هذه “النقاط الخمس” التي قد تطيح بمشاورات الأطراف اليمنية في الكويت؟
يرى مراقبون أن تركيز الحكومة اليمنية على الأجندة التي تنطلق من النقاط الخمس وعلى رأسها استعادة العملية السياسية من حيث توقفت، الانسحاب من المدن والمؤسسات، وتسليم أسلحة الدولة المنهوبة، وعودة الحكومة الشرعية لممارسة مهامها، ناتج عن قلق حكومي من أن يطرأ تغيير ما على ترتيب هذه النقاط، كأن تبدأ بعملية سياسية أولاً، أي شراكة في حكومة وطنية، ثم التفاهم حول نزع السلاح والانسحاب من المدن وعودة الحكومة.
منذ الدقائق الأولى لانطلاق مشاورات الكويت بين الحكومة اليمنية من جهة ووفد الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى، برعاية أممية، أمس الأول الخميس، حذّر وزير الخارجية اليمني، رئيس الوفد المفاوض عبدالملك المخلافي، من أي تغيير في الأجندة المتفق عليها، وأنه لا مجال للمناورات وافتعال الأزمات.
وكرر الوفد الحكومي تهديده أمس الجمعة أمام الصحفيين، بمغادرة الكويت “فوراً” في حال طرأ تغيير ما على الأجندة المتفق عليها للمشاورات، في إشارة إلى النقاط الخمس التي بحوزة كل طرف رؤيته الخاصة بشأن تطبيقها وتسلسلها.
وفد الحوثيين وحليفه صالح، يُصرّ من جهته على ما يسمونه “وقف العدوان”، في إشارة إلى الحرب التي يشنها ضدهم تحالف عربي بقيادة السعودية، ثم بعد ذلك يجري التفاهم حول تشكيل حكومة وطنية من مهامها الإشراف على الانسحاب من المدن واستلام السلاح إلى آخر النقاط الخمس.
ومن الواضح أن الحكومة اليمنية ترفض التعديل على ترتيب النقاط الخمس، جملة وتفصيلاً، وتتمسك بالنقاط كما وردت في القرار الأممي 2216 (الصادر في إبريل/ نيسان 2015)،، أي أن بدء العملية السياسية يجب أن يلي الانسحاب من المدن وتسليم السلاح وعودة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وقوات موالية لصالح منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
المراقبون يعتقدون أن الهوة الشاسعة بين الطرفين فيما يخص تنفيذ القرار الأممي 2216 ونقاطه الخمس، ربما تُطيح بمشاورات الكويت، ليعود الطرفان من جديد للحل العسكري الذي هدد به، الخميس، المتحدث باسم قوات التحالف العربي أحمد عسيري، في حال تعذر الحل السلمي في البلاد.
وتحاول الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، التوفيق بين رؤيتي الطرفين، وهي مهمة بالغة التعقيد، وربما تكون سبباً في عودة الأمور إلى المربع الأول من الاقتتال، وبوتيرة أكبر، وفق ما يرى مراقبون.
“ولد الشيخ” قال في كلمته بافتتاح المشاورات، إن “رؤيتنا في الأمم المتحدة أن هذه النقاط (يقصد الخمس) غير متسلسلة في التنفيذ، بل نرى أنه ستجري مناقشتها بشكل متواز في لجان عمل تدرس آليات تنفيذية بهدف التوصل إلى اتفاق واحد شامل يمهد لمسار سلمي ومنظم بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني”.
ويرى الباحث والمحلل السياسي الذي يكتب عدد من وسائل الإعلام المحلية والخارجية، نبيل البكيري، أن “الشروط المسبقة والأجندة المتعارضة لا يمكن أن تلتقي مهما حاول ولد الشيخ أن يغازل هذا الطرف أو ذاك، على حساب حقيقة استحالة الوصول إلى أي اتفاق يتناقض مع الواقع الموجود”.
وقال البكيري للأناضول إنه “ليس هناك نقاط التقاء بين الطرفين، وكل فريق له أجندة خاصة به لا يمكن أن يتنازل عنها، وبالتالي لن يلتقيا في شيء؛ فالانقلابيون (يقصد الحوثي/ صالح) لا يمكن أن ينصاعوا لما تريده الحكومة وقرارات المجتمع الدولي بخصوص اليمن، ولهذا لن يُكتب لهذه المشاورات النجاح مطلقاً”.
والمبادرة الخليجية هي اتفاق رعته دول الخليج لتسوية الأزمة السياسية في اليمن عقب “الثورة الشعبية” التي اندلعت ضد نظام صالح عام 2011، وبموجبه تم تنحية الأخير عن الحكم مقابل عدم الملاحقة القانونية، واختيارهادي رئيساً للبلاد، عقب انتخابات كانت بمثابة استفتاء عليه حيث لم يكن هناك منافسين آخرين.
بينما انعقد مؤتمر “الحوار الوطني في اليمن” خلال الفترة بين 18 مارس/آذار 2013 و 25 يناير/كانون ثان 2014، وشاركت فيه غالبية القوى والتيارات السياسية والمناطقية في اليمن بهدف الاتفاق على ملامح الحكم والدولة اليمنية في مرحلة ما بعد تنحي صالح، وخرج الحوار بمبادئ عامة في هذا الصدد.
من جهته يرى الصحفي اليمني فارس الحميري الذي يعمل في إحدى الوكالات العالمية، أن “أجندة الأمم المتحدة واضحة وتتمثل بتنفيذ روح القرار الأممي 2216، والذي أكد عليه ولد الشيخ بالنقاط الخمس”.
وأضاف في حديث للأناضول أن “الوفد الحكومي قدّم بناءّ على أجندة الأمم المتحدة لبحث آلية تنفيذية للقرار الأممي، ويدرك وفد الحوثي وصالح أن المحادثات التي دُعي إليها بالأجندة المتفق عليها من قبل المنظمة الدولية، لكنه يحاول المراوغة خاصة في مسألة تسليم السلاح للدولة”.
وأشار إلى أن “وفد الحوثي/ صالح يشترط البدء بتشكيل حكومة شراكة لتتسلم هي السلاح ومؤسسات الدولة، وهذا مخالف لنص القرار الأممي، ومراوغة لبقاء الحوثيين متسيدين على الأرض وعلى السلاح وكذا على المؤسسات الحكومية”.
ويختم بالقول: “الأهم أن تبحث الأمم المتحدة عن صيغه تنفيذية مرنة للقرار، بما يضمن إيقاف الحرب أولاً، ثم البحث عن النقاط التالية والتي تتمثل بالانسحاب وتسليم السلاح وعودة المؤسسات والإفراج عن المختطفين”.
بدوره، يعتقد عبدالله الدهمشي، الباحث في الدائرة السياسية بمركز الدراسات والبحوث اليمني (حكومي)، أن “الحرب في البلاد أوشكت على النهاية، لسببين الأول أنه لم يعد بمقدور الشعب تحمل المزيد من الكوارث والويلات، والثاني أن اللاعبين الكبار قرروا فعلاً وقف الحرب”.
وقال للأناضول: “اللاعبون الكبار (دول لم يسمها) أمروا أدواتهم التنفيذية في الداخل والخارج على حد سواء بوقف الحرب، وعليه فالمماطلات في المباحثات لن تفشل وصول الطرفين إلى تهدئة وإن كان بمقدورها تأخير ذلك”.
ويخوض الحوثيون وقوات موالية لصالح منذ عام 2014، قتالاً ضد قوات موالية لحكومة هادي، في حرب أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص، ونزوح أكثر من مليوني ونصف مليون نسمة، وفق أرقام أممية.
وفي 26 مارس/آذار 2015 بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية، قصف مواقع تابعة لجماعة الحوثي، وقوات موالية لصالح، ضمن عملية أسماها “عاصفة الحزم” استجابة لطلب الرئيس هادي بالتدخل عسكريًا لـ”حماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية”، قبل أن يعقبها في 21 أبريل/نيسان بعملية أخرى أطلق عليها اسم “إعادة الأمل”، قال إن من أهدافها شقًا سياسيًا يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين، وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة من خلال غارات جوية.
قبل أن يعلن المبعوث الأممي، الشهر الماضي، عن موافقة الأطراف اليمنية على هدنة في جميع أنحاء البلاد، بدأت منتصف ليل 10-11 أبريل/نيسان الجاري، وهي الهدنة التي تم اختراقها منذ الساعات الأولى لبدء سريانها، وسط تبادل للاتهامات حول هذا الأمر.