مقالات

سعداني وبلخادم والغارقون في مستنقع الربيع العربي

بقلم : زكرياء حبيبي

يبدو أن ذاكرة بعض الإعلاميين والسياسيين ضعيفة، وغير قادرة على استحضار بعض المواقف السياسية الحاسمة التي شهدتها الساحة السياسية في الجزائر منذ أمد قصير للغاية، الأمر الذي يجعل هؤلاء عاجزين عن استقراء المستجدات على الساحة، وفي أحيان عديدة يقومون بإسقاطات غير مفهومة وغير مؤسسة، بشأن قضايا هامة تعيشها البلاد، ولا أدلّ على ذلك ممّا جرى مؤخرا عندما أطلق الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني وابلا من الإتهامات الخطيرة بحق مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين المدعو “توفيق”، وسلفه عبد العزيز بلخادم، فالبعض من السياسيين والإعلاميين ذهب إلى حدّ الجزم، بأن خرجة سعداني ستُعجّل برحيله من على رأس الأفلان، واستدلوا في ذلك بما قيل إنها تسريبات من رئاسة الجمهورية، تفيد بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد انزعج من تصريحات سعداني، وأنه كلف الوزير الأول عبد المالك سلال بتقديم الإعتذارات له بخصوص تصفيق بعض كبار مسؤولي الدولة والوزراء على كلام سعداني.
شخصيا أُصبت بحالة من الذهول، لدى سماعي هذه الأخبار والتسريبات، لأن ما قيل عن الجنرال توفيق من قبل سعداني حتى عندما كان الأخير في منصبه، لم يكن يخلو بتاتا من الخطورة، والجنرال توفيق، برغم ذلك، إلتزم الصمت ولم يتحرك على الإطلاق، كما أنه فيما يتعلّق بالأمين العام السابق للأفلان عبد العزيز بلخادم، فالإتهامات التي ساقها له عمار سعداني ليست بالجديدة، فقد سبق للمرحوم أحمد لخضر بن سعيد الأمين العام السابق للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء، أن وجه له اتهامات خطيرة للغاية، وهذا عندما كان بلخادم أمينا عاما للأفلان، حيث صرح بن سعيد عبر العديد من وسائل الإعلام، ومن بينها الخبر الأسبوعي في شهر ماي 2009 أن “بلخادم هو أحد رموز ”الحزب الخفي”، أي ”حزب فرنسا” في الجزائر، وكشف يقول: ”كان بلخادم الكاتب الشخصي والسري للعربي بلخير، كلما تكون مؤامرة على الجزائر، وكلما يكون هناك ملف يتطلب حضور معربين، تُوجه الدعوة لبلخادم…”، كما اتهم بن سعيد في حواره مع الخبر الأسبوعي دائما، عبد العزيز بلخادم بقيامه بدور كبير في فتنة إضراب واعتصام مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991 بقوله: ”كان بلخادم أحد العناصر المشجعة لذلك الاعتصام، وكان مكلفا بمهمة ألا وهي الإطاحة بحكومة مولود حمروش!”· برغم كلّ هذه الإتهامات الخطيرة، إلا أن بلخادم لم يجرؤ على الرّد على أحمد لخضر بن سعيد، آنذاك، والتزم الصمت المُريب، بعكس ما يقوم به اليوم مع عمار سعداني، حيث وصل الأمر بجماعته إلى حدّ تنظيم احتجاجات في مدينتي الأغواط وبشار.
خروج بلخادم إلى الواجهة هذه المرّة، يستدعي النبش في بواعثه الحقيقية، فالرجل ظلّ مقبورا سياسيا وإعلاميا منذ إنهاء مهامه من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لاعتبارات سبق أن تحدّثت عنها بعض وسائل الإعلام، تتمثل بالأساس في لقاءاته المشبوهة مع سفراء دول أجنبية، من بينها، الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات المغرب وقطر، وقيامه بالحديث باسم الرئيس بوتفليقة، بل والتصريح بأنه هو من سيكون خليفته في قصر المرادية، إضافة إلى لقاءاته مع معارضين للرئيس، الأمر الذي كلّفه الإبعاد من الحكومة وحزب الأفلان ككل، والظاهر أن الجهات نفسها التي أوعزت إلى بلخادم أن يتحرك ضدّ الرئيس بوتفليقة آنذاك، هي نفسها التي تدفع به إلى واجهة الأحداث اليوم، وهذا بالتزامن مع تحرك المغني المنبوذ فرحات مهني، الذي بات يهدد الشعب الجزائري بحمل السلاح ضده، وبالتزامن مع الحملات المسعورة لفرنسا التي بات همها الرئيسي هو ردّ الإعتبار لخونة الثورة الجزائرية “الحركى”، واستفزاز الجزائر، الأمر الذي يُوحي بأن البلاد مقبلة مرة أخرى على موجة جديدة من التحرش، شبيهة بتلك التي عشناها مع بداية تنفيذ مؤامرة الربيع العربي، وأقول ذلك، لأن بلخادم بدأ يُحرك أنصاره ويدفع بهم للتظاهر في الشارع، تأييدا له، وللمطالبة بالإنقلاب على عمّار سعداني، ولتهيئة الطريق لعودته من الباب الواسع لرئاسة الأفلان، وهنا يتوجب أن نقف برهة من الوقت، ونتساءل بكل هدوء، هل إنتفت بحق الأسباب التي أدت إلى إبعاد بلخادم من كل أجهزة الدولة وحزب الأفلان؟ وهل في حال ما عاد بلخادم للساحة السياسية، سيتوب ويعتذر عمّا قام به من إساءة للدولة الجزائرية، بحديثه لسفراء دول على لسان الرئيس بوتفليقة؟
بكل تأكيد أن بلخادم يلعب في الوقت بدل الضائع، خاصة مع فشل مؤامرة الربيع العربي في الجزائر، وفقدان مشغليه لنفوذهم في الوطن العربي ككل، وانقلاب موازين القوى على المستوى العالمي، فالذين كانوا يراهنون على أمثال بلخادم لجرّ الجزائر إلى بيت الطاعة أو الفوضى، هم اليوم يبحثون عن مخارج آمنة لهم من المستنقع الذي غرقوا فيه بفعل مؤامراتهم، ولا أظن أن لهم القدرة على إخراج بلخادم من المستنقع الذي غرق فيه هو كذلك.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى