التوعية الديمقراطية

ماهي دائرة اختيار الوزراء المصريين

كتب : الدكتور عادل عامر

بعد الحراك السياسي الممتد بشدة منذ أربع سنوات له دور مختلف بكل تأكيد فى معادلة الحكم فى مصر. يتضمن الدستور عدة صلاحيات مهمة لرئيس الوزراء تبدأ من كيفية اختياره، بحيث يكلف رئيس الجمهورية رئيسا للوزراء، ليعرض خطته على البرلمان، فإن لم يحصل على ثقة الأغلبية، يكلف الرئيس مرشح الحزب الحاصل على الأكثرية في المجلس. الخلاصة، أن عملية التعيين هي عملية سياسية، ولذلك نأمل في أن يكون رئيس وزراء مصر القادم ذا نكهة سياسية وليس تكنوقراطيا خالصا صافيا، بحيث يستطيع أن يدير التوازنات بين المؤسسة الرئاسية والحكومة والبرلمان.

إن معظم الوزراء يتم اختيارهم رغم إنهم ليس لديهم تجربة وخبرة سياسية، فجميعهم يتم اختيارهم من الفنيين والتكنوقراط. أن الوزير السياسي يشعر بالجماهير ويستطيع أن يتفاعل معهم ويحقق مطالبهم ان مشكلات اختيار الوزراء انها تقوم علي العلاقات الشخصية والمصالح والمصادفة أحيانا. ان الاختيار يتم وفق التاريخ والانجازات إن اختيار الوزراء في العالم كله يتوقف علي “الوعي” السياسي.. ولكن في مصر هناك وزراء بالمصادفة والتربيطات والشللية. ان مصر لم تضع معايير لاختيار الوزراء.. والدستور يخلو من ذلك. ان المواصفات الواجب توافرها في الوزير وهي ان يكون منتميا لحزب الاغلبية. مع ضرورة ان يكون الوزير سياسيا.. وعلي النظام البعد عن رجال الاعمال الذين لا تهمهم الا مصالحهم الشخصية.

حدث انقلابٌ شاملٌ فى معايير اختيار الوزراء التى اعتادت عليها أجهزة الدولة على مدى أكثر من نصف قرن.. فقد كان من بديهيات اعتراض هذه الأجهزة من قبلُ وجود شبهة تضارب مصالح، فإذا برجال الأعمال يتولون الوزارات التى تعمل فى إطارها شركاتهم، وهو أمرٌ ضد فطرة كل الأجهزة الرقابية.. وأصبحنا أمام واقعٍ جديدٍ.. فمن أتى به وزيره صبياً من عشر سنواتٍ أصبح الآن رئيس بنكٍ أو مؤسسةٍ أو وكيل وزارةٍ على الأقل.. وأصبحوا فى دائرة الترشيحات الجديدة لا سيما الوزارات الاقتصادية.. ولعلّ ذلك ما يُفسر الشعور العام بأن جينات أمانة السياسات لا زالت تسيطر على مؤسسات الدولة بعد ثورتين ولم يكن كثيرٌ من الاختيارات مُلبياً لطموحات الشعب الثائر.

ومن طرائف هذه الفترة، أنه مثلما تم تعيين وزيرٍ بالصدفة قبل أربعين عاماً كما ذكرتُ فى بداية المقال، فقد طار وزيرٌ بالصدفة فى إحدى الوزارات المبكرة عقب ثورة يناير.. فقد كان الصديق الدكتور/ أحمد البرعى مرشحاً لوزارة القوى العاملة والدكتور هانى سرىّ الدين مرشحاً لوزارةٍ أخرى.. وكان قليلون يعرفون أن الثانى زوج ابنة الأول.. الذى لَفَت نظر متخذ القرار هو الدكتور البرعى نفسه، إذ تساءل بحسّه السياسى إن كان لائقاً أن يضم التشكيل وزيراً وحماه فى آنٍ واحدٍ.. وحاول بشدةٍ أن يتنازل عن الوزارة إلا أن القيادة استبقت الدكتور/ البرعى واستبعدت الدكتور/ هانى (لعل الأقدار احتفظت بالدكتور هانى لمرحلةٍ أخرى). بالمناسبة، كان ثلاثة من وزراء نظيف أبناء خالة ولم يستشعر أىٌ منهم الحرج!. اما فترة الدكتور/ محمد مرسى: اقتصرت الاختيارات (باستثناءاتٍ قليلةٍ) على أعضاء الجماعة.. ولم يكن معيار المفاضلة داخل الجماعة هو أيهم أكثر سجناً كما أشاع البعض وإنما بدا بوضوح أن أفضلية الاختيار هى لشلّة الدكتور مرسى والمهندس خيرت الشاطر دونما اعتبارٍ للكفاءة أو المؤهل.. ولعلّ هذا ما يُفسر الإصرار على تصعيد الدكتور/ حسن البرنس غير المقبول شعبياً مع تحجيم الدكتور/ حلمي الجزار.. ولعل اختيار يحيى حامد (المشهور بوزير الساندويتشات) وزيراً للاستثمار وقطاع الأعمال مثالٌ صارخٌ على ذلك.. إذ رغم وجود عددٍ من القيادات الاخوانية الشابة الحاصلة على شهاداتٍ علميةٍ في المجال، إلا أن الاختيار وقع عليه ليكون وزيراً للاستثمار وقطاع الأعمال رغم أن خبرته تتركز في بيع كروت الشحن والشحن على الطاير ثم انضم إلى الحملة الانتخابية للدكتور مرسى في 2012 فكافأه الرئيس بعد انتخابه بضمه إلى مستشاريه في القصر الرئاسي ثم تعيينه وزيراً.

أن حكومة المهندس شريف إسماعيل التي يقوم بتشكليها حالياً، مدتها قصيرة للغاية والتي قد لا تتجاوز الأربعة أشهر، إلا أن لها مهمة في غاية الأهمية، فليس مطالب من الحكومة الجديدة إنجاز مشروعات جديدة للدولة المصرية، سواء مشاريع عملاقة أو حتى مشروعات صغيرة، أيضاً ليس مطالب من الحكومة الجديدة العمل على إعداد تشريعات جديدة لتنظيم الأداء بالوزارات المختلفة، فيجب عليها متابعة المشاريع والتشريعات التي شرعت حكومة محلب فيها، لكن ليست هذه هي الأولوية.

مثلا، قضية الفساد الأخيرة التي تورط فيها وزير الزراعة في وزارة محلب صلاح هلال، والشائعات التي تناثرت حول تورط وزراء آخرين، ستكون المهمة الأولى والتحدي الأكبر لحكومة شريف إسماعيل، وعليها أن تبذل جهدا كبيراً من أجل تغيير الصورة الذهنية التي وصلت للمواطن المصري عن المسئول الفاسد. القضاء على الإرهاب والفساد، هدفان للدولة المصرية بعد 30 يونيو، فمحاربة الإرهاب يقع على عاتق رئيس الدولة ووزارتي الدفاع والداخلية، وأي تغيير في الأسماء بهاتين الوزارتين لا يتبعه تغيير في الإستراتيجية التي تقوم بها من أجل محاربة الإرهاب، فهو الهدف الأول للدولة الذي أعلن عنه الرئيس السيسي في خطابته للشعب، لتفويضه للقضاء على الإرهاب الذي لم يعد محتمل بل أصبح حقيقة واقعية، وعملية “حق الشهيد” الحالية بسيناء، استطاعت أن تبلي بلاءً حسناً، فاستطاعت القضاء على فلول الإرهابيين والمتطرفين بسيناء بشكل كبير، وخسائرها البشرية لا تقارن بخسائر الجماعات الإرهابية المتطرفة.

أما الفساد فهو الهدف الثاني لدولة 30 يونيو، ويقع على عاتق الحكومة الجديدة بشكل كبير، فتوغل الفساد بمؤسسات الدولة المصرية خلال العقدين الماضيين لم يسبق له مثيل، لذلك إرسال رسالة واضحة للجميع أنه لا تستر على فساد مهما كان منصب الفاسد، وتطهير مصالح ومؤسسات الدولة من المرتشين والمزورين والفاسدين هي أهم أولويات الحكومة الجديدة. وأدوات الحكومة الجديدة لهذه المهمة جاهزة لأن تستخدمها على أوسع نطاق، فالجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية والنيابة الإدارية هم أدواتها، و تقاريرها استطاعت أن تسقط أكبر فضيحة فساد بمصر بالعصر الحديث التي كان بطلها وزير الزراعة السابق. على رئيس الوزراء القادم أن يكون متابعا للشأن الداخلي للمؤسسات الحكومية عن قرب أو له خبرة في ذلك، حتى لا نعيد إعادة إنتاج العجلة. لا نريد من يرى في روشتات المؤسسات الدولية المالية دستورا وقرآنا يجب أن يُتبع، فما تقدمه تلك المؤسسات ليست إلا أدوات استرشادية لا تكتمل فائدتها إلا بمزجها بالخبرة المحلية والأولويات الداخلية.

ومن ذلك، فعلينا جميعا إدراك اللحظة السياسية الحالية والتي تفرض التحرك فورا، سواء في تغيير شامل وحقيقي مبهر لمصر ومانع لأطماع العديد من شيوخ السياسة بالبرلمان، تغيير شاب وقوى يمتلك القدرات السياسية والفنية أيضا، أو البداية دون مواربة في تشكيل كتلة سياسية تكون صوت السلطة بالبرلمان، كتلة مانعة لأي أزمة تشريعية ربما تلوح بالأفق، أزمة سيكون أطرافها أطماع البرلمان المشروعة دستوريا وحلم الرئيس بالتغيير، أزمة لن يكون ضحيتها برلمان ولكن ضحيتها الوطن كله.

وفى المقابل، وبالرغم من عدم امتلاك الرئيس لسلطات تشريعية، إلا أن لديه حق النقض. كما أن في يديه السلطات التنفيذية التي تخول له رسم السياسات اليومية على المستويين المحلى والخارجي، وذلك تحت رقابة البرلمان. ويشغل الرئيس وأعضاء البرلمان مناصبهم لمدد محددة، ولا يمكن لأحدهما إقالة الآخر، مع استثناء إمكانية توجيه إحداهما الاتهام للآخر بسوء التصرف.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى