تعويم الجنيه سلاح ذو حدين قد يتسبب في انهيار الاقتصاد الوطني وإفلاس الدولة
بقلم : الدكتور عادل عامر
أن تعويم الجنيه سلاح ذو حدين، ولا بد وأن يتم من خلال مجموعة من الإجراءات الدقيقة والمدروسة، حتى لا يتسبب في انهيار الاقتصاد المصري، وإعلان إفلاس الدولة لان من أهم مميزات تعويم الجنيه أنه يقلل الضغط على البنك المركزي فيما يتعلق بحجم احتياطيات العملة الأجنبية فيه، لكن هذا العامل في الاقتصاد الكلى ليس مهما كثيرا، وإنما الأهم هو أن انخفاض قيمة العملة الوطنية نتيجة التعويم سيؤدى إلى زيادة الصادرات
حيث ستصبح المنتجات المصرية أرخص من غيرها في الأسواق الخارجية بسبب انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار واليورو، وبالتالي تصبح الصادرات المصرية أكثر تنافسية بسبب انخفاض أسعارها. ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع لجوء البنك المركزي المصري إلى التدخل كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية ويُتَّبع هذا الشكل من التعويم في بعض البلدان الرأسمالية ومجموعة من البلدان النامية التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك الفرنسي (سابقًا) أو بسلَّةٍ من العملات.
وعلى النقيض تماماً سترتفع أسعار الواردات المصرية بما يهدد الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد على أكثر من 60% من الواردات الخارجية، وقد تعجز الحكومة المصرية والمستوردين عن شراء الكثير من السلع المستوردة لارتفاع أسعارها، وهو ما يهدد بحدوث أزمة داخلية وخاصة لو كانت هذه السلعة إستراتيجية مثل القمح، أو الأسلحة والذخائر، ولكن هذا المأزق نفسه قد يكون مفيداً جداً للاقتصاد القومي، حيث إن عدم وجود السلعة الأجنبية سيجبر المواطن على استهلاك السلع المحلية، ويسهم في تنشيط الصناعة المحلية وبالتالي يزيد من النشاط الاقتصادي الداخلي.
أن تعويم الجنيه مسألة خطيرة وتحتاج إلى حسابات دقيقة ومعقدة، وحكومة قوية وحاسمة لمنع انهيار الاقتصاد الوطني، خاصة أن أكثر من 50% من قيمة الاقتصاد الوطني خارج سيطرة الحكومة وهو ما يطلق عليه «الاقتصاد الموازى»، أن تجربة تعويم الجنيه في 2003 في عهد الدكتور عاطف عبيد كانت فاشلة وسيئة السمعة، وكانت عواقبها وخيمة على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث تسببت في ارتفاع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50%، حيث كان سعر الدولار قبل «التعويم» 3 جنيهات و40 قرشا، ثم ارتفع بعد قرار التعويم ليصل إلى 7 جنيهات تقريباً، كما تسببت في ارتفاع جميع أسعار السلع والخدمات لأكثر من 70% تقريباً.
إن انسياق الحكومة المصرية وخضوعها لمطالب صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على قرض الـ12 مليار دولار، لأن تعويم الجنيه بدون اتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية وفى ظل الأوضاع الراهنة خاصة في ظل ضعف الصادرات، والسياحة وارتفاع الواردات، سيؤدى إلى أوضاع كارثية قد تؤدى إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد إلى 4 أضعاف، وهو ما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، خاصة أننا نعتمد على استيراد أكثر من 70% من المواد البترولية والسلع الغذائية من الخارج.
أن الاقتصاد الموازي يعتبر من مظاهر التخلف في المجتمعات، لما له من أضرار في هدر الموارد المادية والبشرية وسوء استغلالها، مما يؤدي إلى تفاقم معدلات البطالة، ولجوء الأفراد إلى ممارسة أنشطة اقتصادية خفية غير سوية؛ بسبب غياب الأنظمة الاقتصادية العادلة والسليمة، التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة واحتياجات المجتمع الأساسية لا المصالح الخاصة والربح السريع الناتج عن عمليات تجارية واقتصادية غير مشروعة ولا تتناسب مع احتياجات الأفراد والدول والمؤسسات.
الاقتصاد الموازي يؤثر بشكل كبير على المواطنين العاديين قبل الدولة، لان المواطن الفقير أكبر الخاسرين منه؛ لأن عدم الرسمية تكبح النمو الاقتصادي ومكاسب الإنتاجية على المدى الطويل، إضافة إلى نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعد المصدر الرئيس للوظائف. الاقتصاد الموازي يتسبب في خسائر فادحة في الإيرادات الضريبية، ويؤدي ذلك إلى عدم المساواة في الأجور إضافة إلى اختفاء العدالة الاجتماعية.
يكمن حجم الخطورة ، في دور الدولة الاقتصادي ، الذي تخلت عنه تماما ، في انه يمس قطاع عريض جدا ، من الفقراء ومحدودي الدخل ، ولان أبعاده الاجتماعية ، تعلن عن نفسها ، وتعبر عن محتواها ، بسرعة فائقة ، وقوة متناهية ، تجعل من الوقوف أمامها ، ضربا من المجازفة .
لأسباب اقتصادية .. ، يفترض أنها لصالح الاقتصاد القومي ، تم تعويم الجنيه جزئيا ، لأول مرة في عام 1989 م ، وأصبح سعره 3.30 جنيه = 1 دولار ، ثم وقعت الطامة الكبرى ، وارتكبت الجريمة العظمى ، في حق الوطن ، الاقتصاد ، والأرض ، والبشر ، حيث تم تعويم الجنيه بشكل كامل ، في عام 2003 م ، فهبط سعر الجنيه من 3.30 إلى 7.00 للدولار الواحد ، مما أدى إلى انخفاض هائل ، في القوة الشرائية للجنيه
محدثة ارتفاع جنوني في الأسعار ، وعجز حكومي شبه كامل ، عن تلبية الاحتياجات الضرورية ، للغالبية العظمى من الشعب المصري ، من الفقراء ومحدودي الدخل ، في ظل نظام فاسد ، بدأ سرقة الوطن بالخصخصة ، وانتهاج سياسة السوق الحرة ، وهدر حقوق الشعب ، وأكملها بتعويم الجنيه ، يضر بالواردات لأن المستورد سوف يضطر إلى دفع مبلغ أكبر من الجنيهات لتحويله إلى دولارات من أجل الاستيراد
فإذا كان يستورد على سبيل المثال بمبلغ مليون دولار، فبالتالي كان يدفع في السابق 9 مليون جنيه تقريباً، إلا أنه الآن بعد هذا التخفيض مضطر إلى دفع مبلغ 10 ملايين جنيه (إذا كانت قيمة التخفيض جنيه) وبالتالي ارتفع المبلغ بمقدار مليون جنيه ليحصل على مليون دولار. وبالطبع يقوم بتحميل هذه الزيادة إلى سعر السلعة، ليتحملها المستهلك في آخر الأمر، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم بنسبة كبيرة الفترة القادمة. أما إذا كان هناك عجز في الميزان التجاري المصري (قيمة الواردات أعلى من قيمة الصادرات)، فضلا عن أن جزءا كبيرا من الصادرات عبارة عن مواد أولية، فإن هذا التخفيض يتفاقم عجز الميزان التجاري. كما أن عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية غير مكتملة، وهو ما ظهر جلياً بعد أكثر من عام على انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وبالتالي فالفائدة في هذه الجزئية ستكون محدودة. ويترتب على تخفيض قيمة الجنيه ارتفاع الدين الخارجي للدولة؛ لأنها سوف تضطر إلى دفع مبلغ أكبر من ذي قبل حتى يتم مبادلته بالدولار
من أجل سداد الديون أو خدمة الدين، فإذا كانت الدولة مدينة بمبلغ مليار دولار على سبيل المثال، والذي يعادل نحو 9 مليارات جنيه، يصبح بعد التخفيض (لو كان جنيه مثلا) 10 مليارات جنيه. لو قلنا إن قيمة الجنيه انخفضت بنسبة 15% فإن القوة الشرائية للجنيه انخفضت بنفس القيمة مرة واحدة، وهو ما يتجاوز ما يفعله معدل التضخم في عام كامل، وبالتالي تآكلت قيمة المدخرات بنفس النسبة دفعة واحدة. فمن كان يملك مثلا مبلغ ألف جنيه مثلاً أصبحت القيمة الحقيقية لهذا المبلغ حال خفض قيمة الجنيه حوالي 855 جنيه تقريبا، ونقيس على ذلك الفوائد على الإيداعات سواء في البنوك أو المشروعات القومية المختلفة، وكذلك الرواتب بالجنيه المصري.