الدراسات البحثيةالمتخصصة

موقف الولايات المتحدة من القضية القبرصية : تأثير مُلتبس للبترول 

اعداد : الـــســفــيــر بـــلال الــمــصــري – ســفـيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر –

مدير المركز الديمقراطي العربي – مصر – القاهرة

  • المركز الديمقراطي العربي

 

جددت الحكومة القبرصية (حكومة القبارصة اليونانيين) رغبتها في الإستكشاف والإستغلال للإحتياطات المُتوقعة بحقول الغاز في مياه البحر المتوسط المُحيطة بالجزيرة , وهذه الرغبة في حد ذاتها كفيلة بأن تفتح الباب لمرور عقبة إضافية ومُعقدة تُضيف صعوبة إلي الصعوبات الجمة التي تحول دون حل معضلة القضية القبرصية , فقد رفضت حكومة شمال قبرص التركية والحكومة التركية معاً وبقوة عمل كونسورتيوم بترولي يضم ENI  و Total فاز بإمتياز القطاع رقم 6 , لكن شركة ENI وحدها مُنحت إمتياز القطاع 8 , فيما ظفر كونسورتيوم آخر يضم  Exxon Mobil و Qatar Petroleum بالقطاع رقم 10والذي وقع هذا الكونسورتيوم عقد إلإستكشاف والإستغلال للهيدروكربون بهذا القطاع مع حكومة نيقوسيا في 5 أبريل 2017 , وقد إعترضت تركيا علي كل ذلك وصدر بيان رسمي تركي في 7 أبريل أوجز وجهة النظر التركية حيث أشار إلي ” أنهم – أي الحكومة التركية – تجد في ذلك المسلك ما يدعو إلي القلق كونه من غير المقبول أن يصر الجانب القبرصي اليوناني علي التصرف بإعتباره المالك الوحيد للجزيرة ويستمر في أنشطته أحادية الجانب خاصة في فترة كان عليه أن يُبدي إرادة سياسية قوية فيما يتعلق بإقامة شراكة جديدة مع شعب قبرص التركية , ولقد لفتنا الانتباه مرارا إلى الطبيعة الإشكالية للأنشطة التي تقوم بها الشركات الهيدروكربونية في المناطق البحرية التي للقبارصة الأتراك حقوق فيها , وعلاوة على ذلك ، فإن جزءًا كبيرًا من أحد المجالات ذات الصلة بهذه الأنشطة بالقطاع رقم 6 والذي يقع داخل الجرف القاري التركي ولا يجوز أبدًا لأي شركة أجنبية تحت أي ظرف من الظروف القيام بأنشطة استكشاف واستغلال غير مصرح بها للهيدروكربونات في مناطقنا القانونية البحرية ” , وأشار بيان الحكومة التركية كذلك إلي إتفاقها مع النقاط الواردة في البيان المُنفصل الصادر عن وزارة خارجية حكومة شمال قبرص التركية بشأن الأطقم الفنية لشركة  ENIالإيطالية  في موقع الإستكشاف البحري , كما صرح وزير الخارجية التركي في 14 أبريل 2017 بأن الجانب القبرصي اليوناني لم يتخذ الخطوة الصحيحة بشأن إحتياطيات الغز الطبيعي والبترول وأن بلاده ستتخذ بعض الخطوات إزاء ذلك وأنهم سوف لا يسمحون بأي خطوات أحادية بالتعاون مع شركات وكونسورتيوم دولي في هذا الشأن , ويُشار إلي أن  شركة ExxonMobil الأمريكية للبترول دخلت علي نفس الخط مع شركة ENI الإيطالية  إذ أنها هي الأخري ستشرع في بدء الإستكشاف بالمنطقة البحرية أيضاً , وبالتالي فسيُسهم البترول كما العهد به في تشكيل العلاقات الدولية والنزاعات الطارئة عليها , سيُسهم في إضافة بعد جديد لكنه أكثر خطورة من الأبعاد السياسية والأمنية الأخري التي تُشكل بنيان القضية القبرصية التي نشأت إثر التدخل العسكري التركي في قبرص الذي بدأ في 20يوليو1974 وأستمر حتي أغسطس 1974إنقاذاً للقبارصة الأتراك من براثن عسكر اليونان الذين قرروا إنهاء وجودهم من جزيرة قبرص البالغ مساحتها 9581 كم مربع مرة واحدة وللأبد , فبعد الغزو اليوناني للجزيرة والإنقلاب الذي دبره عسكر اليونان علي الرئيس القبرصي الأسقف مكاريوس في 15 يوليو 1974الذي جاء في أعقاب الرسالة التي بعث بها مكاريوس للرئيس اليوناني والتي تضمنت طلبه سحب الجنود اليونانيين من الجزيرة وهي الرسالة التي دفعت العسكريين اليونانيين للإسراع بغزو قبرص وقلب نظام الحكم الذي يرأسه الأسقف مكاريوس , بعد هذا الغزو تم التنكيل بالقبارصة الأتراك بشكل لا إنساني فيه من الفظاعة بقدر ما فيه من الرغبة في الإنتقام من كل ما هو تركي , مما حد بتركيا إلي التدخل عسكرياً وبسرعة لوضع حد للمجازر ضد القبارصة الأتراك , وقد روي الأسقف مكاريوس أحداث الغزو اليوناني والإطاحة به فقال ما نصه ” إن الضباط اليونانيين العاملين في صفوف الحرس الوطني (القبرصي) كانوا يرددون بإستمرار أنني كنت أحول دون تحقيق الإضمام لليونان أو ما يُطلق عليه Enosis (في إطار تحقيق أحد مفاهيم القومية الهيلينية وهو ما يُسمي Megali Idea والذي إنبثق بعد حرب إستقلال اليونان عام 1832 الذي يعني إقامة دولة يونانية تجمع كل اليونانين بالدولة العثمانية ) , وذلك في الوقت الذي كانت تبدو فيه مُمكنة …. ”  , (عدنان حطيط . ” قبرص الوجه الآخر للقضية ” . الطبعة الأولي سبتمبر 1987 . بيروت – لبنان – صفحة 161) , وهذا يعني أن كلا من اليونانيين والرئيس القبرصي الراحل الأسقف مكاريوس كان هدفهما المُشترك تحقيق الوحدة الهلينية , وكان الخلافين الوحيدين بينهما في الأسلوب والسرعة , وهذه المُقدمة ضرورية للقارئ العربي – الذي سوقت له الأنظمة الأسقف مكاريوس كرجل دولة قبرص بطائفتيها القبرصية اليونانية والتركية فالأسقف مكاريوس هو من تسبب في نشوب الحرب الأهلية بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين عندما أدخل في 30 نوفمبر 1963تعديلات علي الدستور القبرصي لإلغاء حق القبارصة الأتراك في الإعتراض  أو الـ Veto * ( دراسة صادرة عن مركز Carter لجامعة Emory University بعنوان”Cyprus:An Action Memorandum بقلم James H. Wolfe . صفحة 3) ,  وهو ما يُؤكد أنه من بين من قادوا وحاولوا تطبيق مفهوم Megali Idea علي الأرض القبرصية  , حتي يدرك القارئ العربي مُجمل معاني الصورة الكلية للقضية القبرصية والتي تماهت معها وايدتها الأنظمة العربية بأجنحتها الدبلوماسية والإعلامية عن وعي أو عن ضلال بدون مقابل له إعتبار حتي الآن وهو موقف مُشابه لموقف أغلب الأنظمة العربية من الصراع الهندي / الباكستاني , ويحدث هذا فيما القضية القبرصية تعني لتركيا – الأقرب للعرب من اليونانيين وأضرابهم – ربما بدرجة أكبر وأعمق من اليونان قضية أمن قومي بما تعنيه الكلمة من معني فالمرء عندما يري قبرص بالخريطة وهي واقعة في شرق المتوسط وقريبة من بحر إيجة يُخيل إليه أنها مُسدس فوهته مُوجهة نحو السواحل التركية . 

ولندع جانباً تحركات شركات البترول الدولية والدول الداعمة لها والتي تتبني مبدئياً موقفاً مؤيداً لوجهة النظر القبرصية اليونانية يبرر لها دعمها سياسياً , لنستعرض الموقف الأمريكي الأخير من قضية إستكشاف وإستغلال حكومة نيقوسيا ” القبارصة اليونانيين” للموارد البترولية وما يعنيه هذا الموقف فيما يتعلق   بآفاق حل القضية القبرصية في إطار عام وبالعلاقات الأمريكية / التركية في إطار آخر , وقبل أن نعرض للتطور الأخير في الموقف الأمريكي من القضية القبرصية والذي كانت نقطة تحوله النسبي هي البترول وإستكشافه وإستغلاله في المياه المحيطة بالجزيرة القبرصية , لابد من عرض مُختصر لآفاق حل هذه القضية ورؤية القبارصة اليونانيين للقضية وأسس حلها , ثم نعرض بعد ذلك للتطوير الطارئ علي الموقف الأمريكي التقليدي من القضية القبرصة والذي يُعد في تقديري تحولاً نسبياً إزاء هذه القضية قياساً علي موقف الولايات المتحدة من القضية قبل تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة بتركيا مع ملاحظة أن هذا التطوير أو لنقل التغير النسبي كانت نقطة إنطلاقه البترول كما سبقت الإشارة , وبالتالي فإنه من اليسير إستنتاج أن هناك قوي ضاغطة مُمثلة في الشركات الدولية للبترول والغاز الطبيعي قد أُضيفت إلي القوي الدولية ذات الصلة المباشرة بالقضية القبرصة وهي الدول الثلاث الضامنة لقيام وإستقلال جمهورية قبرص والمُوقعة علي معاهدة الضمان وهي تركيا واليونان والمملكة المتحدة , وبعد أن كان الدور الأمريكي في القضية القبرصية قاصراً علي المتابعة وتقديم مبادرات للحل صيغت تحت مظلة علاقات أمريكية / تركية صلبة , أصبح هذا الدور أبعد نسبياً عن النطاق التقليدي للعلاقات التركية / الأمريكية ونجد الترجمة الواضحة لذلك في موقف الولايات المتحدة من توجه حكومة قبرص إستكشاف وإستغلال البترول في محيطها البحري , ونعرض لكل ذلك علي النحو الآتي  :

أولاً : آفاق حل القضية القبرصية :

إتخذت حكومة القبارصة اليونانيين قراراً في فبراير 2016 بفتح مزاد لمنح إمتيازات عدد من القطاعات البترولية البحرية , وفي خط مُعاكس بدأ في نهاية عام 2016 تحرك جديد بإتجاه عقد جولة تفاوض جديدة لحل القضية القبرصية أعتبره الساسة القبارصة اليونانيين إتصالاً بجولة سابقة في فبراير 2014 لم تُسفر إلا عن إصدار إعلان مبادئ مُشترك  بين الرئيس  القبرصي اليوناني Nikos Anastasiades وعن الجانب القبرصي التركي Mehmet Eroglou من أجل البحث عن حل للقضية القبرصية وكانت النقطة الخلافية التي ستخضع للمناقشة في جولة نهاية عام 2016 هي معاهدة الضمان والتي نُوقشت في جينيف في 12 يناير 2017 بحضور ممثلي الدول الضامنة المملكة المُتحدة وتركيا واليونان , وتطلع الجانب القبرصي اليوناني إلي تحقيق ذلك الهدف عبر مفاوضات مع الجانب القبرصي التركي والدول الضامنة التي وقعت معاهدة زيورخ في11 فبراير 1959 التي بموجبها أُنشئ بنيان الدولة القبرصية وتقسيم الوظائف لها بين القبارصة اليونانيين والأتراك وإحتفاظ بريطانيا بقاعدتين عسكريتين ذواتا سيادة بريطانية هما قاعدتي ترودس وأكروتيري ومعاهدة الضمان  وقعت عليها تركيا واليونان والمملكة المُتحدة ومعاهدة ثالثة وُقع عليها أيضاً في زيورخ هي معاهدة التحالف , ولقد كان من المُفترض والحالة هذه أن يظل الوضع مُتماسكاً في قبرص التي تعد من الدول القليلة التي نشأت علي أساس إتفاق بين أطراف خارجية ثلاث هي الدول الضامنة , لكن كانت هناك رغبة دائمة لدي الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية في جعل قبرص نقية خالية من الطائفة التركية المُسلمة إذ لا تعتبرهم قبارصة وأنما هم نتاج الغزو العثماني للجزيرة في معظمهم ونتاج للغزو التركي العسكري للجزيرة في يوليو/ أغسطس 1974 حين تم إستقدام مواطنين أتراك للإستيطان في الجزء الشمالي من الجزيرة القبرصية .

لنتجاهل أيضاً إغراء الإستغراق في عرض تفصيلات الجولات التفاوضية التي بدأت منذ 50 عاماً وأستمرت بصفة مُتقطعة لحل الصراع بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونايين وهي الجولات التي لم تفض إلي شيئ حتي يومنا هذا وكان آخر تطور في الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للمساهمة في حل النزاع بالجزيرة هي النقاط الست التي طرحها أمين عام الأمم المُتحدة Antonio Guterres في الربع الأول من عام 2018علي القبارصة الأتراك الذين قبلوها والقبارصة اليونانيين الذين يعكفون علي التفكير فيها ولم يردوا بعد والنقاط الست تتعلق بمحادثات توحيد الجزيرة وهي الأمن والقوات والمناطق والممتلكات والتعامل المتساوي والمشاركة في الحكم , وقد إتهم الرئيس التركي أردوغان في أحد تصريحاته أثناء زيارته لشمال قبرص التركية الجانب القبرصي اليوناني بإفتقاد الرؤية * (موقع صحيفة ekathimerini.com بتاريخ 11 يوليو 2018) , ومع ذلك يمكن التعرف علي مضمونها من خلال التعرف علي رؤية الجانب القبرصي اليوناني وأهم دعائمها وكذلك يمكن التعرف علي ذلك من خلال فرض تركيا لسياسة الأمر الواقع في الجزء الشمالي من الجزء , بالإضافة لوسائل مختلفة أخري لكنها في النهاية تتوازي مع ما سينتج عن معرفة رؤية الجانب القبرصي اليوناني والأمنر الواقع الذي فرضته تركيا بالجزيرة والذي أراه في تقديري مُتسقاً مع موجبات نظرية الأمن القومي التركي إذ أن قبرص في إطار الصراع اليوناني / التركي خاصة في نطاق بحر إيجة , وفي إطار أوسع مدي وهو الأهمية الجيوسياسية لتركيا داخل حلف شمال الأطلنطي  NATO توفر للعسكرية وللسياسة التركية  إطاراً صلباً وإمتداداً داخل شرق البحر المتوسط , وربما يعد التدخل التركي في سوريا حماية للأمن القومي التركي في جناحه الشرقي بديار بكر حيث موطن الأزمة الكردية المُزمنة  أول تطبيق جيوستراتيجي لتركيا من إمتدادها وولوجها إلي داخل نطاق شرق المتوسط فلا شك أن الوجود العسكري التركي في شمال قبرص عاملاً مساعداً للتدخل العسكري التركي في سوريا ومنصة لرؤية التعاون العسكري البحري لقوي إقليمية مناوئة لنهضة العسكرية التركية لدورها الإحترافي الحقيقي صيانة للأمن القومي التركي بعد أن كانت العسكرية التركية – التي تبنت العقيدة الكمالية التي ضمرت تدريجياً – أكبر تهديد للدولة التركية بسبب تخليها أن العسكرية الإحترافية والتمسك بالعسكرية السياسية من خلال تناوب عسكر تركيا تسلم الحكم بإنقلابات عسكرية قصمت ظهر الدجولة والإقتصاد التركي لسنين عدداً .

هناك رؤيتان للقبارصة اليونايين بشأن القضية وبينهما إختلاف ظاهري لكنهما متفقتان في الهدف النهائي :

الرؤية الأولي : وهي رؤية الكنيسة الأرثوذكسية وهي الرؤية الجوهرية التي تمثل الإطار الأوسع للجانب القبرصي اليوناني , فالكنيسة القبرصية تتبني عقيدة Megali Idea أو الفكرة العُظمي وبناء عليها تدعو الكنيسة إلي ضم قبرص لليونان أو ما يُعرف بأنهEnosis , وذلك علي غرار ما حدث لجزيرة كريت والجزر الأيونية , ولاشك أن قطاع مهم من المثقفين والشعب القبرصي علي أساس من الولاء لكنيسته فلا غرو أن يتبني رؤياها , وليس من المُستغرب أن يقول الكاتب اليوناني بيتر لوذوس أن ” إيمان المُثقفين القبارصة اليونانيين بمفهوم Enosis (أي ضم قبرص لليونان ” كان من أجل إعلان الأإنتماء إلي تجمع سياسي أكبر , إلي أمة قاتلت ببسالة في تارخها الحديث لتجد طريقها – بمساعدة أوروبية – إلي التحرر من الحكم العثماني نفسه الذي كان يُسيطر علي قبرص …… إذ أن بقاء القبارصة اليونانيين بمفردهم كان معناه الوقوف سياسياً وثقافياً موقف العاجز عن الدفاع عن النفس , لذلك فإن التاكيد علي الوحدة مع الأمة اليونانية كان معناه التوصل إلي قدرة دفاعية فاعلة” , وفي الواقع فلم تعتمد الكنيستين اليونانية والقبرصية علي المُقفين المُؤمنين بدور الكنيسة في تحقيق هدف ضم قبرص للوطن الأم : اليونان , فللكنيسة القبرصية ذخيرة حاضرة من الكهنة كان في الواقع هم المحرك والمرجل الذي لا يتوقف و لا يهدأ لإستثارة العاطفة العقائدية المسيحية الممر الذي علي أرضيته يصل جميع القبارصة اليونانيين لتحقيق ضم قبرص لليونان أو Enosis فمن خلال مواعظهم زرعوا الحقد الذي يصفه البعض منهم بأنه حقد مُقدس إيجابي في نفوس القبارصة اليونانيين علي البريطانيين لأن الحكومة البريطانية لم تستجب لإلحاهم الدائم بإعطائهم الحق في ضم الجزيرة بكاملها إلي ما يعتبرونه الوطن الأم أي اليونان , كما زرعوا ذات الحقد أيضاً ضد القبارصة الأتراك الذين رفضوا أن ينتقلوا من إستعمار بريطاني لإستعمار يوناني سيمارس *(عدنان حطيط . ” قبرص الوجه الآخر للقضية ” . الطبعة الأولي سبتمبر 1987 . بيروت – لبنان – صفحة 44) إذا تحقق تطهيراً عرقياً لا خلاص منه إلا بالفرار إلي سواحل تركيا الجنوبية , وقد عمدت إلي هذه الإشارة لدور الكنيسة القبرصية لأكثر من سبب , الأول تبديد مفهوم خاطئ تماماً لدي كثير من العرب وهو أن القضية القبرصية بدأت بسبب أو نتاجاً للغزو العسكري التركي في يوليو/ أغسطس 1974 , وهو قول خاطئ بصفة قاطعة ذلك أن الكنيسة القبرصية لديها إستراتيجية ثابتة منذ أن سلمت بريطانيا الجزر الأيونية لليونان عام 1864 , وهو ما كان له صداه لدي رجال الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية فعلي سبيل المثال نجد جون كولينيس الأول الذي كان أحد أبرز الداعين إلي الفكرة العُظمي أو Megali Idea يقول في خطاب علني له في يناير 1844 ” إن مملكة اليونان ليست اليونان , إن هذه ليست سوي الجزر الأصغر والأفقر من اليونان , فأبطال الإستقلال لا ينتمون فقط إلي هذه المملكة مملكة اليونان الصغيرة , بل إنهم ينتمون إلي مقاطعات العالم اليوناني , إن هناك مركزين عظيمين للهيلينية : أثينا والقسطنطينية , أما أثينا فهي فقط مركز المملكة , وأما القسطنطينية فهي العاصمة الكبري وهي الفرحة والأمل بالنسبة للهيلينيين ” * (المرجع السابق . صفحة 36) , الثاني أن القضية القبرصية صحيح أن السياسيين القبارصة اليونانيين هم الذين يظهرون حالياً منذ تولي رئيس مجلس النواب Spyros Kyprianou رئاسة الجمهورية بعد وفاة الأسقف مكاريوس عام 1977في واجهتها ويديرون التفاوض ومن وراءهم الجانب اليوناني مع الجانب القبرصي التركي ومن وراءه تركيا , إلا أن الكنيسة القبرصية وقادتها هم وليس غيرهم من وضعوا ويضعون ويصرون للآن علي بقاء هذا الإطار المُحدد الذي علي السياسيين ألا يخرجوا عنه , لكن الكنيسة لا تجد مانعاً من إستخدام السياسيين للألوان وإضفاء بعض الرتوش علي هذا الإطار توطئة لوضع الطائفة القبرصية التركية داخله ويدرك الساسة الأتراك ذلك وبعمق , وهو وضع إستثنائي إضطرت الكنيسة القبرصية أن تتماهي معه , فقد غير التدخل العسكري التركي من ترتيب مصفوفة السياسة القبرصية  , فأهم نتائج التدخل العسكري التركي لم تكن فقط تمكين القبارصة الأتراك من بناء دولة تدعمها أنقرة في شمال قبرص علي مساحة نسبتها حوالي 37 % من المساحة الإجمالية للجزيرة التي تبلغ  9581 كم مربع وبها نحو 70% من الإمكانات الإقتصادية * ( The almanac of Cyprus 1999 . كتاب رسمي صادر عن الحكومة القبرصية . صفحة 38) بل كذلك دفع الكنيسة القبرصية للوراء قليلاً حتي لا يبدو الصراع بسبب كثافة  وثقل دور الكنيسة القبرصية التي نالها بعض الضعف حتي قبل التدخل العسكري التركي في يوليو أ أغسطس 1974 , إذ أن الكنيسة القبرصية مُمثلة في رئيس الدولة الأسقف مكاريوس واجهت تدخلاً تجاوز سلطاته من جانب العسكريين اليونانيين الذين قادوا إنقلاباً أطاح بملك اليونان قسطنطين والذين خاضوا صراعاً فيما بينهم إنفجر علي مدي أوسع وأزداد إتساعاً في يوليو 1974 ووصلت شظاياه إلي قبرص عندما وطئت أقدامهم أرض الجزيرة بغية التخلص بأي شكل من الأسقف مكاريوس وتنفيذ الضم الكامل لقبرص لتكون في حوزة اليونان وحينها سقط مئات من الضحايا من القبارصة الأتراك واليونانيين علي السواء , وقد روي رئيس شمال قبرص التركية رؤوف دنكتاش في كتابه “المثلث القبرصي” وأشار فيه إلي أن 21 ألف قبرصي تركي طُردوا من 27 قرية وبلغ عدد القبارصة الأتراك الذين إعتقلتهم القوات اليونانية في تدخلها العسكري نحو 35,880 قُبض عليهم من 80 قرية , وبلغ عدد المُحاصرين في 60 قرية 26,150 قبرصي تركي , هذا بالإضافة إلي ممارسة الأعمال الوحشية والتدميرية بلا حساب وبلا وازع إنساني , مما ألزم تركيا بتدخل واسع النطاق في ذات هذا الشهر , فقد سبق لتركيا القيام بعملية عسكرية محدودة لوقف الإعتداءات ضد القبارصة الأتراك في فترة إستمرت من ديسمبر 1963 ولثلاث أشهر أولي من عام 1964 دمر فيها القبارصة اليونانيين مسجد ومقام بيرقدار في نيقوسيا ومسجد عمر في كيرينيا وفي لايتا ولارناكا وأماكن أخري , وأستطاعت تركيا دحر القبارصة اليونانيين وداعميهم من اليونانين , لكن ماحدث ويعكس القدر الثابت والكبير من الإصرار العدواني أن الأسقف مكاريوس قام بزيارة في أبريل 1964لليونان وهناك إتفق مع الرئيس اليوناني أندرياس باباندريو علي تنفيذ أربعة مبادي في قبرص هي (1) البحث عن حل للقضية عن طريق الأمم المتحدة وحدها فالقبول بدور لحلف الأطلنطي أو محادثات ثنائية بين اليونان وتركيا سيضر بالموقف اليوناني , (2) أن الهدف النهائي تحقيق ضم قبرص لليونان نهائياً , (3) عدم إستفزاز الأتراك بأي شكل وإتخاذ خطوات تهدئة بتقديم تنازلات غير جوهرية للطائفة القبرصية التركية , (4) دعم اليونان لحكومة الأسقف مكاريوس إذا ما تعرضت لهجوم تركي , وفي هذا السياق تم إتفاق سري بموجبه جري إرسال 20,000 جندي يوناني وصلوا قبرص بملابس مدنية ثمن تم إلحاقهم بالوحدات العسكرية القبرصية  , وبنهاية حقبة مكاريوس إنتهي تولي الكنيسة إدارة دفة السياسة بصفة مباشرة وشخصية مُمثلة في الأسقف مكاريوس , أخيراً وليس آخراً هناك سبب ثالث وتثبت القراءة الكافية لتسلسل الحوادث في قبرص منذ توقيع رؤساء وزراء بريطانيا وتركيا واليونان والأسقف مكاريوس ممثلاً للقبارصة اليونانيين وفاضل كوجك ممثلاً للقبارصة الأتراك علي وثائق ميلاد دولة قبرص في 19 فبراير 1959 بقصر Lancaster House ببريطانيا أن حالة قبرص التي تُوصف ” بالقضية القبرصية” لا يمكن أن تكون ولا كانت كذلك فهي “حالة صراع” , فلم يصف الغرب أبداً – وذلك علي سبيل المثال –  تمرد جنوب السودان الذي قاده الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM منذ 1955 حتي يناير 2005 تاريخ توقيع إتفاق السلام الشمل بين حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج بأنه “قضية” بل وصفه بأنه “صراع ” , فما يجري في قبرص لا يخرج عن مفهوم الصراع فالجانب القبرصي اليوناني علي الأقل يتبني رؤية مسيحية وطائفية مضمونها عرقي  تاريخي , ومن ثم فتحجيم ما يحدث في قبرص في إطار مفاهيمي ضيق وغير واقعي بوصفه ” بالقضية ” , يعني وبصفة واضحة أن لا حلاً قريباً طالما لم يتناول المفاوضون وبصفة خاصة الجانب القبرصي اليوناني المفاوضات بإعتبارها مفاوضات تتعلق بصراع لا مجرد قضية , ولهذا نجد تركيزاً في مختلف جولات التفاوض علي  الجوانب الدستورية والقانونية وهي لاشك جوانب حيوية لولا أنه يتم تناولها للوصل لحل يؤدي إلي إنهاء ما يُسمي بالإحتلال التركي وإنهاء جمهورية شمال قبرص التركية التي لا يعترف بها المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة ولا الدول العربية التي تتعامل مع إسرائيل بإعتبارها دولة بالرغم من أنها ” قوة إحتلال” علي الأقل من وجهة مواثيق الأمم المتحدة والتي أقرت قرارات تؤكد علي أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف , ومن ثم فلا منطق في إعتراف بعض الدول العربية بإسرائيل وهي ماهي ؟ قوة إحتلال بمعيار القانون الدولي ودولة دينية عنصرية بمعيار الواقع المُعاش , فيما هذه الدول أحجمت وفي قول آخر خشيت وفي أقوال أخري سارت كما هو ديدنها في ظل مواقف القوي الدولية من الصراع بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك  بإسرائيل  ………

الرؤية الثانية : الساسة القبارصة اليونانيين :

من الوجهة المبدئية تنبغي الإشارة إلي أن الموقف الثابت لحكومة قبرص إزاء حل القضية القبرصية أوضحته عدة تصريحات لمسئولين قبارصة يونانيين وذلك علي النحو التالي :

– وفقاً لتصريح أدلي به الرئيس القبرصي في 15 نوفمبر 1995 فإن حل القضايا ذات الصلة بالقضية القبرصية يجب أن يكون بالوسائل السلمية وبشكل عادل .

– وفقاً لتصريح للمتحدث الرسمي باسم الحكومة القبرصية أدلي به في 17 يناير 2000 , فإنه لا قبول بدولتين بقبرص علي أساس كونفيدرالي أو فيدرالي أو أي شيئ آخر فدستور جمهورية قبرص الصادر عام 1960 يمكن تقويمه وتطويره إلي شكل آخر للحكومة قبله الطرفان .

– أشارالمُتحدث الرسمي باسم حكومة قبرص أيضاً في تصريح بتاريخ 19 يناير 2000 إلي أن النموذج السويسري (وهوأقرب للفيدرالية منه للكونفيدرالية ) يتميز بأن السلطة بموجبه أكثر مركزية عنها في النموذج الكلاسيكي للفيدرالية .

– أوضح المتحدث الرسمي باسم الحكومة في 19 يناير 2000كذلك بأن إجراءات بناء الثقة تعني تعزيز المُضي في المُحادثات , لكنها لا تعني أنها تأتي عوضاً عن المفاوضات .

من جهة أخري وبعد الإطاحة بالرئيس القبرصي الأسقف مكاريوس تولي السياسين الذين يتناوبون السلطة في نيقوسيا والمنتمين لأحزاب مختلفة مثل الحزب التقدمي للعاملين  A.K.E.L المُتحدر من حزب قبرص الشيوعي وحزب وسط اليمين DISY والحزب الديموقراطي DIKO والحزب الإشتراكي EDEK هذا بالإضافة لأحزاب أخري صغيرة مثل حزب الخضر القبرصي  وحزب الآفاق الجديدة , أصبحت هناك رؤي غير كنسية قاسمها المُشترك تجاوز ما قام به الرئيس الأسبق مكاريوس عام 1963مما يُوصف بأنه “إصلاحات ” دستورية , فعلي سبيل المثال نجد أن حزب AKEL الذي إعتبرته منظمة EOKA “منظمة الكفاح القبرصي ” يضم مجموعة من الخونة  , أصدر في نهاية أعمال المؤتمر الثامن عشر للحزب الذي عُقد في نيقوسيا في الفترة من 16 – 19 نوفمبر 1995 قرارأ خلص إلي أن حل القضية القبرصية يُشترط أن يراعي ويتضمن :

* إستعادة وإحترام الإستقلال والسيادة والوحدة والتكامل الترابي لجمهورية قبرص .

* إنسحاب المستوطنين وإستعادة التكوين الديموجرافي لشعب قبرص والذي تغير حالياً بسبب الموجات العالية من المستوطنين الأتراك .

* إقامة جمهورية قبرص علي أساس فيدرالي ثنائي الطائفة والإقليم وغير مُنحاز وعلي أساس من المبادئ المُتواضع عليها دولياً والقواعد الحاكمة لعمل الدولة الفيدرالية .

كذلك أصدرت اللجنة المركزية لحزب AKEL في 30 نوفمبر1999 قراراً عبر عن موقفه من القضية القبرصية تضمن  :

* التأكيد علي سياسة الحزب القائلة بالحل السلمي من خلال مفاوضات بين الطائفتين في إطار الأمم المُتحدة وعلي أساس من قرارتها ذات الصلة بالقضية القبرصية وطبقاً للقانون الدولي والإتفاقات رفيعة المستوي .

* أن مرور الزمن يكرس الأمر الواقع للغزو التركي للجزيرة وللإحتلال ويجعل من تقسيم الجزيرة نهائياً .

* إيلاء أهمية كبري فيما يتعلق بالحل في المدي المنظور علي مبادئ صيانة الإستقلال والوحدة والتكامل الترابي لجمهورية قبرص كدولة ذات سيادة واحدة ومواطنة واحدة وشخصية دولية واحدة تصون حقوق كلا من القبارصة اليونانيين والأتراك , وفي هذا الإطار فإن الحل الفيدرالي هو البديل في مواجهة التقسيم .

* قناعة الحزب بأنه وفي هذه المرحلة فإن إجراء محادثات غير مباشرة قد إستنفذ أغراضه وأنه كان علي الأمين العام للأمم المُتحدة منذ زمن أن يدعو الطرفين لمباحثات مُباشرة علي أساس من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1250 وإذا ما تعذر ذلك , فعلي الأمين العام للأمم المُتحدة إلقاء التبعة علي الجانب الرافض ويطلب من مجلس الأمن المشورة إزاء الخطوة التالية , وعلي هذا فإن الحزب يؤكد علي أن رئيس الجمهورية مُلزم بإجماع المجلس القومي بأن ينظر وبشكل جماعي داخل هذا المجلس في دعوة الأمين العام للأمم المُتحدة بشأن المحادثات قبل إعطاء أي رد عليها .

* أن المُحادثات غير المُباشرة التي تُعقد في نيويورك في 3 ديسمبر 1999 لن تترك حيزاً لإحداث تقدم في القضية , لأن الأساس الواضح لها مُفتقد , لأن كل من رؤوف دنكتاش (أول رئيس لجمهورية شمال قبرص التركية) ومعه كل المسئولين الأتراك أكدوا بناء علي إجتماع مجلس الأمن القومي التركي أنه لا تنازلات في القضية .

* أن الجانب القبرصي / اليوناني في مركز صعب للغاية ويتحمل رئيس الجمهورية المسئولية جراء هذا , لأنه ولعدد من السنين الماضية واصل الرئيس وحكومته سياسة فاشلة ومُتضاربة تتسم بعدم الأمان الكامل في تناول الأمر مما أضر بالقضية القبرصية , وبالرغم من أن حزب AKEL حذر وطالب بإتباع سياسة وقائية يمكن من خلالها صياغة التطورات لصالح قبرص وذلك عن طريق القيام بحملة علي مراكز إتخاذ القرار في العالم , وهو ما لم يفعله رئيس الجمهورية وحكومته , وظلوا ينتظرون وهم مُجهلين المبادرات الأمريكية ونتائج تعبئة الحكومة اليونانية ووثقوا في تأكيدات الأمريكيين .

هناك أحزاب قبرصية يونانية صغيرة – كما أشرت – لكنها علي صغرها وعدم حيازتها لمقاعد برلمانية أو حيازتها لمقعد أو إثنان بالبرلمان غالباً ما تعكس رؤية جزء من نخبة القبارصة اليونانيين ومن بين هذه النوعية من الأحزاب حزب الآفاق الجديدة , وله وجهة نظر تقترب من وجهة نظر الكنيسة القبرصية بشأن القضية القبرصة , وقد عبر لي عنها رئيس هذا الحزب نيكوس . س كوستو عندما إلتقيته بمقر الحزب بنيقوسيا في 5 يناير 2000 , وقال إن فلسفة الحزب إزاء تسوية النزاع بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك مُؤسسة علي خيار دولة واحدة Unitary State , لأن هذا هو المنطق الذي يتلاءم مع الواقع الحقيقي لقبرص , لأن خيار الفيدرالية الذي تقول به الحكومة وكذلك الخيار الذي يقول به رؤوف دنكتاش رئيس  ما يُسمي بجمهورية شمال قبرص التركية , كلاهما غير منطقي , فالفيدرالية تعني الإعتراف بمعادلة متساوية الطرفين , وهو وضع مُجاف للواقع ومُجحف بحقوق الجانب القبرصي اليوناني , كما أن الفيدرالية تتناسب مثلاً في الوضع الذي عليه الولايات المُتحدة لإتساع الرقعة الجغرافية لها وتنوعها وصعوبة إدارة دولاب الحكم والحالة هذه , كذلك فإن تشيكوسلوفاكيا حالة لا يمكن تطبيق الفيدرالية بها , أما خيار الكونفيدرالية ففيه – إن أثخذ به – إضعاف للدولة القبرصية , كما أن سيعطي ميزات للطائفة القبرصية التركية تفوق نسبتها العددية فهذه النسبة  للسكان القبارصة الأتراك تبلغ 18% من مجمل عدد سكان قبرص , فيما القبارصة اليونانيين نسبتهم 80% من مجمل السكان , كذلك يتبني حزب الخضر القبرصي الذي تأسس في فبراير 1996(أصبحت حركة الخضر القبرصية العضو الثلاثين في الإتحاد الأوروبي لأحزاب الخضر) , وقد حضرت مؤتمره الثالث العام بنيقوسيا في 30 يناير 2000 , ومن بين ما تعرض له المؤتمر القضية القبرصية , ووفقاً لما ورد بالوثيقة الختامية الصادرة في نهاية أعمال المؤتمر فإن الحزب يري أن أكبر جريمة أُقترفت ضد البيئة في قبرص كانت ومازالت إستمرار إحتلال جزء من الجزيرة بواسطة القوات التركية وأن إقتلاع السكان القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك والأأرمن والمارون واللاتين من بيوتهم كان نتاجاً للغزو والإحتلال وتطبيق تركيا لسياسة التفريغ القومي والتغيير الديموجرافي بإستقدام مواطنين أتراك من تركيا , إضافة للتدمير المُنتظم للموروث الثقافي بواسطة الأتراك بالمناطق المُحتلة (شمال قبرص التركية) من خلال تواجد القوات المُسلحة التركية بها ’ كما يري الحزب أن تطبيق كل حقوق الإنسان هو الإجراء الصحيح جنباً إلي جنب مع سحب القوات والمُستوطنين الأتراك , ونزع سلاح الجزيرة كأساس لفتح الطريق أمام كل النازحين الأتراك واليونانيين وغيرهم من سكان الجزيرة للعودة , ويري الحزب أيضأ أن لامركزية السلطة الحكومية وإنتقال سلسلة السلطات للمناطق علي غرار تطبيق نموذج الحكومات المحلية ذاتية الإدارة مع الديموقراطية المباشرة ستكون ضمانة لحقوق الكل في أن يبقوا مختلفين عرقياً وإجتماعياً , ومن ثم فإن هذا الحزب يعارض التقسيم الجغرافي للجزيرة علي أساس قومي أو ديني لأن ذلك في نظر الحزب مرفوض بيئياً وسياسياً وتاريخياً , وفي هذا الأإطار فإن قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية القبرصية تصلح أساساً للحل , وأنه يمكن توفير المُتطلبات الأمنية للطائفتين في الإطار الأوروبي .

بالإضافة إلي وجهة نظر الأحزاب فإن مراكز البحث القبرصية كانت لها رؤية تتعلق بالقضية القبرصية لا يجب إغفالها , فعلي سبيل المثال  تناولت ندوة حضرتها بنيقوسيا في 25 ديسمبر 2000 نظمها المركز القبرصي للدراسات الفيدرالية والإدارة المحلية بعنوان ” الفيدرالية والقضية القبرصية ”  , القضية القبرصية , ومن بين أهم ما تناوله المُتدثين وهم من القبارصة اليونانيين :

– أن القضية القبرصية ليست قانونية بل سياسية وأنه منذ 1977 وقبرص تبحث عن تطبيق الحل الفيدرالي بالرغم من أن هناك من يتحدث عن الدولة الواحدة Unitary State أو المُوحدة United , لكني لا أري أن هذا هو الحل المناسب , وأنه لما كان حجم قبرص الجغرافي لا يتحمل تطبيق المركزية أو اللامركزية , فإن في ذلك ما يدعو إلي البحث  في تسوية وسط .

– من وجهة نظر معظم الساسة القبارصة اليونانيين حالياً هناك أسباب قد تدفع في إتجاه الحل الوسط أهمها :

* أن أحداث 1974 والتي يُوجه اللوم بشأنها إلي النخبة العسكرية آنئذ وما أدت إليه من إلحاق الهزيمة التي تجرع مرارتها القبارصة اليونانيين , دفعتهم بتداعياتها إلي التقدم نحو حل لا يتصل بالضرورة بالمنطق القبرصي اليوناني التقليدي , لكنه علي ألأية حال يقترب من الواقع .

* أن الوضع الحالي وهو تقسيم الجزيرة يُوصف بأنه وضع الأمر الواقع De facto , مما يعني أننا ولحل المشكلة فلابد أن يكون الحل حل وسط , وعلينا بموجب ذلك أن نختار الحل الفيدرالي , لأننا اليوم أمام دولة مُقسمة من الوجهة الفعلية , ولو أننا تركنا الوضع علي ما هو عليه فسوف لا يرحمنا التاريخ , ذلك أن هذا الوضع بمرور الزمن سيكتسب صفة الشرعية وفقاً للقانون الدولي , ومن ثم فعلينا المُضي نحو حلول عملية لتوحيد الجزيرة ثانية .

* تُثار حالياً جدلية بشأن الحل الفيدرالي مزدوج الطائفة وأشكاله مختلفة , والبعض يقول أن الفيدرالية ضد حقوق الإنسان ,نقول لهؤلاء أن قولهم خطأ وغير مقبول , لكن ربما يكون ضد بعض مبادئ الديموقراطية كما يقول البعض الآخر .

* لدينا نماذج لدول أخذت بالنموذج الفيدرالي وربما قال البعض أن دولاً فيدرالية سقطت في أوروبا الشرقية , لكننا نقول لهؤلاء أن الذي سقط هو الإيدولوجيا الشيوعية وليست الفيدرالية , والقانونيين يعلمون أن النظام الفيدرالي له خصائصه في كل حالة وسمات معينة تناسب كل بيئة .

* ستنعكس الحقائق السياسية الموجودة في بيئتنا علي حالة القضية القبرصية , ونحن مع وجهة النظر القائلة بضرورة الترويج للحل الفيدرالي رغم أنه مرعب بالنسبة للبعض الآخر, لكننا نقول لهؤلاء أنه من خلال ديناميكيات الحركة بإنضمام قبرص للإتحاد الأوروبي ستكون هناك سهولة في إقرار هذا الحل , ورغم تساؤلات طرحها رؤوف دنكتاش (رئيس جمهورية شمال قبرص التركية)  علي الرئيس القبرصي الأسبق فاسيليو ومنها (1) كم بنك مركزي سيطون في قبرص ؟ و (2) كم عملة سنتداولها بقبرص ؟ , رغم ذلك فالإجابة هي أن كل البلاد التي تُواجه تحديات مثل هذه تقبل ببعض الأمور مثلما حالة اليونان في مسألة الحدود لدي إنضمامها للإتحاد الأوروبي .

* الحل الفيدرالي ليس بالحل الأمثل للقضية القبرصية ولو ألغيناه من تفكيرنا فسيخلق ذلك مشاكل .

* فلنحاول أن ننتهز الفرص السانحة للحل وهو وضع ليس متوفراً للجانب القبرصي التركي الذي لو حتي إفترضنا قبول طرحه الكونفيدرالي فسوف ينقلب علينا ليطرح أمراً مختلفاً ,

* نقول لمن يطرحون الفيدرالية والكونفيدرالية ويسوقون نماذجهم , لديكم حالة كندا وكويبك حيث في الحالة الكندية يمنح الدستور هناك المواطنة حتي ولو لم يكن الشخص مُتكلماً بالفرنسية , أما المثال العكسي فنجده في حالات تنزانيا ونيجيريا وسويسرا وللأخيرة نموذج لتطبيق الكونفيدرالية خاص بها .

من الوجهة العامة ففي تقديري أن ما يمكن أن يُري علي أنه إختلاف بين موقف الحكومة القبرصية والأحزاب القبرصية الرئيسية سواء فيما يتعلق بحل القضية القبرصية أو مسألة الإنضمام للإتحاد الأوروبي والتي حُسمت لصالح الإنضمام لاحقاً يُعد إختلافاً تكتيكياً وليس جوهرياً , كذلك فإن القدر الكبير والمُضطرد من تعقد القضية القبرصية في معناها ومبناها وضع سلبي ساهم فيه مرور الزمن منذ الغزو التركي في يوليو / أغسطس 1974 وكذلك ضعف التنظيمات السياسية أي الأحزاب القبرصية اليونانية وأسباب أخري مُتعلقة باليونان وتركيا بالطبع ليس هنا مجال بيانها , وعلي كل حال فإن الواقع الحالي وبالرغم من تعاقب جولات التفاوض غير المباشر ثم المباشر يتسم بوجود 4 عقبات دائماً ما أعترضت وتعترض التفاوض وهي : (1) الدولة ثنائية المناطق و(2) الدستور ثنائي الإصدار و(3) الحدود و(4) الضامنين الدوليين  .

رؤية القبارصة الأتراك :

يتلخص الموقف التركي وبالتالي موقف حكومة شمال قبرص التركية في التصريح الذي أدلي به Hami Aksoy المتحدث باسم الخارجية التركية حيث قال في 3 مايو 2018 ” إن إعادة توحيد الجزيرة المُقسمة من خلال تطبيق النظام الفيدرالي كان أمراً غير مُحتمل بالنظر إلي المدخل الحالي للقبارصة اليونانيين لابد من طرح بدائل من أجل حل التقسيم العرقي الذي ظل لمدة نصف قرن من الزمان , وأنه طالما لم يُغير القبارصة اليونانيين من عقليتهم فلا خطة لدينا للعب نفس هذه المباراة ” , (موقع صحيفة Ahvalبتاريخ 5 مايو 2018)  وأشارت نفس هذه الصحيفة إلي الكلمة التي ألقاها Mustafa Akıncı رئيس جمهورية قبرص التركية بمناسبة مرور 3 أعوام علي رئاسته وأشار  فيها قوله ” إذا ما كان الجانب القبرصي اليوناني مُستعداً لقبول خطة أمين عام الأمم المُتحدة Antonio Guterres كما هي وبدون أي تبديل فعليهم أن يقولوا ذلك بلا إبطاء , وفي هذه الحالة يمكننا أن نُعلن عن ذلك كإتفاق لصفقة إستراتيجية ” , وتتضمن خطة Antonio Guterres التي قدمها للجانبين القبرصي التركي والقبرصي اليوناني في جولة تفاوضهما الأخيرة في يوليو 2017 في  Crans-Montana  بسويسرا بحضور الدول الضامنة الثلاث تركيا واليونان وبريطانيا وتضمنت ورقة Guterres   6 نقاط أشار فيها إلي ما يلي  :

الأمن : يجب أن نبدأ في إدراك أنه في قبرص نحتاج إلى نظام أمني جديد وليس استمرارًا للنظام القائم , وأعتقد أنه يجب علينا إنهاء حق التدخل ومعاهدة الضمان , يجب استبداله بنظام جديد يشعر فيه جميع القبارصة بالأمان , نحن بحاجة إلى آلية تنفيذ سريعة تشمل سمات خارجية مثل الأمم المتحدة ، والجوانب المتعددة الأطراف والدولية , فقد لا ينفذ الضامنون اليوم ويشرفون بأنفسهم “.

القوات : وفيما يتعلق بقضية القوات ، ذكر أمين عام الأمم المتحدة Antonio Guterres  أنه ينبغي أن يكون هناك تخفيض سريع من اليوم الأول ، مع التناقص التدريجي في جدول زمني متفق عليه لأعداد تتماشى مع معاهدة التحالف القديمة , ف المعاهدة التي تأسس عليها إستقلال قبرص تُشير إلي : “تتألف الوحدات اليونانية والتركية التي ستشارك في المقر الثلاثي من 950 ضابطًا يونانيًا على التوالي ، وضباطًا ورجالًا غير مكلفين ، و 650 ضابطًا تركيًا ، وضباطًا ورجالًا غير مكلفين ” .

المناطق : إن الجانب القبرصي التركي بحاجة إلى تعديل الخريطة لمعالجة بعض مخاوف الجانب اليوناني فيما يتعلق بمجالات محددة. لم يتم ذكر أي مناطق محددة ، ولكن يُعتقد أنها تتعلق بعودة Morphou (منطقة بشمال غرب قبرص التركية) .

المُمتلكات :  بشأن هذه النقطة يعتقد أمين عام الأمم المتحدة Antonio Guterres أنه في المناطق التي سيتم إعادتها إلى الإدارة القبرصية اليونانية يجب أن تكون هناك معايير مُتفق عليها بحيث يتمتع المالك الشرعي بمعاملة تفضيلية ولكن ليس بنسبة 100 في المائة , وفي المناطق التي ستبقى تحت الإدارة القبرصية التركية ، ينبغي إعطاء معاملة تفضيلية للمستخدمين الحاليين ، ولكن ليس بنسبة 100 %   .

المعاملة المتساوية : يجب أن يكون للمواطنين الأتراك حصة محددة وعادلة وهناك حاجة إلى مزيد من المناقشة حول معنى “عادل” .

تقاسم السلطة : يقول الأمين العام للأمم المتحدة بشأن هذه النقطة  أن مسألة تقاسم السلطة تحتاج إلى مزيد من المناقشة فيما يتعلق بطلب جانب واحد , وأن هناك عناصر أخرى ، مثل الرئاسة الدورية وهي قضايا تحتاج إلى مناقشة  , وهي بحسب طلب الجانب القبرصي التركي يجب أن يكون تقاسمها بنسبة 2 إلى 1  .

في تصريح أدلي به بمناسبة إستقباله Volkan Bozkir رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي وذلك في الجانب التركي من العاصمة نيقوسيا ونشرته وكالة الأناضول في 17 سبتمبر 2018 قال Mustafa Akinci رئيس جمهوية شمال قبرص التركية ” إن مدة أخري مداها 50 عاماً أخري لتفاوض بشأن القضية القبرصية أمر  لا يمكن تصوره , ومع ذلك أشير إلي أن القبارصة الأتراك إلي جانب السلام دائماً وينادون بالحل بدعم من تركيا ,ان القبارصة الأتراك لن يكونوا أقلية بجزيرة يحكمها اليوزنانيين الذين يعتقدون أن الجزيرة تنتمي لهم بل إنهم يريدون الأإنضمام والإلتحاق باليونان, وهو أمر غير ممكن ولن يحدث البتة ” .

تتعامل تركيا سواء من قبل العسكريين في عهود الحكم العسكري أو في عهد تولي حكام مدنيين كحزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوجان مع القضية القبرصية وقبرص ذاتها علي أنها ” قضية أمن قومي” أي أنها قضية مُرتبطة مباشرة بموجبات الأمن القومني التركي بكافة أبعاده , وهو ما تؤكده تصريحات ومواقف كل القادة الأتراك في كافة العهود , وقد أشار – في هذا الإطار – الرئيس أردوجان في أحد تصريحاته الأخيرة قائلاً ” إن قبرص قضية وطنية , إن هدفنا إيجاد حل دائم وعادل بشأن قبرص , والقبارصة اليونانيين مازالوا يفكرون بأنهم مالكي الجزيرة الوحيدين ” ثم أضاف أن القبارصة الأتراك لن يشاركوا في عملية سلام مفتوحة بلا نهاية وأنه ينوي أن يشرح لمسئول الأمم المُتحدة  الذي سيزور قبرص في وقت لاحق بهذا الشهر لتحديد فرص إستئناف مفاوضات إعادة التوحيد , * (GreekReporter.com . 11 يوليو 2018) وفي هذا الإطار وإرتباطاً بنظرة تركيا والقبارصة الأتراك بالنسبة لأسس حل القضية القبرصية يمكن قراءة التصريح الذي أدلي به وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي Fatih Dönmez ونقله موقع Sputnik الروسي وأشار فيه إلي ” أن تركيا من المقرر أن تبدأ الحفر الاستكشافية لاحتياطيات الهيدروكربون بالقرب من جزيرة قبرص في 29 أكتوبر 2018 , ولقد وصلنا بالفعل  إلى الموقع الأسبوع الماضي , وسيتم إجراء اختبارات وتدريبات معينة ، وسيبدأ الحفر في نهاية هذا الشهر ” , فلإن جمهورية قبرص أو القبارصة اليونانيين قد وقعوا إتفاقيات مع دول وشركات بترول دولية لإستكشاف الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط المحيطة بجزيرة قبرص , فإن تركيا وبإعتبارها الدولة الوحيدة المُعترفة بجمهورية شمال قبرص تعارض وبشدة هذه الأنشطة الإستكشافية التي من شأنها أن تنتهك حقوق القبارصة الأتراك ,  لكن للقبارصة اليونانيين كلام مُختلف إذ صرح Andreas Pentaras مدير المخابرات القبرصية (اليونانية) السابق لوكالة أنباء  الروسية بما نصه ” استولت تركيا بشكل غير قانوني على معظم المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص بغرب Paphos (مدينة على الطرف الغربي من قبرص) ، وقد عرقلت البحث وسفن الصيد من دخول جزء كبير من المنطقة الاقتصادية اليونانية الخالصة لقبرص “ وأضاف قوله “وإذا حدث ذلك فإن عمليات الحفر الاستكشافية التركية ستحدث في هذه المناطق ، وبعبارة أخرى ، في أقاليم تنتمي إلى المناطق الاقتصادية الخالصة في قبرص واليونان ، وستنشأ مشاكل تؤدي إلى أزمة ” . * ( موقع Ahvalبتاريخ 15 أكتوبر 2018)

يقول السيد رؤوف دنكتاش رئيس جمهورية شمال قبرص التركية والذي تعتبر رؤيته من أوضح الرؤي علي الجانب القبرصي التركي بشأن القضية القبرصة ووسائل حلها فمن بين ما أشار إليه بشأنها أنه من الخطأ أن يُنظر إلي قبرص علي أنها أمة , ذلك أننا لا نملك لغة مُشتركة , ولا أبطال مُشتركين ولا ديناً مُشتركاً , فنحن إما  قبارصة أتراك أو قبارصة يونانيين , وكل منا إستقي فهمه للهوية القومية من وطنه الأم , ولماذا لا نثق في جيراننا القبارصة اليونانيين عندما يقولون ” تعالوا نعيد الجيش التركي إلي بلاده وأن نقيم معاً من جديد جمهورية يستطيع القبارصة اليونانيين والأتراك أن يتحركوا فيها بحرية  في كافة أرجاء الجزيرة , وأن يتملكوا حيثما شاؤوا , وأن يعودوا إلي بيوتهم القديمة , وأن يكون بمقدورهم بالتالي العيش يسعادة ؟ والواقع أننا سبق أن قبلنا مثل هذه الدعوة عام 1960 لكننا عندما نعود بذاكرتنا للماضي نتذكر أن رئيس الأساقفة ورئيس قبرص الأسقف مكاريوس لم يكن يعني ما يقوله عن التعايش لأنه في الوقت الذي وقع فيه إتفاقيات 1960 كان قد سمح لوزير الداخلية بوليكاربوس يورجاديس بإنشاء جيش سري للقضاء علي الجمهورية ثنائية القومية من أجل توحيد الجزيرة مع اليونان , وبالفعل شن هجومه علي القبارصة الأتراك في 21 ديسمبر 1963 فقضي بذلك علي دولة المُشاركة وعلي حكومتها , وحدد الرئيس دنكتاش رؤيته أكثر عندما أشار إلي أن ثنائية المناطق هي إحدي دعامتين يقوم عليها أمن قبرص التركية أما الدعامة الثانية فهي إستمرار نظام الضمان الذي كان قائماً في عام 1960 , غير أنه فيما يتعلق بالناحية الأمنية , يُطالب القبارصة اليونانيين بإنسحاب القوات التركية فوراً (من الجزء التركي الذي تأسست فيه جمهورية شمال قبرص التركية عام 1983) ويرفضون مبدأ ثنائية المناطق وضمانة تركيا , ففي كلماتهم أمام مجلس الأمن الدولي عرض ممثلو القارصة اليونانيين الذين يقدمون أنفسهم علي أنهم يمثلون قبرص بمجملها , عرضوا أن يكون المقابل لإنسحاب القوات التركية نزع سلاح الجزيرة وضمانات علي الورق وقوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة , لكن الجيش البريطاني بالكامل كان عاجزاً تماماً عن نزع سلاح القبارصة اليونانيين عندما كانت قبرص تحت الحكم البريطاني , كما أن قرانا تعرضت للهجمات المُسلحة منه في الفترة ما بين 1964 حتي 1974 , في الوقت الذي كانت فيه للأمم المُتحدة آلاف الجنود المُسلحين بقبرص , لذا فإن القبول بنزع سلاح قبرص علي هذا النحو معناه أن نضع أنفسنا تحت رحمة القبارصة اليونانيين مرة أخري , كما أن الضمانت الورقية أثبتت أنها من دون قيمة , وقوات الأمم المُتحدة في قبرص كانت عاجزة عن حمايتنا أو الحؤول دون غزو اليونان لقبرص عام 1974 , وفي مثل هذه الأحوال لا يمكن لأي زعيم قبرصي تركي أن يقبل بإنسحاب القوات التركية إلا كجزء من صفقة شاملة وعلي مراحل تقوم علي حكومة إنتقالية بمشاركة كلا الطائفتين وبحيث يزول التهديد الذي يوجهه لنا الدجالون القبارصة اليونانيين الذين يسمون أنفسهم “حكومة قبرص” , ( رؤوف دنكتاش . قبرص : عندما تتكلم الحقائق  . صفحات 23 , 24 , 27)

هل تطورالولايات المتحدة موقفها من القضية القبرصة في إطار مواجهتها لتركيا بإستغلال قضية البترول؟:

 هناك وضع “مواجهة وتربص” تتسم به علاقات تركيا مع الغرب مُمثلاً في الإتحاد الأوروبي الذي أصدر بيان أعاد فيه التأكيد علي تحذير وجهه لتركيا بوقف التدخل في جهود إستكشاف الغاز الطبيعي التي تبذلها حكومة القبارصة اليونانيين * ( موقع صحيفةAhval التركية بتاريخ 8 أكتوبر 2018) وهو إتجاه تقوده ضد تركيا فرنسا التي في سبيل إنهاك السياسة التركية والحد من حركيتها تفتح ملفات قديمة مثل ما يُوصف بمذبحة الأرمن التي تُتهم تركيا العثمانية بأنها إقترفتها ويخوض الإعلام الفرنسي كثيراً في هذا الموضوع مثل صحيفة Le Monde , كذلك ينطبق نفس هذا الوضع علي العلاقات الأمريكية / التركية , ومن وجهة نظر التيار الأغلب السائد في تركيا حالياً هناك إستراتيجية أمريكية لإضعاف تركيا والحد من حركيتها وتطلعها لإعادة بناء دور يؤدي بتركيا لأن تكون “قوة دولية” وليست فقط قوة إقليمية , فلا يمكن للولايات المتحدة التي ورثت النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الثانية أن تدع قوة إقليمية مهمة كتركيا أن ترقي إلي مرتبة “القوة الدولية” حتي تنازعها نفوذها المُؤثر في هذه المنطقة ولذلك نجد علي إحداثي العلاقات الأمريكية / التركية الراسخة والإستراتيجية نقاط إختناق تسببت فيها الذهنية السياسية الأمريكية القائمة بلا شك علي سلوك إمبريالي هجومي وعلي مكون عقائدي صليبي ومن بين الأمثلة الواضحة علي توفر هذا المكون في السياسة الأمريكية ما ذكره السيد Robert H. Johnson عضو مجلس الأمن القومي السابق في إدارات الرؤساء Eisenhower و Kennedy و Johnson في بيانه الذي تلاه السيد Stuart Tucker أمام جلسة إستماع  للجنة الفرعية لأفريقيا المُنبثقة عن لجنة الشئون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي في الدور الأول لإنعقادها الـتاسع والتسعون في الفترة من 31 أكتوبر حتي 12 نوفمبر 1985 * ( كانت جلسة الإستماع تلك بعنوان ” أنجولا : تدخل أم إعتراف ” ) , فقد قال ما نصه حرفيا ” إن هناك نزعة مسيحية في السياسة الخارجية الأمريكية ” والنص الذي قاله السيد Stuart Tucker بالإنجليزية هو :

There is a Messianic strain in American foreign policy . we have often sought to remark other societies in our own imagine , to convert them into open societies with a capital economy . It seems to me that that is the general thrust of the President,s speech . However , it fails to recognize the limits of American power

صحيح أن الأمريكيين والأوروبيين يعلنون مراراً أن دولهم وفقاً لدساتيرهم علمانية , لكن الحقيقة أن المكون العقائدي الصليبي مُثبت بأقوال كالتي أشرت إلي مثال منها وكذلك من تتبع مجمل سياساتهم المُضادة للدين الإسلامي الذي بلغ تبجحهم إلي حد تصنيف هذا الدين إلي شرائح وأنواع فهناك إسلام أصولي وآخر مُعتدل وثالث راديكالي وحداثي وعصري إلي آخره , المهم في الأمر أن الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الغربيين ودول أوروبا الشرقية التي إنضمت للإتحاد الأوروبي لا تريد تركيا بروح عثمانية وإنما تركيا أطلنطية كمالية  , وما العراقيل التي يضعها الإتحاد الأوروبي أمام ألبانيا وكوسوفا والبوسنة لتحقيق إنضمام كامل لهم بالإتحاد الأوروبي إلا أحد الأوجه التطبيقية لهذه الروح الصليبية التي تشغل حيزاً ما في الذهنية الأمريكية المُتعلقة بأشواق العودة لإستزراع الأفكار الصليبية في القرار الأمريكي والتي أدت أيضاً بالسياسة الأمريكية إلي عدم الإعتراض – علي الأقل – علي محاولة الإنقلاب الفاشلة في يوليو 2016 بتركيا والتي هدفت إلي إعادة عسكر تركيا الموالين بدون قيد أو شرط للإدارات الأمريكية السابقة , كما أدي تطبيق نفس هذه الإستراتيجية السياسية بالولايات المتحدة منذ نحو شهرين إلي الدفع بإتجاه توفير الظروف لأزمة إقتصادية بتركيا بإضعاف الليرة التركية وذلك بمشاركة إمارات وممالك ظلامية خليجية وبين هاتين الأزمتين كان التدخل المُستتر في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التركية وكذلك إعاقة تطلع حزب العدالة والتنمية التركي لتغيير دستوري لإستعادة النظام الرئاسي وهو ما كان بالفعل , كل هذه المواقف الأمريكية ربما حققت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الظلاميين بعض النجاح , وإتساقاً مع هذا التربص الأمريكي بتركيا , يأتي الموقف الأمريكي المُعدل من القضية القبرصية ليتسق مع مُجمل إستراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع ” تركيا الجديد” أو تركيا “غير الكمالية” , ولبيان الُموقف الأمريكي المُعدل من القضية القبرصية أُشير قبل ذلك إلي الموقف الأمريكي التقليدي من القضية القبرصية , لأنه من الواضح أن الموقف الأمريكي التقليدي من القضية القبرصية والذي كان القبارصة اليونانيين  يعتبرونه مائلاً بل وداعماً للموقف التركي – كما سأشير إلي ذلك تالياً – هذا الموقف الأمريكي لحقه تغيير ما لأن الإطار الأوسع ألا وهو مجمل منظومة أو شبكة العلاقات التركية / الأمريكية تغيرت بدرجة أو بأخري وتدريجيا منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة بتركيا أي منذ 2001 / 2002 , وبدا هذا التغيير بصفة مُحددة بعد غزو القوات الأمريكية للعراق في ابريل 2003 والتواجد العسكري الأمريكي علي الحدود الجنوبية لتركيا حيث مناطق الأكراد العراقيين بشمال العراق وإمتدادهم في ديار بكر بتركيا , ثم حالياً إستخدام الولايات المتحدة لورقة الأكراد السوريين في الأزمة السورية القائمة , ويعني هذا التغيير تلقائياً حدوث تغيير ما في مختلف مكونات هذه العلاقات , ومن هذه المكونات القضية القبرصية التي تعد نزاعاً لا يقتصر فقط علي القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك بل أيضاً وبدرجة أعمق بين اليونان وتركيا وكلاهما عضو بحلف شمال الأطلنطي , وقد ظهر التغيير الذي إعتري الموقف الأمريكي من القضية القبرصية من ممر البترول وذلك بعد أن أعلنت حكومة نيقوسيا (القبارصة اليونانيين) عن البدء في إستكشاف وإستغلال موارد البترول والغاز من المنطقة الإقتصادية الخالصة بمياه البحر المتوسط المحيطة بالجزيرة ومن بين الشركات العاملة في هذا النشاط شركة Exxon Mobil الأمريكية وهو ما إعترضت عليه في حينه حكومة جمهورية شمال قبرص التركية وكذلك الحكومة التركية , ومن الواضح لأي مراقب للعلاقات لمسير العلاقات الأمريكية / التركية  يدرك نقاط الإختناق التي طرأت علي هذه العلاقات لسببين رئيسيين هما (1) تطلع تركيا لإستعادة مكانتها كقوة دولية وليست فقط إقليمية ومضمون هذا التطلع يكمن في  تبني هذا الحزب الخط إسلامي ومضمونه  إستعادة الهوية التركية القائمة علي زعامة الجزء الأكبر من العالم الإسلامي علي غرار ما كانت عليه تركيا في العهد العثماني الإمبريالي , (2) وهوسبب لا يقل أهمية عن سابقه ومفاده ميل الولايات المتحدة لإستعادة عسكر تركيا نفوذهم وإنهاء الحكم المدني بتركيا , فمن الوجهة المبدئية تفضل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين بل ومختلف القوي الدولي بمعني أعرض التعامل مع حكام عسكريين من القابضين علي السلطة في بلدان العالم الثالث لأسباب مختلفة لكنها واضحة للعيان حتي من العامة , وتستخدم الولايات المُتحدة وكل القوي الدولية الأخري المُتنافسة وسائل متنوعة في تحقيق ذلك – ليس من بينها الديموقراطية – مع هؤلاء الحكام غير المؤهلين , ومن بين هذه الوسائل المعونات والدعم المالي وحقوق الإنسان وحرية التعبير , وهذا الإستخدام ليس له إلا لهدف واحد ألا وهو ضبط حركة وإتجاه هؤلاء الحكام غير المُؤهلين , وعندما خرجت تركيا من أتون الإنقلابات العسكرية ودائرتها المُفرغة وأتجهت منذ بداية الألفية الثالثة بواسطة حزب العدالة والتنمية  لبناء دور يؤهلها إن إكتمل إنجاز تصميمه السياسي لتبوأ مكانة دولية مع القوي الدولية القائمة علي المسرح السياسي الدولي , كان من الطبيعي في هذا السياق وبالرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلنطي أن تتجه السياسة الأمريكية لتحجيم نمو مكانة تركيا حتي لا تتحول إلي أن تكون “قوة دولية” في منطقة ليس مسموحاً إلا لقوة واحدة أن تكون “قوة إقليمية” هذه القوة هي إسرائيل التي وبالرغم من أنها ليست عضواً أصيلاً في حلف شمال الأطلنطي كتركيا , إلا أن الإستراتيجية الأمنية والعسكرية الأمريكية تضع إسرائيل في ترتيب وأولوية إستراتيجية سابقة علي تركيا ومما يترجم هذه الحقيقة سلسلة الإتفاقات ومذكرات التفاهم الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة بالإضافة إلي الخلفية الدينية التوراتية التي يعتنقها وبصرامة وقوة اليمين الأمريكي المُحافظ  .

كما أشرت فقبل أن نعرض للتغيير الذي إعتري الموقف الأمريكي من القضية القبرصية , نلقي ضوءاً علي حيز مُختصر للموقف الأمريكي التقليدي من هذه القضية وهو موقف كان محلاً لإنتقاد الساسة القبارصة اليونانيين وُصف من قبلهم بالمنحاز لتركيا في بعض الأحيان تماماً كوصفهم لموقف الأمم المتحدة خاصة في ولاية الأمين العام الأسبق كوفي عنان وحتي الآن , ومن أجل الوقوف علي المسافة الواقعية بين الموقف التقليدي الذي كان للولايات المتحدة من القضية القبرصية وموقفها الحالي , وذلك علي النحو الآتي :

– في المؤتمر الثامن عشر لحزب AKEL الذي عُقد بنيقوسيا في الفترة من 16 إلي 19 نوفمبر 1995 أُشير في أحد القرارات الصادرة عنه والمُتعلقة بحل القضية القبرصية إلي أن المبادرات المُعلنة من الولايات المُتحدة ذات الصلة بحل هذه القضية تنحرف عن الإطار الصحيح وهو إطار الأمم المُتحدة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1250   .

– صرح المتحدث الرسمي باسم حكومة قبرص (القبارصة اليونانيين) في 17 يناير 2000 بقوله ” إن الولايات المُتحدة هي وبصفة أولية الدولة ذات النفوذ علي تركيا , ويمكنها مساعدة السياسة التركية كي تتغير وتهيئ السبيل نحو تسوية القضية القبرصية ” .

– حضرت مساء 9 فبراير 2000بقاعة المؤتمرات الدولية بنيقوسيا إبان عملي مستشاراً سياسياً بالسفارة المصرية محاضرة ألقاها رئيس جنوب أفريقيا الأسبق فردريك ديكليرك بدعوة من  Popular Bank القبرصي وكان عنوانها ” السلام والمُصالحة في مُجتمعات مُقسمة – خبرة جنوب أفريقيا – ” , وكان من بين ردوده علي الأسئلة بعد المحاضرة رده علي سؤال مفاده أن قبرص قلقة لأن الأمريكيين  غيروا رأيهم بشأن القضية القبرصية من الستينات إلي السبعينات إلي الثمانينات فالتسعينات (من القرن الماضي) , فكان رد الرئيس الأسبق ديكليرك : ” أعتقد أن السبب من وراء ذلك ليس سلبياً , وأنه لا يستطيع إقتراح نموذج للمجتمعات المُقسمة وأن الطريق طويل وأن النظام الفيدرالي ممكن وهي مُقترحة في حالة إسرائيل وفلسطين , والمهم في التفاوض عنصر الزمن والتوقيت , لأنه جوهر المسألة , ويمكن هزيمة الزمن بالإختيار في الوقت المناسب وإتخاذ المبادرة التي تُؤتي برد فعل من قبل الطرف الآخر وتفتح الأبواب لإقناع الآخرين , ولا يمكنني لسياسيكم ما هو المناسب ” .

– صرح ألفريد موسي المبعوث الرئاسي الأمريكي لدي وصوله إلي قبرص في 7 مارس 2000  بأن ” الأمن يُعد جانباً حرجاً في المفاوضات المُتعلقة بحل القضية القبرصية , لأن الجانبين لابد لهما وأن يشعرا بالأمن علي ممتلكاتهم وبيوتهم وشخوصهم , وهو أمر ضروري في أي تسوية ثم أن الأمن وحقوق الإنسان أمران مُتلازمان ” .

– نشر أحد الأساتذة وهو أمريكي من أصل يوناني في أحد الصحف اليونانية وثيقة في مايو 2000 تشير إلي أن هناك خطة أمريكية تستهدف إنحلال جمهورية قبرص القائمة والإعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية , أوضح الناطق الرسمي باسم حكومة قبرص بأن ” الحكومة القبرصية عليها تحري الحذر إزاء كافة الإحتمالات , وإن كان الموقف الأمريكي (المُعلن) حتي هذه اللحظة وفق ما يؤكده المسئوليين الأمريكيين مُؤسس علي حل للقضية قائم علي منطقتين BIzonal بطائفتين Bicommunal في إطار فيدرالي , لا شك لدي الحكومة القبرصية في أن هذا هو الموقف الأمريكي ” , وإتصالاً بذلك يُشار إلي أن الرئيس القبرصي الأسبق كليريدس وفي مواجهة ضغوط الكنيسة القبرصية أرسل في فبراير 2000 وعقب إنتهاء الجولة الثانية – آنئذ – للمفاوضات غير المُباشرة مع القبارصة الأتراك , أرسل  خطاباً لكبير الأساقفة القبارصة أشار فيه إلي سبق قبول الأسقف مكاريوس -أول رئيس لقبرص- صيغة المنطقتين BIzonal وليس Federation وحثه في هذا الخطاب علي أن ينأي بنفسه عن مزايدات الزعامات السياسية التقليدية بقبرص .

– صرح Richard Holbrooke مندوب الولايات المتحدة لدي الأمم المُتحدة والمبعوث الرئاسي الأمريكي السابق لقبرص لقناة MEGA التيليفزيونية القبرصية في نهاية يوليو 2000 وقال عندما سُأل عن الدور الأمريكي في شأن القضية القبرصية , ” أنه سينخرط في العمل في هذه القضية عندما تبدأ الجولة القادمة من المُحادثات بشأنها في الولايات المتحدة ( بنيويورك بمقر الأمم المُتحدة) في سبتمبر 2000 , وأن الولايات المُتحدة تؤكد علي أن موقفها يدعم الحل من خلال إيجاد منطقتين بطائفتين وعلي أساس فيدرالي , وأنه عندما يكون أحد الجانبين ينادي بالفيدرالية والآخر بالكونفيدرالية فإن علي المرء أن يتجنب الميل لأحدهما “.  

– كذلك وفي إطار تأكيد أن الموقف الأمريكي من القضية القبرصية كان بعيداً نسبياً عن تطلعات القبارصة اليونانيين , أشير إلي أنني كنت إلتقيت إبان عملي مُستشاراً سياسياً بالسفارة المصرية بنيقوسيا في الفترة من 1999 حتي 2001 بالسيد /أريستوس أريستوتالوس الخبير الإستراتيجي ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية القبرصية وكان ذلك اللقاء بمكتبه في 9 نوفمبر 2000 , وتناولت معه عدة نقاط من بينها العلاقات التركية / الأمريكية وعلاقتها بالقضية القبرصية , وفي هذا الصدد قال ” أن علاقة التحالف بين تركيا وإسرائيل مُستمرة ومتنامية طالما أن لتركيا تلك الأهمية الجيوسياسية المُضطردة بعد الحرب الباردة وأن مجريات الحوادث في الشرق الأوسط بالرغم من أنها جعلت تركيا في موقف حرج بين إلتزامات حلفها مع إسرائيل وعلاقاتها التاريخية مع العرب , إلا أن الولايات المتحدة والنخبة العسكرية التركية يعملان علي توطيد مركز تركيا الإقليمي بل وترقية هذا المركز لتصير تركيا ” دولة فوق إقليمية ” ومن بين مظاهر هذا الموقف الدعم الإقتصادي والعسكري الأمريكي لتركيا فالولايات المتحدة يشكل دعمها العسكري لتركيا إسهاماً في توطيد مركزها الإقليمي , ففي الوقت الراهن (نوفمبر 2000) يتم الإتفاق علي حيازة تركيا لعدد 14 غواصة و4 قطع بحرية من شأنها مساعدة تركيا علي نقل حروبها خارج نطاق تركيا وحيازة 7 طائرات رادارية أمريكية ” , وأستطرد السيد / أريستوتالوس فقال ” إن الدعم العسكري الأمريكي لتركيا لا شك في أنه يُلقي بظلاله علي مدي مصداقية الدور الأمريكي في تسوية النزاع القبرصي اليوناني / التركي , وأن القوة العسكرية التركية أنه عامل هام في تكوين الموقف التركي الإستراتيجي إزاء شمال قبرص ” (أي جمهورية شمال قبرص التركية) , وأشار إشارة في منتهي الأهمية عندما قال لي ما نصه ” إن العقيدة أو  Dogma العسكرية بين قبرص واليونان ليس من المتوقع أن تتغير بعد إنضمام قبرص للسياسة الأمنية والخارجية المُشتركة للإتحاد الأوروبي لأن اليونان تاريخياً هي حامي قبرص من المُهددات” , ويدرك الأتراك بطبيعة علاقتهم اللصيقة بالقضية القبرصية التي تعد “قضية أمن قومي” لهم , الأبعاد البعيدة لهذا الموقف القبرصي اليوناني وفي مقدمة ما يدركونه أنه موقف تنمو في أعماقه تلك الرغبة التي لدي القبارصة اليونانيين وهي مُتجذرة للإنضمام الحتمي لليونان بناء علي عقيدة Enosis التي سبق وأشرت إليها , ولذلك يواجه الأتراك تلك العقيدة القبرصية اليونانية بموقف مماثل فقد صرح الرئيس التركي أردوغان خلال زيارته لجمهورية شمال قبرص التركية في 10 يوليو 2018 حيث إلتقي بالجزء التركي من نيقوسيا رئيس جمهورية شمال قبرص التركية وزعيم القبارصة الأتراك Mustafa Akinci أن تركيا سوف لا تسمح بأن يصبح القبارصة الأتراك ضحية للمحاولات الفاشلة لعملية سلام أو أن تقلل من وضعهم ليصبحوا أقلية في دولة يُسيطر عليها القبارصة اليونانيين الذين ما زالوا يعتقدون بأنهم مالكوا الجزيرة الوحيدون , وأشار إلي أن القبارصة الأتراك لن يشاركوا مرة أخري في عملية سلام بلا نهاية *( موقع  StarTribune.com بتاريخ 10 يوليو2018) .

في تقديري أن تعديل الولايات المتحدة النسبي لموقفها إزاء القضية القبرصية يقع – كما أشرت – يعمل في إطار مرحلة مواجهة بينهم وبين تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية , ربما تضطرد وربما تنحسر وتتناقص حسب تطور العلاقات الأمريكية / التركية  ومدي رغبة الدولتين في إستبعاد مرحلة المواجهة وإستبدالها بمرحلة تتسق مع تاريخ العلاقات الأمريكية بتركيا , لكن الذي لاشك فيه – مرحلياً علي الأقل – أن هناك ثمة تغيير ما في السياسة الأمريكية إزاء القضية القبرصة , وهذا التعديل محمول علي النزاع الناشب حالياً بين تركيا وحكومة شمال قبرص التركية من جانب واليونان وجمهورية القبارصة اليونانيين من جانب آخر ,  فالموقف الأمريكي من مسألة الإستكشاف البترولي في النطاق البحري لقبرص يشير إلي أن هناك مسافة ما تفصل بين الموقف الأمريكي التقليدي من القضية القبرصية المُؤسس علي والقائل بإيجاد منطقتين بطائفتين وعلي أساس فيدرالي بالجزيرة القبرصية , وكان هذا هو الموقف قبل تولي حزب العدالة والتنمية السلطة بتركيا وبين الموقف الأمريكي حالياً مع تولي هذا الحزب إدارة دفة السياسة التركية و ونجاحه في الإدارة الإقتصادية لتركيا وسعيه لأن تكون تركيا “قوة دولية” قادرة وبيان ذلك في التمدد السياسي والإقتصادي التركي في الدول الناطقة بالتركية “الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة بالإتحاد السوفيتي المُنحل والعالم العربي وأفريقيا بل وفي أمريكا الجنوبية , ومن الأمثلة الدالة علي التعديل الذي طرأ علي الموقف الأمريكي بشأن القضية القبرصية وهي مُتعددة في الفترة الأخيرة , وهي كما أشرت محمول علي التنازع التركي / اليوناني بشأن حقوق القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين علي حقوق إستغلال موارد الغاز والبترول بشرق البحر المتوسط وحول قبرص التي لم تسو قضيتها بعد وهي الحقول التي بدأت سلسلة الإكتشافات  بها بحقل Tamar التابع للكيان الصهيوني عام 2009 وبعده تقاطرت إستثمارات شركات البترول الدولية علي هذه المنطقة البحرية الواسعة فبعد 9 أعوام من إكتشاف وإستغلال حقل Tamar  يليه حقل Leviathan بدأت مصر في تنشيط عمليات الإستكشاف وأكُشف حقل ظهر بالنطاق البحري المصري عام 2015 , وها هي قبرص تتجه لتدشين إكتشافاتها بالنطاق المحيط بها , وبمتابعة التصريحات القليلة التي صدرت عن مسئوليين أمريكيين بشأن التنازع بين تركيا التي تعتبر ممراً يكاد وأن يكون وحيداً لمرور إنتاج الغاز من كل حقول البحر المتوسط لأوروبا وهي أيضاً التي تعارض إستكشاف قبرص للغاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة بها ومعها حكومة شمال قبرص التركية من جانب واليونان وحكومة القبارصة اليونانيين من جانب آخر يمكن أن نري أرتباكاً أمريكيا في تحديد موقف واضح إزاء هذا النزاع , لكن تزامن هذا النزاع الناشئ بسبب إستكشاف موارد الغاز الطبيعي في مياه المتوسط حول الجزيرة مع قرار(قانون) أمريكي وشيك يتضمن رفع حظر السلاح عن قبرص (القبارصة اليونانيين)  وإعتراض السبيل علي صفقة أسلحة ومعدات عسكرية و100 طائرة من طراز F-35 Joint Strike Fighter jets من إنتاج شركة Lockheed Martin الأمريكية , يقود إلي تكوين توقع بإمكانية تعديل ما في الموقف الأمريكي من مجمل القضية القبرصية وذلك علي النحو التالي   :

– نشر موقعAhval  التركي في 21 فبراير 2018 تصريحاً للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال فيه ” إن سياسة الولايات المتحدة إزاء المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص موقف ظل قائماً لمدة طويلة ولم يتغير , والولايات المتحدة تعترف بحق جمهورية قبرص في تنمية مواردها بمنطقتها الإقتصادية الخالصة ” , لكن المتحدث إستدرك قائلاً ما نصه ” ما زلنا نعتقد أن موارد النفط والغاز في الجزيرة مثل جميع مواردها يجب أن يتم تقاسمها بشكل عادل بين الطائفتين في سياق تسوية شاملة ”  وقال ” نحن لا نشجع علي التراشق اللفظي يزيد من حدة التوتر في المنطقة ” , وعلق موقع Ahvalعلي ذلك بالإشارة إلي أن تركيا طالبت الحكومة القبرصية اليونانية بالحصول علي إذن من  حكومة شمال قبرص التركية قبل بدء نشاط الإستكشاف للغاز الطبيعي (في القطاع رقم 7) ، وأشارت تركيا إلي أن الصفقة التي تمت بين مصر وجمهورية قبرص مخالفة للقبارصة الأتراك وحقوقهم غير القابلة للتصرف وتعهدت تركيا تزامناً مع ذلك بتنفيذ الاستكشاف الخاص بها قبالة الجزيرة , كما عرقلت تركيا أيضا سفينة تنقيب عن الغاز تابعة لشركة الطاقة الإيطالية إيني Eni من دخول المنطقة في فبراير ، مما أثار انتقادات من الاتحاد الأوروبي واليونان , وبعد أكثر من بعد أسبوع من قيام البحرية التركية بمنع هذه السفينة  , أعلن عملاق النفط الأمريكي ExxonMobil عن خطط لإرسال سفينتي مسح للمنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص .

– إلتقي رئيس جمهورية قبرص Nicos Anastasiades في 21 فبراير 2018سفيرة الولايات المتحدة لدي قبرص Kathleen A. Doherty بالقصر الرئاسي بنيقوسيا , وبعد هذا اللقاء أدلت السفيرة الأمريكية بتصريحات للصحافة أشارت فيها إلي ما نصه ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة الهيدروكربونات , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ وأننا (الولايات المتحدة) , وأكدنا للجانب التركي لدي زيارة وزير الخارجية Tillerson لأنقرة الأسبوع الماضي إنخراطنا في المسائل المُتعلقة بشرق المتوسط  طرح عليهم هذه المسألة (الإستكشاف البترولي أمام سواحل جمهورية شمال قبرص التركية ) , لذلك فنحن نرقب هذه الأحداث , فنحن مُنخرطون أيضاً فيها ويحدونا الأمل في أن تُحل هذه المسألة , حتي يمكننا التحرك للأمام ونبدأ في المحادثات مرة أخري (تقصد محادثات حل القضية القبرصية) ” ورداً علي سؤال حول التواجد المُتوقع لشركة ExxonMobil (الأمريكية للبترول) للعمل في الإستكشاف البترولي بالمنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص (وفقاً لإدعاء جمهورية قبرص اليونانية) , قالت السفيرة نحن نتحدث عن المسائل الفورية اليوم وسوف ننظر ما الذي عساه أن يحدث ”   *(IBNA Newsroom . وكالة أنباء البلقان المستقلة بتاريخ 21 فبراير 2018)

– في إجابته عن سؤال وجهه Bob Menendez النائب الديموقراطي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بشأن موارد الغاز والبترول بجمهورية قبرص أجاب  Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والآسيوية قائلاً ” ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة” ، وأضاف قوله ” إن الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط يُشكل أولوية قصوى بالنسبة للإدارة , وإذا ما تأكد ذلك فسأكون على استعداد لاتخاذ خطوات لتعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وجمهورية قبرص”. *(صحيفة Ekathimerini.com القبرصية اليونانية بتاريخ 21 مايو 2018)

– نشرت وسائل الإعلام القبرصية ومنها صحيفة  Ekathimeriniتحديداً أن هناك إحتمالاً وشيكاً بشأن رفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة على قبرص , وأعتبرت أن ذلك الرفع أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة مما هو بالنسبة لقبرص, وأن ذلك الحصار المخل يمثل تدميراً لسياسة الحكومة الأمريكية المعيبة وتآكل إيمان بلدنا في عملياتنا الديمقراطية , وأن الحظر علي الأسلحة على قبرص مثال على تجاهل الحكومة القبرصية ومعاقبة لها علي علاقة الولايات المتحدة ببلد يُعتبر حليفا يمكن الوثوق هو قبرص , وأن هذا الحظر التشريعي يستهدف تركيا وليس قبرص , فالتاريخ التشريعي الأمريكي يُشير بوضوح أن الولايات المتحدة  كانت تهدف إلى إنهاء احتلال تركيا العسكري غير القانوني لقبرص من خلال حظر السلاح الأمريكي علي تركيا وحظر استخدامه   في قبرص , ومع ذلك ، تجاهلت الإدارة الأمريكية هذه النية التشريعية ، وبدلاً من ذلك طبقت القانون حتى تتمكن تركيا من الاستمرار في حمل الأسلحة الأمريكية إلى قبرص ، ولكن جميع الأسلحة الأمريكية الأخرى إلى قبرص كانت محظورة , وأستشهدت صحيفة القبرصية بقول رئيس اللجنة الفرعية للشئون الخارجية وحقوق الإنسان فيما يتعلق بحظر السلاح علي قبرص بأنه ينبغي رفع الحظر علي السلاح الأمريكي المفروض علي قبرص , إذ لا يوجد من سبب وجيه يجعل الولايات المتحدة تنكر علي حليف حقيقي كقبرص حقه في توفر الأسلحة الأساسية للدفاع عن نفسه , وجود حليف مجرب وصحيح مثل الأسلحة الأساسية القبرصية للدفاع عنها , وفي شأن النظرة القبرصية التركية لتركيا الحالية أشارت الصحيفة إلي أن  حلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخلافة العثمانية يستهدف مسلمي قبرص , وهم يطلقون على القبارصة الأتراك على الرغم من أن جينياتهم تشبه القبارصة اليونانيين أكثر من الأتراك ، وكان العديد منهم مسيحيين اعتنقوا الإسلام لتجنب دفع الضرائب في ظل الحكم العثماني , (وهي مغالطة تاريخية إذ أن العثمانيين عند غزوهم لقبرص أعلنوا لسكان الجزيرة أن أملاك الكنيسة القبرصية مُصانة ولا ضرائب أو مكوس عليها ولذلك تخلي كثيرون عن أملاكهم لصالح الكنيسة) وهم أي القبارصة الأتراك على النقيض من أتراك أردوغان غارقون في ثقافة قبرص الغربية منذ آلاف السنين التي أدت إلى معتقدات ديمقراطية ، علمانية ، ومسلمين قبارصة أتراك معتدلون , ومؤخراً ، هاجم “أتراك أردوغان ” الذين بقبرص صحيفة بينما كانوا يصرخون “الله أكبر لأن هذه الصحيفة أيدت الولايات المُتحدة في معارضتها لهجوم أردوغان على الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة , وقد تظاهر الآلاف من القبارصة الأتراك المولودين في قبرص على الفور ضد هذا الهجوم  . *(موقع صحيفة kathimerini.com القبرصية اليونانية بتاريخ 12 أغسطس 2018)

– طلب  مجلس النواب الأمريكي في تحرك قاده النائب الديموقراطي Robert Menendez في لجنة العلاقات الخارجية وكذا طلب السيناتور الديموقراطي David Cicilline بمجلس الشيوخ علي التوازي بإنهاء الحظر علي السلاح الأمريكي لقبرص , كما طلبا من وزارة الخارجية والبنتاجون تقديم تقرير حول حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة على قبرص فقد أدرج بند يتعلق بالعلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وقبرص وحظر الأسلحة الأمريكي على قبرص في مشروع قانون الدفاع الذي تبلغ قيمته 717 مليار دولار والذي وقعه الرئيس الأمريكي  Trump في  13 أغسطس 2018 , ويتضمن نفس هذا القانون تعديلًا يمنع مبيعات طائرات F-35 Joint Strike Fighter لتركيا , وينص مشروع هذا القانون على أنه في موعد لا يتجاوز 180 يومًا من تاريخ إصداره سيقدم وزيرا الدفاع والخارجية بشكل مشترك إلى اللجان المختصة في الكونجرس تقريراً عن العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة وقبرص , وإتصالاً بهذه الخطوة المُتوقعة والتي ستضيف وستكشف إلي حد ما عن ما أراه في تقديري تعديلاً في الموقف الأمريكي إزاء القضية القبرصية , فقد صرح رئيس رئيس اللجنة الفرعية للشئون الخارجية وحقوق الإنسان بمجلس النواب الأمريكي مؤخراً بأن ” الولايات المتحدة يجب أن ترفع الحظر علي السلاح لقبرص والذي عفي عليه الزمن , إذ ما من سبب وجيه يجعل الولايات المتحدة تنكر حق حليف حقيقي كقبرص في التسليح الأساسي * ( موقع صحيفة   ekathimerini  بتاريخ 12 أغسطس 2018) , وفي الواقع هناك ثمة علاقات عسكرية نشأت في الفترة السابقة بين الولايات المتحدة وجمهورية قبرص إذ أعلن وكُشف النقاب في أكتوبر 2018 عن أن السلطات الأمريكية قررت إغلاق قاعدة للقوات الجوية التابعة للولايات المتحدة في قبرص وأن الإغلاق تم عام 2017ويبدو أن القرار كان لأسباب مالية  , إذ أشير في متن خبر الإغلاق أن هذه القاعدة أُنفق عليها 70 مليون دولار (Times . 10 أكتوبر 2018) ,  ومن المعروف أن الولايات المُتحدة  وضعت في عام 1987 قيودًا على نقل الأسلحة والمواد الدفاعية إلى قبرص في محاولة لتشجيع جهود إعادة التوحيد وتجنب سباق التسلح في الجزيرة , وكما تدعي المصادر اليونانية والقبرصية اليونانية فإن تركيا إلتفت على هذا الحظر علي الأسلحة عن طريق وضع عشرات الآلاف من القوات التركية المسلحة بأسلحة أميركية في الجزء الشمالي من قبرص , ولم يكن هذا الحظر مُؤثراً في الواقع علي القبارصة اليونانيين الذين تربطهم بروسيا وحدة الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية  حيث أمدت موسكو القبارصة اليونانيين بما يحتاجونه من أسلحة مختلفة . * ( موقع صحيفة Cyprus Mail القبرصية بتاريخ 18 أكتوبر 2018)

– كان أول رد فعل التركي علي القانون الأمريكي المُقترح والمُتضمن فيما يتضمنه تعليق مبيعات الأسلحة لتركيا مصدره وزير الخارجية التركي Mevlut Cavusoglu الذي صرح لشبكة CNN Turk بقوله أن بلاده سترد إذا ما أوقفت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة  , وقال إن التدابير التي تضمنها هذا القانون خاطئة وغير منطقية ولا تتسق مع علاقات حليفين بحلف شمال الأطلنطي  NATO  . * (Cyprus Mail . 22 أكتوبر 2018)

–  أوردت وسائل الإعلام اليونانية والقبرصية اليونانية تصريح أدلي به مسئول لم تسمه بالخارجية الأمريكية أشار فيه إلي أن ” سياسة الولايات المتحدة بشأن المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص كما هي ولم تتغير , فالولايات المتحدة تعترف بحق جمهورية قبرص في تنمية مواردها بالمنطقة الإقتصادية الخالصة , وستستمر في الإعتقاد بأن موارد الجزيرة من البترول والغاز مثلها مثل كل مواردها يجب أن يتشارك فيها الجانبان القبرصي اليوناني والقبرصي التركي في إطار تسوية شاملة ونحن لا نشجع إتخاذ أي تصرف أو ملاسنات تزيد من التوتر بالمنطقة” .  * ( موقع Greek usa Reporter . بتاريخ 16 أغسطس 2018)

من الواضح أن هناك ثمة إرتباك أو لنقل عدم تنسيق بين مسئولي الخارجية الأمريكية علي الأقل فيما يتاعلق بالموقف الأمريكي من الأزمة الناشئة عن قرار حكومة القبارصة الأتراك إستكشاف الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط المحيطة بقبرص , فعلي حين كان موقف Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والآسيوية واضحاً وحاسماً ومُعبراً في آن واحد عن الموقف الأمريكي التقليدي من القضية القبرصية حين قال ما نصه ” ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة” , نجد أن السفيرة الأمريكية Kathleen A. Doherty لدي قبرص تقول تصرح للصحافة القبرصية عقب لقاءها بالرئيس القبرصي  Nicos Anastasiades بالقصر الرئاسي في 21 فبراير 2018  بما نصه ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة الهيدروكربونات , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ ….. ”  , وبغض النظر عن أصوبية أي من الموقفين القبرصي التركي أو القبرصي اليوناني , فإن إرتباك الموقف الأمريكي إزاء تناول التنازع بين الجانبين القبرصيين اليوناني والتركي يتعارض مع الموقف التركي الذي تعلمه الخارجية الأمريكية ويتردد علي ألسنة الحكومة التركية وحكومة شمال قبرص التركية , فعلي سبيل المثال نجد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُصرح مُحذراً أثناء زيارته لجمهورية شمال قبرص التركية في 11  يوليو 2018 بأنه ” فيما يتعلق بالمنطقة الإقتصادية القبرصية الخالصة فإنها مُرتبطة بالقانون الدولي وأن تركيا أكثر من مُستعدة بإعتبارها قوة ضامنة لقبرص لحماية حقوق القبارصة الأتراك علي هذه الجزيرة ” ثم أشار إلي ” أن المشكلة القبرصية بالنسبة لتركيا موضوع وطني وأن حكومته ترغب في تسوية عادلة ودائمة بهذه الجزيرة المُقسمة لكن الجانب القبرصي اليوناني لم تتغير عقليته بعد ولا رؤية له من أجل مستقبل مُشترك مع القبارصة الأتراك” , ومن جانبه أكد زعيم القبارصة الأتراك Mustafa Akinci نداءه للقبارصة اليونانيين لقبول إقتراحه الذي سبق وأعلنه بشأن تسوية القضية القبرصية بإعتباره له خياراً معقولاً  خاصة وأن الغاز الطبيعي الذي يستهدف القبارصة اليونانيين إستخراجه من المنطقة الإقتصادية الخالصة بمياه البحر المتوسط المحيطة بالجزيرة سيُنقل عبر أنابيب لأوروبا عبر أراضي تركيا *(موقع صحيفة Ekathimerini.com اليونانية في 11 يوليو 2018) عام 1991 .

مثال بشأن مقارنة الموقف الأمريكي من النزاع علي البترول في حالتي قبرص والسودان :

كما رأينا فإن للشركات الأمريكية دور في النزاع الناشب حالياً بين تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية من جانب واليونان وحكومة القبارصة اليونايين حيث فاز كونسورتيوم يضم شركة Exxon Mobil  الأمريكية و Qatar Petroleum القطرية بالقطاع رقم 10 البحري بقبرص , وبالرغم من أن هذا الكونسورتيوم  والكونسورتيوم البترولي الآخر الذي يضم ENI  و Total والذي فاز بإمتياز القطاع رقم 6 البحري القبرصي يعلم مسئولييه ومسئولي الدول التي بها مقار هذه الشركات الأربع  جيداً أن هذه الشركات ستعمل في مناطق مُتنازع عليها وأن النشاط الإستكشافي وإستغلال البترول والغاز المُكتشف بهذه المناطق أمر تعتوره صعوبات قانونية وسياسية طالما لم تسو القضية القبرصية بعد , إلا أنهم أقدموا مع علمهم المُسبق بهذه الصعوبات والموقف التركي المُتوقع والذي وصل إلي حد منع شركة ENI  الإيطالية من مواصلة نشاطها الإستكشافي بإرسال قطعة بحرية تركية في مواجهة العاملين التابعين لهذه الشركة  , بل إن شركات البترول تلك وغيرها تعلم أيضاً أن إقدامها علي العمل في هذه المناطق حول الجزيرة القبرصة قد يؤثر سلباً في التحركات التي تجري من أجل بدء جولة جديدة من المفاوضات بين الجانبين القبرصي التركي والقبرصي اليوناني برعاية الأمم المتحدة لتسوية القضية , وتحضرني سابقة مماثلة توضح أن شركات البترول أحياناً ما تتحرك للعمل في مناطق مُتنازع عليها بتوجيهات من بعض حكومات القوي الدولية ومنها الولايات المتحدة حين أقدمت شركة TEXAS  EASTERN الأمريكية العمل في مناطق حلايب وشلاتين مع أن هذه الشركة وغيرها تعلم تماماً أنها منطقة مُتنازع عليهابين مصر والسودان , حينها سارعت وزارة الخارجية المصرية بتوجيه مذكرة شديدة اللهجة للسفارة الأمريكية بالقاهرة في 4 نوفمبر 1980 أفادتها فيها ” بأن هذه الشركة الأمريكية تقوم بإجراء مساحة جيولوجية وجيوفيزيقية وعمل خريطة للمنطقة بواسطة القمر الصناعي وكذلك عمل مساحة جاذبية ومساحة سيزيمية بحرية , وأن ذلك يتم دون الحصول علي الترخيص اللازم من السلطات المصرية المُختصة وفقاً للقوانين المصرية وأشارت المذكرة إلي أنه ونظراً لأن هذه المناطق التي تجري فيها هذه الأعمال مناطق مصرية تخضع للسيادة المصرية ” فإننا نطالبكم بضرورة تنبيه الشركة الأمريكية المُشار إليها بوقف هذه الأعمال فوراً والإمتناع عن أي عمل من هذا القبيل مستقبلاً , وإلا أضطرت السلطات المصرية المختصة إلي إجراءات شديدة في مواجهتها فضلاً عن تحميلها كافة النتائج القانونية والتعويضات المُترتبة علي ما ترتكبه من أعمال غير مشروعة “, وبطبيعة الحال فهذه الشركة إنما قامت بما قامت به بإذن من السلطات السودانية , والجانب الأمريكي يعلم تمام العلم بأن منطقة حلايب مُتنازع عليها بل يعلم كذلك أن الحدود السياسية محددة بخط عرض 22 درجة شمالاً وهناك خريطة رسمية أمريكية صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية عن منطقة أسوان تظهر فيها حدود حلايب مع السودان وفقاً لخط عرض 22 درجة شمالاً   . *( السفير بلال المصري . كتاب ” رؤية لواقع العلاقات المصرية السودانية ” قيد الطبع . صفحة 106)

من الملفت للنظر أن حكومة القبارصة اليونانيين تعلم مغبة التحرك النشط صوب إستغلال موارد الغاز الطبيعي التي توجد حقولها حول الجزيرة خاصة في غربها في مواجهة مدينة Paphos التابعة للقبارصة اليونانيين , ومن بين النتائج التي قد تنجم عن هذا الإتجاه توقف جولة المفاوضات أو تحويل جزء من المجهود التفاوضي لتناول موضوع إستغلال هذه الموارد , ولتوضيح هذه النقطة الخلافية وبيان أصوبية وجهة النظر التركية التي يدرك الجانب الأمريكي أبعادها وصحتها , فقد أشار إليها Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والآسيوية في تصريح له نُشر بموقع صحيفة ekathimerini اليونانية في 21 أغسطس 2018 حيث قال ” ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة ” , فللولايات المتحدة تجربة ليست ببعيدة زمنياً عن حالة قبرص , إذ أن الولايات المتحدة التي كان لها دور يكاد وأن يكون إحتكاري في العمليات التفاوضية التي إنتهت بتوقيع حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان علي إتفاقية السلام الشامل أو ما يُعرف بإتفاقية نيفاشا في كينيا في 9 يناير 2005, ففي هذه الإتفاقية نجد نص المادة رقم (1) تحت عنوان : المبادئ الموجهة بشأن الأقتسام العادل للثروة العامة تُشير في بند 1/1 إلي ما نصه ”  يتفق الطرفان أن تكون المبادئ الإرشادية والأحكام الواردة أدناه هي أساس النص الشامل لاقتسام الثروة ” , وفي البند 1/2 ما نصه ” تقسم ثروة السودان على نحو متكافئ حتى يتمكن المستوى حكومي من الاضطلاع بمسؤولياته وواجباته القانونية والدستورية ” , وفي البند 1/3 ما نصه ” تفي حكومة السودان، بالتزاماتها بتوفير التحويلات إلى حكومة جنوب السودان ” , وفي البند 1/4 ما نصه ” يكفل تقسيم وتوزيع الثروة الناتجة عن موارد السودان تعزيز الحياة والكرامة والظروف المعيشية لكل المواطنين بدون تفرقة على أساس النوع أو العنصر أو الدين أو الانتماء السياسي أو العرق أو اللغة أو الإقليم , ويقوم اقتسام  وتخصيص هذه الثروة على مبدأ أن كل أجزاء السودان لها الحق في التنمية” , ثم نجد البنود التالية في نص نفس هذه الإتفاقية تحت عنوان : 3 – موارد البترول : ألف / مبادئ موجهة لإدارة وتنمية قطاع البترول :

3-1 يتفق الطرفان علي أن أساس الإطار المحكم ، المتفق عليه لتنمية قطاع البترول خلال الفترة الانتقالية يتضمن ما يلي :

3-1-1 استغلال مستدام للبترول كمصدر طبيعي غير متجدد متفقاً مع :

(ألف) المصلحة القومية والصالح العام  .

(بـاء) مصلحة الولايات /الأقاليم المتأثرة .

(جيـم) مصالح السكان المحليين في المناطق المتأثرة .

(دال) السياسات القومية للبيئة وأسس المحافظة علي التنوع الحيوي ومبادئ حماية التراث الثقافي .

3-1-2 تمكين المستويات الحكومية الملائمة بالتشاور مع المجتمعات المحلية ذات الصلة من تنمية وإدارة المراحل المختلفة لإنتاج البترول داخل الإطار الشامل لإدارة تنمية البترول خلال المرحلة الانتقالية .

3-1-3 إيلاء الاهتمام اللازم لتهيئة المناخ المناسب لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة

من خلال تقليص المخاطر المتصلة بعدم التثبت من نتائج الاستفتاء لتقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية .

3-1-4 تهيئة مناخ اقتصاد آلي مستقر يعزز علي استقرار قطاع البترول .

3-1-5 استشارة الأشخاص الذين يتمتعون بحقوق ملكية في أراضي تتأثر بقرار تنمية الموارد الطبيعية في باطن الأرض، وإيلاء الاعتبار اللازم لوجهات نظرهم ويكون لهم نصيب في عائدات تلك الموارد .

3-1-6 الأشخاص الذين يتمتعون بحقوق ملكية في أرض لهم الحق في التعويض العادل بسبب الإستيلاء علي الأرض أو تنميتها لاستخراج الموارد الطبيعية من باطن الأرض  .

3–1-7 المجتمعات المحلية التي تباشر في أراضيها تنمية الموارد الطبيعية من باطن الأرض لها الحق في المشارآة من خلال الولاية /الإقليم في مفاوضات التعاقد علي إستغلال تلك الموارد .   

3-1-8 بصرف النظر عن النزاع بشأن ملكية الأرض والموارد الطبيعية المتصلة بها يتفق الطرفان علي إطار لتنظيم وإدارة تنمية البترول في السودان خلال الفترة الانتقالية .

باء – المفوضية القومية للبترول :

3-2 يتفق الطرفان علي إنشاء مفوضية قومية مستقلة للبترول خلال الفترة قبل الانتقالية وتتخذ قراراتها بتوافق الآراء .

3-3 مع الأخذ في الاعتبار الأحكام الواردة في غير هذا المكان من الاتفاقية تتكون مفوضية البترول القومية علي النحو التالي :

أ ) رئاسة مفوضية البترول القومية بالتناوب بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان. ويكونان عضوين دائمين .

ب) أربعة ( 4) أعضاء دائمون يمثلون الحكومة القومية .

ج ) أربعة ( 4) أعضاء دائمون يمثلون حكومة جنوب السودان .

د ) أعضاء غير دائمين بما لا يتجاوز ثلاثة أشخاص ( 3) يمثلون الولاية /الإقليم المنتج للبترول الذي تجري تنميته .

3-4 تكون للمفوضية القومية للبترول المهام التالية :

3-4-1اعداد السياسات العامة والموجهات المتعلقة بتنمية وإدارة قطاع البترول وفقاً 1-1- للفقرة 3 .

3-4-2 رصد وتقويم تنفيذ هذه السياسات لضمان خدمتها للمصلحة العليا لشعب السودان .

3-4-3 وضع الاستراتيجيات والبرامج لقطاع البترول .

3-4-4 التفاوض لإبرام آل عقود استكشاف وتنمية البترول في السودان والتأكد من توافقها مع مبادئ وسياسات المفوضية القومية للبترول ومبادئها الموجهة .

وقبل هذه الإتفاقية التي علي أساس من نصوصها حاز شعب جنوب السودان ممارسة حق تقرير المصير والذي بموجبه صوت في 9 يناير 2011 لصالح الإنفصال عن شمال السودان وبعد ستة أشهر الفترة الإنتقالية أعلن جنوب السودان في 9 يوليو 2011 إستقلاله الفعلي عن جمهورية السودان , لكن قبل ذلك وفي إطار ما سُمي بعملية السلام من الداخل وقعت حكومة السودان مع 6 فصائل يقودها Rick Mashar مُنشقة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج , وقعت إتفاقية الخرطوم للسلام في 21 أبريل 1997 تلك التي نصت في مادتها الرابعة علي “إقتسام الثروة ” وأشار البند K بهذه المادة إلي ما نصه ” The share of fees on licenses for mineral and oil explorations ” وكان ذلك الإقتسام يُمارس في الفترة الإنتقالية وقبل ممارسة شعب الجنوب حق تقرير المصير الذي نصت عليه هذه الإتفاقية أيضاً , ففي الفصل الأول منها وبالبند B / أشارت هذه الإتفاقية إلي ممارسة  هذا الحق بما نصه : 

The people of South Sudan shall exercise the right of self-determination through a

referendum.

لعل في إستذكارنا لما إنتهي إليه الصراع في جنوب السودان بفصل شماله عن جنوبه بموجب إتفاقية السلام الشامل المُوقعة في 9 يناير 2005 بضغوط أمريكية شملت فرض عقوبات إقتصادية وتعبئة حلفاءها الإقليميين عسكرياً وهم دول جوار السودان وتحديداً أوغندا وكينيا لدعم قوي التمرد الجنوبي ممُثلاً في عناصر الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM (Sudan People’s Liberation Movement ) والضغط علي مصر للضغط من جانبها علي حكومة الخرطوم والإحجام عن مد يد العون لها , والتحرك الضاغط في الأمم المتحدة وتعيين مُقرر لحقوق الإنسان بالإضافة لوسائل أخري , لعل في هذا تنشيطاً لإفراء عقد المقارنة فقد أدي كل ذلك الجهد الأمريكي  إلي فصل جنوب السودان عن شماله وإيجاد دولة جديدة ناشئة هي دولة جنوب السودان تحقيقاً لإستراتيجية أمريكية وُضعت إبان عهد الرئيس الأمريكي B . Clinton بوضع هندسة سياسية لمجمل الإقليم من شأنها إيجاد ما سُمي “القرن الأفريقي الكبير أو Greater Horn of Africa , والسؤال المنطقي هو : لماذا كان الحد الأقصي للموقف الأمريكي من الصراع أو لنقل النزاع في قبرص بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك هو حل هذه القضية القبرصية علي أساس يقوم علي منطقتين BIzonal بطائفتين Bicommunal في إطار فيدرالي وليس الإنفصال كحالة جنوب السودان مع شماله ؟ , مع ملاحظة أن شركة Mobil  الأمريكية و Qatar Petroleum القطرية وقعتا إتفاقاً مع حكومة القبارصة   في5 أبريل 2017 مع حكومة القبارصة اليونانيين بموجبه حصلتا علي إمتياز الإستكشاف للغاز وإستغلاله بالقطاع البحري رقم  10 , بينما كانت حكومة الولايات المتحدة تقوم بممارسة ضغوط هائلة علي شركات البترول التي كانت تعمل بالسودان قبل إنفصال الجنوب للإنسحاب وبدأت ضغوطها تلك بإنسحاب شركة Chevron الأمريكية من السودان عام 1990 وآلت حقوقها لشركة سودانية تُدعي كونكورب المملوكة للسيد محمد جار النبي أحد أقطاب الجبهة الإسلامية السودانية والذي سدد الصفقة كاملة لشركة Chevron , ثم بعد ذلك ظلت الولايات المتحدة تمارس ضغوطها علي مختلف شركات البترول العاملة بالسودان , لكن تواجد الصين البترولي عبر الشركة الوطنية الصينية للبترول أعان حكومة السودان علي إنتاج البترول بحقول جنوب السودان في هجليج وعدرائيل وولاية الوحدة وتصديره عبر خط أنابيب بطول ما يزيد عن 1000 كم لميناء بوسودان , وفي أثناء ذلك مُوست ضغوط أيضاً علي شركة Arakis الكندية والتي مقرها فانكوفر بكولمبيا البريطانية لمنعها من العمل هناك , لأن الولايات المتحدة وجماعات الضغط الكنسية والعسكرية والبترولية بها كانت تري أن حصول حكومة السودان علي عوائد بترولية يقوي ساعدها في مواجهة تمرد جنوب السودان بقيادة حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM , وقد أعلن وزير المالية والإقتصاد السوداني في يوليو 1995 أن العلاقة القائمة بين حكومة السودان وشركة Arakis عبر شركة State Oil إنتهت وأن الإتفاق التنقيبي إنتهي بالتالي ويُنتظر تجديد علي أساس من إقتسام النفط المُستخرج بنسب مُتفق عليها , وبمجرد تناقل الأنباء عن الإتفاق الجديد مع شركة  Arakis أعلن التحالف الوطني الديموقراطي السوداني المُعارض في 11 أعسطس 1995 ” أنه تابع بقلق بالغ تلك المفاوضات بشأن تطوير البترول بجنوب السودان وأنه يعتبر نفسه حامي شرعي لمصالح شعب السودان وعلي ذلك فهو يحذر شركة Arakis من عواقب مشروعها فستكون منشآتها بمناطق الإنتاج أهدافاً عسكرية مشروعة لقوات التحالف الذي يضم الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان وحركة تحرير جنوب السودان وأن إبرام هذا الإتفاق باطل وأن أي إتفاقية مع حكومة الإنقاذ (حكومة السودان) بشأن قضايا هامة كإنتاج البترول بالسودان تُعد من وجهة نظر التحالف “تواطؤ”   .

بينما أشارت Kathleen A. Doherty سفيرة الولايات المُتحدة بعد ان إلتقاها الرئيس القبرصي Nicos Anastasiades في 21 فبراير 2018سفيرة الولايات المتحدة لدي قبرص أدلت السفيرة الأمريكية بتصريحات صحفية أشارت فيها إلي ما نصه ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة الهيدروكربونات , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ  , فقد أشار Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأوروبية والآسيوية إلي أنه  “ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة” , مما قد يعني أن هذا التضارب أو عدم التنسيق في وضع مضمون واحد للموقف الأمريكي إزاء تنازع القبارصة اليونايين والأتراك فيما يتعلق بإستكشاف وإستغلال البترول بالمنطقة الإقتصادية الخالصة يعني أن هناك ثمة دور ما لجماعة الضغط البترولية بالولايات المتحدة , وهناك أمثلة مختلفة عن مواقف سياسية للولايات المتحدة في نزاعات وصراعات بدول بترولية مختلفة بدا فيها دور جماعة الضغط البترولي الأمريكية واضحاً ( عادة ما يكون هناك مسئوليين رئيسيين في الإدارات الأمريكية المُتعاقبة يمثلون جماعات ضغط بعينها , ومن بين الأمثلة الدالة علي ذلك Rex W. Tillerson وزيرالخارجية السابق في إدارة الرئيس الأمريكي Donald Trump والذي كان يعمل بشركة Exxon الأمريكية للبترول عام 1975 ثم رئيساً تنفيذياً لشركة ExxonMobil في الفترة من 2006 حتي 2017 عندما أختير وزيراً لخارجية الولايات المتحدة) , ومن بين هذه الدول أنجولا والصراع المُحتدم فيها هناك بإقليم أو محافظة Cabinda , (يقع هذا الإقليم أو المحافظة Cabinda بمنطقة وسط أفريقيا جنوب خط الإستواء يفصلها عن أنجولا نهر الكونجو الواقع شمال أنجولا وهو يشكل حدودها أيضاً مع جمهورية الكونجو الديموقراطية التي تمتد لألفي كم , والبيانات بشأن مساحة إقليم كابيندا مُتضاربة لكنها تتراوح ما بين 7,823 كم مربع و 12,000 كم مربع تقريباً (تقريباً نصف مساحة ولاية Connecticutالأمريكية ومجمل مساحة جمهورية جامبيا) وهو صراع بدأ منذ ما قبل 11 نوفمبر 1975 تاريخ إعلان إستقلال أنجولا حتي يومنا هذا , وهو صراع تخوضه جبهة تحرير جيب كابيندا FLEC ضد حكومة لواندا لنيل حق تقرير المصير إستنداً لأسباب قانونية  وأثنية وثقافية , لكن القوي الدولية الرئيسية في عالمنا وعلي رأسها الولايات المُتحدة لم تتناوله بمثل ما تناولت به صراعات أخري إنتهت بنيل قوي التمرد الأخري حق تقرير المصير والإنفصال عن الوطن الأم  كحالة جنوب السودان مثلاً , وبالطبع هناك من الأسباب لدي أي من هذه القوي الدولية ما يتحكم في حركتها السياسية بإتجاه الصراع في كابيندا الذي بينه وبين الصراعات الأخري التي تطالب قوي التمرد فيها بحق تقرير المصير الكثير من القواسم المُشتركة لدرجة أن عقد مقارنة بين الصراع في كابيندا وصراع كالذي كان بين الحكومة السودانية ومتمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM تحت قيادة جون جارانج والذي بدأ عام 1955 أمر لا يتسم بأي درجة من الصعوبة  , وبينما يحتدم الصراع في Cabinda منذ 1975 تقوم الشركات البترولية الأمريكية وهي شركةGulf Oil Corp والتي كانت حائزة علي إحتكار إستخراج وإستغلال البترول بساحل كابيندا بواسطة فرعها شركة Cabinda Gulf Oil Corp  وشركة ARGO Petroleum Corp  ومقرها في Los Angelos التي حازت في نهاية 1973 كل إمتياز الخليج البري لكابيندا وشركة Texaco  و Chevron بإستخراج البترول الأنجولي في أرض هذا الإقليم ومياه الأطلنطي المُواجهة له غير عابئة بهذا الصراع الدموي المُستمر بين جبهة تحرير جيب كابينداFLEC  والقوات المُسلحة الأنجولية , بل أشير إلي أن شركة Chevron الأمريكية بادرت في مارس 2006بالإعلان عن برنامج لتنمية إقليم كابيندا رصدت الشركة له مبلغ 1,1 مليار دولار لتمويل تنفيذ إقامة مركز أعمال في كابيندا وبرنامج لتحفيز الصناعات المرتبطة بالبحر ألخ  , وسيتضح أكثر في العرض التالي ما يوسع رؤية الإنتقائية في السلوك السياسي الأمريكي , ورغم أن البعض قد يصف الموقف الأمريكي من قضية مطالب شعب  Cabinda وجبهة تحرير جيب كابيندا FLEC بأنه موقف مُحايد , إلا أن هذا الموقف في الواقع  داعم للحكومة الأنجولية التي يحتكر حزب MPLA الحاكم السلطة فيها منذ إستقلال أنجولا في نوفمبر 1975 حتي الآن , لذلك فهناك تباين شديد الوضوح بين الموقف الأمريكي من هذا الصراع  ومثيله إزاء متمردي جنوب السودان والحكومات والنظم التي تداولت السلطة في السودان , ففي صراع جنوب السودان تري الإدارات الأمريكية المُتعاقبة تقوم بدور الداعم المُحرض ثم المُنشئ لدولة جنوب السودان , أما في حالة الصراع الكابيندي فهي تلعب دور الطرف المحايد المُسكن والمتعاون مع حكومة لواندا .   وتعتبرها الحكومة الأنجولية جزءاً لا يتجزأ من نظامها الإداري فهي محافظة من بين 18 محافظة تتكون منها جمهورية أنجولا , وهذا الإقليم / المحافظة يقع خارج حدود أنجولا إذ أنه جيب مُحاط من جميع الإتجاهات بأراضي الكونجوليتين فيحده من الشمال والشمال الشرقي جمهورية الكونجو (برازافيل) بحدود طولها201 كم ومن الشرق والجنوب جمهورية الكونجو الديموقراطية(كنشاسا) بحدود طولها 220 كم ويطل بساحل طوله 150 كم علي المحيط الأطلنطي , ويفصل قطاع من أراضي جمهورية الكونجو الديموقراطية عرضه نحو 60 كم إقليم كابيندا عن حدود أنجولا مع الكونجو الديموقراطية , ومدينةCabinda هي عاصمة الإقليم , عموماً فإنه مما لابد من قوله أن كلمتي السر في صراع كابيندا وجنوب السودان وربما معظم الصراعات العالمية هما : البترول والدين , وكانت هاتين الكلمتين في حوزة حزب MPLA أما السودان فلم يحزهما فدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة مع تخلي مصر التي كانت في أدني منسوب للأداء السياسي علي أصعدة دوائر أمنها القومي المُتناقص , الصراع في كابيندا والصراع الذي دار بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان دليل لا حيز للشك فيه إذ يبرهن برهاناً ساطعاً علي الإنتقائية التي تنتهجها الإدارات الأمريكية في حل الصراعات وهو وضع بالرغم من الإنكار الأمريكي النظري له إلا أنه الوضع الطبيعي لدولة عظمي تكرر مواثيق أمنها القومي علي قدسية المصالح العليا للولايات المتحدة فدونها أي شيئ ,  كما أن كلا الصراعين للبترول علاقة أمريكية مباشرة به , فالبترول في الحالة الأنجولية عامل مُحفز للولايات المتحدة , وبينما كان العامل الديني ظاهراً غالباً في صراع جنوب السودان وروجت الصحافة الأمريكية وجماعة الضغط الكنسية الأمريكية له بإدعاء أنه السبب الرئيسي للصراع بين الشمال والجنوب , نجد هذا العامل نفسه خافتاً مُتضائلاً  بل ويكاد أن يكون مُختفياً ولا يُروج له في الصراع أو النزاع الجاري بقبرص بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك رغم أنه واقع ملموس وحقيقة تاريخية مازالت قائمة وتظلل لوحة التفاوض بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك , وما من سبيل لإنكارها أبداً .

مناخ الأزمة هو السائد في العلاقات الأمريكية/ التركية :

رغم أن هناك محاولات تركية وأمريكية للإبقاء علي حالة من التوازن في العلاقات الثنائية وهي محاولات مُجهدة وتحتاج إلي تذرع الجانبين بالصبر ووضوح الرؤية والقدرة علي العزل وفض إلإشتباك بين تداخل المعاملات السياسية في التحالفات التي  نشأت وتنشأ بين تركيا وقوي دولية غي الولايات المتحدة وبين الولايات المتحدة نفسها والقوي الإقليمية بإقليمي شرق المتوسط والشرق الأوسط , فإن هناك بالفعل أزمات علي المدي الأوسع نطاقًاً تواجه العلاقات التركية / الأمريكية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا عام 2002 أضيف إليها مُؤخراً الموقف الأمريكي غير الواضح من النزاع علي الإستكشاف البترولي بمياه المتوسط بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونيين وبالتبعية تركيا واليونان , فمن بين الأسباب التنوعة والمُختلفة التي رأت الولايات المتحدة وتركيا – لكن برؤية سببية أخري – أنها تشكل عناصر”أزمة ” لهما في علاقاتهما التقليدية ما يلي :

(1) تولي حزب العدالة والتنمية نفسه للسلطة في تركيا وتطلعه لإستعادة الوضع الدولي بالعالم كقوة دولية مرهوبة الجانب تستند علي تراث إمبريالي مُؤثر ولتحقيق هذه الإستراتيجية فإن علي حزب العدالة والتنمية علي خط مواز إستعادة الهوية والتراث الإسلامي والتخلص من نفايات العهد الكمالي والهوية العلمانية الفارغة والتي أفرغت الشخصية التركية من مضمونها الموضوعي وفي نفس الوقت التخلص من الحكام العسكريين هناك الذين كانوا حراساً لصنم العهد الكمالي صنم العلمانية الذي علاه الصدأ ووخضبته تجاعيد زمن طويل من الضآلة والتناقص في وزن تركيا السياسي والحضاري  , كان كل ذلك و ببساطة إيذاناً بإنتهاء إحتكار المؤسسة العسكرية التركية للسلطة وهو وضع لم تعتد الإدارات الأمريكية المُتعاقبة علي التعامل معه في حالة تركيا علي نحو خاص وهي التي ظلت طيلة حكم العسكر الأتراك ميداناً للعمل العسكري والمخابراتي الأمريكي الحر خاصة في فترة الحرب الباردة بين الولايات المُتحدة والإتحاد السوفيتي حتي إنهياره وتفككه .

(2) يحافظ حزب العدالة والحرية منذ توليه السلطة بتركيا نتيجة فوزه في الإنتخابات البرلمانية عام 2002 وتشكيله حكومة أغلبية , علي بقاء مستوي العلاقات التركية / الأمريكية عند مستوي العلاقات الخاصة طالما ظل هناك حرص أمريكي علي إيلاء تركيا ما يناسب علاقتها بالولايات المتحدة كحليف قوي علي قاعدة عضوية تركيا بحلف شمال الأطلنطي علي الأقل , لكن حزب الحرية والعدالة في نفس الوقت وعلي التوازي يدرك الأهمية الجيوسياسية لموقع تركيا في الإقليم بناء علي رؤية واسعة المدي فعمل علي تحقيق توازن مُتبادل في العلاقات مع روسيا وإيران وحاول عزل بعض من التأثيرات السلبية الناتجة عن تنازع المصالح جراء  الأزمات القائمة في دائرتين مباشرتان تحيطان بتركيا هما (1) دائرة الشرق الأوسط و (2) دائرة شرق المتوسط بما فيها العلاقات التركية / اليونانية والقضية القبرصية بمختلف أبعادها , ونحجت السياسة التركية في تثبيت رؤاها وموقعها في هاتين الدائرتين بحيث أصبحت هذه الرؤية التركية واقعاً مُعترفاً به من قبل الروس والإيرانيين , ولا تتعرض هذه الرؤية التركية لهجوم أو إنتقاد علني من موسكو وطهران  , لكن واقعية القائمين علي تنفيذ السياسة الخارجية التركية لديهم من المرونة والواقعية ما يجعلهم يتقبلون ويتعاملون مع التحركات الروسية و/ أو الإيرانية المُضادة لهم في هاتين الدائرتين , لكن الولايات المتحدة منذ بداية عهد الرئيس George W. Bush مروراً بعهد الرئيس السابق Barack  Obama .

(3) توتر العلاقات الإسرائيلية / التركية  , فالموقف التركي الداعم وبوضوح للقضية الفلسطينية في أوسع إطار لها ولغزة من جهة كسر حصارها مما جعل ويجعل من سقف كتلة حماس في أعلي إرتفاع لها أو علي الأقل مُحتفظاً بدرجة معقولة من الصمود أمام القوي المناوئة لكل ما يمت بقيم المقاومة بصلة وبالنظم الكرتونية العربية المُشرئبة لتنفيذ النسخة الأسوأ من سايكس / بيكو أو ما يُصطلح علي تسميته تسويقياً بصفقة القرن , وهو إتجاه لم تعتاده إسرائيل من تركيا إبان العهود العسكرية الرخوة التي حكمت تركيا وأضاعت مكانتها ونفوذها التاريخي وطاقتها السياسية الكامنة , وهو أمر لا تستسيغه الإستراتيجية الأمريكية في الشرقين الأدني والأوسط فهي دائماً ما تصلي من أجل مكانة إسرائيل كقوة وحيدة مُسيطرة مُرتبطة عضوياً بالمصالح العليا والأمن القومي الأمريكي وقبلهما بالإتجاه المجيئي الكنسي الأمريكي أو ما يُسمي تلطفاً بالمحافظين الجدد , وما هم إلا سدنة الصليبيبة الأمريكية فرسان المعبد الجدد .

(4) تمدد الدور التركي في العالم العربي , فهذا التمدد كان وسيظل منطقياً للأمن القومي التركي في مختلف أبعاده من الوجهة الحركية , فكيف يستقيم للإستراتيجية الأمنية المتوسطية علي الأقل في شرق المتوسط وإمتداداته في بحر إيجة ووراء البحر الأسوء في مدخليه عند الدردنيل والبوسفور أن يحذف منطقة مُتسعة تطل علي الساحل الجنوبي علي البحر المتوسط من اللاذقية شرقاً وحتي طنجة غرباً من حساباته الأمنية دون أن يوثق علاقاته بها , وبالخليج العربي ذا الصلة في إمتدادته بالعراق واليمن وكلاهما كانت نقطة إرتكاز للخلافة العثمانية ؟ وقد أتاح رباعي حصار قطر فرصة ثمينة للعسكرية التركية لتوطيد مركزها وعلاقاتها مع قطر والكويت وربما لاحقاً عُمان , مما أعان تركيا علي تعيين خطوط أبعد لوصولها الإستراتيجي في البعدين المتوسطي والخليجي جعلها في حالة تماس عسكري وسياسي وأمني مع القوتين الإقليميتين الجاهزتين وذات الوزن وهما تحديداً إيران وإسرائيل , وبالتالي أصبحت تركيا إضافة يُحسب لها حساب بمعيار التحالف الأمريكي / الإسرائيلي وتهديداً للتحالفات الورقية القائمة بمنطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط , وهو أمر بقدر ما تتجنبه العسكرية الأمريكية بقدر ما تعترف به كواقع بقدر ما تتعامل معه , لكن ليس بمنهجية الدول المُعادية لتركيا بهاتين المنطقتين .

(5) إنطلاق الدور التركي صوب أفريقيا خاصة بمنطقة القرن الأفريقي  ففي خطاب مُتلفز له اليوم 10 أكتوبر 2018 قال الرئيس التركي أردوغان أن بلاده ستُنظم مؤتمراً عام 2019 يتناول العلاقات التركية مع القارة الأفريقية بمشاركة الدول الأفريقية , وأشار إلي أن تركيا تولي علاقاتها الأفريقية أولوية وأن تركيا ستفتح مزيد من السفارات في أفريقيا ولها حالياً سفارة كبيرة في الصومال , وفي الحقيقة فلا يمكن منطقياً وبإستذكار نظريات نشوء الدول وتكون الأدوار الإقليمية والدولية لهذه الدولة او تلك أن نقارن بين دور الإمارات العربية في شرق أفريقيا مثلاً ودور تركيا بنفس هذه المنطقة  , فحدود طاقة الإمارات في تكوين دورها هناك ما تملكه الآن من مال أما تركيا فحدود دورها إرثها الحضاري ووزنها السياسي دولياً وإقليمياً  .

(6) توازن العلاقات التركية الإيرانية بالرغم من الإشتباك بين الدورين الإيراني والتركي في الأزمة السوريا سواء في جنيف حيث المفاوضات أو في سوريا نفسها حيث ميدان ممارسة الدورين العسكري والمخابراتي لكل منهما .

(7) الرغبة الروسية والتركية المُتبادلة في المحافظة علي إستقرار العلاقات الثنائية بينهما ومن بين الأدلة علي ذلك قدرة الدولتين علي تجاوز أزمة إسقاط طائرة عسكرية تركية من طراز إف 16 لطائرة حربية روسية من طراز سوخوي 24 لإختراقها المجال الجوي التركي قرب الحدود التركية / السورية وذلك في24 نوفمبر 2015 .

نــتيــجــة :

هناك ثمة تضارب في الموقف الأمريكي من القضية القبرصية فبعد أن كان الموقف الأمريكي مؤسس علي قاعدة دولة قبرصية بمنطقتين لطائفتين وعلي أساس فيدرالي , إذ بالسفيرة الأمريكية لدي قبرص Kathleen A. Doherty تقول للصحافة القبرصية (اليونانية) عقب لقاءها بالرئيس القبرصي في21 فبراير 2018 ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة البترول , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة  ” EEZ وفي تقديري أن هذا التصريح وإن أُعتبر تعديلاً   في الموقف الأمريكي التقليدي إزاء القضية القبرصية إنطلاقاً من مناخ المواجهة الذي يسود العلاقات الأمريكية / التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا عام 2002 وأزدادت حدته مع تولي الرئيس الجمهوري Donald Trump سدة الحكم في واشنطن , إلا أنه ليس من المتوقع أن يكون أو يمثل نقطة إنطلاق لتغيير شامل في الموقف الأمريكي من القضية القبرصية نظراً لأهمية ولخطورة إستفزاز الولايات المتحدة لتركيا أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلنطي NATO , فالأمر لا يعدو وأن يكون إلا خروجاً مؤقتاً عن نص تقليدي لابد للدبلوماسية الأمريكية أن تعمل بموجبه حفاظاً علي علاقتها بالحليف التركي , خاصة وأن أمين عام الأمم المُتحدة قدم مُؤخراً تقريراً لمجلس الأمن الدولي تضمن إشارات لموضوع الإستكشاف القبرصي عن الغاز الطبيعي إعتبرتها الأحزاب القبرصية اليونانية سلبية بشكل ما , إذ ورد في هذا التقرير ما نصه ” إن موارد الغاز الطبيعي التي وُجدت في وحول قبرص يجب أن تستفيد بها كلا الطائفتين , ويجب أن تقدم حافزاً قوياً لكل الأطراف المعنية للعمل بصفة تبادلية بجدية صوب حل مقبول ودائم” * (صحيفة Cyprus Mail القبرصية اليونانية بتاريخ 23 أكتوبر 2018) , وهو ما يتفق تماماً مع موقف الخارجية الأمريكية الذي عبر عنه  في 21 أغسطس 2018 السفير  Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والآسيوية عندما أكد علي أنه ” ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة “.   

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي – الـــســفــيــر بـــلال الــمــصــري – ســفـيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر

القاهرة : تحريراً في 22 مارس 2018

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى