الدراسات البحثيةالمتخصصة

الاستبدادية بين النظرية والتطبيق دراسة حالة تركيا (2014-2020)

اعداد : كريم حمادة محمد صبري    –  إشراف : أ.د حورية مجاهد

  • المركز الديمقراطي العربي

 

فهرس المحتويات

الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 1-15
المشكلة البحثية والسؤال البحثي 1
فروض الدراسة 2
أهمية الدراسة 2
تحديد الدراسة 3
مراجعة الأدبيات السابقة 4
الإطار المفاهيمي 9
الإطار النظري 11
منهج الدراسة 14
تقسيم الدراسة 15
الفصل الأول: نظرية الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي 16-27
المبحث الأول: سمات السياق التاريخي لعصر عبد الرحمن الكواكبي 16
المبحث الثاني: فكر عبد الرحمن الكواكبي 22
الفصل الثاني: ملامح النظام السياسي وسمات السياق التركي 28-38
المبحث الأول: النظام السياسي التركي 28
المبحث الثاني: العلاقات المدنية العسكرية في تركيا 34
الفصل الثالث: مظاهر الاستبداد في تركيا (2014-2020) 39-48
المبحث الأول: الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وإنتهاكات حقوق الإنسان 39
المبحث الثاني: الإصلاح الداخلي في تركيا 44
الخاتمة 49-50
قائمة المراجع 51

أولاً المُقدِمة

كانت المعارضة السياسية قديماً من أهم المخاوف التي تواجه صناع السياسة. فيمكن للمعارضة أن تأتي بالعديد من القيود على القرار السياسي وهو الذي يُعيق الحُكام عن فعل ما يحلو لهم. فمثلاً نجد الميثولوجيا اليونانية – وهي مجموعة أساطير يُنشأ عليها الأطفال- تصور المُعارِض كمُتحديّ للآلهة وبذلك يتوجب إيقاع أشد العقوبات عليه، وأي محاولة لتغيير ذلك الواقع يُعتبر فاعلوها آثِمين في نظر المجتمع. ولعل أشهر الأدلة على ذلك هي محكمة سقراط وإعدامه بتهمة ازدراء الآلهة والإلحاد. إن إقامة هذا السد في وجه المعارضة هي سبب قوى لظهور قيادات تنفرد بالرأي ولا تلتزم بالقانون أو تقبل الرقابة على أفعالها، وكانوا في تلك العملية يحتمون بسلطة الدين وأن سلطة الحكم هي سلطة إلهية ممنوحة. ولكن عندما جاء مفكرو الليبرالية والعقد الاجتماعي في القرن السابع عشر، بدأوا في بيان أن سلطة الحاكم ليست إلهية ولكنها ممنوحة بعقد اجتماعي يسعى للموازنة بين الشعب والحاكم من خلال المساواة بين حرية الشعب وسلطة الحاكم. ولذلك بدأ تقييد صناعة السياسة فأصبحت مُراقَبة من الشعب (وشخص الشعب هنا مُمثَل في البرلمان) وأهم آلياته الرقابية هي الانتخابات. لكن لم يلبث الاستبداد أن عاد مرة أخرى في صورة مختلفة، ففي فكر الكواكبي ليس الاستبداد مقصوراً فقط على كون الحاكم غير مُنتخَب ولكنه يشمل إلتفات الحاكم إلى رغباته أكثر من مصالح الشعب. فيجد نفسه فوق القانون ولا ينصاع للسلطات الرقابية للشعب. لذلك وضح في مؤلفته (أم القرى) أن الاستبداد هو الدء الذي يواجه الأمة وهو مصدر شقائها، واستطرد في مؤلفته (طبائع الاستبداد) صور ذلك الاستبداد وأثاره.[1] ولذلك يُمكننا الاعتماد على الإنتاج النظري للكواكبي في دراسته للاستبداد لمعرفة مقدرتنا على تصنيف احد الحكومات كحكومة استبدادية أم لا. وتكون حالتنا التطبيقية هي دولة تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان مُنذ عام 2014  إلى 2020م. حيث شهدت تركيا في فترة الدراسة مجموعة متتالية من الأحداث المهمة مثل الإنقلاب العسكري الفاشل عام 2016م واستفتاء 2018م الذي أعطى رئيس الجمهورية مزيداً من السلطات. وقد أشارت تقارير منظمات حقوق الإنسان وعلى رأسها منظمة العفو الدولية أن تركيا عليها الكثير من الإتهامات في ما يخص حق حرية التعبير عن الرأي، فكثرت الإعتقالات خصوصاً مُنذ عام 2017. وتدفعنا هذه الممارسات التي تبدو استبدادية في مظهرها العام إلى الرجوع لدراسة الكواكبي ومؤشراته التي تدل على وجود الاستبداد (سواء المؤشرات التي نصت كتاباته عليها صراحةً أو الأخرى التي سادت في عصره). ومن ثم تبدأ عملية توصيف الحكومة التركية كاستبدادية أو لا مع توضيح أهم السبل للخروج من الأزمة.

ثانياً المشكلة البحثية والسؤال البحثي

إن الحكومة التركية مرت في الفترة الأخيرة بالعديد من الأحداث الكبرى على المستوى المحلي أهمها تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي. ولذلك يتوجب علينا إجراء عملية تقيييم للحكومة التركية وفق معايير تقييمية مُحددة في نظرية الاستبداد للكواكبي. فقد وضع عبد الرحمن الكواكبي صفات وخصائص الحكم الاستبدادي والذي من خلالها يُمكننا تصنيف الدول وفقاً لمدى صيانتها لحقوق الإنسان أو إلتزامها بالنصوص والبنود الدستورية والقانونية كنوع من الخضوع للمظاهر الرقابية، واحترامها للتعددية الحزبية كاحترام لمبدأ الشورى. ومن ثم في التنبؤ بما قد يحل بالدولة وفقاً وتباعاً لنظرية الكواكبي. وفي هذه الدراسة سيتم بحث العلاقة بين السلطة التنفيذية من ناحية والسلطة التشريعية والقضائية لمعرفة مدى الإلتزام القانوني للسلطة التنفيذية بالأحكام الدستورية.

  • بذلك يكون السؤال البحثي الرئيسي هو: إلى أي مدى تنطبق نظرية الاستبداد للكواكبي على دولة تركيا في فترة 2014-2020م؟

وينبع من هذا التساؤل الرئيسي عدة تساؤلات فرعية وهي:

  • ما هي أهم أحوال المُجتمع والسياق المُحيط الذي أثر على فكر الكواكبي؟
  • ما هي أهم مقولات نظرية عبد الرحمن الكواكبي عن الاستبداد؟
  • ما هو النظام السياسي التركي قبل استفتاء 2017؟
  • ما هي العلاقة بين حزب العدالة والتنمية والسلطة التنفيذية في تركيا؟
  • ما دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية؟ وكيف تغير هذا الدور مع ولاية رجب طيب أردوغان؟
  • إلى أي مدى ساهمت الإصلاحات التي قام بها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في التحول الديمقراطي التركي؟

ثالثاً فروض الدراسة

تنطلق الدراسة من فرضين رئيسين وهما:

  • أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين تفوق السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية، وتزايد ظاهرة وجود الاستبداد في الدولة. أي أنه كلما زاد تفوق نفوذ وقوة السلطة التنفيذية عن نظائرها التشريعية والقضائيةـ يزيد وجود ظاهرة الاستبداد في الدولة. وذلك انطلاقاً من كون الطغيان والاستبداد مرهونان بعدم التقيد القانوني والسلطتان القضائية والتشريعية هم من يحرصون على عدم انتهاك القانون.
  • أن هناك علاقة طردية بين تزايد دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وتزايد ظاهرة الاستبداد في الدولة. أي أنه إذا كان للمؤسسة العسكرية دور أكبر في الحياة السياسية سواء في اتخاذ القرار السياسي أو في تشكيل سياسيات داخلية بعيدة عن مجال الدفاع، يزداد تجذر ظاهرة الاستبداد في الدولة. وذلك إنطلاقاً من كون ذلك التدخل العسكري في الشأن العام يعتدي على قيم مهمة في الحياة الديمقراطية مثل الشورى.

رابعاً أهمية الدراسة

تتمحور أهمية الدراسة على مستويين وهما مستوى علمي بحثي ومستوى عملي تطبيقي.

أهمية الدراسة من الناحية العلمية البحثية:

  • تُفيد الدراسة التراكم العلمي في كلا اتجاهيّ الدراسات النظرية للسلطة السياسية بشكل عام وظاهرة الاستبداد السياسي بشكل خاص، أو الدراسات المُهتَمة بالفكر السياسي الإسلامي.
  • تطرح الدراسة مُقارنة بين النص الدستوري والتطبيق الواقعي لبنوده في الحالة التركية في الفترة الزمنية المذكورة. وهو ما يُعد مرجِعاً قوياً للمُهتَم بدراسة العلاقة بين السلطات في تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.
  • تقوم الدراسة بتوضيح الفارق بين العلاقة بين السلطات في ظل النظام البرلماني قبل استفتاء عام 2018م. وبعد استفتاء عام 2018م وهو الذي قام بتغيير العلاقات بين السلطات تغييراً جذرياً.

أهمية الدراسة من الناحية العملية التطبيقية:

  • إن الدراسة موضوعها هو تقييم تجربة سياسية لحكومة تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان من خلال تقييم العلاقات بين السلطات لتضع استنتاج قائم على أساس نظرية وهي نظرية الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي. ولذلك تقوم الدراسة بتشجيع فكرة تقييم السلطات والحكومات، وذلك التقييم من شأنه كفّ الاستبداد قبل أن تتجذر أصوله في تربة المُجتمَع المدروس.

خامساً تحديد الدراسة

مجالياً تجمع الدراسة بين كل من حقل النظرية السياسية والفكر السياسي من ناحية ومجال دراسة النظم السياسية من ناحية أخرى.

  • تبدأ من اتباع الفروض النظرية التي وضعها عبد الرحمن الكواكبي.
  • ثم تنتقل إلى الحالة التطبيقية وهي الحالة التركية.

مكانياً تم إختيار تركيا كحالة للدراسة انطلاقاً من عدة دوافع لدى الباحث أهمها:

  • تشابه التجارب التطبيقية، فعبد الرحمن الكواكبي قام بوضع رؤيته للاستبدادية في ظل الحكم التركي العثماني في أوائل القرن العشرين، وبالتالي تكون أنسب حالة دراسية تطبيقية لإختبار نظرية الكواكبي في القرن الواحد والعشرين هي دولة تركيا أيضاً.
  • أن دولة تركيا قد شهدت في أخر خمسة سنوات عدة مُنعطفات سياسية حادة مثل الإنقلاب العسكري الفاشل على السلطة عام 2016م، وحدوث استفتاء بمقتضاه يحصل رئيس الجمهورية على جُملة من السلطات الإضافية وتدخل حيذ التنفيذ بعد انتخابات 2018م التي فاز بها أيضاً الرئيس رجب طيب أردوغان.

زمانياً تم إختيار فترة (2014-2020م) نظراً لعدة أسباب أهمها:

  • نجاح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في الوصول إلى رئاسة الجمهورية عام 2014م وهو الذي يُعطي إطاراً زمنياً مناسباً لتقييم التجربة السياسية تحت ظروف سياسية داخلية تبدو مستقرة من حيث ثبات النخب السياسية حتى عام 2020م.
  • أن دولة تركيا احتلت المركز ال110 على ترتيب مؤشر الديمقراطية العالمي(EIU)[2] في عام 2019م. وهو الدافع المُشجِع على دراستها لبيان مظاهر الاستبداد المتواجدة وبداية قياس نظرية الكواكبي على تلك المظاهر.

سادساً مراجعة الأدبيات السابقة

سيتم تقسيم الأدبيات السابقة إلى ثلاثة فئات أعتماداً على تصنيف قائم على أساس موضوع الدراسات الأساسي المُراد بحثه. ويكون تقسيم الدراسة كالآتي:

  • فئة الدراسات التي تناولت بحث فكر عبد الرحمن الكواكبي والسياق المُحيط به.
  • فئة الدراسات المُتناولة بحث النظام السياسي التُركي والعلاقات العسكرية المدنية.
  • فئة الدراسات المُتناولة بحث سياسات الإصلاح الداخلي لحزب العدالة والتنمية والصراع العلماني الإسلامي في تركيا.

الفئة الأولى: الدراسات المُتناولة فكر عبد الرحمن الكواكبي والسياق المُحيط به

  1. دراسة زهير فريد بعنوان “أصول الاستبداد العربي”:[3]

تُعد هذه الدراسة مُهمة نظراً لكونها توضح السياق الذي عاش فيه عبد الرحمن الكواكبي والذي أدى في النهاية إلى وصوله لنظريته عن طبائع الاستبداد. فالأفكار تنبع من السياق المُحيط بصاحبها. وتُحيط الدراسة اهتماماً بأفكار هامة مثل ثقافة السلطة والعبودية وهي أفكار تحدث عنها الكواكبي عند حديثه عن فساد العلماء المُحيطين بالحاكم المُستبِد. وتنبع الدراسة من فرضية مفادها أن تغيير الحاكم المُستبِد لا يلغي أصل الاستبداد. واستخدم الباحث هنا التكامل المنهاجي بين المنهج الفنمولوجي الظاهري والمنهج الجينولوجي النسيبي. وتوصل إلى نتيجة وهي صحة فرضه القائل بأن إزالة الحاكم المُستبد لا تعني إزالة الاستبداد وذلك لأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة قائمة على الطاعة وتلبية خدمة الحاكم وإخضاع المحكومين لإرادته. وهذه الدراسة تتميز بتركيزها على أفكار مثل بطانة الحاكم وهي فكرة رئيسية تحدث عنها الكواكبي وسماهم (المُتمجدين).

  1. كتاب د/ محمد جمال الطحان بعنوان “أعمال الكواكبي الكاملة”:[4]

تكون أهمية الكتاب كامنة في التعرف على عبد الرحمن الكواكبي وأهم العوامل التي أثرت عليه في حياته أو عمله بالصحافة والكتابة وغير ذلك. فركز الكتاب على أسلوب الكواكبي الصحفي وتطوره الفكري ثم انتقلت إلى ربطهم بكتابيه (أم القرى) و (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد). والهدف الأساسي للكتاب هو التعرف على حلول مشاكل العصر من خلال المراجعة التاريخية وذلك رداً على سؤال بحثي مفاده هو ( هل وصلنا إلى أفق مسدود فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية). ويستدل الباحث على ذلك من خلال فكر الكواكبي ويستنتج في النهاية أن الاستبداد يجب ألا يُحارب بالعنف لأنه بذلك يُنشيء فتنة تحصد الأرواح حصداً. ولذلك من المهم الإشارة إلى أن البحث أكد على ضرورة وضع شكل للحياة السياسية بعد الإطاحة بالمُستبِد، وهي نقطة مُهمة وفارقة في فكر الكواكبي.

  1. كتاب عباس محمود العقاد بعنوان “عبد الرحمن الكواكبي”[5]

تتركز أهمية الدراسة في كونها مُحيطة بحياة عبد الرحمن الكواكبي بمحتوى يشمل مدينته التي نشأ فيها والعصر الذي عاش فيه وسمات كل منهم. وأخذت أيضاً في اعتبارها البرنامج الإصلاحي الذي وضعه الكواكبي والنظم السياسية والأخلاقية الاجتماعية الواجب غرسها لإصلاح النظام الاستبدادي بشكل تدريجي. فالنظم الاستبدادية لا يجب أن يتم مقاومتها دون النظر والإعداد لما سيتبعها من عملية إصلاحية. ولذلك تُعد هذه الدراسة مرجعاً قوياً للاستدلال والربط بين الأفكار التي أنتجها عبد الرحمن الكواكبي والمُجتمع الذي عاش فيه.

  1. كتاب محمد جمال الطحان بعنوان “الاستبداد وبدائله في الفكر العربي الحديث الكواكبي نموذجاً”[6]

إن هذه الدراسة قد قامت بعرض أهم الأفكار والإرهاصات التي أفرزها عبد الرحمن الكواكبي من خلال تفسير كل فكرة على حدة. فقد عرضت مفهوم الاستبداد الذي عبر عنه الكواكبي من خلال تتبع نشأته ودعائمه وأثاره وعلاقته بغيره من الميادين كالعلم والأخلاق المال على سبيل المثال لا الحصر. وهذه الدراسة تُعد مميزة من حيث تقديمها بُعد كُليّ للاستبداد وأساساً شاملاً له، ومن ثم تقديم البدائل التي عرضها الكواكبي للاستبداد بعد محاربته ورؤيته لقيم أساسية مثل قيمة الحرية وقيمة العدالة والشورى والديمقراطية.

الفئة الثانية: الدراسات المُتناولة للنظام السياسي التُركي والعلاقات العسكرية المدنية

  1. كتاب أحمد نوري النعيمي بعنوان “النظام السياسي في تركيا”:[7]

يقوم الباحث هنا بتقديم إطار مُتكامل يُمكننا من خلاله فهم السياق التركي. وإذ أن النظام السياسي في أي مكان لا يُمكن أن تتضح معالمه إلا من خلال فهم السياق المُحيط به، وما يدور به من سباق وتنافس بين القوى السياسية، وأهم المُنعطفات والأحداث التي قابلها ذلك النظام. وبالتالي تُقدم هذه الدراسة مجموعة من المُقدمات للمسائل والسمات المميزة للواقع السياسي التركي كالعلاقة بين المؤسسة العسكرية والنظام السياسي، والموقف السياسي التركي بين الإسلاميين والعلمانيين. واستخدم الكاتب هنا تكاملاً منهاجياً بين المنهج التاريخي والمنهج التحليلي ومنهج تحليل النظم والمنهج المُقارن. ولذلك هذه الدراسة هي مُقدِمة مُهمة لفهم النظام التُركي ومن ثم إمكانية تحليله تحليلاً واضحاً ومعرفة أهم عناصره الفاعلة، وهو الذي يُمكننا من تطبيق نظرية الكواكبي بشكل سليم على الواقع التركي المُعاصر.

  1. دراسة أسماء بلخضر بعنوان “تأثير العلاقات المدنية العسكرية على مسار التحول الديمقراطي في تركيا مُنذ 2002م”:[8]

ثارت الدراسة من سؤال بحثي هو (كيف تؤثر العلاقات المدنية العسكرية على مسار التحول الديمقراطي في تركيا في الفترة بين 2002م -2016م؟). وحملت بعض الفرضيات أهمها أنه كلما تقلص دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية أدى ذلك إلى تسهيل عملية التحول الديمقراطي. استخدمت الباحثة هنا مجموعة من المناهج التي تكاملت معاً لتكون إطاراً بحثياً كلياً وهم المنهج التاريخي، ومنهج دراسة الحالة والمنهج الوصفي التحليلي. والدراسة مُهتمة ببحث المؤسسة العسكرية ثم الانتقال إلى حزب العدالة والتنمية كي تضع علاقة تأثير وتأثر بينهم. وهو ما يُزيد أهمية الدراسة كبنية بحثية لمعرفة ثنائية العلاقة بين المدني والعسكري في تركيا خصوصاً أنها وصلت إلى نتيجة مفادها أن ثنائية المدني العسكري في تركيا تحتاج إلى إعادة نظر.

  1. دراسة سوزان مصطفى أحمد بعنوان “أثر حزب العدالة والتنمية على العلاقات المدنية العسكرية في تركيا”:[9]

تتمثل المشكلة البحثية في بحث وتحليل أثر حزب العدالة والتنمية على العلاقات المدنية العسكرية في تركيا وعبر عنها سؤال بحثي هو (إلى أي مدى أثر حزب العدالة والتنمية العلاقات المدنية العسكرية في تركيا؟). وأعتمدت الدراسة على منهج تحليل النظم لدراسة مُخرجات أثر حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية المقاعد البرلمانية والمناصب السياسية في تركيا على العلاقات المدنية العسكرية. وخلصت الدراسة إلى نتائج أهمها أن الحزب استطاع الحد من سيطرة العسكريين على السياسة التركية، وإنحصار دور العسكريين في النواحي الدفاعية. وتُعد هذه الدراسة رابطاً قوياً بين فكرة الصراع المدني العسكري في تركيا من ناحية، والسياسات التي أتخذها حزب العدالة والتنمية نحو التحول الديمقراطي من ناحية أخرى.

  1. دراسة مروة صبحي محمد بعنوان “أثر العلاقات المدنية العسكرية علي التحول الديمقراطي (دراسة مقارنة لتركيا وأندونسيا)”:[10]

يتناول الباحث العلاقات المدنية العسكرية بمختلف أشكالها وأثرها علي عملية الإنتقال الي الديمقراطية بالتطبيق على الخبرتين الإندونيسية والتركية. لذلك يُفسِر كيفية ترسيخ سيطرة مدنية ديمقراطية علي المؤسسة العسكرية سواءً علي مستوي الإصلاحات الدستورية والمؤسسية أو على المستوى غير المؤسسي الكلي. وقد اعتمد الباحث علي التكامل المنهاجي بين المنهج المقارن لمقارنة كيفية تحقيق السيطرة المدنية الديمقراطية علي العسكريين في تركيا وأندونسيا، واستخدم نموذج الجيلين الذي يقوم بدراسة العلاقة بين مؤسسات الدولة وبين المؤسسات الأمنية، وبين المجتمع المدني. وخلصت الدراسة إلى فشل تطبيق افتراضات النظرية الغربية في واقع غير عربي لأنه واقع تتمتع فيه المؤسسة العسكرية بنفوذ سياسي غير مباشر. ونجح الباحث في توصيل كيفية إخضاع هذه المؤسسات العسكرية أو على الأقل ضبط العلاقة بينها وبين المؤسسات المدنية.

  1. دراسة علي حسين علي بعنوان ” الدور الوظيفي للسياسة الخارجية التركية على الصعيد الإقليمي والدولي (2002-2019):[11]

إن الإشكالية الأساسية للدراسة هي تحول الدور التركي في الصعيدين الإقليمي والدولي. لذلك تسعى الدراسة إلى الكشف عن طبيعة وأبعاد هذا الدور والوظيفة الخارجية التركية الجديدة الناتجة عن تحولات حادثة منذ نهاية الحرب الباردة. وتقدم الدراسة تفسيرات لهذه الأدوار الجديدة وترصد تأثيرها على الصعيدين الدولي والإقليمي. تضع الدراسة فرضية أساسها هو أن المتغيرات الإقليمية والدولية فرضت على السلوك السياسي  التركي القيام بوظائف جديدة. تستخدم الدراسة التكامل المنهاجي بين عدة إقترابات هي المنهج التاريخي ومنهج تحليل النظم ومنهج صنع القرار، بالإضافة للمنهج التكاملي والمنهج الوظيفي. خلصت الدراسة لعدة نتائج أهمها صحة الفرض المُتبَع لأن تسارع الأحداث في الشرق الأوسط قد فرض على تركيا تجاوز سياسة تصفير المشكلات والإتجاه نحو التدخل المباشر بما فيه التدخل العسكري كما حدث في مشكلة ليبيا وسوريا. إن هذه الدراسة تُعد مهمة في معرفة إنعكاسات السياسة الخارجية على الواقع الداخلي التركي. وبالأخص العلاقات الأوروبية التركية نظراً للعب ملف إنضمام تركيا للاتحاد الأوروبي دوراً هاماً في دفع عجلة التنمية الداخلية وصيانة ملفات حقوق الإنسان لتوافي شروط كوبنهاجن.

الفئة الثالثة: دراسات المُتناولة لسياسات الإصلاح الداخلي لحزب العدالة والتنمية والصراع العلماني الإسلامي في تركيا

  1. دراسة رضوي حسنين رضوان بعنوان “التحول الديمقراطي في تركيا والعلاقات المدنية العسكرية في عهد حزب العدالة والتنمية من 2002الي 2016م”:[12]

تناولت الباحثة عملية التحول الديمقراطي والعلاقات المدنية العسكرية كاشكالية التحول الديمقراطي. وقد أكتسبت التجربة التركية للتحول الديمقراطي أهمية خاصة حيث أنها تجربة تعددية شهدت هيمنة للعسكريين علي الحياة السياسية بإعتبار الجيش وصي علي العلمانية والمباديء التي أرساها أتاتورك.  وبالتالي تهدف الباحثة لمعرفة تأثير العلاقات المدنية العسكرية علي التحول الديمقراطي. وقد أعتمدت علي المنهج المؤسسي فنلاحظ أن التوازن كان لصالح المؤسسة العسكرية في البداية وأكتسبت شرعية من خلال الدستور ومع ظهور حزب قوي ومسيطر كحزب العدالة والتنمية حدث تغير في التوازن لصالح القوي المدنية. وتوصلت الباحثة من ضمن النتائج أن تركيا لم تصل لديمقراطية شاملة بسبب إشكالية العلاقة العسكرية المدنية. وتُفيد هذه الدراسة في توضيح جهود حزب العدالة والتنمية في إعادة ضبط العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين أولاً ومن ثم بيان ما إذا كانت عملية إعادة الضبط تهدف إلى إيجاد واقع أكثر ديمقراطية أم إلى إخلاء الساحة السياسية لفئة بعينها دون الأخرى.

  1. دراسة ويزة سلوم وديهية شكري بعنوان “السياسة التركية بين المثالية والواقعية في ظل حزب العدالة والتنمية 2002م-2015م”:[13]

انطلقت الدراسة من تساؤل بحثي رئيسي (هو ما مدى نجاح حزب العدالة والتنمية في التوفيق بين المثالية والواقعية في السياسة الداخلية والخارجية في تركيا؟). وقد أفترضت الباحثتان أن تركيا كلما وظفت العامل الديني أتجهت بشكل أكثر نحو المثالية. ولقد استخدمت الدراسة التكامل المنهاجي بين المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج المُقارن. وتوصلت الدراسة إلى نتائج أهمها أن تركيا سعت إلى تصفير مشكلاتها مع دول الجوار في حكم حزب العدالة والتنمية بنية تمهيد الطريق نحو دور إقليمي أقوى والتالي تسلك سياسة واقعية. إن هذه الدراسة تُعد من أهم الدراسات التي تتناول الأداء الإصلاحي لحزب العدالة والتنمية من خلال تقديمها فصل كامل بعنوان (سياسات حزب العدالة والتنمية على الصعيد الداخلي).

  1. دراسة نوران أسامة عبد الوهاب بعنوان ” الصراع الديني العلماني والنظام الحزبي في تركيا دراسة حالة حزب العدالة والتنمية (2001-2016م):[14]

تتناول الدراسة بشكل أساسي الصراع الإسلامي العلماني في تركيا وأثره على النظام الحزبي ويكون السؤال البحثي هو (ما هو أثر الصراع الديني العلماني على النظام الحزبي في تركيا؟). واستخدمت الباحثة هنا المنهج المُقارن ومنهج تحليل النظم ومنهج دراسة الحالة في تكامل منهاجي وصل لمجموعة نتائج أهمها أن تقليل تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية يؤدي إلى تحول حقيقي في النظام السياسي التركي حيث يُدافع الإسلاميون أكثر عن الديمقراطية والعلمانيين يكونون أكثر تسامحاً وإنسانية. ولذلك تتركز أهمية الدراسة في إعطاء نظرة عامة عن الصراع الديني العلماني في تركيا ودور حزب العدالة والتنمية في الحد من جموح هذا الصراع من خلال الإصلاحات السياسية والدستورية التي أقامها.

  1. دراسة فادي محمود صبري بعنوان “المعارضة السياسية في تركيا (الإسلاميون نموذجاً) في فترة 1996- 2006م”:[15]

تنبع مشكلة الدراسة من تذبذب العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا ويثور تساؤل رئيسي هو (ما هي طبيعة العلاقة بين الإسلاميين والنظام العلماني في تركيا؟) وتستخدم الدراسة هنا التكامل المنهاجي بين المنهج التاريخي والمنهج التحليلي الوصفي ونظرية التوازن والتحالفات. وتخلص الدراسة إلى عدة نتائج أهمها أن حزب العدالة والتنمية استطاع تحقيق نجاحات وسياسات مكنته من الاستمرار في الحكم وعززت مكانة تركيا في النظام الإقليمي والدولي. وتعد الدراسة من أهم المراجع المُتناولة لتوجهات حزب العدالة والتنمية المُنتمي له الرئيس رجب طيب أردوغان. وهو ما يُساعد على وضع تحليل أكثر دقة لسياسات الإصلاح في ولايته في هذه الدراسة.

سابعاً الإطارالمفاهيمي

إن الدراسة تهتم بمجموعة من المفاهيم والظواهر الاجتماعية التي يتوجب توضيحها. فعملية الاستبداد هي ليست ناتجة عن عوامل ثابتة معروفة ولكنها عملية مُعقدة. ولذلك يتحتم بيان المفاهيم والظواهر التي سيتم ذكرها في الدراسة والمقصود منها وهي تنقسم إلى تعريفات اسمية سيتم ذكرها سواء لغوياً أو إصطلاحياً للمفاهيم المُهتَم بها، وتعريفات إجرائية وهي المؤشرات التي من خلالها سيتم قياس هذه الظواهر الاجتماعية المدروسة.

التعريف الاسمي:

الاستبداد لغوياً[16] يعني الإنفراد بالرأي. واستبد تعني تفرّد أي لم يأخذ المشورة ومضى على أمره ولم يقم باستشارة أحد. وهناك تعريف أخر للاستبداد يعني عملية الاستيلاء على السُلطة والاستئثار بها، فيتم منع تداولها السلميّ والإساءة في استغلالها، كما يتم التوصية بها للأقربين لتتحول من عملية انتقال ديمقراطي بنّاء إلى توارث نَسَبي دون حسيب أو رقيب.

الاستبداد إصطلاحياً [17] هو حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين بالإضافة إلى انفراد المستبد بالسلطة والاستئثار بها، فهذا التعريف يوضح لنا صفة أخرى للاستبداد وهي عدم الخضوع للقانون، فالحاكم المستبد لا يتقيد بمبدأ المشروعية[18] التي هي السمة الأساسية للدولة القانونية الحديثة التي تسعى لفرض القانون على الجميع، حكّاما ومحكومين.

تعريف عبد الرحمن الكواكبي للاستبداد:[19]

هو التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى. حيث يكون هو الصفة الأساسية للحكومة التي يكون العنان مُطلَقاً لها. وهي التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب. فالحاكم المستبد في نظر الكواكبي من لا يتقيد بأي شرع ولا يخضع لأية مساءلة.

إنّ الاستبداد عند الكواكبي ليست صفة مقصورة على من تولّى السلطة بطريقة غير شرعية؛ بل في نظره يعتبر مستبداً إن توصل للحكم بطريقة ديمقراطية شعرية لكنه لم يتقيد بالقانون أو يحكم بالشورى. لذلك عند الكواكبي صفة الاستبداد تكون شاملة لحكومة الحاكم الفرد المُطلَق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، وتشمل كذلك الحكم الفرديّ المقيد المنتخب بطريقة شرعية متى كان غير مُراقب وغير مسئول.

تعريف الدكتاتورية إصطلاحياً:[20]

يطلق على كل من يصل إلى السلطة بطرق غير شرعية ولا يستمد سلطته من الإرادة الشعبية، بل من نفسه وشخصه بالاعتماد على كفاءته ومواهبه وقدراته الذاتية أو من قوة أنصاره أو حزبه أو المذهب الذي يستند إليه، أو من أسباب أخرى تتعلق بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالدولة والشعب عموما.

والسلطة يتحصل عليها الدكتاتور عن طريق القوة الجبارة بثورة أو انقلاب أو بالوراثة عن الآباء والأجداد. وقد يحدث أحياناً بالطرق الديمقراطية، أي أن يتم انتخاب الحاكم لفترة محددة فيستأثر بالسلطة لنفسه ويستمر فيها بغير سند شرعي حقيقي ضد إرادة الشعب.

تشابه الديكتاتورية مع الاستبدادية:[21]

الدكتاتور لا يخضع لأي مظهر من مظاهر الرقابة؛ فالرقابة السياسية منعدمة لأن هذا النظام يقرر عدم مسؤولية الحاكم على أعماله أمام القضاء. وأيضاً كل من الحاكم المستبد والدكتاتور يصلان للحكم بطرق غير دستورية وغير شرعية. بالإضافة لكون كل من الحاكم المستبد والدكتاتور ينفرد برأيه في تسيير شؤون الدولة. ويقول الكواكبي: “المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم” فقد يحدث أن يتولى الدكتاتور مقاليد السلطة بالطرق الشرعية ويقوم بعدها بإدارة شئون الحكم بوسائل القوة والإكراه. علاوة على أن كل من الحاكم المستبد والدكتاتور لا يتقيد بقانون، ولا يخضع لأي رقابة.

تعريف الطغيان:

في لسان العرب أن يطغوا الشخص معناها أن يظلم ويتجبر بإسراف.[22] فيقهر الناس بلا تحرّج. ويعود مصطلح الطغيان إلى اليونانية القديمة حيث يُرادف الطغيان لديهم مصطلح Tyrannos. وهو إصطلاحياً -كما عرفه فلاسفة اليونان القديمة أرسطو وأفلاطون- يعني صورة من الحكم الفردي دون حسيب أو رقيب وحكم للشهوة والأنانية الفردية.[23] أي أنه حكم لا يخضع لأي نوع من القانون والرقابة وليس له حدود.

ويُميزه ويليام بيت بأنه يبدأ من حيث ينتهي القانون ويُعد هو القسوة في استخدام القوة بلا تفسير منطقي.[24]

تمييز الاستبداد عن الطغيان:[25]

كثير من المُفكرين جمعوا بين الطغيان والاستبداد في كفة واحدة وعاملوا الطاغية على أنه مُستبِد والعكس. وأهم هؤلاء المُفكرين هم فلاسفة العقد الاجتماعي. فيقول جون لوك أن سوء النظام والفوضى والإضطراب هو مصدر ظهور الاستبداد والطغيان.[26]ولكن يُمكننا توضيح أهم الخصائص التي يُمكننا تمييز المُستبِد بها عن الطاغية كالآتي:

الحاكم المُستبِد يختص بـ: يتولى شئون الدولة بلا حسيب أو رقيب. ويصعد إلى رئاسة شئون الدولة من خلال القوة أو ما يُرادفها. وينفرد بتولية شئون الدولة دون الخضوع لمبدأ الشورى.

يتميز الطاغية بكل ما سبق ولكن ما يُميز الطاغية عن المُستبِد بصفة استخدام القوة المُفرِطة في رئاسة شئون الدولة. ولذلك يقوم أفلاطون بتشبيهه بالذئب الذي يقتل ويُشرِد أهله.

التعريف الإجرائي[27]

التعريف الذي سيتم تناوله للاستبداد هو  كما وضح عبد الرحمن الكواكبي كصفات للحكام المُستبديّن: الإنفراد بإدارة شؤون المجتمع من قبل فرد أو مجموعة، عن طريق الاستحواذ والاستيلاء والسيطرة على كافة المؤسسات الحاكمة، وعدم الخضوع للسلطات الرقابية”، فهذا التعريف يبين لنا الصفات التي تطلق على الحكم المستبد وهي:

  • الإنفراد بشؤون الحكم: من هنا تنعدم الشورى في الحكم الاستبدادي.
  • تولي السلطة عن طريق الاستيلاء: لذلك فالحاكم الذي يتولى السلطة بطريقة الاستيلاء على كل مؤسسات الدولة وهدم الرأي الآخر هو حاكم مستبد.
  • عدم الخضوع للسلطات الرقابية والإخلال بالحقوق والقَسَم الذي أقسمه بحماية الدستور والقانون.

ثامناً الإطار النظري

هذه الدراسة تتبع المجالات التطبيقية للنظرية الليبرالية. حيث تدرس وتفسر فكرة الاستبداد وهي الفكرة التي تحدث عنها أهم مُفكري الليبرالية الغربية مثل توكفيل ومونتسكيو. إن الليبرالية هي أحد أهم الفلسفات السياسية الداعية للحرية والمساواة. وأهم اسهاماتها أنها أقرت بوضع الإنسان موضع الدين في قيادة السياسة. فقبل مُفكري العقد الاجتماعي كان يتم مُعاملة سلطة الحاكم على أنها سُلطة يُبارِكها الإله وبالتالي معارضتها تعني معارضة الإله. ولكن عندما جاءت الليبرالية وجهت بتقليل سلطات الحُكام وعدم تجميع السلطة في يد شخص واحد. وتقليل حدة قبضة الحكومات على الشعوب ولذلك ظهرت حرية الاعتقاد والدين ووضحت مفاهيم المساواة بقوة أكبر من السابق.

إن الفكر الليبرالي يرتكز على منهاجية ذات بُعد مَعرفيّ وآخر إنساني. ويأتي البُعد المَعرفي بثلاثة أصول هم:

  • عدم احتكار الحقيقة: وذلك يعني أن لا فئة تمتلك عِلماً كافياً دون الفئات الأخرى. وذلك لتعدد مصادر المعرفة وعدم قدرة الإنسان أو الفئة الواحدة على الإحاطة بجميعها، والسبب الثاني هو تكامل هذه المصادر معاً وبالتالي إحتكار الحقيقة من فئة مُعينة يؤدي إلى حرمان البشرية من الوصول للحقيقة الكاملة.
  • إسقاط قداسة الأشياء أمام العلم: وهو يعني أن للعلماء الحق في دراسة أي شيء ولا يحق استبعاد أي ظاهرة من الدراسة العلمية لطبيعة هذه الظاهرة المُقدَسة أو الدينية. وهو الذي أكده الفيلسوف الألماني (كانت) قائلاً:” فإنك متى ما اعتبرت شيئًا مقدسًا خرجت من أهل التحليل إلى أهل التجليل، وذلك يُقيد فكرك الذي خُلِقت به حُر”
  • ليس هناك بشري معصوم من الخطأ: وهو يعني أن كل البشر متساويين ولديهم الشهوات والغرائز ذاتها، وهو المؤدي إلى تساويهم في الوقوع في الخطأ. فلا يحق تقديس فئة مُعينة على إعتبار إنها مُحِقة دائماً.

والبُعد الإنساني يرتكز على ثلاثة أصول أيضاً وهي:

  • العقيدة ليست رُكن من أركان الإنسانية: أي لا يُمكن سلخ المُختلفين في العقيدة من صفة الإنسانية, ولذلك الإرتداد عن العقيدة لا يعني الإرتداد عن الإنسانية.
  • التركيز على مساحة الحقوق أكثر من مساحة المسئوليات: فقد ركزت الليبرالية أكثر على حقوق الإنسان وما عليه أن يحصل عليه أكثر من تركيزها على مسئوليات الإنسان وما عليه أن يقوم به. فالحقوق شيء فطري مبدأي يجب أن يحصل عليه الفرد قبل تكبيله بأي مسئوليات.
  • ضرورة عدم الحكم على الأشياء إلا بالتجربة: أي لا يُمكننا أن نضع حكماً مُطلقاً على أي شيء بشكل مبدأي دون تجربة ومعايشة لهذا الشيء.

وبسبب هذه الأصول التي سبق تحديدها ارتبطت نظرية الليبرالية بالعديد من المفاهيم مثل الديمقراطية والحرية، وأحياناً العلمانية. وقد آتى ذلك إنطلاقاً من ولادة الليبرالية وسط مُجتمعات سيئة التجربة مع قيادة الدين.[28] وتلك الرؤية تفرض توضيح أهم الإسهامات النظرية للفلاسفة السياسيين حول ظاهرة الاستبداد التي تحدث عنها مُفكري الليبرالية.

الإرهاصات النظرية لأهم مُفكري الغرب عن فكرة الاستبداد:

مونتسكيو:[29] قسم أنواع الدول إلى ثلاثة أنواع بناءً على الطبيعة المُحيطة بالدولة؛ وهم دولة المَلًكية القائمة على حكم الفرد المُقيد بالقانون، ودولة الجمهورية القائمة على حكم الشعب لنفسه أو حكم مجموعة من الشعب للشعب (الأرستقراطية)، وأخيراً دولة الاستبدادية التي رآها مونتسكيو دولة بلا قانون يسود فيها الحُكم الفردي المُطلَق وتنتشر فيه قيم كالخوف والذعر الشديدين بين أفراد الشعب. ولا يُقيم النظام الاستبدادي عند مونتسكيو أي نوع من الفضائل السياسية حيث ليس لهذه الفضائل قيمة فيه. إن صاحب السلطة المُستبِدة عند مونتسكيو يميل دائماً إلى سوء استعمال هذه السلطة. ولذلك أكد مونتسكيو على مبدأ مهم وهو الفصل بين السلطات وأن أي جمع بين السلطات في يد شخص واحد هو بداية للطغيان.[30]

أليكسيس دي توكفيل:[31] كان توكفيل مُهتماً بدراسة المُجتمع الأمريكي فقال أن نظم الحكم الديمقراطية هي التي يسود فيها المساواة. ولذلك كان لتوكفيل نظرتين للاستبداد؛ أولاً الاستبداد القاسي (Hard despotism) وهو النوع المُتعارف عليه من الاستبداد. ومظاهره عند توكفيل هو أن المُستبد يزرع طبيعة ارتيابية في نفوس الشعب، فيفرق بينهم لضمان بقائه واستمراره ويشغلهم بالفُرقة بينهم وبين بعضهم كي لا يطمعوا في السلطة، ولا يُريد أي معونة منهم في ممارسته للسلطة. ويوجد نوع أخر يُطلق توكفيل عليه الاستبداد الناعم (Soft despotism) وهو يسود في المُجتمع الديمقراطي. فينتج ذات المشاكل التي تُنتجها المساواة وهي أزمة الفردوية (Individualism Dilemma) فتشيع فضيلة عدم الإكتراث العام. وذلك يتم من خلال إعطاء الحكم لجماعة مُعينة من الشعب تتفرغ بشكل كامل للشأن العام وتترك شئونها الخاصة، فيهتمون بإرضاء الشعب وإجتذاب حسن تقديرهم. ولكن يتحول ذلك في النهاية إلى نوع من الأنانية عند أفراد الشعب نفسهم فيتقيدون في حياتهم الخاصة. الفرق هنا بين أزمة الفردوية التي تنتجها المساواة والاستبداد الناعم هو أن الأولى تجعل الأفراد يهتمون بمن هم من بني جنسهم فقط دون الشأن العام، بينما الاستبداد الناعم يضع الحواجز بين الأفراد ويُفرقهم عن بعضهم البعض. لذلك كان الحل عند توكفيل هو المؤسسات الحرة التي تفرض المشاركة السياسية وتحارب الفردوية.

الإرهاصات النظرية لأهم مُفكري العرب عن فكرة الاستبداد:

أما في المنطقة العربية فنجد أنه في هذه الحقب لم توجد إرهاصات ليبرالية صريحة كما جاءت في أوروبا، ولكن تحدث الفلاسفة العرب عن الأفكار الليبرالية بشكل غير مباشر من خلال حديثهم عن بعض المفاهيم الفرعية كالاستبداد والطغيان والشورى على سبيل المثال لا الحصر. وأهم هذه الإرهاصات هي الخاصة بكل من:

عبد الرحمن الكواكبي:[32] رأى الكواكبي أن الاستبداد السياسي هو ثمرة الاستبداد الديني. والدين لم يفرض أي نفوذ مُطلَق سوى في مسائل إقامة الشعائر الدينية، ولذلك يؤدي الاستبداد الديني إلى مجموعة من النتائج التي تُخالف الدين. وتحدث عن أن وسيلة تحقق الاستبداد السياسي تحدث من خلال كهنة المُستبِد الذين يبثون الأكاذيب في نفوس الشعب بأن ذلك الاستبداد قضاء إلهي لا مرد له. ولذلك لا قوة للمُستبد سوى من خلال المُتمجدين. وتحدث أيضاً عن وسائل الإصلاح السياسي وهي وسائل قانونية ودستورية، وأكد على ضرورة معرفة ما سيُستبدَل به المُستبِد قبل مقاومته.

محمد الغزالي:[33] تحدث عن أن الاستبداد الذي وقعت في براثنه الأمة الإسلامية ليس سببه نُقصان الإسلام لعناصر معينة بل بسبب الإنحراف عن التعاليم الإسلامية عن عَمد. واستفاض في الحديث عن خصائص الحُكم المُطلَق المُستبِد وهي الكبرياء الذي يصور للحاكم أنه فوق السماء وأن الشعب هم أقزام وعبيد بالنسبة له يعيشون من خير يده المُباركة. ويدعمه ظهور الرياء بين السادة والأتباع فيتواجد الأتباع المُتملقون، ويُصبح من السهل الإعتداء على مُقدسات الأخلاق والدين سعياً لإرضاء السادة. فيشيع الكذب في دولة الاستبداد بين السادة والأتباع ويُسرف الحاكم المُستبِد بشكل شديد من أقوات الشعب على شخصه أو من يواليه ويُناصره. ولذلك يُعد الحل للخروج من دائرة الاستبداد المُغلقة هي إرجاع السلطة للشعب لا للحاكم وضرورة تواجد مبدأ الشورى والإنتخاب في اختيار الشعب للحاكم وفي إتخاذ الحاكم لقراراته.

ربما نجد بعض الاختلافات بين أدباء الليبرالية الغربية ومُفكري المنطقة العربية على فكرة علاقة الدين والسياسة بين الغرب الذين ينشدون فصل الدين عن السياسة بشكل كامل ليتقلص الدين إلى الحياة الفردية، والعرب الذي يُعد توجههم الأكبر هو تعديل العلاقة بين الدين والسياسة وتصحيح مفاهيم دينية مُعينة. ولكن قد تحدث أغلب مُفكري الليبرالية سواء الغرب صراحة أو العرب بشكل غير مباشر عن أفكار الإنحراف نحو الاستبداد وطبيعة الاستبداد والحل الذي يتوجب تبعيته للخروج من براثن الاستبداد.

تاسعاً منهج الدراسة

تقوم الدراسة على التكامل المنهاجي حيث تجمع بين:

  • منهج المؤسسية الجديدة حيث يقوم المنهج المؤسسي بقياس استمرارية وكفاءة المؤسسات من خلال عدة معايير أهمها قدرة المؤسسة على التكيف والتأقلم مع المتغيرات المُحيطة بها. والتميز الوظيفي أي تمتعها بامكانية تغيير وظائفها بناءً على تغيير البيئة المُحيطة. بالإضافة إلى الاستقلالية التي تعني حرية وذاتية المؤسسة. ويأتي التماسك أيضاً من حيث الرضا الناجم عن أوضاع المؤسسة بواسطة أعضاء المؤسسة.[34] وبالطبع المؤسسة العسكرية وعلاقاتها مع المؤسسات المدنية السياسية هي أهم عنصر يفرض علينا استخدام اقتراب المؤسسية الجديدة بغرض فهم علاقة الصراع أو علاقة التواءم القائمة بينهم وبالتالي إمكانية إصدار حكم على المؤسسات في تركيا.
  • منهج الجماعة وهو الذي ينطلق من افتراض رئيسي مؤداه أن الجماعة هي وحدة التحليل. فبتفاعل الأفراد معاً بنية تحقيق أهداف سياسية مشتركة أو نصب الاهتمام على دور الجماعات في تشكيل الحياة السياسية. ويكون النظام السياسي عبارة عن شبكة ضخمة من الجماعات التي تتفاعل مع بعضها البعض بنحو مستمر سواء في شكل ضغوط وضغوط مضادة أو تحالفات. ومحصلة هذه التفاعلات هي الحالة الكلية للنظام السياسي.[35] وقد قمنا باستخدام هذا المنهج لأنه يُعد الأمثل لدراسة سياسات حزب العدالة والتنمية من ناحية، كما يُعد هو الأفضل لدراسة الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في تركيا.
  • المنهج التاريخي وهو وضع الأدلة المأخوذة من الوثائق والمسجلات مع بعضها البعض بطريقة منطقية، والاعتماد عليها في تكوين النتائج المؤدية إلى حقائق جديدة. فيقدم المنهج التاريخي تعميمات سليمة عن الأحداث الماضية والحاضرة؛ لأن لدراسة الوقائع التاريخية أهمية كبرى في فهم الماضي وهو ما يُمكننا من فهم الحاضر وإمكانية التنبؤ بالمستقبل. فنحاول من خلال المنهج التاريخي أن نقوم بإستعادة الأحداث والوقائع في الماضي بطريقة علمية.[36] وقد وجدنا أن المنهج التاريخي هو المنهج الأمثل لدراسة فكر عبد الرحمن الكواكبي لأن من خلال دراسة السياق الذي عاش فيه عبد الرحمن الكواكبي نستطيع ملء الثغرات التي تظهر في عملية توصيف الأفكار، ومن ثم نقدر أن نكون صورة فكرية واضحة عن كل حقيقة من الحقائق وربطها معاً بعلاقات حتمية أو شبه حتمية.

عاشراً تقسيم الدراسة

ستنقسم الدراسة إلى ثلاثة فصول وينقسم كل منهم إلى مبحثين كالآتي:

  • الفصل الأول: نظرية الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي.
    • المبحث الأول: سمات السياق التاريخي في عصر عبد الرحمن الكواكبي.
    • المبحث الثاني: فكر عبد الرحمن الكواكبي
  • الفصل الثاني: ملامح النظام السياسي وسمات السياق التركي
    • المبحث الأول: النظام السياسي التركي.
    • المبحث الثاني: العلاقات المدنية العسكرية في تركيا.
  • الفصل الثالث: مظاهر الاستبداد في تركيا (2014-2020)
    • المبحث الأول: الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وإنتهاكات حقوق الإنسان
    • المبحث الثاني: الإصلاح الداخلي في تركيا.

الفصل الأول

نظرية الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي

مقدمة

كان عبد الرحمن الكواكبي (1845- 1902م) من مبتكري الصحوة العربية الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتميز ذلك العصر بإنهيار الإمبراطورية العثمانية واستعمار الأوروبيين لبلاد المسلمين. ووصف الباحثين المُحدثون والمُعاصرون للكواكبي أنه أحد مؤسسي القومية العربية. محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والكواكبي هم من أوائل المفكرين الذين استوعبوا الأفكار الجديدة المنبثقة من أوروبا وحولوها إلى لغةٍ إسلاميةٍ مفهومةٍ بين المُجتمع المُتديّن بالإسلام. فقد وجدت أفكارُ الثلاثة الإصلاحية صداً بين مختلف الفئات والتقاليد الفكرية. [37] يجب الإلتفات إلى النظرية التي سيتم التحليل على أساسها. ففي البداية يجب توضيح ما هي أهم السياقات التي مرت على شخصية عبد الرحمن الكواكبي وأدت إلى تبلور الأفكار الخاصة بنظرية الاستبداد لديه مثل ظروف نشأة عبد الرحمن الكواكبي وتعليمه قبل الإنطلاق في تحليل الواقع التركي. فهذه السياقات المُتعددة توضح ما هي أهم التطورات التي طرأت على شخصيته وتفسر إرتباط الأفكار المطروحة في نظريته بالواقع الذي عاشه. فعناصر كتدهور أحوال الدولة العثمانية من أهم المشكلات المؤثرة بالضرورة على رؤية عبد الرحمن الكواكبي لمشاكل مُجتمعه. وبالتالي تكون من أهم العناصر التي يُكون على أساسها الرؤية الإصلاحية له. وأيضاً السمات الفكرية للعصر الذي عاش فيه المُفكر تلعب دوراً في إقترانها بأفكاره الإصلاحية سواء بتأييد مذهب فكري مُعين أو مناقضته. وينقسم الفصل الأول المُتناوِل لنظرية عبد الرحمن الكواكبي إلى مبحثين، المبحث الأول يتحدث عن السياق التاريخي الذي عاش المُفكر عبد الرحمن الكواكبي فيه. وهو بالضرورة يشمل أفكار نشأة الكواكبي، تعليمه، عمله، الظروف والمشاكل التي عاش فيها المُجتمع. أما في المبحث الثاني نتناول نظرية عبد الرحمن الكواكبي من رؤية وتعريف لفكرة الاستبداد، أسباب ظهوره، مظاهره ومعالِم التعرف عليه في المُجتمع، نتائجه وأخيراً كيفية التخلص منه ومراحل ذلك التخلص من الاستبداد.

المبحث الأول

سمات السياق التاريخي في عصر عبد الرحمن الكواكبي.

إن كون عبد الرحمن الكواكبي وُلِد في مدينة حلب في منتصف القرن التاسع عشر وعمل والده في عدة مراكز مرموقة يدعو إلى توجيه الرؤية إلى مدى تأثره بالعوامل التي أحاطت به مُنذ نشأته. وعلينا توضيح أهم المُتغيرات التي أحاطت بتفكير عبد الرحمن الكواكبي بداية بمدينة حلب التي نشأ فيها؛ أهم خصائصها من حيث الأهمية التاريخية للمدينة، العمران البشري والبنية الاجتماعية التي أشتهرت بها حلب، بالإضافة لمدى شيوع الوعي السياسي بين أفرادها. ثم الخوض في أهم الظروف التي أحاطت بمدينة حلب في زمن الكواكبي. مروراً بالخصائص الفكرية لعصره وأهم التيارات الأيدولوجية والأفكار التي سادت الجو العام دولياً ومحلياً. وبعدها الحديث عن أسرة عبد الرحمن الكواكبي ونسبهم للإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين -رضي الله عنه-، والإتمام بالتحدث عن نشأته وثقافته وصفات أسلوبه المستخدم. وهدف هذا المبحث هو التعرف على السياق الذي عاش فيه عبد الرحمن الكواكبي ومدى إنعكاس ذاك السياق على أفكاره ونظرياته.

أولاً السياق الذي عاش فيه عبد الرحمن الكواكبي:

المدينة:[38] من الناحية الاقتصادية والتاريخية تُعد من المدن العريقة. وذلك نظراً لكونها نشأت مُنذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أضف على ذلك أنها مدينة معروفة بكونها طيبة الهواء كثيرة الخبرات التاريخية والأنشطة. فتتعدد فيها أسباب المعيشة لأنها كثيرة الموارد؛ فوجد فيها ما يندر اجتماعه في مدينة واحدة من خيرات. كالغلات من الفواكه والخضراوات بالإضافة إلى أنواع الدواب والماشية والطيور والأسماك، علاوةً على الخامات الصناعية للملابس والأبنية وباقي أغراض المعيشة. لذلك كان الحديث العربي يوجزها في جملة (مدينة كثيرة الخيرات). وأتصفت من ناحية البنية الاجتماعية بطابع عمرانيّ مُثمِر ومُتميز. فلم يكن عمرانها قائماً على كثرة وتجانس السكان، بل سكنها عدد كبير من الناس الذين تميزوا بالإختلاف عن بعضهم البعض. فتعددت داخل المدينة الحِرَف من الزراعة والصناعة والتجارة. وأهل المدينة مُتعددو الصناعات لا تستأثر فئة منهم بصناعة مُحددة، وإذا تشابهت صناعتهم اختلفت أنماط القيام بهذه الصناعة. والتُجار بعضهم مُهتَم بالتجارة المحلية والبعض الأخر بتجارة القوافل مُنشغِل. كان لمدينة حلب نصيبها من التنوع الطائفي بين أهلها. فتعددت المذاهب والأجناس حتى قيل أنه لا يوجد في حلب مذهب من الديانات الثلاث (الإسلام- المسيحية- اليهودية) دون مُناصِر. لكن كان هذا الإختلاف الكبير معروفاً بإقترانه بالتسامُح مع الأخر، فلطالما شهدت مدينة حلب أشد الصراعات بين القوى الكبرى كالفرس والإغريق، العرب والروم، المسلمين والصليبيين. وكل هذه الصراعات على المدينة أنشأت داخل مواطنيها ركائزاً مهمة أهمها الشعور بالعقيدة والتمسك بالشريعة، كما عرفوا حُسن معاملة الأخر من المخالفين في الرأي أو الديانة.

وبتخصيص الحديث عن الوعي السياسي لأهل المدينة، فكان الحال السياسي ليس بخفي عن أهل المدينة وهو ما قيل عنه لا يسع إنسان أن يعيش في حلب ويغفل عن حالها السياسي الدارج. فلم تكن إدارة المدينة بخفيّة ومُنعزِلة عن الناس. ولطالما أطلق أهلها سهام النقد قولاً وكتابةً ضد حالات السيطرة المُستبدة التي يقوم بها حُكّام المدينة تجاه أهلها. ففي القرن الثامن عشر لم يكن أهل المدينة يصمتون عن الحديث عن المسائل السياسية، فعرف حديثهم ضروب مساويء الترف وفساد الدواوين. وكانوا مشهورين بالتحفظ عن الحديث في سيرة أخطاء الحكومات الآنية، مع عدم التهاون في حديثهم عن أخطاء ومخالفات الحكومات السابقة والماضية. أما عن عملية تناقل الأخبار فكانت الأكثر سرعة في مدينة حلب حتى سموها بمدينة المصابيح والمشاعل مُنذ نحو 36 قرن من الزمن. فهي مدينة مُتصلة ببعضها البعض يسري في عروقها مبدأ الشفافية والوضوح بين الحاكم والمحكوم وسرعة تناقل الأخبار.

نشأ عبد الرحمن الكواكبي في مدينة حلب الشهباء في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي (في عام 1845م). وكانت هذه الفترة التي أُعيدت فيها حلب للدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب بين السلطنة العثمانية والوالي على مصر محمد علي باشا ونائبه إبراهيم باشا في حلب. وعُرِفَت المدينة في هذه الفترة بشدة التأثر بكل الإضطرابات المُحيطة بها. فنجد أن أي إضطراب حادث كان من شأنه أن يرتد إليها سواء كان ذلك الإضطراب سببه هو فتنة الأرمن أو غارات العرب على الترك في العراق. كما كانت مسألة الإمتيازات الأجنبية مسألة يومية ثائرة في حلب، وشأن الإمتيازات الأجنبية هو نفس شأن مسائل النظم الحاكمة التي تقوم بالتفريق بين الطوائف والأجناس التي تضمها مدينة حلب. ولتلك الأسباب تميز الجو العام في مدينة حلب الشهباء في الفترة التي وُلد فيها الكواكبي بشدة الحساسية للتغيرات المُحيطة بها.[39]

الفكر: يُمكن توضيح الصفة السائدة للفكر في فترة حياة الكواكبي  في المُجتمع الأوروبي والتي تُعتبر هي الشغل الشاغل للمُثقفين والمفكرين في عصره. فكانت فترة مُنتصف القرن التاسع عشر الميلادي ذات الفكر المُتميز بالثورة على الماضي والتمرد على القديم نظراً لتقدم حركات الكشوف العلمية هي حالة المُجتمع الأوروبي. وظهرت المذاهب المُتعددة وهي مذهب داروين عن التطور وتنازع البقاء، مذهب كارل ماركس عن رأس المال، مذهب نيتشة عن الإنسان الأعلى، مذهب المدرسة الطبيعية عن حرية الفن والأدب، مذهب الديمقراطية عن الحكومة الشعبية. ولذلك تميزت الحياة الفكرية بالتركيز على فكرتين وهما الحرية وحق الأمة. وساعد في شيوع هذه الأفكار الثورة الفرنسية ونشرها مباديء الإخاء والمساواة والحرية. وكانت أهم القضايا على الساحة الدولية هي قضية الوحدة والاستقلال التي ساعد على انتشارها نجاح الوحدة الألمانية والإيطالية.[40]

أما عن الدولة العثمانية فقد عانت من الضعف في هذه الفترة؛ فقد ظفرت مصر بالعديد من الحكومية الذاتية، ولبنان حظيت بعدد كبير من الإمتيازات الداخلية بعد الخروج من العديد من الفتن والأزمات، والجزيرة العربية ذات فكرٍ وهابيّ يتقرب من الامتداد إلى قلب العراق، والعراق نفسها في صراع داخلي ضد حكم المماليك الشهير بالوباء والكساد. ولذلك أحتاجت الدولة العثمانية إلى إعادة السيطرة على المشرق العربي، وفرض نظم جديدة للحكم على أسس دستورية وليس أسساً قائمة على التسخير. فتبيّن للنظام العثماني ضرورة تعديل نظم القضاء والتشريع وإدارة الدواوين نظراً لزيادة التدخل الأوروبي في شئون العثمانيين من قبل الدول الأوروبية تارةً بغاية إنسانية لحماية رعاياها أو أخرى بغاية حماية الإمتيازات الأجنبية. لذلك ساد الحديث عن الإصلاح السياسي في حلب وحقوق الرعيّة وواجبات الرعاة في تلك الفترة. ولكن يبدو ذلك ضرورةً لازمة وليس إرادة مُستقلة؛ فلم تكن هناك بقعة من بقاع الأراضي العثمانية دون الإعتراض على نظم الحكم المُستبدة. وتوالت الثورات في السودان والمغرب وغيرهم من البقاع العربية مُناديين بحكمٍ أكثر عدلاً.[41]

إن فكرة الصراع بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية كانت من أهم الصراعات التي شغلت المُفكرين والتي أقر فيها الأوروبيون حكمهم بفصل الدين عن السلطة. ولكن عندما أنتقلت تلك الأفكار من الغرب الأوروبي إلى الشرق تواجدت بعض الإشكاليات؛ أولها تصدير فكرة خاطئة عن أن تلك القضية مُختذلة في صورة صراع بين الدين والعلم. ولذلك كان الفكر في واقع المشرق العربي يسعى نحو غاية العودة للدين. وتوالت بعدها الإشكاليات بين جماعتيّ الجامِدين والمُجددين. الجامدون المحافظون هم أنصار الحرف والنص، بينما المُجددين أنصار القياس والمعنى والاستنباط. فكان ذلك الصراع غير مُتفِق إلا على محاربة ما  دخل من عقائد جديدة على الدين والخرافات والجهل والشعوذة. يحاربونها المحافظون لأنها تُعبر عن الفكر الوثنيّ، ويقاومها المُجددون لأن العلم الحديث ينفيها. ورغم كون الفكر العربي يسعى نحو العودة إلى الدين كغاية نهائية، ولكنه قد جاء ختاماً دون توضيح صريح لكيفية تحقيق هذه الغاية.[42]

ثانياً أسرة عبد الرحمن الكواكبي ونشأته

أسرته: وقد قيل عن نسب أسرة الكواكبي نقلًا عن كتاب (أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) الذي ألفه السيد حسن بن أحمد بن أبي السعود الكواكبي أن والدته هي “الشريفة عفيفة بنت بهاء الدين بن إبراهيم بن بهاء الدين بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن شمس الدين الحسن بن علي بن أبي الحسن بن الحسين شمس الدين بن زهرة أبي المحاسن بن الحسن بن زهرة أبي المحاسن بن علي أبي المواهب بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام السبط الشهيد الحسين.”[43]

يُدعى عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي. ينتسب عبد الرحمن الكواكبي من أبويه إلى الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- رابع الخلفاء الراشدين. إن أول من سُمي الكواكبي في عائلة عبد الرحمن الكواكبي هو محمد أبو يحيى بن صدر الدين المشهور بأبو يحيى الكواكبي. وسمي بالكواكبي نظراً لعمله بالحدادة وبراعته في صنع المسامير التي تُدعى الكواكب نظراً لشدة لمعانها واستدارتها. لكنه سلك المتصوفة فعلى فيها شأنه وجاء التلاميذ إليه وتوافد الأمراء والرؤساء عليه، وكان ذا هيبةً حتى أنهم إذا أتوا إليه في نسكه أو ذكره لا يستطيعون التحدث له حتى يأذن لهم. وسميت طريقة آل الكواكبي في النساك بالطريقة الأردبيلية نسبة إلى أردبيل بن أذربيجانالذي أنتسب له صفي الدين الصفوي.[44]

وجاء في ذات الكتاب أن والده هو “ابن أبي السعود بن أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد بن أبي يحيى المعروف بالكواكبي، ابن شيخ المشايخ والعارفين صدر الدين موسى الأردبيلي[45]، ابن الشيخ الرباني المسلك الصمداني صفي الدين إسحاق الأردبيلي ابن الشيخ الزاهد أمين الدين ابن الشيخ السالك جبريل ابن الشيخ المقتدي صالح ابن الشيخ قطب الدين أبي بكر ابن الشيخ صلاح الدين رشيد ابن الشيخ المرشد الزاهد محمد الحافظ ابن الشيخ الصالح الناسك عوض الخواص ابن سلطان المشايخ فيروز شاه البخاري بن مهدي بن بدر الدين حسن بن أبي القاسم محمد بن ثابت بن حسين بن أحمد بن الأمير داود بن علي بن الإمام موسى الثاني بن الإمام إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب.” وجاء في سيرة والد الكواكبي الذاتية أنه تلقى العلوم العقلية والنقلية من أشياخ عصره في حلب الشهباء. كما كان صاحباً للشيخ أبي بكر الهلالي يقضي معه معظم أوقاته. وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ بكري البلباني. أشتهر أحمد الكواكبي بكونه رقيق الحاشية ظريف المحاضرة، وعلمه للفرائض وتحرير الصكوك. عمل كمُدرسٍ في الجامع الأموي عام 1280 هجرياً. وتم تعيينه كعضو في مجلس إدارة ولاية حلب الشهباء كما عرف اللغة التركية (والتي كان يندر من يعرفها من العلماء آنذاك)، كان هو خطيب وإمام لجامع جده أبي يحيى، بالإضافة إلى عمله في منصب الإفتاء في ذات الولاية. ومن المعروف عن منصب الإفتاء في حلب الشهباء أنه كان مُختصاً بإصدار الفتاوي، أي التقرير في فقه الشريعة الإسلامية، وكان من المعروف عن متولي هذا المنصب عدة خصائص أهمها:[46] العدالة والجدارة بالثقة والإرادةالحسنة. والإرادة الحسنة كانت إحدى أهم المعايير للحكم على صحة أو فساد الفتوى دينياً وأخلاقياً. إمتلاك المعرفة الثابتة والمُدعمة بالأسانيد، إنطلاقاً من كون الفتاوي لازمة الإرتباط والاستناد إلى العلم الراسخ. معرفة الفروق بين الشأن العام والشأن الخاص، وما يحتمل تفسيراً واحداً أو أكثر من تفسير في القرآن الكريم، كما يُشترط الدراية بعلم الحديث وإتقان القياس. كما عمل قاضياً لبعض الوقت عندما تم حل نيابة القضاء في حلب، فزعم الوالي العثماني في حلب قدرته على توكيل قاضي للحكم في حوائج الناس حتى قدوم نائب القضاء الجديد. وكان هذا القاضي الموكول إليه سلطة القضاء من الوالي هو رئيس الكتاب. فكان رئيس الكتاب غير راضٍ ووضح للوالي أن توكيله لا يجوز ولا يسري عمل من يوكله ولكن الوالي قد فرض عليه رأيه. فتوجه رئيس الكتاب إلى أحمد الكواكبي وعرض عليه العمل قاضياً فوافق. وعُرِف عنه العدل وضبط المقال، فكان في عمله كمُفتي يسمع لكلا الخصمين ويطرح عليهم أحسن الحلول المطروحة. فإذا رفضا التصالح كان يعرض عليهم أن يحكمانه بينهما كقاضٍ فيكتب صكاً (أي طلباً) بالحكم بينهما ويباشر عمله كقاضٍ[47].

وينتسب عبد الرحمن الكواكبي لأحد أعرق علماء حلب وهو الشيخ (محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي) , ولد الشيخ محمد الكواكبي في عام1609ميلادياً (1018هجرياً) وتوفى سنة  1685 ميلادياً (1096هجرياً). تولي الشيخ محمد الكواكبي منصب الإفتاء في حلب، وله عدة مؤلفات في أصول الفقه والكلام والمنطق أهمها كتاب (شرح الفوائد السنية) (نظم الوقاية) (نظم المنار) (رسالة في المنطق) (تعليقات على تفسير سورة الأنعام). كما ينتسب إلى الشيخ حسن أفندي بن أحمد الكواكبي المتوفي في (1229هجرياً) وهو من أعلام الأسرة وقيل عنه أنه كعبة الأدباء ونخبة العلماء، وأشتهر بالفضل وحسن الخُلق.وهو أيضاً قد أُسنِد إليه منصب الإفتاء في مدينة حلب. ومن أشهر مؤلفات الشيخ حسن الكواكبي كتاب (النفائح واللوائح في غرر المحاسن والمدائح).[48]

نشأة عبد الرحمن الكواكبي: وُلِد عبد الرحمن الكواكبي عام 1845 ميلادياً (1265 هجرياً). ولكن يقول بعض العلماء مثل أسعد بن عبد الرحمن الكواكبي أنه قد وُلِد قبل ذلك وقام بتعديل تاريخ ميلاده كي يقوم بالمشاركة في الإنتخابات.[49] ومولده الثابت في سجلات الأسرة كان عام 1854 ميلادياً (1271 هجرياً). والمُرجَح أنه كان أصغر من سنه الرسمي ، حيث توفيت والدته في عام 1276 هجرياً أي وهو في سن العاشرة طبقاً للرواية الرسمية ولكن أباه قد أودعه حضانة خالته السيدة صفية بأنطاكية. فأقام بالحضانة مع خالته حتى عام 1282 هجرياً ثم بعدها عاد لحلب ليلتحق بالمدرسة الكواكبية. وقد تعلم في كل من مكتب أنطاكية والمدرسة الكواكبية اللغة التركية والفارسية بالإضافة لعلم الرياضيات، وتعلم العلوم الأدبية والشرعية من والده وأصدقائه من أساتذة الجامع الأموي. ولقد درس عبد الرحمن الكواكبي القانون دراسة تفصيلية أدت إلى صخب الإشادة به في هذا المجال حتى أن تم تعيينه في لجنة امتحان المُحاميين من الحكومة في حلب. لكنه لم يتعلم الأخلاق أو السياسة أو علوم النفس من المدرسة بل أنه قد عرفها من المؤلفات والجرائد التي يقرأها بالعربية والتركية.[50]

وفي حياة عبد الرحمن الكواكبي قد وقعت حادثة هي ما لمست في شخصيته فكرة عيوب نظام الحكم في الدولة العثمانية. وهو عند نقل نقابة الأشراف من أسرة (الكواكبي) إلى أسرة (الصياد). والمعروف عن أسرة الصياد أنها تعتمد الطريقة الرفاعية، وتولت أسرة الصياد منصب شيخ مشايخ الطرق في انحاء الدولة العثمانية بعد ذلك. ولكن نقابة الأشراف لم يتم نقلها نظرا للشك في الأسرة الكواكبية أو عدم صلاحيتها وثبوت انتساب أسرة الكواكبي لأي أسرةٍ أخرى. بل إن نقابة الأشراف قد انتقلت لرضى الولاة عن زعيم أسرة الصياد، وامتعاضهم من الأسرة الكواكبية.[51]

وقد عُرِف عن الكواكبي مجالسته لزوار حلب من مُختلف أنحاء العالم، فجالس الفرنسيين قبل ثورتهم الدستورية والإيطاليين قبل ثورتهم القومية. وهم من كانوا من المُثقفين المُنضمين للأحزاب في هذه الدول، وبالتالي نقلوا إليه فلسفاتهم وأفكار جماعتهم. وقد أشتهر الكواكبي بالكفاءة في العمل حيث أثبت الإدارة الحسنة في كل عمل أوكل إليه. عمل في صحيفة الفرات العربية التركية، ثم أنشأ جريدة الشهباء في حلب بالاشتراك مع زميله هشام العطار، وبعدها صحيفة الإعتدال. وقد تم إغلاق الصحيفتين نتيجة صراحتهما في نقد الإدارة التركية للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني.[52] وعندما سئم أداء رسالة الإصلاح الكتابية في الجرائد نتيجة تعطيلها والحجر عليها، قبل العمل بالحكومة وعمل في عدة وظائف مثل لجان البيع التي تستبدل أراضي الحكومة، ورئاسة غرفة التجارة. وعُرِف عنه كفاءته في العمل وإصلاحه وتطهيره للإدارات التي عمل بها. فيما يدل أنه قد أنتقل من مقاومة الاستبداد الكتابية إلى المقاومة الفعلية بالعمل الجاد والإلتزام والمسئولية. ويُمكننا رؤية ذلك من خلال أهم ممارساته في العمل مثل رفع أجور العمال منعاً للرشوة والإختلاس، بالإضافة إلى ضبط غرف التجارة من خلال إنتاج الإحصائيات كأي إدارة في مكان حضاريّ، ناهيك عن الحد من الأوبئة والأمراض بتجفيف المستنقعات، علاوة على توصيله المياه إلى حلب من نهر الساجور.[53]

وقد أقام عبد الرحمن الكواكبي في حلب لفترة طويلة من عمره لم يتركها إلا فترات قصيرة في رحلات كان أطولها إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية حتى سافر إلى القاهرة. وعُرف عنه العداوة للفسدة وأعداء العمل النزيه وصراحة القول. فكان الولاة يقومون بإتباع الأسباب الواهية لمُصادرة أملاكه، فكلما قامت قائمة أو مشكلة ما يتم نسبها إلى الكواكبي. فتم تزوير الشهود وتلفيق الأسانيد لمعاقبته بتهم بعضها استطاع الهروب منها. فمثلاً عندما تحدث محاولة إغتيال الوالي يتم إتهام الكواكبي نسبةً لقيامه بانتقاد الوالي ببعض قضايا الفساد. كان هذا الوالي فيما بعد قد وقع في خصومة مع القنصل الانجليزي وأرسل القنصل لدولته طلباً للتحقيق في الواقعة. فتم طلب شهادة الكواكبي الذي رفض أن يدعم القنصل الأجنبي ودعم الوالي امتناعاً عن إعطاء الدولة الأجنبية موالين لها في الدول تحتاج لداعمين فيها. وبرغم ذلك بعد نجاة الوالي من العقوبة لم يترك الكواكبي ولاحقه بتهم أهمها التخابر مع دولة أجنبية وهي ما تُعاقب بالموت. لكن بعدما تم نقل القضية من محكمة حلب إلى بيروت بعيداً عن التدليس فحكم له بالبراءة مما نُسب إليه.[54]

المبحث الثاني

فكر عبد الرحمن الكواكبي

كما تم التوضيح في المبحث السابق، ساد الضعف والفساد الدولة العثمانية في فترة حياة عبد الرحمن الكواكبي وتزايد التدخل الخارجي في شئون الدولة العثمانية فيما سُمي “بالمسألة الشرقية”. ومن ذلك الضعف بجانب المعرفة النظرية وتكراراً التجارب العملية استلهم الكواكبي نظريته في محاربة كل ما هو فاسد في مجتمعه. فكان ذو رؤية خاصة تنعكس على الفئة التي أهتم بها في خطابه وهي فئة المُثقفين والمُتعلمين. كما تميز فكر عبد الرحمن الكواكبي بالتوجه نحو الإصلاح. ويُمكن التحدث الأن عن الجماهير التي خاطبها عبد الرحمن الكواكبي، ومن ثم تعريفه للاستبداد وممهداته ونشأته، وكيفية محاربته وهي طريقة إتمام عملية الإصلاح التي كان يسعى إلى توظيفها للتغلب على فكرة الفساد والاستبداد. وتوضيح العنصر الأساسي الذي يؤدي لظهور الاستبداد وهو الجهل الشامل. بالتالي يُمكننا الحديث عن النظرية الاستبدادية لعبد الرحمن الكواكبي التي تحدث عنها في كتابيه (أم القرى) و(طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد).

أولاً الجماهير والفئات التي استهدفها خطاب عبد الرحمن الكواكبي[55]

كان الكواكبي ذو خطاب مُستهدِف في المقام الأول لفئة المُتعلمين والمُثقَفين. فلم يكن خطابه عاماً يستهدف الجماهير المُتعددة. ويأتي ذلك متواكباً مع رؤيته للإصلاح التي سنتحدث عنها لاحقاً في هذا المبحث. بالإضافة أنه كان يكتب جميع كتاباته باللغة العربية لأن خطابه أساساً موجه للفئات العربية. في هذه الكتابات شرح الكواكبي تصوره لأسباب تدهور المسلمين وعلاجاته للإصلاح. تم تأليف كتب الكواكبي أثناء وجوده في حلب وظهروا في البداية في القاهرة بأسماء أخرى. أهمهما هما كتابي أم القرى وطبائع الاستبداد الذي ولّد كلاهما إحساسًا أدبيًا. كانت أعماله موجهة للقراء العرب والمثقفين على وجه الخصوص. لم يكتب الكواكبي لجماهير متعددة. كان أسلوبه معقدًا جدًا بحيث لا يمكن الوصول إليه من قبل الجماهير العربية ، التي كان القليل منهم متعلمًا. بدلاً من ذلك ، تحدث بشكل أساسي إلى الطبقة الاجتماعية المتعلمة ، وهي فئة من المثقفين كان يهدف إلى إلهامهم للعمل من أجل الإصلاح.

ثانياً أهم كتابات الكواكبي

في هذه الدراسة سوف نُركِز على مؤلفتي الكواكبي (أم القرى) و(طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد). فقد تناول الكتابين أغلب أفكار عبد الرحمن الكواكبي وخلاصة تجاربه قبل عام 1900م. كما بين طيات هذه الكتب نجد تشخيصاً للداء العضّال الذي عانت منه الأمة وهو الاستبداد من خلال تفسيره لسبب رئيسي ومجموعة نتائج.

كتاب (أم القرى) قد كتبه عبد الرحمن الكواكبي في عام 1900م. وكان يحكي عن اجتماع بين جماعة من العرب والمُسلمين لفحص الداء الذي أصاب الأمة وبحث الدليل المُداوي له. وأعضاء هذه الجمعية هم ممثلين من العالم العربي والإسلامي يتناقشون فيما بينهم عن حالة المُسلمين وعلاجهم. وقد أنتهى هذا المؤتمر -الذي في أغلب ظن المؤرخين هو وهمي ليس له وجود واقعي إنما هو من خيال الكاتب- أن المُسلِمين في حالة فتور عام يجب تداركه قبل أن تنحل العلاقة بينهم وتتفتت عصبيتهم. وسبب هذا الفتور العام هو تقاعس الحكام عن أداء واجباتهم، ثم تجاهل العلماء دورهم التنويري، وبالتالي شيوع الفساد ووصوله للأمراء والولاة على المُقاطعات الصغيرة. فكان السبب الرئيسي للفساد هو الجهل.[56]

عدد الكواكبي أسباب التدهور والانحطاط في الدولة العثمانية إلى نحو بضع وسبعين سبب قسمها إلى أسباب أولية وثانوية. حيث حدد السبب الأول والرئيسي وهو الجهل الديني. وذلك من خلال أنه قد رأى المسلمين جاهلين تمامًا بجوهر الإسلام كما نزل في القرآن. حتى أصبح الفهم الديني للإسلام بالنسبة له منحطًا ومتحجرًا. واختفت القيم والمعتقدات الدينية فأصبح نادرا ما تكون أركان الإيمان تُراعى، وتآكلت الممارسات الدينية فلم يعد المسلم العادي في متناوله المعرفة الدينية.[57]

أما كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) فقد جدد فيه الخطاب من خلال تعريف الاستبداد وتشخيص أهم معالمه وبالتالي بدأ الحديث عن دواءه وكيفية التغلب عليه. فتحدث عن فكرة استبداد الحكومات (الاستبداد السياسي) والعلاقات الثنائية التي تجمع بين الاستبداد والجهل السياسي، الاستبداد والانحراف الديني. وأثار الاستبداد على العلم والأخلاق والتنافر بين الاستبداد والعلم.[58]

ثالثاً تعريف الاستبداد وأسبابه في رؤية الكواكبي[59]

لغوياً رأى الكواكبي أن الاستبداد يعني غرورالمرء برأيه وعد قبوله للنصيحة، فيستقل برأيه. ويقصد في كتابه لفظ الاستبداد بمعنى الاستبداد السياسي. فيُعرّف الاستبداد السياسي بأنه “سمة من سمات الحكومة المطلقة التي تدير شؤون رعاياها بتعسفٍ عن عمد، دون خوف من المسائلة أو العقوبة”.

وكانت المشاكل الداخلية الرئيسية التي يُعاني منها المُجتمع العربي والإسلامي تبعاً لوجهة نظر عبد الرحمن الكواكبي مُوجزةً في ثلاثة مشاكل هي: سوء الفهم للدين الإسلامي من العلماء والجماهير. الاستبداد السياسي للحُكام المُسلمين والتنافر بينهم وبين المحكومين. فساد الجماهير الأخلاقي وضعف الشخصية  العربية الإسلامية.

وأصل التقاعس وفقاً لوجهة نظر عبد الرحمن الكواكبي هو الجهل بكل أنماطه (مُشدداً على الجهل الديني بشكل خاص). فقال أن الجهل هو ما يُطور الاستبداد. وهو ما يؤدي إلى الفساد الأخلاقي والسياسي. فينتج عنه ضعف الأخلاق. فكان الواقع الذي عاش فيه الكواكبي مشهوراً بأن الناس مُنبهرين ومُفتتنين بالأجانب يقلدونهم ويتبعونهم بشكل أعمى في أمور أعتبروها راقية أنيقة دون وعي وإدراك بأنهم يُخدَعون. ومن أمثلة تلك الأمور هي التخليّ عن الاعتزاز بالدين استناداً على انتشار فكرة الصلاة في أماكن مُنعزِلة. وإنعدام الأخلاق وإهمال العادات الشعبية مما أدى لضعف الشخصية العربية وتراجع عزيمتها. كما أدى الجهل في نظر عبد الرحمن الكواكبي إلى فشل الناس في المُطالبة بحقوقهم. وذلك كان لأنهم قد أعتادوا الخوف والجُبن. وذاعت الأفكار السلبية مثل قلة التعليم والكسل والتفكير المُتشائم، وغابت الإرادة نحو النضال من أجل الحصول على الحقوق والحريات.

وبدأ الكواكبي في سرد العلاقة بين الدين والعلم ابتداءً من النظرة الواقعية السلبية لمُجتمعه. فقد ذاع في المُجتمع أن العلوم الفلسفية والعقلانية تتعارض مع الدين. ولذلك بدأ الناس في عداء العلوم وأصحابها. فناهض الكواكبي هذا الاعتقاد قائلاً أن القول بأن العلوم تتعارض مع الدين هو افتراض فاسد عِلته هي إيثار الناس للجهل وعدم إعمال العقل. فلقد أدى شيوع هذا الاعتقاد السلبي بخروج أصحاب العلوم عن الدين إلى التخلي عن الاجتهاد وممارسة التقليد السلبيّ الأعمى. فبدأت تَشيع الخُرافات بدلاً من إدخال الإبتكارات. وأصبح رجال الدين مؤثِرين للجهل وإصدار الأحكام المغلوطة والخاطئة. فدعموا الاعتقاد الفاسد برفض الدين الإبتكار والاجتهاد. لذلك كان عبد الرحمن الكواكبي من الأوائل المُدافعين عن حق المرء في ممارسة التفكير واستخدام العقل للابتكار.

وجه عبد الرحمن الكواكبي أيضاً مجموعة من الانتقادات لنظام الحكم العثماني المؤدي لضعف المُجتمعات الإسلامية من وجهة نظره. فلقد أفتقر النظام العثماني إلى آلية الشورى في تدبر الأمور، كما فقد التجانس بين القوانين والتوافق فيما بينها. وأتهم أيضاً نظام تفويض السلطة في الدولة العثمانية بأنه نظام فاسد يُفوض مزيد من السلطات والواجبات لمجموعة من الحاكمين والولاة الفاسدين. وهو ما يؤدي في النهاية لزيادة رقعة الفساد وتأصله. فكان يُطالب بإصدار قانون جنائي وإداري واحد على كل المُقاطعات.

رابعاً ممهدات الاستبداد عند الكواكبي

وضح الكواكبي في كتاب أم القرى أن سبب الخلل هو الجهل الشامل فإن كان الداء هو الاستبداد فجرثومته هي الجهل.[60] فالجهل العام المُنتشِر بين العلماء والأمراء أدى إلى للكسل والتراجع عن الإنتاج العلمي. فلقد تم تجاهل تعليم النساء الاتي عليهن دور تربية النشأ وه ما أدى إلى وجود جيل جاهل يكتفي بتقليد كل ما غربي. وذلك لعدم مقدرتهم على تحصيل التقدم الغربي وعدم القدرة على الإصلاح. إن الكسل أدى لفقدان الأخلاق. [61] فنشأت العقيدة الجبرية وهي مجموعة قواعد قائمة على فقدان الأمل وتدعيم الكسل. فداخل عملية التربية تم ببث أفكار سلبية (أهمها هو المساواة بين الزهد والهوان) على أنها أفكار دينية. “مثل أن يزهد المسلم الحياة الدنيا من حيث أنه لا يسعى لكسب الرزق ولا التعلم الصحيح. فيموت قبل أن يُدرِكه الموت. وتحت تأثير هذه الممهدات يتبع المسلمون الأفراد لا الدين فينتهي المطاف بهم بإنحلال الرابطة الدينية التي تجمعهم.”[62]

خامساً نشأة الاستبداد عند الكواكبي[63]

علماء الدين وفقاً لمنظور الكواكبي وجدوا أنهم لا يستفيدون بمعرفة علوم أخرى غير مجموعة من مباديء الحساب بجانب الدين، والعلماء الرسميين لم يستطيعوا إتقان العلوم أو حتى تشجيع الناس على المداومة عليها. كان هذا القصور لدى العلماء مؤدي إلى ابتعاد الناس عن الدين لأن “الدين يُعرف بالعلم، والعلم بُعرف بالعلماء الذين يحلون محل الأنبياء في إرشاد الناس إلى الصواب.” ونظراً لكون نظام الحكم مُنشغِل عن أحوال الناس، تواجد الفراغ في الحياة العامة. وهو ما استغله “المُتعالمين” كما سماهم الكواكبي وهم من يتدعون أنهم علماء وهم ليسوا علماء. مما أحدث خلل في نفوس العامة؛ فهؤلاء المُتعالمون كانوا معروفين بالتطرف في أحكام الدين ومُطالبة الناس بالتقيد بهذا التشدد. أدخل هذا التشدد الخرافات إلى التعاليم. وبالتالي أصبح الدين يُشكل مثالاً صعب التحقق في حياة الناس. “فبدأ التعايش بين المسلمين يقوم على التغالب والتحايل لا التعاون والتبادل وهو ما أسس الخمول والفتور.” وينبثق الاستبداد السياسي من الاستبداد الديني ومع مرور الزمن. حيث ينتقل الإيمان لدى الأشخاص من الدين المُنزَل من عند الله إلى الدين الموضوع من الأفراد. وتباعاً تتحول صفة الآلوهية من الله إلى فرد سواء كان كاهناً أو عرّافاً أو حاكماً. وبذلك يتم التلاعب بجهل العامة واستغلاله من خلال الخلط والمزج بين أمور السياسة والدين

ولذلك يقوم عبد الرحمن الكواكبي بتحميل العلماء مسئولية شيوع الاستبداد الديني لأنهم قد استكانوا وتكاسلوا عن خدمة دينهم بدفع الباطل وإظهار الحق. فأفسحوا الطريق أمام المُتعالمين يُدخِلون بدعهم على الدين كيفما شائوا.

سادساً منهج التخلص من الاستبداد عند الكواكبي

لقد دافع الكواكبي عن نظرية العلم المُكمِل للدين الذان يعملان معاً كعلاج لإنهيار الأمة الإسلامية. فاًكد أن العلاج الأساسي والكافي لكل هذه العِلَل والأمراض هو التكامل بين الدين والعلم لأن الدين والعلم يضيفان ويكملان بعضهما البعض. لذلك في رأي الكواكبي يجب على المسلمين استخدام دينهم لفهم دور العلم والاستفادة منه في حياتهم.

التغيير التدريجي: إن الكواكبي يؤيد أيضاً فكرة التغيير التدريجي. فالاستبداد لا يمكن مقاومته بالقوة، لكن يمكن مقاومته بالقوة الناعمة والتدرجية. فأقترح أنه يجب على المسلمين بذل الجهود لخلق قيادة بديلة، ووضع مخططات سياسية تخلو من الاستبداد. وأكد الكواكبي على فكرة إنشاء مجتمع مدني مماثل للمجتمع الأوروبي. ورأى أن هذا سيعزز المجتمعات الأهلية الإسلامية. فشجع على إنشاء هيكل للاستشارات الدستورية تحقيقاً لمبدأ الشورى، وإنشاء قنوات تواصل للسكان حول أهداف واتجاه الإصلاح. وطالب أن يكون العرب من بين رواد نشر أجندة الإصلاح بشكل خاص. وعلل سبب إختياره للعرب بأن أمجاد الإسلام هي مساهمات عربية؛ وأن العرب لديهم فضائل مميزة عن غيرهم أهمها التضامن، الشجاعة، الولاء، الكرم، والمرونة بالإضافة للتشاور في الشؤون العامة. فكان العرب بالنسبة له هم أفضل ممارسين لتعاليم الإسلام. كانوا هم المؤهلون ليحترموا مبادئ التبادل الديمقراطي والمساواة في الحقوق. لقد حافظوا بشدة على حريتهم واستقلالهم وكانوا أقل قبولًا للاستبداد.[64]

فسر الكواكبي عملية الإصلاح في ضوء المباديء السابقة. وقام في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) بتفسير هذه المباديء. فمبدأ التحول التدريجي من الاستبداد يُفسِره الكواكبي بأن التحول المُفاجيء إنما يكون باستبدال مُستبِد بمُستبِد أخر. وفي تلك المرحلة قد تنال الأمة الحرية عفواً ولكنها لا تهتم أو تشعر بها وربما تُضحي بها أيضاً. فتنقلب هذه الحرية إلى فوضى. وتقود هذه الفوضى إلى استبداد أشد يُشبه انتكاس المريض. وهو الذي دفع الكواكبي للتصريح بأن الأمة التي لا تعلم مرارة الاستبداد لا تستحق الخلاص منه. فالثورات تقتلع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها وبالتالي يُعاود الاستبداد في النمو مُجدداً.[65]

وعملية التحول التدريجي تكون أولاً من خلال العلم. فهو من وجهة نظر الكواكبي ما يبُث الحياة في جسد الأمة. فالعلم بأن الأمة تُعاني ويُمكنها تغيير أحوالها يؤدي إلى شعورها بمرارة الاستبداد وبالتالي الاستعداد لقبول الحرية. ويُعارض فكرة العنف في الحرب على الاستبداد انطلاقاً من كون العُنف حجر أساس الفتنة التي تؤدي لمقتل الناس وحصد الأرواح. إنما رأى توجب محاربة الاستبداد بالعلم المنشور تدريجياً بين الناس. وتلك عملية تأخذ وقتاً طويلاً من الزمن لكون البشر غير مؤهلين لتصديق هذا العلم، وفي ذلك لهم عذر أنهم قد ألفوا فكرة مُخادعة العلماء لهم.[66]

خاتمة الفصل الأول

كانت الفترة التي عاش فيها عبد الرحمن الكواكبي مُتميزة بتصاعد قوة الأوروبيين وتراجع قوة الدولة العثمانية التي كانت تحكم العالم الإسلامي في ذلك الحين. لكن كان هناك وعي مؤمن بأهمية مباديء الإسلام كرابطة رئيسية ومركزية يلتف حولها المسلمين سواء كانوا عرباً أو أتراكاً. وفي خضم هذه البيئة رأى عبد الرحمن الكواكبي ضرورة إعادة إحياء العالم الإسلامي والعربي. إن السياق التاريخي يُعبر عن تفكير المُنظِر. فبمعرفة السياق المُحيط بالمُفكرين يُمكِن التعرف على فكره بشكل أوضح وصفات شخصيته، وبالتالي الغرض من هذه الأفكار التي يعرضها. فصفات مدينة حلب قد توارثها الكواكبي من احترام تعدد الأجناس مع الإعتزاز بالدين وممارسة شعائره، فكان الكواكبي مُحارباً للجهل الديني وساعياً لمحاربة كل ما هو فاسد. وقد أكتسب من تعلمه القانون والدين معاً خصال عدة مثل ضرورة التفرقة بين عبادة الله وعبادة الأفراد، فعبادة الأفراد تنجم عن الجهل في رأيه وشيوع ما دعاه بالعقيدة الجبرية. في نهاية هذا الفصل يُمكِن وضع العديد من الاستنتاجات. أهمها أن مُفكراً مثل عبد الرحمن الكواكبي قد نقل خبرة عصره من خلال مجموعة النصائح التي قدمها لمجابهة الاستبداد، كما وضح أهم المعالم التي تُنذر بوقوع الاستبداد مثل الجهل العام. فقد أعتبر الجهل العام هو الجرثومة الصغيرة التي تؤدي لشيوع وباء الاستبداد بين أبناء الأمة. وكان من هذا المُنطلق واضحاً أن محاربة الاستبداد لا تكون إلا بالتدريج. فانتزاع شجرة الاستبداد سريعاً لا يعني بتر جذورها. فانتزاع الاستبداد إن لم يقترن بمُجتمع يعرف أفراده مرارة الاستبداد أصبح ظاهرة عفوية، ويعود بعدها الاستبداد مرة أخرى ويكون أقوى من ذي قبلٍ. ووضح أنها لا يجب أن تكون عملية قائمة على القوة كي لا تتحول عملية التخلص من الاستبداد إلى عملية دموية تحصد الأرواح. واستحسن فكرة المؤسسات المدنية والمُجتمع المدني كمانع للاستبداد من الوقوع وهي فكرة تشبه أفكار مونتسكيو. وبذلك وبأقل التكاليف المادية يُمكن القضاء على ظاهرة الاستبداد فقط بإعمال عقل الأمة وإرشادها للصواب وإيمانها بقدرة العلم على تغيير الواقع للأفضل.

إن هذا الأساس الفكري للكواكبي يُمهِد للبحث في الحالة التركية. ففي سياق الكواكبي كانت مباديء الشريعة الإسلامية هي الحاكمة بشكل عام، أما في عصر الدولة التركية القومية كانت التجارب الدستورية متعددة. ولذلك يُمكننا التركيز على الخبرة الدستورية للنظام السياسي التركي كمدخل للبحث عن الفكرة المُجرَدة المؤدية للاستبداد (الجهل بشكل عام). ومن بعدها نبحث في مظاهر الاستبداد التي تحدث عنها الكواكبي مثل حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والتعبير عن الرأي والإشكاليات الاجتماعية مثل التعدد الديني والمساواة بين حقوق جميع الأفراد، والحالة الاقتصادية التركية من حيث الأزمات المُتلاحقة وكيفية الخروج منها.

الفصل الثاني

 ملامح النظام السياسي وسمات السياق التركي

مُقدمة

كما جاء في الفصل السابق، أنطلقت نظرية الكواكبي من واقع يشهد بروز المزج بين الدين والسياسة. أي الخلط بين التقاليد الدينية والسلطة الزمنية. فكان النظام العثماني قائماً في الأصل على نظام الخلافة والحكم تبعاً للشريعة الإسلامية. ولكن أدت مجموعة التغييرات الحادثة مُنذ القرن التاسع عشر إلى تغييره، ففكرة الدستور قد تسللت إلى الواقع العثماني كنتيجة للتأثر بالثورة الفرنسية ومبادئها. فنمت على أساس هذا الدستور الحركة الوطنية التركية التي أعلنت قيام دولة تركيا عام 1918م. في هذا الفصل يتم الحديث عن النظام السياسي التركي مُنذ أواخر عهود العثمانيين وصولاً إلى عهد الرئيس رجب طيب أردوغان. وتتناول خصائص النظام السياسي عدد من العناصر أهمها هو العملية الدستورية سواء في أثناء وجود الخلافة العثمانية كنظام حاكم، أو مُنذ قيام الجمهورية التركية. كما يُلتفَت إلى أهم صفات الواقع التركي وهي العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية ودور القضاء كحارس للدستور في تركيا. والتركيز أيضاً على عدد من الخصائص التي يمتاز بها النظام السياسي التركي مثل الصراع العسكري المدني على السلطة. ويُعد هذا الفصل مهماً في الدراسة لأنه يهتم بدراسة خصائص ومميزات السياق والنظام السياسي التركي. وهو ما يُمكِن من مقارنة هذا السياق والنظام التركي مع أفكار عبد الرحمن الكواكبي مُقارنة صائبة، تؤدي إلى توقع مجموعة من النتائج التي على أساسها يُمكن التأكد من الفروض المبحوثة بالنسبة لدولة تركيا.

المبحث الأول

النظام السياسي التُركي

لقد تميزت جمهورية تركيا بتعدد التجارب الدستورية. فلقد عِرفت القانون العُرفي مُنذ عهد الخلافة العثمانية (1299-1923) بالتحديد في عام 1792م، وشهدت عدة مراسيم قانونية لها قوة الدستور. حتى ظهر أول دستور تركي فعلي عام 1921م. فالسؤال الخاص بهذا المبحث هو كيف تطورت العملية الدستورية في الواقع التركي؟ والإجابة على هذا السؤال تتم من خلال توضيح أهم المراحل التاريخية الخاصة بجمهورية تركيا. وهي فترة الدولة العثمانية الكلاسيكية (حتى القرن التاسع عشر)، ودستور 1876م والحركة الوطنية التركية (أوائل القرن التاسع عشر). فخلال المرحلة الأولى، كان القانون العثماني يتألف من جزأين؛ جزء القانون الإسلامي، وجزءالقانون العرفي والعلماني. ويمثل هذا مزجاً من القرآن والحديث وفقه العلماء المسلمين. فتم تطبيق القانون الإسلامي في الوظائف الإدارية وفيما يتعلق بقضايا القانون الخاص مثل الزواج والميراث. لكن كان للجاليات غير المسلمة المحاكم الخاصة بها. ففي رأي الأتراك لا تنص الشريعة الإسلامية على قواعد أو أحكام محددة تتعلق بالقانون العام، باستثناء بعض الجرائم والعقوبات. ونتيجة لذلك السبب، كان القانون العُرفي الذي يتألف من مراسيم صادرة عن السلاطين مصدرًا مستقلًا للقانون وله أهميتة كبيرة. والحقيقة أن القوانين الوضعية تُستخدم مُنذ مُنتصف القرن السادس عشر بالتحديد في عهد سليمان القانوني (1520-1566م).[67]

أولاً مراحل تطور العملية الدستورية منذ الدول العثمانية إلى تركيا الحديثة

العملية الدستورية في الدولة العثمانية[68]: مُنذ عهد سليم الثالث[69] في الدولة العثمانية بدأت التغييرات في الواقع التركي. فقد أعلن عن النظام الجديد والتنظيمات (1792-1876). وسبب ذلك هو تصاعد قوة الأوروبيين نظراً للالاكتشافات الجغرافية والنهضة والتنوير الذين قلبوا موازين القوى بين أوروبا وبقية العالم. ففي عام 1789م أدرك السلطان الحاجة إلى التغيير وفتح قنوات اتصال تجاه الغرب. في هذا السياق، أطلق سليم الثالث برنامج إصلاح يسمى (النظام الجديد) يركز بشكل أساسي على نظام الجيش وجباية الضرائب. فأعلن عن تطبيق نظم تعليم أوروبية ودعم تلك النوايا فعلياً بوثيقة 1808م. كانت هذه الوثيقة تنص على تعهد صريح من الحكومة المركزية وأفطاب المقاطعات بالاحترام المُتبادل للحقوق الثابتة. كما تم إنشاء سفارات عثمانية دائمة في لندن وفيينا وبرلين وباريس لأول مرة. لكن لم يتمكن سليم الثالث من إنجاز برنامج النظام الجديد نظراً لاغتياله من قبل المعارضين المحافظين. وبعد انقطاع قصير، استأنف محمود الثاني عملية التحديث بطريقة أكثر عمقًا وتصميمًا خلال فترة حكمه،. فتم إجراء العديد من الإصلاحات التي مكنت من ظهور بيروقراطية مركزية وعقلانية. وحاول محمود الثاني أيضاً تطوير موقف قائم على المساواة تجاه غير المسلمين.

وتوالت على الدولة العثمانية المعاهدات مثل معاهدة أدريانوبل 1829م، وأصدرت الدولة العثمانية ذاتها المراسيم التي تؤكد شيئاً فشيئاً على دخول المدنية الغربية إلى جسد نظام الخلافة مثل مرسوم 1839 المُنشيء لمجلس العدالة المُكلَف بصياغة القوانين، ومرسوم1856 المعروف باسم الخط الهمايوني الذي أوجب المساواة بين المسلمين وغير المسلمين وإنشاء المحاكم المُختلطة. وأخيراً دستور 1876م. لم تحظ هذه المراسيم والأتفاقيات بأي أجهزة من شأنها ضمان تطبيق النصوص المذكورة بداخلها. ولذلك لم تأخذ تلك الإصلاحيات حيذ النفاذ الواقعي.

دستور 1876م[70]: نتيجة عدم الرضا عن الإصلاحات حدث انقلاب على السلطان عبد العزيز وتنصيب السلطان عبد الحميد الثاني. وتم الاشتراط أن يكون ملكًا دستوريًا. وفي عام 1876م وافق السلطان الجديد وأصدر القانون الأساسي الذي يُعد أول دستور للتاريخ القانوني التركي. على الرغم أعتراف القانون الأساسي بالحقوق والحريات الأساسية على الورق وأكد أن جميع العثمانيين متساوون أمام القانون بغض النظر عن العرق والدين ، إلا أنه لم يكن إصلاحًا فعليًا لأن السلطان أحتفظ بمعظم صلاحياته.

وكان نص دستور 1876 يُقر انشاء جهاز تشريعي من مجلسين. مجلس العموم أو كما دُعي أنذاك (مجلس المبعوثان)  أعضاؤه مُنتخبون وعددهم 150 عضو، ومجلس الأعيان يتم تعيين أعضاؤه مباشرةً من قبل سلطان وعددهم 40 عضو. ومن عيوب هذا الدستور أنه لم يُسمح للهيئة التشريعية بسن القوانين إلا إذا وافق عليها السلطان، وفي ذات الوقت يُتيح للسلطان سن المراسيم دون أي قيد، بالإضافة أن الوزراء وحدهم مسؤولين أمام السلطان وليس أمام المجلس، كما حصن الذات الملكية ضد أي اتهامات مستقبلية وجعله غير مسئول أمام الشعب. كما أعطى النص للملك الحق في نفي أي شخص يعتبره خطرًا على سلامة الدولة، وحل البرلمان في حالة الضرورة. ومن ثم، استخدم عبد الحميد الثاني هذه السلطات على الفور بحجة حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية (1877-1878)، وتم إيقاف العمل بالدستور عن طريق إيقاف البرلمان، وإرسال رئيس الوزراء مدحت باشا -مؤسس الوثيقة الدستورية- إلى المنفى. وفي النهاية تم تعليق الملكية الدستورية. وبعد ثلاثين عام ونتيجة قوة المعارضة السياسية الكبيرة من مختلف مقاطعات الدولة العثمانية، وتهديدها بالزحف نحو القسطنطينية حيث  تمردت قوة الاتحاد وترقي بقيادة الشباب الأتراك ضد السلطان وأحدثت ثورة في عام 1908م. عاود البرلمان الانعقاد في 1909م. وتم عزل عبد الحميد الثاني وتعديل الدستور. وتم حذف النصوص المذكورة والحامية للسلطان من النص. وبالتالي، بدأت ملكية دستورية حقيقية مع ديمقراطية متعددة الأحزاب. على الرغم من الكثير من الاضطرابات السياسية التي سببتها الحروب المستمرة ، ظلت نسخة 1909 هي القائمة رغم كل الحروب الطاحنة التي خاضتها الإمبراطورية العثمانية حتى إنهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

الحركة الوطنية ونشأة الدولة التركية الحديثة:[71] تُعد معاهدة لوزان ضامناً لوحدة الأراضى التركية. فقد حدثت عدة محاولات بعد الحرب العالمية الأولى من قبل روسيا وبعض الدول الأوربية لتقسيم الأراضي التركيا أهمها اتفاقية سيفر عام 1920م. فلقد كانت معاهدة سيفر تستهدف تقسيم تركيا بين عدة أطياف هم الآرمن والأكراد والدول الغربية مع إعطاء مقاطعة صغيرة فى وسط الأناضول للأتراك. لكن مصطفى كمال أتاتورك نجح فى قيادة حرب ضد هذه التطلعات من الأعراق المُختلفة. أدى نجاحه في جمع الأراضي التركية إلى نشأة للشكل الحالى للجمهورية التركية جغرافيًا. وعُرفِت هذه الحرب بحرب الاستقلال التركية (1919-1923م).

بدأ الأمر بتوقيع مجلس وزراء الدولة العثمانية بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى على معاهدة سيفر. والتي بموجبها احتل الحلفاء واليونانيون العديد من المدن الكبرى مثل اسطنبول وإزمير. لكن الحركة الوطنية التركية قد اشتعلت ولم ترض بتقسيم تركيا. فأطلق مصطفى كمال أتاتورك حرب الاستقلال في 19 مايو 1919م.

دستور عام 1921م:[72] بعد تأسس برلمان ثوري جديد باسم (الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا). صادق البرلمان على لائحة النظام الأساسي الجديدة التي عُرفَت بدستور 1921م. كان الدستور عبارةً عن نص قصير نسبيًا متألف من 23 مادة. وكُتب كوثيقة انتقالية فلم يتضمن أي نصوص تتعلق بموقف السلطان في البداية. ومن ناحية أخرى كان النظام الحكومي المنصوص عليه في دستور عام 1921 مشابهًا تمامًا لنظام المؤتمر الوطني الفرنسي (1792-1795) الذي اعتمد على الهيمنة المطلقة للجمعية الوطنية على السلطة التنفيذية والقضائية. فكان من المقرر تعيين الوزراء وإقالتهم مباشرة من قبل الجمعية الوطنية. كما يكون رئيس الوزراء هو رئيس الجمعية الوطنية .

بعد الانتصار النهائي وانسحاب القوات المحتلة في أواخر عام 1922، تم إلغاء السلطنة العثمانية بموجب مرسوم 1922 الصادر عن الجمعية الوطنية. وبعد توقيع معاهدة لوزان والحصول على الاعتراف الدولي بالحدود التركية، قامت الجمعية الوطنية بتعديل مواد دستور 1921م. فبعد التعديلات تصبح تركيا جمهورية. ويتم إنشاء منصب جديد يسمى (رئاسة الجمهورية). وتباعا تم فصل رؤساء الهيئات التشريعية والتنفيذية. رئيس الوزراء والوزراء الآخرين كان من المقرر أن يرشحهم رئيس الجمهورية من بين أعضاء البرلمان بشرط موافقة أعضاء البرلمان على ترشحهم. بشكل عام يُمكننا القول أن دستور عام 1921 كان قصيرًا ومرنًا. ولتطلب هذه العملية نصًا أكثر تفصيلاً وصرامة وديمومة لأنه طور نشأة الدولة ومن أجل تلبية الحاجة ، أعتمدت الجمعية الوطنية دستوراً في أبريل 1924م.

دستور 1924م:[73] حافظ دستور عام 1924 على مبدأ السيادة الوطنية وحظر بشكل صارم تعديل مادته الأولى التي تنص على أن تركيا جمهورية. أُدخِل مبدأ سيادة الدستور. ومع ذلك، لم تنشئ محكمة دستورية لحماية هذا المبدأ. وبالنسبة للحريات، اعترف النص بالحقوق المدنية والسياسية فقط. تم تصور الديمقراطية بطريقة تمثيلية وأغلبية.

دستور عام 1924 جعل النظام الحكومي أقرب إلى البرلمانية وتوجه إلى استقلال القضاء. وفقا للنص يجب أن يكون رئيس الوزراء وجميع الوزراء نواباً. كان من المقرر انتخاب رئيس الجمهورية من قبل البرلمان. لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان. يتم تعيين رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية بينما يتم تعيين الوزراء الآخرين من قبل رئيس الوزراء. تكون حكومة رئيس الوزراء مسؤولة بشكل جماعي أمام البرلمان. حافظ دستور عام 1924 على مبدأ المساواة مع إعادة تسمية الأمة.

فيما يتعلق بالقضاء أعلن دستور عام 1924 أن المحاكم ستقرر نيابة عن الأمة وأن القضاة يجب أن يكونوا مستقلين عن أي تدخل. ومع ذلك تم إنشاء مجلس دولة يخضع للسلطة التنفيذية ولم يُسمح للقضاة بتفسير التشريع. ففي حالة الغموض ، كانت مؤسسة البرلمان التركي تسن قانونًا تفسيريًا.

ظل دستور عام 1924 ساري المفعول خلال 36 عامًا. خلال هذه الفترة، تم تعديل النص عدة مرات. فتمت إزالة المادة 2 التي كانت تنص على أن تركيا دولة إسلامية في عام 1928. وتغييرات حدثت في عامي 1931 و 1934أعطت المرأة حق التصويت والترشح للانتخابات. في عام 1937، تم إدراج المبادئ الأساسية للكمالية (الأيدولوجية المنسوبة لمصطفى كمال أتاتورك) بما في ذلك العلمانية في النص.[74]

دستور 1961م:[75] تنبأ دستور عام 1924 بديمقراطية تمثيلية وأغلبية، لكن ذلك لم يكن مناسبًا لنظام عام 1946م الذي كان متعدد الأحزاب. ولذلك من خلال الاستفادة من ثغرات الدستور، أصبحت حكومة الحزب الديمقراطي سلطوية للغاية في أواخر الخمسينيات. بحجة نقل البلاد إلى ديمقراطية أكثر فاعلية. فقام مجلس عسكري مؤلف من ضباط عسكريين أتراك شباب بانقلاب في 27 مايو 1960. بعد ذلك بوقت قصير، في 9 يوليو 1961، دخل دستور جديد أعدته الجمعية التأسيسية للحياة السياسية التركية من خلال استفتاء وافق فيه 63٪ من الناخبين في ذات العام.

كان دستور 1961 طويلاً ومُفصَلاً (157 مقالاً)، مما يعكس الموقف الحذر لصانعيه والدروس المستفادة من الماضي. قدم النص مفاهيم جديدة مثل الدولة الاجتماعية (دولة الرفاهية)، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وسيادة القانون وحدد الجمهورية بدقة قائلاً أن الجمهورية التركية دولة وطنية ديمقراطية، علمانية واجتماعية تحت حكم القانون، على أسس حقوق الإنسان.

أنشأ دستور عام 1961 نظامًا برلمانيًا، حيث أعاد تصميم البرلمان كهيئة تشريعية ذات مجلسين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في الجمهورية. رئيس الجمهورية أصبح لديه وظائف رمزية فقط وغير متحيز سياسياً، سيتم انتخابه من قبل البرلمان. كان من المقرر تعيين رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية. وأصبح من غير الضروري أن يكون الوزراء نواباً في البرلمان. مجلس الوزراء (رئيس الوزراء والوزراء) مسؤولون بشكل فردي وجماعي أمام البرلمان.  تم إنشاء محكمة دستورية لممارسة المراجعة القضائية للقوانين التشريعية. وبهذه الطريقة تم ضمان سيادة الدستور.

دستور 1982 (الدستور الحالي للجمهورية التركية):[76] أدى تعقيد الإجراءات البرلمانية وتعدد وظائف البرلمان إلى خلق حالة من عدم الاستقرار وتسبب في إبطاء آلية الدولة. ولذلك أعتبر الجنرالات الذين نظموا انقلاب 1980 أنه يجب أن يكون هناك دستور أقل تحرراً من الناحية الحقوقية يمكّن الحكومات من العمل بكفاءة. كان هذا الأساس المنطقي وراء دستور عام 1982م وهو دستور تركيا الحالي. وقد لعب الجيش دورًا أكبر بكثير في إعداد دستور 1982م فظهرت سمة الدور السياسي للمؤسسة العسكرية في الواقع التركي بصورة واضحة (سيتم الحديث عن هذه السمة في المبحث الثاني من هذا الفصل). في 7 نوفمبر 1982م، تمت الموافقة على النص من خلال استفتاء بنسبة 91.37٪ من الناخبين ودخل حيز التنفيذ. وبنفس الاستفتاء، تم انتخاب كنعان إيفرين، رئيس مجلس الأمن القومي، رئيساً للجمهورية.

يحتوي دستور عام 1982 على 177 مادة (3 منها غير قابلة للتعديل)، وهو نص أكثر تفصيلاً وتصلبًا مقارنة بالدساتير السابقة. لقد قام دستور 1982 بتبسيط الإجراءات البرلمانية من خلال استحداث هيئة تشريعية ذات مجلس واحد وتقليل بعض متطلبات النصاب القانوني. وضع صانعو دستور 1982 ديمقراطية أقل تشاركية ومجتمعًا غير مسيس، مع الحفاظ على المبادئ الرئيسية والمخطط الأساسي لعام 1961 مثل الدولة الاجتماعية، وسيادة القانون، والمساواة، والعلمانية، وسيادة الدستور، وفصل السلطات القضائية ، والاستقلال من القضاة والشرعية والمسؤولية الإدارية.

ثانياً العلاقات بين السلطات في تركيا طبقاً لدستور 1982[77]

السلطة التشريعية: وفقاً لدستور 1982 تتجسد السلطة التشريعية في البرلمان التركي( اسمه الرسمي هو المجلس الوطني التركي الكبير). ويتكون هذا البرلمان من مجلس واحد وعدد أعضاؤه550 نائباً. وتكون العضوية بالانتخاب وفقاً لمبدأ الاقتراع العام لمدة خمسة أعوام. والتدخل في الوظيفة التشريعية لا يتم إلا من خلال إعلان الأحكام العرفية وحالات الطوارئ. والنص عليها لا يفسد الحياة الديمقراطية في نظر المُشرِع التركي ولكن ما يُفسِد الديمقراطية هو عند السماح للسلطة التنفيذية بإعلان حالات التدخل في الوظيفة التشريعية دون الرجوع للسلطة التشريعية.[78]

السلطة التنفيذية: نظام الحكم في الجمهورية التركية يمزج بين النظام البرلماني والرئاسي. حيث ينص علي انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب انتخاباً مباشراً بدلاً من انتخابه من البرلمان. وتكون مدة ولايته خمس سنوات تُجدد لخمس سنوات أخرى مرة واحدة فقط. هذا التعديل أعطى رئيس الجمهورية مزيد من القوي الشعبية. وتمت مناقشات في البرلمان بجعل تركيا نظام رئاسي ليضفي مزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية وحدث ذلك بالفعل في تعديلات 2017م.

والسلطة التنفيذية في تركيا لها الطابع الثنائي تتوزع الصلاحيات والاختصاصات فيها بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. وبحسب الدستور التركي لعام 1982 ورئيس الجمهورية ممثل لمنصب القائد العام للقوات المسلحة التركية بالنيابة عن المجلس الوطني (البرلمان) وله الحق في تعيين رئيس الأركان العامة وأعضاء المجلس الاستشاري للدولة وتعيين أعضاء مجلس التعليم العالي وأعضاء المحكمة الدستورية و 25 % من أعضاء مجلس الدولة.[79]

السلطة القضائية: يستند القسم القضائي في الدستور لمبدأ سلطة القانون فتم تأسيس السلطة القضائية وفقا لمبادئ استقلال المحاكم. فيعمل القضاة بشكل مستقل ويحكمون استنادا لأحكام الدستور والقانون. تنقسم السلطة القضائية لثلاث فئات هي ( القضاء العدلي، القضاء الإداري، القضاء الخاص) وتدخل المحاكم العسكرية ضمن القضاء العسكري وقد حدث إصلاح قضائي علي أكثر من صعيد. فتم تفعيل ما يسمي بقضاء الحريات وهي تعني وجود قضاة مسئولين عن الحريات والحكم علي القضايا الخاصة بالاعتقال والتحري والتنصت علي المكالمات وعمليات وقف النشر وقمع حرية الصحافة.[80]

المبحث الثاني

العلاقات المدنية العسكرية في تركيا

تم التوضيح في المبحث السابق أن النظام السياسي التركي قد مر بالعديد من التجارب الدستورية مُنذ عهد الدولة العثمانية وحتى نشأة دولة تركيا الحديثة. ويُمكننا أيضاً تمييز النظام التركي بوقوع العديد من الانقلابات العسكرية والتدخل العسكري في الحياة السياسية. ولذلك وجب توضيح دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في تركيا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعريف التعددية الحزبية في تركيا والتركيز على مرحلة حكم حزب العدالة والتنمية مُنذ عام 2002. وذلك لوضع تحليل مُناسب للتطورات الأخيرة الحادثة في جمهورية تركيا سواء من ناحية محاولة الإنقلاب العسكرية على سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان التي لم تنجح، أو التعديل الدستوري والانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي في عام 2017. ويُعد هذا البحث مُهماً نظراً لكونه هو القاعدة التطبيقية لنظرية عبد الرحمن الكواكبي على دولة تركيا، وذلك لأنه يتعرف على درجة الإلتزام أو التلاعب الدستوري في تركيا من قبل رئاسة الجمهورية والبرلمان.

أولاً طبيعة دور المؤسسة العسكرية في تركيا[81]

برزت أهميتها من عهد الدولة العثمانية في مقاومة الخطر البيزنطي المتاخم لحدودها، والخطر البرتغالي في الغرب العربي، والخطر الصفوي في العراق. فكانت المؤسسة العسكرية ذات أهمية كبيرة مُنذ القدم تلعب أدواراً دفاعية وسياسية في آن واحد. استمرت أهمية هذا الدور بعد سقوط الدولة العثمانية نظراً لمشاركة القوات العسكرية التركية في حرب الاستقلال التركية . وقد أسس مصطفى كمال أتاتورك للجيش التركي عقيدة راسخة وهي الرؤية للسياسة العامة والمشاركة في بناء الدولة وحمايتها بعدة أدوار هي الاستجابة ضد التحديات الأمنية على جميع المستويات الداخلية والخارجية، وضمان الأمن التركي وإدارة الأزمات. ولذلك ترى المؤسسة العسكرية نفسها الضامن الوحيد للمباديء الجمهورية التركية. وفي أعقاب انقلاب 1960 المدعو بحركة جمال كورسيل، جرى عرف أن يكون رئيس جمهورية الدولة من العسكريين رغم عدم نص الدستور على ذلك. وربما أهم أشكال تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في تركيا كانت الحفاظ على العلمانية كمبدأ من مباديء الجمهورية التركية. فالخوف من إثارة التاريخ الإسلامي لتركيا (ممثلاً في الإمبراطورية العثمانية) هو عنصر أساسي يُحفِز تدخل العسكريين في صنع السياسة. وعلى إثر ذلك الخوف قامت المؤسسة العسكرية بتوجيه المحكمة الدستورية العليا بإغلاق حزب الرفاه الإسلامي بدعوى مخالفته لمباديء العلمانية. كما قادت المؤسسة العسكرية أكثر من إنقلاب على السلطة السياسية في 1960 و1971 و1980 و1997 بدعوة حماية مباديء الجمهورية التركية. كما قامت بإنقلاب 2016 -الذي سيتم تناوله في هذا المبحث- بنية إنقاذ النظام التركي من حزب العدالة والتنمية لإنتهاك الأخير لمباديء العلمانية.[82]

ثانياً التعددية الحزبية في تركيا[83]

تعود نشأة الأحزاب السياسية في تركيا إلى أواخر عهد الدولة العثمانية نتيجة لضعف السلطة المركزية وتنامي قضية الأقليات والتأثر بالغرب. ولقد شهدت الحياة السياسية في تركيا العديد من التطورات فيما يخص الأحزاب منذ قيام الجمهورية سنة 1923م. ففي البداية احتكر حزب الشعب الجمهوري الذي أنشئه مصطفى كمال أتاتورك الممارسة السياسية لكن ذلك فقط حتى عام 1950. ففي العام الأخير بدأت الممارسة الفعلية للتعددية الحزبية. فظهرت العديد من الأحزاب اليمينية واليسارية والإسلامية. اليسار يقوده حزب الشعب الجمهوري، اليمين يقوده الحزب الديمقراطي ثم حزب العدالة ثم حزب الأم وحزب الطريق القويم في التسعينيات. أما الأحزاب الإسلامية فنشأت في الستينات بزعامة (نجم الدين أربكان) لحزب النظام الملي ثم ظهر حزب الفضيلة الذي انبثق منه حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس أردوغان الحالي. وشهدت تركيا في القرن العشرين حكومات ائتلافية نظراً لعدم قدرة حزب بمفرده على الحصول على الأغلبية (باستثناء فترة رئاسة مصطفى كمال أتاتورك التي كانت محكومة بنظام الحزب الواحد وهو الحزب الديمقراطي).

حزب العدالة والتنمية: تأسس في أغسطس 2001 برئاسة رجب طيب أردوغان، ويصنف أنه الجناح الإسلامي المُعتدل في تركيا. فلا يستخدم العبارات الدينية في حديثه إخفاءًا لهويته الدينية وتأكيداً على احترامه للحريات الدينية والفكرية. وقد جاءت الانتخابات البرلمانية لعام 2002 بنتائج مُفيدة للحزب حيث حصل على 360 مقعد من أصل 550 وهو ما سمح للحزب بوضع برنامج يُعد تغييراً جذرياً للوضع في تركيا. وفاز في انتخابات 2007 بـ(46.7%) من مقاعد البرلمان وهو ما يؤكد على استمرار تأييد الشعب التركي له.

وقد استفادة حزب العدالة والتنمية من ماضي الممارسات السياسية للاحزاب الوسطية المائلة لليمين الإسلامي التي تم إقصاؤها من ملعب السياسة. فأعلن بدايةً أنه يرفض التسمية الإسلامية، وينأى عن أي قضايا أممية غير التي تمس الجمهورية التركية. كما أعلن أنه لن يدخل في أي مماحكات مع المؤسسة العسكرية التركية.[84]

ثالثاً العلاقة بين حكومة حزب العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية مُنذ عام 2002م:[85]

كانت حكومة العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان عام 2002 تسعى لتحقيق برنامج طموح لمواجهة الأزمة التي تمر بها تركيا آنذاك. فكان على رأس هذه الأهداف حصول تركيا على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. ولذلك عمل الحزب على إضفاء طابع ديمقراطي على العلاقات المدنية العسكرية تماشياً مع شروط كوبنهاجن. فقام بإجراء مجموعة من التعديلات الدستورية كان من شأنها تقليص السلطات العامة للمؤسسة العسكرية فوضع ميزانية القوات المُسلحة تحت إشراف رئيس الوزراء كما ألغى سلطات المؤسسة العسكرية الإشرافية، وتم استبعاد العسكريين من المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للصحافة والإعلام، كما تم إلغاء المحاكم العسكرية للمدنيين التي كانت تُدعى محاكم أمن الدولة.

ومن ناحية أخرى قامت المؤسسة العسكرية بعرقلة عدة مبادرات داخلية وخارجية. فعلى المستوى الخاجي قامت المؤسسة العسكرية برفض مبادرة كوفي عنان لحل مشكلة القبرص (مشكلة بين الأتراك واليونانيين) في إطار اتحاد كونفيدرالي. كما اعترضت على إقامة مفاوضات مباشرة مع الأقلية الكردية في شمال العراق عام 2007م.

ولذلك أنتقل الصراع بين العسكريين وحزب العدالة والتنمية من كونه صراع على السلطة إلى كونه صراع مفتوح. فقام حزب العدالة والتنمية بترشيح (عبد الله غول) وزير الخارجية وعضو الحزب في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2007م والذي فاز بها. ومنذ ذاك الحين بدأت فترة من سيطرة المدنيين على المؤسسة العسكرية منذ عام 2007 وحتى عام 2013. فقامت الحكومة في ذلك الوقت بفتح عدة تحقيقات مع عناصر الجيش حول الإنقلابات العسكرية السابقة في عام 1980 وما بعدها بالإضافة إلى بضع قضايا خاصة بإنتهاك حقوق الإنسان. وعزز موقف حزب العدالة والتنمية كل من إنتخابات 2007 و2011 البرلمانية التي كان موقف الحزب فيها ممتازاً (حصل الحزب على نسبة مقاعد 46.7% ثم 49.8% على التوالي)، وهو ما جعل البرلمان يمرر مجموعة جديدة من التعديلات الدستورية تحد من تدخلات الجيش حتى أصبحت المؤسسة العسكرية لا تتدخل في الحياة السياسية.

إنقلاب 2016: في يوليو عام 2016 قامت مجموعة ضباط بالاستيلاء على المنشآت الرئيسية في أنقرة واسطنبول ممثلة في مقرات الحكومة ووسائل الإعلام. ورد رئيس جمهورية تركيا آنذاك رجب طيب أردوغان بدعوة الشعب للنزول في الميادين وإفشال الإنقلاب وهو الذي حدث. فكانت غاية الضباط الإنقلابيين هي فرض السيطرة على البلاد وإقامة حظر التجوال وهو ما منعه دعوة الرئيس أردوغان الشعب لمعارضة الإنقلاب. كما لم يكن الإنقلاب احترافياً حيث لم يجمع عناصر الجيش كلها فبعض العناصر في الجيش كانت مُعارضة للإنقلاب.[86]

تعديل الدستور عام 2017 وأثره على عملية التحول الديمقراطي:[87] منذ عام 1982 تم تعديل الدستور ستة عشر مرة، عشرة من هذه التعديلات في ظل حكم حزب العدالة والتنمية كإنعكاس لتقييد سلطات المؤسسات العسكرية وتدخلها في الحياة العامة بجانب برنامج الإصلاح والتحول الديمقراطي بتركيا. وكانت آخر مبادرة للتعديل هي تلك التي تمت الموافقة عليها من خلال استفتاء عقد في 2017. وحظى ذلك التعديل بموافقة برلمانية لطرحه في استفتاء بعد حل البرلمان ثلاثة مرات لم يحصل فيهم حزب العدالة والتنمية على النسبة المطلوبة لتمرير التعديلات. ومحتوى التعديل الأخير هو تحويل النظام السياسي التركي من البرلمانية إلى الرئاسية. وذلك من خلال إلغاء منصب رئيس الوزراء وسيطرة رئيس الجمهورية على السلطة التنفيذية مع إمكانية تعيينه لنائب أو أكثر له. تعيين رئيس الوزراء أربعة من قضاة المجلس الأعلى للقضاء وتعيين البرلمان لسبعة قضاة. إمكانية فرض رئيس الدولة حالة الطواريء في البلاد دون عرضها على البرلمان، بينما يتمتع البرلمان بحق رفعها أو تقليص مدتها في وقت لاحق إتاحة عضوية الرئيس وارتباطه بحزب سياسي معين. أي عدم إلزامه بالحياد تجاه الأحزاب مد فترة البرلمان إلى خمسة سنوات للتماثل مع الفترة الرئاسية، مع زيادة أعضاء البرلمان ل 600 عضو وتقليص سن الترشح ل 18 سنة بدلاً من 25.

وتم تمرير هذه التعديلات بنسبة موافقة 51.5% ويتم تطبيقها بداية من عام 2019.[88] وهذه التعديلات كان من شأنها الحد من السلطات البرلمانية وزيادة السلطات الرئاسية. فمسائلة الرئيس وفتح التحقيق معه أصبحت عملية مُعقدة تمر بثلاثة مراحل تصويتية بنصاب قانوني مختلف لكل منهم. كما نجد أن الرئيس رجب طيب أردوغان أيضاً يُمكنه الاستمرار كرئيس جمهورية لفترتين رئاسيتين أخرين حتى عام 2029. ولذلك تُعد هذه التعديلات الدستورية مَنفذاً قوية لظهور الاستبداد في السياسة التركية. وتمتعت التعديلات الأخيرة ببعض المقاصد الضمنية مثل:[89] تمدين الحكم، ومنع الانقلابات العسكرية التي تعد سمة بارزة في تركيا وتشكل أهم تهديد لاستقرار النظام السياسي التركي. لقد استغلت المؤسسة العسكرية في الكثير من الحالات وجود مجلس الأمن القومي والقضاء العسكري للتدخل في الحياة السياسية أو التأثير في السياسات المنتهجة. ولذلك فإن التحول نحو النظام الرئاسي وإلغاء القضاء العسكري كان هدفه هو إعادة الاعتبار إلى مؤسسة الرئاسة من حيث جعل رئيس الجمهورية مُنتخباً بشكل مباشر من الشعب ومنحه الصلاحيات الدستورية اللازمة ليكون هو الرئيس الفعلي للدولة في إطار نظام رئاسي واضح.

إعادة بناء علاقات مدنية عسكرية على أساس ديمقراطي. بحيث تصبح المؤسسة العسكرية ملتزمة فقط بصلاحياتها الدستورية في مجال الدفاع والأمن القومي. فتخضع للسلطة المدنية المنتخبة مثلما هو سائد في البلدان الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا.

القضاء على ازدواجية لسلطة التنفيذية ووجود رئيس الجمهورية وورئيس الوزراء. نظراً لحدوث حالة من تضارب الصلاحيات. ولهذا، فإن التعديلات الدستورية جاءت لتوحيد رأس السلطة التنفيذية، حيث يكون رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس الحكومة وهو الذي يختار الوزراء ويعينهم.

بناء الاستقرار المؤسسي والتخلص من الحكومات الائتلافية التي تعتبر ميزة مرتبطة بالنظام البرلماني في الحالة التركية. فكما تم التوضيح سابقاً يصعب على أي حزب سياسي أن يشكل الحكومة كاملةً بمفرده فيضطر إلى التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة تتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان.

ومنذ ذلك الحين شهدت تركيا محاولات عديدة لاجتياز الأعتاب الانتخابية. فمثلاً عندما خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية في اسطنبول في 31 مارس 2019. بعد تقديم حزب العدالة والتنمية طلباً يتعلق بالتزوير الانتخابي وسوء السلوك والمخالفات، أصدر المجلس الأعلى للانتخابات قرارًا مثيرًا للجدل لإعادة إجراء الانتخابات البلدية.[90] وبالتالي تقول المعارضة أن ذلك يُخل بمبدأ حرية ونزاهة  الانتخابات في البلاد. التي كانت قد تضررت بالفعل في الاستفتاء الدستوري المذكور أخيراً بعملية حل البرلمان أكثر من مرة كما تم التوضيح. ومن ثم، فإن قرار المجلس خلق انطباعًا قويًا لدى المعارضة بأن الانتخابات ستُحسب على أنها شرعية في حالة فوز حزب العدالة والتنمية فقط. من الواضح أن تعديلات الدستور الأخيرة أدت إلى التآكل في آليات الديمقراطية.

خاتمة الفصل الثاني

إن النظام السياسي التركي له سمات عديدة أهمها تعدد الخبرات الدستورية وإقتران إنتاج دساتير جديدة برؤساء جدد. فدستور 1856 أعلنه السلطان عبد الحميد بينما التعديل الدستوري عام 1908 أدى للإطاحة به. ودستور 1924 يعود إلى صعود مصطفى جمال أتاتورك إلى رئاسة الجمهورية في تركيا. بينما في 1961 و1982 نجد الدساتير الجديدة مُقترنة أكثر بالعلاقة بين المؤسسة المدنية والعسكرية. فالإنقلابات العسكرية في تلك الفترات أدت إلى إنتاج دساتير جدد. وبعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة تم تمهيد فكرة ظهور دستور جديد من خلال تعديل دستور 1982 بصورة متكررة ومستمرة وتبدو دورية. يبدو أن النظام السياسي التُركي كان يُعاني من عدة مشاكل أهمها التدخل العسكري في الحياة السياسية بشكل يبدو مُفرِطاً. وقد كان هذا التدخل من ناحية المؤسسة العسكرية نفسها هو ضامن لسلامة مباديء الجمهورية التركية وتحقق مبدأ مهم وهو العلمانية. ولكن يبدو أن ذلك لم يكن مُتشاركاً فلقد أنحاز الشعب إلى الحد من سلطات المؤسسة العسكرية بالموافقة على التعديلات الدستورية التي تحد من قوة المؤسسة العسكرية. بعد فشل انقلاب 2016. فلقد عادت سلطة حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان أقوى من البداية. في النهاية يُمكننا أن نقول أن تركيا كانت تسير في طريق التحول الديمقراطي حتى حدوث استفتاء2017. فذلك الاستفتاء أدى إلى تقارب النظام من الهيمنة الحزبية غير الخاضعة للمساءلة أو التحقيق. وهو ما يدعم نظرية عبد الرحمن الكواكبي للاستبداد. فمن علامات النظام المستبد هو عدم الإلتزام بمبدأ الشورى سوى شكلياً وهو ما أنتجه استفتاء 2016 من توسيع سلطات الرئيس. وكما يقول الكواكبي أيضاً أن عملية الاستبداد كي تتأصل يتوجب توافر الجهل. وذلك يبدو جلياً على السلوكيات الفردية التي أرتضت بحل البرلمان ثلاثة مرات متتالية بدوافع مُتعددة ومتضاربة كلها تقود إلى التصديق بالإدعاء الخفي أن سبب حل البرلمان وإعادة انتخابه هو الحصول على الأغلبية البرلمانية اللازمة للانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يوهب الرئيس أردوغان مزيداً من القوة والسلطة بلا مُحاسب ولا رادع.

الفصل الثالث

مظاهر الاستبداد في تركيا  (2014-2020م)

مُقدمة

لقد تم توضبح الدور السياسي للمؤسسة العسكرية في الفصول السابقة الذي كان يتخوف من سيطرة الإسلام السياسي على ساحة صنع القرار في تركيا ويقاوم تلك السيطرة بمجموعة من الإنقلابات العسكرية منذ منتصف القرن العشرين. لكن بعد تولي حزب العدالة والتنمية في عام 2002 تغيرت الصورة وبدأت عملية صعود “الإسلام السياسي” إلى الساحة جديداً. لذلك من الضروري بيان أهم جوانب الاستبداد التي سيتم ذكرها في المبحث الأول وهي مجالات حقوقية وسياسية واقتصادية. فمدى الإلتزام الحقوقي بعد تولي العناصر الإسلامية للشأن السياسي التركي هو ما يساعد على تطبيق نظرية عبد الرحمن الكواكبي على الواقع التركي المُعاصر. فالاستبداد لدى الكواكبي يعني الحُكم عن طريق الأهواء الفردية دون حسيب ولا رادع. وهو ما قد يحدث في الواقع التركي ولكن عن طريق الاستتار وراء قيم الديمقراطية والعدالة والحرية وحماية الشأن العام. ومن ثم نستعرض أيضاً أهم تطبيقات ونتائج السياسات الإصلاحية الاقتصادية التي قام بها حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان منذ عام 2014 حتى عام 2020 في المبحث الثاني.

المبحث الأول

الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وإنتهاكات حقوق الإنسان

إن الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا ليس جديداً. فتعود جذوره إلى بداية تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك. وقد أصبح هذا الصراع من أهم معالم الحياة السياسية التركية. فالقوى التي تبنت العلمانية سعت إلى إقتلاع الإسلام من ذاكرة الأتراك وإقتران الهوية التركية بالعلمانية، وذلك عبر سلسلة إجراءات ساعدت على تحقيق هذا الهدف. وفي المقابل قوى الإسلام السياسي ظلت تقاوم هذه الإجراءات ساعيةً للبقاء على الساحة السياسية قدر الإمكان. ولذلك يجب الإلتفات إلى قضايا الصراع العلماني الإسلامي في تركيا وهي ذات منظور اجتماعي وسياسي. وبعد الوقوف عليها نستطيع استيضاح صورة كاملة لحقوق الإنسان في تركيا.

أولاً الجانب الاجتماعي للصراع الإسلامي العلماني في تركيا في عهد الرئيس أردوغان

في إبريل عام 2016 صرح رئيس البرمان التركي إسماعيل كهرمان أن يكون الدستور المُقبِل للبلاد دينياً لأن تركيا دولة مسلمة، كما قال أن العلمانية يجب ألا تكون جزءاً من الدستور الجديد. فنقلاً عن وكالة أنباء الأناضول قال كهرمان خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول “بصفتنا بلدا مسلما، لماذا علينا أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم وبالتالي يجب أن نضع دستورا دينيا”، وأضاف “قبل أي شيء آخر، يجب أن لا ترد العلمانية في الدستور الجديد”.[91]

وهذه التصريحات قد أدت إلى إحتدام المعارضة في وجه نظام رجب طيب أردوغان في ذات العام. فلقد قامت أحزاب المعارضة وأهمها حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطية بمهاجمة تصريح رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان وأعتبروها بمثابة إنقلاب ناعم على الأساس العلماني للجمهورية التركية. وبدأ اتهام حزب العدالة والتنمية بفرض أيدولوجيته الإسلامية على دولة تركيا. وهو ما أدى إلى التدخل السريع من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان والتنصل من تصريحات رئيس البرلمان قائلاً: “العلمانية تعني الوقوف على مسافة متساوية من كل الطوائف الدينية بشأن ممارسة شعائرها الدينية”.[92]

ولكن يجب علينا طرح سؤال مُهم وهو (هل فعلاً التطبيق الفعلي للعلمانية يتناسب مع تصريح الرئيس أردوغان؟) أي أن العلمانية تعني تساوي جميع الأطياف في حرية ممارسة شعائرها الدينية وإلتزاماتها.

يمكن الاستدلال على نفي السؤال السابق بما يُعرف (بأزمة الحجاب في تركيا). [93] فمشكلة إرتداء الحجاب في تركيا تُعد الحرب المُستترة بين الإسلامية والعلمانية. فعندما تولى مصطفى كمال أتاتورك الرئاسة التركية عقب حرب الاستقلال التركية قام بمنع إرتداء الحجاب. وعلى مدى سنوات طويلة ارتفعت أصوات المُعارضة من خلال نجم الدين أربكان مؤسس حزب الفضيلة. ولكن هذه الأحزاب الإسلامية سريعاً ما تم حظر عملها. وعقب انقلاب 1980 تم منع المحجبات من دخول الجامعات والمعاهد والمدارس، فأدى ذلك إلى هجرة أكثر من 40 ألف طالبة بغرض استكمال الدراسة بالخارج. وأبنة الرئيس التركي أردوغان كانت من بين الطالبات اللاتي أكملن تعليمهن داخل تركيا بالجامعة الأمريكية (التي لا تحظر ارتداء الحجاب). أما من لم تستطعن الهجرة ذهبن للتحايل على حظر إرتداء الحجاب من خلال الشعر المستعار والقبعات. زادت حدة هذه المشكلة في مطلع القرن الواحد والعشرين، ففي عام 2000 توفيت طالبة مُحجبة أثناء اعتصامها أمام بوابة مدرسة تأهيل الخطباء والائمة أعتراضاً على حظر ارتداء الحجاب. وقد نجح حزب العدالة والتنمية في عام 2008 بتمرير مشروع قانون بوقف حظر إرتداء الحجاب، إلا أن القوى العلمانية في تركيا قد قامت بالاستنفار وقامت المحكمة الدستورية بعدها بإبطال مفعول القانون رغم مصادقة رئيس الجمهورية عليه آنذاك. وفي العام 2011، تمت إعادة إنتخاب حزب العدالة والتنمية. وشهدت هذه الفترة إنفراجات تدريجية حيال المسألة. فتم إدخال  تعديلات على اللوائح الخاصة بملابس العاملين في شركات الخطوط الجوية التركية، التي أتاحت للموظفات إرتداء الحجاب من دون أي مشكلة في العمل. ثم صدر قرار مجلس التعليم العالي بمنع أساتذة الجامعات، من طرد أي طالبة محجبة من قاعة الدراسة، على أن يخضع من يخالف ذلك منهم لتحقيق رسمي. فضلاً عن ظهور زوجة الرئيس التركي عبد الله غول بحجابها في الإحتفال الرسمي للدولة بعد إعلان الجمهورية، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها أمرأة محجبة في إحتفال رسمي. وفي عام 2012 تم رفع الحظر على إرتداء الحجاب في مدارس التعليم الديني، كما تم إلغاء إلزام الطلاب بإرتداء زي واحد استناداً على مبدأ حرية كل شخص في أن يرتدي أبناؤه ما يريدون حسب مقدرته.

ثانياً الجانب السياسي للصراع الإسلامي العلماني في تركيا

إن مفهوم العلمانية في الدستورهو منبع الصراع السياسي حول تعديل أو صياغة دستور جديد. فكانت أطراف ترغب في تخفيف حدة العلمانية، وأخرون راغبون في الحفاظ على قوتها كأساس للجمهورية التركية.  فدستور 1924 كان واضعوه هم حزب الشعب الجمهوري الخاص بمصطفى كمال أتاتورك، بينما دساتير 1961 و1982 كانوا موضوعين من مجلس الأمن القومي وهو مؤلف من الضباط العسكريين الذين قاموا بالانقلاب عام 1980. ولقد تم توضيح موقف الحزب الجمهوري من الأفكار الإسلامية ودعوته للعلمانية، كما ذُكِر أن النخب العسكرية تمتاز بصفة عدم تفضيل صحوة التاريخ الإسلامي والإمبراطورية العثمانية في ذهن الشعب التركي. ولذلك يُمكننا رؤية فكرة التعديلات الدستورية هي التعبير الأقوى عن الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين. فدستور1982 وضع كثير من القيود على الممارسات الحزبية وبالذات تيارات الإسلام السياسي. وهو ما أدى إلى مجموعة من التعديلات على الدستور (17 تعديل منذ عام 1987م).  ومُنذ تولي حزب العدالة والتنمية في 2002 وقد حدثت عدة تعديلات دستورية منها تعديلات 2010 على 24 مادة دستورية وإضافة مادتين مؤقتتين والتعديلات الشهيرة عام 2017. وكانت تبريرات حزب العدالة والتنمية أن التعديلات الدستورية هي بغرض حماية المواطن التركي وحفظ حقوقه واستقرار الدولة. لكن وضح في عام 2017 أن هذه التعديلات كانت تمهيد للتعديل الأكبر في النظام التركي وتحويله من البرلمانية إلى الرئاسية. وقد دخلت مسألة الصراع الإسلامي العلماني ضمن تبني النظام الرئاسي، فأحزاب رأت التحول للنظام الرئاسي يحد من صلاحيات البرلمان، وبالتالي قد يتم الإعتداء على مبدأ العلمانية الخاص بالجمهورية التركية نظراً للسلطات شبه الديكتاتورية التي سيتم إعطائها إلى رئيس الدولة وإبقاء شخصية اردوغان تحكم دولة تركيا حتى عام 2029م. وأحزاب أخرى رأت أنها ضرورة مُلِحة لمواجهة السياقات الحديثة التي تحيط بتركيا داخلياً وخارجياً.[94]

ثالثاً حقوق الإنسان في عهد الرئيس أردوغان

مُنذ عام 2000 حتى 2010 تم إدخال العديد من الإصلاحات في مجال حماية وتطوير حقوق الإنسان وكان ذلك للتواكب مع شروط كوبنهاجن للإنضمام للاتحاد الأوروبي. ففي البداية تم إعلان عدم التساهل أو التسامح إطلاقاً مع التعذيب وتحسين مراكز الشرطة وإجراءات الإحتجاز. كما تم استبعاد القضايا مجهولة الجاني من الحياة اليومية وإلغاء عقوبة الإعدام. وقامت تركيا تحت إدارة حزب العدالة والتنمية بالموافقة على إتفاقية الحقوق المدنية والسياسية وإتفاقية الحقوق الاجتماعية والثقافية التابعتين للأمم المُتحدة والملقبتان بالتوأمة. وتم التوسع في حقوق التعبيير عن الرأي من خلال إتاحة إنشاء الجمعيات الأهلية والمظاهرات السلمية. وبذلك تمت معارضة ضمنية لأغلب الممارسات التي كانت تقوم بها القيادات العلمانية في تركيا من خلال إلغاء حالة الطواريء في جنوب شرق تركيا (منطقة الأكراد)، سن قوانين حقوق الأفراد في الحصول على المعلومات وفق مبدأ الشفافية، حرية الملبس في العلمية التعليمية، حرية السماح للاقليات بالتعلم بلغتها. [95] وكان ذلك يسير بنجاح والدليل على ذلك أنه في عام 2012 تقدمت تركيا فأصبحت في مصاف الدول ذوات الديمقراطية الناقصة. ولكن ذلك لم يدم طويلاً ففي عام 2019 تراجعت تركيا إلى الأوتوقراطية المُعتدلة وأحتلت المركز140 من 170 دولة في العالم تبعا لتصنيف [96]DEMAX.[97]

ويمكن توضيح أهم العوامل التي تسببت في هبوط تركيا الحاد من الناحية الديمقراطية. فبعد الإنقلاب الفاشل في عام 2016 تم إعلان حالة الطواريء ولم يتم رفعها إلا في يوليو 2018. وسمحت حالة الطوارئ للرئيس أردوغان بإصدار مراسيم لها قوة القانون أحدثت على مدى عامين تغييرا عميقا في التشريعات التركية. ويقضي التعديل الدستوري 2017 بإحتفاظ الرئيس بهذه الصلاحية بعد رفع حالة الطوارئ. فتم استخدم الكثير من المراسيم الحكومية لفصل الموظفين بالقطاع العام مثل المحامين، المعلمين، الأكاديميين، الشرطة وغيرهم من وظائفهم دون سابق إنذار. وشهدت هذه الفترة أيضًا وإغلاق نحو 200 وسيلة إعلامية، وتوجيه الاتهامات للصحفيين في ظل حملة قمع مستمرة ضد وسائل الإعلام التي تنتقد الحكومة. وقد شملت عمليات الاعتقال أيضاً  المعارضين المؤيدين للقضية الكردية، ووسائل الإعلام التي تنتقد السلطة ومنظمات غير حكومية. [98]وتبعاً لتقرير مؤسسة برتلزمان الألمانية، على مدار عامين من العمل بقانون الطواريء كانت تركيا هي الأكثرإنتاجاً للسجناء الصحفيين في العالم . وفي عام 2018 تم إصدار أحكام بالسجن مدى الحياة على العديد من الصحفيين عن تورطهم المزعوم في محاولة الانقلاب أو صلاتهم بحركة غولن (حركة معارضة للحكومة التركية مُتهمة بالتخطيط لإنقلاب 2016) دون إمكانية الإفراج المشروط. كما أشار تقرير برتلسمان إلى استيلاء الحكومة التركية على شركات يُزعم أنها مرتبطة بحركة غولن.[99]

بعد الإنتخابات الرئاسية عام 2018: تم رفع حالة الطواريء بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في تركيا بشهر، ولقد أنتهت بفوز الرئيس اردوغان بولاية جديدة لمدة خمس سنوات مدعومة بصلاحيات جديدة تبعاً لتعديلات الدستور في عام 2017م. ولكن لم تعد الحياة كما كانت إذ قام البرلمان -الذي يمتلك فيه حزب العدالة والتنمية قوة كبيرة- بتمرير مشروع قانون الإرهاب الذي يبدو أنه يُرسي حالة الطواريء بشكل دائم.

فأهم نصوص ذلك القانون كانت استمرار الحكومة لثلاثة سنوات في إقالة أي موظف رسمي على علاقة بأي منظمة إرهابية. بالإضافة إلى إمكانية قيام السلطات المحلية بإغلاق المناطق ومنع الدخول إليها، مع منع التجمعات بعد مغيب الشمس، وإيقاف أي شخص قيد التحقيق لمدة تختلف حسب الجُرم المُفتعل.[100] وتم إقرار هذا القانون بالفعل في أواخر يوليو 2018.[101]

ويُحدد حالة حقوق الإنسان في تركيا منذ عام 2020 تقرير مُنظمة العفو الدولية[102] قائلاً أن السلطة القضائية في تركيا قد واصلت العمل بقانون مكافحة الإرهاب الذي ينتهك عدة حقوق منصوص عليها في اتفاقيات دولية وافقت تركيا عليها مُسبقاً. كما بعد شيوع وباء كوفيد 19 في العالم تمت مواصلة عملية الإعتقالات بتوجيه تهم الإرهاب لأي تيار مُعارض. فلقد قام الرئيس في أكتوبر 2020 بتوجيه تهمة الإرهاب لرئيسة الجمعية الطبية التركية بعد قيام الأخيرة بانتقاد الإجراءات الحكومية المُستجيبة لتفشي فيروس كورونا. بالإضافة إلى استمرار المُلاحقات القضائية لعناصر المعارضة والبرلمانيين السابقين. فتم الحكم بالسجن على (جنان كفتانجي أوغلو) رئيسة حزب الشعب الجمهوري التي تُعارض الحزب الحاكم. وتم الحكم عليها بالسجن لتسعة أعوام وثمانية أشهر بتهمة إهانة الرئيس والتحريض على العداء والكراهية وتنظيم دعاية لمنظمة إرهابية. والأدلة المُستخدمة ضدها كانت مجموعة تغريدات منشورة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) مُنذ سبع سنوات. ناهيك عن إعتقال 20 عضو من حزب الشعوب الديمقراطي الداعم للقضية التركية بتهمة المساهمة في أعمال العنف استناداً على مجموعة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وإثر هذه القضية ظل على قيد التحقيق رئيسا حزب الشعوب الديمقراطي (صلاح الدين ديمرتاش وفيغان يوكسيك) مُنذ سبتمبر2019 وتم منعهم من المشاركة السياسية. وتواصلت حملات الإعتقال ضد الصحفيين الناقلين لتقارير عن فيروس كورونا بتهمة تحريض الجمهور على الكراهية. وقد لاقت إتهامات المسئولين الحكومين بالشئون الدينية دعماً من رئيس الجمهورية في إتهامهم لبعض الأطياف بتسببهم في إنقاص المناعة وشيوع فيروس كورونا. مع إعتقال المُعارضين لهذه الإتهامات بتهمة إزدراء الأديان وإهانة القيم الدينية.

المبحث الثاني

الإصلاح الداخلي في تركيا

لقد عرفت تركيا العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وكانت تُنقِذ نفسها من براثن تلك الأزمات من خلال عوامل مثل حرية الرأي والتعبير والإلتزام بالقانون. وفي هذا الفصل سيتم الإجابة على سؤال مهم وهو (ما هي المنهاجية الملائمة للواقع التركي للتخلص من المشاكل المُحيطة به؟) وللإجابة على هذا السؤال يجب أولاً عرض المشاكل الداخلية التي يتعرض لها الواقع التركي. ثم الإنتقال إلى توضيح أهم برامج الإصلاح المطروحة على ساحة السياسة العامة. وفي النهاية التعرف على محددات نجاح برامج الإصلاح التي تم إختيارها من خلال تتبع الممارسات المفعولة في سبيل تحقيق برامج الإصلاح على أرض الواقع. وسنأخذ بالمقارنة بين البرامج الإصلاحية التي عرضها حزب العدالة والتنمية مع بداية ولايته الأولى عام 2002 ثم ننتقل إلى عرض البرامج الإصلاحية المعروضة على الواقع التركي في الوقت الحالي.

أولاً الوضع الداخلي قبل تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002[103]

تعرضت تركيا قبل تولي حزب العدالة والتنمية إلى مشكلة مُتعددة الأبعاد. كان البُعد الأول للمشكلة هو الجانب السياسي وتمثلت الأزمة السياسية في رفض رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر التوقيع على تعيينات المناصب العليا بالجامعات التركية المُقترحة بواسطة مجلس التعليم العالي. بالإضافة لرفضه قرار الحكومة بفصل العديد من الموظفين المدنيين بتهمة الإنتماء لجماعات أصولية وإنفصالية لرؤيته أنه قرار مُخالف للقانون. علاوةً على وجود خلاف بين الحكومة الائتلافية ورئيس الجمهورية حول بعض التعديلات المطروحة. حيث رئيس الجمهورية آنذاك كان يرغب في إلغاء حكم الإعدام تماشياً مع شروط دخول الاتحاد الأوروبي، بينما هناك طيف من الحكومة الائتلافية هو حزب الحركة القومية يرفض ذلك التعديل حيث سيؤدي إلغاء الإعدام إلى إفلات عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني المُحاول الإنفصال من تركيا والاستقلال) من عقوبة الموت. فانسحب الحزب القومي وسقط الائتلاف. ومؤسسياً كانت آليات النظام الديمقراطي غير فعالة. وذلك نظراً لجمود البرلمان حول فكرة الحكومات الائتلافية التي لا تجد أي حلول للخروج من الأزمات والتي تعجز حتى عن إدارة تنسيق جيد بين شركاء الائتلاف.

أما اقتصادياً فلقد رفض رئيس الجمهورية طلباً حكومياً بخصخصة ثلاثة بنوك حكومية وأصدر مرسوماً جمهورياً في 2001 يقضي بالتحقيق في قضايا تتعلق بفساد البنوك. ناهيك أن المشكلة تطورت إلى إتهام رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء في مجلس الأمن القومي بعدم القدرة على إدارة الشأن العام والتستر على الفساد، فكان رد فعل رئيس الوزراء أن خرج إلى الصحافة وأعلن أن هناك خلافات بينه وبين رئيس الجمهورية. مما أدى إلى تأثير سلبي على الاقتصاد بإنهيار الأسواق المالية وإرتفاع أسعار الفائدة إلى 76% وارتفاع سعر الدولار وإقبال الناس على شراؤه لحماية أنفسهم من خطر التضخم. وهو ما أدى إلى قيام البنك المركزي بضخ خمسة مليار دولار في الأسواق في فترة قصيرة (أربع ساعات). وخسر مؤشر بورصة اسطنبول 14% من قيمته في يوم واحد. وفي اليوم التالي، فقد المواطن التركي ثلث قدرته الشرائية نظراً لإرتفاع الأسعار. ومن ناحية أخرى لعب الفساد دوراً مهماً في مُفاقمة الأزمة، فقبل وقوع الأزمة كانت القروض الممنوحة من بنوك الحكومة مصروفة بناءً على الأهمية والانتماء السياسي لأصحابها وليس بمعيار الاستحقاق والجدوى. فكان البرلمانيون يأمنون القروض بتسهيلات كبيرة لشخص لمجرد أهميته فقط في مرحلة الانتخابات. كما تدخلوا أكثر من مرة لمنع الإجراءات القانونية في حالة فقدان القدرة على السداد وتوجيه البنوك بالتساهل أعتباراً من كون ذلك سياسية حكومية. ولذلك وقف البنك المركزي عاجزاً أمام العجز المالي، ولجأ للحكومة التي وجهته بطباعة المزيد من النقود دون غطاء مما زاد معدلات التضخم بشكل كبير. وحتى بعد أخذ قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 16 مليار دولار أمريكي، لم تزد الأزمة سوى تفاقماً حتى أنفجرت عام 2001 بصورة كبيرة. ومظاهر هذا الانفجار كانت إنخفاض احتياطي الدولة من العملات الأجنبية، إرتفاع العجز والمديونية الخارجية، تردي الأوضاع الاقتصادية وإغلاق مئات الألاف من الشركات التجارية. مما أدى لإغلاق المصانع وغيرها من المشروعات وإرتفاع نسب البطالة. وكانت الشرارة التي أدت إلى إجراء انتخابات مبكرة وتغيير الوضع القائم هي مرض رئيس الوزراء الذي كان ناتجاً عن الشيخوخة. فتم إعلان الإنتخابات في 2002 وفاز بالأغلبية حزب العدالة والتنمية.

ثانياً جهود حزب العدالة والتنمية للإصلاح السياسى والاقتصادى[104]

من الناحية السياسية: اعتمد الحزب في برنامجه الإصلاحي منذ الفوز بإنتخابات 2002 على سياسة التغيير الشامل. فقامت إدارة حزب العدالة والتنمية  بتغيير المفاهيم الأساسيه مثل مفهوم الدين ونمط الحياه والثقافة والتعليم والحياة الاجتماعية .

لقد استطاع حزب العدالة والتنمية بعد مجيئه للحكم في 2002 جعل السلطة في يد الشعب؛ وذلك من خلال تصفية الأوليجاركية العسكرية والمدنية والسياسية والاقتصادية. فقطع بذلك شوطاً كبيراً نحو إقرار الديمقراطية والمشاركة. وكان الهدف الأساسي الذي حققه هذا الحزب يكمن في إيجاد تنظيمات ومؤسسات اقتصادية وسياسية وتشريعية تنهض بتركيا وتدفع التحول الديمقراطي إلى واقع حقيقي. وذلك إلي جانب دعم الحراك المجتمعي والارتقاء بالفئات المُهمشة السكانية من خلال إشراكها في القرارات الاقتصادية والسياسية .

استطاع حزب العدالة والتنمية أيضاً تحقيق الاستقرار السياسي حيث أن الجماهير الداعمة له من الشعب بجانب فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية أدوا إلى  تسهيل نوع من التحول السياسي والدستوري والتشريعي والمؤسسي. يلزم لتحقيق كل هذا التحول إلغاء أغلب نصوص دستور الانقلاب في 1982. وأهم هذه التعديلات كما ذُكِر سابقاً هي وقف عقوبة الإعدام والحد من التدخل العسكري في الحياة السياسية وحرية الصحافة والإعلام.

من الناحية الاقتصادية: كانت أهم انعكاسات الإجراءات السابقة على المجال الاقتصادي الذي كان يبدو مُنهاراً في التسعينات وأوائل الألفينات هي  زيادة الناتج القومي بمعدل نمو بلغ متوسطه 6,8 %  بين عامي2002و2008. حيث زاد من 300مليار دولار الي 750مليار دولار. بالإضافة إلى انخفاض معدلات التضخم والزيادة في الاستثمارات. وبذلك احتلت تركيا المركز ال16 في ذلك العهد الإصلاحي.

وبسببب القضاء بشكل كبير على الفساد كان من السهل الاعتماد علي القطاع الخاص. وأبرز نتائج هذه السياسة الإعتمادية على القطاع الخاص منذ 2003 إلى 2008 هي مضاعفة حجم الأنتاج نتيجة تضاعف معدل الاستثمار إلي أربعة أضعاف ونصف. وزيادة  معدلات استثمار القطاع الخاص بثلاثة أضعاف والقطاع الحكومي بضعف واحد. ولذلك زادت إنتاجية العامل التركي بسبب تحسن بيئات العمل.

ثالثاً الضعف المؤسسي وظهور الاستبداد في تركيا[105]

يصعب تحديد تاريخ بعينه لبداية الإنحرافات في نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولكن يُمكننا الإشارة إلى أنه بدت الصفة الاستبدادية للحكومة التركية في ردها العنيف على مظاهرات منتزه غيزي في 2013. في ذلك الوقت كان رئيس تركيا هو عبدالله غول ورئيس الوزراء هو رجب طيب أردوغان. كانت في البداية المظاهرات سلمية غرضها معارضة التطوير المعماري للمنتزه باسطنبول. ولكن زادت المظاهرات وأنتشرت نتيجة ردود الأفعال العنيفة للشرطة التركية تجاه المتظاهرين. وكان تلك المظاهرات تحمل أيضاً سخطاً شعبياً عن التدخل الحكومي الكبير في قمع الحريات والصحافة والمعارضة كما تمت الإشارة في المبحث السابق.  ووسط إختلاف للأراء داخل مجلس الوزراء قام رئيس الوزراء أردوغان بعملية تطهير للعناصر الليبرالية المؤيدة لحقوق التظاهر من حزب العدالة والتنمية وهو ما شمل رئيس الجمهورية عبد الله غول الذي ترشح أردوغان لمنصبه كرئيس للجمهورية بعد انقضاء فترة الأول عام 2014.

بعد الفوز بإنتخابات 2014 بنسبة 52% أمن الرئيس أردوغان أنه يمثل إرادة الناخبين. فأختار وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو رئيساً للوزراء. ولكن نتيجة معارضة الأخير للرئيس أردوغان عام 2016 حول فكرة تحويل النظام من البرلماني إلى الرئاسي، بجانب إرادته تكوين حكومة ائتلافية لعدم حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية مقاعد البرلمان في 2015 ومعارضته لبعض سياسات الإصلاح السياسي والدستوري، قام الرئيس رجب طيب أردوغان بالإطاحة به وتعين بن علي يلدريم. وقد وافق الأخير على التعديلات الدستورية المطروحة.  وبعد عام 2016م وفشل الإنقلاب العسكري، قامت الحكومة بإلقاء اللوم على المدنيين ذوي العلاقة بفتح الله غولن[106]. وفي بداية حكم حزب العدالة والتنمية كان أردوغان مُتعاوناً مع فتح الله غولن بهدف التخلص من العسكريين والعلمانيين إيماناً بمشروعهم للدولة العميقة. ولكن استبدال أتباع غولن في الوظائف القيادية كان من شأنه جذب الدعم الداخلي لحزب العدالة والتنمية. ومنذ ذلك الحين تبدلت العلاقة بينهم إلى صراع من الهجمات والهجمات المضادة؛ بحيث يقوم الرئيس اردوغان برفض عضوية أتباع غولن لحزب العدالة والتنمية ويقوم القضاة من أتباع غولن بتوجيه الاتهامات إلى الرئيس أردوغان وعائلته بالفساد والمطالبة بفتح التحقيقات معهم. فيما أنتهى إلى غلق الصحف والقنوات التلفزيونية التابعة لغولن، وقف الشركات التابعة للأخير. وهو ما أدى في النهاية إلى إضعاف المُجتمع المدني في تركيا.  وبعد عدة تطورات تحدثنا عنها في المبحث السابق مثل إعلان قانون الطواريء واستغلاله لملاحقة المعارضة، تم إعلان النظام الرئاسي في تركيا والذي يُعتبر المُنهيّ للديمقراطية الليبرالية التي عاشتها تركيا في أوائل عهد حزب العدالة والتنمية. فما تبقى من الديمقراطية هي على نهج الرئيس أردوغان مُتسمة بالشعبوية والخلط بين الإسلام وقليل من القيم غير المُتسامِحة للقومية التركية. يُمكن الاستنتاج أن تركيا بصفة عامة قد أختفى منها حكم القانون في فترة حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. فخضعت فكرة الإرهاب لمرونة كبيرة بحيث تم إطلاقها على جميع من ينتقد النظام التركي.

رابعاً أزمة العملة التركية والديون 2018[107]

تواجه تركيا أزمة عملة كبيرة. فقد انخفضت قيمة عملتها الليرة بنحو 40٪ مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية عام 2018. وفقدت الليرة نحو 25٪ من قيمتها في أول أسبوعين من أغسطس. شهد الاقتصاد التركي أكبر انتكاس له منذ عام 2009 تقلصًا بنسبة 3 بالمائة في الربع الأخير من عام 2018 وبالتالي الدخول رسميًا في حالة ركود. ونتيجة لذلك، انخفض نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي من 7.4٪ في 2017 إلى 2.6٪ في 2018، وهو أقل بكثير من الهدف الحكومي المعدل البالغ 3.8٪ المعلن في البرنامج الاقتصادي الجديد في سبتمبر 2018.

بدأت المشكلة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. فكانت أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة في أدنى مستوياتها التاريخية. وبالتالي تحول المستثمرون الدوليون بشكل متزايد إلى الأسواق الناشئة حديثاً سعياً وراء معدلات عائد أعلى على استثماراتهم. وكانت تركيا وجهة جذابة بسبب الإصلاحات الاقتصادية الموضحة سابقاً مُنذ عام 2002، ناهيك عن معدل نمو مرتفع \ (6.9٪ سنويًا في المتوسط بين عامي 2010 و 2017 مقارنة بـ 3.8٪ عالميًا) وسوقها المحلي الكبير (يبلغ عدد سكانها حوالي 80 مليون نسمة).  ولذلك أقترضت البنوك التركية والشركات الكبرى بكثافة من المستثمرين الأجانب بالدولار الأمريكي. إن اعتماد تركيا على التمويل الخارجي جعلها عرضة للتغييرات في شروط وتوافر الائتمان. فارتفعت تكاليف التمويل في تركيا عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في زيادة أسعار الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت تصورات المستثمرين بشأن الجدارة الائتمانية لتركيا تتغيرحيث قاموا بالتشكيك في استدامة طفرة البناء في تركيا والسياسات المالية والنقدية التوسعية في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو 2018. ومع تزايد إحجام المستثمرين عن الاستثمار في تركيا، بدأ الطلب على الليرة في الإنخفاض وبالتالي انخفضت قيمة العملة. مما أدى لإرتفاع القيمة الاسمية لديون تركيا التي تُدفَع بالليرة، وبالتالي تفاقمت مخاوف المستثمرين بشأن القدرة على تحمل الديون في تركيا مما جعلهم أكثر إحجامًا عن الاستثمار. مما أدى لدفع قيمة الليرة إلى الإنخفاض بشكل أكبر. وبالرغم من بعض النتائج الإبجابية في قيمة الليرة. ولكن جدير بالذكر أن نسب الفقر زادت في تركيا إلى 12.2% عام 2020 بعدما كانت 10.2% في عام 2019 تبعاً لإحصائيات البنك الدولي.[108]

خاتمة الفصل الثالث

لقد شهدت تركيا في بداية حكم حزب العدالة والتنمية في عام 2002م إرادة نحو الإصلاح والتغيير مصحوبة بنتائج بارزة على الواقع من إرتفاع لمعدلات التنمية وإحترام الحريات. ولكن بعد إطاحة الحزب بكل خصومه الذين يحدّون من استخدامه للسلطة بدأت الممارسات الاستبدادية في الظهور بشكل علني وواضح. فمؤسستي رئاسة الجمهورية والبرلمان يُشكلون المجلس الأعلى للقضاء ويتحكمان به نظراً لإتباعهم حزب واحد (حزب العدالة والتنمية)، فيما يؤدي لتغاضي القضاء التركي عن الكثير من الإنتهاكات القانونية والدستورية في تركيا والتعسف في استخدام القانون بشكل علني وصريح. فتحت (مقاومة الإرهاب) تم إسكات المعارضة وقمعها وإعتقالها، وإغلاق الصحف التي تقوم بمناهضة الحزب الحاكم. ولذلك قد ظهر الاستبداد في تركيا في المجال السياسي أولاً وتتابعت المشاكل الاقتصادية. وهو ما يُعطي تنبؤاً بإمكانية تأثير الاستبداد في المستقبل على الناحية الاجتماعية التركية كما وضح عبد الرحمن الكواكبي في نظريته.

الخاتمة

جاء فكر عبد الرحمن الكواكبي في عصر ضعف الدولة العثمانية آملاً في إيجاد مُجتمع ودولة جديدة للمسلمين تتسم بالعدالة وتكتسب قوتها من عدالتها. فبدأ في الحدبث عن نظريته عن نشأة الاستبداد كناتج عن الجهل العام من الحكام والأمراء الذي صاحبه جهل من العلماء أفسح كل منهما المجال إلى شيوع الجهل والفتور في جسم الأمة. وقام بوضع تعريف للاستبداد بجانبه السياسي أنه هو السمة الخاصة بالحكومة المطلقة، والحكومة المطلقة هي القائمة على إدارة شئون رعاياها بالتعسف العمدي دون الخوف من مسائلة أو عقوبة.

إن الاستبداد في تركيا عملية مُعقدة وذلك لأن الخبرات التاريخية التركية في مقاومة الاستبداد والفساد خبرة كبيرة. وهو ما يجعل ظاهرة الاستبداد تأخذ في التطور والظهور بأشكال وأنماط مختلفة على فترات متباعدة من الزمن. فنجد في عهد الدولة العثمانية الاستبداد واضحاً في الابتعاد عن الحكم بالدين واستبداله بالحكم بالأهواء الشخصية. وعندما تظهر مجابهة الاستبداد تكون عن طريق المطالبة بدستورعادل. وتتم صياغة الدستور بشكل بُرضي الحاكم فينتزع لنفسه صلاحيات قوية كحل البرلمانات، وهو ما يؤدي لمعاودة الاستبداد في الظهور مرة جديدة. لكن حديثاً بعدما أصبحت هناك لجنة تأسيسية ومباديء دستورية كالفصل بين السلطات والإشراف المتبادل وسيادة الشعب، أصبح الاستبداد أحياناً يظهر في صورة جديدة وهي خدمة الغايات القومية.

وقد أنطلقت الدارسة من سؤال بحثي هو “إلى أي مدى تنطبق نظرية الاستبداد للكواكبي على دولة تركيا في فترة 2014-2020م؟”. والحقيقة أن نظرية الاستبداد للكواكبي تجد دعائم شديدة في الواقع التركي في فترة الدراسة. ففي البداية قد عرف الكواكبي الاستبداد بأنه صفة الحكومة التي تدير شئون رعاياها عن طريق التعسف العمدي دون خوف من المساءلة، وإن أصل التقاعس يكون الجهل العام المُنتشر بين الأمراء والعلماء فينصبون أنفسهم كوكلاء لله في الأرض لا يحق لأحد معارضتهم. ويحدث ذلك في الواقع التركي حيث بعد فشل إنقلاب 2016 والرئيس التركي يقوم بالإطاحة بجميع من يعارضونه من خلال فهمه لمعارضة الشعب للإنقلاب أنه دعم شخصي للرئيس، بينما من المُحتمَل أن يكون مجرد مناهضة للتدخل العسكري إنطلاقاً من كونه يؤخر التحول الديمقراطي والمسيرة الديمقراطية. إن التعديلات الدستورية الأخيرة في عام 2017 قد أدت إلى إعطاء رئيس الجمهورية جملة من السلطات القوية مثل إصدار المراسيم دون رقابة برلمانية عليها سوى بعد فترة، وقدرته على إعلان حالة الطواريء. وهما اللذان تم استخدامهما بشكل تعسفي في غير محله من جملة إعتقالات للصحفيين وعناصر الأحزاب المعارضة وما إلى ذلك. وفي نظر الكواكبي أهم مظهر من مظاهر الاستبداد هو التخلي عن مبدأ الشورى وأن السبيل لمنع ذلك هو وجود مُجتمع مدني يُراقب الحكومة بجانب إتاحة حرية التعبير. ونستطيع أن نرى أن مبدأ الشورى المقصود به هو جمع عدة أطياف من أشكال فكرية مختلفة واستشارتهم في الأمر للوصول لأفضل نتيجة. ولكن في حالة حزب العدالة والتنمية يتم الإطاحة بجميع من يعارضون منهجية الحزب ويقف أمام مشروعهم للنظام السياسي التركي. وحتى المُجتمع المدني أصابه الفتور في تركيا ووصل الرئيس إلى تصفية حزبه (العدالة والتنمية) من المعارضين الليبراليين الذين قاموا برفض المقاومة العنيفة لمظاهرات منتزه غيزي 2013. ويتم في نظر الكواكبي اسناد مشكلة الاستبداد إلى العلماء لتكاسلهم عن دفع الباطل بالحق. وفي تركيا نستطيع ان نُلقي بذلك على كاهل السلطة القضائية. فقد سكت القضاء عن الكثير من الإنتهاكات الجسيمة للمواثيق الدولية التي وافقت عليها تركيا بالأساس وقالت في دستورها أن بنود المواثيق الدولية هي في نفس قوة النص الدستوري. ولم تتحرك السلطة القضائية في وجه التعسف في استخدام القانون سواء في حالة الطواريء المُعلنة مُنذ 2016 إلى 2018 أو قانون مكافحة الإرهاب المُصدَر بعد رفع حالة الطواريء والذي قالت عنه الأمم المُتحدة أنه يُعارض المواثيق الدولية الحقوقية التي وافقت عليها تركيا.

وقد أنبثقت الدراسة من فرضين رئيسيين أولهم أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين تفوق السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية، وتزايد ظاهرة وجود الاستبداد في الدولة. أي أنه كلما زاد تفوق نفوذ وقوة السلطة التنفيذية عن نظائرها التشريعية والقضائية يزيد وجود ظاهرة الاستبداد في الدولة. وذلك انطلاقاً من كون الطغيان والاستبداد مرهونان بعدم التقيد القانوني والسلطتان القضائية والتشريعية هم من يحرصون على عدم انتهاك القانون. والحقيقة أن الحالة التركية تقوم بتأييد هذا الفرض من خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية مُنذ عام 2002م. فعندما كان هناك العديد من الأطراف في صنع القرار العام كان هناك إلتزام بالبند الدستوري نتيجة الخوف من تقلبات الأطراف الأخرى على الطرف القائم على السلطة التنفيذية والإطاحة به. ولكن بعد تخلص الحزب التدريجي من الفاعلين الأخرين في صنع القرار بدأت ظاهرة الاستبداد في الظهور بشكل واضح في الواقع التركي.

والفرض الثاني كان أن هناك علاقة طردية بين تزايد دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وتزايد ظاهرة الاستبداد في الدولة. أي أنه إذا كان للمؤسسة العسكرية دور أكبر في الحياة السياسية سواء في اتخاذ القرار السياسي أو في تشكيل سياسيات داخلية بعيدة عن مجال الدفاع، يزداد تجذر ظاهرة الاستبداد في الدولة. وذلك إنطلاقاً من كون ذلك التدخل العسكري في الشأن العام يعتدي على قيم مهمة في الحياة الديمقراطية مثل الشورى. وفي الحقيقة هذه الفرضية لا نستطيع إطلاق حكم عام بشأنها إذ أن خبرة التدخلات العسكرية في الحياة السياسية في تركيا إختلفت من إنقلاب إلى أخر. فليست جميع الإنقلابات في تركيا يتبعها سيطرة عسكرية على قيادة الدولة. ناهيك عن كون هذه التدخلات العسكرية دائماً ما يتم الإحتجاج بأنها لحماية مباديء الجمهورية التركية وأهمهم مبدأ العلمانية.

إن الواقع التركي يحتاج إلى حوار وطني جديد بعيد عن الاستقطابات الدائرة حول القومية التركية وحماية الأمن القومي التركي. ويُعد أيضاً في حاجة إلى مزيد من الشفافية كي يستطيع الرد على إتهامات موكولة إليه فيما يخص ملف حقوق الإنسان. كما أن قضية الأقليات قد نمت بشكل كبير في الأونة الأخيرة (بالأخص بعد عام 2011) ولذلك يجب على صناع القرار الأتراك الإلتفات لضرورة توطيد دعائم المجتمع الذي لا يستقصي أحداً سواء على أسس دينية أو عرقية. كما وعلى الساحة الخارجية تحتاج تركيا إلى الكف بعض الشيء عن الإنغماس في القضايا الإقليمية بالتدخلات المباشرة بشكل عام والعسكرية بشكل خاص والعودة إلى المفاوضات للحفاظ على وحدة المجتمع التركي وعدم دفع المزيد من الخسائر التي بالفعل تكبدها الأزمة الاقتصادية للموازنة التركية.

قائمة المراجع

أولاً المراجع باللغة العربية

أولاً الوثائق الرسمية

  1. دستور جمهورية تركيا، صادر عام 1982 وشامل تعديلات حتى 2017، تاريخ الإضطلاع (25/6/2021)، https://www.constituteproject.org/constitution/Turkey_2017.pdf?lang=ar.
  2. “حالة حقوق الإنسان في العالم”، تقرير منظمة العفو الدولية، 2021، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، https://www.amnesty.org/download/Documents/POL1032022021ARABIC.PDF.

ثانياً الكتب

  1. جمال الطحان. محمد ، أعمال الكواكبي الكاملة، (حلب: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018م).
  2. ____________، الاستبداد وبدائله في الفكر العربي الحديث الكواكبي نموذجاً، (دمشق: اتحاد كتاب العرب، 1992).
  3. الخولي. معمر، “الإصلاح الداخلي في تركيا”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2011م، تاريخ الإضطلاع (30/5/2021)، https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_5698A35D.pdf.
  4. دي توكفيل، أليكسيس، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة أمين مرسي قنديل، (القاهرة: دار عالم الكتب)، تاريخ الإضطلاع (1/2/2021م)،https://www.dopdfwn.com/cacnretra/scgdfnya/kutubpdfcafe-V2Sej.pdf.
  5. رشاد. عبد الغفار، مناهج البحث في علم السياسة، (القاهرة: مكتبة أداب،2004م) الطبعة الأولى.
  6. عبد الجليل. طارق، العسكر والدستور في تركيا من القبضة الحديدية إلى دستور بلا عسكر، (دار النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 2012م)، تاريخ الإضطلاع (27/6/2021م)، تحميل كتاب العسكر والدستور في تركيا pdfمكتبة نور (noorbook.com).
  7. العقاد. عباس، عبد الرحمن الكواكبي،( القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012 م).
  8. عمر. عبد الحميد، معجم اللغة العربية المعاصرة، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأولى،2008).
  9. الغزالي. محمد، الإسلام والاستبداد السياسي، (الجيزة: دار نهضة مصر، الطبعة السادسة، 2005م).
  10. الكواكبي. عبد الرحمن، أم القرى، (القاهرة: دار العلم والمعرفة، 2017م).
  11. ______________، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق مجدي سعيد، (بيروت: دار الكتب اللبناني، 2011م).
  12. كيدو. أكرم، مؤسسة شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، ترجمة هاشم الأيوبي، (طرابلس: منشورات جروس بروس، لبنان، الطبعة الأولى، 1992م).
  13. لوك. جون، الحكومة المدنية، ترجمة محمود شوقي، (مصر: مطابع شركة الإعلانات الشرقية، 1981م).
  14. ماثيو جيدير، منهجية البحث العلمي، ترجمة ملكة أبيض، تاريخ الإضطلاع (6/2/2021م)، .http://www.ucas.edu.ps/sru/files/_manhajiya.pdf.
  15. مطر. أميرة، جمهورية أفلاطون، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م).
  16. معجم المصطلحات السياسية، (البحرين: معهد البحرين للتنمية السياسية، 2014م).
  17. مونتسكيو، روح الشرائع، ترجمة عادل زعيتر،( المملكة المُتحدة:مؤسسة هنداوي، 2018م)، تاريخ الإضطلاع (30/1/2021م)، تحميل كتاب روح الشرائع pdf تأليف مونتسكيوفولة بوك (foulabook.com).
  18. نوري النعيمي. أحمد، النظام السياسي في تركيا، (عمان: دار زهران للنشر والتوزيع، 2011م).
  19. هاني علي. الطهراوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، (الأردن: دار الثقافة، 2008م).

ثالثاً الدوريات

  1. أسامة عبد الوهاب. نوران، “الصراع الديني العلماني والنظام الحزبي في تركيا دراسة حالة حزب العدالة والتنمية 2001- 2016م”، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، 2017م، تاريخ الإضطلاع ( 3/2/2021م)، arabiyaa.com/wpcontent/uploads/2017/07/الصراعالعلمانيالدينيفيتركيا.pdf.
  2. بن علي. لقرع، “تركيا من فشل الانقلاب العسكري إلى التعديل الدستوري والتحول نحو النظام الرئاسي”، المركز العربي الديمقراطي، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/6/2021)، https://democraticac.de/?p=45804.
  3. بنافي. ريناس، “السؤال السياسي الاستبداد وكيفية مُعالجته عند مونتسكيو في متنه روح القوانين”، المركز العربي الديمقراطي،2017م، تاريخ الإضطلاع (30/1/2021م)، https://democraticac.de/?p=41670.
  4. سليمان كمال. دينا، “حول مفهوم الليبرالية وعلاقتها ببعض من المفاهيم الأخرى منها (الديمقراطية، العلمانية، الحرية)، المركز العربي الديمقراطي، أغسطس 2019م. تاريخ الإضطلاع (28 /1/2021م)، https://democraticac.de/?p=61950
  5. محمد. ندى، عماد. دينا، وأخرون، “دور حزب العدالة والتنمية في دعم التحول الديمقراطي في تركيا”، المركز العربي الديمقراطي، 2017، تاريخ الإضطلاع (25/5/2021م)، https://democraticac.de/?p=47216#_ftn20 .
  6. مصطفى أحمد. سوزان، “أثر حزب العدالة والتنمية على العلاقات المدنية العسكرية في تركيا”، المركز العربي الديمقراطي، 2020م. تاريخ الإضطلاع (1/2/2021م)،https://democraticac.de/?p=66585#_ftn3
  7. محمد زهير، “أسرة الكواكبي وأشهر علمائها”، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق،المجلد 81، الجزء الثالث، تاريخ الإضطلاع (20/5/2021)، http://www.arabacademy.gov.sy/uploads/magazine/mag81/mag81-3-7.pdf

رابعاً الرسائل الجامعية

  1. بلخضر. أسماء.”تأثير العلاقات المدنية العسكرية على مسار التحول الديمقراطي في تركيا مُنذ 2002م”، رسالة ماجستير، (جامعة محمد بوضياف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2016م)، تاريخ الإضطلاع (1/2/2021م)، dspace.univmsila.dz:8080/xmlui/bitstream/handle/123456789/10318/مذكرة أسماء.pdf?sequence=1&isAllowed=y (univmsila.dz).
  2. حسنين رضوان. رضوي، “التحول الديمقراطي في تركيا والعلاقات المدنية العسكرية في عهد حزب العدالة والتنمية من 2002 الي2016م”، رسالة ماجستير، (القاهرة، الاقتصاد والعلوم السياسية, 2017م).
  3. خالد. جمال، “التغير في النظام السياسي التركي وأثره على الدور الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط (2002-2010)”، رسالة دكتوراة، (جامعة قناة السويس، كلية تجارة، 2015)، تاريخ الإضطلاع (25/5/2021)، (PDF) التغير في النظام السياسي التركي | DrJamal FadiAcademia.edu.
  4. سلوم. ويزة، شكري. ديهية، “السياسة التركية بين المثالية والواقعية في ظل حزب العدالة والتنمية 2002-2015م”، رسالة ماجيستير، (جامعة مولود معمري، كلية الحقوق والعلوم السياسية،2015م)، تاريخ الإضطلاع (2/2/2021م)، https://dl.ummto.dz/bitstream/handle/ummto/2804/ر 358- شكري ديهيةسلوم ويزة.pdf?sequence=1&isAllowed=y
  5. شرقي. صالح، “الاستبداد بالحكم وآليات مواجهته دراسة مقارنة بين الفكر السياسي الإسلامي وأنظمة الحكم العربية المُعاصرة”، رسالة دكتوراة، (جامعة الحاج لخضر باتنة بالجزائر، كلية العلوم الإسلامية،2018).
  6. صبحي محمد. مروة، “أثر العلاقات المدنية العسكرية علي التحول الديمقراطي (دراسة مقارنة لتركيا وإندونيسيا)”، رسالة ماجستير، (القاهرة، الإقتصاد والعلوم السياسية،2015).
  7. فريد. زهير،”الاستبداد العربي”، رسالة ماجيستير، (جامعة بيرزيت، كلية الآداب،2007م).
  8. محمود صبري. فادي، “المعارضة السياسية في تركيا (ألإسلاميون نموذجاً) في فترة 1996-2006م”، رسالة ماجستير، (جامعة الأزهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2012م)، تاريخ الإضطلاع (3/2/2021م)، New tab (alazhar.edu.ps).
  9. حسين علي. علي، “الدور الوظيفي للسياسة الخارجية التركية على الصعيدين الإقليمي والدولي (2002-2019)”، رسالة ماجيستير، (جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2020م)، تاريخ الإضطلاع (25/6/2021م) https://meu.edu.jo/libraryTheses/الدور الوظيفي للسياسة الخارجية التركية؛ على الصعيدين الإقليمي والدولي .pdf.

خامساً المراجع الإلكترونية

  1. “إعادة انتخابات اسطنبول.. ماذا تفعل بمستقبل تركيا؟”، شبكة Skynews الإخبارية، 2019، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021)،إعادة انتخابات إسطنبول.. ماذا تفعل بمستقبل تركيا؟ | أخبار سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com).
  2. “تركيا تلغي قانون الطواريء في إنتظار قانون إرهاب مثير للجدل”، شبكة DW الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، تركيا تلغي حالة الطوارئ في انتظار قانون إرهاب مثير للجدل | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 19.07.2018.
  3. “تعديل الدستور في تركيا.. حقائق ومواقف بين الرفض والتأييد”، شبكة DW الإخبارية، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021م)، تعديل الدستور في تركياحقائق ومواقف بين الرفض والتأييد | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 13.04.2017.
  4. “رفع حالة الطواريء في تركيا والمعارضة تخشى استمرار حملات التطهير”، شبكة France 24 الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021م)،
  5. “رئيس البرلمان التركي يدعو لاعتماد دستور ديني لا ترد العلمانية فيه”، وكالة أنباء France 24، 2016، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021)، رئيس البرلمان التركي يدعو لاعتماد دستورديني لا ترد العلمانية فيه” (francecom).
  6. “طواريء بهيئة أخرى.. تركيا تُقر قانون مكافحة الإرهاب”، شبكة Skynews الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، طوارئبهيئة أخرى“.. تركيا تقر قانونمكافحة الإرهاب” | أخبار سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com).
  7. “علمانية تركيا تثير جدلاً بين أردوغان والبرلمان”، شبكة العربية الإخبارية، 2016، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021)، علمانية تركياتثير جدلاً بين أردوغان والبرلمان (alarabiya.net).
  8. “هذه سلطات أردوغان عقب تعديلات الدستور”، شبكة العربية الإخبارية، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021)، هذه سلطات أردوغان.. عقب تعديلات الدستور (alarabiya.net).
  9. كيرلي. بول، “لماذا فشل الإنقلاب العسكري في تركيا”، شبكة BBC الإخبارية، 2016، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021)، https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160716_turkey_failure_coup_plot_analysis.
  10. براء. فيصل، “اقتراب الجماعة”، الموسوعة السياسية. تاريخ الإضطلاع (5/2/2021م)، الموسوعة السياسية (politicalencyclopedia.org).

ثانياً المراجع باللغة الإنجليزية

Books

  1. Itzchak, Abd Al-Rahman Al-Kawakibi Islamic reform and Arab Revival, One world Publications, 2015, Viewed on (17/5/2021), Abd al-Rahman al-Kawakibi pdf | OPENMAKTABA.

Dissertations

  1. Sevtap, “The Lausanne Conference: The evolution of Turkish and British Diplomatic Stratigies“, PHD Dissertation, London school of economics and political science, United Kingdom, 1997, Viewed on (25/5/2021), http://etheses.lse.ac.uk/1493/1/U111287.pdf
  2. Liam Zimeri. Hazel, “Knowledge in the Era of Despotism“, Master Thesis, University Of Oslo, 2007, Viewed on (20/5/2021),https://www.duo.uio.no/bitstream/handle/10852/24258/1/MicrosoftxWordx-xKnowledge_in_the_Era_of_Despotism%5B1%5D.pdf

Periodicals              

  1. Report shows Turkish democratic backslide worst of 41 states“, Stockholm Center for Freedom,2018, Viewed on (29/5/2021), https://stockholmcf.org/report-shows-turkish-democratic-backslide-worst-of-41-states/.
  2. Turkey declines from deficient democracy to moderate autocracy: Democracy Matrix“, Stockholm Center for Freedom, 2020, Viewed on (29/5/2021), Turkey declines from deficient democracy to moderate autocracy: Democracy Matrix – Stockholm Center for Freedom (stockholmcf.org).
  3. Turkey’s Currency Crisis“, Congressional Research Service, 2018, viewed on (31/5/2021), https://fas.org/sgp/crs/mideast/IF10957.pdf.
  4. Kirişci. Kemal, Sloat. Amanda, “The rise and fall of liberal democracy in Turkey: Implications for the west“, Foreign Policy Brookings, 2019, viewed on (30/5/2021), https://www.brookings.edu/research/the-rise-and-fall-of-liberal-democracy-in-turkey-implications-for-the-west/.
  5. Özlem Kaya, “On the Way to a New Constitution in Turkey Constitutional History, Political Parties and Civil Platforms“, Friedrich Eibert Stiftung, October 2011, Viewed on (25/5/2021), https://library.fes.de/pdf-files/bueros/tuerkei/12220.pdf.
  6. Ryuichi Funatsu,”Al-Kawākibī’s Thesis and its Echoes in the Arab World Today“, Harvard Middle Eastern and Islamic Review,2006, Access date (21/5/2021), https://cmes.fas.harvard.edu/files/CMES%2520web–HMEIR%2520v.%25207%2520Funatsu%2520article%25201.pdf
  7. Shuriye, Abdi. Ajala. Mosud,”Comparative Study of the Political View of Abdur-Rahman Al-Kawakibi and Shakib Arsalan“. Journal of Educational and Social Research, 2014, Access date (20/5/2021),https://www.researchgate.net/publication/282664800_Comparative_Study_of_the_Political_View_of_Abdur-Rahman_Al-Kawakibi_and_Shakib_Arsalan
  8. Ülker, Erol, “Assimilation, Security and Geographical Nationalization in Interwar Turkey: The Settlement Law of 1934“, European journal of Turkish studies, 2008, Viewed on (25/5/2021), https://journals.openedition.org/ejts/2123.

Articles and News

  1. Turkey ranks 110th in global democracy index“, Duvar English, 22th Jan 2020, 8/2/2021, Turkey ranks 110th in global democracy index (duvarenglish.com).
  2. World Bank: Tukrey’s Poverty rate rose above 12% last year“, Reuters, 2021, Viewed on (31/5/2021), https://www.reuters.com/world/middle-east/turkeys-poverty-rate-rose-above-12-last-year-world-bank-2021-04-27/

[1] عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق مجدي سعيد، (بيروت: دار الكتب اللبناني، 2011م) ص ص 61-62.

[2]Turkey ranks 110th in global democracy index“, Duvar English, 22th Jan 2020, 8/2/2021, Turkey ranks 110th in global democracy index (duvarenglish.com).

[3] زهير فريد،”الاستبداد العربي”، رسالة ماجيستير، (جامعة بيرزيت، كلية الآداب،2007م).

[4] د/محمد جمال الطحان، “أعمال الكواكبي الكاملة”، (حلب: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018م).

[5] عباس محمود العقاد، عبد الرحمن الكواكبي، (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة،2013م).

[6] محمد جمال الطحان،الاستبداد وبدائله في الفكر العربي الحديث الكواكبي نموذجاً، (دمشق: اتحاد كتاب العرب، 1992م).

[7] أحمد نوري النعيمي، النظام السياسي في تركيا، (عمان: دار زهران للنشر والتوزيع، 2011م).

[8] أسماء بلخضر،”تأثير العلاقات المدنية العسكرية على مسار التحول الديمقراطي في تركيا مُنذ 2002م”، رسالة ماجستير، (جامعة محمد بوضياف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2016م). 1/2/2021م، dspace.univmsila.dz:8080/xmlui/bitstream/handle/123456789/10318/مذكرة أسماء.pdf?sequence=1&isAllowed=y (univmsila.dz).

[9] سوزان مصطفى أحمد، “أثر حزب العدالة والتنمية على العلاقات المدنية العسكرية في تركيا”، المركز العربي الديمقراطي، 2020م. 1/2/2021م،https://democraticac.de/?p=66585#_ftn3.

[10] مروة صبحي محمد، “أثر العلاقات المدنية العسكرية علي التحول الديمقراطي (دراسة مقارنة لتركيا وإندونيسيا)”، رسالة ماجستير، (القاهرة، الإقتصاد والعلوم السياسية،2015).

[11] علي حسين علي، “الدور الوظيفي للسياسة الخارجية التركية على الصعيدين الإقليمي والدولي (2002-2019)”، رسالة ماجيستير، (جامعة الشرق الأوسط، كلية الآداب والعلوم، 2020م)، تاريخ الإضطلاع (25/6/2021م)، الدور الوظيفي للسياسة الخارجية التركية؛ على الصعيدين الإقليمي والدولي .pdf (meu.edu.jo)

[12] رضوي حسنين رضوان، “التحول الديمقراطي في تركيا والعلاقات المدنية العسكرية في عهد حزب العدالة والتنمية من 2002 الي2016م”، رسالة ماجستير، (القاهرة، الاقتصاد والعلوم السياسية, 2017م).

[13] ويزة سلوم، ديهية شكري، “السياسة التركية بين المثالية والواقعية في ظل حزب العدالة والتنمية 2002-2015م”، رسالة ماجيستير، (جامعة مولود معمري، كلية الحقوق والعلوم السياسية،2015م)، 2/2/2021م، https://dl.ummto.dz/bitstream/handle/ummto/2804/ر 358- شكري ديهيةسلوم ويزة.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

[14]  نوران أسامة عبد الوهاب، “الصراع الديني العلماني والنظام الحزبي في تركيا دراسة حالة حزب العدالة والتنمية 2001- 2016م”، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، 2017م، 3/2/2021م، arabiyaa.com/wpcontent/uploads/2017/07/الصراعالعلمانيالدينيفيتركيا.pdf.

[15] فادي محمود صبري، “المعارضة السياسية في تركيا (ألإسلاميون نموذجاً) في فترة 1996-2006م”، رسالة ماجستير، (جامعة الأزهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2012م)، 3/2/2021، New tab (alazhar.edu.ps).

[16] صالح شرقي، “الاستبداد بالحكم وآليات مواجهته دراسة مقارنة بين الفكر السياسي الإسلامي وأنظمة الحكم العربية المُعاصرة”، رسالة دكتوراة (جامعة الحاج لخضر باتنة بالجزائر، كلية العلوم الإسلامية،2018)، ص ص 23-25.

[17] المرجع السابق، ص 26.

[18] مبدأ المشروعية هو الخضوع التام للقانون سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة، وهو ما يعبر عنه بخضوع الحاكمين والمحكومين للقانون وسيادة هذا الأخير وعلو أحكامه وقواعده فوق كل إرادة سواء للحاكم أو المحكوم

[19] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 21-24.

[20] معجم المصطلحات السياسية، (البحرين: معهد البحرين للتنمية السياسية، 2014م)، ص 37.

[21] الطهراوي هاني علي، النظم السياسية والقانون الدستوري، (الأردن: دار الثقافة، 2008م)، ص 161.

[22] عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، (لبنان: عالم الكتب، الطبعة الأولى،2008)، ص 1402.

[23] أميرة مطر، جمهورية أفلاطون، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م)، ص 41.

[24] صالح شرقي، مرجع سابق، ص 33.

[25] المرجع السابق، ص ص 33-35.

[26] جون لوك، الحكومة المدنية، ترجمة محمود شوقي، (مصر: مطابع شركة الإعلانات الشرقية، 1981م)، ص 149.

[27]اصالح شرقي، مرجع السابق، ص 27.

[28] دينا سليمان كمال، “حول مفهوم الليبرالية وعلاقتها ببعض من المفاهيم الأخرى منها (الديمقراطية، العلمانية، الحرية)، المركز العربي الديمقراطي، أغسطس 2019م. تاريخ الإضطلاع (28/1/2021م)، https://democraticac.de/?p=61950.

[29] مونتسكيو، روح الشرائع، ترجمة عادل زعيتر،( المملكة المُتحدة: مؤسسة هنداوي ،2018م)، ص ص 70-73، 30/1/2021م، تحميل كتاب روح الشرائع pdf تأليف مونتسكيوفولة بوك (foulabook.com).

[30] ريناس بنافي، “السؤال السياسي الاستبداد وكيفية مُعالجته عند مونتسكيو في متنه روح القوانين”، المركز العربي الديمقراطي،2017م، 30/1/2021م، https://democraticac.de/?p=41670.

[31] أليكسيس دي توكفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة أمين مرسي قنديل،( القاهرة : دار عالم الكتب)، ص ص 478-480، 1/2/2021م،https://www.dopdfwn.com/cacnretra/scgdfnya/kutubpdfcafe-V2Sej.pdf.

[32] عبد الرحمن الكواكبي،طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مرجع سابق، ص ص 11-15.

[33] محمد الغزالي، الإسلام والاستبداد السياسي، (الجيزة: دار نهضة مصر، الطبعة السادسة، 2005م)، ص34 و ص ص 39-44.

[34] عبد الغفار رشاد، مناهج البحث في علم السياسة، (القاهرة: مكتبة أداب،2004م) الطبعة الأولى ص ص 69 – 71م

[35] فيصل براء، “اقتراب الجماعة”، الموسوعة السياسية. 5/2/2021م، الموسوعة السياسية (politicalencyclopedia.org).

[36] ماثيو جيدير،  منهجية البحث العلمي، ترجمة ملكة أبيض، http://www.ucas.edu.ps/sru/files/_manhajiya.pdf ،6/2/2021م.

[37] Hazel Liam Zimeri, “Knowledge in the Era of Despotism“, Master Thesis, (University Of Oslo, 2007), pp 5-9, (20/5/2021),https://www.duo.uio.no/bitstream/handle/10852/24258/1/MicrosoftxWordx-xKnowledge_in_the_Era_of_Despotism%5B1%5D.pdf.

[38] عباس العقاد، عبد الرحمن الكواكبي،( القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة،2012م)، ص 13-20.

[39] Hazel Liam Zimeri, Opcit, p5.

[40] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 20.

[41] المرجع السابق، ص ص 21-23.

[42] عباس العقاد، مرجع سابق، ص 26.

[43] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 26-27.

[44] Itzchak Weismann, Abd Al-Rahman Al-Kawakibi Islamic reform and Arab Revival, One world Publications, 2015, PP 19-22,Viewed on (17/5/2021), Abd al-Rahman al-Kawakibi pdf | OPENMAKTABA.

[45] صفي الدين الأردبيلي هو الذي من ذريته إسماعيل الصفوي مؤسس الأسرة الصفوية التي أعتلت عرش بلاد فارس منذ (1501م حتى 1763م).

[46] أكرم كيدو، مؤسسة شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، ترجمة هاشم الأيوبي، (منشورات جروس بروس، طرابلس، لبنان)، الطبعة الأولى، 1992، ص ص 83-86.

[47] عباس العقاد، مرجع سابق، ص29-32.

[48] محمد زهير، “أسرة الكواكبي وأشهر علمائها”، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق،المجلد 81، الجزء الثالث، ص ص 659-660، (20/5/2021)، http://www.arabacademy.gov.sy/uploads/magazine/mag81/mag81-3-7.pdf.

[49]Itzchak Weismann, Opcit, pp 22-23.

[50] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 28-30.

[51] المرجع السابق، ص 36-37.

[52] Itzchak Weismann, Opcit, pp 27-32.

[53] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 35-36.

[54] عباس العقاد، مرجع سابق، ص ص 42-43

[55] Abdi Shuriye, Mosud Ajala,”Comparative Study of the Political View of Abdur-Rahman Al-Kawakibi and Shakib Arsalan”. Journal of Educational and Social Research, 2014, P541, Access date (20/5/2021),https://www.researchgate.net/publication/282664800_Comparative_Study_of_the_Political_View_of_Abdur-Rahman_Al-Kawakibi_and_Shakib_Arsalan

[56] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 42-44.

[57]Ryuichi Funatsu,”Al-Kawākibī’s Thesis and its Echoes in the Arab World Today”, Harvard Middle Eastern and Islamic Review,2006, P 5,6. Access date (21/5/2021),https://cmes.fas.harvard.edu/files/CMES%2520web–HMEIR%2520v.%25207%2520Funatsu%2520article%25201.pdf.

[58] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص ص 62-63.

[59] Abdi Shuriye, Mosud Ajala, opcit, pp 542-544,Access date (20/5/2021),https://www.researchgate.net/publication/282664800_Comparative_Study_of_the_Political_View_of_Abdur-Rahman_Al-Kawakibi_and_Shakib_Arsalan

[60] عبد الرحمن الكواكبي،أم القرى، (القاهرة: دار العلم والمعرفة،  2017م)، ص ص84،111.

[61] المرجع السابق، ص 161.

[62] جمال الطحان، الاستبداد وبدائله في الفكر العربي الحديث الكواكبي نموذجاً، (دمشق: اتحاد كتاب العرب،1992)، ص ص 117-120.

[63] المرجع السابق، ص ص 106-111.

[64] Ibid, pp 544.

[65] عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص180.

[66] المرجع السابق، ص ص 183-185.

[67] أحمد نوري النعيمي، مرجع سابق، ص ص 12-47.

[68]المرجع سابق، ص ص 12-18.

[69] حكم سليم الثالث الدولة العثمانية منذ عام (1761 إلى 1808م).

[70] المرجع السابق، ص 32-47.

[71]Sevtap Demirci, “The Lausanne Conference: The evolution of Turkish and British Diplomatic Stratigies”, PHD Dissertation, London school of economics and political science, United Kingdom, 1997, pp 18-20, Viewed on (25/5/2021),  http://etheses.lse.ac.uk/1493/1/U111287.pdf

[72] أحمد نوري النعيمي، النظام السياسي في تركيا، مرجع سابق، ص ص 189-192.

[73] Özlem Kaya, “On the Way to a New Constitution in Turkey Constitutional History, Political Parties and Civil Platforms”, Friedrich Eibert Stiftung, October 2011, p1, Viewed on (25/5/2021), https://library.fes.de/pdf-files/bueros/tuerkei/12220.pdf.

[74] Erol Ülker, ” Assimilation, Security and Geographical Nationalization in Interwar Turkey: The Settlement Law of 1934 “, European journal of Turkish studies, 2008, Viewed on (25/5/2021), https://journals.openedition.org/ejts/2123.

[75] ندى محمد، دينا عماد وأخرون، “دور حزب العدالة والتنمية في دعم التحول الديمقراطي في تركيا”، المركز العربي الديمقراطي، 2017، تاريخ الإضطلاع (25/5/2021م)، https://democraticac.de/?p=47216#_ftn20 .

[76] المرجع السابق.

[77] المرجع السابق.

[78] المادة 7، دستور جمهورية تركيا الصادر عام 1982 شاملاً تعديلاته حتى 2017، تاريخ الإضطلاع (22/5/2021م)، https://www.constituteproject.org/constitution/Turkey_2011.pdf?lang=ar.

[79] المرجع السابق، ص 10.

[80] المرجع السابق، المادة 10، ص 10.

[81] جمال خالد، “التغير في النظام السياسي التركي وأثره على الدور الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط (2002-2010)”، رسالة دكتوراة، (جامعة قناة السويس، كلية تجارة، 2015)، ص ص 52-55، تاريخ الإضطلاع (25/5/2021)، (PDF) التغير في النظام السياسي التركي | DrJamal FadiAcademia.edu.

[82] طارق عبد الجليل، العسكر والدستور في تركيا من القبضة الحديدية إلى دستور بلا عسكر، (الجيزة: دار النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 2012)، تاريخ الإضطلاع (27/6/2021م)، تحميل كتاب العسكر والدستور في تركيا pdfمكتبة نور (noorbook.com).

[83] جمال خالد، مرجع سابق، ص ص 55-57.

[84] المرجع السابق، ص ص 69-70.

[85] أسماء بلخضر، مرجع سابق، ص ص 43-45.

[86] بول كيرلي، “لماذا فشل الإنقلاب العسكري في تركيا”، شبكة BBC الإخبارية، 2016، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021)، https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160716_turkey_failure_coup_plot_analysis.

[87] “هذه سلطات أردوغان عقب تعديلات الدستور”، شبكة العربية الإخبارية، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021)، هذه سلطات أردوغان.. عقب تعديلات الدستور (alarabiya.net).

[88]“تعديل الدستور في تركيا.. حقائق ومواقف بين الرفض والتأييد”، شبكة DW الإخبارية، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/5/2021م)، تعديل الدستور في تركياحقائق ومواقف بين الرفض والتأييد | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 13.04.2017.

[89] لقرع بن علي، “تركيا من فشل الانقلاب العسكري إلى التعديل الدستوري والتحول نحو النظام الرئاسي”، المركز العربي الديمقراطي، 2017، تاريخ الإضطلاع (27/6/2021)، https://democraticac.de/?p=45804.

[90] ” إعادة انتخابات اسطنبول.. ماذا تفعل بمستقبل تركيا؟”، شبكة Skynews الإخبارية، 2019، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021)،إعادة انتخابات إسطنبول.. ماذا تفعل بمستقبل تركيا؟ | أخبار سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com).

[91] “رئيس البرلمان التركي يدعو لاعتماد دستور ديني لا ترد العلمانية فيه”، وكالة أنباء France 24، 2016، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021)، رئيس البرلمان التركي يدعو لاعتماد دستورديني لا ترد العلمانية فيه” (france24.com).

[92] “علمانية تركيا تثير جدلاً بين أردوغان والبرلمان”، وكالة العربية الإخبارية، 2016، (28/5/2021)، علمانية تركياتثير جدلاً بين أردوغان والبرلمان (alarabiya.net).

[93] نوران أسامة، “الصارع الديني العلماني والنظام الحزبي في تركيا: دراسة حالة حزب العدالة والتنمية (2001-2016)”، مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، 2017، ص ص 58-60، تاريخ الإضطلاع (29/6/2021)، الصراعالعلمانيالدينيفيتركيا.pdf (arabiyaa.com)

[94] المرجع السابق، ص ص 64-66.

[95] جمال خالد محمد، مرجع سابق، ص ص 99-100.

[96]“Turkey declines from deficient democracy to moderate autocracy: Democracy Matrix”, Stockholm Center for Freedom,2020, Viewed on (29/5/2021),  Turkey declines from deficient democracy to moderate autocracy: Democracy Matrix – Stockholm Center for Freedom (stockholmcf.org).

[97] مقياس DEMAX: تصدره جامعة فورتسبورغ الألمانية، وهو يُقسم العالم إلى تصنيفات على حسب مدى تحقق الديمقراطية، فالمركز الأعلى هو الديمقراطيات العاملة، يليها الديمقراطيات الناقصة، ثم الحكومات المُختلطة، ويأتي بعد ذلك الحكومات الأوتوقراطية المُعتدلة ثم الأوتوقراطية الصلبة كأدنى مستوى. لمزيد من المعلومات اضطلع على Democracy Matrix (Demax), Universtät Würzburg, 2019, https://www.democracymatrix.com/fileadmin/Mediapool/PDFs/Report/DeMaX_Report_2019_Growing_Hybridity.pdf.

[98] “رفع حالة الطواريء في تركيا والمعارضة تخشى استمرار حملات التطهير”، شبكة France 24 الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (28/5/2021م)،

[99] “Report shows Turkish democratic backslide worst of 41 states”, Stockholm Center for Freedom,2018, Viewed on (29/5/2021),  https://stockholmcf.org/report-shows-turkish-democratic-backslide-worst-of-41-states/.

[100] “تركيا تلغي قانون الطواريء في إنتظار قانون إرهاب مثير للجدل”، شبكة DW الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، تركيا تلغي حالة الطوارئ في انتظار قانون إرهاب مثير للجدل | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 19.07.2018.

[101] طواريء بهيئة أخرى.. تركيا تُقر قانون مكافحة الإرهاب، شبكة Skynews الإخبارية، 2018، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، طوارئبهيئة أخرى“.. تركيا تقر قانونمكافحة الإرهاب” | أخبار سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com).

[102] “حالة حقوق الإنسان في العالم”، تقرير منظمة العفو الدولية، 2021، ص ص 113-116، تاريخ الإضطلاع (29/5/2021)، https://www.amnesty.org/download/Documents/POL1032022021ARABIC.PDF.

[103]معمر الخولي، “الإصلاح الداخلي في تركيا”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2011م، ص ص 1-5، تاريخ الإضطلاع (30/5/2021)، https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_5698A35D.pdf.

[104] ندى محمد، دينا عماد وأخرون، مرجع سابق، https://democraticac.de/?p=47216.

[105]Kemal Kirişci,Amanda Sloat, “The rise and fall of liberal democracy in Turkey: Implications for the west”, 2019, p p 1-5, viewed on (30/5/2021), https://www.brookings.edu/research/the-rise-and-fall-of-liberal-democracy-in-turkey-implications-for-the-west/.

[106] فتح الله غولن هو رئيس حركة “خدمة” في تركيا والتي تعد من أهم الحركات الإسلامية في تركيا.

[107]  “Turkey’s Currency Crisis”, Congressional Research Service, 2018, p 1, viewed on (31/5/2021), https://fas.org/sgp/crs/mideast/IF10957.pdf.

[108]  “world Bank: Tukrey’s Poverty rate rose above 12% last year”, Reuters, 2021, Viewed on (31/5/2021), https://www.reuters.com/world/middle-east/turkeys-poverty-rate-rose-above-12-last-year-world-bank-2021-04-27/.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى