مقالات
بوتفليقة نجح في تدمير حزب فرنسا في الجزائر
بقلم : زكرياء حبيبي
اتهامات خطيرة للغاية وجّهها مساء هذا اليوم، الأربعاء 05 أكتوبر، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عمار سعداني، ضد رئيس جهاز المخابرات السابق، الجنرال توفيق، وحتى ضد سلفه عبد العزيز بلخادم، فقد اتهم سعداني الجنرال توفيق بأنه “رأس حربة ضباط فرنسا” وعبد العزيز بلخادم بأنه “زعيم مناضلي فرنسا بالجزائر”، ولم يقف سعداني عند هذا الحدّ بل إنه اتهم الجنرال توفيق بأنه هو من “حرك غرداية وورقلة وتوقرت وعين صالح وأرسل نكاز هناك”، وقبله وقف ضباط فرنسا وراء أحداث أكتوبر 1988 بحسب سعداني دائما، بغرض “إسقاط جبهة التحرير الوطني”.
هذا الكلام الخطير للغاية، يصدر اليوم على لسان زعيم حزب الأغلبية في الجزائر، ما يستدعي أخذه على محمل الجدّ، فالرجل لم يتكلّم من فراغ، بل من موقع المسؤول الكبير الذي يعرف دقائق الأمور، وما دام أن الأحداث التي شهدتها غرداية وورقلة وتوقرت وعين صالح، قد تسببت في إزهاق أرواح العديد من المواطنين، وجرح المئات، وتدمير العديد من الأملاك العامة والخاصة، فالمنطق يفرض على السلطات فتح تحقيق جاد ومسؤول لكشف هوية من حرك هذه الفتن التي كادت أن تشكل خطرا غير مسبوق على أمن ووحدة وسيادة الجزائر، وما دام أن سعداني قد وجه أصابع الإتهام بشكل مباشر إلى الجنرال توفيق، فهل يمكن أن نرى العدالة الجزائرية تتحرّك لمساءلة الجنرال توفيق، والتحقق من صِدقية اتهامات سعداني له؟
لن نسهب كثيرا في استقراء ما قد يحدث، لأن ما يهمنا في هذا الموضوع، هو أن سعداني من خلال اتهامه للجنرال توفيق وسلفه بلخادم، وتحامله الكبير على فرنسا التي قال إنها شكلت “لوبي من الضباط والمثقفين والمناضلين والمجاهدين…”، لخدمة مصالحها في الجزائر، وتصريحه الموجه بشكل ضمني إلى فرنسا بأنه “من الآن فصاعدا من يريد التعامل مع الجزائر عليه التعامل مع المؤسسات وليس الأشخاص الذين سقطوا”، قلنا أنه من خلال هذه الإتهامات يسعى سعداني إلى التأكيد بأن زمن اللعب الفرنسي في الجزائر قد انتهى، وأن من يُعوّل على باريس لتحقيق أهدافه السياسية في الجزائر فهو واهم، أي بعبارة أخرى كأننا بسعداني يعلن عن بداية القطيعة مع التدخل الفرنسي في الجزائر، وهذا ما يمكننا قراءته في تصريحه الذي جاء فيه: “الرئاسة يترأسها مجاهد يساعده سلال، والجيش يترأسه مجاهد يعرف ضباط فرنسا جيدا، ومصالح الأمن أصبحت في يد باتريوت“، بل أكثر من ذلك فإن سعداني من خلال تصريحه هذا، ينفي قطعيا ما راج من إشاعات أطلقها بعض من يدّعون أنهم معارضون جزائريون في الخارج، والتي مفادها وجود خلافات بين رجالات الرئيس بوتفليقة، وبعكس ذلك يجدد سعداني التأكيد على وجود انسجام كبير بين مؤسسات الدولة.
برأيي أن الهجوم الكاسح الذي شنه عمار سعداني على فرنسا وبيادقها في الجزائر، يحمل دلالات عميقة للغاية، تصب كلها باتجاه التأكيد على أنّ الممارسة السياسية في البلاد لن تكون كما كانت عليه إبان سيطرة الجنرال توفيق على كل مناحي الحياة السياسية، بما في ذلك صُنع الرؤساء، وتعيين الوزراء وكبار المسؤولين، وتوزيع مقاعد المجالس المنتخبة على شكل حصص “كوطات” بين الأحزاب، تتناسب بالدرجة الأولى مع حجم ولائها للجنرال توفيق وحزب فرنسا بشكل عام، وبمعنى آخر، فإن بعض الأحزاب التي كانت تستفيد من دعم وإسناد المخابرات على عهد توفيق، ستجد نفسها يتيمة مع أول موعد انتخابي قادم، كما أن بعض الأبواق الإعلامية التي نجحت في احتكار الفضاء الإعلامي الجزائري، على عهد الجنرال توفيق دائما، سوف تدفع هي الأخرى الثمن غاليا، خاصة في حال كشف أرشيف ممارساتها المشبوهة، وانخراطها في الترويج للفتن التي خرجت منها الجزائر والحمد لله بسلام، بفضل السياسة الحكيمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعتبر المهندس الحقيقي للسياسة التي خلّصت إلى حدّ بعيد الجزائر من قبضة “حزب فرنسا”، وأعادت سلطة اتخاذ القرار إلى الشعب الجزائري السيد، وهذا ما سيتجلّى بكل تأكيد في الإنتخابات التشريعية القادمة، التي ستُظهر لنا الأحجام الحقيقية للأحزاب، بل لا أستبعد أن بعض الأحزاب والشخصيات التي نفخها الجنرال توفيق ستعلن جهرا موتها السياسي، وللأبد.