الاعلاميةالدراسات البحثية

صناعة الإعلام : التسيير الاقتصادي والتدبير الإداري والموارد البشرية للمؤسسات الإعلامية

اعداد :  شيماء الهواري – دكتورة في القانون العام و العلوم السياسية

جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية المحمدية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 

عندما أصدر الأمريكي بنجامن داي صحيفته اليومية THE SUN سنة 1938 في مدينة نيويورك كأول صحيفة يومية شاملة منتظمة وموجهة إلى كل فئات الشعب، وتحمل من الأخبار والتعليقات ما يقابل إحتياجات كل فصائل المجتمع (بعد أن إستقر مفهوم الصحافة الذي وضعه العالم الألماني اتو غروث Atto Gruth). بدأ الناس يفكرون في وضع أسس علمية وفنية لقيام المؤسسات الصحفية وإدارتها بما يحقق الهدف الذي تسعى اليه الصحيفة سواء بما يتعلق بتلبية إحتياجات المجتمع من المعلومات والمعرفة أو العائد المادي الذي يضمن للمؤسسة الإستمرار والتطور وتحقيق الفائدة والربح بإعتبارها صناعة كغيرها من الصناعات. حيث بدأت هذه المؤسسات تزدهر وتأخذ مكانها بين الصناعات الأخرى في بدايات عصر الصناعة في القرن التاسع عشر. وتتفرع المؤسسات الإعلامية لتشمل: المؤسسات الصحفية، المؤسسات الإذاعية، المؤسسات التلفزية، الفضائيات، وكالات الأنباء، دور النشر، شركات الإعلانات.

لذلك إرتأينا أن نقوم بتقديم دراسة مستفيضة حول كيفية تسيير وتدبير المؤسسات الإعلامية وأنماط ملكيتها، وكيفية إستثمار الموارد البشرية بطريقة ربحية، وكيف يتم تمويل هذه المؤسسات الإعلامية والوظائف المنوطة بها.

المطلب الأول: التدبير الإداري للمؤسسات الإعلامية

يقصد بالتدبير مجموعة من التقنيات التي تستعملها مؤسسة أو منظمة أو مقاولة ما لتحقيق أهدافها العامة والخاصة، وتتمثل هذه التقنيات في: التخطيط والتنظيم والتنسيق والقيادة… وقد يعني التدبير مجموعة من الأشخاص الذين يديرون الإدارة أو المقاولة أو المؤسسة أو المنظمة، سواء أكانوا مديرين، أم مدبرين، أم أطرا، أم مسيرين، أم موجهين… وبصفة عامة، يعني التدبير مجمل التقنيات التي تعتمدها الإدارة لتنفيذ أعمالها وتصريفها. وغالبا ما يتخذ التدبير طابعا كميا باعتماده على المعايير الكمية القائمة على الإحصاء الرياضي والمحاسباتي.

وللعلم التدبير وظيفة مركزية تتمثل في الوظيفة الإدارية، لكن تتفرع عنها مجموعة من الوظائف الفرعية التي يمكن حصرها في: الوظيفة التقنية القائمة على التصنيع، والتحويل، والإنتاج، والوظيفة التجارية القائمة على الشراء والبيع والتبادل، والوظيفة المالية التي تتمثل في التوظيف الأمثل للموارد المالية، والوظيفة الأمنية التي تكمن في حفظ الأموال والأشخاص، والوظيفة الحسابية التي تعنى بحساب المداخيل والمصاريف بطريقة إحصائية.

والتدبير الإداري لا يعني الرئاسة والنفوذ في إتخاذ القرار، أنه حسب علوم الإدارة الحديثة مفهوم القيادة وإنجاز وظائف التدبير وعملياته لتحقيق أهداف الوحدة الإدارية بإمتلاك كفاءات في علوم التدبير، لأجل تدبير إما الشأن الإداري أو الشؤون البشرية أو الشأن المالي أو التربوي أو تدبير النزاعات في المنظومة الإدارية، والحد من استفحالها وتأثيرها سلبا على الوحدة الإدارية، ومن هذا فالتدبير إذن هو عمليات ووظائف وتفاعلات وعلاقات إنسانية.

الفرع الأول: إدارة المؤسسات الإعلامية

قبل التطرق إلى كيفية التدبير الإداري للمؤسسات الإعلامية سنعمل على تقديم إطار توضيحي عام حول مفهوم إدارة المؤسسة الإعلامية والمقصود بالمؤسسة الإعلامية وأنواعها وطبيعتها… وذلك من خلال الفقرات التالية.

الفقرة الأولى: مفاهيم أساسية

سنتعرف في هذه الفقرة على الكلمات المفاتيح التي يتأسس عليها بناء المطلب الأول وأهم هذه المفاهيم هي:

أولا: مفهوم الإدارة

قدمت تعريفات متعددة حول معنى الإدارة يعكس كل منها مرحلة فكرية وخلفية معينة. ومن أمثلة هذه التعريفات ما ذكره ذ. علي عبد المجيد عبده في كتابه “الاصول العلمية للادارة و التنظيم” «الإدارة عبارة عن النشاط الخاص بقيادة وتوجيه وتنمية الأفراد وتخطيط وتنظيم ومراقبة العمليات والتصرفات الخاصة بالعناصر الرئيسية في المشروع من أفراد، ومواد، وآلات، وعدد ومعدات، وأموال، وأسواق، لتحقيق أهداف المشروع المحددة بأحسن الطرق وأقل التكاليف». ويعرف هنري فايول الإدارة «هي معنى أن تدير وأن تتنبأ وتخطط وتنظم وتصدر الأوامر وتنسق وتراقب».[1] وبمعنى آخر فإن الإدارة هي الحد الفاصل بين نجاح المشروعات أو فشلها وبين تحقيق الأهداف الموضوعية أو العجز عن تحقيقيها. معنى ذلك أن الإدارة تهدف إلى تحقيق الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة وفي الوقت الصحيح.[2]

ثانيا: مفهوم المؤسسة الإعلامية

المؤسسة هي وحدة إقتصادية للإنتاج.[3] وتعرف أيضا على أنها تنظيم إقتصادي مستقل يمتلك إمكانيات بشرية ومادية توفق بينها بغية إنتاج سلع وخدمات موجهة للبيع.[4] ولقد حضي مفهوم المؤسسة بتعريف إعلامي خاص به؛ فنجد أن المؤسسة هي منظمة اقتصادية واجتماعية مستقلة نوعا ما تؤخذ فيها القرارات حول تركيب الوسائل البشرية والمادية والإعلامية بغية خلق قيمة مضافة حسب الأهداف في نطاق زمكاني.[5]

الفقرة الثانية: طبيعة المؤسسات الإعلامية

أولا: التقسيم القانوني للمؤسسات

تقسم المؤسسات الإعلامية خاصة وعامة حسب طبيعة نظام الملكية، أما سابقا فكان الشكل السائد لها إما صغيرة أو متوسطة. ومع التقدم التكنولوجية تطورت المؤسسة الصغيرة التي يمكن تسييرها بأقل يد عاملة وأكثر سرعة وأقل تكلفة، وكذلك الامر مع المؤسسات المتوسطة التي تحولت لمؤسسات ومجتمعات إعلامية ضخمة في الأنظمة الرأسمالية مما أدى إلى نمو الاحتكارات نتيجة تكتل الأموال في وحدات كبيرة تهدف إلى التوسع في الإنتاج وحقن تكلفته وتجنب خسائر المنافسة بالسيطرة على الأسواق.

ثانيا: التقسيم الاقتصادي للمؤسسات

تدرج المؤسسات الإعلامية ضمن المؤسسات الخدماتية وذلك لطبيعة المنتج الإعلامي.

الفقرة الثالثة: التعريف الإجرائي للمؤسسة الإعلامية

هي تنظيم اقتصادي يجمع أشخاص ذوي كفاءات متنوعة. لها طابع قانوني واجتماعي، تعمل على صيانة ثقافة المجتمع ونقلها إلى الأجيال وفق قيم أخلاقية وقواعد سلوكية مبنية على اقتناع الجمهور بها واعتناقه لها. وهي التي تخدمه وتسهر على تحقيق مصالحه لأنها تتمتع بحرية انسياب المعلومات، وتستخدم إستراتيجية المبادأة في تعاملها مع المستجدات البيئية المحيطة بها. كما أن لها بعدين؛ بعد معنوي يتعلق بمضمون الرسالة الإعلامية وطريقة تجسيدها، وبعد مادي يتعلق بتحول الإعلام إلى صناعة لها متطلباتها لتحقيق الربحية المالية ويكفل لها الاستمرار في تقديم خدماتها وتحقيق رسالتها الإعلامية. وهي أنواع مكتوبة ومسموعة مرتبة كالمؤسسات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية ووكالات الأنباء.

الفقرة الرابعة: التعريف الإجرائي لإدارة المؤسسات الإعلامي

هي الهيئة أو العضو الموجود داخل المؤسسات الإعلامية، يهيمن على نواحي النشاط فيها بوضع مجموعة من القواعد والأسس لتنظيم وإدارة المؤسسة، والاستخدام الأمثل للإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، وتحقيق كفاءة اكبر بقيادة المشروع من الناحية المالية والمادية، والنهوض بالأعباء الاقتصادية والإدارية للصناعة الإعلامية في ضوء الدور الثقافي والإعلامي والاجتماعي بهدف خدمة المضمون الذي يهتم بشؤون الرسالة الإعلامية. ويقاس نجاحها في قدرتها على تقديم الإنتاج بأقل تكلفة وبأفضل جودة فنية وبأمثل استخدام للوقت والموارد وبأعلى عائد. ولذلك فطبيعة عملها تحتاج إلى مرونة وحرية في الأداء.[6]

الفقرة الخامسة: أهداف المؤسسات الإعلامية

البعد الأول: يتعلق بمضمون الرسالة الإعلامية ويتضمن عددا من الأهداف الفرعية يمكن حصرها في:

  • الإخبار؛
  • دعم المبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع؛
  • رفع المستوى الفكري والثقافي ونشر الوعي السياسي لتكوين رأي عام مستنير؛
  • الإمتاع والترويح.[7]

البعد الثاني: يتعلق بتحول الصحافة إلى صناعة لها متطلباتها وبالتالي ارتباط بقاءها بالمدخول. ويهدف البعد الثاني الى:

  • تحقيق الربحية بما يضمن عائدا استثماريا على رأس المال يكفل لها الاستمرار في تقديم خدماتها وتحقيق رسالتها الإعلامية؛
  • الاستقلال المالي بما يضمن لها الاستقلالية التامة في ذمة رسالتها الإعلامية ومتابعة التطور السريع في تقنية الصحافة.[8]

الفقرة السادسة: خصائص المؤسسات الإعلامية

  • إنها مؤسسة ثقافية خدماتية بالدرجة الأولى.
  • إن الارتفاع المستمر في الثقافة والاهتمامات المتخصصة في مردودية العمل والدخل وفي وقت الفراغ، كل هذه القوى تنوه بالطلب المتزايد على الإعلام والاتصال بمختلف أنواعه مما يتطلب إقامة مؤسسات لإستيعاب كل هذا الإقبال الجماهيري.
  • يتخذ التنظيم العملي لكل من السينما والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل ثقافية وآليات صناعية ومن ثم القيام بآليات تجارية كالتسويق والتوزيع.
  • يسيطر على العمل الثقافي ومجمل نشاط الاتصال الجماهيري في بعض بلدان العالم منطق المصالح التجارية، ويتضح هذا في دخول الكثير من الشركات الكبرى في مجال النشاط الاتصالي مثل وكالات الأنباء وبنوك المعلومات والمؤسسات الصحفية ودور نشر الكتب ومحطات التلفزيون واستوديوهات الإنتاج السينمائي، وهو ما يسمى بعملية التصنيع الثقافي التي هي عملية تحويل الأنشطة الثقافية ومستلزماتها أيا كانت إلى منتجات سلعية وخدمية وإيصالها إلى المتلقي وفق معادلة اقتصادية وفنية.[9]

الفرع الثاني: أهم وظائف إدارة المؤسسات الإعلامية

الإدارة هي علم متطور وعملية إنسانية اجتماعية، تتناسق فيها جهود العاملين كأفراد وجماعات لتحقيق الأهداف التي أنشئت من اجلها المؤسسة متوخين في ذلك الاستخدام الأفضل للإمكانات المادية والبشرية والفنية المتاحة للمؤسسة.

ومن بين أهم وظائف الادارة في المؤسسة الاعلامية نجد التنظيم والتخطيط واتخاذ القرار.

الفقرة الأولى: التنظيم

يعتبر التنظيم من أكثر المفاهيم الإدارية تعقيدا في الفكر الإداري المعاصر، وقد زاد من تعقيده تعدد كتابات الباحثين حوله. وعرف الاستاذ ارويك التنظيم على أنه «تحديد أوجه النشاط اللازمة لتحقيق أي هدف وترتيبها في مجموعات بحيث يمكن إسنادها إلى أفراد».[10]

وللتنظيم الإداري نوعين أساسين من حيث مدى قانونية التنظيم ومشروعيته؛ النوع الأول هو التنظيم الرسمي ويقوم على أساس الإجراءات التي صممت من أجله، ويقوم كذلك على أساس تحليل العملية الإدارية وتجميعها في وظائف، ثم تصنيف الوظائف في تقسيمات تنظيمية صغيرة ويجري تجميعها في تقسيمات تنظيمية أكبر. أما النوع الثاني والذي سنختصه بالتحليل هو التنظيم غير الرسمي في المؤسسات الإعلامية.

أولا: مفهوم التنظيم الغير الرسمي

يعبر التنظيم الغير الرسمي عن مجموعة من القيم والأنماط السلوكية والثقافية التي تتكون من خلال التفاعلات الاجتماعية بين الأعضاء لتحقيق أهداف مشتركة. ويحصل أعضاء هذه التنظيمات غير الرسمية على نوع من الرضا نتيجة مشاركتهم الآخرين في العمل، ولرغبتهم في تنمية وتطوير مصالح مشتركة.

ثانيا: أسباب ظهور التنظيم غير الرسمي في المؤسسات الإعلامية

من بين أهم أسباب وجود التنظيمات غير الرسمية في المؤسسات الإعلامية:

  • تعنى التنظيمات غير الرسمية بالاحتياجات الإنسانية التي لا تستطيع التنظيمات الرسمية للقيام بها، فهو ينمي شعور أعضائه بالكرامة والاحترام الذاتي بالإضافة إلى تدعيم سلوكهم الشخصي.
  • الحاجة إلى المعلومات والمعلومات الفورية، ففي الأحوال العادية توزعها المنشأت الإخبارية ببطء أو حتى قد تحجبها، أما التنظيمات غير الرسمية فتوفر قنوات الاتصالات السريعة مع أعضائها.
  • إن الهدف من وجود التنظيمات غير الرسمية هو الحاجة لضبط السلوك الاجتماعي، فأعضاء الجماعة غير الرسمية قد يجمع بينهم رغبتهم في التميز والظهور بطريقة معينة، وقد يتصل التوافق المطلوب بين الأعضاء بملبس أو سلوك أو بأفكار أو عادات. وهناك أكثر من سبب يدفع العامل إلى الانضمام لعضوية التنظيم غير الرسمي، فالأفراد يسعون للامان الذي تكلفه عضوية الجماعة. فمعظم الأفراد العاملين يودون أن يؤمنوا أنفسهم تجاه التهديدات الخارجية من زميل أو رئيس أو حتى مرؤوس، سواء كانت التهديدات حقيقية أو متخيلة. وقد كانت الحاجة الأساسية لتجميع العاملين لحماية أنفسهم تجاه ممارسات متعسفة للإدارة سببا هاما لظهور ونمو النقابات العمالية.

ثالثا: الآثار المترتبة على التنظيم غير الرسمي داخل المؤسسات الإعلامية

أ. الآثار الايجابية

  • المساعدة على تحقيق أهداف التنظيم الرسمي إذا تحققت درجة عالية من التوافق والانسجام بين التنظيمين. فإذا أدركت الإدارة أهمية التنظيم غير الرسمي وقدمت له العون الممكن لتحقيق أهدافه فإنه سيساهم في تحقيق أهداف التنظيم الرسمي.
  • المساهمة في التقليل من متاعب التنظيم الرسمي، فعن طريق الاتصالات التي تتم بين أفراد التنظيم أثناء ممارستهم لنشاطاتهم يحدث نوع من المشاركة الوجدانية بين القائمين بالاتصال بعضهم البعض حول مختلف الأمور في التنظيم.
  • تزويد الإدارة بطريقة غير مباشرة بالمعلومات والشائعات الخفية التي يتناقلها أفراد المجموعة، ومن ثم تعمل الإدارة على استياق الأحداث وتصحيح المعلومات ووضع الحقائق أمام العاملين.
  • تحقيق نوع من الرقابة الذاتية على الأعمال التي يقوم بها الأفراد، مما يخفف من نطاق الإشراف والرقابة التي يباشرها المدير على المرؤوسين.
  • المساعدة في سرعة نقل المعلومات والبيانات إلى مختلف أجزاء التنظيم الرسمي عن طريق ما يتناقله الأفراد من أخبار ومعلومات حول مختلف القضايا، وهنا يجب التأكد من صحة ما يتم نقله حتى لا تتحول المعلومات إلى شائعات تضر بالتنظيم.

ب. الآثار السلبية:

  • صراع الدور: فما هو جيد للعاملين قد لا يكون للمؤسسة، فإذا حقق العاملون الإشباع الاجتماعي السلبي على سبيل المثال قد ينعكس أثره على سوء الأداء وانخفاض الإنتاجية في المؤسسة. ولذا على الإدارة أن تعمل على التخطيط من أجل تحقيق تكامل وتوازن الاهتمامات المتعلقة بالأفراد والجماعات غير الرسمية بما يحقق أهداف جميع الأطراف على أمثل وجه ممكن ويوصل إلى سد الفجوة بين الأهداف المرغوبة والأهداف المتاحة.[11]
  • مقاومة التغيير: ففي محاولة الجماعة غير الرسمية الحفاظ على القيم الثقافية وأنماط حياتها تقف حجر عثرة أمام أي تغيير تطرحه المنظمة. ففي العادة ينتج عن التغيير عدم توازن وتحاول الجماعة إعادة التوازن بنسقها الاجتماعي وهو ما يطلق عليه “التوازن الذاتي”. ويظهر بوضوح في حالة إدخال أي تحسينات تقنية بالمؤسسة قد تؤثر إيجابا أو سلبا على تغيير مراكز بعض الأطراف بالمقارنة مع أطراف أخرى، فهو أمر لا يتماشى مع أنماط الجماعة غير الرسمية، ومن تم فإنها تقف معارضة بشدة ذلك التغيير. ولذا فعلى الإدارة أن تدرس تلك المواقف جيدا وأن تتبنى الاستراتيجيات التي تمكن من إدخال ذلك التغيير من الناحية الفنية والاجتماعية بطريقة ملائمة، والتمهيد له فنيا واجتماعيا قبل تنفيذه وفقا لإستراتيجيات مدروسة ومحكمة.[12]

الفقرة الثانية: التخطيط

يعتبر التخطيط أحد أساسيات العصر الحديث في بلوغ الأهداف، فهو يهتم بالوسائل التي تمكن من بلوغ الهدف على أساس عملية صحيحة، استنادا إلى الدراسات العميقة العلمية والإحصاءات والبيانات الدقيقة والتجارب التي تؤدي إلى كشف المشكلات المتوقعة وإيجاد الحلول السليمة لها قبل تفاقمها.

ولقد اهتم العديد من العلماء بتحديد مفهوم التخطيط، فلقد عرفه هنري فايول «التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له» وهو يقوم على هدف أو أهداف مستقبلية محددة يراد تحقيقها عن طريق التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له. وهو يتنافى مع العشوائية ويعني الاستعداد والإعداد للأمر.

أولا: أنواع التخطيط

يعتبر التخطيط عملية فكرية ومفاضلة وإختيار بين عدة بدائل وصولا إلى هدف معين. ويمثل التخطيط ركنا أساسيا في مجالات العمل الإداري والاقتصادي والسياسي والإعلامي وغيرها. ويقصد بالتخطيط الإعلامي إتخاذ التدابير العملية للاستفادة المثلى من الإمكانات المتاحة والكفاءات الإعلامية لتحقيق أهداف واضحة مستقبلية في إطار سياسة إعلامية محددة وبإعداد برامج إعلامية متكاملة يجري الإعداد لها وتنفيذها تنفيذا فاعلا بأجهزة إدارية وتنظيمية وتقويمية قادرة.

ويعتمد التخطيط الإعلامي على البحوث العلمية للتعرف على اتجاهات الجماهير والظروف المحيطة بهم. لذا فإن المتعارف عليه تمثيل الهيئات الإعلامية وقياداتها العليا في أجهزة وهيئات التخطيط، فالإعلاميون بحكم دراستهم للرأي العام وطرق قياسه يعرفون التوقيت المناسب لإصدار النظم والتعليمات الجديدة والإعلان عن المشروعات المقترحة والآثار المتوقع أن تترتب على القرارات التي تتخذها السلطات العليا.

ثانيا: خصائص التخطيط في المؤسسات الإعلامية

ينبغي أن يتوفر في التخطيط خصائص منها:

أ. إستمرارية التخطيط: التخطيط من الوظائف المستمرة طوال حياة المؤسسة خاصة في المؤسسات الإعلامية التي لا تعمل في ظروف ساكنة ولكنها تتسم بالتغيير كالتغييرات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية… ويتطلب الاستعداد لمواجهتها ويمكن أن يتم ذلك من خلال التخطيط. كما أن الظروف التي وضعت في ضوئها الخطة قد تتغير مما يستلزم استمرارية التخطيط بالمراجعة والتعديل لمواجهة الظروف المتغيرة، فالتخطيط عملية مستمرة قبل إعداد الخطة وأثناء تنفيذها.

ب. شمولية التخطيط: يشمل التخطيط جميع نواحي النشاط في المؤسسة ولا يقتصر على بعض النواحي دون الأخرى. فعملية التخطيط ينتج عنها هيكل متكامل من الخطط على المستويات المختلفة بالمنظمة، فهناك الخطة الإستراتيجية؛ ويتفرع عنها خطط وظيفية كخطط الإنتاج والأفراد والتسويق والتمويل والبحوث والتطوير… كما يتفرع من الخطط الوظيفية خطط تشغيلية، وتعتبر الخطة الإستراتيجية لمنظمة بمثابة الإطار الرئيسي الذي يتم إعداد الخطط الأخرى والبرامج على أساسه.

ت. مرونة التخطيط: يجب أن يتوفر شرط المرونة في الخطة ويقصد بالمرونة قابلية الخطة للتعديل على سوء الظروف الجديدة والتغيرات المستقبلية التي لم تكن في الحسبان وقت القيام بالتخطيط وإعداد الخطة.

ث. سرية التخطيط: يجب أن تكون الخطة سرية بحيث لا يعرف محتوياتها إلا الأفراد القائمين بانجازها.

ثالثا: أهداف التخطيط في المؤسسات الإعلامية

عادة ما تسعى المؤسسات الإعلامية المختلفة إلى تحقيق الأهداف التالية منها:

  • تقديم الخدمات: على شكل برامج إعلامية أو إعلانية أو دعائية لإشباع رغبات الأفراد في المجتمع في الوقت الذي تطلبه فيه، فاستمرار الوسيلة الإعلامية يتوقف على قدرتها على خدمة جمهورها بشكل خاص والمجتمع ككل.
  • تحديد هدف البقاء والنمو: وتحقيق الاستمرارية أو البقاء لا يعد مشكلة لإدارة المؤسسة الإعلامية في أوقات الرخاء الاقتصادي، أما ابان الكساد فإن إدارة المؤسسة تعمل على إبقاء المنظمة حتى تتحسن الظروف في المستقبل. أما هدف النمو فقد يكون المبيعات أو الاستثمارات أو حجم الإنتاج أو الربح أو زيادة عدد الجمهور… أو بمزيج منها.
  • التوفيق: بين ملاك الوسيلة الإعلامية والعاملين وجميع المتعاملين معها من موردين ومستهلكين ودائنين... وتوافق أهداف الوسيلة الإعلامية مع أهداف الجميع.

رابعا: أهمية التخطيط في المؤسسات الإعلامية

   التخطيط وظيفة أساسية في المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة لأسباب منها:

  • المساهمة في تحقيق الأمن النفسي للعاملين والجماعات.
  • توضيح الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها مما يساعد كل فرد من أفرادها على تأدية عمله، بالإضافة إلى توفير الإطار الذي يساعد على توحيد الجهود لتحقيق الأهداف.
  • المساعدة على التنسيق بين جهود العاملين الذين يشتركون في التنفيذ، كما أن التنسيق بين الخطط الفرعية يضمن التنسيق بين الأعمال والإدارات التي تتكون منها المؤسسة ويعتبر أساس التنظيم.
  • المساعدة على الاستخدام الأفضل للموارد المتاحة مادية أو بشرية وتحقيق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة.

خامسا: عوامل نجاح ومعيقات التخطيط الإعلامي

يتأثر التخطيط الإعلامي للمؤسسات الإعلامية العامة والخاصة بالعديد من العوامل منها من تساهم في تقدمه وتطوره وتسمى بالعوامل الايجابية، وهناك مشاكل تصيب المؤسسة الإعلامية نتيجة سوء التخطيط والنظرة الضيقة أو البيروقراطية الإدارية وتتسبب في اعاقة صيرورتها وتقدمها.

  • عوامل نجاح التخطيط الإعلامي

تعتبر من أهم عوامل نجاح التخطيط الإعلامي:

  • بناء التخطيط على أساس التقييم الموضوعي لجميع المعلومات وعلى أساس اعتبار الوسائل الصحيحة للتنفيذ وأن يبتعد عن التناقضات. فالتخطيط لنوع معين من العمليات أو المشروعات قد يؤدي أحيانا إلى مناقضة تامة للأهداف والأغراض التي تؤدي إليها خطة أخرى. لذا ينبغي أن يدرك المخططون مدى تأثير الخطة على الخطط السابقة وأن يوضحوا ما يجب إتباعه بالنسبة لما قد يبدو من تعارض أو تناقض بين الخطط حتى يكون المنفذون على بينة من الآمر.
  • عدم تقييد المخططين لأنفسهم بتجاربهم الخاصة أو التجارب التي سبق دراستها بواسطة الإدارة المختصة. وأن يُعد المخطط نفسه لمواجهة حقائق غير سارة، وأن يناقض الإجراءات التنفيذية المتبعة إذا لزم الأمر، وأن يستفيد من تجارب الآخرين فيما يتعلق بالمشكلة موضوع التخطيط. كما أن فاعلية الخطة الناجحة تعتمد أساسا على حسن توقيتها ومعرفة اتجاهات الأفراد وقابليتهم لتنفيذ الخطة.

ب. مثبطات التخطيط الإعلامي

هناك العديد من المعيقات التي تحول دون تنفيذ المخطط الإعلامي داخل المؤسسة، هذه العراقيل قد تتجسد في تضييع وقت كبير في التخطيط أو في القضاء على روح المبادرة والابتكار؛ أي أن القائم بالتنفيذ يكون ملزما بتنفيذ الخطط كما هي مما يحول دون قيامه بالابتكار أو الإبداع، كما تظهر عراقيل تنفيذ المخطط الإعلامي أيضا في:

  • صعوبة التنبؤ الدقيق: الخطة يتم وضعها لتطبيقها في المستقبل لذلك تظهر الحاجة إلى التنبؤ بالمستقبل إلا أن هناك صعوبة في التنبؤ الدقيق بالمتغيرات مثل الأحوال المجتمعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية… كما أن الخطأ في التنبؤ قد ينتج عنه عادة عدم صحة المعلومات والإحصاءات أو عن استخدام المعلومات والإحصاءات الصحيحة، ولكن مع عدم القدرة على تفسير مدلولاتها أو مع عدم القدرة على تقدير نتائجها الواقعية، وقد ينتج أيضا عن عدم الاعتماد على الطرق العلمية الصحيحة في التنبؤ، ويمكن إلى حد ما التغلب على هذه الصعوبة عن طريق الاستفادة من أخصائيين ذوي خبرة بالطرق العلمية الصحيحة في التنبؤ بجمع البيانات وتبويبها وتحليلها لمساعدة إدارة المؤسسة الإعلامية على التنبؤ في مختلف النواحي.
  • كثرة التكاليف: يتطلب وضع الخطط تكاليف كثيرة تتمثل في تكاليف الحصول على خبراء لجمع البيانات وأعمال التنبؤ وخاصة في حالة المؤسسات الإعلامية الصغيرة وكذلك في حالة الخطط وحيدة الاستعمال التي تطبق مرة واحدة بالمؤسسة. وعلى الرغم من ذلك فان التخطيط يعود على المؤسسة بما يفوق ما تم صرفه كما أن ظروف عدم التأكد وغموض المستقبل هي في ذاتها المبرر للقيام بعملية التخطيط حتى يمكن التنبؤ بالمشكلات أو العقبات المتوقعة والعمل على تلافيها أو الاستعداد للتعامل معها.
  • جمود الإدارة: ينظر البعض إلى الخطط على أنها تتصف بالجمود أي عدم مرونتها لتقابل ما قد يحدث من تغيير في الظروف. إذ أن الشخص الذي قوم بالتنفيذ ليس له الحق في تعديل الخطة في ضوء أي ظروف متغيرة، بل وجب عليه الرجوع إلى الرؤساء الذين لهم وحدهم حق تعديل الخطط. ويمكن معالجة ذلك عن طريق السماح للقائمين بالاتصال الذين يقومون بالتنفيذ بحرية التصرف كما ينبغي فحص الخطط من حين لآخر للتحقق من أنها مناسبة للظروف الجديدة أو تعديلها بما يتناسب مع الظروف. [13]

الفرع الثالث: أنماط ملكية وسائل الإعلام في العالم

تتعدد هذه الأنماط وتتباين باختلاف الجهة أو المؤسسة أو الأفراد المالكون لهذه الوسائل. ومن أمثلة ذلك:

الفقرة الأولى: ملكية الدولة

  • ملكية مباشرة للدولة: حيث تكون هذه الوسيلة مملوكة للدولة، وتسيطر الحكومة عليها تماما، فهي التي تدير وتعين الإداريين والإعلاميين والفنيين وتحدد السياسة التحريرية، وكل ذلك قد يتم عن طريق وزير الإعلام أو رئيس الوسيلة الذي تعينه الحكومة. والنموذج الأبرز على ذلك ملكية الدولة لوسائل الإعلام في الصين، حيث نجد أن الحكومة تتحكم بشكل مباشر في المحتوى الإعلامي.
  • ملكية غير مباشرة: هنا تكون الملكية للدولة ممثلة في هيئة غير حكومية، كأن تكون هيئة منتخبة مثل مجلس الشورى المصري (قبل إلغاءه في دستور2013) الذي كان يتولى الإشراف على الصحف القومية. وفي هذه الحالة تتدخل الحكومة بشكل غير مباشر في تحديد السياسات التحريرية، فهي التي تحدد تعيينات الإدارة العليا وإن كان ذلك غير معلن. وفي هذه الحالة تكون للوسيلة ميزانيتها وكينونتها الخاصة وشخصيتها الإعتبارية القانونية المستقلة.
  • الخدمة العامة: بحيث تكون الملكية للدولة ولكن الوسيلة مستقلة عن النظام السياسي، مثل نموذج مؤسسة الخدمة العامة BBC في بريطانيا التي لديها درجة من الاستقلال عن الدولة تحميها من التحكم السياسي المباشر.

الفقرة الثانية: ملكية خاصة

يقصد بهذا النمط من الملكية أن تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة لفرد أو لأفراد مباشرة أو عن طريق أسهم، مثل روبرت موردوخ الذي يمتلك نسبة كبيرة من شركة News Corporation وهي ثاني أكبر مجموعة إعلامية عبر العالم. ورغم أن الإعلام الخاص هو النمط السائد في الدول الغربية وتحكمه قواعد تفصل بين الإدارة والتحرير، فذلك لا يعني غياب تأثير الرأسمال والتوازنات السياسية على كثير من الوسائل الإعلامية.

الفقرة الثالثة: ملكية حزبية

يقصد بهذا النمط أن تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة لحزب سياسي تعبر عن فكره السياسي أو توجهاته أو مذهبه الأيديولوجي، وتكون مهمتها الترويج له والدفاع عن مواقفه وسياساته، مثل صحيفة الشعب اليومية People’s Daily المملوكة للحزب الشيوعي الصيني.

وفي ظل التطور الذي يشهده العالم في مختلف المجالات اختفت الصحافة الحزبية من كل البلاد الديمقراطية، واقتصر الإعلام الحزبي على المواقع الالكترونية الخاصة بالحزب وبعض النشرات الحزبية المطبوعة. ولعل المثال الأبرز على ذلك اختفاء صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي التي تحولت منذ منتصف التسعينيات من جريدة ناطقه باسم الحزب إلى صحيفة يسارية بشكل عام.

ولكن لا يعني ذلك انتفاء التوجه السياسي للصحف فمازال للبعض منها توجه يساري مثل الفرنسية  Liberation والجارديان البريطانية، ويمينية مثل le figarouالفرنسية والتايمز البريطانية، وأخرى وسطية مثل  le Mondفي فرنسا. وهذا لا يعني ترويجهم وعرضهم للتوجهات الحزبية أو مشاركتهم في التعبئة السياسية، بل يؤثر توجههم السياسي على القضايا التي يهتمون بها. فنجد مثلا الصحف التي توصف بأنها يسارية تركز على القضايا الاجتماعية وحقوق المرأة والأقليات بصورة أكبر من الصحف اليمينية مع احترامها للقواعد المهنية المتعارف عليها.

الفقرة الرابعة: ملكية العاملين في الإعلام

هناك بعض الوسائل الإعلامية التي يملكها الصحفيون أنفسهم وتقدم جريدة  Le Monde الفرنسية مثالا ناجحا على ذلك. نشأت جريدة Le Monde في 1944 كمرجع يومي للأخبار جديرة بثقة القارئ، في وقت تواترت فيه القرارات لإعادة هيكلة الجماعة الصحفية بفرنسا فيما عرف بمرحلة التنقية وإعادة البناء في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

لم تتبلور فكرة إدارة الجريدة بالتسيير الذاتي إلا بعد أزمة سياسية تعرض لها رئيس التحرير بسبب انتقاده للحرب الدائرة آنذاك في الهند الصينية، ورفض الانصياع لأي من المعسكرين الرأسمالي والشيوعي فتقدم باستقالته وقبلتها الجمعية العمومية على الفور، إلا أن العاملين شنوا حملة وطالبوا بإدارة جماعية بل وهددوا بالإضراب إذا لم يسمح لهم بأن يكونوا جزءا من الجمعية العمومية ومساهمين في ملكية الجريدة. وبالفعل عاد رئيس التحرير وأسست أول شركة للمحررين عام1951 ليحصد هؤلاء 25 % من مجموع الأصوات بما يكفل لهم الحفاظ على الخط التحريري لجريدتهم وانتخاب الإدارة والتحكم في اختيار الشركاء الجدد بالرفض أو القبول.

أخذت هذه الصيغة في الانتشار وتزايدت شركات المحررين خلال حقبة الستينيات حيث كانت الصيغة تحمي الصحفيين من بطش المدراء والملاك. ولكن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي ألمت بالصحافة في أوائل السبعينات اندثرت العديد من شركات المحررين، إلا أن Le Monde ظلت صامدة وملتزمة بصيغة الملكية الجماعية. وفي عام 1968 تم تأسيس شركتين جمعتا الموظفين والإداريين والكوادر، وفي عام 1985 تكونت شركة رابعة وهي شركة خاصة بقراء Monde Le، الذين يحق لهم أيضا أن يكون لهم كلمتهم فيما يتعلق بإدارة واستقلالية الجريدة.

مع بداية التسعينات عرفت الصحافة الفرنسية أزمة اقتصادية جديدة نتيجة لنقص الإعلانات وكانت Le Monde قد أقامت لتوها مطبعة ضخمة في الضاحية الباريسية ايفري بالاشتراك مع مجموعة هاشيت بتكلفة قدرها 400 مليون فرنك. وعلى خلفية الأزمة تم تحويل Le Monde من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة، وصاحب ذلك ارتفاع في مرتبات المدراء والتوسع في التوظيف وشراء إصدارات صحفية أخرى بهدف تحويل Le Monde إلى مجموعة عملاقة. وجري ذلك وسط قناعة من العاملين بأن التوسع كفيل بحماية استقلالهم أمام نهم رجال الصناعة والمال.

وافق مجموع المحررين في عام2005 على دخول مجموعتي لاجردار الفرنسية وبريزما الاسبانية العملاقتين في عالم الميديا كشركاء لهم في الشركة القابضة بنسبة 15 % لكل منهما، وانتقل نمط الإدارة من التسيير الذاتي إلى التسيير التشاركي أو الاشتراك في الإدارة على النمط الألماني، وبالتالي لم يعد في مقدور شركة المحررين التحكم في مصير جريدتهم كما كان يحدث من قبل. وانتهت فكرة أن يكون الغلبة للمساهمين من الداخل (فريق العاملين في لوموند) على حساب المساهمين من الخارج (المستثمرين) وأصبحت شكلية إلى حد كبير وجردت من مضمونها.

وتستمر جهود العاملين في الالتفاف حول محاولات بريزما-لاجردار في السيطرة وتقليص دورهم في الإدارة، حتى يتركز فقط في حق الاعتراض فيما يتعلق باختيار مدير التحرير دون رئيس مجلس الإدارة أو إبداء الرأي فيما يتعلق بالمحتوى التحريري.[14]

الفقرة الخامسة: ملكية تعاونية

يقوم هذا النمط على امتلاك عدد كبير من المساهمين في هذه الوسيلة على أرصدة صغيرة، وينتخبون جمعية عمومية ومجلس إدارة يعبر عنهم. وهذا النمط من الملكية يحافظ على أداء الوسيلة الإعلامية بمعزل عن التأثر بإستراتيجية مالك محدد أو عدد قليل من الملاك.  كما أن زيادة عدد المالكين مع ازدياد دور الجمعية العمومية يزيد من مناعة وسائل الإعلام تجاه الضغوط السلطوية.

وتقدم الملكية التعاونية على أنها الحل الأمثل لعلاج مشكلات وسائل الإعلام ليس فقط في الدول التي تمر بمرحلة التحول الديمقراطي بل أيضا في الدول الديمقراطية التي تقع وسائل الإعلام فيها تحت سيطرة الإحتكار الرأسمالي، والدول غير الديمقراطية التي تعاني من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام.

توجد العديد من التطبيقات الدولية الناجحة في مجال الملكية التعاونية لوسائل الإعلام مثل وكالة الاسيوشيتد برس؛ فهي من أكثر وسائل الإعلام محافظة على القيم المهنية والجدوى الإستثمارية وتعكس مصالح مالكين متنوعين. وترجع ملكية الوكالة إلى مساهمات عدد كبير من الصحف وقنوات الراديو والتلفزيون التي تبث أخبار الوكالة وتنشر مادتها الإعلامية. وهناك إتجاها عالميا للتوسع في الملكية التعاونية لوسائل الإعلام ويتوافق هذا مع إعلان الأمم المتحدة الدولي للتعاونيات سنة 2012 دعما للدور البارز للملكية التعاونية في دعم التنمية.[15]

الفرع الرابع: تجارب تطوير وتنظيم ملكية وسائل الإعلام في العالم

سنعرض هنا لتجربتين مختلفتين لمحاولة السيطرة على ملكية وسائل الاعلام.

الفقرة الأولى: إتجاه التحرر من سيطرة الدولة

سعت سياسات الإصلاح في هذا الإتجاه إلى الخروج عن سيطرة الحكومات وفتح المجال للإعلام الخاص، لكن واقع هذه التجارب اثبت أن دفعها في هذا الاتجاه لا يعبر بالضرورة عن تحرر الوسائل من سيطرة السلطة السياسية أو اختلاف دورها السياسي عن الذي كانت تلعبه، إضافة إلى أن فتح المجال للإعلام الخاص دون ضوابط ساهم في زيادة الاحتكار وتركيز الملكية.

أولا: التجربة الأسبانية

ألغت الحكومة الاسبانية احتكارها للإذاعة عام 1977 ولم تعد الإذاعة مطالبة بنشر الأنباء الحكومية، وفي عام 1978 منح الدستور للأفراد والمنظمات حق نشر المعلومات، وفي العام نفسه سمح القانون بإنشاء ثلاث محطات تلفزيونية خاصة تحت إشراف هيئة إذاعية مستقلة، وقد تزايد عدد وسائل الاتصال الجماهيرية الأسبانية إلى حدود 224 محطة تلفزيون. ومع تضخم عدد وسائل الاتصال وتقلص السيطرة الحكومية بدأت هذه الوسائل تخضع لعمليات احتكار وتركيز في الملكية خاصة في صناعة الصحافة، وعلى سبيل المثال كان ثلثي الصحف الأسبانية في عام 1997 يمتلكها التكتلات الإعلامية الكبيرة.

ثانيا: التجربة الروسية

بدأ تحرر وسائل الإتصال الروسية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي1989، ويوجد الآن في روسيا مؤسسات إعلامية تجارية ذات ملكية خاصة وأخرى ذات ملكية مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص. والملاحظ أن بعض المشروعات الصناعية الروسية الخاصة تشارك الدولة في ملكية بعض وسائل الإتصال الروسية مثل شركة Logovas لصناعة السيارات التي يمتلكها الرأسمالي الروسي بوريس بيريزوفسكي، وتستحوذ على 49% من ملكية التلفزيون الروسي العامRoussin Public Television . ويستخدم بيريزوفسكي هذه القناة التلفزيونية لطرح أجندته السياسية والاقتصادية على الرغم من أنه ليس المالك الوحيد لها.[16]

الفقرة الثانية: إتجاه التحرر من سيطرة الإحتكار الرأسمالي

تستهدف تجارب الإصلاح في البلاد الديمقراطية الحد من سيطرة الإحتكار الرأسمالي أو ما يعرف Concentration Of Mass Media Ownership وتعني زيادة تركيز ملكية وسائل الإعلام في يد عدد صغير من الشركات. وتتخذ هذه التجارب عدة خطوات في محاولة للحد من هذه السيطرة مثل:

  • إلزام الوسائل الإعلامية بالكشف عن ملكيتها أمام الجمهور؛
  • تعزيز وضع الوسائل الإعلامية المملوكة للدولة؛
  • زيادة القيود على عمليات الإندماج بين المجموعات الإقتصادية المالكة للوسائل الإعلامية؛
  • تشجيع الملكية التعاونية لوسائل الإعلام في محاولة لإحداث التوازن المفقود؛

ونبرز هنا بعضا من ابرز التجارب في هذا الاتجاه:

أولا: التجربة الفرنسية

جمع القانون الفرنسي القنوات التلفزيونية العامة والمحطات الإذاعية التلفزيونية في تكتل واحد هو تلفزيون فرنسا، ولكن أبقى خارج هذا التكتل القنوات والإذاعات التي تبث إلى الأقاليم الفرنسية عبر البحار، وكذلك المحطات الدولية؛ كراديو مونت كارلو والقناة الفرانكوا – ألمانيا الثقافية. وقد نص القانون الفرنسي على أنه ينبغي على المحطات والقنوات الخاصة والعامة ضمان الشفافية بإعلام الجمهور بشتى الطرق. أما فيما يخص الاستقلالية فيتم ضمانها عن طريق منع أي مجموعة من تملك أكثر من 49% من رأسمال أي محطة أرضية أو أكثر من 50% من أسهم أي محطة محلية أو فضائية، ولا يمكن للمستثمرين الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي امتلاك أكثر من 20%.

في هذا السياق يعتبر القانون الفرنسي أكثر تعقيدا في مسألة الملكية وإرساء مبدأ التعددية بشأن وسائل الإعلام. فضمان التعددية يقوم على ثلاث قواعد متكاملة؛ أولها يعرف بقاعدة الاثنين على الأربعة فالقانون يحدد أربع وسائل للإعلام: التلفزيون الأرضي والإذاعة الأرضية والراديو والتلفزيون الهوائي وأخيرا الصحف اليومية، ويحظر القانون إمتلاك اثنتين من أصل أربع منها. أما القاعدة الثانية فتخص المشاركة في أكثر من قناة تلفزيونية، إذ لا يمكن إمتلاك أكثر من 15% من الأسهم في حالة المشاركة في قناتين ولا أكثر من 5% في حالة المساهمة في ثلاث قنوات. وأخيرا فإن القانون يحدد معدلا تراكميا للمشاهدين والمستمعين لا يمكن تخطيه حُدد بـ 150 مليون مستمع محتمل للراديو و6 مليون مشاهد للتلفزيون المحلي وتغطية وطنية واحدة للتلفزيون الأرضي.[17]

ثانيا: تجربة الولايات المتحدة الأمريكية

قام الإعلام في الولايات المتحدة على فكرة الملكية الخاصة بالأساس إرتباطاً بالمفهوم المتداول لما يعرف بالتعديل الأول للدستور الأمريكي First-amendment الذي أسس لفكرة حرية التعبير. وفي عام 1934 أنشئت مفوضية الاتصالات الفيدرالية بغرض تنظيم الإذاعات والقنوات التلفزيونية، وهي الجهة المنوط بها إصدار تراخيص للقنوات وفق شروط إجرائية منها أن يحمل صاحب القناة الجنسية الأمريكية وأن يثبت قدرته المالية على تمويل المشروع. وكانت هناك محاولات عديدة لوضع ضوابط خاصة تنظم المحتوى ولكن نظرا لتأصل ثقافة السوق إستمر دور الدولة كمنظم للعمل الإعلامي ملتبسا وآخذا في الانحسار وترك الأمر برمته لقوى السوق، حتى أصبح الإعلام الأمريكي تسيطر عليه شركات قليلة تتحكم في المضمون الموجه للشعب الأمريكي. وتستخدم هذه الشركات قوتها السوقية لطرح أجندتها وأجندة الشركات العملاقة الأخرى وتصبغ كل جوانب الثقافة الأمريكية بالصبغة التجارية.

بدأت بعض الحركات بالمطالبة بإصلاح نظم وسائل الإتصال في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف التسعينيات من القرن العشرين. ويعتبر عام 2003 عاما مهما في تطور نظام وسائل الاتصال الأمريكية، حيث توحدت جهود الناشطين المطالبين بإصلاح نظام الاتصال الأمريكي مع جهود إتحاد المستهلكين Consumer Union ومشروع الوصول إلى وسائل الاتصال Media Access Project ومركز الديمقراطية الرقمية Center For Digital Democracy، وتحولت هذه المطالب إلى حركة شعبية إستطاعت رفع القضية إلى الكونجرس، الذي تبنى عدد كبير من أعضاءه قضية إصلاح وسائل الاتصال ووافقوا على مبادرات هدفها الدفاع عن التنوع وتوفير بيئة التنافس بين الوسائل والحيلولة دون وقوع وسائل الاتصال المحلية تحت سيطرة الشركات الكبرى. رغم ذلك يرى البعض أن إعادة تنظيم وسائل الاتصال الأمريكية ليس هو الحل، وأن العلاج يكمن في وجود خدمات إخبارية ممولة من الدولة بالكامل وغير تجارية، تدين بالفضل والولاء لجمهورها وليس لأحد آخر.[18]

ثالثا: التجربة البريطانية

توجد في بريطانيا هيئة الإذاعة البريطانية BBC وهي تمثل إعلام الدولة الذي لا يتبع أي حكومة، ولها ميزانيتها وإدارتها وسياستها التحريرية والإعلامية المستقلة. وهناك عدد من العوامل التي تضمن هذه الاستقلالية:[19]

  • الميثاق الملكي؛ وهو مرسوم دستوري يجدد كل عشر سنوات لضمان استقلالية بي بي سي تجاه الحكومة والأحزاب السياسية وكل مصادر الضغط الأخرى.
  • اتفاق ثنائي بين بي بي سي والحكومة.
  • ميزانية يتم الموافقة عليها لمدة ستة أعوام قادمة وليس بشكل سنوي، ولا يمكن التأثير عليها من قبل أي حكومة قائمة.
  • هيكل داخلي للمحاسبة والإدارة.
  • نظام لتمثيل الجمهور عن طريق مجالس للمشاهدين والمستمعين في أنحاء الدولة والتزام بالرد على شكاوى الجمهور.

إضافة إلى ذلك هناك إعلام وصحافة خاصة مملوكة لأفراد وشخصيات إعتبارية، ولكنها تخضع للنظم واللوائح والقوانين المنظمة لعملها داخل البلاد، طبقا للمعايير والأسس التي تضعها هيئة الاتصالات البريطانية. ولا يعني ذلك إستثناء بريطانيا من ظاهرة تركز ملكية وسائل الإتصال، ولعل فضيحة تنصت صحفي إمبراطورية موردوخ الإعلامية على المواطنين هي التي جعلت زعيم حزب العمال ينادي بوضع قواعد جديدة تنظم ملكية وسائل الإعلام في البلاد، بهدف الحد مما وصفه التركيز الخطير للسلطة في أيدي قطب الإعلام موردوخ.

الفرع الخامس: تأثير نمط الملكية على الأداء الإعلامي

لا شك أن لملكية وسائل الإعلام تأثير على الأداء الإعلامي للوسيلة فلا يوجد إعلام حر بشكل كامل، ورغم تباين هذا التأثير بين القطاع العام والخاص فإنهما يلتقيان في جوانب متعددة من أهمها:

  • التأثير على الرأي العام: يعد الإعلام الصيني مثالا بارزا لمدى تأثير ملكية الدولة على الأداء الإعلامي؛ فمازالت الحكومة الصينية تسيطر بشكل مطلق على وسائل الإعلام على الرغم من أن وسائل الإعلام تعمل وفقاً لقواعد السوق الحر، ولكنها تعمل في ضوء التوجهات الدعائية للحزب الشيوعي ولا تستطيع الخروج عن مبادئه وسياساته وتوجهاته أو الخروج عن التعليمات الحكومية.

بينما في الولايات المتحدة الأمريكية توجد مجموعة من التكتلات الاقتصادية العملاقة تسيطر على وسائل الاتصال الأمريكية وتتحكم فيما يشاهده الجمهور الأمريكي وما يقرأه عن العملية السياسية. وتستخدم هذه الشركات تأثيرها على السوق لطرح أجندتها وأجندة الشركات العملاقة الأخرى، وتصبغ كل جوانب الثقافة الأمريكية بالصبغة التجارية. وتنكر هذه الشركات والقوى الرأسمالية التي تملكها حقيقة أن الديمقراطية السليمة تقوم على رأي عام واعي ومتعلم، ولا تطرح القضايا السياسية الحساسة سوى بشكل هزيل.[20]

  • تحقيق مصالح النخبة الحاكمة: تُتهم المؤسسات الإعلامية الكبرى بأنها تقوم بدور شرطي الحراسة لحماية وترويج المصالح والتشريعات الإقتصادية للنخب الحاكمة وأباطرة السوق، وأن هذه الكيانات الإعلامية العملاقة التي نشأت خلال العقد والنصف الماضيين تجاوزت وظائفها الإعلامية التقليدية وصارت سلاحا أيديولوجيا بأيدي المتحكمين في العولمة الرأسمالية، وانحصر دورها في تضليل الجماهير من خلال تبرير وتجميل السياسات العولمية المعادية لحقوق غالبية البشر المستضعفين والتصدي بشراسة للمطالب العادلة لهذه الفئات المهمشة والمقهورة اقتصاديا وسياسيا.

وقد وصل الأمر ببعض هذه المؤسسات الإعلامية العولمية إلى الاستحواذ على السلطة السياسية نفسها في بعض الدول، حيث تمكن سيلفيو برلسكوني صاحب إمبراطورية إعلامية في إيطاليا من القفز إلى رأس السلطة من خلال سيطرته المطلقة على وسائل الإعلام وتسخيرها لخدمة أغراضه السياسية.[21]

تسعى هذه الكيانات الإعلامية العملاقة إلى وضع يدها على شخصيات وماركات لها تاريخها، بهدف تكوين ما يسمى بالميديا المعولمة، وهو ما تؤكده وضعية جريدة Liberation الفرنسية ذات الاتجاه اليساري التي تخضع حاليا لمجموعة روتشيلد المصرفية وصحيفة Le Figarou  الفرنسية اليومية أصبحت مملوكة لمجموعة داسو الصناعية.[22]

ونرى في بريطانيا روبرت موردوخ الذي يمتلك نسبة كبيرة من شركة News Corporation وهي ثاني أكبر مجموعة إعلامية عبر العالم، وتنشر كتبا وتنتج أفلاما وتصدر مجلات وتبث محطات فضائية وتنتج برامج تلفزيونية إلى جانب العديد من الأنشطة الإعلامية الأخرى، قد تورط في فضيحة تنصت صحفيي إمبراطوريته على المواطنين، وهو ما جعل زعيم حزب العمال في حوار له مع جريدة الاوبزرفر يدعو إلى وضع قواعد جديدة تنظم ملكية وسائل الإعلام في البلاد بهدف الحد مما وصفه التركيز الخطير للسلطة في أيدي قطب الإعلام موردوخ.[23]

نجد بعض التجارب التي استطاعت أن تحقق درجة من الاستقلال مثل مؤسسات الخدمة العامة، وهذا النموذج يشكل بديلاً للإعلام الرسمي الحكومي من جهة ويكسر احتكار القنوات الفضائية الخاصة من جهة أخرى، وهو إعلام غير خاضع لسلطة الحكومات، كما أنه لا يخضع لتقلبات السوق أو لأهواء أجندات ممولي القنوات الخاصة، وإن كان ذلك لا يعني أنه مستقل تماما وإنما لديه درجة من الاستقلال تحميه من التحكم السياسي المباشر.

الفرع السادس: التمويل في المؤسسات الإعلامية

تهدف كل مؤسسة إعلامية إلى زيادة دخلها عن طريق زيادة استثماراتها والعمل على موازنة دخلها مع مصاريفها لكي تحقق أرباحا سنوية مهمة، وهذا هو مقياس نجاح الإدارة في المؤسسة الإعلامية.

ويقصد بالتمويل في المؤسسات الصحفية موارد المؤسسة ومصروفاتها،[24] أما التمويل في النظم الإذاعية والتلفزيونية في العالم فله أثر كبير على حجم ونوع البرامج التي تبثها المحطات الإذاعية، فلا يمكن لأي إذاعة تعاني من قلة المال أن تشغل من الإعلاميين العدد الكافي ذا المؤهلات والخبرة العالية لإنتاج البرامج الجيدة التي تحقق الأهداف الموضوعة. ويسعى مدراء الإذاعات والتلفزيونات رغم العقبات إلى الوصول إلى جماهير المستقبلين العريضة، والطريق الوحيد للوصول إليهم هو البرامج الجيدة التي تحتاج في إعدادها وإخراجها وبثها إلى أموال طائلة لا بد من توفيرها لإخراج الخطط الإذاعية المسموعة والمرئية من مجال التدوين إلى واقع ملموس عن طريق برامج.

هناك أربعة أنواع من النظم الإذاعية والتلفزيونية في العالم تبين عمليات التمويل وهي:

الفقرة الأولى: نظام الإشراف الحكومي المطلق

تمتلك الحكومات تحت هذا النظام المؤسسات الإذاعية المسموعة والمرئية وتشرف عليها وتديرها، وتكون على شكل هيئة حكومية تتبع إحدى الوزارات كوزارة الإعلام أو وزارة الثقافة، أو تتخذ هيئة مستقلة تخضع لإشراف الدولة مباشرة، وهو أمر منتشر في الدول النامية ومنها بعض الدول العربية، وينتشر في فرنسا وبلجيكا والصين ودول أوروبا الشرقية. وبما أن الدولة هي التي تتولى إدارتها فهي مسؤولة عن تمويلها وقد تسمح بالإعلان عن مؤسساتها، بالإضافة إلى بيع بعض برامجها وغير ذلك من الخدمات التي تحقق إيرادات تساعد في تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة.[25]

الفقرة الثانية: النظام التجاري الحرّ

هنا لا ترتبط المؤسسات بأية رابطة مع الدولة ويستطيع الأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الهيئات وغيرها من تأسيس الإذاعات ومحطات التلفزيون التي تستهدف تحقيق الربح، وينحصر دور الدول في منح تراخيص العمل للمتقدمين وتوزيع الموجات، بالإضافة إلى الإشراف على محتويات البرامج بحيث تتضمن قدرا تحدده الدولة. أما مواردها المالية فهي تحقق عن طريق الإعلانات التي تتخذ شكل تمويل برامج كاملة وبيع ساعات البث وإنتاج البرامج التجارية وبيعها وتصدريها، وفي هذا النظام توجد طريقة تمويل أخرى طريقة اشتراكات المستقبلين لكي تقلل من اعتمادها الكلي على الإعلان.

الفقرة الثالثة: النظام الاحتكاري

هنا تعطي الدولة حق الإذاعة إلى الهيئات العامة أو الخاصة التي تتمتع بقدر كبير من الحرية، لان الحكومات لا تديرها ولا تتدخل في عملها وإنما تشرف عليها فقط بواسطة مجلس إدارة. ويتم تمويلها بتخصيص جزء من ميزانية الدولة لتلك الإذاعات، أو عن طريق فرض ضريبة على أجهزة الراديو والتلفزيون أو فرض ضريبة على استهلاك الكهرباء. كما أن هذا النظام لا يسمح بإذاعة الإعلانات ولكن معظمها اتجه للإعلانات الآن وكمثال هيئة BBC البريطانية.[26]

الفقرة الرابعة: النظام المختلط

نتيجة للظروف الاجتماعية تلجأ بعض الدول إلى الأخذ بالنظام مزدوج، وفي هذه الحالة تمتلك الدولة هيئة إذاعية رسمية كما أنها تعطي للهيئات الخاصة والعامة والأفراد حق إمتلاك مؤسسات إذاعية أخرى بموجب إتفاقيات تحدد فيها حقوق وواجبات كل من الدولة والإذاعة. ومن ناحية التمويل فإن هيئة الإذاعة الرسمية تعتمد على مصدرين في دخلها؛ المنحة المالية تقدمها الحكومة سنويا والإعلانات التي تبيعها، أما بالنسبة للمحطات الخاصة تعتمد بالدرجة الأولى على الإعلانات التي تذيعها وكمثال هيئة الإذاعة الكندية واليابان حيث يوجد بها إذاعة رسمية وعشرات من شركات الإذاعات المسموعة والمرئية.[27]

المطلب الثاني: التسيير الإقتصادي للمؤسسات الإعلامية

تتفرع من اقتصاديات الإعلام دراسات إدارة وتنظيم وسائل الإعلام التي تعمل على تحقيق أهداف هذه الوسائل في حيز النشاط الاقتصادي الذي يسعى إلى إرضاء الحاجات ويعد في نفس الوقت وسيلة لتحقيق الربح الذي لا يعد هدفا رئيسيا لهذه الوسائل.

الفرع الأول: الخصائص الاقتصادية للمؤسسة الإعلامية

أصبحت وسائل الإعلام مؤسسات إقتصادية يرتبط البعد الاقتصادي والإنتاجي بها بالبعد الإعلامي الذي يستهدف مستهلكا في الأساس، بحكم كون هذه المؤسسات الإعلامية كيانات إقتصادية يتحكم البعد الإقتصادي في سلوكها وقراراتها وأنشطتها. ويعد الجمهور المستهلك – القراء والمعلنون – أحد العوامل المهمة في التأثيرها من خلال تحديد وإختيار المواد المفضلة ومن خلال ما يدفعونه في مقابل الخدمة الإعلامية والإعلانية على حد سواء. أصبح الإعلام سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى تتوفر فيها شروط السلطة التي يطلقها الاقتصاديون الخمسة وهي: المال، الأيدي العاملة، المواد الخام، الآلات، الإدارة.

والإنتاج الإعلامي في شكله النهائي يجب أن يحقق فائدة بالمعنى الإقتصادي، وعليه أصبح للمؤسسات الإعلامية هدفان مختلفان؛ الأول يتمثل في البعد الذي يتعلق بمضمون الرسالة الإعلامية ويتضمن عددا من الأهداف الفرعية يمكن حصرها في الإخبار، دعم المبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع، رفع المستوى الفكري والثقافي، نشر الوعي السياسي لتكوين رأي عام مستنير اضافة الى الإمتاع والترويح. أما الهدف الثاني فيتمثل في البعد الذي يتعلق بتحول الصحافة إلى صناعة لها متطلباتها وأدواتها المكلفة، وبالتالي إرتباط بقائها بالمدخول. ويشمل هذا الهدف مجموعة من الأهداف الفرعية منها تحقيق الربحية بما يضمن عائدا إستثماريا على رأس المال يكفل لها الإستمرار في تقديم خدماتها وتحقيق رسالتها الإعلامية، الإستقلال المالي بما يضمن لها الاستقلالية التامة في خدمة رسالتها الإعلامية ومتابعة التطور السريع في تقنية الصحافة.

وفي هذا الصدد يؤكد البعض أهمية الربح كبعد إقتصادي له تأثيره الكبير على هذه الصناعة حيث لم تعد كلمة الربح في مجال صناعة الإعلام من الكلمات التي يخجل منها المرء كما كان في الماضي. فالربح هو مقياس الإنتاجية ومقياس لمدى تحقيق الصناعة لهدفها ولدورها في المجتمع. إن طبيعة التنافس بين المؤسسات الإعلامية لا يرتبط فحسب بأسلوب عرض الرسالة الإعلامية (كمواد) أو بمضمون هذه الرسالة الإعلامية ( معلومات وفكر) وإنما يرتبط بالتنافس على الأسواق.[28]

الفرع الثاني: حكامة الموارد البشرية في المؤسسات الإعلامي

إن المصدر الحقيقي لتكوين القدرات التنافسية واستمرارها هي الموارد البشرية الفعالة؛ حيث يبرز دورها في كل عنصر من عناصر القدرة التنافسية للمؤسسة الإعلامية، وفي كل ما يتاح لتلك المؤسسة من موارد مادية ومالية وتقنية ومعلوماتية اضافة الى الخصوصية التي تتميز بها المؤسسة فهي شرط أساسي للتنافسية. إلا أن التنافسية لا تتحقق من دون العمل البشري المتميز الذي يعد أساس النجاح في العمل الإعلامي. وتعتبر تلك العمليات البشرية من منظور الفكر الإداري المعاصر هي الآلية الحقيقية لتحويل ما تملكه المنظمات من موارد إلى قدرات تنافسية.

الفرع الثالث: مفهوم الرأسمال الفكري في العمل الإعلامي

كان من أهم نتائج الثورة العلمية والتقنية وحركة المتغيرات العولمية أن بدأت ظاهرة مختلفة في المؤسسات الإعلامية هي ارتفاع الأهمية النسبية للأصول غير المادية أو ما يطلق عليه الأصول غير الملموسة (المعنوية) إذ أصبحت تمثل النسب الأكبر في أصول المؤسسات. وبالتحليل البسيط يتضح أن تلك الأصول غير الملموسة هي المعرفة المتراكمة في عقول الموارد البشرية والناتجة عن الممارسة الفعلية للعمل والتوجيه والمساندة من القادة والمشرفين وتبادل الأفكار والخبرات مع الزملاء في فرق العمل ومتابعة المنافسين والتعرض لمطالب فئات الجماهير المستهدفة، وكذلك نتيجة التدريب وجهود التنمية والتطوير التي تستثمر فيها المؤسسات الإعلامية مبالغ طائلة.

إن هذه المعرفة المتزايدة والمتراكمة هي الثروة الحقيقية للمؤسسات الإعلامية، وهي بالتالي ما يطلق عليه الآن رأس المال الفكري. من أجل هذا أصبحت المنافسة الحقيقية بين المؤسسات الإعلامية تتمثل في محاولة بناء وتنمية رأس المال الفكري بكل الوسائل الممكنة، ولم تُدَّخَر الوسائل في محاولة جذب العناصر الفكرية المتميزة من المؤسسات المنافسة. ويعتبر القائمون على الاتصال في المؤسسات الاعلامية ذو المعرفة والخبرة هم المصدر الرئيسي لرأس المال الفكري. ومن تم يتضاعف الاهتمام بتطوير نظم وتقنيات إدارة الموارد البشرية من أجل التعامل الايجابي مع هذه الموارد النادرة ذات القيمة. وبشكل عام فإن المؤسسات الإعلامية الأكثر إعتمادا على المعرفة بدأت في التحول نحو إمتلاك المزيد من الأصول غير الملموسة والتخلص من أعباء امتلاك الأصول الملموسة كالمباني والتجهيزات المكتبية والمساحات الشاسعة ومعدات النقل ومستلزمات التخزين، وتحولت كل تلك الأصول إلى أرقام ومعلومات ومعرفة تخزن في الحسابات الآلية وعلى شبكات الانترنت.

ويصاحب الحديث عن رأس المال الفكري مفهوم رأس المال البشري؛ ويقصد به قيمة الموارد البشرية المتاحة للمؤسسة الإعلامية محسوبة بقدر ما انفق عليها من تعليم وتدريب ورعاية إجتماعية وثقافية وتوفير فرص التعليم الذاتي على حساب وقت المؤسسة. ومن يملك رأس المال الحقيقي في المؤسسات الإعلامية هو من يملك المعرفة. إن الرأس المال الفكري يقدمه أصحاب المعرفة، فهم أصحاب الرأس المال الحقيقي، وبذلك حين تتعامل إدارة الموارد البشرية مع أفراد المؤسسة الإعلامية يجب أن ينطلق هذا التعامل من تلك الحقيقة. إن القائمين بالإتصال ليسوا أجراء يعملون لقاء أجر، كما أنهم ليسوا شركاء كما صورتهم بعض الاتجاهات الحديثة نسبيا والتي أدركت أهمية دور الموارد البشرية وحاولت التخلص من بعض السلبيات التي تمثلها أفكار الإدارة التقليدية، ولكنهم في الواقع أصحاب المؤسسة لأنهم يملكون رأس المال الفكري الحقيقي الذي لا يمكن الاستغناء عنه. إن الأموال يمكن اقتراضها لكن لا توجد بنوك ومؤسسات لإقراض الأفكار والمعرفة.

الفرع الرابع: تنمية الموارد البشرية في المؤسسة الإعلامية

يقصد بها زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة المؤهلة، والتي يتم إنتقاؤها وإختيارها على ضوء ما أجري من اختبارات مختلفة بغية رفع مستوى كفاءتهم الإنتاجية لأقصى حد ممكن. ويعتبر التدريب الإداري في عصرنا الحاضر موضوعا أساسيا من موضوعات الإدارة نظرا لما له من ارتباط مباشر بالكتابة الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية. وقد أصبح التدريب يحتل مكانة الصدارة في أولويات عدد كبير من دول العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء، بإعتباره أحد السبل المهمة لتكوين جهاز إداري كفء وسد العجز والقصور في الكتابات الإدارية حتى تتحمل أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول. ويهدف التدريب الإداري إلى تزويد المتدربين بالمعلومات المختلفة والمتجددة عن طبيعة الاعمال الموكولة اليهم، وتحسين وتطوير مهاراتهم وقدراتهم ومحاولة تغيير سلوكهم واتجاههم بشكل يؤثر إيجابا في الرفع من مستوى الكفاءة الإنتاجية.

الفرع الخامس: مصادر عائدات المؤسسة الإعلامية

تعد المصادر الأساسية لإيرادات الوسيلة الإعلامية هي إيرادات الاشتراك والتوزيع والإعلانات، ولا يمكن تصور قيام أو استمرار صناعة الإعلام في الوقت الحالي دون الاعتماد على الإيرادات الإعلانية، حيث أن الاقتصار على تغطية تكاليف إصدار الوسيلة الإعلامية على إيراد التوزيع أو الاشتراك فقط عملية تكاد تكون مستحيلة بل إنها تعرض المؤسسة الإعلامية إلى خسائر كبيرة تؤدي إلى إنهيارها. وتتأثر إيرادات المؤسسة الإعلامية من الاشتراك والتوزيع والإعلانات بالعديد من العوامل على النحو التالي.

الفقرة الأولى: العوامل المؤثرة على إيرادات المؤسسة الإعلامية من الاشتراك والتوزيع

أولا: العوامل الإقتصادية

  • المستوى الاقتصادي للجمهور: يرتبط ازدهار توزيع الصحف وزيادة عدد النسخ المباعة أو زيادة عدد مشتركي القنوات التلفزيونية بالمستوى الاقتصادي للجمهور المستهدف وبإرتفاع مستوى معيشته. فلابد لمجتمع الوسيلة الإعلامية أن يكون على مستوى من المعيشة يرتفع به عن حد الضروريات وحدها.
  • الأزمات الاقتصادية: من الطبيعي أن ينخفض رقم الإيرادات في أوقات الأزمات الاقتصادية، بل إن حدة الأزمات الاقتصادية تؤثر على عدد الصحف أو المحطات التلفزيونية ذاتها، وعلى سبيل المثال فإن بعض الصحف تغلق أبوابها نتيجة للازمات الاقتصادية، أما الصحف التي تستمر فإن عدد النسخ المطبوعة منها يقل بشكل ملحوظ.

ثانيا: العوامل السياسية والاجتماعية

  • التحول الاجتماعي لمجتمع الوسيلة الإعلامية: تتأثر المؤسسة الإعلامية بالخصائص الاجتماعية للوسط الذي تنتشر فيه، من حيث درجة الثقافة والتعليم ونضج المواطنين واستعابهم لحقوقهم وواجباتهم الوطنية.

ويرى البعض أن التحول الاجتماعي الذي اعترى المجتمع منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كان من شأنه تغير الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام، وبخاصة المحطات الإخبارية والصحف اليومية؛ حيث أصبحت نسبة متزايدة من الجمهور تطالب الوسائل الإعلامية تزويده بالوقائع والمعلومات الجادة.

  • الأحداث السياسية والاجتماعية والرياضية: من الملاحظ أن نسب متابعة محطات التلفزيون والاستماع إلى المحطات الإذاعية ومعدلات توزيع الصحف تزداد في بعض المناسبات مثل البطولات العالمية لكرة القدم أو عند الأحداث السياسية الهامة. في حين أن هدوء الحياة السياسية الداخلية والخارجية يقلل من نسب ذلك. فمن المعروف أن الأحداث والتظاهرات تجذب اهتمامات جمهور وسائل الإعلام.

ثالثا: العوامل الفنية

تعتبر العوامل الفنية من أهم العوامل التي تساعد على زيادة نسب المشاهدة والاستماع إضافة إلى زيادة أرقام التوزيع وتشمل:

  • التحرير الجيد في لغة سهلة منبسطة خالية من التعقيد؛
  • الطباعة الجيدة المنسقة بطريقة تجذب القراء؛
  • قوة وشمول البث الإذاعي والتلفزيوني؛
  • التجديد والابتكار المستمر في إخراج المادة الإعلامية والمادة الإعلانية.

الفقرة الثانية: العوامل المؤثرة في إيرادات المؤسسة الإعلامية من الإعلانات

وتنقسم الإعلانات من حيث الشكل إلى:

  • الإعلانات التجارية: وهي التي تنشر على هيئة تصميمات فنية محددة مطبوعة أو مرئية أو مسموعة.
  • الإعلانات التحريرية: وهي التي تتخذ شكل الأخبار أو المقالات أو التحقيقات، والتي لا يدرك الجمهور لأول وهلة أنها إعلانات بل تختلط مع المادة التحريرية التي تقدمها الوسيلة لقرائها.
  • الإعلانات الصحفية المبوبة: وهي التي تظهر ضمن الأعمدة العادية للصحيفة وتكون عادة محددة الموضوع وتحت عناوين مميزة وتنشر في أماكن معينة بالصحيفة.

وتتأثر إيرادات المؤسسة الإعلامية من نشاط تسويق المساحات الإعلانية بنوعين من العوامل:

  • النوع الأول: يشمل عوامل غير مرتبطة بالوسيلة بل تتعلق بالمجتمع الذي تصدر فيه، ولها تأثير مباشر على نشاط تسويق المساحات الإعلانية. ومن أمثلة هذه العوامل:
  • الحالة الاقتصادية من انتعاش أو ركود؛
  • إنتاج سلع جديدة والحاجة إلى ضرورة تعريف المستهلك بها، وكذلك زيادة الطاقة الإنتاجية للمشروعات؛
  • زيادة عدد السكان وانتشار توزيعهم مما يؤدي إلى ضرورة تعريفهم أينما وجدوا بأنواع الإنتاج المختلفة؛
  • انتشار الأسواق وبعد المنتج عن المستهلك ووجود عضو المنافسة.
  • النوع الثاني: ويشمل عوامل ترتبط بالوسيلة الإعلامية ذاتها أهمها:
  • مدى انتشار الوسيلة وعدد المتابعين أو عدد القراء؛
  • أسعار بيع المساحات الإعلانية بالوسيلة؛
  • المستوى الفني للوسيلة؛
  • الخدمات التي تؤديها الوسيلة للمعلن؛
  • التشكيلة البيعية للمساحة الإعلانية بالوسيلة.

الفرع السادس: التسويق في صناعة الإعلام

يعد مشكل التسويق من أهم المشاكل الإقتصادية التي تأتي مع الإنتاج، ولم يعد نجاح المؤسسة الإعلامية يتوقف على تطوير النواحي التكنولوجية فقط بل أصبح يعتمد أيضا على حل مشاكل التسويق وإشباع رغبات الجمهور عن طريق رسم السياسات التسويقية.

ولم تكن المؤسسات الإعلامية المتنوعة إلى زمن غير بعيد تهتم بدراسة تكلفة الخدمات التسويقية وتحليلها وتحميلها على الوحدات المباعة بطريقة أو بأخرى، وإنما كان الاهتمام موجها إلى تكلفة الإنتاج والمحاسبة عليها. وكان الاتجاه السائد هو معاملة تكلفة الخدمات التسويقية كمعاملة تكلفة الخدمات الإدارية والتمويلية وتحميلها على حساب الأرباح والخسائر. وقد دعت عدة عوامل إلى العناية بدراسة تكاليف الخدمات التسويقية والمحاسبة عليها وإخضاع بنودها للمتابعة والرقابة. ومن أهم هذه العوامل إتساع رقعة السوق واشتداد المنافسة والتوسع المطرد في إستخدام وسائل الدعاية والإعلان والترويج وازدياد مشاكل البيع والتوزيع وارتفاع أعباء تكلفة المبيعات لكثرة من السلع.

ويشمل النشاط التسويقي تسويق المواد الإعلامية المنتجة وتسويق المساحات الإعلانية. أما أوجه النشاطات التسويقية الأخرى المرتبطة بالأعمال التجارية التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية مثل الطباعة التجارية والتوزيع للغير فهي نشاطات اقتصادية وتجارية تخضع لقوانينها الخاصة.

الفقرة الأولى: مفهوم النشاط التسويقي في المؤسسات الإعلامية

يمكن تعريف النشاط التسويقي الإعلامي بأنه جميع أنواع النشاط التي تستهدف اكتشاف رغبات القراء والمشاهدين والمستمعين، ثم ترجمة هذه الرغبات إلى مواصفات للمادة الإعلامية والعمل على جذب عدد من الجمهور للحصول عليها. كما يمكن تعريف نشاط تسويق المساحات الإعلانية بأنه جميع أنواع النشاطات التي تستهدف اكتشاف رغبات المعلنين ومطالبهم ثم ترجمة هذه الرغبات إلى مواصفات للإعلانات المطلوبة والعمل على جذب أكبر عدد من المعلنين للنشر في الوسيلة الإعلانية.[29]

ويعد مفهوم التسويق الإعلامي من الفروع الحديثة للتسويق؛ حيث يمكن تعريفه بأنه عملية التحليل والتخطـيط والتنفيذ لترويج المنتجات بالاستعانة بوسائل الإعلام لتلبية احتياجات ورغبات الزبائن، ويعرف أيضا على أنه مجموعـة من العمليات والأنشطة التي تمكن من إيصال الرسالة الإعلامية للمتلقي بهدف التأثير عليه وتغيير أرائه وسلوكياته.[30]

الفقرة الثانية: الوظائف التسويقية في المؤسسات الإعلامية

ويمكن تحديد الوظائف التسويقية في نشاط التسويق الإعلامي في:

  • وظيفة البيع؛
  • وظيفة الإعلان وترويج المبيعات؛
  • وظيفة بحوث التسويق؛
  • وظيفة البث أو التوزيع. [31]

الخاتمة:

إن تسيير وتدبير مؤسسة إعلامية مهما كان نوعها يتطلب أولا خبرات وكفاءات عالية في التسيير الاقتصادي والتدبير الإداري وتنمية الموارد البشرية، وثانيا تشغيل الآلات والمعدات المتطورة، وأيضا لخبراء في المعلوميات وغيرها. فقواعد تنظيم مؤسسة إعلامية أضحت من أعقد الأنظمة الإدارية والاقتصادية في مجال الإنتاج الاقتصادي الترفيهي.

فالمؤسسة الصحفية سابقا كان لها توجه واحد هو نشر الأخبار وطباعتها، واعتماد مراسلين وربما إداري واحد أو أكثر بقليل ورئيس تحرير وصحفيين طبعا، أما الآن فالمؤسسة الإعلامية لم تعد تنشر وتطبع فقط بل أصبحت متعددة المهام. حيث نجد أن المؤسسات الإعلامية تمتلك شركات إنتاج وشركات سينمائية ودور نشر وطباعة وشركات إلكترونيات وكابلات… ومنها من يمتلك شركات أزياء وعطور وأيضا شركات أسلحة عسكرية وشركات أدوية… ونظرا لتعقد أشكال وتعدد اختصاصات هذه المؤسسات بالإضافة إلى الإعلام وجب أن يكون قسم إدارتها ذا كفاءة عالية يمكنه من احتواء هذا التنوع وتنظيمه بشكل سلسل ومرن.

لائحة المراجع

_ وهيبة بوزيفي: مدخل تمهيدي حول بداية الاهتمام بوسائل الإعلام من منظور اقتصادي، محاضرات في مقياس اقتصاديات وسائل الإعلام، لطلبة السنة الثانية، جامعة الجزائر، كلية علوم الإعلام والاتصال، قسم الاتصال، السنة الجامعية 2016/2015، تم نشر المحاضرة بتاريخ: 11/12/2015.الموقع الالكتروني: Bouzifiwahiba.Over-Blog.Com.

_ تسويق محتوى الصحف والإقناع في الرسالة الإعلامية: بغداد باي عبد القادر، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 18، مارس 2015

_ بطرس حلاق: إدارة المؤسسات الإعلامية، سوريا، مطبعة الروضة، 2009

_ Hinri Fayol: General And Industrial Management, London: Sim Issac Pitman And Sons, 1949

_ محمد إسماعيل بلال: مبادئ الإدارة بين النظرية والتطبيق، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004.

_ Le Petit La Rousse Illustre: Paris, 2001

_ Gilles Bressey: Christian Kongt, Economie De L’entreprise, Paris, 1990

_ عمر صخري: اقتصاد المؤسسة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثالثة، 2003

_ ليلى فقيري: الأستوديو الافتراضي وإشكالية إدارة المؤسسة الإعلامية دراسة حالة التلفزيون الجزائري، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، تخصص تسيير المؤسسات الإعلامية، كلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر دالي إبراهيم، السنة الجامعية 2009/2010

_ محمود علم الدين، أميرة العباسي: إدارة الصحف واقتصادياتها، القاهرة، مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 2001

_ محمود علم الدين: الصحافة في عصر المعلومات والأساسيات والمستحدثات، القاهرة، دار العربي، 2000

_ قاسم القروي: مبادئ الإدارة، نظريات ووظائف، عمان، جمعية عمال المطابع التعاونية، 1984

_ تجربة جريدة لوموند الفرنسية.. استقلالية تطاردها الكيانات العملاقة: داليا شمس، مؤتمر الإعلام والثورة المصرية ما قبل وما بعد، القاهرة، يونيو 2001، على الرابط: www.afaegypt.org.

_ الملكية التعاونية للفضائيات تضمن حرية التعبير: محمد جاد، موقع مصرس، بتاريخ: 23/10/2011، الرابط:www.masress.com .

_ راسم محمد جمال: وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في الدول العربية، مؤتمر الإعلام وتحديث المجتمعات العربية، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، ماي، 2006، ص غير متوفرة

_ أوراق عمل مؤتمر الإعلام المرئي والمسموع في مصر: رؤى مستقبلية، BBC عربية، معهد الأهرام الإقليمي، نقابة الإعلاميين تحت التأسيس، القاهرة في 28 -29 مارس 2012.

[1]_ نهى الحناوي: رؤى حول كيفية تنظيم الإعلام المرئي والمسموع في مصر ما بعد الثورة، أعمال ندوة عقدها منتدى البدائل العربي للدراسات بالمشاركة مع برنامج تنمية الجهود الذاتية التابع للوكالة الكندية للتنمية الدولية في 16 نونبر 2011، الرابط:www.afaegypt.org

_ أزمة الإعلام العربي بين التبعية والاختراق الثقافي: ملامح وسبل المواجهة: عواطف عبد الرحمن، مقالة منشورة بالمجلة العلمية لبحوث الصحافة، مجلة علمية محكمة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، المجلد الأول، أكتوبر 2009 / يناير – مارس 2010

_ ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على الأداء الإعلامي: نفيسة صلاح الدين، مقالة منشورة على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، بتاريخ 11/03/2016 على الرابط التالي: www.sis.gov.eg

_ محمد ناصر: الفضائيات المصرية: الملكية والمهنية، مؤتمر الإعلام قبل وبعد الثورة، منتدى البدائل العربي، البرنامج الكندي لتنمية الجهود الذاتية، القاهرة، يونيو 2011، متاح على الرابط: www.afaegypt.org

_ أمين سعيد عبد الغني: إدارة المؤسسات الإعلامية في عصر اقتصاد المعرفة، القاهرة، ايتراك للطباعة والنشر، 2006

_ حسن عماد مكاوي، عادل عبد الغفار: الإذاعة في القرن الحادي والعشرين، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2008

[1]_ Hinri Fayol: General And Industrial Management, London: Sim Issac Pitman And Sons, 1949, P: 6.

[2]_ محمد إسماعيل بلال: مبادئ الإدارة بين النظرية والتطبيق، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004، ص: 20.

[3]_ Le Petit La Rousse Illustre: Paris, 2001, P: 387.

[4]_ Gilles Bressey: Christian Kongt, Economie De L’entreprise, Paris, 1990, P: 1.

[5]_عمر صخري: اقتصاد المؤسسة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثالثة، 2003، ص: 24 و10.

[6]_ ليلى فقيري: الأستوديو الافتراضي وإشكالية إدارة المؤسسة الإعلامية دراسة حالة التلفزيون الجزائري، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، تخصص تسيير المؤسسات الإعلامية، كلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر دالي إبراهيم، السنة الجامعية 2009/2010، ص: 57 إلى 58 وص: 61 و28 و29.

[7]_ محمود علم الدين، أميرة العباسي: إدارة الصحف واقتصادياتها، القاهرة، مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 2001، ص: 238.

[8]_ محمود علم الدين: الصحافة في عصر المعلومات والأساسيات والمستحدثات، القاهرة، دار العربي، 2000، ص: 34.

[9]_ هادي نعمان الهبتي: التصنيع الثقافي وإنشاء سوق ثقافية عربية مشتركة، الدورة الثانية والعشرون لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، الرياض، المملكة العربية السعودية، 20-26 شعبان 1421 الموافق لـ 16/22 نونبر 2000، ص: 428 و16.

[10]_ محمد شاكر عصفور: أصول التنظيم، جدة، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، 1991، ص غير متوفرة.

[11] _ بطرس حلاق: إدارة المؤسسات الإعلامية، سوريا، مطبعة الروضة، 2009، الصفحات: 81 و88 و91 و93.

[12]_ قاسم القروي: مبادئ الإدارة، نظريات ووظائف، عمان، جمعية عمال المطابع التعاونية، 1984، ص غير متوفرة.

[13]_ بطرس حلاق: مرجع سابق، الصفحات من: 105 إلى 115، و125 إلى 127، و128 إلى 133، و134 إلى 137، و312 إلى 314.

[14]_ تجربة جريدة لوموند الفرنسية.. استقلالية تطاردها الكيانات العملاقة: داليا شمس، مؤتمر الإعلام والثورة المصرية ما قبل وما بعد، القاهرة، يونيو 2001، على الرابط: www.afaegypt.org.

[15]_ الملكية التعاونية للفضائيات تضمن حرية التعبير: محمد جاد، موقع مصرس، بتاريخ: 23/10/2011، الرابط:www.masress.com .

[16]_ راسم محمد جمال: وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في الدول العربية، مؤتمر الإعلام وتحديث المجتمعات العربية، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، ماي، 2006، ص غير متوفرة

[17]_ أوراق عمل مؤتمر الإعلام المرئي والمسموع في مصر: رؤى مستقبلية، BBC عربية، معهد الأهرام الإقليمي، نقابة الإعلاميين تحت التأسيس، القاهرة في 28 -29 مارس 2012.

[18]_ نهى الحناوي: رؤى حول كيفية تنظيم الإعلام المرئي والمسموع في مصر ما بعد الثورة، أعمال ندوة عقدها منتدى البدائل العربي للدراسات بالمشاركة مع برنامج تنمية الجهود الذاتية التابع للوكالة الكندية للتنمية الدولية في 16 نونبر 2011، الرابط:www.afaegypt.org

[19]_ أوراق عمل مؤتمر الإعلام المرئي والمسموع في مصر: رؤى مستقبلية مرجع سابق.

[20]_ راسم محمد الجمال: مرجع سابق، ص غير متوفرة.

[21]_ أزمة الإعلام العربي بين التبعية والاختراق الثقافي: ملامح وسبل المواجهة: عواطف عبد الرحمن، مقالة منشورة بالمجلة العلمية لبحوث الصحافة، مجلة علمية محكمة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، المجلد الأول، أكتوبر 2009 / يناير – مارس 2010، ص: 7 و37.

[22]_ ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على الأداء الإعلامي: نفيسة صلاح الدين، مقالة منشورة على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، بتاريخ 11/03/2016 على الرابط التالي: www.sis.gov.eg

[23]_ محمد ناصر: الفضائيات المصرية: الملكية والمهنية، مؤتمر الإعلام قبل وبعد الثورة، منتدى البدائل العربي، البرنامج الكندي لتنمية الجهود الذاتية، القاهرة، يونيو 2011، متاح على الرابط: www.afaegypt.org

[24]_ أمين سعيد عبد الغني: إدارة المؤسسات الإعلامية في عصر اقتصاد المعرفة، القاهرة، ايتراك للطباعة والنشر، 2006، ص: 64.

[25]_ محمد فريد محمود عزت: مرجع سابق، ص: 145 إلى 147.

[26]_ حسن عماد مكاوي، عادل عبد الغفار: الإذاعة في القرن الحادي والعشرين، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2008، ص: 45.

[27]_ محمد فريد عزت: مرجع سابق، ص: 148 إلى 150.

[28]_ وهيبة بوزيفي: مدخل تمهيدي حول بداية الاهتمام بوسائل الإعلام من منظور اقتصادي، محاضرات في مقياس اقتصاديات وسائل الإعلام، لطلبة السنة الثانية، جامعة الجزائر، كلية علوم الإعلام والاتصال، قسم الاتصال، السنة الجامعية 2016/2015، تم نشر المحاضرة بتاريخ: 11/12/2015. الموقع الالكتروني: Bouzifiwahiba.Over-Blog.Com.

[29]_ بطرس حلاق: مرجع سابق، من ص: 337 إلى 338، ومن ص: 343 إلى 346، ومن ص: 350 إلى 351، ومن: 423 إلى 427، وص: 431 و432.

[30]_ تسويق محتوى الصحف والإقناع في الرسالة الإعلامية: بغداد باي عبد القادر، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 18، مارس 2015، ص: 101.

[31]_ بطرس حلاق: مرجع سابق، ص: 432.

تحريرا في 7-9-2017

4/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى