العنصرية والتطبيع وجهان لجريمة واحدة
بقلم: أحمد طه الغندور – المركز الديمقراطي العربي
لا شك أن المتابع للوضع الفلسطيني اليوم يلمس إمعان الاحتلال في تنفيذ سياساته العنصرية ضد الفلسطينيين أينما كان تواجدهم في حدود فلسطين التاريخية أو في دول الشتات، فقد أصبحت جريمة التمييز العنصري لدى الاحتلال تمارس بقانون يُسمى “قانون القومية اليهودية” والذي صادقت عليه “الكنيست” في يوليو تموز الماضي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ فقد أُصيب “المُشرع الإسرائيلي” بـ “إسهال تشريعي عنصري” فهناك ما يقارب من (30) تشريعاً جديداً سنت أو يجري إعدادها ضمن المراحل المختلفة للتشريع ، كلها جاءت بعد القانون المذكور من أجل تنفيذ المزيد من سياسات أو جرائم “التمييز العنصري” ضد الفلسطينيين بمن فيهم “مواطني الدولة”، وكل ذلك يتم بغطرسة فاضحة دون أي اكتراث بالقانون الدولي أو المؤسسات الدولية.
في نفس الوقت وبالتزامن مع تلك الجريمة نجد أن “مهانة التطبيع” تسير “بوقاحة لا توصف” مع الاحتلال، بل يشعر البعض أن هناك نوع من التنافس “الممجوج” بين هذه “الكيانات” من أجل إرضاء الاحتلال وفقاً لسياسات الابتزاز الذي يمارسه “ساكن البيت الأبيض”.
إن إثبات “جريمة التمييز العنصري” الذي يُمارسه الاحتلال في فلسطين واضح للعيان وليس بحاجة إلى إثبات، فالأمم المتحدة حتى عهد قريب وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر، 1975 وصمت “الصهيونية” بالعنصرية والتمييز العنصري حتى مؤتمر “مدريد للسلام” في العام 1991 وذلك لأسباب سياسية تهدف إلى منح السلام فرصة في المنطقة.
ولعله من الواضح للجميع في العالم ـ بمن فيهم المطبعين ـ من قتل السلام وللأبد بين العرب و “الإسرائيليين”!
لذلك فالأسس القانونية التي قام عليها وصف “الصهيونية” بالعنصرية ثابت ولا يحتاج إلى جهد كبير في إثباته، وإذا أضفنا إلى ذلك جملة التشريعات “العنصرية” السابق الإشارة والتي تُدين ـ أعضاء “الكنيست” الذين عملوا على إصدارها، وأعضاء “الحكومة” القائمين على تنفيذها، وأعضاء “القضاء” الذين يمنحوا هذه الجرائم الغطاء والتبرير القانوني ” المخالف للشرعة الدولية”.
ولعل كتابات المنصفين في العالم الحر، أو من “الإسرائيليين” المناهضين لهذه السياسات العنصرية تكفي لذر الملح في عيون المطبعين علها تزيل ما لحق بها من رماد فأعماها.
ولهم أن يراجعوا أقوال رئيس “منظمة بتسليم في الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، أو ما يثار عن “شارع الأبارتهايد” في القدس، أو ما أثارته صحيفة الغارديان البريطانية صباح اليوم تحت عنوان: ” حال الديمقراطية الإسرائيلية القتل بحصانة والكذب بدون خوف من العواقب”، أو ما أوده اليوم أيضا المركز الاستقصائي الفرنسي “ميديا-بارت” بعنوان: “نتنياهو يُجسد الفساد الذي ينخُر الطبقة السياسية الإسرائيلية واستعمار الأراضي الفلسطينية يُغذيه”.
نخلص هنا إلى القول؛ بتجريم “المطبعين” مع الاحتلال وخاصة في هذه الأيام كونهم شركاء في جريمة “التمييز العنصري”، والتي يجري تجريمها وفقاً لميثاق روما للعام 1998 الخاص بمحكمة الجنايات الدولية وخاصة جريمة “الفصل العنصري” التي وردت في النص ضمن الجرائم ضد الإنسانية، فهل يُدرك “المطبعين” خطورة الجريمة التي يقترفونها خلافاً للقانون والدين والأخلاق؟
ولعله من الواجب أن نشير إلى الحكم الهام الصادر عن ” محكمة العدل الدولية ” والخاص بتطبيق الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (جورجيا ضد الاتحاد الروسي)، وقد جاء في حيثيات الطلب الجورجي: ” أن يتوقف الاتحاد الروسي ويكف على الفور، وبصفة خاصة، عن الانتهاكات التمييزية لحقوق الإنسان الواجبة للسكان المنحدرين من أصل جورجي، بما في ذلك الهجمات التي يشنها ضد المدنيين والأهداف المدنية، وأعمال القتل والتشريد القسري، والحرمان من المساعدة الإنسانية، وأعمال النهب الواسعة
النطاق، وتدمير المدن والقرى، وأية تدابير من شأﻧﻬا أن تؤدي بصفة دائمة إلى حرمان المشردين داخليا من حق العودة، في أوسيتنا الجنوبية ومناطق ها المتاخمة لجورجيا وفي أبخازيا ومناطقها المتاخمة لجورجيا، وأي من الأقاليم الأخرى التي يحتلها الاتحاد الروسي أو يسيطر عليها فعليا”.
ومن ثم جاء القرار الذي أصدرته المحكمة في ١٥ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٨، ليعلن ما يلي: ـ
١ـ الامتناع عن القيام بأي عمل من أعمال التمييز العنصري ضد) الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات؛
2ـ الإمساك عن رعاية أعمال التمييز العنصري التي يقوم ﺑﻬا أي) شخص أو تنظيم أو الدفاع عن تلك الأعمال أو دعمها).
لذلك جاء قولناً صريحاً بأن العنصرية والتطبيع وجهان لجريمة واحدة، هي جريمة “التمييز العنصري” المحرمة دولياً، فإن غاب الوازع الديني والأخلاقي لدى “المطبعين” فسيكون القانون الدولي الأداة الكفيلة لتحقيق الردع الكافي لرعايتكم ودعمكم “للتمييز العنصري الصهيوني”.
ولعل القيادة الفلسطينية توجه العناية اللازمة نحو هذا القرار الدولي الهام وتعمل على نشره لدى البعثات الدبلوماسية الفلسطينية للتحذير من عواقب “التطبيع”، كما عليها أن تسارع برفع قضية لدى محكمة العدل الدولية أو محكمة الجنايات الدولية من أجل معاقبة “الكيان الصهيوني” ورموزه لوضع حد لكافة ممارسته العنصرية، والعودة للجمعية العامة لتثبيت صفة “العنصرية” على “الاحتلال الصهيوني”.
وكأن لسان الحال يقول “للمطبعين” لقد أعذر من أنذر!