مقالات

الفوضى.. طريق الإرهاب للعودة إلى الجزائر

بقلم: زكرياء حبيبي

لماذا اندلعت أحداث الشغب بمدينتي بجاية والبويرة مع بداية العام الجديد؟ أولا يُذكرنا ذلك بأن أحداث “«الربيع العربي»” اندلعت هي الأخرى مع بداية 2011، وأكثر من ذلك كله أن أحداث بجاية تأتي بعد انتصار حلب في سوريا، وانطلاق مسار التسوية الذي ترعاه كل من روسيا وتركيا وإيران، بعيدا نوعا ما عن الضغط الأمريكي، وهي التسوية التي يُرتقب معها عودة آلاف الإرهابيين إلى بلدانهم، ونخص بالذكر آلاف الإرهابيين التونسيين، الذين باتت عودتهم تُؤرّق سلطات بلادهم، بل وترمي بظلالها على الوضع الأمني في الجزائر على وجه التحديد، وهو الأمر الذي دفع بالجزائر إلى إعلان شبه حالة طوارئ على حدودها الشرقية لمنع تسلل الإرهابيين العائدين من سوريا والعراق.

وسط هذه الأجواء الأمنية المشحونة والمتوترة لا يمكن فهم أحداث بجاية والبويرة إلا في سياق تحضير الأرضية لإعادة انتشار الإرهابيين في البلاد، لأن أهم عامل مُساعد على اختراق الإرهاب لحدودنا، يتمثل في نشر الفوضى والفتن في داخل الجزائر، لإلهاء مصالح الأمن وإبعادها عن مهمتها الرئيسية المتمثلة في حماية حدود البلاد، وهذا ما تُؤكده تصريحات وزير الداخلية نور الدين بدوي التي أطلقها مساء يوم الاثنين 02 يناير من قالمة، والتي قال فيها بأن: “التحدي الأول والأساسي للجزائر في سنة 2017 يكمن في الحفاظ على أمنها واستقرارها من كل التهديدات الإرهابية”، كما كشف بأن: “سنة 2016 تم خلالها حجز كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة الحربية والقضاء على العشرات من الإرهابيين بفضل مجهودات ويقظة المصالح الأمنية وفي مقدمتها الجيش الوطني الشعبي”، وهذا يعني بوضوح أنّ الجزائر نجحت بحق في تحصين حدودها، والقضاء على الإرهابيين الذين حاولوا التسلل إليها وإقامة مستودعات للأسلحة والذخيرة في مناطق متفرقة من البلاد، لاستعمالها في ساعة الصفر، وهي الساعة التي لم ولن تتحقق لهم، وهذا برأيي ما جعل المهندسين الحقيقيين للمؤامرة على الجزائر، يلجأون إلى تكتيكات عديدة، لإحداث خرق في المنظومة الأمنية عندنا، فرأينا كيف أنهم أجّجوا نيران الفتنة الطائفية في غرداية، لكنهم فشلوا في تحقيق غاياتهم، وراحوا مرّة أخرى يزرعون خلايا مذهبية غريبة عن مجتمعنا الجزائري، لضرب استقرار الجزائريين، لكن حتى هذه المحاولات مُنّت بالفشل، وراهنوا على استقطاب بعض القوى والشخصيات السياسية، وتحضيرها للعب دور المعارضة الهدّامة، في إطار حلف انفرط بمجرّد اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية المقررة شهر ماي المقبل، وما دام أن قوى الشّر الخارجية المُتربصة بالجزائر لا تعترف بالفشل على الإطلاق، لأن فشل مشاريعها لن يضرّها كثيرا، نراها اليوم قد حرّكت بيادقها وأدواتها عندنا في الداخل، رافعة شعارات رنانة للغاية، كالدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين، والتنديد بقانون المالية لسنة 2017، وداعية في الوقت نفسه إلى “العصيان المدني”، ولأن هذه الدعوات المشبوهة لا عنوان لها في الداخل، وأصحابها مجهولو الهوية، فإنّ غالبية الجزائريين لم يستجيبوا إليها، وبالضرورة، فإن مهندسي هذه المؤامرة الجديدة على الجزائر، لجأوا كعادتهم إلى الإيعاز لأدواتهم الرخيصة في الداخل، لتحريك مجموعات من الشباب وشراء ذممهم، ودفعهم إلى ارتكاب أعمال شغب ونهب وسرقة، لإجبار أصحاب المحلات التجارية والمؤسسات على إغلاق أبوابها، وبالتالي خلق صور لعصيان مدني “ولو كره الكارهون”، هذه الصور البشعة والمُقززة، أتت بنتائج عكسية للغاية، فلأول مرّة نرى الجزائريين وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية، يُنددون بأعمال الشغب هذه، ويدعون إلى رصّ الصفوف لحماية أمن واستقرار البلاد، فمواقع التواصل الإجتماعي التي كانت أهم أداة في نشر فوضى «الربيع العربي» في العديد من البلدان العربية، عجّت بنداءات التنديد والتحذير من هذه المؤامرة الخبيثة، التي يُراد من ورائها تشريع أبواب الجزائر للإرهابيين، وإلحاقها بالتالي بركب الدول التي دمّرها «الربيع العربي»، ولعلّ أجمل وأعمق التعليقات التي قرأتها على مواقع التواصل الإجتماعي التي تحذر من مغبة ما يجري في بجاية والبويرة، وتختزل بحق أبعادها، التعليق التالي: “من يحرق وطنه من أجل الطعام، ستوزعه عليه الأمم المتحدة بالمجان، في مخيمات اللجوء، لكن سيكون…بطعم الذل والمهانة”، فهذا التعليق، يعكس بحق مستوى وعي الجزائريين، الذين لن ينساقوا وراء دعوات تخريب بلدهم وبيوتهم، ليقينهم أن ما هو مخطّط لهم هو الجحيم بعينه، ولذلك رأينا كيف دعا العديد من النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي إلى “حملة تنظيف شوارع بجاية مما خلفته أعمال الشغب”، وهنا أقول أنه ما دام أن هنالك إجماعا لدى غالبية الجزائريين بأن ما يحدث في بجاية هو حلقة من المسلسل الذي يستهدف تدمير البلاد، فيتوجب على الجميع وعلى رأسهم السلطات أن يتحدوا للتصدي لهذه المؤامرة بشتى الوسائل، وبالأخص منها التبرؤ بشكل واضح من مثيري الشغب، وكشفهم أمام الرأي العام، وللسلطات المختصة، لأنه بذلك سننجح في حملة التنظيف الواسعة التي تتعدى الشوارع، لتطال قوى الشرّ، لأنه بدون ذلك سنفتح مصير البلاد على المجهول، وهذا ما تنتظر تحقيقه الجهات المتربصة بأمن واستقرار الجزائر.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى