الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

رؤية حول اغتيال إسماعيل هنية ومسارات الردود الإيرانية

إعداد : محمد عاطف شرقاوي – باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

منذ بداية الثورة الإيراني في عام 1979م وقد شهدت العلاقات بين ايران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى العديد من الأزمات والصدامات، وهو ما كان دائمًا يجذب انتباه المختصين والقراء على حد السواء، وذلك لأن مثل تلك الأزمات ستدفع منطقة الشرق الأوسط إلى الهاوية، وهو ما بتنا قريبين منه عقب الأحداث الأخيرة.

أحداث وتطورات

يبدو أن العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدًا يأبوا أن يركنوا للحظاتٍ من الهدوء، فسرعان ما تتلاحق الأزمات واحدة تلو الأخرى، كان آخرها ما قض مضاجع العالم في فجر يوم 31 يوليو، حيث أعلن رسميًا خبر اغتيال إسماعيل هنية – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – بأيدي إسرائيلية، وذلك عقب حضوره لمناصب تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وقد اختلفت الروايات حول طريقة الاغتيال بين كونها عن طريق مقذوف جوي موجه، أو عن طريق قنبلة مزروعة مسبقًا في محل اقامته التابع للحرس الثوري في طهران، وعلى أي حال فإن الأمر قد أشعل فتيل أزمة جديدة في المنطقة.

بيد أنه سرعان ما اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – بعد عملية الاختيال ببضعة ساعات – وعلى رأسه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في بيت القيادة الإيراني مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، ما يعكس اتخاذ قرارًا حاسمًا لا يحتمل التأجيل، هذا وقد صرح خامنئي بأن “الثأر لدماء هنية من واجب إيران لأنه استشهد عل أرضها” متوعدًا النظام الصهيوني “بأشد العقاب”، فيما قد قال الرئيس الإيراني بزشكيان أنه “سيجعل المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة”، فيما توالت تصريحات التهديد والوعيد من قبل حركة حماس، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وجماعة أنصار الله الحوثي، وغيرهم من الجماعات الموالية لمحور المقاومة، هذا وقت رفعت الراية الحمراء على مسجد جمكران بمدينة قم الإيرانية في إشارة لوجوب الثأر والانتقام، كما فتحت طهران تحقيقًا موسعًا بشأن الاختراق الاستخباراتي والأمني الذي حدث إبان عملية الاغتيال.

وعلى الجانب الآخر فقد نشر المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية صورة لإسماعيل هنية مطبوع على جبينه عبارة “Eliminated” أي تم القضاء عليه، وذلك في ظل توجيهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحكومته بعدم التعليق على اغتيال هنية، كما توعد كبار المسئولين الإسرائيليين طهران والجماعات الموالية لها حال اقدامهم على أي فعل ينال من أمن إسرائيل.

مواقف دولية وإقليمية

لقد تباينت المواقف الدولية والإقليمية وفقًا لتباين المصالح والتحالفات؛ فعلى المستوى الدولي

  • جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتعكس مدى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أمن إسرائيل، وذلك بالرغم من تأكيده على أن “اغتيال هنية لا يساعد على التوصل لوقف اطلاق نار في غزة”، كما قد أعرب عن أمله في أن تتراجع إيران عن عزمها الانتقام، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستنشر المزيد من الطائرات والسفن الحربية في منطقة الشرق الأوسط،، وقد أرسلت حاملة الطائرات الأمريكية روزفلت إلى مضيق هرمز بالقرب من السواحل الإيرانية لتشكيل ضغط عسكري على القرار الإيراني، وذلك إلى جانب الضغط السياسي والدبلوماسي.
  • أما على الجانب الروسي، فقد أدانت موسكو بشدة عملية اغتيال هنية، كما قد صرح السفير الروسي في تل أبيب “أن موسكو ترفض التصعيد في المنطقة”.
  • كما أدانت الصين عملية اغتيال هنية محذرةً من احتمالية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

وعلى المستوى الإقليمي

  • فقد أدانت مصر سياسة التصعيد الإسرائيلية، وحذرت من مغبة سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول.
  • كما ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعملية اغتيال هنية واصفًا إياها “بالغادرة والدنيئة”.
  • وقد قد أدانت الأردن عملية الاغتيال، وقد سافر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران للتشاور حول التصعيد الخطير في المنطقة.
  • فيما وصفت الخارجية القطرية عملية اغتيال هنية “بالجريمة الشنيعة والتصعيد الخطير”.
  • كما أدان أيضًا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اغتيال هنية.

أسباب اغتيال إسماعيل هنية

لا شك أن إسماعيل هنية لم يكن ببعيد عن أعين وأيدي إسرائيل طوال المرحلة الماضية، ويمكن تصنيف أبرز الأسباب إلى:

أولًا: أسباب لها علاقة بإسرائيل ذاتها

١. أن حكومة نتنياهو تسعى لمزيد من التصعيد لا سيما وأن ذلك يؤدي إلى إطالة عمرها في السلطة.

٢. سعي الحكومة الإسرائيلية لكسب تأييد الشارع الإسرائيلي في ظل فشلها في الوفاء باغتيال يحيى السنوار قائد الجناح العسكري لحركة حماس.

٣. لأن مزيدًا من التصعيد في المنطقة يؤدي إلى مزيد من الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل.

٤. رغبة إسرائيل في إشغال الفلسطينيين عن تسوية خلافاتهم، ومحاولة تعطيل المصالحة الفلسطينية.

٥. إشعال المنطقة وانعكاس ذلك بالسلب على مصالح دول المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية، كي لا تظل إسرائيل وحدها مستنزفة في تنور الحرب.

ثانيًا: أسباب لها علاقة بإيران

١. إحراج إيران أمام شعبها، وأمام الجماعات الموالية لها.

٢. توجيه رسالة للقيادة الإيرانية مفادها أن إسرائيل لا تزال قادرة على اختراق إيران استخباراتيًا وعسكريًا.

٣. توريط إيران في الصراع بشكل أكثر وضوحًا ما يجعلها تقع تحت العقوبات وربما الضربات الأمريكية.

٤. استنزاف أذرع إيران في المنطقة حال ما رغبت بالرد وكالةً عن طهران.

٥. تعطيل المساعي الإيرانية لفتح قنوات اتصال بالولايات المتحدة الأمريكية لرفع القيود والعقوبات أمام الاقتصاد الإيراني، وهو التوجه الذي تبناه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأعلنه في خطابه عشية اغتيال هنية.

٦. محاولة إشغال إيران عن برنامجها النووي، والتي أضحت تقترب الآن من تصنيع قنبلة نووية.

ثالثًا: أسباب تتعلق بإسماعيل هنية

١. لم تعد ورقة وجود إسماعيل هنية كقائد ورمز حمساوي مفيدة في معادلة ضرب حركة فتح بحماس.

٢. كان لابد أن يدفع ثمن الموافقة على المصالحة مع حركة فتح برعاية الصين.

٣. أصبح واضحًا أن التنظيم العسكري لحركة حماس بقياداته مثل: السنوار، والضيف – الذي أعلنت إسرائيل اغتياله قبل أيام – هو الأكثر ثقلًا في حركة حماس، وهم الفاعلين الأكثر تأثيرًا ، وليس أعضاء المكتب السياسي، وهو الأمر الذي انعكس في ثقل حجم هنية.

٤. لم يعد مقبولًا حرية تحرك هنية من دولة لدولة أمام الملأ في ظل فشل إسرائيل في اغتيال السنوار التي تشير التقارير إلى وجوده داخل غزة.

٥. توهم إسرائيل في أن اغتيال هنية سيكون عبرة ورسالة للقيادات الفلسطينية سواء كانت من فتح أو حماس.

تداعيات محتملة

إن من نافلة القول أن رد إيران على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في قلب طهران بات أمرًا حتميًا – وهو ما تعلمه إسرائيل وأرادته منذ البداية – ولكن تختلف التكهنات حول كيفية الرد الإيراني، حيث يرى بعض الخبراء أنه تحتم على إيران الرد بنفسها وفي داخل العاصمة تل أبيب كما كانت عملية الاغتيال داخل العاصمة طهران سواءً تم ذلك بضرباتٍ عسكريةٍ لمواقع حيوية، أو باغتيال شخصياتٍ سياسيةٍ أو عسكريةٍ إسرائيلية – وذلك لحفظ ماء وجه إيران أمام شعبها داخليًا، وأمام الجماعات الموالية لها وسائر دول العالم خارجيًا – وهو ما يمكن رؤية الإعداد له بالفعل من كلا الطرفين من خلال عمليات الحشد وتوجيه الرأي العام، والتهديدات العسكرية المتبادلة، والاستقطابات الدولية؛ حيث تقف الولايات المتحدة الأمريكية والناتو وحلفائهم إلى جانب إسرائيل، بينما تعول إيران على روسيا والصين وكوريا الشمالية.

بينما يرى آخرون أن أفضل ردٍ من إيران هو عدم الانجراف  بشكلٍ مباشرٍ للفخ الإسرائيلي، وإنما يكون الرد من خلال الجماعات الموالية لها في المنطقة، وذلك حتى تعلن طهران رسميًا عن إمتاك سلاح نووي أولًا – وهو أمرٌ صار أقرب من أي وقتٍ مضى – ومن ثم تفكر في الرد بشكلٍ مباشرٍ، حينها ستحقق إيران الردع النووي، وستكون في موقفٍ أفضل في معادلة القوى الدولية، ما سيجعل إسرائيل تعيد حساباتها في ردها على الرد الإيراني، كما يجب على طهران استغلال كل ما يجري للضغط والتفاوض مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لقبول إيران كقوة عسكرية نووية.

وفقًا لما سبق يمكن القول بأن اغتيال هنية وضع المنطقة في ورطة؛ فإيران بين مطرقة وجوب الرد وحفظ ماء الوجه وسندال الحذر من تبعات هذا الرد، وإسرائيل وجلة ومتأهبة لأي ردة فعل إيرانية، بينما تراقب دول المنطقة بقلق ما يجري، ويتخوف الجميع مما سيحدث، ويبقا السؤال الأهم هل ستتوقف إسرائيل عند هذا الحد أم أنها ستختلق مزيدًا من الأزمات لجر المنطقة إلى آتون حربٍ ضاريةٍ تأكل الأخضر واليابس؟!

4.6/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى