مقالات

مواطن متقشف ومسؤول مترف !!

كتب : همام السليم 

يعيش ابناء الشعب العراقي اليوم بكافة اطيافه ومكوناته ازمةٍ اقتصاديةٍ هالكةٍ مهلكةٍ؛ بسبب الاجراءات التقشفية التي اتبعتها الحكومة العراقية بإقرار البرلمان العراقي لموازنة 2016 المالية التي شددت على ضغط النفقات وزيادة الايرادات بفرض الضرائب والرسوم وجباية الاموال من الوزارات لمختلف الخدمات المقدمة للمواطنين بهدف تعزيز الايرادات غير النفطية، فلما اتبعت الحكومة هذه الاجراءات التقشفية ؟ وهل تم تطبيقها على المواطنين والمسؤولين على حدٍ سواء ؟ أم طبقت بانتقائية وازدواجية؟

كلنا يعلم أن تدهور اسعار النفط في الاسواق العالمية وتراجعه إلى مستويات غير مسبوقة _ بسبب تخمة المعروض _ منذ منتصف 2014 وحتى اذار 2016 وتوقع استمرار انخفاضه، يعلم الكثير ان هذا الانخفاض قد القى بضلاله على الاقتصاد العراقي والايرادات المالية العراقية؛ لكون العراق بلد ذي اقتصاد ريعي احادي الجانب يعتمد في موازنته على الايرادات النفطية ، فبسبب هذا الانخفاض تراجعت الايرادات المالية للعراق عن تغطية نفقاته إلى درجة هددت معها قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين فأصيبت موازنة العراق بعجزٍ كبير وقياسي عالمياً.

وفي مواجهة ذلك قررت الحكومة خفض الرواتب والمخصصات للموظفين فشهد الشارع العراقي مظاهرات عارمة في عموم البلاد اضطرت الحكومة التراجع عن قرارها والاعلان ان الرواتب والمخصصات خط أحمر والحكومة ملزمة بتوفيرها، فهل كانت فعلاً خط أحمر أم أخضر ؟

وبعد دخول موازنة 2016 حيز التنفيذ شرعت الحكومة بتنفيذ مجموعة من الاجراءات وفرض الرسوم والضرائب وجمع جبايات من المواطنين نظيراً لمختلف الخدمات المقدمة لهم ، وكان لوزارة الصحة السبق في ذلك إذ قررت رفع اجور الخدمات الطبية من تذاكر وعلاج وعمليات جراحية بل وفرضت رسوم حتى على المعافى الذي يزور مريضاً . لتسهم في قطع عرى التواصل الاجتماعي.

وابعتها وزارتي التربية والتعليم اللتين فرضتا رسوم على بعض الخدمات التعليمية والتربوية مثل سحب الوثائق وكتب التأييد والامتحانات للدور الثالث وغيرها من الخدمات، فضلاً عن بقية الوزارات التي باتت تجبي الاموال من المواطنين نظير خدماتها لهم بأسعار اعلى بكثير منها في السابق.

كما ان رواتب الموظفين والمتقاعدين لم تبقى على حالها؛ إذ طبق سلم رواتب جديد استقطع من رواتب الدرجات العليا (1،2،3) كما فرضت ضريبة دخل عليهم وعلى غيرهم من الموظفين، وفي شهر شباط 2016 شرعت الدوائر بتنفيذ قرار استقطاع 3% من اجمالي الراتب _ وبأثر رجعي على ان يستمر العمل به كل هذا العام _ بذريعة تخصيص مبالغ الاستقطاع للحشد الشعبي والنازحين وفرضت استقطاعات اخرى مثل صندوق دعم وزارة التربية وغيرها ليعبر بذلك مجموع الاستقطاع نسبة 10% من اجمالي رواتب الموظفين والمتقاعدين فضلاً عن الاستقطاعات المرتفعة التي شملت موظفي الدرجات (1-3) وفقاً لسلم الرواتب، وبذلك تكون الحكومة قد قللت من دخل المواطن من خلال الاستقطاع التدريجي وسحبت جزء من دخله المتاح للانفاق من خلال دفعه للضرائب والرسوم نظيراً للخدمات الصحية والتعليمية والبلدية وغيرها، أي أن الحكومة تعاملت مع المواطن وفقاً للقول : ( انطيك باليمنى واسحبهن باليسرة ) فالراتب لم يعد كله متاح للانفاق كما في السابق بسبب زيادة مبالغ الضرائب والرسوم فضلاً عن الاستقطاعات مما قلل بالتالي من القدرة الشرائية للمواطن العراقي.

والعجيب والغريب بل المريب في الأمر أن كل من الحشد الشعبي والنازحين لم يستفيدوا بعد من مبالغ الاستقطاعات ، والكثير من المواطنين تتأخر رواتبهم سيما موظفي نينوى النازحين داخل العراق كالتربية والصحة والداخلية ، وموظفي اقليم كردستان دون رواتب منذ اكثر من اربعة اشهر دون ان تحرك جدي من الحكومة المركزية تجاههم.

والادهى من ذلك والأمر بل قل ان الطامة الكبرى تكمن في كون ان السادة النواب والوزراء والرئاسات الثلاث لم تطبق عليهم هذه الاجراءات التقشفية ولازالوا ينعمون بالترف والرفاهية كيف لا وهم طبقاتنا العليا !!

فبالرغم من صعوبة وضعنا المالي الحرج يستأجر رئيس الوزراء حيدر العبادي طائرة خاصة بمبلغ مليون ونصف الملون دولار وفقاً لما كشفته النائبة حنان الفتلاوي استناداً إلى كتب من وزارة النقل تشتمل على كشوفات بمبالغ ايجار الطائرات الخاصة لمسؤولي العراق وقالت ان تكاليف ايجار الطائرة الخاصة للمسؤول العراقي تتراوح بين 800 مليون دولار وبين مليون ونصف مليون دولار، فمسؤولينا لا يتنازلون للحجز على الدرجات السياحية او غيرها كما يفعل رؤساء بعض الدول الذين يستقلون طائرات الشحن او النقل العام لأغراض السفر تقليلاً للإنفاق، كما تحدثت الفتلاوي عن مسؤول سافر لإيفاد مصطحباً معه 84 شخص دون مراعاة التقشف في ذلك ولم يكذب الخبر من اية جهة.

كما تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي وموقع شفق نيوز الاخباري، خبراً يؤكد قيام العبادي بإيقاف رواتب البرلمان العراقي؛ بسبب عدم التزامهم بالتخفيض الذي اقره مجلس الوزراء حول رواتب الرئاسات الثلاث في ايلول 2015 والقاضي بتخفيض رواتب مجلس النواب بنسبة 45% ، وكشف مصدر لشفق نيوز أن العبادي اوعز لوزارة المالية بإيقاف صرف رواتب ومخصصات البرلمان من نواب ومستشارين ومديرين عامين وموظفين وحتى الحمايات بسبب عدم التزامهم بالتخفيض وتحايلهم على القانون، بينما التزم مجلس الوزراء والامانة العامة له بالتخفيض، ولم يلتزم البرلمان ان لهم موازنة خاصة بهم ، إلا أن العبادي اوقف صرف رواتبهم بصفته وزيراً للمالية وكالةً الأن، وحالياً رواتب البرلمان كلها متوقفة لحين استرجاع ما تقاضوه خلافاً للقانون وبأثر رجعي وتقليص حماياتهم وفقاً لشفق نيوز وصفحات دعم العبادي على الفيس بوك.

وعلى صعيد اخر استمر المسؤولين في إيفاداتهم وسفراتهم وعقد المؤتمرات والندوات فضلاً عن الحفلات التي جل ما يقال عنها انها باب من ابواب الصرف والهدر للمال العام دون جدوى تذكر!

فهل هذه هي عدالتكم ايها المسؤولين؟ واين تقشفكم انتم؟ لما تطلبون من المواطن التقشف لدرجة الطلب من عدم اكل النستلة واقناعه بالعيش بثلاثين الف دينار فقط ولا تتقشفون انتم واسركم ؟ كيف تحثون المواطن على التقشف وتنسون انفسكم ؟ إلى متى تبقون في رفاهيتكم ؟ أيها الفاسدون اجمعوا اشيائكم وانصرفوا فقد آن الاوان لكي تنصرفوا …..

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى