الأردن.. تحديات متعددة المحاور والامتحان الأبرز هو “القدرة على التغيير”
بقلم : د. عامر السبايلة – باحث أردني مختصّ في الدراسات الأمنية والإستراتيجية
بعد مرور ما يقارب الخمسة سنوات على بداية أزمات المنطقة العربية يجد الأردن نفسه اليوم في مواجهة عاصفة من التحديات قد تكون أبرزها التحديات المرتبطة بالتهديدات الارهابية وخطر انتقالها الى الداخل الأردني. لكن بلاشك هناك تحديات متعددة الأوجه تتجاوز في جوهرها الواقع الأمني وتطال الواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي وتضع الإدراة الأردنية امام أصعب اختبارات القدرة على استيعاب الهزات الارتدادية للازمات في المنطقة.
كثيرة هي الاشارات التي يمكن رصدها اليوم في الاطار التشخيصي للواقع المجتمعي في الأردن. كثير من استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت الى عودة لافتة لحالة الحنق المجتمعي وارتفاع منسوب الغضب الشعبي المرتبط من جهة بالأوضاع الاقتصادية السيئة التي باتت تطال شريحة واسعة جداً من الأردنيين، الأمر الذي يرسم صورة قريبة من مناخات العام ٢٠١٠ الذي سبق انطلاق ما يسمى “الربيع العربي.” في المقابل، ووفقاً لكثير من المتابعين، أظهرت الدولة الأردنية عجزاً عن تطوير خطاب مقنع مع الداخل وفشلت كذلك في توفير منظومة أمان مجتمعي قادرة على ضمان وحماية الأردنيين من التأثيرات السلبية للأزمة الاقليمية سواء على الصعيد الاقتصادي او التنموي.
على الصعيد السياسي، يستشعر كثير من المراقبين حجم الهوة المتسعة ومعالم انعدام الثقة بين الدولة والشارع. فالقراءة المتعمنة لمجمل خطابات الدولة تظهر غياباً لاي محتوى حقيقي يساعد على ضبط البوصلة الوطنية ويشير الى نهج حقيقي واقعي يمكن لمس نتائجه على الارض، او يرسم شكل الاستراتيجية المستقبلية المفترضة على غرار خارطة طريق واضحة المعالم.
المشاكل التي يمر بها المجتمع الأردني متعددة والتعامل معها يحتاج -بلا شك- الى نهج وتفكير جديدين ويحتاج كذلك الى أشخاص تختلف في عقليتها ومنطقها عن نموذج الأشخاص التي يشعر الاردنيون بأنها باتت تفرض عليهم بأسلوب استعلائي يخلو من اي احترام لمشاعرهم وادراك لحقيقة احتياجاتهم. فالأحاديث في الغرف المغلقة والمجالس المفتوحة وأحاديث الفعاليات الفكرية والمجتمعية والبيروقراطية يتمحور حول رفض سياسة “فرض الأشخاص” و طريقة الاصرار على انكار احتياجات المواطنين وخطورة ترويج فكرة خلو المجتمع الأردني من الكفاءات والخبرات أو تسويق حجة عدم توفر البديل لكثير من المسئولين الذين-وفقاً لتشخيص بعض المحللين- لا ينتمون في الوجدان الأردني للواقع ويتم تدويرهم على كافة المناصب ضمن سياسة “تقاسم الغنائم بالتراضي”.
المجتمع الأردني مجتمع شاب وحرمان الشباب من تمثيلهم السياسي وعدم توظيف طاقاتهم بالرغم من كثرة الشعارات والادعاءات بأهمية دور الشباب هو باختصار وصفة “انتحار سياسي” خصوصاً مع الارتفاع الملحوظ في نسب التطرف والتغير في المزاج الشعبي والفشل الواضح في عملية التنمية البشرية وخطر ارتفاع نسبة العنف.
من المهم أن يدرك صانعو القرار ان المنطقة مرّت في مرحلة من العنف جعلت من مسألة القتل ورؤية الدم أمراً اعتيادياً في حياة شعوبها الأمر الذي انعكس بشكل واضح على السلوكيات المجتمعية وادى الى ارتفاع ملحوظ في نسبة العنف. لهذا، فان الرهان على فكرة التخويف ورهبة الدم وعقد المقارانات مع الدول المأزومة قد يكون رهاناً خاطئاً اذا ما استمرت السياسات والقرارات الضاغطة بدفع الناس للوصول الى ذروة الاحباط والشقاء الاقتصادي.
ان الكثير من الممارسات والمعطيات تشير بشكل واضح الى ظهور بوادر انهيار في المنظومة الاخلاقية وانحسار في هيبة الدولة (لا يقتصر الأمر على الأردن)، الأمر الذي يتطلب تحركاً نوعياً في مواجهة التحديات المتزايدة. الفراغ السياسي المتشكل في الداخل الأردني لابد ان يعوضه خطاب وطني جديد، يرسم ملامح المستقبل ويعيد انتاج مفهوم المواطنة ويبث الروح في الجسد البيروقراطي المترهل وهو أمر لا يمكن ان يتحقق عبر نهج الادوات التي تسيطر على المشهد السياسي اليوم. حتى الحراكات السياسية المحدود حالياً على الساحة الأردنية فهي لا تعدو عن كونها حراكات “نخبوية” قاصرة عن استيعاب طبيعة نمو المجتمع الاردني واحتياجاته، وهي في حقيقتها طموحات شخصية وسعي لاستعادة مكانة ضائعة أو تحقيق مكتسبات مادية ومعنوية عبر البوابة السياسية.
الأردن أمام تحديات حقيقية متزايدة لا يمكن التعامل معها بنفس النهج والطرق التقليدية التي ركنت اليها الدولة الأردنية في السنوات الماضية. الدولة الأردنية مضطرة لاستيعاب الداخل الاردني وخلق حالة وطنية تؤسس لانتقال فعلي من مرحلة التنظير الى التطبيق وهذا يتطلب تطبيق سياسة “الانفتاح، الاحتواء، المحاسبة” الانفتاح على الداخل واحتواء أسباب المشاكل ومحاسبة المقصرين والمضللين. كذلك لابد من التفكير الجدي في اشراك الجميع في صناعة المستقبل والا تحولت الأغلبية الى أعداء الحاضر