية. فالنظام السياسي بشكلٍ عام قبل التطرق إلى طبيعة النظام السياسي الصيني يعرف على أنه إطار شامل تتفاعل فيه مجموعة من العناصر والمكونات تعد الدولة هي الأبرز والأهم فيها، إذ تتولى مؤسساتها الثلاث التشريعية، التنفيذية، القضائية مهمة إدارة شؤون المجتمع بغرض تحقيق سعادته ورفاهيته.
وفي جمهورية الصين الشعبية PRC يُعد النظام الصيني نظريًا هو نظام حُكم جمهوري قائم على الاشتراكية، أو كما تحبذ النخب الصينية أن تُسميها “الاشتراكية بخصائص صينية”. أما عمليًا، لم تكن الصين كذلك يومًا فكانت تحت حُكم إمبراطوري يمتد لحضارة طويلة فكانت الإمبراطورية الصينية واحدة من الإمبراطوريات الأكثر ديمومةً على وجه الأرض. على مر تاريخها الطويل، نهضت وسقطت سلالات مختلفة –مجموعات عائلية– حكمت الإمبراطورية معظمها ازدهرت في حوض النهر الأصفر الخصب الذي يتدفق عبر سهل شمال الصين خلال أكثر من ٦,٠٠٠ عام.[38] فقد حول النهر الأصفر نفسه أكثر من ١٥٠٠ مرة في التاريخ المسجل إلى سيل مستعر جرف قرى بأكملها. ونتيجةً لهذا فإن النهر يحتوي أيضًا على العديد من الألقاب الأقل إيجابيةً، مثل “حزن الصين” “وآفة شعب هان”. وعلى مر القرون، استخدمه الشعب الصيني ليس فقط للزراعة ولكن أيضًا كطريق للنقل وحتى كسلاح. قام النظام السياسي في الصين على الأنظمة الملكية الوراثية (المعروفة أيضًا باسم السلالات). كان أول هذه السلالات شيا (حوالي ٢٠٠٠ ق.م) لكن أسرة تشين اللاحقة كانت أول من وحدت البلاد في عام ٢٢١ ق.م. كما انتهت آخر السلالات الإمبراطورية (سلالة تشينغ) في عام ١٩١٢.
فجمهورية الصين الشعبية هي دولة شرقية تُهيمن عليها الثقافة الكونفوشيوسية التي ظهرت في حُكم سلالة تشو، خالية من الفكر الغربي الحديث والأفكار المرتبطة بالثورة الفرنسية والأطروحات الغربية اللاحقة التي يتم تسويقها كمبادئ عالمية وثقافة يجب أن توجه جميع الأمم. فيعود اسمها في اللغة الصينية إلى رمزين، هما “تشونج قوة”، “تشونج وجود”، اللذان يشيران إلى معنى المركزية والدولة، وهو ما قدَّم التفسير الفلسفي لتوحيد الولايات وإنشاء الإمبراطورية الصينية القديمة، والتي سُميت “بالمملكة الوسطى”، أي إنها وسط العالم وقلبه.[39]
إن أفكار كونفوشيوس، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد ووضع فلسفة شاملة جمع فيها بين جميع التقاليد الصينية للسلوك الفردي والمجتمعي، ونظرية المجتمع والسياسة التي اعتمد فيها على أولوية الأسرة وسمو الدولة. وأيد مبدأ الطاعة، مشيرًا إلى أن الرجل الفاضل لا يمكن أن يتمرد على من هُم أعلى منه في السلطة. فقد جاءت أفكاره لتُقدم التبرير الأخلاقي لطاعة الحكام في الصين القديمة التي كانت تُسمَّى بـ “مملكة السماء”. أما الصين المعاصرة فهي بنت حضارة قديمة ونظام قِيَمي وأخلاقي مستقر ومتواصل. ومع ذلك، فلقد تعرض النظام السياسي الصيني في منتصف القرن التاسع عشر لموجات استعمارية وحروب لمدة قرن كامل من العام ١٨٣٩ إلى ١٩٤٩ أطلق عليه “قرن الإذلال الصيني”؛ نتيجةً لحرب الأفيون الأولى والثانية (١٨٣٩-١٨٤٢) (١٨٥٦-١٨٦٠) Opium Wars التي شنتها بريطانيا العُظمى عليها لرفض الإمبراطور الصيني “داوغوانغ” السماح للسفن الإنجليزية بالتجارة في الأفيون عبر الموانئ الصينية؛ الأمر الذي تسبب في خسائر فادحة للتجار البريطانيين.
وكان من نتائج تلك حرب الأفيون الأولى First Anglo-Sino Opium War توقيع الصين معاهدة نانكنج (Nanking Treaty) في ٢٩ أغسطس عام ١٨٤٢ مع بريطانيا العُظمى Great Britain تضمنت بنودها:
أ ـ تنازل الصين لبريطانيا عن ميناء هونج كونج.
ب- فتح خمس موانئ صينية أخرى على الساحل الشرقي منها كانتون وشنغهاي.
ج- دفعت الصين غرامة حربية.
د- فتحت الطريق أمام الدول الاستعمارية الأخرى لعقد معاهدات مماثلة مع الصين ومنها أمريكا وفرنسا وروسيا واليابان.
وتمثلت نتائج حرب الأفيون الثانية Second Anglo-Sino Opium War التي اندلعت لنفس أسباب الحرب الأولى في:
أ-تنازل الصين عن شبه جزيرة كولون، وجزيرة ستونكترز لبريطانيا العظمى من خلال اتفاقية “تيانسين” Tientsin Treaty في يونيو عام ١٨٥٨.
ب- خسائر اجتماعية وبشرية فادحة نتيجة إدمان الأفيون.
أكثر من ذلك، اندلعت الحرب الصينية اليابانية عام ١٨٩٤، وتكبدت الصين خسائر فادحة، وتوقيعها على “معاهدة شيمونسيكي” Treaty Shimonoseki في إبريل ١٨٩٥ التي جردت الصين من جزيرتي بسكادورز، تايوان.[40] ونتيجةً لذلك، نجد أن المجتمع الصيني يتخذ مما تعرض له علي يد القوى الاستعمارية في قرن الإذلال Century Of Humiliation دافعًا قويًا لاسترجاع الميانزي (***) وكذا تحقيق الهيمنة العالمية للصين بحلول عام ٢٠٤٩.[41] وبالإضافة إلى ذلك، فإن الثقافة السياسية الصينية السائدة نجدها تحضُّ على أولوية المجتمع من الفرد، وأن الإنسان يحقق ذاته من خلال انخراطه في الجماعة، التي ينتمي إليها وفي طاعة الدولة التي تُعبِّر عن الصالح العام. وتفسر لنا هذه القيم قدرة السُلطات الصينية على الحشد والتوجيه.
واستنادًا إلى ذلك، فإن النخبة السياسية الصينية تمضي في مضمار التقدم والنهضة مُستلهِمة في ذلك ماضي الصين العريق، كما أن غالبية المجتمع الصيني متشككة في الأفكار الغربية، ولا ترى نفسها كطالب يتلقى العلم والحكمة من أوروبا، وتتحدث ضد الأفكار الغربية المهيمنة حول الديمُقراطية وحقوق الإنسان، وتدعي أن لديها رؤية لنموذج آخر من الفرد والمجتمع والدولة وحتى التنمية.[42] وفي هذا الصدد، فإنها تقدم مفهومًا مختلفًا للعلاقات بين الدول، فضلًا عن فهم مختلف للعولمة على أساس مبادرة الحزام والطريق وتبادل المصالح الاقتصادية. والدستور المعمول به حاليًا وافق علية المجلس الوطني لنواب الشعب الخامس في دورته الخامسة في ٤ ديسمبر ١٩٨٢. وقد أُدخلت عليه بعض التعديلات في عامي ١٩٩٣، ١٩٩٩. وينص الدستور في المادة الأولى على أن جمهورية الصين الشعبية دولة اشتراكية في ظل الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية بقيادة الطبقة العاملة وتقوم على تحالف العمال والفلاحين. فالنظام الاشتراكي هو النظام الأساسي لجمهورية الصين الشعبية، ويحظر تخريب النظام الاشتراكي من قِبَل أي منظمة أو فرد.[43]
أولًا: المناخ الاجتماعي والمؤسساتي
تُعَدُّ جمهورية الصين الشعبية هي الدولة الأكثر سكانًا في العالم حيث يقطنها أكثر من ١,٤٤٧,٦٠٥,٦٠٠ مليار نسمة لا تشمل (هونج كونغ وماكاو وتايوان). يقطن هؤلاء السكان في مساحة تُقدر بحوالي ٩,٦ مليون كيلومتر مربع، ويتوزعون على ٢٢ مقاطعة باستثناء تايوان باعتبار أنها المقاطعة التي لا تسيطر عليها منذ الأول من أكتوبر ١٩٤٩ وتطالب الصين بها، لكنها لا تديرها أو تسيطر عليها، وبالتالي فهي دولة مستقلة مع اعتراف دولي محدود ودولة بحكم الأمر الواقع. ومع ذلك، انخفض النمو السكاني تدريجيًا على مدى العقدين الماضيين ومن المتوقع أن يتباطأ أكثر، مع بدء انخفاض إجمالي الأرقام السكانية في النصف الثاني من عام ٢٠٢٠.[44] كما أن هناك اختلال نسبي في التوازن بين أعداد الذكور ٥١,٥% وأعداد الإناث ٤٨,٥% وهو اختلال مرجح للارتفاع، بالإضافة إلى أن سكان المدن تضاعفوا في أقل من ٢٥ سنة، وهم يشكلون اليوم ٤٣% من السكان. كما تشكل الطبقة العاملة حوالي ٧٥٠ مليون شخص، وتوجد في الصين ٥٦ قومية وأكثر السكان من قومية هان ٩١,٥٩٪.[45]
ويتشكل النظام السياسي الصيني من عدة مؤسسات تتمثل في المجلس الوطني لنواب الشعب “البرلمان”، رئيس الدولة الذي يمتثل للقرارات المتخذة من قِبَل اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، لكنه يُمارس سلطة مستقلة في ترشيح رئيس مجلس الدولة أي رئيس الحكومة، ونائب الرئيس الذي لا يمتلك سلطةً بحد ذاته لكنه يساعد الرئيس. بالإضافة إلى مجلس الدولة “الحكومة الشعبية المركزية”، هنالك اللجنة العسكرية المركزية “السلطة العسكرية والتي يترأسها رئيس الأركان للقوات المسلحة الوطنية بما فيها جيش التحرير الشعبي، والشرطة الشعبية المسلحة”، المحكمة الشعبية العُليا “السلطة القضائية”. فالهيكل الأساسي للنظام السياسي الصيني هو تطبيق نظام مجلس نواب الشعب ونظام التعاون المُتعدد بين الأحزاب والمشاورات السياسية ونظام الحُكم الذاتي الإقليمي القومي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني الموحدة. ووفقًا للدستور الصيني فإن المجلس الوطني للشعب الصيني هو أعلى جهاز في سلطات الدولة الصينية. ويجتمع مرتين في السنة لمدة أسبوعين لاستعراض الاتجاهات السياسية الجديدة الرئيسية والقوانين والميزانيات والتغييرات الرئيسية في الموظفين والموافقة عليها. واللجنة الدائمة للمجلس الشعبي الوطني مسؤولة عن أغلب التشريعات الوطنية في جمهورية الصين الشعبية. وتقدم معظم المبادرات إلى اللجنة الدائمة للمجلس الشعبي الوطني لينظر فيها مجلس الدولة بعد أن توافق عليها اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي. وبالرغم من حقيقة أن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني يتفق بشكل عام مع سياسة مجلس الدولة وتوصياته الخاصة بالموظفين. فقد أكد هذا المجلس ولجنته الدائمة بشكل متزايد على دوره بوصفه هيئة تشريعية وطنية وتمكنه من فرض تغييرات على بعض القوانين.
الشكل رقم (٤): مؤسسات النظام السياسي الصيني
المصدر: اعداد الباحث
ثانيًا: مبدأ دولة واحدة ونظامان
تسعي جمهورية الصين الشعبية بلا كللٍ إلى إعادة التوحيد السلمي للوطن من خلال مبدأ “دولة واحدة ونظامان سياسيان” في هونج كونغ، وماكاو اللتان تم استعادتهما من الدول الاستعمارية (بريطانيا العُظمى، والبرتغال). فماكاو، هي إحدى المنطقتين ذات الإدارة الخاصة والتي تقع على السواحل الجنوبية لجمهورية الصين الشعبية، وقد حصل البرتغاليون على صلاحيات ممارسة التجارة فيها عام ١٥٣٥ لممارسة التجارة ورسو السفن في ميناء ماكاو. وفي عام ١٨٧٨ أُجبرت سلالة تشينغ على توقيع اتفاقية احتلال البرتغال لماكاو، وبهذه الاتفاقية أصبحت ماكاو وبشكل رسمي تحت الحكم البرتغالي. وفي ٢٠ ديسمبر ١٩٩٩ أصبحت ماكاو منطقة إدارية خاصة تابعة لجمهورية الصين الشعبية بعد أن تم استردادها.
وبالتوازي مع ذلك، وقعت هونج كونغ تحت سيطرة بريطانيا العُظمى في أعقاب حرب الأفيون الأولى (١٨٣٩-١٨٤٢). وهي منطقة إدارية خاصة تقع على السواحل الجنوبية لجمهورية الصين الشعبية بعد أن تم استعادتها عام ١٩٩٧. ونتيجةً لذلك، أصبحت هونج كونغ، وماكاو منطقتي إدارة خاصة تابعتين للصين، مع الحفاظ على أنظمتها القانونية والسياسية، واحترام حقوقهما والسماح لهما بوجود مجلس تشريعي منتخب، وكذا ضمان احتفاظ كلًا من هونج كونغ وماكاو بعملتهما النقدية “دولار هونج كونغ”، “باتاكا ماكاوية” ومسؤوليتهما عن إدارة الاحتياطيات من العملة الأجنبية، وبقاء الحدود بينهما وبين الصين دون تغيير. ووفقًا لذلك، فإن الحزب الشيوعي الصيني مُلتزم بتعزيز التضامن بين أبناء الوطن بما فيهم مواطني هونج كونغ، وماكاو، وحتى تايوان وفقًا لمبدأ دولة واحدة ونظامين.[46]
المبحث الثاني
الحزب الشيوعي الصيني
في عام ١٩٢١ تبلورت –النواة الأولى– لـ«الحزب الشيوعي الصيني» الذي شهدت مدينة شنغهاي، كُبرى مدن الصين تأسيسه. ويومذاك، كان ماو تسي تونج أحد ممثلي الأقاليم المشاركة في إطلاق الحزب. غير أن طبيعة الحزب الأممي دفعته في حينه إلى الاستجابة لطلب التحالف مع «الحزب الوطني (الكومينتانغ)» باعتبار أنهما أصحاب توجه واحد يتمثل في القضاء على الإقطاعيين من أصحاب الأراضي.
يُشكل أعضاء –الحزب الشيوعي الصيني– “CCP” البالغ عددهم ٩٥,١ مليون نسمة من سكان الصين البالغ عددهم ١,٤ مليار نسمة. ويمكن لأي مواطن صيني يزيد عمره عن ١٨ عامًا ويرغب في قبول دستور الحزب وسياساته والالتزام بها، والتي تشمل اشتراط أن يكون أعضاء الحزب مُلحدين، التقدم بطلب للحصول على عضوية الحزب. ومع ذلك، في عام ٢٠١١، من بين ٢١,٦ مليون متقدم، تم قبول أقل من ١٥٪. والحزب غالبيته من الذكور، حيث تشكل الأعضاء الإناث أقل من ربع المجموع، ويعمل ما يقرب من ٨٥ في المائة من الأعضاء لصالح الحزب، الدولة.
وتعتبر عضوية الحزب مرموقة، وإن لم تكن إلى الدرجة التي كانت عليها في العصور السابقة.[47] فأكثر من ٧٠ في المئة من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني ما يقرب من اثنين وتسعين مليون من الرجال. ومع ذلك، في عام ٢٠١٩، كانت أكثر من ٤٢ في المائة من الأعضاء الجدد من النساء. يشكل المزارعون والرعاة والصيادون ما يقرب من ٣٠ في المائة من أعضائها. ويعقد الحزب الشيوعي الصيني كل خمس سنوات مؤتمره الوطني للحزب لوضع سياسات رئيسية واختيار كبار القادة.
وفي هذا السياق، يختار الأعضاء اللجنة المركزية Central Committee التي تضم حوالي ٣٧٠ عضوًا، بمن فيهم من وزراء، وكبار المسؤولين التنظيميين، وقادة المقاطعات، وضباط الجيش. وتعمل اللجنة المركزية كنوع من مجلس إدارة الحزب الشيوعي الصيني، وتتمثل ولايتها في اختيار المكتب السياسي، الذي يضم خمسة وعشرين عضوًا. ويتم إبلاغ سياسة الحزب إلى باقي طبقات تنظيم الحزب عن طريق التوجيهات واجتماعات لجنة الحزب. ويحتل شي جين بينغ، الذي تولى منصبه بعد حُكم هو جينتاو في عام ٢٠١٢، قمة النظام كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني. وهو أيضًا القائد الأعلى لجيش التحرير الشعبي، ويمارس نفوذًا هائلًا في وضع سياسة الحكومة الصينية.
ويرى نفسه كإمبراطور ومُفكر رابع للشيوعية كما أعلن هو عن نفسه رفقة كارل ماركس، فلاديمير لينين، ماو تسي تونج.[48] ولكي يكون الشخص إمبراطورًا يجب أن تكون مدة الحُكم غير مقترنة بمدة زمنية، وهو ما اتضح جليًا في عام ٢٠١٨ عندما أقر مجلس نواب الشعب الصيني التعديلات الدستورية لمنح الرئيس ونائبه ولاية رئاسية كل خمس سنوات، وإلغاء قيد التحديد السابق بولايتين فقط.[49] ويرأس رئيس مجلس الدولة “لي كه تشيانغ”، وهو ما يُعادل مجلس الوزراء في الصين. كما يضمن الحزب التوافق الأيديولوڇي من خلال الحملات الدراسية على مستوى البلاد.
ففي سبتمبر/أيلول ٢٠٠٨، على سبيل المثال، أطلق الحزب حملة دامت ١٨ شهرًا لأعضاء الحزب لدراسة “المفهوم العلمي للتنمية” للأمين العام للحزب الشيوعي وقتها هو جينتاو. وطلب من أعضاء الحزب في جميع أنحاء المنظومة دراسة الخطب والوثائق المتعلقة بهذا المفهوم. ونشرت دور النشر الحزبية أدلة دراسية. وفي مثال آخر، في عام ٢٠٠٩، وفي إطار حملة دراسية أوسع نطاقاً حول “نظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، أمرت إدارة الدعاية في الحزب منظمات الحزب في مختلف أنحاء البلاد بقيادة جلسات دراسية حول مجموعة من المفاهيم المعروفة باسم “ستة أسباب”. ومن بين الأسباب الستة التي كانت لماذا لم يكن الفصل بين السلطات ونظام التعددية الحزبية على النمط الغربي مُناسبًا للصين.[50] وقد حافظ الحزب الشيوعي الصيني على احتكار سياسي منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان، حيث أشرف على النمو الاقتصادي السريع للبلاد وصعوده كقوة عالمية.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه الحزب بالذكرى المئوية لتأسيسه في عام ٢٠٢١، نجده يواجه تحديات في الخارج والداخل على حد السواء، بما في ذلك عدم المساواة الاقتصادية، جائحة Covid-19 والقضايا البيئية كأزمة المناخ. فيعتمد الحزب على ثلاث ركائز: السيطرة على الأفراد، والدعاية، وجيش التحرير الشعبي كجناح مُسلح للحزب الشيوعي الصيني، تشمل الأهداف الرئيسية لجيش التحرير الشعبي الصيني حماية حكم الحزب والدفاع عن مصالح الحزب. وتُشرف اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني، التي يرأسها حاليًا شي، على كل من جيش التحرير الشعبي والشرطة المسلحة الشعبية، التي تركز في المقام الأول على الأمن الداخلي. ويرى الحزب الشيوعي الصيني أن جيش التحرير الشعبي “أداة عملية لفن الحُكم مع دور نشط في دفع السياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية، لاسيما فيما يتعلق بالمصالح العالمية المتزايدة لجمهورية الصين الشعبية وأهدافها لمراجعة جوانب النظام الدولي”. على سبيل المثال، يشرف جيش التحرير الشعبي على نشر السفن الحربية والطائرات بالقرب من المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وكذلك بالقرب من تايوان.[51]
كما عمل الحزب الشيوعي الصيني على ترسيخ شرعيته من خلال ثلاث ركائز: القومية، والنمو الاقتصادي، سلامة العامة.
- القومية: لقد كانت قدرة الحزب الشيوعي الصيني CCP على تأمين الدفاع عن الأمة وسلامتها الإقليمية حاسمة لتبرير حُكمه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، عندما أعلن ماو أن “أمتنا لن تكون بعد الآن دولة عُرضة للإهانة والإذلال، لقد نهضنا مجددًا”.[52] ومع الإطاحة بالنظامين الصينيين الأخيرين من قِبَل الحركات القومية، يشعر قادة الحزب الشيوعي الصيني بقلق خاص إزاء الدفاع عن سيادة البلاد ضد التعدي الأجنبي والتدخل بشأن أوضاع حقوق الإنسان..
- النمو الاقتصادي: استخدم الحزب الشيوعي الصيني النمو الاقتصادي وسلسلة من الإحصاءات الاقتصادية لاسيما الناتج المحلي الإجمالي؛ للمطالبة بالكفاءة وتبرير حُكمه في فترة ما بعد ماو. وفي عهد دينج شياو بينج، ابتعد الحزب الشيوعي الصيني عن الأيديولوجية الشيوعية كمقياس للأداء الجيد، وبدلًا من ذلك روج لشعارات مثل “الثراء مجيد” وأبيض أو أسود، طالما أنه يمسك بالفئران فهو قط جيد”. فلقد دعم النمو الاقتصادي أدوات حُكم الحزب الشيوعي الصيني، لاسيما الأجهزة القسرية وأنظمة مراقبة المعلومات التي كانت تدعم الدعم المحلي، مما مكن النظام من القضاء على التحديات، أو استمالة المنافسين المحتملين، أو منع ظهور مراكز نفوذ بديلة.[53]
- سلامة العامة: كانت قدرة الحزب الشيوعي الصيني على الحفاظ على سلامة مواطنيه من الأمراض والكوارث والجريمة والإرهاب ركنًا أساسيًا من أركان حُكمه. وعادةً ما تثير قضايا الصحة العامة غضبًا محليًا وتعبئة اجتماعية، لا سيما عندما تؤدي المُخالفات الحكومية أو عدم الانتباه إلى وفاة الأبرياء. كما أثار فشل الحكومة الصينية في الكشف عن الخطر الذي يُشكله تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) في ٢٠٠٢-٢٠٠٣ والتصرف حياله موجة من القلق العام وما وصفه العالم السياسي يانتشونغ هوانغ بأنه “أشد أزمة اجتماعية وسياسية للقيادة الصينية منذ مظاهرات ساحة تيانانمين عام ١٩٨٩”. أيضًا، مع تتبع جائحة COVID-19، ومع التأخيرات الأولية التي قامت بها الحكومة في تأكيد الأدلة على انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، وإسكات الأطباء المحليين “لي وين ليانغ” الذي حاول إبلاغ زملائهم بفيروس جديد شبيه بالسارس، مما أثار انتقادات حادة للسلطوية على الطريقة الصينية، ودعا وسائل التواصل الاجتماعي الصينية إلى تنحي شي جين بينغ.[54] فقط من خلال إسكات المنتقدين المحليين والتفوق على العديد من البلدان الأخرى التي كافحت لاحتواء الفيروس، فعل النظام السياسي الصيني ذلك لتجنب السخط الداخلي.
المبحث الأول
محددات التنمية الاقتصادية في النظام السياسي الصيني
إن فهم الإصلاحات الاقتصادية ذات الطابع الاستثنائي التي بدأت في جمهورية الصين الشعبية منذ ما يزيد عن أربعة عقود وتحديدًا مع وصول “دينج شياو بينج” إلى الحُكم، ومع تصاعُد مؤشرات نجاح الصين يُعَدُّ أمرًا مهمًا للإصلاحات المُستقبلية التي ستضطلع بها القيادة السياسية الصينية في المستقبل، فالتنمية عملية ديناميكية ذات أولوية قصوى لا يجب أن تقف عند حد معين، لطالما هنالك الموارد والإمكانيات التي من شأنها إحداث تطور، تحسن ينعكس على بنى المجتمع. وبتتبع المسار الذي سلكته القيادات السياسية الصينية المختلفة حتى القيادة السياسية الراهنة “شي جين بينغ”، والظروف التي اُتخذت فيها القرارات التاريخية ومعرفة ماهية أثارها على مسار الاقتصاد الصيني سوف يُطلع وينبه صُناع القرار على المكان الذي يجب أن يذهبوا إليه بعد ذلك لتحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية. وفي هذا السياق، لابدَّ من الإشارة إلى الأسباب الرئيسية التي مكنت الاقتصاد الصيني من تحقيق معدلات مرتفعة وتتمثل أولًا في الانتقال نحو اقتصاد السوق Market Economy إلى تحسين تخصيص الموارد وزيادة الكفاءة الاقتصادية.
ثانيًا، الانفتاح على التجارة والاستثمارات الخارجية أدت إلى تعزيز الكفاءة الاقتصادية ومكن الاقتصاد من التمتع بميزته النسبية في مجال العمالة الكثيفة، وقد تعزز ذلك على نطاق واسع مع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في ١١ ديسمبر ٢٠٠١، وفي مقابل هذا الانضمام أجبر الاتفاق الصين على خفض الرسوم الجمركية، والسماح بالاستثمار الأجنبي في الصناعات الصينية، ومنح البنوك الأجنبية مزيدًا من الحرية في ممارسة الأعمال التجارية، فضلًا عن موافقتها أيضًا على أن الولايات المتحدة يمكن أن تمنع الواردات الصينية التي تهدد صناعات أمريكية محددة.[55]
ثالثًا، الانتقال إلى خط سريع نحو الصناعة، مع الاحتفاظ بالطابع الزراعي، والعمل على تطوير السياسات الزراعية بتوظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة فيها.
رابعًا، تمتعت الصين بنمو سريع لقوتها العاملة خلال الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي، بقيادة طفرة ديموغرافية وُظِفَتْ بشكلٍ مرن في مختلف القطاعات الإنتاجية.
خامسًا، المزج بين التخطيط المركزي واقتصاد السوق في إطار ما تم تسميته الاشتراكية بخصائص صينية.
ولهذا، نجد أن اعتبار التنمية أولوية قصوى ومفتاحًا لحل جميع مشاكل جمهورية الصين الشعبية منذ ٤٠ عامًا كان بمثابة قوة دفع تبناها القادة السياسيين الصينيين الذين اضطلعوا بالعمل عليها؛ وذلك للاستجابة لمتطلبات الوضع القيادي. ونتيجة لذلك، خدمت جميع السياسات الداخلية والخارجية التي نُفِذَتْ في جمهورية الصين الشعبية خلال تلك الفترة الزمنية هذه الأولوية العالية.[56] فالتنمية، وفقًا لعقيدة الحزب الشيوعي الصيني، هي مصدر مهم للشرعية السياسية ووسيلة هامة لكسب ولاء الشعب للحزب والقيادة. فمنذ سياسة الإصلاح والانفتاح، أكدَّ القادة الصينيون المتعاقبون على التنمية باعتبارها القضية الأولى والأكثر أهميةً، فضلًا عن القضاء النهائي على الفقر. فمع إعلان الرئيس “شي جين بينغ” في نهاية عام ٢٠٢٠ عن النجاح التام لحملة القضاء على الفقر، فخلال العقود الأربعين الماضية، تخلص ما يزيد عن ٨٠٠ مليون نسمة من الفقر بما يشكل ٧٠% من نتائج الحملة العالمية لمحاربة الفقر؛ الأمر الذي ساهم في اكتساب الحزب الشيوعي الصيني ثقة الشعب ومصداقيته حيث وصلت شعبيته إلى ٩٣,١% وفقًا لاستطلاع رأي تم إجراؤه من قِبَل فريق بحثي من جامعة هارفارد الأمريكية عام ٢٠١٩. كما اجتازت جمهورية الصين الشعبية عدة مراحل سياسية واقتصادية، تميزّت كل مرحلة منها بمجموعة من الخصائص التي أسهمت بشكلٍ مرنٍ ليس فقط في تطور الاقتصاد الصيني ونموه، بل أيضًا لينجح أخيرًا في السيطرة على جزء مهم من الاقتصاد الدولي والوصول إلى مرحلة متقدمة من المساهمة في رسم التوجهات الاقتصادية على المستوى العالمي بحكم كونها ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
المبحث الثاني
مراحل التنمية الاقتصادية في النظام السياسي الصيني
يتفق العديد من الباحثين على أن أولى مراحل التنمية الاقتصادية الصينية الجادة بدأت في فترة حُكم الرئيس الصيني “دينج شياو بينج”. ومع ذلك وبحكم أهمية تلك المرحلة، لا بد من تناول المرحلة السابقة لها والتي تتمثل في فترة حكم الرئيس “ماو تسي تونج” بعد انتصاره في الحرب الأهلية وتأسيسه لجمهورية الصين الشعبية ١٩٤٩ حتى نتمكن من تقييم تلك المراحل بشكلٍ موضوعي وفقًا لمتوسط دخل المواطن الصيني والناتج المحلي الإجمالي بدءًا من ١٩٦٠ حتى ٢٠٢٠.
الفترة الماوية من ١٩٤٩-١٩٧٦
بالعودة إلى الحقبة الماوية، نجد أن ماو تسي تونج بقيادته للحزب الشيوعي الصيني الذي تأسس في يوليو ١٩٢١ عَمَدَ إلى إحكام سيطرته على الدولة، وإعلانه جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر ١٩٤٩ بعد الانتصار في (الحرب الاهلية “حرب التحرير” ١٩٤٥-١٩٤٩) على حزب الكومينتانغ بقيادة “تشانغ كاي تشيك” وعمل على استخدام الثقافة والقيم الكونفوشيوسية.[57] فلقد كانت الصين وقتذاك من أفقر الدول، التي تعاني من التخلف. ولهذا، شرع ماو منذ أول حُكمه الذي بدأ عام ١٩٤٩ بوضع أسس النظام وخطط النهوض الاقتصادي، وذلك من خلال الإصلاح الزراعي الريفي، والزراعة الجماعية، والاستثمارات في الصناعات الحضرية، وأعيد توزيع الأراضي والموارد بالكامل. وبحلول منتصف القرن، كانت بعض هذه الجهود قد حسنت مستوى معيشة الشخص الصيني العادي، وانخفض الفقر، وارتفعت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وزادت الفرص التعليمية. ومع ذلك، لم يكن ماو راضيًا عن وتيرة التقدم أو توزيعه. وكان النمو لا يزال معتدلًا، وكان متفاوتًا للغاية. في حين نمت المدن واكتسبت الثروة، فإن المناطق الريفية ببساطة لم تواكب ذلك.
وفي أواخر عام ١٩٥٠، قدم ماو حملة تسمى القفزة العظيمة إلى الأمام. وكان أحد الأهداف الرئيسية لهذا الجهد هو تصنيع الريف؛ أي جعل معظم السكان الذين يعملون بالزراعة يتركون مهنهم، بهدف العمل في الصناعة، وكان ذلك من دون خبرة حقيقية. ومع ظهور الصناعة صغيرة النطاق في الريف، والتعليم المتاح على نطاق أوسع، كان للقفزة العظيمة إلى الأمام بعض الجوانب الناجحة. فقد تم تحسين البنية التحتية الحيوية مثل السكك الحديدية والجسور والقنوات والخزانات والمناجم ومحطات الطاقة وأنظمة الري. ولكن في نهاية المطاف، كانت هذه الخطة فاشلة في الاندفاع نحو التصنيع، فلقد روج القادة الشيوعيون وقتذاك للمشاريع التي كانت في بعض الأحيان ذات تكاليف أكبر من الفوائد. وأدت هذه المشاكل، مقترنة بسوء الأحوال الجوية، إلى مجاعة مدمرة.
وفي أوائل عام ١٩٦٠، توفي حوالي عشرين مليون شخص نتاج تلك الخطة. وعلى هامش الخطط الاقتصادية التي أدت في النهاية إلى كارثة معيشية، كان ماو يُعد لـمبادرة خاصة تهدف إلى تكريس سيطرته، فأطلق ماو ما أسماه بـ “الثورة الثقافية البروليتارية العظمى” سنة ١٩٦٦؛ بهدف مطاردة البرجوازيين الذين تسللوا بأفكارهم إلى الحزب الشيوعي، وتطهير النظام والبلاد من أي شخص انحرف عن “الأفكار الماوية”.[58] فلقد اعتقد أن الاقتصاد الراكد كان جزئيًا بسبب القيم الرأسمالية في الحزب الشيوعي الصيني، ولهذا عمل على التخلص من العادات والتقاليد والثقافة والأفكار القديمة..
وفي هذا السياق، يُمكن توصيف الوضع الاقتصادي في الفترة الماوية بأنه كان يتسم بحالة من عدم الاستقرار، ومعدلات نمو ضعيفة جدًا في دخول الأفراد. فلقد بلغ متوسط دخل المواطن الصيني في تلك الحقبة عام ١٩٦٠ حوالي ٩٠ دولار فقط، مع ناتج محلي إجمالي يُقدر بحوالي ٥٩,٧٢ مليار دولار أمريكي. في حين وصل متوسط دخل المواطن الصيني عام ١٩٧٦ بنهاية الفترة الماوية حوالي ١٦٥ دولار فقط، وناتج محلي إجمالي يُقدر بحوالي ١٥٣،٩٤ مليار دولار أمريكي.
ويتضح ذلك في الشكل رقم (٥): متوسط دخل المواطن الصيني، والناتج المحلي الإجمالي الفترة من (١٩٦٠ إلى ١٩٧٦)
المصدر: MacroTrends/ World Bank
دينج شياو بينج الفترة من ١٩٧٨-١٩٩٢
عقدت اللجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني جلستها العامة الثالثة في الفترة من ١٨ إلى ٢٢ ديسمبر ١٩٧٨. أعاد هذا الاجتماع تأسيس نهج جديد للحزب الشيوعي الصيني يقوم على تحويل التركيز من الحركة السياسية إلى التنمية الاقتصادية. وقد أرسى ذلك الأساس للإصلاح والانفتاح، حيث يمكن تفسير التغيير في السياسة جزئيًا على أنه استمرار “للتحديثات الأربعة” (الزراعة والصناعة والدفاع والعلوم والتكنولوڇيا) التي أعلنها رئيس الوزراء “تشو إن لاي” في عام ١٩٦٤، ولكن توقفت بسبب الثورة الثقافية. وكان هناك سببان يدفعان إلى ضرورة الإصلاح.[59]
أولًا، كانت الثورة الثقافية لا تحظى بشعبية كبيرة، وكان على الحزب والحكومة أن ينأى بنفسيهما عن النظام القديم وأن يُجريا تغييرات لكسب دعم الشعب.
ثانيًا، بعد سنوات من الخبرة في التخطيط الاقتصادي، فهم المسؤولون الحكوميون أوجه القصور في النظام المُخطط وضرورة الحاجة إلى التغيير.
ولذلك، فقد أظهرت التنمية الاقتصادية الناجحة في أجزاء أخرى من آسيا –بما في ذلك تايوان هونج كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية، والمعروفة باسم “النمور الأربعة”– لمسؤولي الحكومة الصينية والشعب الصيني أن اقتصاد السوق يعمل بشكل أفضل من الاقتصاد المخطط له. فكان الإصلاح الذي بدأ في عام ١٩٧٨ هو المفتاح الذي أطلق العنان لمعدلات الصين المرتفعة وكان النمو الاقتصادي والإصلاح المؤسسي في جوهره. ومن أهم العناصر الإصلاحية في ذلك هو إصلاح الأسعار، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، ومنح القطاع الخاص إمكانية الوصول إلى الأسواق، والانفتاح على العالم. فكان إصلاح الأسعار أمرًا لا غنى عنه حيث انتقلت الدولة من اقتصاد مُخطط إلى اقتصاد السوق.[60]
وبالإضافة إلى ذلك، اعتمدت القيادة السياسية نهجًا تدريجيًا وأكملت إصلاح أسعارها على مدى ١٠ سنوات، بين عامي ١٩٨٤، ١٩٩٤. وجاء إصلاح الشركات المملوكة للدولة بعد ذلك، وقد ثبت أن هذا أصعب بكثير من إصلاح الأسعار لأنه تسبب في بطالة هائلة لملايين العمال. واستغرقت الصين ١٠ سنوات لاستكمال تحويل ٨٠ في المائة من شركاتها المملوكة للدولة إلى جهات فاعلة في السوق. كما ظهر القطاع الخاص خلال هذا الوقت وأصبح ركيزة اقتصادية ذات أهمية مساوية للشركات المملوكة للدولة، مما عزز بشكل كبير الحيوية الاقتصادية للصين.
بجانب ذلك، قوَّض “بينغ” نظام “الكوميونات” الذي كان مُصممًا في الفترة الماوية؛ لدمج المزارع الجماعية لتشجيع المزارعين على زراعة الأراضي بشكلٍ جماعي وليس فردي. فكان للمزارعين في فترة دينج شياو بينج حرية إدارة الأراضي التي يزرعونها وبيع منتجاتهم في السوق لأول مرة. أما بالنسبة للجيش، فسعى إلى تطوير بنية تحتية مدنية متفوقة، واعتبر ذلك أولوية في خطط الدفاع الوطني، لكي تتمكن الصين من امتلاك أسلحة حديثة. ولذلك، قلص حجم الجيش عام ١٩٨٥، وأحال كبار السن والضباط “الفاسدين” إلى التقاعد، ووضع خطة لتجنيد الشباب المتعلمين القادرين على التعامل مع الأسلحة الحديثة. أيضًا، سمح “بينغ” للبلديات والمقاطعات بالاستثمار في صناعات أكثر ربحيةً؛ مما شجع الاستثمار في الصناعات الخفيفة، وزاد من معدلات النمو الذي تقوده الصادرات، فصادراتها من الحاصلات الزراعية لا تُقاس بصادراتها الصناعية. ونتيجةً لهذا القرار، تمكنت البلاد من إعادة استثمار ما نتج عن هذا النمو، في تحقيق إنتاج أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية، وفي شراء الآلات والمعدات كثيفة التكنولوجيا من اليابان والغرب. ومع بداية حُكم دينج شياو بينج، وصل متوسط دخل المواطن الصيني حوالي ١٥٦ دولار، مع ناتج محلي إجمالي يُقدر بحوالي ١٤٩,٥٤ مليار دولار أمريكي. وفي العام ١٩٩٢ مع نهاية حكم دينج شياو بينج، بلغ متوسط المواطن الصيني حوالي ٣٦٦ دولارًا، ووصل الناتج المحلى الإجمالي للصين ٤٢٦,٩٢ مليار دولار أمريكي. ويمكن القول إن الاقتصاد الصيني شهد تحسنًا نسبيًا خلال حُكم “دينج” مقارنةً بالفترة الماوية الغير مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا على حد السواء.
ويتضح ذلك في الشكل رقم (٦): متوسط دخل المواطن الصيني، والناتج المحلي الإجمالي الفترة من (١٩٧٨ إلى ١٩٩٢)
المصدر: MacroTrends/ World Bank
ڇيانج زيمين الفترة من ١٩٩٣-٢٠٠٣
واصل زيمين التزامه بالإصلاحات التي اتبعها سلفه “دينج شياو بينج” والتي تمثلت في ضرورة ربط اقتصاد السوق الحر باستمرار الحزب الشيوعي الصيني في الحُكم. كما طرح نظرية التمثيلات الثلاثة، والتي قامت على:[61]
أ-تطوير القوى الإنتاجية وتشجيع الثقافة المتقدمة.
ب- تحقيق المصالح الأساسية للغالبية العظمى من السكان.
ج- تعزيز التقدم الاجتماعي الشامل.
ولهذا، شهدت الدولة نموًا اقتصاديًا كبيرًا في عهده، كما شهدت عودة هونج كونغ من بريطانيا العُظمى في عام ١٩٩٧ وماكاو من البرتغال في عام ١٩٩٩ وحسنت الصين علاقاتها مع العالم الخارجي. وفي عام ٢٠٠١، احتفلت الصين بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية WTO في حُكمه ويمكن اعتبار هذا التاريخ بداية تحوّل الصين إلى مصنع العالم. ونتيجةً لذلك، عمل على تضمين القطاع الخاص في المشهد الاقتصادي، وذلك من خلال تطبيق اشتراكية السوق في المناطق الاقتصادية الخاصة، عبر تشريع القوانين اللازمة لضمان آليات السوق بحرية في تلك المناطق؛ الأمر الذي ساعد على تهيئة البيئة الملائمة لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في تلك المناطق.[62] ولقد شهد عقد ١٩٩٠ تقدم الإصلاح الاقتصادي في الصين بأسرع وتيرة له، مما خلق أساسًا متينًا للنمو المُتسارع في العقد التالي لانضمام الصين عام ٢٠٠١ إلى منظمة التجارة العالمية (WTO). كما ساعد الانفتاح على الاقتصاد العالمي، الذي بدأ في عام ١٩٨٠ بإنشاء أربع مناطق اقتصادية خاصة، على تحفيز النمو السريع للاقتصاد الصيني مثل (شنتشن وشانتو وتشوهاى فى مقاطعة قوانغدونغ، وشيامن في مقاطعة فوڇيان). وقد بلغ متوسط دخل المواطن الصيني في عام ٢٠٠٣ حوالي ١,٢٨٩ دولار، في حين وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى ١,٦٦٠.٢٩ تريليون دولار أمريكي.
ويتضح ذلك في الشكل رقم (٧): متوسط دخل المواطن الصيني، والناتج المحلي الإجمالي الفترة من (١٩٩٣ إلى ٢٠٠٣)
المصدر: MacroTrends/ World Bank
هو جينتاو الفترة من ٢٠٠٣- ٢٠١٣
عمل الرئيس هو جينتاو منذ وصوله للسُلطة على تطبيق العدالة في كافة القطاعات والمجالات الحياتية في المجتمع الصيني؛ لمواجهة التحديات التي انبثقت عن خطط الإصلاح الاقتصادي والتي بدأت منذ حُكم “دينج شياو بينج” مرورًا ب “ڇيانج زيمين” والتي كانت أساسًا لشرعية الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.[63] ونتيجةً لذلك، قام بطرح مبادرة بناء مجتمع متناغم A harmonious society التي استهدفت تحقيق العدالة التوزيعية للمزايا التي يتم الحصول عليها من برنامج الإصلاح الاقتصادي بين كافة الطبقات الاجتماعية وليس على طبقة واحدة، مع استكمال نظام اقتصاد السوق الاشتراكي. وفي العقد الماضي، كانت صادرات الأغذية تنمو بشكلٍ أسرع من الواردات في عهد هو جينتاو، ولكن في عام ٢٠١٠، كانت الصين لا تزال مُكتفية ذاتيًا إلى حد كبير قُدِرَ بحوالي ٩٧ في المائة في الغذاء “بما في ذلك الأغذية المصنعة”.
وفي ذلك الوقت ارتفعت نسبة النمو، وتمكنت جمهورية الصين الشعبية من تحقيق ارتفاع في الدخل الفردي حوالي ١٧٠٠ دولار أمريكي عام ٢٠٠٥، ومن خلال هذا النمو الاقتصادي، تقلص عدد الذين يعانون من الفقر من ٢٨٠ مليون نسمة عام ١٩٧٨ إلى ١٤٠ مليونًا عام ٢٠٠٤.
وفي عام ٢٠٠٥ أصبحت جمهورية الصين الشعبية سادس أكبر اقتصاد عالمي، حيث بلغت نسبة النمو في الاقتصاد الصيني حوالي ٩%. وبلغ الناتج المحلى الإجمالي ٢,١ تريليون دولار أميركي، وتقدمت إلى المرتبة الرابعة عام ٢٠٠٦مع بعد كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا، وفي عام ٢٠١٠ أصبحت المركز الثاني عالميًا لتتجاوز اليابان وتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية.[64] وقد بلغ متوسط دخل المواطن الصيني بحلول عام ٢٠١٣ حوالي ٧,٠٥١ دولار أمريكي، ووصل الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس العام إلى ٩,٥٧٠.٤١ تريليون دولار أمريكي. (انظر الشكل الثامن)
وبالعودة إلى عام ٢٠٠٨، وبعد أزمة مالية طاحنة ألمت بالولايات المتحدة، استثمرت بكين في واشنطن في حُكم الرئيس “هو جينتاو” حيث تضاعف الاستثمار الصيني في الديون الأميركية، فوصل ما تملكه الصين من الدين الأميركي حاليًا لـ ١,١ تريليون دولار، ما يمثل تقريبًا خُمس الديون الأميركية. وفي ٢٠١٣، أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن مبادرة “الحزام والطريق”، وهي مبادرة ضخمة لمشروعات بنى تحتية تهدف إلى ربط نصف سكان الأرض تقريبًا ببعضهم البعض، بمشاركة نحو ١٠٠ دولة، من بينها دول أوروبية. وعام ٢٠١٤، أصبح الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد في العالم فيما يتعلق بقوته الشرائية؛ وخلال العقد الراهن، من الممكن أن يتجاوز اقتصاد الصين نظيره الأمريكي من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
ويتضح ذلك في الشكل رقم (٨): متوسط دخل المواطن الصيني، والناتج المحلي الإجمالي الفترة من (٢٠٠٣ إلى ٢٠١٣)
المصدر: MacroTrends/ World Bank
شي جين بينغ الفترة من ٢٠١٣ حتى الوقت الراهن
عندما وصل الرئيس شي إلى السُلطة، ركز في المقام الأول على القضاء على الفقر وتحسين سُبل العيش. ومن خلال مبادراته التنموية، يطمح إلى تحسين مستوى معيشة أكثر من ١,٣ مليار شخص. وهو يرى أن التركيز كان في السابق مُنصبًا على توفير بعض الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للمجتمع الصيني. والآن، ومع تقدم الأوضاع الاقتصادية، ينبغي أن ينصب التركيز على التمكين النوعي للسكان المحليين. من خلال إصلاحاته، بحلول نهاية عام ٢٠٥٠، من المتوقع أن تبرز الصين كدولة اشتراكية حديثة مزدهرة وديمقراطية ومتقدمة ثقافيًا. كما يسعى الرئيس شي جاهدًا لتوفير فرص تعليمية محسنة للناس دون أي تمييز. وخلال حديثه في حفل مبادرة الأمم المتحدة العالمية للتعليم أولًا، أشار شي إلى أن البنية التحتية المجتمعية الأفضل ممكنة فقط من خلال البنية التحتية التعليمية العادلة Fair educational infrastructure. وهو يطمح إلى إحياء النظام الاجتماعي من خلال نشر التعليم العلمي وتكنولوجيا المعلومات. مع قبول أن المناهج الدراسية الحالية تلبي المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين.[65] كما عملت القيادة الصينية على الاستثمار في الرعاية الصحية، وتعزيز البنية التحتية لمرافق الرعاية الصحية الأولية، ورفع كفاءة موظفي الرعاية الصحية من خلال التعليم والتدريب. كما ركزت على إصلاحات وزيادة عدد المستشفيات العامة، وإزالة هوامش الربح على الأدوية، وترشيد تسعير الخدمات الطبية.
وفي هذا السياق، تم تحسين الرعاية والخدمات الطبية لقاطني المناطق النائية والفقيرة. وفي ٢٠١٩، نجحت الحكومة الصينية في تدشين نظام تأمين صحي شامل يغطي أكثر من ٩٥% من الشعب الصيني. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، وصل متوسط دخل المواطن الصيني حوالي ١٠,٥٠٠ دولار أمريكي، مع ناتج محلي إجمالي يُقدر بحوالي ١٤,٧٢٢.٧٣ تريليون دولار أمريكي في سنة ٢٠٢٠. وبالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بلغ ناتجها المحلي الإجمالي وفقًا للبنك الدولي ٢٠,٩٣٦٠٦٠ تريليون دولار أمريكي، ومتوسط دخل المواطن الأمريكي مقارنةً بنظيره الصيني ٦٣,٥٤٤ دولار أمريكي. ووفقًا للمكتب الوطني للإحصاء في الصين، وفيما يتعلق بالمناطق الحضرية والريفية، بلغ نصيب الفرد من الدخل المتاح لسكان الحضر ٤٧,٤١٢ يوان، وسجل دخل الفرد المتاح لسكان الريف ١٨,٩٣١يوان.[66]
ويتضح ذلك في الشكل رقم (٩): متوسط دخل المواطن الصيني، والناتج المحلي الإجمالي الفترة من (٢٠١٣ إلى ٢٠٢٠)
المصدر: MacroTrends/ World Bank
وبالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ مبادرة الحزام والطريق الصينية BRI، التي يُشار إليها أحيانًا باسم طريق الحرير الجديد New Silk Road، واحدة من أكثر مشاريع البنية التحتية طموحًا على الإطلاق. ويُبنى المشروع على طرق التجارة القديمة التي كانت تربط الصين بالغرب، وطرق “ماركو بولو” في الشمال، وطرق الرحلات الاستكشافية البحرية للأدميرال “تشنغ خه” في الجنوب. وستمتد المجموعة الواسعة من مبادرات التنمية والاستثمار، التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام ٢٠١٣، من شرق آسيا إلى أوروبا، مما سيوسع بشكل كبير نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي.[67] وأعلن الرئيس شي عن المبادرة خلال زيارتين رسميتين إلى كازاخستان وإندونيسيا في عام ٢٠١٣. كانت الخطة ذات شقين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري. تمت الإشارة إلى الاثنين بشكل جماعي أولًا باسم مبادرة حزام واحد، طريق واحد، لكنهما أصبحا في النهاية تحت مُسمى مبادرة الحزام والطريق. فلقد تضمنت رؤية شي إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية، وخطوط أنابيب الطاقة، والطرق السريعة، والمعابر الحدودية المبسطة. ومن شأن مثل هذه الشبكة أن توسع الاستخدام الدولي للعملة الصينية “اليوان الصيني”. فيتبع الجزء البري مسار طريق الحرير القديم مرورًا بالصين عبر آسيا الوسطى وغرب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. ويتبع الحزام البحري مسارًا مشابهًا للطرق البحرية للصين في القرن الخامس عشر؛ لربط الصين والعالم ككل، مرورًا بالساحل الشرقي لأفريقيا إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.[68] وتُدرج بعض التقديرات مبادرة الحزام والطريق كواحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمارات في التاريخ، والتي تغطي أكثر من ٦٨ دولة، بما في ذلك ٦٥٪ من سكان العالم و٤٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقد قُدِرَتْ تكلفة المشروع بأرقام مختلفة جدًا تتراوح بين تريليون دولار أمريكي إلى ما يصل إلى ٨ تريليون دولار أمريكي.[69] ويرى الخبراء أن مبادرة الحزام والطريق هي واحدة من الركائز الرئيسية لفن الحكم الصيني الأكثر جرأة في عهد شي، إلى جانب استراتيجية التنمية الاقتصادية صُنِعَ في الصين ٢٠٢٥. وبالنسبة لشي، تعمل مبادرة الحزام والطريق كرد فعل ضد “محور آسيا” الأمريكي، فضلًا عن كونها وسيلة للصين لتطوير فرص استثمارية جديدة، وتنمية أسواق التصدير، وتعزيز الدخل الصيني والاستهلاك المحلي. ففي عهد شي، تسعى الصين الآن بشكلٍ مرنٍ لتشكيل المعايير والمؤسسات الدولية وتؤكد بقوة وجودها على الساحة العالمية، وعزمها على تغيير النظام الدولي الراهن.
ومع النمو الاقتصادي الصيني المضطرد، كانت الصين أول دولة تتأثر بجائحة Covid-19 واتخذت تدابير إغلاق غير مسبوقة أدت إلى انخفاض تاريخي في النمو بنسبة ٦٪ على الأقل في عام ٢٠٢٠. ولكن في عام ٢٠٢١، حققت البلاد انتعاشًا. ومع ذلك، لا تزال الجائحة تؤدي إلى تغييرات دائمة في سوق العمل في الصين، وبعد ذلك قد تحتاج البلاد إلى اتباع سبل جديدة للنمو لاسيما مع موجات التفشي المتكررة.[70] وفي هذا السياق، تعامل النظام الصيني باحترافية كبيرة في التصدي لجائحة كوفيد-١٩، وقامت الصين بتقديم العديد من المساعدات الإنسانية والاقتصادية فيما عُرِفَ بدبلوماسية الأقنعة Mask Diplomacy لدول لها ثِقلها السياسي من الناحية التاريخية كإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية التي تنتمي إلى الثقافة الغربية، وكذا العديد من الدول الإفريقية[71]؛ الأمر الذي أثار تساؤلات حول نجاعة النموذج الصيني وجودة الحكم مقارنةً بالنظم الغربية واخفاقها في التعامل مع الجائحة.[72] فالنظام السياسي الصيني استطاع تعزيز جودة الحكم من خلال الدوافع البراغماتية، قدرة النظام على توفير السلع والخدمات الأساسية (صحة، تعليم، غذاء)؛ الأمر الذي ساهم في وجود سلطوية مرنة “رشيدة”. ونتيجةً لذلك، يمكن تفسير سبب عدم اهتمام الصينيين بآلية وصول حكامهم إلى السُلطة بقدر اهتمامهم بالطريقة التي يُمارس بها الحكم. فوفقًا للبعض، الأنظمة السلطوية هشة بطبيعتها Inherently Fragile بسبب ضعف الشرعية، والاعتماد المفرط على الإكراه، والمركزية المُفرطة في صنع القرار، وهيمنة السلطة الشخصية على المعايير المؤسسية. ومع ذلك، أثبت النظام السلطوي الصيني مرونته.[73] وبالنظر إلى العوامل السياسية ومسألة الهيبة الدولية التي تسعى الصين إلى نيلها لتدعيم نموذجها، فإنه مع شراء دول أخرى للقاحات التي طورتها الصين، عملت وقتذاك على استغلال ذلك في صورتها العامة ومناشدتها لرسالتها الدعائية، التي تفيد بأن الغرب في تراجع، في حين تشيد بالنظام السياسي والتنموي الصيني، ولعل ذلك يرجع إلى التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على تعزيز نفوذهما في مناطق مختلفة حول العالم ومن أبرزها منطقة الشرق الأوسط الذي لا يزال في أولويات السياسة الخارجية الأميركية.[74] وبصفةٍ عامة، فإن الوضع مختلفًا بشكلٍ كبير في دول ما بعد الاستعمار في الجنوب التي تظهر موقفًا مترددًا إلى حد ما من الغرب وسياسته. وترى الصين نفسها دولة من دول الجنوب، وتعمل على تدعيم حُلفاؤها المحتملون من بين تلك الدول في إطار جهودها لإعادة بناء النظام الدولي وفقًا لرؤيتها الخاصة. وترى الدول الأقل نموًا أن الجهود الرامية إلى سد الفجوة الاقتصادية وتحسين ظروفها المعيشية تمثل أولوية حقيقية، مع عدم إيلاء الاهتمام بالضرورة لسياسة حقوق الإنسان التي تروج لها حاليًا الدول الغربية.
وفي سياق التحديات التي يواجهها النظام السياسي الصيني اقتصاديًا سواء جراء جائحة Covid-19 أو الحرب الروسية الأوكرانية Russian-Ukrainian War، ليس هناك شك في أن الصين شهدت معدلات سريعة من التنمية الاقتصادية طوال العقود الأربعة الماضية حتى الوقت الراهن وإن كانت بنسب أقل للناتج المحلي الإجمالي من ٥% إلى ٤,٢ نتاج المربكات الراهنة، هذا مع توقعات البنك الدولي بانخفاض نمو الاقتصاد العالمي للعام ٢٠٢٢، بنحو نقطة مئوية كاملة، من ٤,١٪ إلى ٣,٢ هذا بجانب وجود عوامل أخرى مثل مستويات منخفضة من المديونية الخارجية، وزخم في الثروات والقيم، وفجوات سياسية أقل بين الناس، وبنية تحتية قوية، ونظام تعليمي جيد؛ لتمهد إلى قيادة الصين للنظام الدولي Top in the World Order لاسيما مع انحسار الولايات المتحدة الأمريكية U.S Decline.[75] ولهذا، نجد نجاح إصلاحات جمهورية الصين الشعبية الاقتصادية تعود إلى عدة عوامل تتمثل في: أولًا، القادة الصينيون براغماتيون ولا يخضعون لقيود أيديولوڇية. ففيما يتعلق بالدوافع البراغماتية، قال “دينج شياو بينج” إنه لا ينبغي للمرء أن يهتم بما إذا كانت القطة سوداء أو بيضاء طالما أنها تصطاد الفئران.
ثانيًا، حظيت الإصلاحات الاقتصادية بدعم الشعب الصيني والمسؤولين الحكوميين الذين عانوا من فشل الاقتصاد المُخطط. فلقد أرادوا نظامًا جديدًا بعد تجاوزات الثورة الثقافية.
ثالثًا، كان هناك استقرار سياسي أثناء إجراء الإصلاحات الاقتصادية؛ الأمر الذي ساعد الحزب الشيوعي الصيني على اكتساب شرعية والبقاء في السُلطة.
رابعًا، إدراك القيادات السياسية الصينية لمتطلبات الوضع القيادي، وحرصهم على الإشراف على الاتجاه العام للإصلاحات التي بدأت لتوها منذ ١٩٧٨ والتي لا تزال قائمة، هذا فضلًا عن عدم سماحهم لهذه الإصلاحات بالانحراف عن مسارها في ظل حتمية الأزمات والتحديات الراهنة على المستوى العالمي بشقيه السياسي والاقتصادي على حد السواء؛ فجميعهم بدءًا بدينج شياو بينج حتى شي جين بينج عملوا على ضمان سلطتهم السياسية –وعلى الرغم من الجمود البيروقراطي الكامن وراء حكم الحزب الواحد في الصين– فمن المرجح أن يبذل القادة السياسيون الصينيون قصارى جهدهم لتحديث الصين وتحقيق حلم أجيال من الصينيين بعد قرن الإذلال الصيني.
المبحث الأول
التحول الديمقراطي في النظام السياسي الصيني
إن التحوُّل الديمُقراطي ليس نهاية التاريخ، ولا هو نقطة على مسار حتمي للتقدم إلى الأمام. بل هو مجرد احتمال بين احتمالات عديدة متباينة تتعلق في المقام الأول بطبيعة وحالة النظام السياسي نفسه. إذ إن كل نظام سياسي له مقوماته الخاصة التي ينطلق منها في سياساته سواء في الداخل أو الخارج، وإذا فقد هذه المقومات نتاج دخول عوامل جديدة لا تتوافق مع معاييره وقيمه، سيصبح في حالة من الجمود التي تجعله غير قادرًا على القيام بوظائفه الرئيسية المتعلقة بمطالب مواطنيه. ويُعَدُّ النظام السياسي الصيني تجسيدًا لتلك الحالة، فهو نظام ذا خصوصية معينة متفرد عن غيره من النُظم. يتمثل هذا التفرد في تجربة الصين تجاه اقتصاد السوق المفتوح التي بدأت في عهد الرئيس “دينج شياو بينج” حتى الوقت الراهن في ظل غياب الديمُقراطية السياسية. وبذلك تحقق للنظام الصيني نوع من الإصلاح الاقتصادي دون الإصلاح السياسي. ولهذا، نجد أن الدرس المستفاد في الحالة الصينية لا يرجع فقط إلى نجاح تجربة اقتصاد السوق بالرغم من غياب الديمُقراطية وإنما هذا النجاح قد تحقق بسب هذا الغياب. فهنا لا يقتصر الأمر على التسامح مع غياب الديمُقراطية، فالمؤيدون للحالة الصينية يدعون إلى هذا الغياب على أساس أن نُظم الحكم المركزي غير الديمُقراطي تضمن الاستقرار وتحول دون الفوضى والاضطراب الذي يصاحب عادةً التحول الديمُقراطي بعد طول الحكم الفردي والمركزي. يظهر مما سبق أن الصين دولة ذات تجربة فريدة، ويوجد العديد من الأسباب التي أدت إلى نجاح تجربة اقتصاد السوق دون وجود ديمُقراطية تتمثل في:
١- أن الصين تتمتع بقوة بشرية هائلة إلى جانب وجود أكثر من خمسين مليون من الصينيين المهاجرين في أنحاء العالم. وتحتل هذه الجاليات – في مختلف دول العالم – مركز الصدارة بين رجال الأعمال في التجارة وفي الصناعة وفي أسواق المال. بالإضافة إلى أن معظم الاستثمارات الأجنبية في الصين على يد هؤلاء المستثمرين الأجانب من أصول صينية.
٢- ولعل السبب الأهم في نجاح هذه التجربة بالرغم من محدودية الإصلاح والتطور السياسي، يرجع إلى المركز الاستراتيجي الذي تحتله الصين من حيث القوة البشرية الكبرى وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن عام ١٩٧١ والقوة العسكرية العظيمة ومركزها كسوق ضخمة.[76]
٣- تعامل الغرب مع الصين هو تعامل خاص ولظروف خاصة يصعب تكرارها. هو تعامل حذر يرجع في الدرجة الأولى إلى الدور المحتمل للصين في تحديد مستقبل النظام الدولي وحجم سوقها المحلي وعدم القدرة على منع تقدمها. فعلى المدى القصير، مثلت الحرب الروسية الأوكرانية فرصة جيدة للصين، فهذه الحرب خلقت جبهة ثانية للولايات المتحدة، وأعادت الانتباه الاستراتيجي إلى أوروبا، وكذا تضع روسيا في موقف أكثر اعتمادًا على الصين اقتصاديًا.[77] حتى أن ذلك الدعم الاقتصادي الصيني لروسيا ممتد منذ غزو روسيا لشبه جزيرة القرم ٢٠١٤.[78]
وعلى المدى البعيد، لا تهدد الصين وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة رائدة فحسب، بل تهدد أيضًا الامتيازات والمزايا الاقتصادية المترتبة على هذا الوضع. ويرى المتشككون أن الصين تستطيع أن تكتسب نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا عالميًا مُهيمنًا، وأن تضع قواعد ومعايير شاملة، وأن تنشئ نوعًا من “مناطق النفوذ الغير ليبرالية”.[79] وفي هذه الحالة، لن تتمكن الولايات المتحدة بعد الآن من ضمان الأمن والازدهار التي تمتعت به حتى الآن، وتختلط هذه المنافسة على النفوذ مع العداء الأيديولوڇي. فالمنافسة بين الولايات المتحدة والصين هي في المقام الأول منافسة حول من سيقود النظام الإقليمي والعالمي وأي نوع من النظام الذي قد يخلقونه من هذا المنصب القيادي.[80] وفي هذا السياق، فإن جمهورية الصين الشعبية تمتلك المقومات اللازمة لتأسيس نظام دولي جديد، وتتمثل تلك المقومات في وجود تعليم قوي يساعد على الابتكار والتطور التكنولوڇي وتعزيز القدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي؛ الأمر الذي يساهم في زيادة ناتجها المحلي الإجمالي. أكثر من ذلك، تمتلك الصين بالإضافة إلى ذلك مركز مالي عالمي، وقوة عسكرية ضخمة، وعملة قوية “اليوان”.[81] ولا شك أن حالة حقوق الإنسان في الصين كانت دومًا سببًا في الاحتكاك المتقطع في العلاقات الأمريكية الصينية. وطالما بقي الأمل في أن تتحرر الصين في نهاية المطاف، فإن الصين لا يُنظر إليها باعتبارها خصمًا أيديولوڇيًا في الولايات المتحدة. ومن وجهة النظر الصينية، كان هذا البُعد الأيديولوڇي أكثر بروزًا على الدوام؛ نظرًا لأن المفاهيم الغربية للديمُقراطية الليبرالية وحرية التعبير تهدد الهيمنة الأيديولوڇية للحزب الشيوعي الصيني. ولكن لا بد من توقع أن يلوح الصراع النظامي في الأفق بشكل متزايد على الجانب الأمريكي، والذي يفسر أحيانا على أنه صدام بين “الديمُقراطية الليبرالية” وما يُشار إليه أحيانًا باسم “الاستبداد الرقمي”.[82] وقد يستخدم تسليط الضوء على الصراع الأيديولوڇي لحشد الدعم المحلي المستدام لصدام السلطة مع الصين الذي لا يمكن أن يخلو من التكاليف الاقتصادية. وحتى لو لم يكن الصراع الأيديولوڇي هو الطبقة الأكثر أهميةً، فلابد وأن نتوقع بالتأكيد أن يؤدي “الاختلاف الأيديولوڇي” Ideological Difference المتزايد الأهمية إلى تكثيف التصورات المتعلقة بالتهديد، وبالتالي تعزيز المعضلة الأمنية بين الولايات المتحدة والصين التي تقوم بشكل كبير على تهديدات الصين المستمرة لتايوان التي تحولت ديمُقراطيًا بالتوازي مع الإشادة المستمرة للمسئولين الحكوميين الأمريكيين بالتقدم السياسي الذي أحرزته الجزيرة.[83] وفي هذا السياق، لا تزال وجهات النظر الصينية حول الولايات المتحدة الأمريكية والغرب متناقضة حتى اليوم. فمن ناحية، تولد الولايات المتحدة سحرًا لقدرتها على الابتكار، وقوتها الاقتصادية، وجامعاتها، وقدراتها العسكرية، ونظامها السياسي؛ ومن ناحية أخرى، فإنها لا تملك أية سلطة أو قوة اقتصادية. كل هذا كسب الاحترام والإعجاب في الصين. ومن ناحية أخرى، فإن التجارب السلبية في الماضي تخلق مسافة وانعدام الثقة تجاه ديمُقراطية الغرب. وفي الآونة الأخيرة، أدت الأزمة المالية العالمية والتدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأسلوب دونالد ترامب غير المنتظم في السياسة إلى تآكل سمعة الغرب إلى حد كبير.[84] وعلى الرغم من نجاحها الاقتصادي ومكانتها كقوة عظمى، لا تزال الصين تعتبر نفسها جزءًا من الجنوب العالمي. حتى يومنا هذا تتحدث القيادة السياسية عن الصين باعتبارها “أكبر دولة نامية في العالم”. والواقع أن البُعد بين الشمال والجنوب مُستشهدًا بالتنمية العالمية والفجوة في القوة بين الغرب وبقية العالم ربما يبرز بشكل أكثر بروزًا في الخطاب الصيني من الانقسام الأكثر أيديولوڇيةً بين الشرق والغرب: فالصين تُقدم نفسها باعتبارها رائدة وداعية للاقتصادات الناشئة والدول النامية، وليس باعتبارها الخصم النظامي للولايات المتحدة والغرب.[85] كما أن الديمُقراطية الليبرالية على حد قول “ڇون ميرشايمر” ليس من السهل الإقناع بها في كثير من الأماكن حول العالم؛ لأنه في تلك الحالة ستصبح تلك الأماكن تجسيدًا “للغرب المتوحش”.[86] وبالتالي، نتيجةً للمخاطر المصاحبة لعملية التحول الديمُقراطي سيهتم الكثير من الناس بالأمن على حساب الحقوق الفردية، وهذا يُمكن ملاحظته بشكل كبير في النظام السياسي الصيني. ورغم العلاقة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية والديمُقراطية، فإن هناك عاملان رئيسيان لا يُدعمان من إمكانية حدوث التحوُّل الديمُقراطي في الصين: الأداء الاقتصادي الناجح، ودور الدولة في التنمية الاقتصادية.
