الدور الإثيوبي الجديد ومقوماته في القرن الإفريقي
إعداد : مصطفى محمود عبداللاه – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
شهدت إثيوبيا منذ مجئ آبي أحمد إلي رأس السلطة كرئيس وزراء أبريل 2018م تحول نوعي في السياسات الخارجية سواء علي المستوي الإقليمي أو الدولي. حيث قام آبي أحمد بعدة زيارات لدول القرن الإفريقي المجاورة والتي يحفل سجل العلاقات بينهما بالتوتر والنزاعات مثل : أرتريا والصومال، و على المستوي الدولي كزيارته للإمارات والقاهرة.
كما دخل آبي كوسيط بين المجلس العسكري الانتقالي و قادة الحركة الاحتجاجية ( قوي الحرية والتغيير) في محاولة لإيجاد حل للأزمة فى السودان. فزار الخرطوم في 7 يونيه 2019، وتمثل أهمية زيارة أبي أحمد إلى الخرطوم كونها تأتي في ظل تزايد معدل التوترات بين المجلس العسكري الانتقالي وقادة الحركة الاحتجاجية (قوى الحرية والتغيير)، وذلك في محاولة لتسوية النزاع بين الطرفين، خاصة بعد أحداث ميدان الاعتصام التي راح ضحيتها العشرات، وإعلان المجلس العسكري في أعقاب أحداث الاعتصام، إلغاء كل الاتفاقات التي توصل إليها مع قوى الحرية والتغيير بشأن الانتقال الديمقراطي، وأعلن عن خطط لإجراء انتخابات في غضون تسعة أشهر، لكن الحركة الاحتجاجية رفضت هذه الخطط. ) 1(
ولم تكن السياسة الداخلية أقل حظاً من نظيرتها الخارجية إذ نال برنامجه الإصلاحي وسياسة التغيير التي اتبعها علي رضا شعبي واسع . وشهد الاقتصاد الوطني نمواً قوياً وتحول مزيد من الاستثمارات الأجنبية ورءوس الأموال إلي الداخل الإثيوبي نتيجة الاستقرار النسبي في البيئة الوطنية عما كانت عليه في عهد زيناوي حيث الاضطراب الداخلي والنزاعات والحروب الحدودية مع الجيران بشكل قلل من استقرار منطقة القرن وحولها إلي مسرح للصراع ومصدر قلق وإزعاج وقد أطلق عليها البعض – منطقة القرن الإفريقى – بلقان أفريقيا لما تشهده من عدم الاستقرار. وأصبحت مجال لاستقاب وتدخل القوي الدولية والإقليمية ومنطقة حاضنة للجماعات الإرهابية وسوق رائج للسلاح وموطن للفقر والأمراض.
وتتعرض هذه الورقة البحثية لتقسيم الدراسة بحيث تتطلب إجابات موضوعية عن أسئلة:
- ماهي مقومات الصعود الإثيوبي؟
- طبيعة التغير في منطقة القرن الإفريقى بعد تولي آبي أحمد؟
- لماذا تدخلت إثيوبيا كوسيط في الأزمة السودانية؟
- ماهو مستقبل التوازن الإفريقي المتوقع بعد صعود آبي أحمد وتغير سياسة إثيوبيا الخارجية؟
أولا : مقومات الصعود الإثيوبي :
سارع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من وتيرة برنامج الإصلاح الجذري الذي من شأنه قلب السياسات في هذا البلد الإفريقي الكبير الذي يتمتَّع بأهميةٍ من الناحية الاستراتيجية، وذلك بعد توليه منصبه في أعقاب استقالة مفاجئة قدَّمها سلفه هايلي مريام ديسالين علي إثر حركة اضطربات كبيرة شهدتها البلاد والتي قامت بها (الأورومو) – الجنوب – ضد تركيزالسلطة في يد الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية. لذا طالب الجنوب والذي يمثل الأغلبية بزيادة حقوقه وضرورة نبذ التهميش الاقتصادي الذي يعاني منه والالتفات نحو مزيد من الإصلاحات.
*تتمثل أهم مقومات الصعود الإثيوبي بعد تولي آبي أحمد في :
وتشتمل مقومات الصعود السياسي بعد تولي آبي أحمد بعدين أساسين هما البعد الداخلي والخارجي.
أ) الشأن الداخلي :
1- إصلاحات داخلية وعفو سياسي : قام بإعادة تنظيم مجلس وزرائه، وفصل مجموعة من الموظفين الحكوميين المُحصَّنين والمثيرين للجدل. كما مد الجسور مع خصومه وأعدائه في الدول المجاورة، كذلك رفع الحظر عن مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى، وأطلق سراح الآلاف من السجناء السياسيين.
2- بالنسبة للنمو الاقتصادي :
كانت إثيوبيا في العام 2000 إحدى أكثر بلدان العالم فقرًا وتهددها المجاعة، إلا أنها تمكنت من القفز خطوات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وباتت تعتبر واحدة من الدول الخمسة الأسرع نموًا في العالم، ومن أكثر الأماكن استقرارًا في إفريقيا في منطقة يسودها الصراعات وعدم
نجحت إثيوبيا في تحقيق معدلات نمو اقتصادية قوية خلال العقد الماضي ونافست معدلات النمو في الصين، ففي العام 2012/2013 بلغ معدل النمو نحو 9.7% وحققت المرتبة 12 بين الاقتصادات العالمية من حيث سرعة النمو، وبلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا نسبة 8.5% خلال العام المالي 2015/2016، مقارنة مع 10.7% خلال العام المالي الذي سبقه.
ولا يستوي الكلام عن إثيوبيا دون ذكر سد النهضة الإثيوبي الذي يعتبر أكبر سد على نهر النيل حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترًا وطوله نحو 18 مترًا، وتقدر تكلفة إنشائه ما يقارب 5 مليارات دولار، وتبلغ سعتة التخزينية 74 مليار مترمكعب أي نحو مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا، وتقدر القدرة المائية للسد على توليد الكهرباء بنحو 6000 – 7000 ميغاوات أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولّدة من محطة سد أسوان الكهرومائية، وتخطط الحكومة للاستفادة من سد النهضة بعد الانتهاء منه في زراعة نصف مليون هكتار، وتخفيف مُشكلة الجفاف المتزايدة التي يعيشها شرق إثيوبيا.(2(
لكن السد يواجه عدة مشاكل تهدد استكمال بناءه في الوقت الحالي.
وبالنسبة للاستثمارات الأجنبية تأتي الصين في المرتبة الأولى من قائمة الدول الأكثر استثمارًا في إثيوبيا، وتمويلًا أيضًا للمشاريع القومية الكبري الحكومية، مما جعلها إحدى أكثر البلدان التي حظيت باستثمارت قومية كبرى كمد السكك الحديدية والطرق والجسور والموان. كما متوقع في ظل النمو الاقتصادي المتزايد أن إثيوبيا ستحتل مرتبة بين أكبر أربع مراكز تصنيعية في إفريقيا بحلول العام2025. ) 3(
لذا فإنه علي الإدارة الأثيوبية إذا رغبت في تحقيق مزيد من التقدم أن تولي الاقتصاد مزيداً من الاهتمام والحرص علي إقامة مشروعات تخدم البنية التحتية لجذب مزيد من الاستثمارات. وتزيد من حدة الإصلاحات في القطاع الزراعي الذي يمثل نصيب الأسد في توفير فرص العمل للأفراد.
ب) المجال الخارجي:
أما عن نهجه في السياسية الخارجية فكان لسياسة آبي المكوكية أثر كبير في تهدئة الأوضاع في المنطقة وتصفيتها من المشاكل الحدودية مع جيرانه من دول القرن الإفريقي. واتجه نحو مصر الأخري بزيارة لطمأنة نظام الحكم المصري بخصوص عدم الانتقاص من حصة مصر في بناء السد الإثيوبي.
سياسة تصفية المشاكل الحدودية :
كانت السياسات الخارجية للحكومات التي سبقت حكومة آبي أحمد قائمة على افتعال الصراعات مع دول الجوار وتأجيج ما هو قائم منها من أجل تعزيز اللحمة الداخلية، وهي سياسات نتج عنها تآكل ثمار النمو الاقتصادي وتعزيز سيطرة نخبة التيجراي، لكن آبي أحمد أتى بأجندة سياسية خارجية مختلفة مفادها أن التطور الاقتصادي والسياسي لن يتم سوى بتصفير المشاكل مع دول الجوار وتحقيق تكامل اقتصادي معها.
سريعًا أخذ الدكتور خطوات عملية في تطبيق سياسته الجديدة، فزار 6 من دول الجوار الإثيوبي (جيبوتي – السودان – أوغندا – مصر – الصومال – إريتريا)، خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه. وقام بإجراء مصالحة تاريخية مع الجارة إريتريا، الذي كان قد شارك سابقًا في حربها عندما كان ضابطًا بالجيش. وقام بإنهاء الخلاف الحدودي بين البلدين، ووافق على التطبيق الكامل لاتفاق الوساطة الموقع في الجزائر العام 2000، والذي كان يرفض أسلافه تطبيقه، وسافر بنفسه إلى إريتريا قبل نحو شهر لمد يد السلام. ( 4(
زيارة آبي أحمد الصومال :
اتفق الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مع ضيفه الزائر رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد على تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وذلك في نهاية زيارة مفاجئة قام بها آبى أحمد إلى العاصمة الصومالية مقديشو واستغرقت بضع ساعات.
وقال بيان مشترك بعد المحادثات الثنائية، إن الطرفين اتفقا أيضا على أهمية استمرار التعاون النشط بينهما في مكافحة الإرهاب بفاعلية، والتعامل مع التحديات الأمنية عبر الحدود. وأشادت الحكومة الصومالية بشجاعة وتضحية بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام «أميصوم»، وأثنت على ما وصفته بالدور البارز للقوات الإثيوبية في هذا الصدد، فيما أكد البيان أهمية دور بعثة «أميصوم» في التقدم الذي أحرزته الصومال. كما وافقا بحسب البيان، على فتح مكاتب دبلوماسية وقنصلية متبادلة في المدن الرئيسية في الصومال وإثيوبيا، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير للسماح بحرية حركة السلع تتضمن إزالة جميع الحواجز التجارية والاقتصادية وتعميق وتوسيع الروابط الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية الحيوية في تطوير الموانئ والطرق السريعة الرئيسية التي تربط بين البلدين.
وفي محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية، اتفقا فرماجو وآبي أحمد على الاستثمار المشترك في أربعة (4) موانئ بحرية رئيسية بين البلدين، وبناء شبكات الطرق الرئيسية، عبر تشكيل فريق فني مشترك. واعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي، أن هدف زيارته هو فتح صفحة جديدة وعلاقة جيدة من أجل تعزيز «جهودنا المشتركة، لا سيما استئصال الإرهاب من المنطقة» التي قال إنها، بحاجة إلى مزيد من الأمن والاستقرار. وتعتبر زيارة آبي أحمد هي الأولى من نوعها منذ توليه مهام منصبه كرئيس لوزراء إثيوبيا. (5(
2- بالنسبة لإصلاح العلاقات المصرية – الإثيوبية :
توجه آبي أحمد بزيارة إلي القاهرة يونيو 2018 وتباحث الطرفان أهم الإشكاليات العالقة في السياسة البينية بين الدولتين وخاصة مسألة “سد النهضة” وأكد آبي أحمد احترامه لحقوق مصر من حصة المياة وذلك في ظل قلق مصري بالغ ناتج من تخوف المساس بالأمن المائي المصري وخصوصاً أن مصر تحصل علي 86% من هضبة البحيرات الإستوائية – أي تمثل المصدر الرئيس لمياة نهر النيل – ومدي مايمثله سد النهضة من أهمية كبيرة للإقتصاد الإثيوبي والشماريع التنموية المستقبلية. و ضروروة احترام كلا الطرفين للآخر.
سد النهضة قد لايري النور و العثور علي جثة مدير مشروع سد النهضة مقتولاً :
وأوضح أبي أحمد خلال أول مؤتمر صحفي له منذ توليه السلطة في أبريل/نيسان الماضي أن “هناك مشكلات تتعلق بالتصميم حيث لم نتمكن حتى الآن من تثبيت توربين ، استكمال المشروع وفق الجدول الزمني”.
وأضاف أن شركة المعادن والهندسة “ميتيك”، وهي شركة تابعة للجيش الإثيوبي، تتسبب في تأخير بناء مشروع سد النهضة، والذي تبلغ تكلفته خمسة مليارات دولار، فلقد سلمنا مشروعا مائيا معقدا إلى أناس (شركة المعادن والهندسة) لم يروا أي سد في حياتهم، وإذا واصلنا السير بهذا المعدل، فإن المشروع لن يرى النور”.
وأشار إلى أن شركة “ساليني” الإيطالية تطلب مستحقاتها المالية، بسبب تأخر شركة “ميتيك” في الانتهاء من المشروع في الوقت المحدد.
وقال أبي أحمد إنه سيسند الأعمال في المشروع إلى مقاول آخر، على أمل الإسراع في التنفيذ. وفي نفس السياق قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن مدير مشروع سد النهضة المهندس؟ “سيميغنيو بيكيلي” كان يخدم وطنه وضحى بروحهه لأجل الوطن وأن إجراءات التحقيق حول القاتل تجري على قدم وساق. (6(
3-تحسين العلاقات مع الخليج :
تحاول كل من السعودية والإمارات إثبات وجودهما وحضورهما في إثيوبيا عبر استثمارات مالية ضخمة؛ لذا يحاول آبي أحمد ترميم العلاقات مع دول الخليج بصفة عامة وعلى نحو خاص الرياض وأبوظبي، بغية جذب استثمارات سعودية/إماراتية ضخمة؛ فقد زار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أديس أبابا في يونيو/حزيران 2018، ووقَّع مع الحاكم الإثيوبي الجديد مذكرات تفاهم عدة، تهدف إلى تعزيز الشراكات الثنائية والتعاون بين البلدين، ودعم اقتصاد إثيوبيا بـ11 مليار درهم، أي ما يعادل 3 مليارات دولار.(7(
ثانياً :الدور الأثيوبي في السودان
قادت المظاهرات الشعبية التي اندلعت منذ ديسمبر الماضي، إلى نهاية حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي أعلن وزير دفاعه عوض بن عوف، عزله واعتقاله في مكان آمن. ومنذ 19 ديسمبر الماضي خرج السودانيون في مظاهرات ضد الحكومة التي رفعت أسعار الخبزإلي حد أن وصل رغيف الخبز إلي ثلاثة أضعاف ثمنه، في ظل بلد يعاني أفراده من ضائقة اقتصادية ويتسم الاقتصاد بالضعف ، لكن سرعان ما تحولت التظاهرات إلى احتجاجات تطالب بإزاحة البشير، وهو الأمر الذي تحقق على يد وزير دفاعه بن عوف.
“وكانت هذه الأشهر من الاحتجاجات أصعب اختبار واجهه البشير الذي حكم السودان منذ 30 عاما، ليقضي بذلك أطول فترة حكم في تاريخ السودان الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، ويشتكي معظمهم من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية” . (8(
كما أعلن وزير الدفاع السوداني” عوض بن عوف” حل الدستور وفرض حالة طوارئ وأن الجيش سيشرف علي فترة انتقالية لمدة سنتين تليها حدوث انتخابات.
تلي ذلك فترة من الاضطرابات ودعوة قوي الحرية والتغيير للدخول في اعتصام أمام (مقر القيادة العامة للجيش) في الخرطوم للضغط علي المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين؛ لأن قوي الحرية والتغيير لديها تخوف كبير من أن يكون هناك نية مبيتة من المجلس العسكري للسيطرة علي السلطة وإقصاء الأطراف الأخري.
كما علق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان لحين تسليم السلطة إلي جهة مدنية. و دعت إثيوبيا إلي ضرورة موصلة المفاوضات بين الطرفين للتوصل لحل للأزمة، وأمام جهود الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا ودعوة القوي الإقليمة كمصر وغيرها وافق الطرفان علي وساطة إثيوبيا ودخول الطرفان في مفاوضات لوضع حل للأزمة.
الوساطة الإثيوبية :
تُعد زيارة الرئيس الإثيوبي آبي أحمد إلى السودان في 7 يونيو 2019، أحد أهم الجهود الإقليمية للوساطة التي برزت في القارة الإفريقية في الفترة الأخيرة؛ حيث عملت أديس أبابا على القيام بدور فاعل في الأزمة للعديد من الاعتبارات أهمها التقارب الجغرافي بين البلدين، والخوف من تأثير الأحداث في السودان على الداخل الإثيوبي، بالإضافة إلى الرغبة الإثيوبية في ممارسة دور هام في الأزمة ومزاحمة العديد من الدول العربية والإقليمية والإفريقية والدولية في تنفيذ أهدافها خاصة تلك المتعلقة بحماية مصالحها الداخلية والإقليمية، ومنذ توليه السلطة في إثيوبيا في إبريل 2018، بدأ أبي أحمد إصلاحات سياسية واقتصادية واكتسب تقديرًا واسعًا بسبب مهاراته الدبلوماسية التي أتاحت تحقيق السلام مع إريتريا، خصم بلاده القديم، مما يمنحه هامش كبير لممارسة دور مهم في المصالحة السودانية الداخلي. (9(
وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السودان في سياق الدبلوماسية المكوكية النشطة التي تنتهجها أديس أبابا منذ وصوله لسدة الحكم، ورؤيته للدور الإقليمي الذي يمكن أن تلعبه إثيوبيا في العديد من الملفات المثارة على الساحة الإفريقية، ولم تكن السودان المحطة الأولى لمثل هذه السياسات، إلا أنها تأتي بعد سلسلة من السياسات المماثلة التي يتبعها أبي أحمد في مسارات حركته الإقليمية والدولية كما هو في حالة التوتر بين الصومال وكينيا مؤخرًا؛ حيث يري أن أي تدهور في داخل البلدان الإفريقية أو بين البلدان في علاقاتهما الثنائية سينعكس حتمًا علي بقية بلدان المنطقة، ومن بينها إثيوبيا.
بالإضافة لذلك تمثل السياسة الإثيوبية في مجملها تتويجًا لمسارات الدبلوماسية الوقائية تجاه الأزمات المندلعة في المنطقة، وذلك لتفادي خطر التأثير على الأوضاع الداخلية والإقليمية المحيطة بها، وذلك في ظل التخوف الحاكم للسياسة الإثيوبية من أن أي تفاقم للصراع السياسي في السودان واحتمالات انزلاق البلاد إلي عنف واسع النطاق سيشكل ذلك تهديدًا للأمن القومي لها، خاصة في ضوء الهشاشة الأمنية في بعض الاقاليم الإثيوبية المتاخمة للسودان.
كما أن أبي أحمد يهدف من زيارته تلك تسجيل موقف إثيوبي قوي تجاه الأحداث الداخلية في السودان عن طريق تصدير نفسه كراعي لجهود المصالحة الداخلية في الأزمات التي تمر بها القارة الإفريقية وخاصة تلك التي تقع في الدول المجاورة له، بالإضافة إلى مزاحمة الأطراف الإقليمية والدولية في عملية التسوية السياسية، لاعتبارات الأمن القومي الإثيوبي وكذلك لاعتبارات الأمن الإقليمي بمفهومة الشامل . ) 10(
اتفاق سياسي ينهي الخلاف ويضع الأسس لحكم الفترة القادمة 17 يونيو 2019 :
أعلن الطرفان في مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة السودانية الخرطوم، الأربعاء، الاتفاق على كافة تفاصيل الوثيقة السياسية الخاصة بهياكل الحكم، فيما تم إرجاء الإعلان على الوثيقة الدستورية، والتي تنظم مواد الدستور في المرحلة الانتقالية، إلى ما بعد اجتماعات يوم الجمعة المقبل.
يأتي هذا التوقيع في أعقاب انتهاء الاجتماع بين الطرفين، والذي استمر حتى وقت متأخر من مساء الثلاثاء، بحضور الوسيط الإثيوبي والاتحاد الأفريقي.
ومثل المجلس العسكري في التوقيع، نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، والذي رأس المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير. (11(
ثالثاً : ديناميات مستقبل التوازن في القرن الإفريقي
إن دبلوماسية النظام الإثيوبي الجديد ستخلط أوراق التوازن في منطقة القرن الإفريقي، التي تستقطب نفوذًا متزايدًا من قوى عظمى عالمية، فالوجود الصيني وحضوره الاقتصادي القوي في القارة الإفريقية، إلى جانب وجود أميركي وغربي في المشرق الإفريقي سيضع أديس أبابا على صفيح معارك استقطاب سياسية دولية ساخنة.
إن التنافس بين المصالح الصينية وتلك الأميركية سيأخذ أشكالًا مختلفة في الأشهر والسنوات المقبلة، وهو ما عكَسَه تحذير وزير خارجية واشنطن السابق، ريكس تيلرسون، إثيوبيا، وإفريقيا بشكل عام، من خطورة التعامل مع الصين، رغم أن هذا التحذير اضمحل مع إقالة تيلرسون لحظة إنهاء جولته، وعقَّد الرئيس، دونالد ترامب، معركة أميركا للحفاظ على نفوذها في إفريقيا بتعليقات هجومية وبتخفيض المعونات الاقتصادية بنسبة 35 في المئة. (12(
كما أن جولة آبي أحمد إلى كل من الإمارات والسعودية ومصر، حملت أبعادًا أخرى، ربما ستضطر إثيوبيا إلى إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة، فإثيوبيا التي كانت قريبة من المحور التركي/القطري/السوداني، ربما ستنحاز إلى المحور السعودي/الإماراتي، ما سيمهد المنطقة أمام تحالفات واستقطابات جديدة، بين دول القرن الإفريقي ودول الخليج وتركيا.
سودانيًّا، فمعلوم أن إثيوبيا منذ نزاعاتها العسكرية المتكررة مع إريتريا حاولت أن تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الخرطوم وتطويرها، لأسباب أمنية وتنموية، وكذلك الاستفادة من موانئ السودان البحرية، فضلًا عن دعم السودان لإثيوبيا في مشروع سد النهضة. لذا؛ فإن إثيوبيا من خلال وساطتها في الأزمة السودانية، تأكد حضورها القوي ومزاحمة قوي دولية وإقليمية، بل وتذهب إلي ماهو أبعد محاولة لكسب السودان إلي جانب السياسة الإثيوبية والمحافظة علي المصالح السياسية والاقتصادية القائمة والمستقبلية.
*المراجع :
1) آبي أحمد يدعو إلى انتقال “ديمقراطي سريع” في السودان، على الرابط: http://cutt.us/MiZW2
2-مناف قومان، كيف تمكنت إثيوبيا الفقيرة من تحقيق نمو اقتصادي عالٍ؟، مقالة منشورة علي موقع نون بوست، بتاريخ 7 مارس 2017، تاريخ للدخول إلي الموقع 13 يونيو 2019، علي الرابط التالي : https://www.noonpost.com/content/16952
3- مناف فوقان، المرجع السابق.
4- كريم أسعد، هل تشهد إثيوبيا ميلاد قائد أفريقي طال انتظاره؟ ، مقالة منشورة علي موقع إضاءات بتاريخ 10 أغسطس 2018، تاريخ الدخول إلي الموقع 16 يوليو 2019، علي الرابط التالي :
https://www.ida2at.com/abi-ahmed-are-we-witnessing-birth-a-long-awaited-african-leader/
5- خالد محمود، رئيس وزراء إثيوبيا يقوم بزيارة خاطفة للصومال، جريدة الشرق الأوسط، 17 يونيه 2018.
https://m.aawsat.com/home/article/1302896/رئيس–وزراء–إثيوبيا–يقوم–بزيارة–خاطفة–للصومال
6-رئيس الوزراء الإثيوبي: مشروع سد النهضة قد “لا يرى النور قريبا”، تم الدخول إلي الرابط 19 يوليو 2019، الموضوع علي الرلبط التالي : http://www.bbc.com/arabic/middleeast-45314786
7-“محمد بن زايد يزور إثيوبيا ويدعم اقتصادها بـ3 مليارات دولار”، 16 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 16 يوليو 2019
https://aliqtisadi.com/1114861-أبوظبي–تبرم–مذكرات–تفاهم–مع–إثيوبيا/
8-عمر البشير من الإنقاذ إلي العزل، علي الرابط : https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1243174
9-مصطفى صلاح، تدابير بناء الدور.. إثيوبيا وجهود الوساطة في الأزمة السودانية، مقالة منشورة علي موقع المركز العربي للبحوث والدراسات، 10 يونيو 2019، تاريخ الدخول بالموقع 15 يونيو 2019، علي الرابط التالي :
10-مصطفى صلاح، المرجع السابق.
11-المجلس العسكري و”الحرية والتغيير” يوقعان بالأحرف الأولى الاتفاق السياسي في السودان
، علي الرابط التالي : https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2019/07/17/sudan-political-deal
12-الحسيني، هدى، “خرجت أميركا من القرن الإفريقي فدخلت الصين”، 31 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 17 يوليو 2019(