شبح يجول في الشرق الأوسط؛ أَو نهضة تتأسس؟
بقلم الباحث السياسي : سيهانوك ديبو
الأزمة في سوريا بل أزمات الشرق الأوسط على ما يبدو؛ تتحول إلى مرآة تعكس بوضوح أن النظام الدولي الآني أكثر النظم السياسية افتقاراً إلى الاستقرار؛ ربما بسبب أنه متألف ومتآلف بالأسس من عدد ضخم من الوحدات المتغيرة، وهذه الوحدات متسارعة التشكيل وتخضع إلى قاعدة إنتاج الأجدد من الوحدات، وما هو مميز في هذه الوحدات أنها تتبدل تحت أنظارنا دون أن يُتاح لأغلب من يقع عليهم فعل التغيير تتبع صيروراته وتقنينه.
يمكن أن نحصر ما يحدث في منطقتنا إلى مشاهد ثلاثة:
-الفوضى بنوعيها: الهدّامة والبنّاءة إذْ لا يوجد -على العموم- فوضى تحت مسمى الخلّاقة.
– الاضطراب: مرحلة سابقة بالضرورة للفوضى ويمكن أن تكون تجليّاً من تجلياتها؛ ودلالة من دلالات أقصى المخاض.
– خلايا الثبات: وهي المخصوصة بل المعلومة فيما تتعلق بالبداية والنهايات، وكلاهما أشد النقاط التي يتم الاستقتال عليها من قبل مركز/ مراكز الحوكمة العالمية. أما الثبات فهي مشاريع النهوض التي تحاول وحدات نظام الحوكمة العالمية التعكز عليها أو نهشها أو استعمالها أو الاستفادة منها أو الاطاحة بها في موقف ترى بأنها متمايزة عنها، ومن المفترض أن تكون هذه المشاريع باعتبارها مستمدة مستندة إلى إرادة الشعب وتحقق تطلعاته نحو التغيير الديمقراطي؛ فإنها تبلغ أقصى حالات الدبلوماسية والدفاع المشروع للحفاظ على نفسها والتحالف مع من يمكن التحالف معهم ضد الأخطار المشتركة؛ وتهدف هذه المشاريع الخروج من الأزمات بشكلين في الوقت نفسه أن تبدو متميزة متمايزة وأن تبدو ثابتة على اعتبارها مخرج الحل الأنسب.
وأبرز المشاريع الواضحة إن لمْ نقل الوحيدة في الحرب السورية هو مشروع الإدارات الذاتية الديمقراطية (الفيدرالية الديمقراطية)
-في العام 1848 كتب كلا من كارل ماركس وفريدرك أنجلز (البيان الشيوعي)، ويبدأ البيان: هناك شبح يجول في أوربا اسمه شبح الشيوعية. وضده اجتمع الجميع…. وما هو مطلوب منا أن نواجه هذه الخرافة التي تنظر لنا إلى أننا شبح…
-ربما نكون صائبين جداً لو قلنا أن مشروع جديد بفكر جديد يتم تصويره أنه الشبح ويتفق في ذلك الكثيرين (المختلفين- المتناقضين) على اختلاف مصالحهم ومنابتهم الأيديولوجية وعلى مختلف تبعيتهم؛ لكنهم يتفقون على معاداة الحل المجتمعي والمتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية كحل لكل أزمات الشرق الأوسط، والنهوض به والحيلولة دون الوقوع في الثأر؛ وثأر المجتمعات لا يخلو من الخطورة.
وفي تركيا اليوم نشهد السلوك نفسه المعتمد من قبل الواقعين تحت تأثير فخ التنميط وفخ المركزية وبالتالي فخ السلطوية، فأردوغان يثبت اليوم أنه قاتل لشعوب تركيا، وعدائه للكرد في تركيا يبدو صريحاً لأنهم خالفوه الرؤية والمشروع، وعدائه للكرد يقفز إلى خارج الحدود التركية في إيران والعراق وفي سوريا، وتركيا اليوم تترأس مجموعة الإطلاق على مشروع الفيدرالية الديمقراطية بأنه الشبح ووفق ذلك فإن تركيا تسابق الزمن رعباً من هذا المشروع الذي يعتبره الشبح.
لأن التاريخ متشابه متكرر ومتناسخ؛ الأدوات فقط تتغير والمجاميع التنميطية الحشدية فقط هي المتغيرة. فمن المستحيل أن تفشل حركة مجتمعية تمتلك مشروعاً ثورياً في جغرافية معينة؛ لأنها ببساطة ما تفعله هو كتابة ناصعة للتاريخ.
بالرغم من هذا المشهد المخيف إلّا أن الأزمات في الشرق الأوسط تحتمل مدخلاً واحداً متبوع برمته للديمقراطية، والأخيرة هي المغيّبة وعملية البحث عنها جارية.
ويتوجب علينا نحن الكرد مثل غيرنا أن نكون الفاعلين في مشاريع النهوض، والمشروع الذي بحوزتنا نعتبره المدخل من أجل اختراق الأزمة وأن نبرهن للجميع بأنه ليس شبح بل ضد الشبح؛ وحينها نكون قد كوّنا أساساً في جدلية التكامل/ الاستبعاد، وهذا في محصلته يؤدي إلى استنبات – للمرة الأولى في تاريخنا- المجتمع الثقافي السياسي.