أ- الأداء الاقتصادي الناجح
أدى الأداء الاقتصادي الناجح إلى زيادة مصداقية النظام وشرعيته، فمعدلات التنمية الاقتصادية الناجحة التي تحققت على مدار أربعة عقود مهمة لأداء النظام، وتزيد من مصداقية النظام السلطوي وشرعيته بين عامة السكان. وبدلًا من ذلك، يقلل من جاذبية النخبة السياسية والقوى الاجتماعية المختلفة لدعم الإصلاح الديمُقراطي وتغيير النظام. ويشير مسح بيو للمواقف العالمية لعام ٢٠٠٨ في الصين إلى أن ٨٦٪ من السكان راضون للغاية عن الأداء الاقتصادي للصين. وقد قوبلت الاجراءات التي اتخذها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لاحتواء فيروس كوفيد-١٩ بموافقة واستحسان عدد كبير من الصينيين. فالتطعيم الجماعي على سبيل المثال كان مجانيًا لجميع المواطنين، ويبدو أن المراقبة الجماعية توفر في الواقع شعورًا بالأمان لدى الكثيرين. وهناك أيضًا تأييد لرأي الحكومة القائل بأن النظام الصيني متفوق. ووفقا لاستطلاع للرأي أجراه (مشروع يوجوف – كامبريدڇ للعولمة) فإن ٨٨% من المُستطلعة آراؤهم الصينيين مقتنعون بقيادة حكومتهم في أزمة كوفيد-١٩.[87] وحتى لو لم يتم بعد التغلب على الوباء بالكامل داخل الدولة نتيجة للموجات المتجددة، فإن رواية الانتصار على الفيروس لها وزن بين السكان؛ إذ إنها نمت الثقة في الحكومة.
ب- دور الدولة في التنمية الاقتصادية
يلعب دور الدولة في التنمية الاقتصادية واستجابة النخبة السياسية للإصلاحات والمطالب الصينية عاملًا مهمًا وركيزة أساسية تعتمد عليها القيادات السياسية الصينية، فالإصلاح الاقتصادي والتنمية في الصين يقودها النظام وتُهيمن عليها الحكومة. كما أن الحكومة الصينية لا تحدد طبيعة إصلاح السوق ونطاقه ومحتواه واتجاهه فحسب، بل إنها تأخذ زمام المبادرة أيضًا في تطوير الاقتصاد، وتشارك بشكلٍ كبير في تنظيم وإدارة الأنشطة الاقتصادية. ويتحكم جهاز الدولة في الموارد الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتنظيمية الرئيسية ويحتكرها. إن سيطرة الحكومة على الموارد السياسية والاقتصادية تمكن النخب السياسية من تجميع الثروة وزيادة تدعيم السُلطة السياسية، وبالتالي تقليل حوافز الإصلاح الديمُقراطي. لذلك، يبدو أن الدولة تتصدى للآثار الإيجابية للتنمية الاقتصادية على التحول الديمُقراطي، وهذا بلا أدنى شك يُعزز من المنظومة القيمية الآسيوية التي تُنادي بفكرة (الاحترام الشديد للقيادة ورفض أية محاولات للانحراف عن المسار السياسي القائم) في مواجهتها للمنظومة القيمية الغربية. وبالنظر إلى واقع الأوضاع الاقتصادية والسياسية في جمهورية الصين الشعبية، يُمكن اختبار عدم صحة فرضية الدراسة القائلة بأن “هنالك تأثير متبادل بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية”. فلقد كان الهدف الرئيسي للقادة الشيوعيين الصينيين في الأربعة عقود الماضية هو البقاء في السُلطة وتعزيزها. كان هذا هو السبب المُعلن للإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلى اقتصاد السوق التي أطلقها دينج شياو بينج. ونظرًا للإخفاقات الاقتصادية لجميع الاقتصاديات المُخططة مركزيًا، مما أدى إلى الانهيار السياسي للأنظمة السياسية الشيوعية، كان لدى دينج البصيرة لفهم أن النجاح الاقتصادي، الذي يُحاكي استراتيجية التصدير في شرق آسيا، يمكن أن يمنع انهيار النظام، ويحقق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة دون تطبيق الديمقراطية الغربية، وهو النهج الذي بات مترسخًا في فكر وإدراك القادة السياسيين الصينيين اللاحقين.
المبحث الثاني
طبيعة التحديات التي تواجه النظام السياسي الصيني
تتعدد وتتنوع التحديات التي يواجهها النظام السياسي الصيني في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فهذه التحديات تُمثل وسيلة تستغلها الدول الغربية وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية في فرض عقوبات اقتصادية صارمة سواء في فترة حُكم “دونالد ترامب” أو التهديد بفرضها في حُكم الرئيس الحالي “ڇوزيف بايدن” وتحديدًا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة، وإمكانية التدخل الصيني لمساعدة روسيا بشتى السبل في تلك الحرب، أو محاولة محاكاتها في تايوان. ومن جانب آخر بالنسبة لأوضاع حقوق الإنسان، يتمثل التحدي الحقيقي الذي تواجهه الصين هو تحويل الخطاب إلى واقع من خلال السماح بحرية التعبير.. فالصين لديها سجل كئيب في بناء نظام قانوني يعمل على تعزيز حرية الإنسان بدلًا من قمعها.
فالرئيس الصيني شي جين بينغ يعتمد على المدرسة القانونية لتبرير استخدام قوة القانون لحكم الناس. وهو بذلك يرسخ من فكرة احترام جموع الشعب للقيادة السياسية وللقانون التي تقوم عليهما المنظومة القيمية الآسيوية، بالرغم من أن الباحث القانوني “هان فاي تزو” الذي عاش في (القرن الثالث الميلادي) قد أكد على أنه بالنظر إلى طبيعة الإنسان، فإن القواعد ضرورية للتأكد من أن الحرية تؤدي إلى نتائج مفيدة اجتماعيًا، وذلك من خلال الحد من سلطة الدولة وضمان المساواة بموجب القانون. ومن ثم، فقد رأي أنه بدون سيادة القانون الحقيقية القائمة على احترام حُريات الأفراد لا يمكن للصين أن تخلق مجتمعًا متناغمًا حقيقيًا، فقد اعتبر القانون أداة لتعزيز الحرية Freedom enhancing وليس قمعها.[88]
وفي هذا السياق، رأى الفيلسوف الصيني “تشوانغ تزو” قديمًا أن التناغم Harmony يتحقق على أفضل وجه من خلال ترك الناس وحدهم لتحقيق مصالحهم الخاصة. وأعرب عن اعتقاده بأن كل فرد فريد من نوعه، ويسعى إلى حياة أفضل، ويميل بطبيعة الحال نحو السلام والنظام. كما عارض النظام القسري والتزم بمبدأ الحرية.
إن حلم صين واحدة هو أحدث مشروع لبناء الدولة، ومنذ تشكيل الجمهورية الشعبية، ما فتئت الجهود مستمرة لخلق روح وطنية تتمحور حول لغة وثقافة هان. وقد تعقدت العملية بسبب تشكيل جمهورية الصين الوطنية (تايوان) بعد الحرب الأهلية، وإدماج التبت وشينجيانغ ومنغوليا الداخلية، مما يمثل تحديًا للحزب الشيوعي الصيني. فهذه المجموعات العرقية تواجه خيارًا إما تبني التقاليد والقيم الصينية أو وصفها بأنها غير وطنية. وأسفرت الاشتباكات التي شاركت فيها جماعات الأقليات والصينيون الهان بين عامي ٢٠٠٤، ٢٠٠٩ في خنان والتبت وشينجيانغ وقوانغدونغ ومنغوليا الداخلية وسيتشوان عن مقتل حوالي ١٠٠٠ شخص؛ الأمر الذي دفع الأكاديميون العاملون في القضايا العرقية إلى تبنى سياسات جديدة من شأنها إضعاف “الهوية العرقية” وتعزيز “الهوية الوطنية” المشتركة.[89]
وفي السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة محاولات إضفاء “الصبغة الصينية” Sinicise على الجماعات العرقية. وقد تعرضت الصين لإدانة دولية لمعسكرات الاعتقال في شينجيانغ. حيث تزعم الإدارة الأمريكية أن مليون شخص الأويغور والكازاخستانيين العرقيين والقرغيزيين وأعضاء الأقليات المسلمة الأخرى في الأسر منذ عام ٢٠١٧، حيث تبذل الصين جهودًا كبيرة لتعليمهم أيديولوڇية الحزب الشيوعي الصيني والماندرين. لا تزال شينجيانغ والتبت تُشكلان نقطتين محتدمتين داخل الأمة الصينية، وفي حين أن الصين قد تجعل قرن “الإذلال الوطني” في القرن التاسع عشر من قِبَل المستعمرين الغربيين الأساس المنطقي لأعمالها، فإن الأقليات العرقية في التبت وشينجيانغ لا ترى أي تمييز بين الحزب الشيوعي الصيني الذي يهيمن عليه أشخاص ينتمون لسلالة الهان والاستعمار الغربي.[90]
ويُشير تقرير “بيت الحرية” Freedom House أن الحقوق السياسية في جمهورية الصين الشعبية لعام ٢٠٢١ وصلت إلى سالب ٢ من ٤٠، وهذا بالتأكيد يحمل دلالات كثيرة منها أن النظام السياسي الصيني لا توجد به انتخابات عامة حرة ونزيهة، فلقد قام الرئيس الصيني بموجب تعديل دستوري في ٢٠١٨ بإلغاء قيد تحديد ولاية الرئيس ونائبه بولايتين فقط. بجانب ذلك، كما يوضح التقرير أن غياب التعددية السياسية سببًا رئيسيًا في انعدام الحقوق السياسية، فالحزب الشيوعي الصيني لا يقبل أي شخص في عضويته. ويهيمن على النظام السياسي في الممارسة العملية رجال صينيون من أصل هان. ولا تتاح للجماعات المجتمعية مثل النساء والأقليات العرقية والدينية والمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية فرصة الحصول على تمثيل سياسي ذي مغزى، كما هو الحال مع بقية السكان، وهم ممنوعون من تعزيز مصالحهم خارج الهياكل الرسمية التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني.[91] ويعاقب بقسوة المواطنون الذين يسعون إلى إنشاء أحزاب سياسية مستقلة أو يدعون إلى الديمقراطية. في عام ٢٠٢٠، واصلت السلطات اعتقال ومعاقبة نشطاء ومحامين من أجل الديمقراطية حضروا تجمعًا غير رسمي في شيامن بمقاطعة فوجيان، في أواخر ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٩. كما خلقت الإصلاحات الاقتصادية في الصين مجموعة من الرابحين والخاسرين.
وبهدف جعل البلاد “مجتمعًا ثريًا ومزدهرًا” بحلول عام ٢٠٢١، تعهد شي بالارتقاء بسكان المناطق الريفية في الصين الذين يعيشون تحت خط الفقر، حتى في خضم وباء كوفيد-١٩.[92] ولا يزال الحد من التفاوت في الدخل يشكل تحديًا رئيسيًا وسيكون مقياسًا حاسمًا للاستقرار الاجتماعي في الصين. ولا تزال المهمة صعبة بسبب عدة عوامل سياسية محلية ودولية.[93] والجدير بالذكر أن الافتقار إلى سُبل العمل وتزايد عدم المساواة من بين القضايا التي غذت الاضطرابات الطلابية التي بلغت ذروتها في حادث ميدان تيانانمين عام ١٩٨٩. لقد تحدث شي عن قدرة الصين على الصمود، ولكنه نصح مواطنيه بالصبر لأن الاقتصاد قد يكون في أوقات مضطربة في المستقبل. كما أن سياسة النقل القسري للسكان أدت إلى تفاقم الفقر. فبين عامي ٢٠٢٠،٢٠١٦ تم نقل أكثر من ٥٠ مليون شخص من “مساكن غير مناسبة” إلى مساكن جديدة. نقل مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني الفقراء من منازلهم في المناطق النائية إلى مساكن حديثة البناء لاستغلال بنك الأراضي الذي تم تطهيره للصناعة أو العقارات، لكن السكان المنقولين قد يكون لديهم فرص أقل لكسب العيش يمكن أن يجعلهم يغرقون في الفقر.
وفي قمة الأمم المتحدة للتنوع البيولوڇي في سبتمبر ٢٠٢٠، أعلن شي عن خطته “الخضراء” الكبيرة لكي تصبح الصين محايدة من حيث الكربون بحلول عام ٢٠٦٠، مُسلطًا الضوء على تحد كبير يواجه الحزب الشيوعي الصيني حاليًا، حيث إن الانبعاثات الغازية تصل إلى ٢٧,٢% لتتجاوز انبعاثات البلدان الأربعة الأولى التالية في تصنيف الانبعاثات العالمية وهما الولايات المتحدة الأمريكية، الهند، روسيا الاتحادية، اليابان. وفي نيسان/أبريل ٢٠١٤، كشفت دراسة استقصائية أجرتها وزارة حماية البيئة أن ١٦% من أراضي الصين ملوثة بالمعادن الثقيلة.
وفي العام نفسه، اختبر المركز الوطني لرصد البيئة المزارع عشوائيًا في جميع أنحاء البلاد ووجد أن العناصر السامة مثل (الزرنيخ والكادميوم والزئبق) موجودة فيما يقرب من ٢٥% من العينات التي تم اختبارها، وتواجه الصين معدلات عالية من تدهور الأراضي وإزالة الغابات والتصحر. فقد أصبح ٢٥% من المساحة الجغرافية للصين إما غير صالح للزراعة أو يواجه التصحر.
كما وجدت دراسة أجريت عام ٢٠١٥ أن تلوث الهواء في البلاد يقتل أكثر من مليون شخص كل عام، كما أن مسألة الأمن الغذائي مدعاة للقلق. فقد انخفضت تجارة مستلزمات المطبخ والحبوب في بعض المقاطعات بعد العثور عليها ملوثة بالزئبق والكادميوم. وقد أدت هذه الحوادث إلى خفض الإنتاج الزراعي إلى ٢٣ مليون طن سنويًا، بتكلفة تزيد عن ٣ مليارات دولار أمريكي. مع ٢٠% من سكان العالم بحاجه للطعام، والصين لديها بالكاد ٧% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ويتوقع الخبراء أن ينخفض معدل الاكتفاء الذاتي Self Sufficiency في البلاد على المدى الطويل. وقد تسبب تصحر الأراضي وما نتج عنه من ندرة في المياه في هجرة واسعة النطاق؛ في عام ٢٠١٦ وحده، تم تهجير أكثر من ٣,٠٠,٠٠٠ شخص من مدنهم الأصلية. وبالمثل، أدت الفيضانات في جنوب الصين في يونيو/حزيران ٢٠٢٠ إلى نزوح ٧٠٠ ألف شخص إلى عدد كبير من المقاطعات.
وتكشف الدراسات أن الأراضي التي دمرتها الفيضانات والآثار السلبية المحتملة قد تزايد في الصين، ويُنظر إلى هذه القضايا البيئية Environmental Issues بشكلٍ متزايد على أنها تهديد لموقف الحزب الشيوعي الصيني.[94] ومنذ توليه السلطة، عبر “شي” عن الحاجة إلى نظام تعليمي لا يعرض الأمر السياسي للحزب الشيوعي الصيني للخطر، وقال إن الهدف من نقل التعليم هو تشكيل العقول الشابة لكي يكون لديها ثقة أكبر في الحزب الشيوعي الصيني. فيوجد في الصين حوالي ٢٩٠٠ كلية وجامعة عامة، وتعد جامعة تسينغهوا وجامعة بكين من بين أكبر ٢٥ جامعة في العالم.[95] كما أن هنالك تضاؤل في الاستقلال الأكاديمي في معظم الجامعات والمراكز البحثية، فالوطنية والولاء للحزب الشيوعي الصيني هما الشعارات الجديدة للمؤسسات التعليمية التي ترغب في الاستمرار.
وفي عام ٢٠١٩، تم إغلاق مركز أبحاث معهد للاقتصاد Unirule Institute of Economics بعد أن انتقد أحد الباحثين شي في مقال تمت قراءته على نطاق واسع. ومنذ الاحتجاجات الطلابية في عام ٢٠١٤ في هونج كونغ، تم منع الترقيات للأكاديميين المشكوك في ولائهم، وتم تعيين أشخاص على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي الصيني في مناصب رئيسية في مجال المخالفات لتنفيذ أڇندته. ويعني انخفاض الحرية الأكاديمية، إلى جانب القمع الذي أعقب الاحتجاجات في هونج كونغ، أن الجزيرة تفقد مكانتها كوجهة مفضلة للطلاب الدوليين. قالت الجامعة الصينية في هونج كونغ وجامعة هونج كونغ إن هناك “انخفاضًا طفيفًا” في طلبات الطلاب في عام ٢٠٢٠. ووفقًا لشي، فإن “العمل الأيديولوڇي والسياسي” هو محور التعليم الجامعي.[96] لكن مثل هذا التدخل في مجال التعليم يشكل تحديًا رئيسيًا للحزب الشيوعي الصيني. ويُنظر إلى الطلاب الصينيين على أنهم امتداد للقوة الحادة للصين.
ففي أستراليا، على سبيل المثال، ظهرت إلى العلن حوادث قام فيها طلاب صينيون بمراقبة أقرانهم والأكاديميين بسبب النشاط المزعوم المناهض للصين، وإلحاق الضرر بالكتب المدرسية التي تشير إلى تايوان أو التبت. كما قدم الأكاديميون تقريرًا إلى البرلمان الأسترالي يزعمون فيه أن جمعيات الطلبة والعلماء الصينيين تعمل ” كعين وآذان ” للحزب الشيوعي الصيني في حرم البلاد وتقلص الحرية الاكاديمية في المدارس.
وفي الولايات المتحدة، ألقي القبض على طالب صيني كان على علاقة بمقاول دفاع خدم في الجيش الأمريكي وهو ينقل معلومات تتعلق بالدفاعات الصاروخية.[97] هناك أيضًا رد فعل عنيف في شكل قيود على تأشيرات الدخول ضد الطلاب الصينيين الذين يتابعون التخصصات الأكاديمية في العلوم والتكنولوڇيا في الولايات المتحدة. وفي المملكة المتحدة، سيمنع طلاب الدراسات العليا الصينيون من دراسة المواد التي لها تأثير على الأمن القومي. وفي العام الدراسي ٢٠١٧-٢٠١٨، التحق أكثر من ٣٦٠,٠٠٠ طالب صيني بالكليات الأمريكية، مما يجعلها أكبر مجموعة من الطلاب الدوليين في ذلك البلد.
والمملكة المتحدة هي أيضًا وجهة مفضلة للطلاب الصينيين، مع أكثر من ١٢٠,٠٠٠ مسجلين في المملكة المتحدة في ٢٠١٨-٢٠١٩. فإن القيود التي تفرض على شكل قيود على تأشيرات الدخول ووضع الطلاب الصينيين على القائمة السوداء ستضر بتكوين رأس المال البشري وهو عنصر أساسي في نمو الصين.
ومن الناحية الأمنية، يُمثل تحالف أوكوس Aukus تحديًا وتهديدًا أمنيًا كبيرًا للنظام السياسي الصيني في منطقة الإندوباسيفيك،[98] حيث يرى المحللون أن اتفاقية أوكوس التي وُقِعَتْ بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا في ١٥ سبتمبر ٢٠٢١ ستغطي أيضًا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الأخرى تُعد واحدة من أكبر الشراكات الدفاعية، وسوف تسمح لأستراليا ببناء غواصات تعمل بالطاقة النووية لأول مرة باستخدام التكنولوڇيا التي تقدمها الولايات المتحدة. وقد أدانت الصين الاتفاق ووصفته بأنه “غير مسؤول للغاية”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان أن ذلك ” يقوض بشكل خطير السلام والاستقرار الاقليميين ويكثف سباق التسلح”. واتهمت السفارة الصينية في واشنطن هذه الدول “بعقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوڇي.[99] وبالتوازي مع تحركات “الثالوث النووي” Nuclear triad، يمكن ملاحظة المحاولات الأمريكية الحثيثة في تعزيز تحالفاتها الأمنية والاقتصادية عبر تحالف “كواد”؛ لاحتواء النفوذ الصيني إقليميًا وعالميًا، وكذا تهديدها بالتدخل عسكريًا في حال قيام جمهورية الصين الشعبية بغزو تايوان محاكاةً للغزو الروسي لأوكرانيا، بالرغم من التصريحات الأمريكية والغربية بالالتزام بمبدأ صين واحدة!
الخاتمة والنتائج والتوصيات: –
لم تكن التنمية الاقتصادية التي انبثقت عن رؤى القادة السياسيين الصينيين منذ عام ١٩٧٨ وحتى الوقت الراهن أقل من معجزة، حيث تم انتشال أغلب أكثر من ٨٠٠ مليون مواطن صيني من براثن الفقر وارتفعت دخولهم إلى مرتبة الدخل المتوسط بدون وجود نظام ديمقراطي حقيقي مواكب لذلك التطور الاقتصادي والاجتماعي النوعي والكيفي الذي شهدته جمهورية الصين الشعبية. فقد شَهَدَ مواطنوها قفزة نوعية في مستوى معيشتهم، بجانب أن الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية الصين الشعبية باعتبارها إحدى دول العالم النامي يُنافس الآن اقتصاديات أقوى دول العالم ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي يصل ناتجها المحلي الإجمالي حوالي ٢٠,٩٣٦.٠٠ تريليون دولار أمريكي. ولهذا، ليس من قبيل المبالغة القول إن الإقلاع الاقتصادي السريع لجمهورية الصين الشعبية كان أهم حدثًا اقتصاديًا في العالم في العقود الأربعة الماضية والذي لم يتبعه حدوث أي تحول إزاء الديمقراطية وفقًا للعلاقة الجدلية بين متغيري التنمية الاقتصادية والديمقراطية.
وبالنسبة لخبراء الاقتصاد، فإن دراسة النجاح الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية أمرًا مثيرًا. ومع ذلك، ركزت معظم الدراسات حتى الآن على جوانبها “الفنية” أي الإشارة إلى ما فعلته الصين بشكل صحيح من حيث السياسة الاقتصادية والإصلاح المؤسسي؛ الأمر الذي ساعد النظام على اكتساب شرعية من خلالها.
فشرعية النظام الصيني تقوم على ثلاث ركائز رئيسية:
أولًا، إعادة الاستقرار للنظام الاجتماعي العام بعد قرن ونصف من الاضطرابات التي شهدتها في منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين فيما تم تسميته “بقرن الإذلال الصيني” .Century of Humiliation
ثانيًا، نمو دخول الأفراد بسرعة كبيرة (حتى لو كان النمو موزعًا بشكلٍ غير متساو)؛ فالمواطنون الصينيون لديهم توافق وإجماع بأن التطورات التي شهدتها بكين تُعيد الصين إلى مكانتها المرموقة والتي تستحقها في العالم.
ثالثًا، معدلات الثقة في القيادة السياسية الصينية مرتفعة، ومع ذلك، لا تزال هناك مصادر للاستياء مثل الفساد، والأضرار البيئية.
وفي ظل الصعود السلمي لجمهورية الصين الشعبية، ومع تعدد كافة القضايا المطروحة على الساحة السياسية الدولية من الصعب القول بحتمية التحوُّل الديمُقراطي في بكين؛ لاعتبارات عديدة متعلقة ببنية النظام الصيني نفسه سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية. فالصين حققت طفرة اقتصادية هائلة بدون أن تتبنى الديمُقراطية كنظام حُكم، أو حتى تتحول إليها. وبالتالي، فإنه إذا اتبعت الصين خطوات جادة نحو التحوُّل الديمُقراطي، وبدأت بالسماح بوجود مشاركة سياسية، وعززت من وجود القيم الغربية في المجتمع الصيني فإننا سنكون بصدد رضا وقبولًا صينيًا عن النظام الدولي الراهن، فالتنافس الأيديولوڇي يلعب دورًا محوريًا، بجانب التنافس الاقتصادي والأمني على حد السواء القائم بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا السياق، مع ما أنجزته الصين خلال الأربعين عامًا من الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم الخارجي، يمكن التأكيد على أن أمامها طريق طويل تقطعه من حيث الحرية السياسية. فلقد وضع الحزب الشيوعي الصيني الاستقرار في النظام الاجتماعي العام فوق الحرية، كما أنه وبدون الحرية لا يمكن أن يكون هناك استقرار دائم. فالافتقار إلى سيادة القانون الحقيقية وغياب سوق حرة للأفكار يُعرضان التنمية الاقتصادية في الصين للخطر. ولذلك، نوصي بإتاحة قدر من المشاركة السياسية مع وجود معارضة قويةً تُدعم من فعالية النظام السياسي الصيني، وكذا احترام حقوق الأقليات الصينية المختلفة. ففتح الباب أمام التعايش مع الصعود السلمي للصين في النظام الدولي الراهن استنادًا إلى مبادئ وستفاليا، سيكون خطوةً عملاقة نحو ضمان “التنمية السلمية” وتحقيق “الحلم الصيني” بالانسجام والتناغم الاجتماعي والاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، مع التجربة الاقتصادية الصينية الناجحة يمكن لصانعي القرار في النظم العربية تبني النموذج الصيني في التنمية باعتبار أن هناك تشابهًا أو بالأحرى اقترابًا ملحوظًا في طبيعة النُظم، بالتوازي مع منظومة القيم التي تعمل على ضمان التأكيد على احترام القيادة السياسية، وإعطاء الأولوية للمجتمع على الفرد. كما أن الإنفاق الحكومي الرشيد في القطاعات الهامة “الصناعة”، “الزراعة” مع ضرورة إعادة تصور مفهوم التوازن الاقتصادي من خلال الحد من الاقتراض والاستهلاك، والتحول إلى الادخار والاستثمار، والسياسات الحكيمة التي من شأنها أن تسرع التنمية الاقتصادية في الأنظمة العربية على غرار التنمية الاقتصادية الصينية، وكذا سداد المديونية الخارجية.
قائمة المراجع
أولًا: المراجع باللغة العربية:
أ: الكتب
[1] أحمد، سيد أبو ضيف. (٢٠٠٧). ثقافة المشاركة دراسة في التنمية السياسية. القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى. [2] الرفاعي، نجلاء. (١٩٩٧). العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في الصين. في العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في آسيا. السيد سليم، نيفين مسعد، مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة. [3] سليم، محمد.، مسعد، نيفين. (١٩٩٧). العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في آسيا. القاهرة: جامعة القاهرة – مركز الدراسات الآسيوية. [4] شلبي، محمد. (١٩٩٩). منهجية التحليل السياسي. الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية. [5] العامري، عصام فاهم. (٢٠١٦). المأزق العالمي للديمقراطية بلوغ نقطة التحول. بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى. [6] علي، جمال سلامة. (٢٠٢٠). علم الاجتماع السياسي: البُعد الإجتماعي للظاهرة السياسية. القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى. [7] هانتنجتون، صامويل. (١٩٩٣). الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين. ترجمة: عبد الوهاب علوب، الكويت، دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى. [8] هلال، علي الدين. (٢٠١٩). الانتقال إلى الديموقراطية. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الطبعة الأولى. [9] هيجوت، ريتشارد. (٢٠٠١). نظرية التنمية السياسية. ترجمة: عبد الحميد محمد. عبد الرحمن حمدي. الأردن، مطبعة الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى.ب: الرسائل العلمية
[1] بن سانية، عبد الرحمان. (٢٠١٣). الانطلاق الاقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية. رسالة دكتوراه منشورة، جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان: كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير والعلوم التجارية.ج: الدوريات
[1] أبو زيد، أحمد الشورى. (٢٠٢٢). جودة الحكم في النظم غير الديمقراطية: النظام الصيني نموذجًا. المجلة العلمية لكلية الدراسات الإقتصادية و العلوم السياسية، المجلد ٧، العدد ١٣. [2] باي، أحمد. (٢٠١٦). التنمية والديمقراطية في ظل العولمة بين أسبقية التأثير وعلاقة التكامل. جامعة العربي التبسي تبسة: مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية. المجلد/ العدد ١٢. [3] بروسي، رضوان. (٢٠١٣). جدلية العلاقة بين الديمقراطية والتنمية نحو مقاربة غير معيارية. مركز دراسات الوحدة العربية: المستقبل العربي. المجلد ٣٥، العدد ٤٠٩. [4] صباغ، رفيقة. (٢٠٢١). التجربة التنموية الصينية نموذج اقتصادي رائد. مجلة الأبحاث الاقتصادية، المجلد ١٦، العدد 01. [5] صقر، عبد العزيز. (٢٠٠٧). النقد الغربي للفكرة الديمقراطية (النظرية والتطبيق). مجلة البيان، العدد ٤. [6] الغندور، عبير. (٢٠١٠). الإصلاح السياسي الصيني في الربع قرن الأخير: خطوة على طريق تبني النموذج الليبرالي، أم صوب تأسيس نموذج بديل. جامعة القاهرة- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. المجلد ١١، العدد ٢.د: المواقع الإلكترونية:
[1] التلفزيون العربي. (٢٠٢١). نهوض الصين.. كيف تحوّلت الصين إلى مصنع العالم. متاح على الرابط التالي: – https://www.alaraby.com/news/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-32037 تاريخ الدخول: ٢٨/١٠/٢٠٢١. [2] العربية. نت. (٢٠٢٢). مؤشر مقلق آخر.. تراجع قوي في توقعات البنك الدولي لنمو الاقتصاد العالمي. متاح على الرابط التالي: – https://cutt.ly/yGeaVyO تاريخ الدخول: ٢١/٤/٢٠٢٢. [3] الشيشي، رامز. (٢٠٢٢). بوتين وفخ الغرب. صحيفة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين. متاح على الرابط التالي: – https://cutt.ly/uGvIZDc تاريخ الدخول: ٢٠/٤/٢٠٢٢. [4] برحايل، أميرة. (سنة النشر غير معروفة). التحول الديمقراطي – Democratic transformation. الموسوعة السياسية. متاح على الرابط التالي: – https://cutt.ly/gFrxW31 تاريخ الدخول: ٧/١٠/٢٠٢٢. [5] بن مشيرح، أسماء. (٢٠١٨). السياسة الصينية في آسيا و مستقبل التوازنات الاستراتيجية. المركز الديمقراطي العربي. متاح على الرابط التالي: – https://democraticac.de/?p=55796 تاريخ الدخول: ٢٨/٣/٢٠٢٢. [6] رمضان، طه عبدالناصر. (٢٠١٨). حرب دامية أذلّت الصين وجعلت من اليابان قوة عالمية. العربية. نت. متاح على الرابط التالي: – https://cutt.ly/dHA3Pz5 تاريخ الدخول: ٢/١٠/٢٠٢٠. [٧] هلال، علي الدين. (٢٠٢١). الصين وبناء نظام عالمي جديد. العين الإخبارية. متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/china-and-the-construction-of-a-new-world-order?utm_source=site تاريخ الدخول: ٢٠/٨/٢٠٢١. [٨] هلال، علي الدين. (٢٠٢١). “الإندوباسيفيك” والتنافس الاستراتيجي بين أمريكا والصين. العين الإخبارية. متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/the-indo-pacific-and-the-strategic-rivalry-between-america-and-china?utm_source=site تاريخ الدخول: ٥/١٢/٢٠٢١. [٩] لونغ، دينغ. (٢٠٢٢). تجربة الصين في التنمية: رؤى وإنجازات. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. متاح على الرابط التالي: – https://acpss.ahram.org.eg/News/17398.aspx#_edn4 تاريخ الدخول:- ١٥/٢/٢٠٢٢.ثانيًا: المراجع باللغة الأجنبية:
A: Books
[1] Bishop M.L. (2016). Democracy and Development: A Relationship of Harmony or Tension?. In: Grugel J., Hammett D. (eds) The Palgrave Handbook of International Development. Palgrave Macmillan, London. https://doi.org/10.1057/978-1-137-42724-3_5 [2] D, Larry. (2008). The Spirit of Democracy. New York, NY: Henry Holt. Retrieved from: https://cutt.ly/5FsKdAB [3] Dalio, R. (2021). Principles for Dealing with the Changing World Order: Why Nations Succeed and Fail. Avid Reader Press/Simon & Schuste. 1230 Avenue of the Americas New York, NY 10020. [4] Doshi, R. (2021). The Long Game: China’s Grand Strategy to Displace American Order. Oxford University Press, 198 Madison Avenue, New York, NY 10016, United States of America. [5] Ezz El-Din, N. (2018). Lectures in a foreign language political studies course. Faculty of Politics and Economics Suez University. [6] Garnaut, R., Song, L., & Fang, C. (Eds.). (2018). China’s 40 Years of Reform and Development: 1978–2018. ANU Press.http://www.jstor.org/stable/j.ctv5cgbnk [7] Hoogvelt, A. (1997). Neo-colonialism, Modernisation and Dependency. In: Globalisation and the Postcolonial World. Palgrave, London. https://doi.org/10.1007/978-1-349-25671-6_2 [8] Mearsheimer, J. (2018). The Great Delusion: Liberal Dreams and International Realities. New Haven: Yale University Press. [9] Sen, A. (2000). Development as freedom. New York: Anchor Books. Retrieved from: https://cutt.ly/oFfMcNm [10] Sørensen, G. (2008). Democracy and Democratization Processes and Prospects in a Changing World. Westview Press. Third Edition. Routledge. Retrieved from: https://cutt.ly/4Sr3weH [11] V. Lawrence., F. M, Michael. (2013). Understanding China’s Political System. Congressional Research Service. [1] Ward, J. (2019). CHINA’S VISION OF VICTORY. The Atlas Publishing and Media Company.B: Journals & Periodicals
[1] Acemoglu, D., Naidu, S., Restrepo, P., and Robinson, J. A. (2019). Democracy Does Cause Growth. Journal of Political Economy, 127 (1): 47-100. Retrieved from: https://cutt.ly/gS5VTdT [2] Dickins, G. (1911). The True Cause of the Peloponnesian War. The Classical Quarterly, 5(4), 238–248. http://www.jstor.org/stable/636425 [3] Fukuyama, F. (1989). The End of History? The National Interest, 16, 3–18. http://www.jstor.org/stable/24027184 [4] Halperin, M., Siegle, J., & Weinstein, M. (2004). The Democracy Advantage: How Democracies Promote Prosperity and Peace (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9780203856970 [5] Hilpert, H. G., Stanzel, A. (2021). China – winning the pandemic… for now: the People’s Republic is exuding strength, but can they keep it up?. Stiftung Wissenschaft und Politik Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit.https://doi.org/10.18449/2021C01
[6] Lippert, B., & Perthes, V. (2020). Strategic Rivalry between United States and China: Causes, Trajectories, and Implications for Europe. Stiftung Wissenschaft und Politik Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit.https://doi.org/10.18449/2020RP04
[7] Lipset, S. M. (1959). Some Social Requisites of Democracy: Economic Development and Political Legitimacy. The American Political Science Review, 53(1), 69–105. https://doi.org/10.2307/1951731 [8] Mei, D. (2019). The Growing Middle Class and the Absence of Democracy in China. CUNY Academic Works. Retrieved from:https://cutt.ly/GFsDJIB [9] Nathan, A.J. (2003). China’s Changing of the Guard: Authoritarian Resilience. Journal of Democracy 14(1), 6-17.https://doi.org/10.1353/jod.2003.0019 [10] Qiang, X. (2019). The Road to Digital Unfreedom: President Xi’s Surveillance State. Journal of Democracy, 30(1), 53-67. [11] Ramay, S. A., & Babur, A. (2020). Characteristics of Chinese development model. In Governance and development model of China (pp. 9–12). Sustainable Development Policy Institute.http://www.jstor.org/stable/resrep29104.5
[12] Stogdill, R. (1948). Personal Factors Associated with Leadership: A Survey of the Literature. Journal of Psychology, 25, 35-71.https://doi.org/10.1080/00223980.1948.9917362
C: Internet Sources
[1] Albret, E., Maizland, L., & Xu, B. (2021). The Chinese Communist Party. COUNCIL ON FOREIGN RELATIONS. Available at: https://www.google.com/amp/s/www.cfr.org/backgrounder/chinese-communist-party%3famp Accessed on: 31/10/2021. [2] CHINA DAILY. (2009). Oct. 1971: PRC becomes UN member. Available at:- https://www.chinadaily.com.cn/60th/2009-09/01/content_8643020.htm Accessed on: 10/10/2021. [3] Bush, R. C. (2021). Taiwan’s democracy and the China challenge. BROOKINGS. Available at: – https://www.brookings.edu/articles/taiwans-democracy-and-the-china-challenge/ Accessed on: 5/11/2021. [4] Davis, B. (2018). When the World Opened the Gates of China. WSJ. Available at: – https://www.wsj.com/articles/when-the-world-opened-the-gates-of-china-1532701482 Accessed on: 28/9/2021. [5] Dalio, R. (2022). Principles for Dealing with the Changing World Order. YouTube. https://youtu.be/xguam0TKMw8 [6] Dorn, A. J. (2019). China’s Future Development: Challenges and Opportunities. CATO INSTITUTE. Available at:- https://www.cato.org/cato-journal/winter-2019/chinas-future-development-challenges-opportunities Accessed on: 21/11/2021. [7] Freedom House. (2021). FREEDOM IN THE WORLD 2021. Available at:- https://freedomhouse.org/country/china/freedom-world/2021 Accessed on: 24/11/2021. [8] Günther, H., H. Stanzel, A. (2021). China – Winning the Pandemic… for Now. SWP. Available at: – https://www.swp-berlin.org/10.18449/2021C01/ Accessed on: 11/11/2021. [9] Godement, F. (2022). China’s Shifting Balance of Interests After the Ukraine Invasion. Institut Montaigne. Available at: – https://www.institutmontaigne.org/en/blog/chinas-shifting-balance-interests-after-ukraine-invasion Accessed on: 20/3/2022. [10] Hancock, T. (2018). China votes to allow Xi Jinping to rule for life. Financial Times. Available at:- https://www.google.com/amp/s/amp.ft.com/content/bc8ab2bc-24fe-11e8-b27e-cc62a39d57a0 Accessed on: 4/11/2021. [11] Khan, A. (2011). WHAT IS DIFFERENCE BETWEEN ECONOMIC GROWTH AND ECONOMIC DEVELOPMENT?. Economics and Education. Available at: – https://cutt.ly/aFJJKI1 Accessed on: 2/1/2021. [12] Buckley, C. (2017). China Enshrines ‘Xi Jinping Thought,’ Elevating Leader to Mao-Like Status. The New York Times. Available at: https://www.google.com/amp/s/www.nytimes.com/2017/10/24/world/asia/china-xi-jinping-communist-party.amp.html Accessed on: 4/11/2021. [13] Kamarck, E. (2021). Did Trump damage American democracy?. BROOKINGS. Available at: – https://www.brookings.edu/blog/fixgov/2021/07/09/did-trump-damage-american-democracy/ Accessed on: 6/11/2021. [14] Kuo, L. (2020). Anger in China as doctor who died of Covid-19 omitted from citizen awards. THE GUARDIAN. Available at: – https://www.theguardian.com/world/2020/sep/09/anger-china-doctor-li-wenliang-died-covid-19-omitted-citizen-awards Accessed on: 15/11/2021. [15] Lippert, B., Perthes, V. (2020). Strategic Rivalry between United States and China. SWP. Available at: – https://www.swp-berlin.org/en/publication/strategic-rivalry-between-united-states-and-china Accessed on: 5/11/2021. [16] Li, X. (2019). Mapping Chinas One Belt One Road initiative. Available at: – https://www.researchgate.net/publication/330044375_Mapping_China’s_’One_Belt_One_Road’_Initiative Accessed on: 26/2/2021. [17] Mueller, J. (2021). China: Rise or Demise?. CATO INSTITUTE. Available at: https://www.cato.org/policy-analysis/china-rise-or-demise Accessed on: 31/10/2021. [18] Mankikar, A. K. (2020). Xi’s China, China’s Xi: Current Political and Social Challenges. Available at: – https://www.orfonline.org/research/xis-china-chinas-xi-current-political-and-social-challenges/?amp Accessed on: 21/11/2021. [19] National Bureau Of Statistics Of China. (2022). Households’ Income and Consumption Expenditure in 2021. Available at: http://www.stats.gov.cn/english/PressRelease/202201/t20220118_1826649.html#:~:text=In%202021%2C%20the%20median%20per,85.3%20percent%20of%20the%20average. Accessed on: 21/4/2022. [20] Oxford Learner’s Dictionaries. (2022). Democracy. Available at: – https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/american_english/democracy Accessed on: 3/9/2021. [21] Shullman, O. D. (2019). Protect the Party: China’s growing influence in the developing world. BROOKINGS. Available at: – https://www.brookings.edu/articles/protect-the-party-chinas-growing-influence-in-the-developing-world/ Accessed on: 7/11/2021. [22] Sczcepanski, K. (2019). The Yellow River’s Role in China’s History. ThoughtCo. Available at: – https://www.thoughtco.com/yellow-river-in-chinas-history-195222 Accessed on: 29/10/2021. [23] Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2020). Chinese Civil War. Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/event/Chinese-Civil-War Accessed on: 26/10/2021. [24] Schivenza, M. (2013). How Humiliation Drove Modern Chinese History. The Atlantic. Available at: – https://www.google.com/amp/s/amp.theatlantic.com/amp/article/280878/ Accessed on: 4/11/2021. [25] Textor, C. (2022). Population in China – statistics & facts. Statista. Available at:- https://www.statista.com/topics/1276/population-in-china/#topicHeader__wrapper Accessed on: 28/3/2022. [26] THE WARSAW INSTITUTE REVIEW. (2021). Chinese Vaccine Diplomacy. Available at: – https://warsawinstitute.review/issues-2021/chinese-vaccine-diplomacy/ Accessed on: 10/3/2022. [27] Wong, B. (2020). China’s Mask Diplomacy. THE DIPLOMAT. Available at: – https://thediplomat.com/2020/03/chinas-mask-diplomacy/ Accessed on: 28/10/2021. [28] BBC NEWS. (2021). Aukus: UK, US and Australia launch pact to counter China. Available at:- https://www.bbc.com/news/world-58564837 Accessed on: 24/11/2021. [29] Cowen, T. (2017). Why China May Never Democratize. MERCATUS CENTER George Mason University. Available at: https://www.mercatus.org/%5Bnode%3A%5D/commentary/why-china-may-never-democratize Accessed on: 31/10/2021. [30] CONSTITUTE. (2013). China (People’s Republic of) 1982 (rev. 2004). Available at: https://www.constituteproject.org/constitution/China_2004?lang=en Accessed on: 28/10/2021 [31] Chatzky, A., McBride, J. (2020). China’s Massive Belt and Road Initiative. Council on Foreign Relations. Available at: – https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative Accessed on: 22/2/2021. [32] China Power Team. (2021). How Will the Belt and Road Initiative Advance China’s Interests?. Available at: – https://chinapower.csis.org/china-belt-and-road-initiative/ Accessed on: 22/2/2021. [33] CBC NEWS. (2022). China sends in military to help with Shanghai COVID outbreak. Available at: – https://www.cbc.ca/news/world/china-shanghai-covid-outbreak-pandemic-military-1.6407382 Accessed on: 5/4/2022.[1] Lipset, S. M. (1959). Some Social Requisites of Democracy: Economic Development and Political Legitimacy. The American Political Science Review, 53(1), 69–105. https://doi.org/10.2307/1951731
[2] سليم، محمد.، مسعد، نيفين. (١٩٩٧). العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في آسيا. القاهرة: جامعة القاهرة – مركز الدراسات الآسيوية، ص١٠.
[3] هانتنجتون، صامويل. (١٩٩٣). الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين. ترجمة: عبد الوهاب علوب، الكويت، دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى، ص١٠٧.
[4] العامري، فاهم عصام. (٢٠١٦). المأزق العالمي للديمقراطية بلوغ نقطة التحول. بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، ص١٢٣.
[5] Sørensen, G. (2008). Democracy and Democratization Processes and Prospects in a Changing World. Westview Press. Third Edition. Routledge. pp112-116. Retrieved from: https://cutt.ly/4Sr3weH
[6] Halperin, M., Siegle, J., & Weinstein, M. (2004). The Democracy Advantage: How Democracies Promote Prosperity and Peace (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9780203856970
[7] Acemoglu, D., Naidu, S., Restrepo, P., and Robinson, J. A. (2019). Democracy Does Cause Growth. Journal of Political Economy , 127 (1): 47-100. Retrieved from: https://cutt.ly/gS5VTdT
[8] الرفاعي، نجلاء. (١٩٩٧). العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في الصين. في العلاقة بين الديمقراطية والتنمية في آسيا. السيد سليم، نيفين مسعد، مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
[9] Mei, D. (2019). The Growing Middle Class and the Absence of Democracy in China. CUNY Academic Works. Retrieved from: https://cutt.ly/GFsDJIB
[10] Mueller, J. (2021). China: Rise or Demise?. CATO INSTITUTE. Available at: https://www.cato.org/policy-analysis/china-rise-or-demise Accessed on: 31/10/2021.
[11] Cowen, T. (2017). Why China May Never Democratize. MERCATUS CENTER George Mason University. Available at: https://www.mercatus.org/%5Bnode%3A%5D/commentary/why-china-may-never-democratize Accessed on: 31/10/2021.
(*) الاقتراب :Approach هو نظرة أو رؤية ما للباحث تجاه الموضوع محل الدراسة.
[13] Khan, A. (2011). WHAT IS DIFFERENCE BETWEEN ECONOMIC GROWTH AND ECONOMIC DEVELOPMENT?. Economics and Education. Available at:- https://cutt.ly/aFJJKI1 Accessed on: 2/1/2021.
[14] أحمد، سيد أبو ضيف. (٢٠٠٧). ثقافة المشاركة دراسة في التنمية السياسية. القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٠.
[15] المرجع السابق نفسه.
[16] Dickins, G. (1911). The True Cause of the Peloponnesian War. The Classical Quarterly, 5(4), 238–248. http://www.jstor.org/stable/636425
[17] صقر، عبد العزيز. (٢٠٠٧). النقد الغربي للفكرة الديمقراطية (النظرية والتطبيق). مجلة البيان، العدد ٤، ص٢١.
[18] Ezz El-Din, N. (2018). Lectures in a foreign language political studies course. Faculty of Politics and Economics Suez University.
[19] هانتنجتون، صامويل. مرجع سبق ذكره، ص٦٤-٦٦.
[20] المصدر السابق نفسه.
[21] Oxford Learner’s Dictionaries. (2022). Democracy. Available at:- https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/american_english/democracy Accessed on: 3/9/2021.
[22] هانتنجتون، صامويل. مرجع سبق ذكره، ص٧٣.
[23] هلال، علي الدين. (٢٠١٩). الانتقال إلى الديموقراطية. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الطبعة الأولى.
[24] برحايل، أميرة. (سنة النشر غير معروفة). التحول الديمقراطي – Democratic transformation. الموسوعة السياسية. متاح على الرابط التالي:- https://cutt.ly/gFrxW31 تاريخ الدخول: ٧/١٠/٢٠٢١.
[25] شلبي، محمد. (١٩٩٩). منهجية التحليل السياسي. الجزائر: كلية الحقوق والعلوم السياسية. ص١١٧-١٢١.
[26] Stogdill, R. (1948). Personal Factors Associated with Leadership: A Survey of the Literature. Journal of Psychology, 25, 35-71.
https://doi.org/10.1080/00223980.1948.9917362
[27] علي، جمال سلامة. (٢٠٢٠). علم الاجتماع السياسي: البُعد الإجتماعي للظاهرة السياسية. القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، ص١٥٣.
[28] Bishop M.L. (2016). Democracy and Development: A Relationship of Harmony or Tension?. In: Grugel J., Hammett D. (eds) The Palgrave Handbook of International Development. Palgrave Macmillan, London. https://doi.org/10.1057/978-1-137-42724-3_5
[29] بروسي، رضوان. (٢٠١٣). جدلية العلاقة بين الديمقراطية والتنمية نحو مقاربة غير معيارية. مركز دراسات الوحدة العربية: المستقبل العربي. المجلد ٣٥، العدد ٤٠٩. ص١٥-٣٦.
[30] باي، أحمد. (٢٠١٦). التنمية والديمقراطية في ظل العولمة بين أسبقية التأثير وعلاقة التكامل. جامعة العربي التبسي تبسة: مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية. المجلد/ العدد ١٢. ص٣٤٢.
[31] Diamond, L. (2008).The Spirit of Democracy. New York, NY: Henry Holt. Retrieved from: https://cutt.ly/5FsKdAB
[32] بروسي، رضوان. مرجع سبق ذكره.
[33] المرجع السابق نفسه.
[34] Fukuyama, F. (1989). The End of History? The National Interest, 16, 3–18. http://www.jstor.org/stable/24027184
[35] Sen, A. (2000). Development as freedom. New York :Anchor Books. Retrieved from: https://cutt.ly/oFfMcNm
[36] هيجوت، ريتشارد. (٢٠٠١). نظرية التنمية السياسية. ترجمة: عبد الحميد محمد. عبد الرحمن حمدي. الأردن، مطبعة الجامعة الاردنية، الطبعة الأولى، ص٤٧.
[37] Hoogvelt, A. (1997). Neo-colonialism, Modernisation and Dependency. In: Globalisation and the Postcolonial World. Palgrave, London. p17. https://doi.org/10.1007/978-1-349-25671-6_2
(**) المركنتيلية: هو نظام اقتصادي للتجارة امتد من القرن 16 إلى القرن 18 في الدول الأوروبية أبرزها فرنسا في عهد (لويس الرابع عشر Louis XIV).
فلقد ارتبطت المركنتيلية وقتذاك بوزير المالية الفرنسي في حُكم لويس الرابع عشر ڇان باتيست كولبير Jean–Baptisre Colbert. واستند هذا النظام إلى فكرة مفادها أن ثروة الأمة وقوتها يُخدمان على أفضل وجه من خلال زيادة الصادرات، وجمع المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة من الدول الضعيفة، فمقدار قوة الدولة إنما يُقاس بما لديها من ذهب ومعادن نفيسة وليس في قدرتها على إنتاج السلع والخدمات.
[38] Sczcepanski, K. (2019). The Yellow River’s Role in China’s History. ThoughtCo. Available at: https://www.thoughtco.com/yellow-river-in-chinas-history-195222 Accessed on: 29/10/2021.
[39] هلال، علي الدين. (٢٠٢١). الصين وبناء نظام عالمي جديد. العين الإخبارية. متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/china-and-the-construction-of-a-new-world-order?utm_source=site تاريخ الدخول: ٢٠/٨/٢٠٢١.
[40] رمضان، طه عبدالناصر. (٢٠١٨). حرب دامية أذلّت الصين وجعلت من اليابان قوة عالمية. العربية. نت. متاح على الرابط التالي:- https://cutt.ly/dHA3Pz5 تاريخ الدخول: ٢/١٠/٢٠٢٠.
(***) الميانزي: هو مصطلح شعبي شائع في الثقافة الصينية ويعني استعادة ماء الوجه.
[41] Ward, J. (2019). CHINA’S VISION OF VICTORY. The Atlas Publishing and Media Company.[42] هلال، علي الدين. مرجع سبق ذكره.
[43] CONSTITUTE. (2013). China (People’s Republic of) 1982 (rev. 2004). Available at: https://www.constituteproject.org/constitution/China_2004?lang=en Accessed on: 28/10/2021
[44] Textor, C. (2022). Population in China – statistics & facts. Statista. Available at:- https://www.statista.com/topics/1276/population-in-china/#topicHeader__wrapper Accessed on: 28/3/2022.
[45] بن سانية، عبد الرحمان. (٢٠١٣). الانطلاق الاقتصادي بالدول النامية في ظل التجربة الصينية. رسالة دكتوراه منشورة، جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان: كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير والعلوم التجارية، ص١١٧-١١٨.
[46] الغندور، عبير. (٢٠١٠). الإصلاح السياسي الصيني في الربع قرن الأخير: خطوة على طريق تبني النموذج الليبرالي، أم صوب تأسيس نموذج بديل. جامعة القاهرة- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. المجلد ١١، العدد ٢، ص١٤٣،١٤٢.
[47] V. Lawrence., F. M, Michael. (2013). Understanding China’s Political System. Congressional Research Service. p19-20.
[48] Buckley, C. (2017). China Enshrines ‘Xi Jinping Thought,’ Elevating Leader to Mao-Like Status. The New York Times. Available at: https://www.google.com/amp/s/www.nytimes.com/2017/10/24/world/asia/china-xi-jinping-communist-party.amp.html Accessed on: 4/11/2021.
[49] Hancock, T. (2018). China votes to allow Xi Jinping to rule for life. Financial Times. Available at: https://www.google.com/amp/s/amp.ft.com/content/bc8ab2bc-24fe-11e8-b27e-cc62a39d57a0 Accessed on: 4/11/2021.
[50] V. Lawrence. F. Martin, Michael. Op. cit.
[51] Albret, E., Maizland, L., & Xu, B. (2021). The Chinese Communist Party. COUNCIL ON FOREIGN RELATIONS. Available at: https://www.google.com/amp/s/www.cfr.org/backgrounder/chinese-communist-party%3famp Accessed on: 31/10/2021.
[52] Weiss, J., & Wallace, J. (2021). Domestic Politics, China’s Rise, and the Future of the Liberal International Order. International Organization, 75(2), 635-664. https://doi.org/10.1017/S002081832000048X
[53] Ibid.
[54] Kuo, L. (2020). Anger in China as doctor who died of Covid-19 omitted from citizen awards. THE GUARDIAN. Available at: – https://www.theguardian.com/world/2020/sep/09/anger-china-doctor-li-wenliang-died-covid-19-omitted-citizen-awards Accessed on: 15/11/2021.
[55] Davis, B. (2018). When the World Opened the Gates of China. WSJ. Available at:- https://www.wsj.com/articles/when-the-world-opened-the-gates-of-china-1532701482 Accessed on: 28/9/2021.
[56] لونغ، دينغ. (٢٠٢٢). تجربة الصين في التنمية: رؤى وإنجازات. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. متاح على الرابط التالي:- https://acpss.ahram.org.eg/News/17398.aspx#_edn4 تاريخ الدخول:- ١٥/٢/٢٠٢٢.
[57] Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2020). Chinese Civil War. Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/event/Chinese-Civil-War Accessed on: 26/10/2021.
[58] التلفزيون العربي. (٢٠٢١). نهوض الصين.. كيف تحوّلت الصين إلى مصنع العالم. متاح على الرابط التالي: – https://www.alaraby.com/news/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-32037 تاريخ الدخول: ٢٨/١٠/٢٠٢١.
[59] Garnaut, R., Song, L., & Fang, C. (Eds.). (2018). China’s 40 Years of Reform and Development: 1978–2018. ANU Press. http://www.jstor.org/stable/j.ctv5cgbnk
[60] Ibid.
[61] الغندور، عبير. مرجع سبق ذكره.
[62] صباغ، رفيقة. (٢٠٢١). التجربة التنموية الصينية نموذج اقتصادي رائد. مجلة الأبحاث الاقتصادية، المجلد ١٦، العدد 01، ص٤٧-٦٦.
[63] الغندور، عبير. مرجع سبق ذكره، ص١٣٧.
[64] بن مشيرح، أسماء. (٢٠١٨). السياسة الصينية في آسيا و مستقبل التوازنات الاستراتيجية. المركز الديمقراطي العربي. متاح على الرابط التالي:- https://democraticac.de/?p=55796 تاريخ الدخول: ٢٨/٣/٢٠٢٢.
[65] Ramay, S. A., & Babur, A. (2020). Characteristics of Chinese development model. In Governance and development model of China (pp. 9–12). Sustainable Development Policy Institute. http://www.jstor.org/stable/resrep29104.5
[66] National Bureau Of Statistics Of China. (2022). Households’ Income and Consumption Expenditure in 2021. Available at: http://www.stats.gov.cn/english/PressRelease/202201/t20220118_1826649.html#:~:text=In%202021%2C%20the%20median%20per,85.3%20percent%20of%20the%20average. Accessed on: 21/4/2022.
[67] Chatzky, A., McBride, J. (2020). China’s Massive Belt and Road Initiative. Council on Foreign Relations. Available at:- https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative Accessed on: 22/2/2021.
[68] China Power Team. (2021). How Will the Belt and Road Initiative Advance China’s Interests?. Available at:- https://chinapower.csis.org/china-belt-and-road-initiative/ Accessed on: 22/2/2021.
[69] Li, X. (2019). Mapping Chinas One Belt One Road initiative. Available at:-
https://www.researchgate.net/publication/330044375_Mapping_China’s_’One_Belt_One_Road’_Initiative Accessed on: 26/2/2021.
[70] CBC NEWS. (2022). China sends in military to help with Shanghai COVID outbreak. Available at:- https://www.cbc.ca/news/world/china-shanghai-covid-outbreak-pandemic-military-1.6407382 Accessed on: 5/4/2022.
[71] Wong, B. (2020). China’s Mask Diplomacy. THE DIPLOMAT. Available at:- https://thediplomat.com/2020/03/chinas-mask-diplomacy/ Accessed on: 28/10/2021.
[72] أبو زيد، أحمد الشورى. (٢٠٢٢). جودة الحكم في النظم غير الديمقراطية: النظام الصيني نموذجًا. المجلة العلمية لكلية الدراسات الإقتصادية و العلوم السياسية، المجلد ٧، العدد ١٣، ص٢٢٨.
[73] Nathan, A.J. (2003). China’s Changing of the Guard: Authoritarian Resilience. Journal of Democracy 14(1), 6-17. https://doi.org/10.1353/jod.2003.0019
[74] THE WARSAW INSTITUTE REVIEW. (2021). Chinese Vaccine Diplomacy. Available at: – https://warsawinstitute.review/issues-2021/chinese-vaccine-diplomacy/ Accessed on: 10/3/2022.
[75] Dalio, R. (2021). Principles for Dealing with the Changing World Order: Why Nations Succeed and Fail. Avid Reader Press/Simon & Schuste. 1230 Avenue of the Americas New York, NY 10020. p42.
[76] CHINA DAILY. (2009). Oct. 1971: PRC becomes UN member. Available at:- https://www.chinadaily.com.cn/60th/2009-09/01/content_8643020.htm Accessed on: 10/10/2021.
[77] Godement, F. (2022). China’s Shifting Balance of Interests After the Ukraine Invasion. Institut Montaigne. Available at:- https://www.institutmontaigne.org/en/blog/chinas-shifting-balance-interests-after-ukraine-invasion Accessed on: 20/3/2022.
[78] الشيشي، رامز. (٢٠٢٢). بوتين وفخ الغرب. صحيفة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين. متاح على الرابط التالي:- https://cutt.ly/uGvIZDc تاريخ الدخول: ٢٠/٤/٢٠٢٢.
[79] Lippert, B., & Perthes, V. (2020). Strategic Rivalry between United States and China: Causes, Trajectories, and Implications for Europe. Stiftung Wissenschaft und Politik Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit. https://doi.org/10.18449/2020RP04
[80] Doshi, R. (2021). The Long Game: China’s Grand Strategy to Displace American Order. Oxford University Press, 189 Madison Avenue, New York, NY 10016, United States of America. p300.
[81] Dalio, R. (2022). Principles for Dealing with the Changing World Order. YouTube. https://youtu.be/xguam0TKMw8
[82] Qiang, X. (2019). The Road to Digital Unfreedom: President Xi’s Surveillance State. Journal of Democracy, 30(1), 53-67.
[83] Bush, R. C. (2021). Taiwan’s democracy and the China challenge. BROOKINGS. Available at:- https://www.brookings.edu/articles/taiwans-democracy-and-the-china-challenge/ Accessed on: 5/11/2021
[84] Kamarck, E. (2021). Did Trump damage American democracy?. BROOKINGS. Available at: – https://www.brookings.edu/blog/fixgov/2021/07/09/did-trump-damage-american-democracy/ Accessed on: 6/11/2021
[85] Shullman, D. O. (2019). Protect the Party: China’s growing influence in the developing world. BROOKINGS. Available at:- https://www.brookings.edu/articles/protect-the-party-chinas-growing-influence-in-the-developing-world/ Accessed on: 7/11/2021.
[86] Mearsheimer, J. (2018). The Great Delusion: Liberal Dreams and International Realities. New Haven: Yale University Press.
[87] Hilpert, H. G., Stanzel, A. (2021). China – winning the pandemic… for now: the People’s Republic is exuding strength, but can they keep it up?. Stiftung Wissenschaft und Politik Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit. https://doi.org/10.18449/2021C01
[88] Dorn, A. J. (2019). China’s Future Development: Challenges and Opportunities. CATO INSTITUTE. Available at:- https://www.cato.org/cato-journal/winter-2019/chinas-future-development-challenges-opportunities Accessed on: 21/11/2021.
[89] Mankikar, A. K. (2020). Xi’s China, China’s Xi: Current Political and Social Challenges. Available at: – https://www.orfonline.org/research/xis-china-chinas-xi-current-political-and-social-challenges/?amp Accessed on: 21/11/2021
[90] Ibid.
[91] Freedom House. (2021). FREEDOM IN THE WORLD 2021. Available at:- https://freedomhouse.org/country/china/freedom-world/2021 Accessed on: 24/11/2021.
[92] Mankikar, A. Kalpit. Op. cit.
[93] Ibid.
[94] Ibid.
[95] Ibid.
[96] Ibid.
[97] Ibid.
[98] هلال، علي الدين. )٢٠٢١). “الإندوباسيفيك” والتنافس الاستراتيجي بين أمريكا والصين. العين الإخبارية. متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/the-indo-pacific-and-the-strategic-rivalry-between-america-and-china?utm_source=site تاريخ الدخول: ٥/١٢/٢٠٢١.
[99] BBC NEWS. (2021). Aukus: UK, US and Australia launch pact to counter China. Available at:- https://www.bbc.com/news/world-58564837 Accessed on: 24/11/2021.