الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

هل ينذر الصراع بين أذربيجان وأرمينيا بحرب إقليمية؟

اعداد : ياسمين محمود عثمان –  باحثة فى العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي

المقدمة:

أصبح الواقع فى منطقة جنوب القوقاز شديد التعقيد بسبب إمكانية تحول الحرب بين أذربيجان وأرمينيا لحرب بين القوى الإقليمية ولاسيما فى ظل ظهور فاعل جديد فى الأزمة وهى تركيا, والتي لا تتردد فى إعلان رفضها لمطالب الدول الكبرى بضرورة وقف إطلاق النار, وتعلن دعمها الصريح لأذربيجان. وعلى الرغم من التوصل لهدنة بعد اجتماع وزير خارجية أذربيجان ونظيره الأرمني فى موسكو 9 أكتوبر الحالي, وإعلان دخول الهدنة حيز التنفيذ يوم السبت 10 أكتوبر من الساعة 12:00, إلا أنه بعدها بوقت قليل تبادلت أرمينيا وأذربيجان الاتهامات بخرقها بعد دخولها حيز التنفيذ بوقت قليل.

ومن عوامل تعقد المشهد قيام تركيا المسلمة السنية بدعم أذربيجان الشيعية, فى مقابل التزام روسيا بالحياد حتى الآن, وبعد التوقعات بميل إيران للوقوف بجانب أرمينيا, طالبت إيران الأخيرة بالانسحاب من الأراضي المحتلة فى أذربيجان. واندلعت المناوشات بين القوات الآذرية والقوات الانفصالية المدعومة من أرمينيا فى 27 سبتمبر المنصرم في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها لتتحول سريعا لحرب بين البلدين تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة, فى ظل اهتمام دولي محدود بالأزمة وانشغال الولايات المتحدة فى الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل. فى حين تتواجد تركيا عسكرياً بشكل فعال, وتتخوف إيران من استمرار المناوشات على حدودها الشمالية بما يهدد أمنها القومي.

ومن هذا المنطلق سيتم تناول الموضوع من خلال التطرق إلى المحاور التالية:

  1. أرمينيا وأذربيجان…..عقود من الصراع المجمد..
  2. تركيا وفتح جبهات جديدة للصراع مع روسيا
  3. المخاوف الإيرانية من استمرار الصراع على حدودها الشمالية
  4. سيناريوهات مستقبلية

أولا: أرمينيا وأذربيجان….عقود من الصراع المجمد:

فالصراع بين باكو(عاصمة أذربيجان) ويريفان(عاصمة أرمينيا) يعود للقرار الذى اتخذه قادة الاتحاد السوفيتي عام1932م بضم منطقة ناغورنو كاراباخ لأذربيجان ومنحها الحكم الذاتي. ناغورنو كاراباخ هي منطقة جبلية تقع فى أذربيجان ولكن على الرغم من ذلك فإن 95% من سكانها من الأرمن العرقيين). وطالب سكان المنطقة بانفصالها عن أذربيجان وضمها تحت الحكم الأرمني فى 1988م, وهو ما رفضته أذربيجان مما أدي لنشوب حرب بينهم استمرت حتى 1994م استطاعت فيها أرمينيا بدعم روسي السيطرة على ناغورنو كاراباخ وما يقرب من 20% من الأراضي الآذرية المحيطة بالمنطقة. وقد أدت الحرب بينهم إلى قتل أكثر من  30ألف شخص وخلفت قرابة مليون مشرد.[1]

وانتهت الحرب عندما نجح رؤساء مجموعة مينسك بالتوصل لاتفاقية لوقف إطلاق النار. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة مينسك تابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي أنشأت عام1992م, يتمثل هدفها الرئيسي التوسط فى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان وصولا لتحقيق السلام والاستقرار فى منطقة جنوب القوقاز، ومحاولة التقريب بين وجهات نظر باكو ويريفان من خلال عقد القمم واللقاءات الفردية. وتتكون رئاستها من 3 دول وهى؛ روسيا, والولايات المتحدة وفرنسا. وأعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي عام1991م أعلنت منطقة ناغورنو كاراباخ استقلالها ولكن حتى الآن لا تعترف بها أي دولة فى النظام الدولي بما فيها أرمينيا ولكنها تستمر فى تقديم الدعم لها. [2]

منذ 1994م وحتى الآن كثيرا ما تتجدد الاشتباكات بين باكو ويريفان على خط التماس. ويتم وصف الصراع بانه مجمد بمعنى أن الدول المتصارعة عندما تتوصل إلى اتفاقية لوقف الصراع المسلح دون التوصل إلى حل يرضى جميع الأطراف, كمعاهدة للسلام الدائم, وتظل القضية محل الخلاف قائمة يكون هناك تهديد مستمر بإمكانية تصاعد الصراع العسكري بينهم فى أي وقت.

لعل أهم الاشتباكات التي وقعت منذ التوصل لاتفاقية وقف إطلاق النار عام 1994م, تلك التي درات فى إبريل 2016م وسبتمبر2020م. ففى 2016 استمرت المناوشات العسكرية أربع أيام تمكنت فيها أذربيجان من السيطرة على مناطق استراتيجية حيوية كانت محتلة من قبل أرمينيا. وانتهت الاشتباكات بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وبلغ عدد القتلى قرابة 200 شخص.

وتعد الأحداث الأخيرة بينهم والتي اندلعت فى 27 سبتمبر هي الأخطر على الإطلاق, والتي تعود بدايتها للاشتباكات وتبادل إطلاق النار الذى حدث بينهم فى يوليو الماضي. وكالمعتاد, تبادلت باكو ويريفان الاتهامات بشأن الضربة الأولى. وترجح بعض المصادر أن السبب فى اندلاع النزاع هو محاولة باكو لاستعادة الأراضي المحتلة مرة أخرى. وقامت كل من أذربيجان وأرمينيا بالتعبئة العسكرية وبإعلان الأحكام العرفية ونشر المدرعات الثقيلة على طول خط التماس فضلا عن القصف المدفعي والصاروخي. فالاشتباكات العسكرية على المناطق المتنازع عليها أقرب لحرب بين البلدين حيث لا يتردد طرفي الصراع من توسيع نطاق استخدام الأسلحة الثقيلة مثل: الصواريخ, والمدرعات والطائرات بدون طيار فضلا عن استهداف المدنيين. وفى هذا الإطار نجحت أرمينيا فى قصف جنجا والتي تعد ثاني أكبر المدن الآذرية, فى حين تعرضت عاصمة ناغورنو كاراباخ “ستيبانكيرت” للقصف من قبل القوات الآذرية.[3] وحتى 9 أكتوبر تجاوز عدد الضحايا 400 قتيل ونزح أكثر من 70 ألف شخص من منطقة ناغورنو كاراباخ هربا من الحرب.[4]

ووافقت باكو ويريفان على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض يوم الجمعة9 أكتوبر, واستطاعت التوصل لهدنة إنسانية فى منطقة ناغورنو كاراباخ لتبادل القتلى وأسرى الحرب, بعدما اجتمع وزير الخارجية الأرمني مع نظيره الآذري فى موسكو لمدة 11 ساعة للتفاوض. إلا أن الطرفين أعقاب وقت قليل من التوصل للهدنة ودخولها حي التنفيذ تبادلوا الاتهامات باختراقها, الأمر الذى يهدد باستمرار الاشتباكات بينهم فى الأيام القادمة.[5]

والجدير بالذكر أن العوامل الرئيسية التي ساهمت فى تأجيج الصراعات الماضية كانت بالأساس عوامل محلية ولكن الملاحظ فى الصراع الحالي هو دور تركيا وظهورها كلاعب جديد . إذ تتمسك كل منهم  بموقفها فى الصراع وبأحقيتها لمنطقة ناغورنو كارباخ, وتستخدمان خطابا عدائيا تجاه بعضهم البعض. فضلا عن اقتناع شعب أذربيجان أن أرمينا احتلت جزء من أراضيها وستسعى جاهدة لاستعادتها مرة أخرى.[6]

من ثم نجد أن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا تعتبر دليل حي على نتاج القرارات التي اتخذتها القوي الاستعمارية فى الماضي والتي مازالت تلقي بظلالها وتؤثر على مستقبل الشعوب.

ثانيا: تركيا وفتح جبهات جديدة للصراع مع روسيا:

يتوقع بعض الخبراء امتداد آثار الصراع إلى القوي الإقليمية فى المنطقة والتي تضم كل من؛ روسيا, إيران وتركيا. وأن هناك إمكانية لانزلاق هذه الدول للحرب ولاسيما بعد انضمام تركيا كلاعب جديد على مسرح الصراع, وانخراطها المتزايد, وتقديمها الدعم العسكري لأذربيجان, وربما رغبتها فى تطويل أمد الحرب قبل تمكنها من حزمها لصالح اذربيجان, لتحقيق مجموعة من المكاسب الإقليمية. لأن فى حالة انتصار أذربيجان بدعم عسكري تركى ونجاحها فى ضم أراضيها المحتلة ستتعزز مكانة تركيا الإقليمية على حساب الدور الروسي والإيراني ومن المؤكد أنها ستحصل على امتيازات عديدة فى أذربيجان.

بينما أعلنت العديد من الدول رغبتها فى حل الصراع بالطرق السلمية, واتخاذ التدابير التي تمنع من التصعيد والوصول لوقف إطلاق النار, ترفض تركيا فرضيات حل الصراع بالطرق السلمية. فهي لم تكتفى بدعم أذربيجان فقط عسكريا وسياسيا بل وترفض أيضا أي جهود دولية لوقف القتال, وتقدم دعم غير مشروط لباكو مما يحض أذربيجان على مزيد من التصعيد والإصرار على عدم وقف القتال. حيث رفضت تركيا التصريح المشترك الذي صدر عن فرنسا وروسيا والولايات المتحدة للمطالبة بضرورة التفاوض بدون شروط مسبقة بوقف إطلاق النار, وبأن أذربيجان ينبغي عليها الحرب لاستعادة أراضيها باعتبار أن أرمينيا دولة مثيرة لعدم الاستقرار فى المنطقة. وأن الحالة الوحيدة التي يرى انه من الممكن ان يتوقف إطلاق النار هي استعادة أذربيجان لأراضيها. وهو ما استمرت فى التصريح به على الرغم من التوصل للهدنة.

اعتمدت تركيا خطاب عدائي تجاه أرمينيا حيث صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فى يوليو الماضي: “أن أرمينيا ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان”.[7] فى حين اتهمت يرفين أنقرة بإسقاط طائرة أرمينية طراز (أس يو-25) فى 29 سبتمبر بواسطة طائرة تركية طراز (إف-16).

ولم تتوقف تركيا عن تقديم الدعم السياسي لأذربيجان بعد التوصل للهدنة مع أرمينيا, حيث صرحت أنقرة أن الهدنة بمثابة إنذار أخير لأرمينيا للانسحاب من الأراضي المحتلة.[8]

واتهمت فرنسا وأرمينيا وغيرها من الدول تركيا بإرسالها المرتزقة السوريين للقتال إلى جانب القوات الآذرية وهو الأمر الذى نفته تركيا وأذربيجان. ولكن يستدل على صحة الاتهامات من العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي توضح وجود المرتزقة السوريين على الخطوط الأمامية للقتال, والذين قتل منهم أكثر من 60 شخص.[9]

وفيما يتعلق بدوافع دعم تركيا الصريح لأذربيجان؛ أولا: الشعور بالتقارب لانتمائهم إلى القومية التركية, وفى هذا الإطار ترفع تركيا فى علاقتها بأذربيجان شعار: “شعب واحد فى دولتين”, وتستخدم مصطلحات مثل أشقاء والأخوة لوصف العلاقات التعاونية بينهم. وقد شاركت أنقرة وباكو فى تدريب مشترك أعقاب الاشتباكات التي درات بين باكو ويريفان فى يوليو الماضي, وهو الأمر الذى جعل بعض الخبراء يفسروا الصراع الأخير بأنه تم التخطيط له مسبقا وبوجود تنسيق تركي أذربيجاني. ثانيا: العداء التاريخي بين تركيا وأرمينيا, ومرجعه المذابح التي يزعم الأرمن أن الدولة العثمانية ارتكبتها بحقهم فى إطار الحرب العالمية الأولي والتي أودت بحياة ما يقرب من مليون ونصف شخص, فى حين ترفض تركيا هذه الاتهامات. ثالثا: انشغال الولايات المتحدة عن الصراع بالانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل, فضلا عن دور محدود للاتحاد الأوروبي, وحياد روسيا مما أخلى الساحة لتركيا للظهور كفاعل إقليمي فعال. رابعا: بعض الخبراء أشاروا أن هدف تركيا هو تشتيت روسيا عن مناطق النزاع الأخرى والتي تتعارض مصالحهم فيها مثل سوريا وليبيا. بمعنى أن تستغل أنقرة الحرب فى المنطقة لتساوم روسيا على انسحابها من الصراع فى جنوب القوقاز مقابل تنازلات روسية فى المناطق التي تتعارض فيها مصالهم.[10]

وهنا أعتقد أن تركيا تسعى لتحقيق مكاسب على كافة الأصعدة والمناطق فى آن واحد مستغلة انشغال النظام العالمي بجائحة كورونا وغياب الدور الفعال للولايات المتحدة والموقف الروسي المحايد حتى الوقت الحالي. فمن الواضح أن تركيا ترغب فى الاستفادة من الصراع المتأجج لكي تستطيع بسط نفوذها فى منطقة القوقاز واستعراض قوتها فى الحروب.

علاقة تركيا بحلف الناتو فى ظل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا:

يأتي الصراع الحالي بين باكو ويريفان ليمثل عامل إضافي لتوتر علاقة تركيا بحلفائها فى حلف الناتو, فتركيا تتصارع  بالفعل مع فرنسا واليونان فى شرق المتوسط, وتشارك فى العمليات العسكرية فى ليبيا وسوريا فضلا عن شراؤها أنظمة دفاع جوية روسية الأمر الذى أغضب الولايات المتحدة. وفى هذا الإطار دعا الأمين العام لحلف الناتو جينس ستولتنبرغ  تركيا لدعم جهود وقف إطلاق النار والتوقف عن سياستها الخارجية العدائية. وتبرر تركيا موقفها أنه لطالما توصل أطراف النزاع إلى وقف إطلاق النار ولكنها لم تؤدي إلى حل جذور النزاع. ووفقا لما جاء فى مجلة فورين بوليسي فمن المتوقع, فى حالة فوز جون بايدن بالانتخابات الرئاسية, أن ينتهج سياسة أكثر حدة تجاه تركيا. وقد يدفع سلوك تركيا المنتهج فى القوقاز أعضاء الناتو للتحالف مع روسيا لتحقيق التوازن فى المنطقة فى حال تخلت روسيا عن حيادها وأعلنت دعمها لأرمينيا. والجدير بالذكر أن القرارات فى الناتو تتطلب الإجماع, والذي يعنى أن تدهور العلاقات بين أعضائها قد يعوقهم من اتخاذ قرارات مستقبلية بشأن العديد من القضايا العالقة الأخرى.[11]

واتخذت كندا رد فعل سريع على قيام تركيا بإرسال المرتزقة السوريين, حيث أوقفت مبيعات بعض السلاح لأنقرة, وهو الأمر الذى استنكرته الأخيرة وأعلنت أنه فى الوقت الذى تبيع فيه كندا السلاح للدول المشتركة فى صراعات أخرى مثل ذلك الدائر فى اليمن تمنعها عن تركيا, وهو ما يمثل وفقا لأنقرة” ازدواجية فى المعايير”[12].

يمكن وصف تركيا بأنها دولة باحثة عن المتاعب, لا تتواني عن الانخراط فى أي نزاعات إقليمية أو خارجها كما هو الحال فى انخراطها فى الصراعات القائمة فى الشرق الأوسط فى ليبيا وسوريا وصراعها فى شرق المتوسط وسعيها لتزايد دورها فى أفريقيا. فالأطماع التركية وطموحها بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف هو المحدد الأهم للسياسة الخارجية التركية فى عهد رجب طيب أردوغان, ومن ثم غلب عليها الطابع البراغماتي. بمعنى أنها تسعي لتحقيق أهدافها ومصالحها بغض النظر عن أي اعتبار أخر ولو كان على حساب مصالح الشعوب الأخرى. كما أن سعيها لتأجيج الصراع بشكل صريح ومباشر يطرح الأسئلة حول طبيعة الخطط التي تقوم بها على المستوي الغير المعلن.

وبذلك تتجه تركيا لفتح جبهة جديدة للصراع مع روسيا فى منطقة جنوب القوقاز. فروسيا وتركيا يؤيدوا أطراف متصارعة مع بعضها كما هو الحال فى ليبيا وسوريا لتباين مصالحهم وأهدافهم. ومن ثم تشكل الحرب بين أرمينيا وأذربيجان عاملا إضافيا فى توتر العلاقات بينهم.

فيما يتعلق بروسيا, لطالما اتسم دور روسيا بالحياد والواسطة بين طرفي الصراع لعدم التصعيد والوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار للحفاظ على الاستقرار فى منطقة جنوب القوقاز. بمعنى أخر تعتبر روسيا الوسيط التقليدي بين باكو ويريفان. وتحتفظ روسيا بعلاقات جيدة مع طرفي الصراع الأمر الذى يجعلها تتردد فى إعلان دعمهما لأرمينيا على الرغم من تمتعهم بعلاقات عسكرية قوية؛ حيث تمتلك روسيا قاعدة عسكرية فيها, عضوية البلدين فى منظمة معاهدة الأمن الجماعي ووجود معاهدة دفاع رسمية بينهم.

تركزت أغلب جهود روسيا حتى الوقت الحالي على التصريحات التي تتمحور حول ضرورة التوصل لاتفاقية لوقف إطلاق النار, ودعوة قادة الدولتين للتحاور. ونجحت بالعفل فى التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار, ولكن يبدو أنها هشة حيث اخترقها طرفي النزاع  واستأنفوا الاشتباكات مرة أخرى.

ثالثا: المخاوف الإيرانية من استمرار الصراع على حدودها الشمالية:

تمتلك إيران حدود مشتركة مع أذربيجان وأرمينيا ولذلك تخشى من عدم الاستقرار على الحدود الشمالية واحتمال نشوب حرب شاملة تهدد الأمن القومي الإيراني. ولا تريد أن تجبرها الأوضاع على التدخل العسكري المباشر. وتضم إيران ما يقرب من 20مليون أذري يتركزون فى الشمال, والتي تخشى أنه فى حالة انتصار أذربيجان من المحتمل أن تلهب المشاعر القومية لهم, مما يدفعهم للمطالبة بالاستقلال.

بالتالي من مصلحة إيران الحفاظ على الاستقرار بين البلدين, وبالأخص على علاقاتها التعاونية مع أرمينيا باعتبارها دولة ذات أهمية استراتيجية لها فى المنطقة. إذ تعد أرمينيا عامل مهم فى إعاقة الولايات المتحدة وإسرائيل من إحاطتها فى منطقة جنوب القوقاز. وإيران على الرغم من موقفها المحايد فى الصراع إلا إنه كان من المتوقع أنها تميل لدعم أرمينيا لما تتمتع به الدولتين من علاقات تعاونية, فضلا عن المصالح الاقتصادية المشتركة. وعلى الرغم  أن إيران وأذربيجان تشتركان فى كونهم دول مسلمة شيعية (بغض النظر عن اختلاف طبيعة الدولة الشيعية فى كل منهم) إلا أن علاقتهم اتسمت بالقرب من المواجهة بسبب عوامل كثير منها على سبيل المثال علاقات أذربيجان القوية مع إسرائيل وتوجهها العلماني وإمكانية تعاونها مع الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل ضدها فى المنطقة.[13]

واتسمت جهود إيران بمحاولة الواسطة بين طرفي الصراع. فعلى سبيل المثال أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في بيان ألقاه يوم 5 أكتوبر الجاري ” على انه يجب احترام وحدة أراضي أذربيجان، ودعا إلى إنهاء احتلال إقليم قره باغ، مشيرا إلى أرمينيا, وأن إيران لديها خطة مفصلة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان وهي مستعدة لمناقشتها مع طرفي النزاع”.[14] وحتى الآن لا يوجد تطور حول هذه الخطة.

إلا أنه من الملاحظ تحول موقف إيران من الحياد, وتوقعات الخبراء بأنها ستنحاز إلى أرمينيا إذا تطلب الأمر, إلى مطالبتها بالانسحاب من أراضي أذربيجان. وهو الأمر الذى ظهر جليا فى تصريح مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي, “علي أكبر ولايتي” :إنه يتوجب على أرمينيا الخروج من الأراضي المحتلة لجمهورية أذربيجان». وأكدت طهران أنها ترفض امتداد آثار الصراع إلى أراضيها, أو سقوط قذائف داخلها وتعرضها لخطر وجود المرتزقة السوريين على حدودها [15].

رابعا: سيناريوهات مستقبلية:

أشار بعض الخبراء إلى أن إمكانية حل الصراع  عن طريق واسطة دولية تساهم فى التوصل لوقف إطلاق النار كشأن الاشتباكات السبقة هو سيناريو غير راجح فى ظل اتساع مدى الصراع بينهم والاحتجاجات التي شهدتها باكو للضغط على النظام الحاكم لاستمرار الحرب واسترداد الأراضي المحتلة فضلا عن التوصل لهدنة واختراقها فى أقل من 24 ساعة من دخولها حيز التنفيذ. إضافة إلى دخول فاعل جديد فى الصراع  وهى تركيا. ومن ثم فى حالة استمرار الصراع لمدة طويلة مصاحبا بمزيد من الانخراط التركي, من المتوقع أن تتدخل روسيا فى الصراع لمواجهة الدور التركي المتزايد المهدد لنفوذها التقليدي فى المنطقة.

وبصفة عامة من الممكن توقع ثلاث سيناريوهات وهي:

1.نجاح جهود الواسطة الدولية بوقف الصراع بن أذربيجان وأرمينيا. وهو ما لا نرجحه بالنظر إلى اختراق الهدنة, واصرار تركيا  على الاستمرار لتقديم الدعم لأذربيجان. فالمؤشرات الحالية لا تنبئ باحتمال وجود حل قريب للأزمة. فمن الواضح أن كلا الدولتين وبالأخص أذربيجان عقدت الهدنة وفى نيتها خرقها لشعورها بوجود دولة إقليمية تساندها وتقدم لها الدعم, وهو ما يمثل فرصة لها الاستمرار فى الصراع والتصعيد لحين استرداد الأراضي المحتلة.

  1. تدويل الصراع واندلاع حرب شاملة, واستدراج روسيا فى حرب إلى جانب أرمينيا ضد تركيا وأذربيجان. وفيما يتعلق بموقف إيران فبعد التوقعات بدعم أرمينيا إلا أنها طالبتها بإعادة الأراضي المحتلة لأذربيجان, وتتهم تركيا بالعمل على تأجيج الصراع. ويعتمد هذا السيناريو على عدد من العوامل مثل: تخلى روسيا عن الحياد وإعلان دعمها المباشر لأرمينيا وتدخلها لحمايتها فى حالة امتداد آثار الصراع داخلها بموجب معاهدة الدفاع, استمرار التعنت التركي وإصرارها على دعم أذربيجان. والجدير بالذكر أن إلى جانب من ستنحاز إيران يتسم بقدر من الغموض بعد التصريحات الأخيرة وعدم دعمها لأرمينيا كما كان متوقع.

3.استمرار الصراع بنفس الوتيرة, بمعنى استمرار المناوشات بين أذربيجان وأرمينيا مع دعم تركي وحياد روسي لعدم رغبتها فى الانخراط فى صراع جديد.

الخاتمة:.

هناك توقعات باستمرار النزاع لفترة طويلة على الرغم من التوصل لهدنة بسبب اتهام الطرفين باختراقها. ويبدو أن أذربيجان تشعر أنها فى موقف قوة بسبب الدعم التركي لها والذي استمر بعد التوصل للهدنة, وإعلان الأخيرة بأنه لا بد من رجوع الحق لصاحبه فى نهاية المطاف وأنها ستستمر فى دعم أذربيجان.

من المحتمل أن تنزلق قوي إقليمية فى الصراع ليتسع مداه وأثره فى ظل عدم قدرة جهود الوساطة لحل النزاع بسبب تمسك كل دولة بموقفها فضلا عن الضغوط المحلية بعدم الاستسلام. قد تجد روسيا نفسها انزلقت فى صراع لم تكن ترغب فى التواجد به وذلك فى حالة استمرار الصراع والتصعيد والدور التركي المتزايد. فروسيا تحاول الحياد ولكن يوجد معاهدة دفاع بين روسيا وأرمينيا, ومن ثم من المتوقع فى حالة وصول القتال للأراضي الأرمينية أن تتدخل روسيا لحمايتها بموجب المعاهدة.

كما أن وقف القتال والالتزام باتفاقيات وقف النار لن تستطيع الدولتان بمفردهما تحقيقه بل هما لا ترغبان فى ذلك من الأساس, ومن ثم فإن إيجاد حلول للصراع لن تنجح إلا بواسطة دولية وجهود دبلوماسية فعالة وحقيقية, تلتزم أذربيجان وأرمينيا بمخرجاتها. وبالطبع لن تسهم تركيا فى ذلك ومن ثم لابد من تدخل دولي فعال.

لم تتمكن جهود مجموعة مينسك من إنهاء الصراع بينهم. فعلى سبيل المثال, ساهم أعضاء مجموعة منسيك فى عقد لقاء بين رئيس أذربيجان وأرمينيا  للتفاوض حول تسوية الصراع بطرق سلمية الا انها لم تؤتى ثمارها.

فأغلب الجهود الدولية غير حقيقية وغير فعالة بمعنى أنها تقتصر على عبارات تناشد الدولتين بوفق القتال والعودة لوقف إطلاق النار. فعلى سبيل المثال:” صرح حلف الناتو بأنه :” يجب على الطرفين وقف الأعمال العدائية  على الفور لأنه لا يوجد حل عسكري للصراع”. وبالنظر للتصريح نجده لم يقدم حلول للخروج من الأزمة.[16]

كما أن عدم الاستقرار فى منطقة جنوب القوقاز قد يكون له تداعيات عالمية تهدد امدادات النفط للأسواق العالمية, فأذربيجان تنتج ما يقرب من 800 ألف برميل من النفط يوميا, ومصدر مهم ورئيس للنفط فى أوروبا وآسيا الوسطى.[17]

[1] داليا يسري, القصة الكاملة للنزاع الأرميني الأذربيجاني, المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية, 19\7\2020

[2]داليا يسري, المرجع السابق.

[3] Half of Nagorno- Karabakh population displaced by Armenia and Azerbaijan clashes, The Guardian, 8\10\2020. Available on: https://www.theguardian.com/world/2020/oct/08/half-of-nagorno-karabakh-population-displaced-by-armenia-and-azerbaijan-clashes

Accessed:9\10\2020.

[4] Nagorno-Karabakh: Reports of fresh shelling dent ceasefire hopes, BBC NEWS, 10\10\2020. Available on:

https://www.bbc.com/news/world-europe-54488386?fbclid=IwAR20i7IKaruBfkp0Sif01zl7GzgVsz5RSAaCOnSSRuV6x3fNlGZtVVOPgY0 .Accessesd:10\10\2020.

[5]  أرمينيا وأذربيجان تتبادلان الاتهامات بخرق هدنة قره باغ بعد دقائق من بدء سريانها, RT, 10\10\2020. متاح على: https://arabic.rt.com/world/1162113-%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7س

دخول: 10\10\2020.

[6] James Stavridis, War in the Caucasus will spread to Russia and Turkey, The Japan Times,4\10\2020

 [7] لماذا ألقت تركيا بثقلها في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟, BBC NEWS, 9\10\2020. متاح على: https://www.bbc.com/arabic/interactivity-54477709 ..دخول: 10\10\2020.

[8] Nagorno-Karabakh: Reports of fresh shelling dent ceasefire hopes, BBC NEWS, Op.Cit.

[9] The Azerbaijan- Armenia conflict hints the future of war, The Economist, october2020. Available on: Accessed: 9\10\2020.

[10] David Gauthier-Villars, Ann M. Simmons, Turkey’s Foray Into Armenia-Azerbaijan Conflict Tests Russia’s Influence, THE WALL STREET JOURNAL, 2\10\2020.

[11]  ROBBIE GRAMER, JACK DETSCh, Turkey’s Caucasus Adventure Risks Another Crisis in NATO, Foreign Policy, 6\10\2020. https://foreignpolicy.com/2020/10/06/turkeys-caucasus-nagorno-karabakh-conflict-risks-nato-crisis-armenia-azerbaijan/?fbclid=IwAR2ZdmOtgQ6uRPFulPvOTGsO3y1MJKuU3vwiaQxmyz9EG0aVIogS7iTkMGc

[12]    ROBBIE GRAMER, JACK DETSCh, Turkey’s Caucasus Adventure Risks Another Crisis in NATO, Foreign Policy,6/10/2020.

[13]حمد جاسم محمد, موقف إيران من الصراع الأذربيجاني الارمني حول إقليم “ناغورني قره باغ”, مركز الفرات, 23\4\2016. متاح على:   http://fcdrs.com/polotics/428 ,تاريخ الدخول: 7\10\2020.

[14] Peter Stubley, NAGORNO-KARABAKH: ARMENIA AND AZERBAIJAN CLASHES RESUME AS IRAN PROMISES PEACE PLAN, Independent. Available on: https://www.independent.co.uk/travel/europe/nagorno-karabakh-armenia-azerbaijan-iran-peace-plan-b819259.html . Accessed :10\10\2020.

[15]  إيران تخشى حرباً إقليمية في قره باغ, جريدة الشرق الأوسط,8\10\2020. متاح على: https://aawsat.com/home/article/2552481/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D تاريخ الدخول:9\10\2020

[16]. James Stavridis, War in the Caucasus will spread to Russia and Turkey, OP.Cit.

Nagorno-Karabakh Conflict,  Council on Foreign Relations, 7\10\2020. Available on: https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/nagorno-karabakh-conflict?fbclid=IwAR2OYkZS-S9HKXNiqaTkyH_3yB48D3WPrMmCqqGzeADu6HNIPa_-837awH4 accessed: 8\10\2020.

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى