السوقية السياسية وتداعياتها المجتمعية!! العراق انموذجاً
كتب : همام السليم – كاتب وباحث عراقي
لعل ما يؤخذ على العملية السياسية العراقية منذ سنة 2003 هو انتشار السوقية السياسية بين نخبها إلى درجة كبيرة؛ من خلال اتصاف اغلب سياسي العراق بصفات السوقية السياسية كالاتصاف بالابتذال والغلظة وعدم التهيب وقلة الذوق وتدني الثقافة، فما هي ابرز انماط ومؤشرات السوقية السياسية في العراق ؟ وماهي محفزاتها ومسبباتها؟ وما هي ابرز تداعياتها ؟
وفي هذا السياق صدر حديثا عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة تقرير بعنوان ((تأثيرات السوقية السياسية في التفاعلات الداخلية في الاقليم)) سلط الضوء على تزايد حوادث الاعتداءات الذاتية والاشتباكات والمشاجرات الجماعية بين المنتمين للنخب السياسية المختلفة، وانتشار التجاوزات اللفظية في لغة الحوار السياسي واستهداف الحياة الشخصية للخصوم بهدف الاغتيال المعنوي ، وتناول التقرير هذه الظاهرة في مجموعة من دول الاقليم العربية فضلاً عن تركيا وايران وحدد انماط السوقية ومحفزاتها وتهديداتها في هذه الدول مع تركيزه على مصر ولبنان بصورة اكثر.
سنحاول هنا اسقاط ما ورد في التقرير على العملية السياسية العراقية وشخوصها وذكر مجموعة من الامثلة للقياس والتوضيح . كالاتي:
انماط السوقية السياسية
انعكاساً لتدني مستويات الحوار والاحتقان السياسي والشخصنة المتزايدة للمواقف والانتماءات انتشرت السوقية السياسية في العراق على انماط منها:
- الاعتداءات الجسدية: إذ انتشرت وبصورة كبيرة ممارسة الاعتداء الجسدي بين السياسيين نتيجة للاختلاف في المواقف والامثلة على ذلك كثيرة نذكر منها، الشجار بين النائبين كمال الساعدي وحيدر الملا حول الاتهامات بالإرهاب، وتبادل اللكمات بين حيدر الملا ورعد الدهلكي من جهة وكاظم الصيادي من جهة اخرى حول ازمة صور الشخصيات الدينية في بغداد، وضرب عالية نصيف لسلمان الجميلي بالحذاء، وقيام النائب عن دولة القانون كاظم الصيادي بأطلاق النار على بليغ ابو كلل المتحدث باسم ائتلاف المواطن في لقاء تلفزيوني، واعتداء النائب عن كتلة الاحرار غزوان الكرعاوي بالضرب على النائب كاظم الصيادي على خلفية اعتراض الاخير على ترشيح الدراجي وزيراً للصناعة والمعادن. وغيرها الكثير .
- التجاوزات اللفظية: يعد التراشق بالألفاظ بين ذوي الآراء المختلفة والسب والشتم من الصفات المميزة للحوارات السياسية والمناقشات بين سياسي العراق ونوابه سيما خلال جلسات مجلس النواب، أو خلال اللقاءات والحوارات التلفزيونية، وامثلة ذلك كثير جداً منها: المشادة بين بهاء الاعرجي وصادق الركابي اثر اعتراض الاخير على احدى فقرات مشروع قانون المفتشين العموميين، والسب والشتم بين حيدر الملا والنائب عن الحل احمد العريبي بسبب التصويت على تقرير حول اغلاق مكاتب قناة البغدادية، ومشادة كلامية بين اسامة النجيفي وحنان الفتلاوي بعد رفض التصويت على اعفاء مفوضية الانتخابات، فضلاً عن المشادات بين اسامة النجيفي ومحمود الحسن، وبين علي الشلاه وبهاء الاعرجي، وحيدر الملا وكاظم الصيادي، وغيرها الكثير من المشادات والسب والشتم.
- التشهير بالخصوم: وهو ما يمكن رصده بسهوله في العراق عبر خطابات السياسيين واحاديثهم الاعلامية التي غالباً ما يلجئون فيها إلى التشهير بالخصوم من خلال الاستهداف الشخصي والعائلي واستغلال بعض المواقف للتشهير وتسجيل نقاط سياسية دون مراعاة للاعتبارات الاخلاقية، مثل التشهير بالحياة الشخصية ونشر صور وفيديوهات لا اخلاقية والتهديد بكشف ملفات الفساد وغيرها من ممارسات التشهير والتسقيط السياسي التي تزخر بها الحياة السياسية في العراق.
اسباب انتشار السوقية السياسية ومحفزاتها:
يمكن تفسير التردي في الواقع السياسي العراقي من خلال عدة مداخل منها:
- شخصنة السياسة: يتميز العراق بضعف الاحزاب والتيارات السياسية فيه فضلاً عن افتقاره للمؤسسات الضابطة لعمل الساسة، مما يدفع البعض إلى شخصنة السياسة وعد العمل السياسي ارثاً عائلياً للعوائل المتنفذة بغض النظر عن قدراتهم السياسية التي يتساوى عندها تعارض التوجهات والانتقادات مع الاهانة الشخصية.
- ترهيب الخصوم: فتحاول بعض القوى السياسية المهيمنة ورؤساء الكتل توظيف التراشق بالألفاظ عمداً كأداة لترهيب الخصوم واجبارهم على عدم توجيه انتقادات لآرائهم وطروحاتهم المتعلقة بالشأن العام وهو ما ينتهجه الحزم الحاكم في العراق اليوم ورؤساء الكتل السياسية تجاه اعضاء كتلهم .
- الشعوبية السياسية: اي لجوء البعض لتوظيف السوقية السياسية بوصفها احدى انماط الشعوبية السياسية بهدف كسب تأييد البسطاء من الجماهير بخطاب ومفردات مبسطة قريبة من الشارع، وهو ما تنتهجه الكتل السياسية في العراق كافه من خلال تركيزها على الخطاب الطائفي وادعاء تمثيل المكونات التي تنتمي لها والدفاع عن حقوق المكون ورفع المظلومية والتهميش عن ابناءه من اجل كسب تأييد الشارع وضمان اصطفافه الطائفي معهم وخاصة في اوقات الانتخابات ، غير انها تسعى لمصالحها الحزبية اكثر من مصالح المكونات او العراق، وحالياً يعد التيار الصدري الاقرب للشارع بسبب خطابات زعيمه مقتدى الصدر الداعية للتظاهر ومحاربة الفساد مستخدماً مفردات عامية (ككلهم شلع قلع) التي اضحت شعاراً في المظاهرات.
- ثقافة الكراهية: بسبب سياسات الاحزاب والكتل السياسية انتشرت في العراق ثقافة الكراهية القائمة على الاستعلاء والتفرد في مواجهة الاخر وانماط التعصب القبلي والطائفي والديني والقومي، وهو ما تغذيه الكتل السياسية بسوقيتها السياسية لتوظيفه انتخابياً ضماناً لمصالحها الحزبية والشخصية.
- اختلال التنشئة السياسية: ان اختلال عملية التنشئة السياسية في العراق يؤدي إلى تدني مستوى الحوار بين الفرقاء، سيما في ظل ضعف الاحزاب وقدم قدرتها على فرض الالتزام الحزبي على النواب والساسة المنتمين لها، فالبعض انتقل من كتلة لأخرى ومن حزب لأخر .
وتتميز السوقية السياسية في العراق عن غيرها من الدول الاخرى في ان التراشق بالألفاظ والتشهير بالخصوم والاعتداءات الجسدية وغيرها من الانماط لا تنحصر بين الفرقاء السياسيين أي بين الساسة والنواب المنتمين لكتل واحزاب مختلفة فحسب، وإنما تمارس هذه السلوكيات بين الفرقاء والشركاء على حد سواء، أي انها قد تتم بين شخصين منتميين لتحالف واحد وطائفة واحدة لكنهما من كتل مختلفة منضوية تحت لواء تحالف واحد ، كالخلافات بين اعضاء كتل منضوية تحت اسماء التحالف الوطني أو اتحاد القوى أو التحالف الكردستاني، مثل الاشتباك بين كاظم الصيادي وبليغ ابو كلل وهما ينتميان لكتل التحالف الوطني، او بين علي الشلاه وبهاء الاعرجي ، او التراشق وتبادل الاتهام بين حسن العلوي وحيدر العبادي حينما كان رئيساً للجنة المالية النيابية خلال الدورة السابقة وهم جميعا ينتمون للتحالف الوطني، او السب والشتم والتشهير بين مشعان الجبوري وصالح المطلك حول ملف النازحين وهما ينتميان لكتلة العربية واتحاد القوى الوطنية، وغيرها الكثير من الخلافات والتراشق والتشهير بين عضوين في ائتلاف واحد.
تداعيات السوقية السياسية
يؤدي انتشار السوقية السياسية والبذائة اللفظية والاتهامات والاعتداءات المتبادلة إلى تداعيات خطيرة منها فقدان الثقة المجتمعية في العملية السياسية، واللجوء إلى المشاركة الاحتجاجية والفئوية كالتظاهرات التي يشهدها العراق حالياً ضد الفساد والمطالبة بالإصلاح والتغيير الشامل للكابينة والوزارية، فضلاً عن الانتشار الجماهيري لمفردات الخطاب السياسي المتدني، وهو ما يمكن رصده في مواقع التواصل الاجتماعي التي تمثل اليوم منبراً لتبادل الاتهامات والاهانات والاعتداءات اللفظية بين المنتمين للجماعات القومية والمذهبية والطائفية المختلفة مما يزيد من حالة الاحتقان والكراهية والعداء المتبادل بين الجماهير، وتصاعد اعمال العنف والانتقام وبالتالي زيادة حالة الاحتقان الداخلي _ان لم تتم السيطرة على هذه التداعيات وتغليب الخطاب الوطني الجامع_ وما يساعد على ذلك كله انتشار جماعات من العوام على مواقع التواصل وسيما الفيس بوك تسمى بجماعات (( فلان تاج راسك)) التي تحمل شعارات وتعليقات: (ايران تاج راسك، السعودية تاج راسك، تركيا تاج راسك … إلخ ) وغيرها من التفاهات الطائفية النتنة.
ختاماً ايه العراقيين و يا جماعة ( فلان تاج راسك ) اعلموا ان كل من تركيا وايران والسعودية وروسيا وقطر وامريكا تعمل وتسعى وراء مصالحها العليا فقط وتستخدمنا كأدوات لتنفيذ مشاريعها، فلما نكون وسيلة لخراب بلدنا ؟ولما لا نعمل من اجل مصلحة بلدنا العليا ؟ تعالوا لنتوحد ونتماسك ونعلي هويتنا العراقية الوطنية على الهويات الفرعية ، فالعراق فقط تاج راس العراقيين ولا تاج لهم سواه …. فهل من متعظ ؟؟؟