الإسلاميون في الجزائر: من المطالبة برحيل السلطة إلى طلب عفوها وغفرانها
بقلم : زكرياء حبيبي
لم أتفاجأ على الإطلاق عندما قرأت بيان مجلس شورى حركة مجتمع السلم “حمس” نهار هذا اليوم، والذي أعلن مشاركة الحركة في الإنتخابات التشريعية المقبلة، وباقي الإستحقاقات المحلية، من منطلق أن حركة حمس في أصلها ك”السمكة” لا يمكنها العيش خارج السلطة، فحمس تقوّت وكبر حجمها عندما كانت مشاركة في التحالف الرئاسي مع حزبي جبهة التحرير الوطني “الأفلان” والتجمع الوطني الديمقراطي “الأرندي”، وأعلنت طلاقها مع هذا التحالف مباشرة بعد هبوب “الربيع العربي” الذي أوصل الإسلاميين إلى السلطة في كل من تونس وليبيا والمغرب ومصر، فحمس “السمكة” توهمت أنها قادرة على حجز “بحر من السلطة” مع وصول أمواج “الربيع العربي” إلى الجزائر، لكن حقيقة الأمر أن حلمها تحوّل إلى مجرد “سمكة أبريل”، ولذلك رأينا كيف تشقّق بيت حمس بفعل الجفاف الذي أصابها جراء غلق حنفيات “الإعتلاف” التي نجحت في فتحها عن آخرها عندما كانت ممثلة بوزراء في الحكومة.
ومع تواصل الجفاف، سعى بعض قادة “حمس” وعلى رأسهم رئيسها عبد الرزاق مقري، التلويح بعصا المعارضة في وجه السلطة علّ وعسى تتمكن من إرهابها وبالتالي تُملي شروطها عليها، فكان أن وجدنا حمس في مقدمة الأحزاب المُعارضة وبشراسة، وحتى تكتسب المزيد من الرهبة، أسست حمس مع بعض الأحزاب الإسلاموية الأخرى وبعض الأحزاب التي راهنت على العامل الخارجي في التغيير، وبعض الشخصيات السياسية المُعارضة، ما سُمي بتنسيقية الإنتقال الديمقراطي، التي قدّمت نفسها على أنها البديل للسلطة، وأنها هي من تملك “الشرعية الشعبية”، وأنها بذلك من غير الوارد أن تتحاور معها على الإطلاق، بل تنتظر منها فقط أن تسلمها زمام الأمور و”ترحل”، تيمنا بما جرى في الدول التي عصف بها الربيع العربي، أو تيمنا بالنموذج المغربي، الذي تمّ تصنيعه بدهاء كبير، وبمباركة من القصر الملكي المغربي، لتسهيل مهمة الإخوان المسلمين في البلدان العربية التي تمّ التخطيط لاستهدافها، وعلى رأسها الجزائر، لأنه في الوعي الشعبي، من غير المقبول أن يصل الإسلاميون إلى السلطة في المملكة المغربية، ولا يتمّ تمكينهم منها في الجزائر وتونس ومصر وليبيا….
اصطدام حركة حمس بالجدار، وتيقنها بأن فرص اللعب في الجزائر وبالجزائر شبه منعدمة، جعلها تُصاب بأعراض “الربيع العربي” من الداخل، حيث شهدت موجة من الإنشقاقات، متبوعة بحالة من الغضب الشديد في ما تبقّى من قواعدها، وحتى لدى بعض قيادييها، وعلى رأسهم رئيسها السابق أبو جرّة سلطاني الذي كان أول من أعلن عن قرب تطليق حمس للتحالف الرئاسي من على منبر الجزيرة مباشر في الدوحة، بعدما تلقّى ربّما ضمانات بأن داعمي مؤامرة الربيع العربي سيفرشون لحركته البساط الأحمر للإستحواذ على السلطة دونما حاجة إلى التحالف أو غيره، وحقيقة أن أبو جرة سلطاني وبمجرد عودته إلى الجزائر، أعلن الطلاق مع التحالف الرئاسي، والتخندق في مربع المعارضة، لكنه اليوم وهو يرى حجم الضرر الذي ألحقه بحمس، بات من أشد المطالبين بالمشاركة في الإنتخابات القادمة شأنه في ذلك شأن السواد الأعظم من قياداتها، فهم وصلوا إلى قناعة بأن بقاءهم في المعارضة هو شكل من أشكال الإنتحار السياسي، وهذا ما يمكن أن نقرأه في بيان مجلس شورى حمس والذي ورد فيه ما يلي: “الحركة سبق وأن شاركت في الاستحقاقات السابقة بنفس الشروط واستطاعت أن تحافظ على الحد الأدنى من التنافسية والحضور في كل البرلمانات رغم مصداقيتها المنقوصة، واستطاعت أن تقترح وتبادر وتعارض القرارات التي لا تخدم تطلعات المجتمع ورفعت الانشغالات وحافظت على حضورها السياسي والإعلامي … إن سبيل التغيير والإصلاح والتدافع مع منظومة الحكم مستمر ويتطلب نفسا طويلا وأن مقاربتنا السياسية الجديدة تحتاج إلى أدوات لإسنادها وعناصر قوة لدعمها، ومنها نواب البرلمان وحصانتهم والمنتخبين المحليين وارتباطهم المحلي بالجماهير… وأن أهم موقع للمعارضة في كل العالم هو البرلمان حيث تناقش القوانين والتشريعات” لم أشأ أن أستعرض ديباجة البيان، التي حاولت تبرير قرار المشاركة في الإنتخابات المقبلة، لأنها مُثخنة بالديماغوجية لا غير، وفضلت الوقوف عند هذه النقط، لأنها تُعرّي الوجه الإيديولوجي الحقيقي لغالبية الإسلاميين في الجزائر، فمجلس شورى حمس يحاول فقط أن يُذكّر السلطة ومعها مناضلي الحركة، بأن الحركة شاركت في الإستحقاقات السابقة، لكنها لم تتمكن من إحداث التغيير المنشود، وبما أن أهم موقع للمعارضة هو في البرلمان، فإن حمس مرغمة بالتالي على المشاركة في التشريعيات المقبلة، وما استرعى انتباهي بشكل كبير في البيان، أنه ابتعد بشكل شبه كلّي عن اتهام البرلمان بأنه فاقد للشرعية، كما عودتنا على ذلك حمس وغالبية أحزاب المعارضة الأخرى، فالبيان يتحدث هذه المرة عن “مصداقية البرلمان المنقوصة” وهذا يمثل برأي انعطافة غير مسبوقة في خطاب حمس “في زمن المعارضة”، وبالتالي فكأننا بحمس تستجدي رضا السلطات، وتطلب العفو عمّا بدر من بعض قيادييها، لكنّ برأيي دائما أن “توبة حمس منقوصة” بل ولا يمكن الوثوق بها، لأنها عندما تُغيّر خطابها اليوم، فهي إنما تعود إلى تطبيق إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، التي ترتكز على الإختراق والمهادنة إلى غاية اكتساب قوة التغيير، وهو ما جاء بشكل صريح في البيان عندما أكد على “إن سبيل التغيير والإصلاح والتدافع مع منظومة الحكم مستمر ويتطلب نفسا طويلا، وأن مقاربتنا السياسية الجديدة تحتاج إلى أدوات لإسنادها وعناصر قوة لدعمها..” وبالتالي فانعطافة حمس ما هي إلا تكتيك مرحلي، فرضه عليها انقلاب موازين القوة داخليا وإقليميا ودوليا، شأنها شأن العديد من الأحزاب الأخرى التي كانت إلى جنبها في تنسيقية الإنتقال الديمقراطي، والتي رفعت سقف مطالبها إلى حدود اللامعقول ولم تكن ترضى إلا ب”رحيل السلطة”، وهي اليوم تبحث عن مخارج النجدة، لضمان مواقع لها في البرلمان القادم، ولمَ لا في الحكومة أيضا، فمُشغلو هذه الأحزاب في الداخل والخارج أفلَ نجمهم، وتحوّلوا إلى أوراق خاسرة ومحروقة، وهذا ما يُملي على قادة هذه الأحزاب أن يتحوّلوا وبشكل علني ومفضوح من “المطالبة برحيل السلطة، إلى طلب عفوها وغفرانها” ولله في خلقه شؤون…