الدراسات البحثيةالمتخصصة

تأثير الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري

The Impact of The Terrorist Phenomenon in Libya on The National Security of Algeria

 

العدد الثالث “يونيو – حُزيران” لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

 

إعداد:  عادل جارش – باحث دكتوراه ،دراسات إستراتيجية، المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية – الجزائر

 

مــــلـــــــــــخـــص:

تستهدف هذه الورقة البحثية الكشف عن أبرز المخاطر والتداعيات الأمنية التي تواجه الأمن الوطني الجزائري نتيجة لتعقد الأوضاع الأمنية بليبيا وفق منحنى خطير ساهم في تصاعد نشاطات الكثير من الفواعل والكيانات غير المرغوبة فيها، والمُهددة للأمن الوطني الليبي، وللأمن الوطني الجزائري أيضاً باعتبار أن المعادلة الأمنية في عالم اليوم هي:  أن أمن الأنا (الجزائر) يأتي من أمن الجار (ليبيا).

ومن بين هذه الفواعل المُهددة نجد الجماعات الإرهابية الذي يبدو أنها استفادت من عدة عوامل لزيادة مؤشرات الفتك والعنف المادي والمعنوي إلى مستويات قياسية، وهو ما يؤثر بالسلب على الأمن الوطني الجزائري من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل من صانع القرار يُحاول اتخاذ نهج وقائي لحماية الأمن الوطني الجزائري، واحتواء هذا التهديد الذي يبدو أنه أصبحت تحكمه حالة من عدم اليقين نظراً لزيادة تعقيداته في ليبيا.

Abstract:

    This paper aimed at detecting the most prominent security risks and consequences faced by the Algerian national Security as a result of the complexity of the Security situation in Libya has seriously contributed to the increase in a lot of actors function and entities endangered the national security of Libya’s activities, And the National Security Algeria because the security equation in the world today are: security comes  From  Security  Neighbor.


Among thèse other actors Endangered find terrorist groups that have benefited from a lot of factors to incérasse the lethality of physical and psychological violence indicators to record levels, as this would negatively impact on the Algerian national security on the one hand, on the other hand makes the decision-maker is trying to take a preventive approach to protect the Algerian national security , and

contain the threat that seems to have become ruled by uncertainty due to increased complexity in Libya.

Key Word: national Security, threats, confrontation, Terrorist Phenomenon.

“إن الإرهاب ظاهرة من ظواهر المنطقة الرماديةّ؛ شيء بين الجريمة والحرب، وبين عنف الدولة والعنف التمردي، بين النزاع والعنف، وبين الدعاية والفعل المباشر”.

رونالد كريلينستن(Ronald Crelinsten) في كتابه مكافحة الإرهاب، ص49.

مقـــــــدمـــــــــــــة:

يبدو للوهلة الأولى أن حالة الانفلات الأمني التي بدأت منذ الانتكاسة العربية في نهاية 2010 وبداية 2011،والتي دارت بين نقيضين “قوى القصر” The Forces of و”قوى الجماهير”The Forces of The Masses لم تحدث مباشرة بل حصلت نتيجة لتفاعل مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي تتشابه نوعاً ما في الدول التي مستها الاحتجاجات الشعبية، والبداية كانت في تونس ثم مصر، ومن ثم انتقل نموذج “كرة الثلج”Snow Ballإلى الجماهيرية الليبية التي سماها المفكر عبد الإله بلقزيز بـــــ: “مملكة الجنون”Kingdom of Madnessنتيجة للتصرفات الغريبة للعقيد الراحل معمر القذافي، وممارسته القوة ضد الشعب الليبي كرد فعل على الاحتجاجات والمطالب الشعبية.

وبالرغم من مرور خمس سنوات على الثورة في ليبيا، فإن الواقع الأمني فيها يُثبت أنها تعيش في فوضى أمنية جد خطيرة سمح باختراقها من طرف العديد من الفواعل غير المرغوب فيها، ومن بينها نجد الإرهاب الذي يُمكن اعتباره الخطر الأمني المركزي هناك في ظل توفر الظروف المناسبة لتطوره، إضافة إلى وجود تباين صارخ في التشكيلات السياسية الذي قد يُساهم في زيادة التأثير الفعلي والواقعي للجماعات الإرهابية والمسلحة.

كما لا يمس الإرهاب ليبيا فقط، بل قد يزحف إلى عدة دول مجاورة، ومن بينها الجزائر التي تأثرت بتداعيات هذه الظاهرة على عدة مستويات، وهو الأمر الذي يجعلها تحاول بناء مقاربة فعالة ومتطورة في مكافحة الإرهاب، يمكن تطبيقها عبر تشكيلة عريضة تمزج فيها بين عناصر القوة الصلبة والناعمة تهدف أولاً إلى أمننة الجزائر من مشكلة الإرهاب كخطر وجودي يتطلب إجراءات ردعية لمواجهته، ومن ثم مساعدة ليبيا للتخلص من مشاكل هذه الظاهرة في عالم أصبحت القاعدة الأساسية التي تحكمه هي: “أن أمن الأنا ينتج من أمن الجار”.

وتأسيساً على ما سبق، فإن هذه الورقة البحثية تُحاول الكشف عن أبرز تأثيرات الظاهرة الإرهابية على الأمن الوطني الجزائري بالتركيز على الحالة الليبية، ثم محاولة رصد أبرز المجهودات والإجراءات التي قامت بها الجزائر لمواجهة هذا التهديد.

المشـــكــلـــة البــــــحثيـــة:

       يحاول هذا الموضوع الإجابة عن تساؤل مركزي يتضمن حقيقة مدى تأثير انتشار وزيادة نشاطات الجماعات الإرهابية الإجرامية على الأمن الوطني الجزائري، وذلك في ظل النهج الذي تتبعه الجزائر للوقاية من مخاطره، ولقد تمت صياغته على النحو التالي:

  • ما مدى تأثير الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري في ظل زيادة نشاطاته الإجرامية، وذلك ضمن الاستراتيجية والرؤية الأمنية الجزائرية التي تتبناها بغرض مواجهة هذا التهديد؟

ولتبسيط هذه المشكلة سيتم تفكيكها إلى عدة أسئلة فرعية على النحو التالي:

  • ما المقصود بالإرهاب؟ وفيما تتمثل أبرز الجماعات الإرهابية النشطة في ليبيا بعد مرحلة سقوط العقيد الراحل معمر القذافي؟
  • فيما تتمثل أبرز تداعيات الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري؟
  • ما هي أبرز معالم الرؤية والمقاربة الجزائرية لمواجهة التهديد الإرهابي في ليبيا؟

أهـــميــــــــــة الــــدراســـــــة:

تكتسب الدراسة أهميتها من خلال أنها تحاول رصد أحد أبرز المواضيع المطروحة بكثرة في الساحة السياسية والأكاديمية في الجزائر تزامناً مع الأحداث والتغيرات المتسارعة الحاصلة في ليبيا، ومن ناحية أخرى فإن هذا الموضوع مهم لأنه في الحقيقة يُمثل إضافة بشأن المستجدات التي تتعلق بالظاهرة الإرهابية بليبيا وكيفية تعاطي الجزائر معها.

أهـــــــــــداف الــــدراســـــــة:

تتمحور أهداف هذا الموضوع فيما يلي:

  • رصد لأبرز تداعيات الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري.
  • معرفة النهج والدور السياسي والأمني الذي تقوم به الجزائر لمواجهة هذا التهديد باعتبارها تدرك بأنه من الضروري بناء الأمن في ليبيا عبر القضاء على هذا التهديد المركزي الذي يمثل التحدي الأول لصناع القرار في ليبيا من ناحية، ومن ناحية أخرى لما يحدثه من تداعيات سلبية على الأمن الوطني الجزائري.

منـهجيــــة الــــدراســـــــة:

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي(Descriptive Analytical Method) الذي تم من خلاله تحديد خصائص وأبعاد الظاهرة المدروسة ووصفها وصفاً موضوعياً عبر جمع الحقائق والبيانات،

كما تجدر الإشارة بأن الدراسة تنطلق من العام إلى الخاص، إذ يحاول العنصر الأول فهم الظاهرة الإرهابية في ليبيا، ويركز العنصر الثاني على أبرز تداعيات الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري وذلك بالتركيز على عدة قطاعات، بينما يستعرض العنصر الأخير الرؤية والمقاربة الجزائرية لمواجهة التهديد الإرهابي والقضاء عليه.

الـــدراســــات السـابقــــــة:

في الحقيقة لم تكن هناك دراسات شاملة تتناول حيثيات هذا الموضوع بالتفصيل، وإنما هناك بعض الأبحاث والدراسات التي عالجت بعض جوانب الموضوع، ومن بينها نجد:

  • دراسة للباحثة “منى حسين عبيد” المعنونة بـــ: “أزمة تغيير النظام السياسي في ليبيا” الصادرة عن مجلة دراسات دولية في العدد الحادي والخمسون، حاولت فيه الباحثة التعرض بالتفصيل إلى طبيعة النظام السياسي الليبي وواقع المجتمع القبلي في ليبيا، إضافة إلى أهم المدخلات التي ساهمت في إحداث حالة الحراك الشعبي ومواقف المجتمع الدولي منها.
  • دراسة للباحث “جمال طه” حول: “تطور الإرهاب في ليبيا من الجماعات المتطرفة إلى الجيوش السيارة”، وهي دراسة مفصلة حاولت رصد أبرز الجماعات المسلحة والإرهابية التي تهدد الأمن الليبي منذ سقوط نظام العقيد الراحل “معمر القذافي”.

أولاً: فهم الظاهرة الإرهابية في ليبيا

  1. تعريف الإرهاب

إن محاولة التأمل ملياً في عالم الإرهاب اليوم يفرض علينا التركيز بصورة دقيقة على المشكلات المفاهيمية التي تساهم في تعقيد فهمنا للإرهاب في بيئة عالمية تزداد فيها شيئاً فشيئاً مخاطر بناء الأمن بعدما كان جل اهتمام المجتمع الدولي ينصب حول الهموم الأمنية التقليدية، فالإرهاب كتهديد عالمي لا تماثلي جديد يمثل أحد أبرز التهديدات التي تتزايد تشابكاً وترابطاً، وتتعد أوجه تأثيره على الجميع، ولفهم هذه الظاهرة لا بُد أولا من تعريفها.

ففي الحقيقة ليس هناك حتى الساعة للإرهاب تعريف متفق عليه عالمياً، بالرغم من محاولات طال بها الأمد من جانب الأمم المتحدة لدفع الدول الأعضاء فيها إلى التوصل إلى إجماع بشأنه، ومن بين النقاط التي ما انفكت عالقة حتى الآن نجد رفض دول ما بعد الاستعمار وغيرها من دول العالم الثالث (دول العالم الجنوبي بعد الحرب الباردة)، بما في ذلك دول عربية عديدة إدانة العمليات التي تُنفذها جماعات تقاوم الاحتلال أو الاضطهاد بالإرهاب، ولعل ما يوجز هذه المعضلة هو القول الشهير “إن ما يراه ذلك إرهابياً، هو نضال من أجل الحرية في نظر ذلك”، وتنطبق هذه الحالة على حركة حماس ففي الوقت الذي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة إرهاباً تعتبرها  بعض الدول العربية مقاومة[1].

ومن بين التعريفات المقدمة حول الإرهاب نجد تعريف”ريمون آرون” Rymond Aronالذي يرىأن الإرهاب هو:”كل عمل عنف لا يحدث فقط آثار مادية بل يتعداها إلى آثار نفسية”.

“Une action violente est dénommée terroriste lorsque ses effets psychologique sont hors de proportion avec ses résultats purement physiques[2]“.

إذ لا يركز هذا التعريف فقط على الآثار المادية بل يتجاوز ذلك مشيراً إلى الآثار والعواقب النفسية التي قد تكون وخيمة على نفسية الفرد والمجتمع، ويعرف “دان فيرتون” Dan Verton الإرهاب بأنه ” شكل من أشكال العنف السياسي الذي يزرع الخوف في قلوب الناس وعقولهم عن طريق استخدام القوى المدمرة وإشاعة الفوضى والدمار والمتاعب النفسية”[3].

أما “دافيد تاكور” David Tucker في مقال له حول: “ماذا عن الإرهاب الجديد وما مدى خطورته؟” What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?  قد حاول إحداث مفارقة نوعية في حديثه عن صيغة جديدة للإرهاب تختلف عن النمط التقليدي السائد في فترة الحرب الباردة، حيث يرى أنه أصبح أشد فتكاً وتأثيراً على الأمن نظراً لاستفادته من ثورة المعلومات ومزايا العولمة[4].

ويبدوا أن غالبية التعريفات انصب اهتمامها بشكل كبير على النشاطات الإرهابية للجماعات وحركات التمرد والعصيان بالرغم من إقرار بعضها بإرهاب الدولة، لذلك فإن الكثير من الأعمال والمؤلفات ذات الصلة تذهب إلى استبعاد إرهاب الدولة من موضوع دراستها كونها تنظر إلى الإرهاب الذي تقوم به الدولة ضد شعبها هو في الكثير من الحالات ممارسة عنف مشروع[5].

ولكن ربما عند التطرق إلى الحالة الليبية فإن من المميز فيها أنها شهدت الإرهاب بنوعيه؛ إرهاب الدولة (Terrorism by State) أي إرهاب النظام السابق ضد الشعب الليبي، ومن ثم إرهاب الجماعات بعد إسقاط النظام السابق وتوفر البيئة المناسبة لزيادة نشاطاتها.

  1. توصيف البيئة الأمنية الليبية

في الجيولوجيا يقال: “أن حدوث الزلزال غالباً ما يكون في المناطق الضعيفة من القشرة الأرضية”، ولا شك أن الأزمات الهيكلية التي تعيشها الدول العربية وليبيا هي بمثابة هذا الضعف[6]، لذلك مسها الحراك الشعبي، ففي ليبيا التي كانت خاضعة لحكم معمر القذافي وأفراد قبيلته لمدة 42 سنة، خرج الشعب مطالباً في بعض المناطق الشرقية بليبيا بإسقاط النظام بعد فشله في التعامل مع المدخلات الشعبية حيث أصبح مقر محكمة شمال بنغازي أشبه بميدان التحرير في القاهرة.

واتسعت فيما بعد حجم المظاهرات وامتدت إلى باقي المناطق الليبية في الوسط والغرب، مما دفع بالسلطات إلى استخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين بغرض السيطرة على الوضع، إذ استعانت بعناصر من المرتزقة لضرب المتظاهرين، وعملت  السلطات على قطع خدمات شبكة الانترنت عن كافة المدن الليبية، وقامت بحملات تشويش الكترونية لمنع استقبال بث مختلف القنوات العربية والأجنبية [7].

كما اعتقلت العشرات من الضباط والجنود الذين رفضوا الانصياغ لأوامر القذافي بضرب المتظاهرين المطالبة بالتغيير والإصلاح، وفي محاولة من الحكومة الليبية لامتصاص غضب الجماهير  طرحت الحكومة مبادرة تتضمن إقامة مؤتمر شعبي لإجراء حوار وطني للنظر في الدستور، فضلاً عن إقرار مجموعة من القوانين كقانون الصحافة والمجتمع المدني وقانون العقوبات.

إلا أن هذه المبادرة لم تحظى بالقبول من طرف الشعب الليبي، ونتيجة لتدهور الأوضاع في ليبيا قدم العديد من الدبلوماسيين الليبيين استقالاتهم، وذلك لرفضهم الطريقة التي كان يتعامل بها القذافي مع

المتظاهرين[8]، ومع استمرار استقالة المسؤولين الليبيين* ألقي العقيد الراحل** خطابه الشهير، ووصف الشعب المتظاهر بالجرذان والمعارضين بالكلاب الضالة [9] .

وهنا حدث إرهاب الدولة، حيث قام القذافي بتوجيه السلاح ضد شعبه، وهو فعل يعادل أضعاف ما فعلته الفاشيات العسكرية في أمريكا اللاتينية لأن ما حدث في ليبيا في هذه الفترة لم يكن مثل الحالة المصرية أو التونسية، بل غلبت فيه لغة السلاح والقتل على العمل السياسي والسلمي، وهو الأمر الذي جعل القبائل تتجه إلى استخدام السلاح ضده أيضاً دفاعاً عن النفس، وهنا حدث الصراع بين قوى القصر مدعوماً بالمرتزقة وقوى الجماهير، وامتد إرهاب الدولة إلى غاية مقتل العقيد معمر القذافي في 20 أكتوبر2011 [10].

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة مفتوحة تبدوا فيها الوضعية الأمنية جد فوضوية ومعرضة لكل الاحتمالات مع تزايد تحدي الأطراف ضد المركز،  فلقد شبهت فيها الصحف الأمريكية كصحيفة نيويورك تايمز الوضع الأمني بليبيا بصراع الميليشيات في لبنان إبان الحرب الأهلية، إذ أن الأطراف (زعماء الكتائب والميليشيات) حاولوا ليبيا إلى إقطاعيات خاصة، يمارسون فيها دور الدولة وتحكموا في تجارة السلاح والمال والسياسة[11].

  وعموماً يمكن توصيف الحالة الأمنية في ليبيا كما يلي:

  • انتشار فوضى السلاح بكثرة لدى الجماعات الإرهابية والميلشيات المسلحة.
  • انتشار الصراع بين عدة مجموعات كثيرة: ومن بينها مثلاً مجموعة الكرامة التي تقود ما يُسمى بعملية الكرامة وتضم عدد هائل من المستقلين والليبراليين والكتائب المسلحة لها مثل القعقاع والعواصف وغيرها، وجماعة فجر ليبيا التي تضم أنصار الشريعة والكتائب المسلحة المعروفة باسم الدروع المنسوبة لتيار الإخوان المسلمين ومستقلين قريبين من الإسلاميين[12].
  • وجود هشاشة أمنية ناجمة عن تفكك وضعف في المنظومة الأمنية القائمة[13].
  • كثرة التدخلات الخارجية في ليبيا بعد القراران الصادر من مجلس الأمن بالتدخل 1970 و1973 عام 2011[14]، فلقد تدرع الغرب بحجة التدخل في ليبيا للجمع بين عناصر الإرهاب والمصالح الاقتصادية والهجرة، إذ تحدث مثلاً نائب رئيس الوزراء ” نيك كليج” Nick Clegg أن الأسباب التي جعلت بريطانيا وفرنسا تنخرطان في رد فعل قوي على العنف في ليبيا:

“تعد هذه المنطقة حيوية لمصالح المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إن سأل الناس في المملكة المتحدة لماذا، فسأشير إلى المساعي المبذولة في الأسابيع الماضية لإنقاذ المواطنين البريطانيين الذين علقوا في الأحداث المضطربة، وإلى مستوى الهجرة الإنسانية من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وإلى مستوى التجارة والاستثمار بين أوروبا وشمال إفريقيا، وأهميتها لنا من حيث الطاقة والبيئة ومكافحة الإرهاب، لا تبعد شمال إفريقيا سوى 14 ميلاً عن أوروبا في أقرب نقطة، فما يحدث في جيراننا يؤثر فينا بشدة”[15].

  • وجود عجز في ضبط الوضع الأمني وإعادة الهيبة للأجهزة السيادية مما أوجد حالة انقسام لدى الرأي العام فبالرغم من تأييد الجميع بمبدأ تسليم الشرطة والجيش مهام الأمن، إلا أن هناك اعتقاد بأن هذا الوضع يحتاج وقت طويل نوعاً ما[16].

3- الظاهرة الإرهابية في ليبيا

بعد سقوط  نظام العقيد معمر القذافي شاركت العديد من الجماعات المسلحة ذات الفكر الجهادي في الثورة سواء كأفراد أو تنظيمات، ولكن بعد الثورة اتخذت مسارات مختلفة، ففي الوقت الذي انضوى بعضها تحت لواء رئاسة الأركان العامة التي تمثل نواة الجيش الليبي الجديد، وشاركت في الانتخابات البرلمانية، أنكر البعض العملية الديمقراطية برمتها، وقاطعت الانتخابات وظلت حاملة  للسلاح، ومن بين هذه الجماعات وأخطرها نجد:

  • كتيبة أنصار الشريعة:لا يتجاوز عددها 500 عنصر، وتنتشر هذه الجماعات في مدن بنغازي ودرنة والبيضاء بشرق ليبيا، وليس لها تواجد بالمنطقة الغربية، وتحمل هذه الجماعة فكر سلفي جهادي قريب من فكر تنظيم القاعدة.

شاركت هذه الجماعة في الثورة، وكان معظم قادتها سجناء بسجن بوسليم لسنوات طويلة في عهد القذافي، ومن أبرز عناصرها محمد الزهاوي، وهو قائد الكتيبة (سجين سياسي سابق في بوسليم وأطلق سراحه قبل الثورة).

ومن أبرز مواقفها رفض العملية الديمقراطية والانتخابات برمتها في ليبيا، وعدم الاعتراف بالدولة والحكومة الحالية، ويدعون لإقامة “دولة إسلامية” وفق رؤيتهم، ومن بين نشاطاتها الحصول خلال الثورة على كم كبير مما يسمونه “الغنائم” من أسلحة وسيارات وأموال وغيرها تركتها ميليشيات القذافي المندحرة، وبعد سقوط القذافي قاموا بتجنيد عدد من الشباب حديثي السن غير المتعلمين، ومن المواقف التي تُحسب لهم تأمين مستشفى الجلاء ببنغازي في ظل الانفلات الأمني بعد الثورة، ولكن أصابع الاتهام تشير إلى تورطهم في الهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي خلال احتجاجات ضد الفيلم “المسيء”، وهو ما يؤكدون نفيه.

أما على المستوى الشعبي فهم لا يلقون قبولاً شعبياً من شرائح واسعة من المجتمع الليبي، ويتعرضون لكثير من الانتقادات، يتواجدون في معسكرات خاصة بهم، ويترددون فرادى على المساجد للدعوة لأفكارهم واستمالة الناس إليهم، لكنهم لا يسيطرون على مساجد أو جمعيات بعينها[17].

يتعاون التنظيم مع “أنصار الشريعة” في تونس، المتورط في اغتيال المعارضين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، كما ينسق مع جماعات أنصار بيت المقدس وأجناد مصر وأنصار الشريعة في سيناء، وحركة حماس بقطاع غزة، والتنظيم الدولي للإخوان.. صحيفة “فيليت إم سونتاج الألمانية” كشفت أن التنظيم استقبل ممثلي تنظيمات “أنصار الشريعة” بدول الجوار (تونس والمغرب ومصر وممثلين جزائريين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) بعد الإطاحة بالإخوان في مصر ديسمبر 2013، لإعادة تقييم قدرات الجماعات الجهادية بالمنطقة، ووضع استراتيجية مشتركة للتجنيد والعمليات، والتصدي لأنظمة الحكم القائمة بمصر وتونس والجزائر.

صنفته الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية في يناير 2014، باعتباره المسئول عن تنفيذ الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي سبتمبر 2012، كما أدرجه مجلس الأمن على لائحة التنظيمات الإرهابية نوفمبر 2014، بسبب انشائه معسكرات تدريب لصالح مجموعات مرتبطة بالقاعدة فى سوريا، وتدريب 28 ممن شاركوا فى الهجوم على منشأة جزائرية للغاز بعين أمناس يناير 2013.

انشق هذا التنظيم عن القاعدة وبايع داعش، وفى نهاية يناير 2015 أعلن التنظيم تشكيل محكمة وشرطة ومرفق للدفاع المدني والإسعاف تابعين للدولة الإسلامية في أحياء القوارشة والهواري بجنوب غرب بنغازي، قتل قائده محمد الزهاوي”أبى مصعب” في معارك بنينة أكتوبر 2014 وأقيم عزاؤه بمصراتة، ودفن في سرت[18].

  • مليشيات درع ليبيا 1:في ديسمبر 2014 أعلن عن تحالف تنظيم أنصار الشريعة مع مليشيات “درع ليبيا-1-” التي تعد أكبر المجموعات تسليحاً شرق ليبيا، ولها معاقل في درنة وبنغازي، واستولت على ترسانة ضخمة من مخازن أسلحة الجيش تشتمل على آلاف من قطع أسلحة فردية وثقيلة وعربات مدرعة ومدافع هاون ومضادات الطائرات والدبابات وصواريخ مختلفة الطرز مثل سكود وجراد، فضلا عن سيطرتها على العديد من القواعد والمطارات العسكرية، وقامت ببيع وتهريب 100 ألف قطعة سلاح فردية، و20000 رامية قذائف مختلفة الطرز، للجماعات الإرهابية في الشرق والجنوب الغربي لليبيا، ومنها للتنظيمات الإرهابية بشمال افريقيا ودول الساحل والصحراء..
  • كتائب ميليشيات الزاوية ومصراتة:تضم تشكيلات بعضها منشق عن الجيش النظامي، والبعض الآخر قبلي ينتمى لمناطق الزاوية ومصراتة، ويغلب عليها التوجه الإسلامي، وتضم قوة “درع ليبيا الوسطى” إلى جانب كتائب أخرى مثل:”كتيبة الحلبوص”، و”كتيبة المرسي” و”كتيبة أبو عبيدة الزاوي” العائد من أفغانستان بمدينة الزاوية، ويبلغ عدد مقاتلي هذه الميليشيات حوالي 25 ألف مقاتل، تمكنت هذه التشكيلات خلال الثورة من السيطرة على كميات ضخمة من الآليات والعتاد العسكري والأسلحة والذخيرة من مخازن الجيش بمنطقة الجفرة، كما حصلت على دعم تركي وقطري، عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية التي لاتخضع للدولة، تتبعها عدة معسكرات لتدريب المقاتلين الليبيين والأجانب، ويقدر ماتمتلكه بمايزيد عن 3500 سيارة مجهزة بمضادات للطائرات، وراجمات الصواريخ، وأكثر من 200 دبابة، تتمركز معظم كتائبها في معسكرات تابعة للنظام السابق، وتتمركز الباقي في ضواحي المدن، يتم التنسيق على الأرض بين هذه القوات وكتائب مسلحي صبراتة، حيث توجد كتيبة جهادية أسسها مفتاح الداودي قبل أن يلقى مصرعه في تحطم طائرة ليبية بتونس، وهي أقرب إلى القاعدة بحكم تكوين مؤسسها الذي جاهد في أفغانستان، كما تتعاون ايضاً مع “ثوار جبل نفوسة”، ومسلحي غريان، ومقاتلي قبائل أولاد سليمان بالجنوب الليبي، وقبائل “الطوارق”.[19]
  • تنظيم داعش في ليبيا: أعلنت العديد من الجماعات المسلحة والإرهابية ولائها لداعش، ومن بينها نجد

مجلس شورى شباب الإسلام الذي أعلن تأييده لداعش في جويلية 2014، وعُرف عليه أنه قام بعمليات إعدام جماعية في ملعب أوت، يُضاف إلى ذلك كتيبة أبو محجن الطائفي التي أرسلت 50 متطوع للحرب في العراق، وبايع داعش أيضاً حركة شباب التوحيد ومُجاهدي ليبيا.

ومن أبرز أعمال داعش السيطرة على درنة بالكامل في نوفمبر 2014 بمقاتلين تجاوز 800 عنصر، تتبعها 6 معسكرات بأطرافها، تضم جنسيات من دول شمال إفريقيا، وفي ديسمبر 2014 أعلن التنظيم عن تشكيل ما يُسمى بمجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها يجمع بين العديد من الفصائل، ووصف الكاتب والمؤرخ الأمريكي “ويبستر تاربلي” مؤلف كتاب ” الحادي عشر من سبتمبر” درنة بـ”عاصمة الإرهاب العالمي”The Capital of Global Terrorism، لأنها من أكثر المناطق التي تصدر المقاتلين للعراق وسوريا، وذكرت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية بأن الليبي عبد الحكيم بلحاج القيادي بالجماعة الليبية المقاتلة، الذي تولى قيادة المجلس العسكري في طرابلس، ولعب دورا في تفجيرات مدريد 2004، واتهم بقتل اثنين من المعارضين التونسيين، يقود قوات تنظيم داعش في ليبيا.

من أبرز أعمال داعش الإرهابية شنهجومعلى فندق بالعاصمة طرابلس، وعلى حقول النفط، وتنظّيم مسيرات مفتوحة، وإعلانهااعتزام تنفيذ عمليات نوعية للسيطرة على مصراتة، واستتابت أهل النوفلية شرق سرت لإعلان البيعة، حتى لايتعرضوا للقصاص، وفرضت القيود “الشرعية” على نساء “صرمان” و”صبراتة” في الغرب.

وتوسعت داعش في الجنوب الليبي بإقامة قواعد، وتجنيد عناصر جديدة، والارتباط بتنظيمات قائمة؛ خاصة جماعة مختار بلمختار “الأعور” أبرز قيادي”القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي، و”إياد آغ غالي” زعيم جماعة “أنصار الدين”، اللذين كانا يرتبطان بقاعدة الساحل والصحراء، إضافة لمجموعة من طوارق مالي المتحالفين مع القاعدة، ومجموعة “أنصار الحق” التي تضم جنسيات من مصر ومالي والجزائروغيرها.. بعد الغارات المصرية على درنة انسحبت أربع جماعات من مواقعها في الحمادة الحمراء، وعرق مرزوق، خشية استهدافها ، وهي:”التوحيد والجهاد بغرب أفريقيا”، “كتائب الصحراء” في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، “كتائب يوسف بن تاشفين”، وفرع “أنصار الشريعة” بجنوب ليبيا[20].

ثانياً: أبزر تداعيات الظاهرة الإرهابية في ليبيا على الأمن الوطني الجزائري

من الناحية الجغرافية تُمثل الجزائر منطقة القلب في منطقة المغرب العربي بمساحة تبلغ حوالي 2381741 كم2 إذ تمثل نسبة 39.2% من مساحة المغرب العربي[21]، إذ أن لها حدود مع ليبيا تبلغ 982 كلم مع ليبيا[22].

ونظراً لطول هذه الحدود فإن ذلك يجعل من الحدود الجزائرية مع ليبيا تواجه الكثير من المخاطر، وما يزيد الأمور سوءاً، أن الجزائر تجد نفسها مضطرة لمواجهة هذه المخاطر بمفردها، وتخوض قواتها المسلحة معارك على عدة جبهات لأن الدول المجاورة لا تمتلك قوات عسكرية وقوات أمن قوية للقيام بهذه المهمة، فعلى سبيل المثال: ليس لدى تونس خبرة في مجال مكافحة الإرهاب، ومالي تمتلك جيشاً لا يتعدى قوامه 20 ألف جندي، بينما لا تتمكن المؤسسات الأمنية في موريتانيا حتى من حماية المؤسسات الرسمية ضد هجمات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (AQIM)[23].

فعلى المستوى الأمني ساهم تردي الأوضاع الأمنية وانتشار الجماعات الإرهابية والمسلحة في انتشار واستنفار أمني كبير من طرق القوات المسلحة ضمن الحزام الشرقي الليبي، وهو ما يزيد أيضاً من التكلفة اللوجستية التي تشمل نفقات النقل وإمداد الطعام وإنشاء مراكز مراقبة حدودية جديدة في الحدود الشرقية، إضافة إلى زيادة وتيرة التسليح[24].

كما إن تزايد احتمالية وقوع نشاطات إرهابية في الجزائر وارد نتيجة لاستفحال نشاطات الجماعات الإرهابية بمنحنى خطير في ليبيا، وتعد أحداث المركب الغازي “تيقنتورين” أبرز حدث أمني ناتج عن الأوضاع الأمنية الخطيرة بدول ومنطقة الجوار خاصة ليبيا ومالي، فهو حدث يعكس بصمة الإرهاب العابر للحدودتم فيه احتجاز 132 عاملاً أجنبياً من العاملين في حقول “عين أميناس” جنوب الجزائر كرهائن من عدة جنسيات أجنبية مع احتجاز حوالي 600 جزائري.

وقد طلب الموقعون بالدم من السلطات الجزائرية توفير 20 سيارة رباعية الدفع مزودة بكميات كافية من الوقود تمكنهم بالتوجه الآمن نحو شمال مالي، إلا أن القوات الجزائرية لم ترضخ لها وتدخلت باحترافية لإنقاذ الموقف، ونتج عن العملية أكثر من 40 ضحية[25].

وعلى المستوى السياسي يبدوا أن الجزائر تواجه عدة مصاعب وتحديات دبلوماسية للتوفيق واستخدام لغة الحوار بين الأطراف المتصارعة في ليبيا في الوقت الذي تحاول أطراف إقليمية ودولية بشكل مباشر أو خفي وبأجندات متباينة استخدام الحسم العسكري بغرض تحقيق مصالحها.

أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فلقد أفاد تقرير صادر حديثاً عن معهد واشنطن للشرق الأدنى بأن الحرب في ليبيا وما أفرزه من سيطرة الإسلاميين على إقليم الأزواد الذي أعقبه التدخل الفرنسي في مالي كلف الجزائر أكثر من ملياري دولار فقط كدعم لوجستي للجيش يشمل نفقات النقل والإمداد بالطعام وإنشاء مراكز مراقبة جديدة في الحدود الشرقية والجنوبية والأرقام مرشحة للزيادة، وهو ما أثر سلباً ميزانية الدولة المالية، ففي الوقت الذي تريد فيه الجزائر حل العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق قفزة نوعية في مجال التنمية يبدوا أن التحديات الأمنية بليبيا ودول الجوار سيجعلها تفكر كثيراً في كيفية استغلال هذه الميزانية لتحقيق الأمن الوطني الجزائري ومواجهة التهديدات القادمة من ليبيا قبل التوجه إلى قطاعات أخرى، لأن الأمن في الحقيقة هو القاعدة الأساسية التي يمكن من خلال الانطلاق لتحقيق عملية التنمية في الجزائر.

كما أن تأزم الأوضاع بليبيا يجعل الشركات الأجنبية ستفكر ألف مرة قبل استئناف نشاطها أو الاستثمار في الصحراء الشرقية (البطن الرخو) خوفاً من استهدافها من الجماعات الإرهابية، وهو ما يعزز مسلمة أن الرأسمال الغبي هو الذي يستثمر في مناطق غير آمنة، فعلى سبيل المثال بعد الهجوم الإرهابي الذي شنه الإرهابيون على المركب الغازي تيقنتورين حتى وإن استبعدت رئيسة منظمة أرباب العمل الفرنسية “لورانس باريزو” مغادرة 500 شركة فرنسية الجزائر، لكن هذا لا يعني أن تداعيات الأوضاع الأمنية السيئة في دول الجوار ليست لها آثار وخيمة.

فمثلا بعد حادثة تيقنتورين بدأت في الساعات الأولى الشركة اليابانية “جي جي سي” والإنجليزية “بيتروفاك” بترحيل عمالها الأجانب كإجراءات أمنية وقائية إلى غاية تهدئة الوضع، حيث أن من شأن ترحيل هؤلاء الأجانب دون شك توقف أهم منشأة غازية حيوية تنتج 25 مليون متر مكعب يومياً من الغاز أي ما يقدر بـــــ 12% من صادرات الجزائر، وقد ينشر الخوف والريبة لدى المستثمر الأجنبي[26].

يُضاف إلى ذلك فإن نشاطات الجماعات الإرهابية قد تُساهم في تدهور القطاع السياحي، إذ تُعد الصحراء الجزائرية قبلة سياحية للأجانب نظراً للخبايا الموجودة في الهقار والطاسيلي وجمال غروب الشمس والمناظر الصحراوية الخلابة، وهو ما يشكل دخل للاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة، لكن مع تعقد الأوضاع قد يتخوف السياح من التوجه للصحراء الجزائرية أو حتى الحدود الشرقية تخوفاً من الاختطاف أو الاستهداف[27].

أما عن مشكل التداعيات الاجتماعية فيتمثل في تدفق اللاجئين الليبيين، وهم قلة مقارنة ببعض دول الساحل، كما أن التخوف من انتقال الفكر الجهادي إلى الجزائر من ليبيا عبر بعض الجماعات والأفراد المتشددة وارد.

ثالثاً: مقاربة الجزائر لمواجهة الظاهرة الإرهابية في ليبيا.

منذ بداية الحراك الشعبي في ليبيا رافعت الجزائر بضرورة إيجاد حل سلمي يقي ليبيا من خطر التدويل وما يتبعه من تدخلات خارجية أجنبية تزيد الوضع تعقيداً فيها، حيث كانت لها نظرة دقيقة حول ما تؤول إليه الأوضاع في ليبيا خاصة بعد عودة الكثير من ذوي السوابق في النشاط الإرهابي إلى الساحة الليبية كمقاتلي الجماعة الإسلامية بليبيا وغيرها، وهو ما قد يحول ليبيا إلى أفغانستان شمال إفريقيا.

وعموماً يمكن اختصار أبرز الآليات التي قامت بها الجزائر للوقاية ومواجهة الظاهرة الإرهابية في ليبيا ما يلي:

على المستوى السياسي تحاول الجزائر لم وجمع الأطراف المتصارعة في مائدة الحوار لوقف الاقتتال، والوصول إلى حل سياسي لتحقيق مجموعة من الأهداف وفق الخطوات التالية:

  • الخطوة الأولى: تتمثل في محاولة تحقيق توافق بين الليبيين بالحوار من خلال خارطة طريق تتضمن حلاً لحالة الصراع وتمنع الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات، وسحب ذرائع التدخل العسكري الإقليمي والدولي في ليبيا التي دائماً ما يكون غرضها مصلحي.
  • الخطوة الثانية: محاولة إقامة سلطة مركزية، ومنحها الصلاحيات الكاملة للممارسة القوة والنفوذ.
  • الخطوة الثالثة: بناء مؤسسات الدولة وقطع الطريق على تمدد وانتشار الفكر الإرهابي المتشدد حتى لا يتسرب إلى الجزائر والدول المجاورة، وحتى لا تستطيع هذه الجماعات خلق قنوات اتصال ومنظومة إرهابية عابرة للحدود تهدد أمن الجزائر والدول المجاورة، خاصة وأن متغير الهشاشة موجود بقوة في دول الجوار.

هذه الخطوات السياسية كفيلة بتضييق وحصر نشاطات الجماعات الإرهابية بعد محاولة خلق جو مناسب للحوار، ومن ثم محاولة المؤسسات الليبية مواجهة التنظيمات ذات التوجه المتطرف التي تهدد الأمن الوطني الليبي ودول الجوار، ونجاح هذه العملية يعني التخفيف من الضغط على الجيش الوطني الشعبي الجزائري المستنفر والمرابط على طول الحدود، و الذي يعيش أعلى درجات التأهب في مواجهة التهديدات على امتداد الحدود الطويلة، وخاصة المتوترة منها مثل ليبيا وتونس ومالي، مع تقليص فاتورة تحركه وانتشاره.

ومن ثم الاعتماد على آلية الحسم العسكري لمكافحة الجماعات التي لم تدخل طاولة الحوار، وتشكل تهديد حقيقي للأمن الليبي الوطني والجزائري، وتعتمد الرؤية الجزائرية على مواجهة تهديد الجماعات الإرهابية بواسطة ليبيا باعتبار أن ليبيا لليبيين وبتعاون وتنسيق أمني بين دول الجوار والاتحاد الإفريقي بعيداً عن التدخلات الغربية التي يغلب عليها الطابع البراغماتي، وهو ما قد يزيد من تعقد الوضع الأمني واستفحال الظاهرة الإرهابية بليبيا[28].

الخــاتـــمــة:

إن تحدي عدم الاستقرار وانتشار فوضى السلاح في ليبيا، وانهيار السلم الاجتماعي، ناهيك عن انتشار الجماعات الإرهابية يزيد من درجة الأخطار المحدقة بالأمن الليبي بالدرجة الأولى، وأمن المنطقة بشكل رهيب، وهو ما يزيد من احتمالية وقوع هجمات قد تستهدف الأمن الوطني الجزائري، وتحديات أخرى قطاعية تؤثر بالسلب على الأمن الوطني الجزائري، لذلك فإن الحل مرهون بعنصرين أساسيين:

  • الأول: لا بُد من خلق عملية إجماع بشأن التغيير السلمي في ليبيا والنجاح في إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولما لا إرساء المصالحة الوطنية، وتحقيق العدالة الانتقالية وآلياتها، وهذا هو العنصر الأهم في عملية بناء الأمن في ليبيا.
  • الثاني:التنبه واليقظة لمحاولات اختراق الأمن الوطني الجزائري من خلال القيام بإجراءات ردعية ضد الجماعات الإرهابية.

قائمة المراجع

أولاً: قائمة المراجع باللغة العربية

أ/ الكتب

بلقزيز، عبد الإله. “ثورات وخيبات في التغيير الذي لم يكتمل“، بيروت: منتدى المعارف، 2012.

الصادق،يوسف محمد.الإرهاب والصراع الدولي“،العراق: دار سردم للطباعة والنشر، 2013.

كريلينستن، رونالد.“مكافحة الإرهاب“، ترجمة: أحمد التيجاني، أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2001.

محب الدين، محمد مؤنس. “تحديث أجهزة مكافحة الإرهاب وتطوير أساليبها”، عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع والأكاديميون للنشر والتوزيع، 2014.

ب/ المقالات

دافيدسون،جيسون.“فرنسا وبريطانيا والتدخل في ليبيا تحليل متكامل“، دراسات عالمية، العدد134، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والبحوث، 2014.

عبيد، منى حسين. “أبعاد تغيير النظام السياسي في ليبيا”، مجلة دراسات دولية، العدد 51، جنفي 2012.

كعسيس، خليدة.“الربيع العربي بين الفوضى والثورة“، مجلة المستقبل العربي ،العدد 421، مارس 2014.

محمد الصواني، يوسف.“التحديات الأمنية للربيع العربي: من إصلاح المؤسسات إلى مقاربة جديدة للأمن”، مجلة المستقبل العربي، العدد 416، أكتوبر 2013.

ج/ الرسائل الجامعية

حمزة،  حسام. “الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري” ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة باتنة : كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية ، 2011.

د/ المداخلات العلمية

زكرياء، وهبي. “رهان الأمن الحدودي في استراتيجية الدفاع الوطني الجزائري”، ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني: بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014.

شليغم، عبير. “التحديات التي تواجه بناء الأمن في الجزائر”، ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول : “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014.

علاني، أعلية. “الأمن والخارطة الجيوسياسية في العالم العربي من خلال بعض النماذج: الإرهاب: أشكاله وتحدياته“، ورقة بحث مقدمة في الملتقى الدولي حول: “سياسات الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر 12-13 نوفمبر 2014.

ه/ المواقع الالكترونية

الجماعات المسلحة في ليبيا…خريطة معلوماتية”، تم تصفح الموقع يوم: 15/02/2017، انظر الرابط الالكتروني:

http://ar.dunyatimes.com/modules.php?module=articles&do=article&artname=—EyeWyR2a.

بسيكري، السنوسي. “ليبيا والتحديات الأمنية وانعكاساتها على العملية السياسية”، مركز الجزيرة للدراسات،5 ماي 2013م، ص ص3-4، تم تصفح الموقع يوم: 12 ديسمبر 2014م، الرابط:

http:// aljazeera Studies, net

بشار،سعيد. “قطاع السياحة الخاسر الأكبر من تردي الأوضاع الأمنية في الساحل”، جريدة الفجر، تم تصفح الموقع يوم: 22/10/2014، الرابط:

http//www ,alfadjr, com/.

بودهان، ياسين. “دور الجزائر في حل الأزمة الليبية”، تم تصفح الموقع الالكتروني يوم: 17/20/2017، أنظر الرابط الالكتروني:

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/algerias-role-in-solving-the-libya-crisis.

قوي، بوحنية.” الجزائر والانتقال إلى دور اللاعب في إفريقيا بين الدبلوماسية الأمنية والانكفاء الأمني الداخلي“، مركز الجزيرة للدراسات،29 جانفي 2014م، ص9، تم تصفح الموقع يوم: 12 ديسمبر 2014م، الرابط:

http:// aljazeera Studies,net.

طه، جمال. “تطور الإرهاب في ليبيا من الجماعات المتطرفة إلى الجيوش السيارة”، انظر الرابط الالكتروني:

https://gamaltaha.wordpress.com/2015/04/03/%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8(16/02/2017).

لكريني، إدريس. “فرص ومخاطر التدخل الدولي في ليبيا”، تم تصفح الموقع الالكتروني يوم: 16/02/2017 انظر الرابط الالكتروني:

http://minbaralhurriyya.org//.

نصير، زرواق.“الجزائر والأزمة الليبية“، تم تصفح الموقع الالكتروني يوم: 16/02/2017، أنظر الرابط الالكتروني:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014/11/4/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1 (16/02/2017).

ثانياً: المراجع باللغة الأجنبية

A/ Dictionaries

  1. Dario Battistella, Dictionnaire des relations internationales, éd 3, Paris: Édition Dalloz, 2004.

B/ Articles &Journals

  1. David Tucker,” What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?”,Terrorism and Political Violence, N13Autumn, 2001.

[1] رونالد كريلينستن، “مكافحة الإرهاب“، ترجمة: أحمد التيجاني،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 2001، ص 10.

[2]Dario Battistella, Dictionnaire  des relations internationales, éd 3, Édition Dalloz, Paris, p540-541.

[3] يوسف محمد الصادق، الإرهاب والصراع الدولي“،دار سردم للطباعة والنشر،العراق، 2013، ص25.

[4]David Tucker,” What’s New About the New Terrorism and How Dangerous Is It?”,Terrorism and Political Violence,13(Autumn, 2001), pp. 1–14.

[5] رونالد كريلينستن، مرجع سابق، ص11.

[6] خليدة كعسيس، “الربيع العربي بين الفوضى والثورة“، مجلة المستقبل العربي ، العدد 421، مارس 2012، ص220.

[7] منى حسين عبيد، “أبعاد تغيير النظام السياسي في ليبيا”، مجلة دراسات دولية، العدد 51، جانفي 2012، ص40.

[8]المرجع نفسه، ص 40.

*من بين المنشقين الممثل الدائم في هيئة الأمم المتحدة عبد الرحمان شلقم، ووزير الداخلية عبد الفتاح يونس، ومصطفى عبد الجليل وزير العدل السابق، وعلي العيساوي سفير ليبيا في الهند، ومحمد جبريل وزير التخطيط.

**وضع علماء النفس والإجرام بعض الملامح المشتركة لشخصية غالبية الإرهابيين والزعماء الذين يمارسون الإبادة، ومن بينها اختلال الشخصية (البارانويا)، حيث يصبح فيه الطرف عديم الإحساس متلبد المشاعر ومفتقد للشفقة، ويكون مستعد لتعريض ضحاياه لأقصى العقوبات، كما يحاول فيها الشخص الوصول إلى العظمة دون أن يتوافق ذلك مع القدرات الممنوحة له، وتنطبق هذه الصفات على الكثير من القادة كأودولف هتلر والعقيد الراحل معمر القذافي، أنظر: محمد مؤنس محب الدين، “تحديث أجهزة مكافحة الإرهاب وتطوير أساليبها”، دار الحامد للنشر والتوزيع والأكاديميون للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص 20-21.

[9] عبد الإله بلقزيز،“ثورات وخيبات في التغيير الذي لم يكتمل“،منتدى المعارف، بيروت، 2012، ص88.

[10]المرجع نفسه، ص 87.

[11] يوسف محمد الصواني، “التحديات الأمنية للربيع العربي: من إصلاح المؤسسات إلى مقاربة جديدة للأمن”، مجلة المستقبل العربي، العدد416، أكتوبر2013، ص31.

[12] أعلية علاني، “الأمن والخارطة الجيوسياسية في العالم العربي من خلال بعض النماذج: الإرهاب: أشكاله وتحدياته“، ورقة بحث مقدمة في الملتقى الدولي حول: “سياسات الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر 12-13 نوفمبر 2014، ص 12.

[13]المرجع نفسه، ص 3.

[14] إدريس لكريني، فرص ومخاطر التدخل الدولي في ليبيا”، تم تصفح الموقع يوم: 16/02/2017، انظر الرابط الالكتروني:

http://minbaralhurriyya.org//

[15] جيسون دافيدسون، “فرنسا وبريطانيا والتدخل في ليبيا تحليل متكامل“، دراسات عالمية، العدد134، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية والبحوث، 2014، ض 26-27.

[16]السنوسي بسيكري، “ليبيا والتحديات الأمنية وانعكاساتها على العملية السياسية”، مركز الجزيرة للدراسات،5 ماي 2013م، ص ص3-4، تم تصفح الموقع يوم: 12 ديسمبر 2014م، الرابط: http:// aljazeera Studies, net

[17]“الجماعات المسلحة في ليبيا…خريطة معلوماتية”، تم تصفح الموقع يوم: 15/02/2017، انظر الرابط الالكتروني:

http://ar.dunyatimes.com/modules.php?module=articles&do=article&artname=—EyeWyR2a .

[18] جمال طه، “تطور الإرهاب في ليبيا من الجماعات المتطرفة إلى الجيوش السيارة”، تم تصفح الموقع يوم: 16/02/2017، انظر الرابط الالكتروني:

https://gamaltaha.wordpress.com/2015/04/03/%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8.

[19]المرجع نفسه.

[20]المرجع نفسه.

[21] حسام حمزة، “الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري” ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، جامعة باتنة : كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية ، 2011، ص 63.

[22] وهبي زكرياء، “رهان الأمن الحدودي في استراتيجية الدفاع الوطني الجزائري”، ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول: “الدفاع الوطني: بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014، ص ص2-3.

[23] ياسين بودهان، دور الجزائر في حل الأزمة الليبية”، تم تصفح الموقع الالكتروني يوم: 17/02/2017، أنظر الرابط الالكتروني:

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/algerias-role-in-solving-the-libya-crisis.

[24]المرجع نفسه.

[25] بوحنية  قوي، ” الجزائر والانتقال إلى دور اللاعب في إفريقيا بين الدبلوماسية الأمنية والانكفاء الأمني الداخلي“، مركز الجزيرة للدراسات،29 جانفي 2014م، ص9، تم تصفح الموقع يوم: 12 ديسمبر 2014م، الرابط:

http:// aljazeera Studies,net//.

[26]عبير شليغم، “التحديات التي تواجه بناء الأمن في الجزائر”، ورقة بحث قدمت في الملتقى الدولي حول : “الدفاع الوطني بين الالتزامات السيادية والتحديات الإقليمية”، ورقلة، الجزائر، 12-13 نوفمبر2014، ص18.

[27]سعيد بشار، “قطاع السياحة الخاسر الأكبر من تردي الأوضاع الأمنية في الساحل”، جريدة الفجر، تم تصفح الموقع يوم: 22/10/2014، الرابط:

http//www ,alfadjr, com/.

[28] زرواق نصير، “الجزائر والأزمة الليبية“، تم تصفح الموقع يوم: 16/02/207، أنظر الرابط الالكتروني:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2014/11/4/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1.

  • عادل جارش – باحث دكتوراه ،دراسات إستراتيجية، المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية – الجزائر
  • تحريرا في 1-6-2017
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى