تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا (الأسباب والتأثيرات)
بقلم: سهام سيد محمد/ باحثة فى العلوم السياسية.
- المركز الديمقراطي العربي
شهدت السنوات الأخيرة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة على الساحة السياسية الأوروبية، وتعددت الدول الأوروبية التى مَثل صعود اليمين المتطرف نقطة تحول فى توجهاتها السياسية وطريقة تعاملها مع مختلف القضايا وعلى رأسها قضية الهجرة والأقليات، ومن أهم تلك الدول دولة إيطاليا وظهر ذلك فى وصول “جورجيا ميلونى” التى تنتمى لحزب”أخوة إيطاليا” الحزب اليمينى المتطرف إلى منصب رئاسة الوزراء، كما تُعتبر دولة المجر ضمن الدول التى شهدت صعوداً مؤثراً للأحزاب اليمينية المتطرفة حيث ينتمى رئيس وزرائها “فيكتورأوربان” لحزب الاتحاد المدنى “فيدس” الحزب اليمينى المتطرف، كما شهد عام 2024م حصول حزب “التجمع الوطنى” داخل فرنسا على حوالى 143 من المقاعد فى الانتخابات التشريعية التى أُجريت فى شهر يوليو، كما حقق حزب “الحرية” اليمينى المتطرف نتائج ساحقة خلال الانتخابات التشريعية بدولة النمسا فى شهر سبتمبر عام 2024م، بالإضافة إلى ذلك تُعتبر دولة ألمانيا من أهم الدول الأوروبية التى شهدت صعوداً كبيراً للأحزاب اليمينية المتطرفة على الساحة السياسية ومنها حزب “البديل”، كما نجد أن دولاً مثل هولندا والسويد ورومانيا وسويسرا وبولندا وإسبانيا والدنمارك شهدت هى الأخرى صعوداً قوياً للأحزاب اليمنية المتطرفة.
وتعددت الأسباب التى أدت إلى تنامى ظهور الأحزاب اليمينية المتطرفة من أهمها قضية الهجرة واللجوء التى يستخدمها اليمين المتطرف كأداة لزيادة شعبيته خاصة بعد أزمة اللاجئين عام 2015م حيث يعتبر الأوروبيون أن قضية الهجرة واللجوء من أخطر القضايا التى تهدد الاستقرار الداخلى،ويستخدم اليمين المتطرف تلك القضية من خلال توضيح خطورة تنامى عمليات الهجرة واللجوء التى تشهدها العديد من الدول الأوروبية وزيادة حجم سكان الشمال والجنوب الأفريقى والعرب القادمين إلى أوروبا، وكذلك ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية التى خلفت العديد من الأزمات فى زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة خاصة وأن تلك الأحزاب ترفض السياسة التى يتبناها الاتحاد الأوروبى وتسعى إلى تفكيه، بالإضافة إلى استخدام تلك الأحزاب الظروف الاقتصادية التى تتعرض لها العديد من الدول الأوروبية خاصة مع تزايد معدلات التضخم وانخفاض مستويات المعيشة فى بعض الدول كوسيلة لتوجيه الانتقادات إلى الإدارات السياسية الحاكمة التى تنتمى للأحزاب التقليدية ومخاطبة الجمهور الأوروبى بإستخدام الأدوات التى تحفز من شعبية تلك الأحزاب اليمينية وتقليص حجم شعبية الأحزاب التقليدية الأخرى.
وقد انعكس ظهور اليمين المتطرف على العديد من القضايا السياسية سواء الداخلية أو الخارجية ومن أهم تلك القضايا قضية الهجرة والأقليات فى الداخل الأوروبى واستغلال أزمة اللاجوء التى تعرضت لها الدول الأوروبية عام 2015م بعد أن دخل أكثر من مليون مهاجر إلى أوروبا وهو ما اعتبرته الأحزاب اليمينية أزمة كارثية تهدد أمن تلك الدول، وكردة فعل نجد أن الدول التى تطور فيها وجود الأحزاب اليمينية قامت بالعديد من السياسات التى تحد من عمليات الهجرة واللجوء إلى تلك الدول الأوروبية منها السياسات التى تبنتها دولة المجر التى تربط بين الهجرة غير الشرعية وتزايد حجم العمليات الإرهابية التى تتم داخل المجتمع الأوروبى، ويرى رئيس وزراء المجر” فيكتور أوربان” أن الهجرة تُمثل وسيلة غزو للقارة الأوروبية لذلك اتخذت دولة المجر العديد من التدابير من أبرزها تشديد الرقابة التى تتم على حدودها وتعزيز سيادتها الوطنية، حيث قامت ببناء جدار شائك مزود بكاميرات على حدودها مع دولة صربيا وكرواتيا التى يعبر من خلالها الكثير من أعداد المهاجرين وطالبى اللجوء، كما أقر البرلمان المجرى تشريع عام 2018م ينُص على حظر مساعدة أى شخص من المهاجرين غير الشرعيين فى الحصول على طلب لجوء وفرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة عام لأى شخص يقوم بذلك، كما قلصت دولة المجر من الخيارات القانونية لطالبى اللجوء وذلك من أجل منع الحصول على طلب للجوء داخل الأراضى المجرية.
وقد اتخذت دولة إيطاليا العديد من السياسات للحد من الهجرة من أهمها توقيع اتفاق مع دولة ألبانيا عام 2024م، من أجل إنشاء مراكز لإستقبال المهاجرين عبر البحر الذين يرغبون فى الوصول إلى الشواطئ الإيطالية ومعالجة طلبات اللجوء داخل دولة ألبانيا وتتولى إيطاليا إدارة هذه المراكز، كما صدر قانون “كوترو” عام 2023م داخل إيطاليا من أجل تقويض عملية حصول القادمين من الخارج على الإقامة والحد من وضع الحماية التى تُمنح لطالبى اللجوء داخل إيطاليا، وعلى الرغم من تعرض السياسات التى اتخذتها دولة المجر وإيطاليا للعديد من الانتقادات سواء من المنظمات الدولية أو الدول الأخرى إلا أن ذلك لم يُثنى تلك الدول عن تطبيق هذه السياسات خاصة فى ظل اعتبار الأحزاب اليمينية المتطرفة الحاكمة فى تلك الدول أن قضية الهجرة تعتبر القضية الأبرز التى ساهمت فى زيادة حجم تأثيرهم داخل المجتمع الأوروبى ومن ثم وصولهم إلى سُدة الحكم.
لذلك يتضح أن صعود اليمين المتطرف يُساهم بصورة كبيرة فى الحد من عمليات الهجرة على الحدود الأوروبية خاصة مع توجيه سياسات تبرهن رؤية تلك الأحزاب فيما يتعلق بكراهية الأجانب وتصدير موجة التمييز العنصرى والدينى واستخدام التخويف الأمنى كوسيلة لفرض قوانين وسياسات أكثر حدة، ونتيجة لذلك نجد أن الكثير من المهاجرين وطالبى اللجوء يُعانون من الإجراءات الصارمة بمجرد دخولهم إلى حدود تلك الدول حيث أصبحت قضية الهجرة من أهم الأدوات السياسية للأحزاب اليمينية المتطرفة لفرض رؤيتها وزيادة حجم شعبيتها وسياستها تجاه القضايا السياسية الأخرى على الساحة الدولية من خلال تصديرها على أنها من أبرز القضايا المؤثرة فى الأمن القومى الأوروبى.
وقد مثلت الحرب الروسية الأوكرانية نقطة تحول فى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وانعكس ذلك بطبيعة الحال على الحرب خاصة فى ظل تفكك الموقف الأوروبى تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ساعدت المصالح السياسية بين الأحزاب اليمينية وروسيا فى تحقيق مزيد من التقارب والتعاون على حساب انحصار دور تلك الأحزاب فى التعاون مع دولة أوكرانيا، وتقوم تلك الأحزاب بتصدير حجم المخاطر التى تتعرض لها الدول الأوروبية من جراء تلك الحرب واعتبار أن فرض عقوبات على دولة روسيا بمثابة عقاب للدول الأوروبية خاصة وأن العديد من تلك الدول يعتمد على الغاز الروسى وتُساهم تلك السياسات التى تتبعها الأحزاب اليمينية حيال الحرب الروسية الأوكرانية فى تحقيق مساعى موسكو وتقديم الدعم لها بطريقة غير مباشرة وهو ما يُسهل من تحقيق روسيا لأهدافها السياسية فى الداخل الأوروبى،وقد ساعد فى تقوية تلك العلاقة حجم التقارب الأيدولوجى بين الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” وبين الأحزاب اليمينية داخل العديد من دول أوروبا، ففى شهر مارس عام 2022م قام البرلمان المجرى بإصدار مرسوماً يحظر من خلاله توريد الأسلحة إلى داخل أوكرانيا عن طريق الأراضى المجرية، كما ترفض المجر أى تعاون أو محاولة من جانب بعض الدول الأوروبية لإرسال ذخيرة وأسلحة إلى أوكرانيا، كذلك تحظر إيطاليا استخدام أسلحتها فى توجيه أى ضربات نحو الأراضى الروسية.
وانطلاقاُ مما سبق تناوله لا ينعكس استمرار صعود اليمين المتطرف داخل أوروبا على توجهات تلك الدول السياسية الداخلية أو الإقليمية فقط خاصة بعد تقدم تلك الأحزاب فى انتخابات البرلمان الأوروبى على حساب الأحزاب الأخرى وهو ما سنرى تأثيراته بصورة أكبر خلال السنوات القادمة على مستوى السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبى، وانعكاس ذلك بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر تأثير صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة مع التغيرات السياسية الدولية المختلفة فعلى مستوى الأحداث التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط إذا تناولنا ما يتعلق برؤية تلك الأحزاب تجاه الحرب الدائرة فى قطاع غزة نجد أن أحزاب يمينية متطرفة تلعن بشكل مستمر ودائم دعم إسرائيل فى حربها على غزة بل ويتمد الأمر إلى حد عدم الإعتراف بالدولة الفلسطينية ومن أبرز تلك الأحزاب التى تتبنى هذه الرؤية حزب ” التجمع الوطنى الفرنسى”، كما تدعم المجر بقيادة رئيس وزرائها “فيكتورأوربان” إسرائيل فى حربها على غزة وهو ما أكده رئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتنياهو” بصورة أكبر بعد أن صدر عن المحكمة الجنائية الدولية فى نوفمبر عام 2024م مذكرة اعتقال بحق “بنيامين نتنياهو” ووزير الدفاع الإسرائيلى ” يوآف غالانت” وقدم “فيكتورأوربان” دعوة “لنتنياهو” لزيارة لدولة المجر وتقديم الدعم له، وفى ألمانيا قام حزب “البديل” اليمينى المتطرف بالدعوة إلى تقليص حجم المساعدات والدعم المُقدم إلى الجانب الفلسطينى،كما قدم مقترح للبرلمان الألمانى من أجل وقف الدعم المالى لوكالة “الأونروا” التابعة للأمم المتحدة التى تُساهم فى تقديم مساعدات للشعب الفلسطينى داخل قطاع غزة، كما نجد أن الأحزاب اليمينية تستخدم حرب غزة فى زيادة نفوذها السياسى من خلال الترويج للعنصرية ضد المهاجرين والمسلمين وتعزيز مفهوم الإسلامفوبيا، ولا شك أن السنوات المقبلة ستشهد تغيرات فى طبيعة التوجهات السياسية للدول الأوروبية وهو ما سيظهر فى التحالفات التى تحققها هذه الأحزاب التى تدعم بطبيعة الحال تحقيق مصالحها وزيادة حجم شعبيتها وسيطرتها على المجتمع الأوروبى.