نحو تحريرالعقل العربي
بقلم:الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي
Dr Milad ELHARATHI
Clare College, University of Cambridge,UK
لماذا البديهيات التي تعلمها، أو ورثها العقل العربي، تذهب وتغيب، وتهجر العقل والخيال. الأسباب عديدة وكثيرة، ومنها أن العقل العربي لا يزال يمارس نظرية التعطيل، وبشتى أنواعها ووسائلها، وممارسته أيضا للتعليم ألنقلي عن الأخر، وفي كل العلوم، الأمر الذي أدى بعقله إلي استزراع التخلف، وتحويل ذاكرته العقلية إلي خزانة لكل وافد من العلوم والأفكار. و عندما يتساءل العقل لماذا؟ يجيبه عقله، بأنه لا يمانع في الاستفادة من التلاقح المعرفي مع الوافد.
لقد دأبت مؤسسات التفكيك المجتمعي، ومراكز التفكير الغربية علي اعتبار علوم وأفكار الحقبة الهيلينية هي أولي بذور العلوم العقلية للإنسان المعاصر، في تجاهليه تامة، وتعمد من أجل إقصاء الأخر المتحضر مبكرا، ولم تسأل لماذا جاء وهيرودوت، وعديد فلاسفة اليونان إلي حاضرة النيل مصر؟ لقد كانوا يتلصصون علي حضارة هبة النيل، مصر، وشموخ مجدها وعظمتها. ولماذا، أيضا وصلوا الي مشارف القبائل الليبية القديمة، والمحاذية لحضارة العلوم والمعارف غربا، والوصول الي أعالي نهر النيجر، مرورا بحضارة الإنسان الأسود، أنهم كانوا ينهلون من معين تلك الحضارات.
لماذا دأب العقل الغربي يعتبر أن مفكري الإغريق القدامى هم أول من زرع بذور الحكمة والتفكر والتعلم, متجاهلين حضارة النيل وإسهامات عقلها الإنساني في تحرير العقل الإنساني، في الوقت الذي لم يتحرر فيه العقل الغربي إلا بالثورات والاقتتال وسفك الدماء، وتحررهم من سجن الدولة الدينية، والتخلف. العقل العربي لم ينجح بعد، من الخروج الآمن من دائرة وحواضن صنع واستزراع التخلف، وتفوقه في أعداد مبادرات، وثورات التغيير، عبر مراحل تاريخه، و رغم نجاحات ثوراته المتكررة في الخروج من سجون العقل ألقفصي، وتحوله الي مستهلك لمنتجات عقل الغير، ونظرياته، وأدواته. المشكل، وهو بديهي، أن العقل العربي يمثل الأمة التي تتلقي كل شيء، بداء من الأكل والشراب والدواء، والعلوم، والسلاح، الذي يحارب به عقله، وكل البديهيات والمسلمات، وكذلك المساعدات والمعونات، وبالتالي فأن العقل العربي أصبح غير قابل للانبعاث، ومستمر في لعبة تناقضات الحوار مع نفسه وعقله.
من البديهي أن الإنسان المستقل( غير التابع لمذهب أو نظرية) لا يقع في هذا التناقض والازدواجية, فقد العقل العربي استقلاله الفكري والسياسي بسبب أزماته مع عقله، وفشلت ثوراته في التخلص من النظام الرأسمالي الأبوي، الذي أختزل الديمقراطية في السوق الحر، والانتخابات الحرة، والنظام الديني، الذي يدعمه القطار الوافد الي عقل الإنسان العربي. فشل العقل العربي، علي مدي أربع سنوات، في تحقيق أهدافه في الحرية، والعدالة، والكرامة، والمساواة، للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة. وبالنتيجة، لن يتحرر العقل العربي، لأنه لا يزال في عصمة خياله، وتحرر عقله سوف لن يتم إلا بتحريره من سجون خياله المبني علي الخوف والتبعية. وعليه، ليس له من مخرج إلا برفضه للتبعية، وتحول عقله من خانة المتُلقي، الي خانة تخليق العلوم والمعارف، وتجديد رفضه لأكذوبة السوق الحرة، والانتخابات الحرة، والدولة الدينية، والتنمية القائمة علي الاستنساخ التنموي، وأكذوبة المجتمع المدني، والديمقراطية والدمقرطه الوافدة.
ومن هنا ومن هناك يجدر بنا القول أن معركة تحرير العقل العربي هي معركة واجبة، و لا يمكن لها أن تكون فعلا وجوديا لصيقا بنظرة العقل العربي إلي ذاته والي ذات الأخر إلا من خلال تفكيك وإعادة تفكيك رموز وشفرات استزراع التخلف وجيناته في العقل العربي، وصولا إلي حالة التخليق التحديثي الذاتي، وابتكار مشروعه ألاستنباتي العقلي التنويري الخالي من الإعطاب والأعطال والإكراهات البنائية والمؤسساتية وفقا للتفكيك التحليلي الذي قُدم سلفا. وبذا يمكن إن يكون مشروع التحرير العقلي العربي بديلا للمشاريع النهضوية الاستهلاكية مستنبتا عقليا بديلا للاستهلاك المغاير للذات. وخلاصة القول للتنويريين العرب، وبكلمات عربية هي كيفية صنع المسافة العقلية لصنع مسافة التحرير العقلي العربي الذي يمتلك قدرات التنوير لاختزال ماضيه وحاضره للوصول إلي المستقبل المفقود واستدعائه؟