مقالات
كان لكم “الربيع العربي” ولنا “الزلزال العربي”
بقلم : زكرياء حبيبي
بتاريخ 05 سبتمبر 2013 نشرت مقالا بعنوان: “حذارِ مصر من العسل السّعودي.. سوريا درعُك الواقي”، من بين ما جاء فيه: “… فصحيح أن سعود الفيصل قد قدّم 12 مليار دولار لمصر بعد عزل مُرسي، لكّن بندره المُخابراتي، كان ينتظر من مصر، أن تبيع لآل سعود والصهاينة أمنها القومي، عبر دعم العدوان على سوريا، وهذا ما لم ولن يحصل”، استحضرت هذه الفقرة من المقال، لأؤكد مرّة أخرى أن مصر من المستحيل أن تعقد صفقات على حساب أمنها القومي، وإنّها بعد إطاحة الشعب المصري بالرئيس الإخواني محمد مرسي الذي دعا بشكل صريح لا غبار عليه إلى “الجهاد في سوريا” -وهي الدعوة التي يرى المحللون أنها عجلت برحيله-، وجدت مصر نفسها مجبرة على إتباع المثل القائل: “ دَارِهِم مَا دُمت فِي دَارهُم وأرِضِهم”، فمصر بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي زمام الأمور، كانت بحق في عين الإعصار، ولم يكن لها هامش كبير للمُناورة، فخزائنها كانت شبه فارغة، ومطالب الشعب المصري كانت كثيرة ومُلحّة، لذا فضل الرئيس السيسي إتباع سياسة المهادنة إلى حين ترتيب الأمور الداخلية، وإخراج مصر من عين الإعصار، فكان أن قبل بالتقارب الكبير مع آل سعود، ليس حُبّا فيهم، وإنما لدرء شرور تركيا ودُويلة قطر على وجه التحديد، ومع مرور الوقت، أصبحنا نرى السياسة المصرية تعود رُويدا رُويدا إلى اتجاه بُوصلتها الحقيقية، ودورها الجوهري والمحوري على المستوى العربي والإقليمي والدولي، بحيث بدأنا نرى مصر تتخذ مواقف قوية وحازمة خاصة فيما يتعلّق بالحرب على سوريا، ولعلّ أبرز حدث يستدعي قراءته بشكل عميق، هو الزيارة التي قام بها اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري للقاهرة ولقاؤه اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الأمن القومي في مصر، فما يعطي لهذه الزيارة بُعدها الإستراتيجي، هو الإعلان عنها بشكل رسمي، بعكس ما كان يحدث في لقاءات مماثلة سابقة، ومن وجهة نظري أن هذه الزيارة بشكلها الحالي تُمثل أقوى رسالة وجّهتها مصر لدول محور الشّر، بما فيها مملكة آل سعود، فمصر من خلال هذه الزيارة الأمنية بامتياز، تؤكد بشكل جليّ أن أمنها القومي من أمن سوريا والعكس صحيح، وهذا ما لا يمكن لآل سعود وباقي بيادق أمريكا وإسرائيل القبول به، لأن هدف المتآمرين كان بالأساس تدمير سوريا بعد تدمير العراق، للتفرغ إلى تدمير مصر، وهذا ما دفعني بحق إلى تنبيه أشقاءنا المصريين من خلال مقالي المعنون ب “حذارِ مصر من العسل السّعودي.. سوريا درعُك الواقي”، ليقيني أنّ انخراط مصر في محور الشّر الصهيوأمريكي، وابتعادها عن دورها الأصيل، سيُشكل أكبر كارثة، ليس لمصر وكفى، وإنما لكافة الوطن العربي وحتى الإسلامي، ولا أخفيكم سرّا أنني في قرارة نفسي، كنت على يقين بأن مصر عائدة إلى لعب دورها في القريب العاجل، لأن من أخذ زمام الأمور فيها، هو قائد عسكري كبير متشبّع بتاريخ مصر العربي والقومي، أضف إلى ذلك أن الجيش المصري، هو جيش عقائدي لا يُمكنه أن ينسلخ عن عمقه القومي العربي، وهذا الجيش هو الذي يُساند وبقوة، مسار التقويم الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الآن وبعد أن توقّفت بشكل عمدي ولشهور عديدة عن الكتابة عن مستجدات الوضع في الساحة العربية، للإهتمام بالدرجة الأولى بالشأن الداخلي في الجزائر، التي كانت ولا تزال تتربص لها قوى الشرّ، لإلحاقها بركب الدول العربية التي دمّرها “الربيع العربي”، على اعتبار أنني وصلت إلى حالة من الإطمئنان الكبير على مستقبل سوريا قلب العروبة النابض، وإلى قناعة أكيدة بأن سوريا هي من ستُزلزل أركان عروش الخيانة في بعض دول الخليج، وستدُك وتُدمّر أحلام الإمبراطور العثماني الجديد “أردوغان”، قُلت الآن يُمكنني أن أجزم بأن صمود سوريا قيادة وشعبا وجيشا، هو الذي سيُغيّر بشكل جذري خارطة موازين القوى في العالم بأسره، وهو ما بدأ يتجسد على أرض الواقع، فمحور الشّر الصهيوأمريكي، حتى لا نتحدث عن بيادقه، وصل إلى قناعة غير قابلة للتأويل، وهي أن سوريا لن تسقط، خاصة مع عودة مصر للعب دورها الجوهري على المستوى العربي والإقليمي والدولي، ومصر كما هو معلوم للجميع، ترى في أمن سوريا امتدادا لأمنها القومي، وأخص مصر بالذكر، لأن بعض الأعراب حاولوا مساومتها في أمنها، ومُقايضته بتأمين الغذاء لشعبها، وهو ما أظن أنه استفزّ القيادة المصرية وعجّل بكلّ تأكيد بعودتها إلى مكانتها الطبيعية، التي لا تقبل بأن تتخندق مع من يبيعون شرف الأمة العربية، ويتآمرون على شعوبها، فمصر بمكانتها ومؤهلاتها قادرة على تجاوز الأزمة الظرفية، وتحقيق انطلاقة قوية في مسارها التنموي، بتعاونها مع الشرفاء، الذين يعرفون قيمة مصر وما أدراك ما مصر، فمصر اليوم تُجري مناورات عسكرية غير مسبوقة مع روسيا، ومصر اليوم وعبر رئيسها عبد الفتاح السيسي تُجهر بأنها “لن تركع إلا لله”، وهنا يتوجّب على الشقيقة الكُبرى مصر، أن تُثني على تضحيات الشعب السوري، التي لولاها لما عادت مصر إلى مكانتها في هذا الزمن القياسي.
هذا الموقف المصري الذي يُمكن وصفه ب”الزلزال” الذي ضرب المنطقة العربية، يجب أن يُحرّك برأيي ما تبقى من عقل وضمير عربي في بعض البلدان “العربية” التي تآمرت علينا جميعا، وبذّرت ثروات طائلة في سبيل تدمير العديد من البلدان العربية كليبيا وسوريا واليمن والعراق… فهذه البلدان المُتآمرة وعلى رأسها مملكة آل سعود وقطر والإمارات، باتت اليوم غارقة في مستنقع مؤامراتها، فآل سعود الحليف الإستراتيجي لآل صهيون، لم تشفع لهم مُقاولتهم للصهاينة والأمريكان، في البقاء بمنأى عن العاصفة، بل إنهم بغبائهم وجدوا أنفسهم في قلب الإعصار، فآل سعود جازاهم مُوظفوهم بالبيت الأبيض بقانون “جاستا”، الذي سيجعل رقابهم تحت مقصلة المحاكم الأمريكية، وسينهب أموالهم المنهوبة أصلا في الخزينة الأمريكية، كما أن آل سعود الذين فقدوا البُوصلة في اليمن، سيجدون أنفسهم تحت طائلة المتابعة الجنائية الدولية، بسبب ارتكابهم جرائم حرب في اليمن، إقشعرت لها الأبدان في العالم أجمع، ولم يقوَ حتى الحليف الأمريكي على التستر عليهم بشأنها، وبخاصة مع ارتكابهم للمجزرة الأخيرة في صنعاء، والتي أرى شخصيا أن الأمريكيين والصهاينة سيُمارسون من خلالها أكبر عملية إبتزاز لآل سعود، بل ولا أستبعد أن آل سعود بحماقاتهم، سيُعجّلون بنهايتهم، بالشكل الذي لا يعلم به إلا الله، وفي سياق تعداد خسائر المُقاولين، يتوجّب التعريج على ما تعيشه تركيا في ظل مواصلة العثماني الجديد “أردوغان” لحماقاته هو الآخر، فهل يعلم أردوغان أن الغرب الذي راهن عليه ليتحوّل إلى قوة عُظمى، هو الذي قزّمه وسيُقزّمه، إلى أن يُحوّله إلى “لا شيء”، فعوض أن يهتم هذا “الأردوغاني” بتوطيد علاقاته مع جيرانه وعلى رأسهم سوريا والعراق وإيران، رأيناه كيف أشعل نيران الفتن على طول حدود بلاده معها، بل ونرى اليوم كيف أن تركيا باتت قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب مع العراق وحتى سوريا، جرّاء تدخلها السافر في أراضيهما، فهل يُعقل بعد مرور أكثر من 5 سنوات من انطلاق تنفيذ مؤامرة “الربيع العربي”، ألا ينتبه هذا الأردوغاني العثماني الجديد، أنه كان ودولته ضحية أكبر مؤامرة صُهيوأمريكية، نجحت في وقف مسار التطور والتنمية في تركيا؟
في الختام أؤكّد مرّة أخرى، أنه بعد “الربيع العربي”، سنعيش تفاصيل “الزلزال العربي”، الذي سيقلب كل الموازين، وسيجسد المثل القائل “وانقلب السحر على الساحرين”.