الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا : (الأهداف و الأدوات و النتائج) 1991 –2019
اعداد : عمر متولي الخياط – إشراف : أ.د نادية محمود مصطفى (مشرف المشروع) – مناقشة : د. ريهام باهي , د. رغدة البهي , د.راوية توفيق – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
إن إسرائيل ككيان مغتصب لأرض عربية،منقطع الصلات والروابط عن المنطقة الجغرافية التي أَوجد نفسه فيها ،كان يتوجب عليه بل ومن أحد أهم أولويات هذا الكيان والتي شغلت مفكريه الأوائل هو ترسيخ الوجود وتدعيمه بمزيد من الصلات والدعم الإقليمي. لكن عندما نظرت إسرائيل في بداية تكوينها لجوارها القريب وجدت الدول العربية التي تحاربها وتعتبرها عدوها الأول ، ومن ثّم بحثت إسرائيل على من يقويها ويدعمها في وجه محيطها الإقليمي الذي ينبذها بل ويعمل على إقتلاعها من جواره ،لم تبحث اسرائيل فقط عن الدعم وشرعنة التواجد بل بحثت عن تأمين أمنها القومي وعمقها الإستراتيجي من أي تهديد محتمل .
لم تجد إسرائيل في البداية لا أقرب ولا أفضل من دول القارة الأفريقية ، وذلك لأكثر من سبب توافرت فيها فموقع إسرائيل بين ثلاث قارات (أوربا – أسيا- أفريقيا ) سهل عليها الاختيار . فمن ناحية ،أفريقيا التي طالما شغلت فكر منظرين الدولة اليهودية الأوائل ، فلقد كانت أوغندة أولى المناطق المقترحة لإنشاء وطن قومي لليهود ولكن وعد بلفور 1917 هو الذي سهل الإنقضاض اليهودي على فلسطين . ومن ناحية ثانية تلك المقارنة التي عُقدت بين الخبرة اليهودية وخبرة الشعوب الأفريقية كما أشار ثيودور هرتزل في كتاباته باعتبارهما متشابهين خاصة فيما يتعلق برغبة كل منهما في الخلاص والتحرر والعودة للموطن الأصلي [1] . ومن ناحية ثالثة إفريقيا القارة الغنية الشابة والتي بدأت تتضح ملامح خريطتها بعد أن نالت العديد من الدول إستقلالها.رأت إسرائيل أن هذه القارة لديها الكثير من موارد وأسواق ، وكذلك كتلة تصويتية داعمة في المحافل الدولية ، بالإضافة إلى تطويق أعدائها من الدول العربية وضرب نفوذهم هناك وغيره الكثير .من هنا توجهت إسرائيل لتفرض نفسها بأي وسيلة ممكنة على هذه القارة فلهذه القارة الغنية حقاً الكثير مما يستحق التغلغل . كما أن الظروف والسياقات الإقليمية و الدولية لعبت دور هام لإتمام و إنجاح المشروع الإسرائيلي في إفريقيا .
انطلقت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بداية خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت القارة تشهد ظهور حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي، وتطورت هذه العلاقات في سياق من التغير ما بين التقارب تارة، ثم انقطاع العلاقات تارة ، ثم الانفراج والتقارب الشديد تارة أخرى. فإسرائيل التي لجأت إلى القوى الكبرى، التي سارعت إلى الاعتراف بها (الولايات المتحدة – الإتحاد السوفيتي – معظم دول أوربا ) فكان للغرب دور رئيس في إقامتها، وبعد 9سنوات من قيامها؛ أي عام 1957 لم تكن إسرائيل تملك سوى 7سفارات، 6منها في أوروبا وأمريكا الشمالية.[2] وكانت أولى علاقاتها الدبلوماسية في أفريقيا مع غانا سنة 1956، تلتها علاقات مماثلة مع معظم بلدان جنوب الصحراء، وبحلول أواخر الستينيات كانت إسرائيل تربطها علاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة إفريقية. وفي أعقاب حرب 1967 بدأت العلاقة بالتراجع، بفعل التحرك الدبلوماسي العربي حتى وصلت إلى حدود القطيعة شبه الكاملة في عام 1973.لترفع الدول الإفريقية شعار (مصر إفريقيا وإفريقيا مصر ) . لكن هذا الخرق للتكتل الإفريقي وراء الدول العربية ومصر جاء من مصر نفسها فبتوقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل وتبعها في ذلك دول عربية أخرى ،سألت الدول الأفريقية أنفسها هل نكون ملكيين أكثر من الملك ؟ فمذ نهاية الثمانينيات بدأت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإفريقية تُستأنَف تدريجياً، مكتسبة دفعة بتقدم مفاوضات السلام بين إسرائيل وجاراتها العربية، وبحلول أواخر التسعينيات كانت العلاقات الرسمية قد استُأْنِفت من جديد مع 39 دولة إفريقية .[3]
وبتطوير آليات التدخل والعمل نجحت إسرائيل في اختراق واسع لأفريقيا، تمثل في تبادل الزيارات بين رؤساء الدول والوزراء من الجانبين، بل إن هناك نشاطات حثيثة تشمل الروابط الاقتصادية والتجارية والثقافية والأكاديمية، وجملة من المشروعات الزراعية المشتركة، والمساعدات الطبية، وبرامج التكوين المهني، والمساعدات الإنسانية، والتي تصب جميعها في تعزيز قدرة إسرائيل على السيطرة، والتحكم في قارة مترامية الأطراف.
هذا الإصرار الإسرائيلي على اختراق أفريقيا يبين حجم إدراكها لأهميتها الكبرى، بوصفها حديقة خلفية لها تضم عشرات الدول المتعطشة للدعم الاقتصادي والفني، وأرضية خصبة لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، ولحفظ الأمن القومي الإسرائيلي.
أولاً المشكلة البحثية
إن أفريقيا تعد من أكثر القارات تفتتاً من الناحية السياسية، حيث تضم أكثر من خمسين كياناً سياسياً، وهي أكثر القارات التي غطاها الاستعمار، وآخر قارة انكشف عنها، ومثلما كانت أرض صراع وتحدٍ أيديولوجي بين الشرق والغرب، أضحت اليوم ساحة تتنافس عليها مختلف القوى الإقليمية والعالمية.وإذا كان اهتمام العالم بإفريقيا يتزايد، فإن إسرائيل ولأسباب عديدة اهتمت بها ، وأنشأت من أجلها مراكز بحوث ومعاهد متخصصة بالدراسات الإفريقية، وحرصت على إقامة علاقات استراتيجية مع دولها، وحتى لو تراوحت هذه العلاقات بين مراحل المد والجزر، والصعود والهبوط إلا أن عين إسرائيل ظلت مفتوحة على هذه القارة السمراء [4]. لذلك نجد أن إسرائيل نوعت أدوات التدخل والسيطرة ومد النفوذ وفقاً لمختلف احتياجات دول القارة السمراء .وكما أن إستراتيجية العمل الإسرائيلية تنوعت وفقاً لكل دولة تنوعت أهداف إسرائيل أيضاً من كل دولة ، فعلى سبيل المثال اختلفت مصالح إسرائيل من دول مجرى النيل عن مصالحها من دول شرق أفريقيا لكن العامل المشترك هو تعظيم السيطرة الإسرائيلية وضرب المصالح العربية وخدمة الإستراتيجية الإسرائيلية .
تتمثل المشكلة البحثية في تقصي الإسترايجية التي اتبعتها إسرائيل لتوطيد وجودها في إفريقيا ،فمن الرفض التام لها بإعتبارها كيان محتل يفتقد أسس الشرعية الدولية إلى أن أصبحت دولة تسعى للهيمنة الإقليمية . فكيف تحولت إسرائيل لعنصر مقبول بل ومسيطر أفريقياً ليحل محل التواجد العربي؟ ويضرب الدول العربية بنفس الوسيلة وعلى نفس الساحة التي كانت معها من قبل ألا وهي أفريقيا .
ومن هنا يتمثل سؤال الدراسة الرئيسي في
ما هو هدف الإستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا وكيف أثرت السيطرة الإسرائيلية المتنامية في أفريقيا على سعيها بأن تكون قوة إقليمية ؟
وينبثق عن هذا السؤال عدد من الأسئلة الفرعية :
- ما هي أهداف ومصالح إسرائيل في إفريقيا ؟
- ما هي الأنماط التي تستخدمها إسرائيل لتنفيد إستراتيجيتها في إفريقيا ؟
- ما هي العوامل المؤثرة على التحرك الإسرائيلي لتحقيق إستراتيحيتها ؟
- كيف أثر التدخل الإسرائيلي على المصالح العربية في أفريقيا؟
- هل تحمل إسرائيل مشروعها الخاص أم إنها مجرد وجه آخر للدول الغربية في إفريقيا تحمي وتدافع عن مصالحهم ؟
- كيف إستطاعت إسرائيل التعامل مع منافسيها في عملية مد النفوذ لإفريقيا (إيران نموذجاً)؟
تحديد الدراسة
تركز الفترة الزمنية للبحث على الفترة المتراوحة من بين العام 1991 إلى العام 2019 . فبداية الدراسة تواكبت مع عدة أحداث ،أهمها إنهيار الإتحاد السوفيتي ذا النفوذ الواسع في إفريقيا أيديولوجياً ودبولماسياً ،كما واكب الإنهيار السوفيتي العديد من التغيرات على الساحة الدولية مما ساعد الإستراتيجية الإسرائيلية على التحرك خطوة للأمام في مشوار الهيمنة على إفريقيا .
بالإضافة إلى مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991، واتفاق أوسلو، واتفاق وادي عربة ولقد اُعتبرت هذه الاتفاقات بمثابة نهاية حقيقية للصراع العربي الاسرائيلي من وجهة نظر العديد من الدول الإفريقية أو على الأقل القضية الفلسطينية ولذخمها على الساحة الدولية .
عام 2019 يتواكب مع فصل جديد من توطيد العلاقات الإسرائيلية الإفريقية حيث زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو” إلى عدد من الدول الإفريقية شملت تشاد ذات الأغلبية المسلمة في يناير 2019، وهي الأولى على الإطلاق لمسؤول في منصبه إلى تشاد . و أعلن نتنياهو صراحةً من تشاد أن هذه الزيارة هدفها هو التمهيد لإستعادة العلاقات مع مالي، والنيجر ذات الاغلبية المسلمة ، وتريد إسرائيل الاستفادة من التقارب مع تشاد خاصة أنها تمتاز بموقع إسراتيجي هام بالنسبة إلى إسرائيل فهى تقع بالجوار من السودان، وجنوب ليبيا وهما دولتان يتخذان مواقف متشددة من إسرائيل. وقال نتنياهو آنذاك، إن “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل” معلناً بدأ فصل جديد في التقارب الإسرائيلي الإفريقي [5]. وينتهي عام 2019 ومصير نتنياهو نفسه على المحك في الداخل الاسرائيلي خاصة بعد عجزه عن تشكيل حكومة إئتلافية وتهم بالفساد تلاحقه .
أهمية الدراسة
للدراسة أهمية بالغة نظرية وعملية خاصة وأن موضوعها الذي يدور حول العلاقات الاسرائيلية الإفريقية هو موضوع مهم ، مطروح دائماً على ساحة المفاوضات والضغوطات ويمكن القول بأنه أضحى مؤخراً ملتهب خاصة مع المشاكل والعراقيل المتعلقة بالعلاقات بين دول حوض النيل وسد النهضة الإثيوبي والأصابع الإسرائيلية هناك . ويمكن رصد أهمية هذا الموضوع في الآتي :
الأهمية العملية(التطبيقية)
- تتمثل هذه الأهمية في التوصل الى عدد من النتائج التي قد تساعد صانع القرار والمهتمين بالسياسة الخارجية الإسرائيلية ومنها:
- توضيح أهم المتغيرات والتطورات التي تشهدها إفريقيا وأثرها على السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه الدول العربية .مما يساعد على فهم السياسة الخارجية الاسرائيلية .
- ما تشهده أفريقيا من تدخلات ومشاريع لا يمس دولة بعينها دون الأخرى وعليه فإن البحث سوف يسعى إلى توضيح المشروع الاسرائيلي وتأثيره على دول المنطقة والعلاقة السائدة بينهم.
- التعرف على السياسة الخارجية الإسرائيلية بشكل عام وأدوات ومحددات صنع السياسة لخارجية الإسرائيلية وهذا سوف يفيد صانع السياسة الخارجية العربية .
الأهمية العلمية (النظرية )
- إثراء المكتبة العربية بالأبحاث العلمية لتكون مرجع يستفاد منه لدراسات مستقبلية. خاصة وأن الدراسة تناولت الدراسة موضوعاً حيوياً وهاماً للأمن القومي العربي والمصري ومصادر تهديده. لذلك فسوف تحاول الدراسة أن تساهم ولو بقدر ضئيل في بناء معرفي للموضوع .
- تعد الدراسة استكمالاً لدراسات سابقة تناولت سياسة إسرائيل الخارجية واستراتيجيتها تجاه مناطق مختلفة في العالم.ولتسليط الضوء على مشروعها القومي في إفريقيا وطرق وآليات تحركها .
- رصد وتقديم معلومات للباحثين في مجال الدراسة حول السلوك الإسرائيلي في القارة الإفريقية.
ثالثاً الأدبيات السابقة
فى محالة لعرض مجموعة من الدراسات والأبحاث التى تناولت الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا والعلاقات الإسرائيلية الإفريقية وتأثيرها على المصالح العربية ومقارنتها بمشاريع إقليمية أخرى، حرصتُ على إنتقاء الأدبيات والتى بلاشك تم الإستفادة منها فى طريقة تناولها للموضوع وإلمامها بجوانبه العديدة والمتشعبة وزاوية نظرها له. خاصة وأن جزء هذه الأدبيات لمفكرين إسرائيليين وغير عرب مما ساعد على فهم كيف تتناولت دوائر الفكر والسياسة الإسرائيليةبشكل خاص والغربية بشكل عام لهذا الموضوع ، فى ظل تطوراته السريعة وصراع النفوذ الدائر في القارة السمراء. ومن هنا حرصتُ أن يأتى البحث كثمرة لهذه الأدبيات مطبقاً منهج مختلف متناول الموضوع بطريقة جديدة نتيجة لحداثة الفترة الزمنية واختلاف زاوية النظر له .
وقد قسمت الأدبيات التي تم الاعتماد عليها لثلاث محاور تندرج تحتها هذه الدراسات وقد كان التقسيم وفقاً لموضوع الدراسة وطريقة الاستفادة منها،وانعكس على طريقة تقسيم فصول الدراسة. وفيما يلي عرض لهذه الإتجاهات :
المحور الأول يتناول تطور السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه الدول الإفريقية والمراحل التي تجاوزتها هذه السياسية أو برنامج العمل الخارجي حتى وصلت للشكل الحالي وفي هذا المحور عدة دراسات :
{1} دراسة بعنوان العلاقات السياسية الإسرائيلية الإفريقية جنوب إفريقيا نوذجاً [6]،تناولت هذه الدراسة العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ومحددات السياسة الخارجية الإسرائيلية المؤثرة على تحركها في أفريقيا ،منذ بدايتها ودخول إسرائيل للساحة الإفريقية ومبررات الدخول ، ثم مراحل هذه التواجد الإسرائيلي هناك وعلاقات المد والجزر بين إسرائيل والدول الإفريقية .كما أوضحت هذه الدراسة تأثير نهاية الحرب الباردة على شكل العلاقات الإسرائيلية مع دول القارة ، موضحة الشكل السابق لهذه العلاقات والشكل اللاحق لها مقارنة بينهما ومُبينة للمكاسب التي نالتها إسرائيل من تفكك وانهيار الإتحاد السوفيتي.ثم تطرقت الدراسة لدوافع التواجد الإسرائيلي والصدام مع التغلل الإيراني في إفريقيا وكيف أن إسرائيل تبذل كافة جهودها وتسخر سياستها الخارجية لتقليل هذ الدور الإيراني المتنامي . ركزت الدراسة على حالتها التطبيقية – جنوب إفريقيا- والعلاقات بين الدولتين قبل سقوط نظام الأبرتيد وبعد سقوطه . لكن الدراسة كانت تاريخية أكثر منها تحليلية ، فهي لم تتطرق لآليات وأدوات التواجد الإسرائيليى في إفريقيا.لكن مهمة جدا لرصد التطور التاريخي لشكل العلاقات الإسرائيلية الإفريقية .كما أشارت الدراسة لمحددات السياسة الخارجية الإسرائيلية التى أهلتها إلى ممارسة محاولة الإنتشار وبسط النفوذ في أفريقيا .
{2}دراسة بعنوان تحليل سياسة إسرائيل في إفريقيا الماضي والحاضر [7]،تبحث هذه الدراسة في تقلبات العلاقات الإسرائلية الإفريقية طوال أكثر من خمسين عاماً ، بداية من ذروة التقارب في الستينات من القرب الماضي إلى المقاطعة شبه الكالمة عقب حرب اكتوبر1973 ثم مرحلة الإندفاع الإفريقي الراهن لعودة العلاقات مرة أخرى مع إسرائيل .
وتقوم الدراسة على عامل أساسي وهو وضع إفريقيا فيما يتصل بالأهداف الإستراتيجة الإسرائيلية. وقد حددت الدراسة المعايير والأهداف الأساسية للسياسة الخارجية الإسرائيلية ، وأن أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية طويلة المدى تنقسم إلى إستراتيجية وتكميلية، وأن وضع إفريقيا ومشروع إسرائيل فيها يحتل مرتبة متقدمة في الأهداف الإستراتيجية. ثم تطرقت الدراسة لمواضيع تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي مثل( البحر الأحمر – مياه النيل – التغلغل الإيراني – مواجهة الأصولية والتطرف الديني – العلاقات الإقتصادية ) .وتعد الدراسة من الأدبيات المهمة والثقيلة في مجال دراسة العلاقات الإسرائيلية الإفريقية حيث قدمت تقييم كامل للمشروع الإسرائيلي في إفريقيا كم ناحية تطوره ومن ناحية تحقيقه للأهداف التي يسعى لها.
{3}دراسة بعنوان العلاقات الإسرائيلية الإفريقية منذ عام 1991 [8]،تناولت الدراسة العلاقات الإسرائيلية الأفريقية منذ عام 1991 وحتى عام 2006 ، وبحثت الدراسة المحددات الأساسية لهذا العلاقة ،والأهداف الإسرائيلية في إفريقيا . ثم تطرق الباحث لمراحل هذه العلاقة منذ 1948 حتى عام 2001 ، مقسماً هذه الفترة لمراحل رئيسية مثل مرحلة التأسيس ومرحلة التراجع الدبلوماسي والازدهار الإقتصادي ،ثم مرحلة التنافس العربي الإسرائيلي، ثم مرحلة تطبيع العلاقات ، وأخيراً مرحلة ترسيخ العلاقات .
تناول الباحث العلاقات الإسرائيلية المصرية بشئ من التفصيل، حيث أن إسرائيل تعتبر مصر بوابة إفريقيا لو عبرت من خلالها لإفريقيا كان ما بعد ذلك مضمون ويسير .لم يكتفي عرض الباحث للعلاقات الإسرائيليىة الإفريقية على الجوانب السياسية والعسكرية والإقتصادية فقط ، بل تطرق للتغلل الثقافي والاجتماعي الإسرائيلي في هذه الدول .معتبراً أن هذا التغلل لإسرائيل مستخدمة لقوتها الناعمة يعد أخطر أنواع التدخل منذ نشأة هذه العلاقات حتى الآن .ويشير الباحث إلى التيار الأفريقي المعادي للتطبيع مع إسرائيل وأن هذا التيار ضعيف التأثير ويقتصر دوره على المستوي غير الرسمي فقط .
ويقدم هذا المحور التمهيد اللازم حول تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وتطورها ،حيث يستعرض مراحل صعود وهبوط هذه العلاقات .كما يستعرض محددات السياسة الخارجية الإسرائيلة التي شكلت المنطلق لهذه العلاقات .كما تشير بعض الدراسات للأهداف المرحلية التي تسعى لها إسرائيل من الدول الأفريقية .تحاول هذه الدراسة تغطية المراحل الجديدة من العلاقات الإسرائيلية الأفريقية ورصد المستجدات على ساحة التطبيع والتغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء.
المحور الثاني يتناول مكانة أفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني وفي هذا المحور يمكن عرض الدراسات التالية :
{1}دراسة بعنوان أفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني [9]، تناولت هذ الدراسة موقع أفريقيا في الفكر السياسي الإسرائيلي، والمشروعات الموجهة للقارة منذ المفكرين الاوائل للصهيونية حتى الساسة والنخب الحاليين . بينت الدراسة أن هناك زخم إسرائيلي مفكرين وسياسيين بالقضايا الأفريقية ، وزاد هذا الإهتمام بشكل واضح من بعد عام 2000.ثم يتطرق الباحث لقضايا فكرية مثل التعارض أو التصادم بين الفكر الصهيوني وفكر بعض القادة الذين جائوا لسدة الحكم .
{2}دراسة بعنوان إسرائيل الكبرى الفكر التوسعي الصهيوني [10]،هدفت هذه الدراسة بشكل عام التعرض التاريخي لنشأة الكيان الصهيوني ورصد إستراتيجياته والتطورات التي تطرأ عليها من الحين والآخر .ركزت الدراسة على الفكر التوسعي الإسرائيلي والمرتكزات الدينية له .تطرقت الدراسة لإفريقيا وأنها على الخريطة التوسعية الصهيونية . وأن الهدف المرحلي من إفريقيا هو محاصرة الدول العربية وتشديد الخناق عليها من خلال ضرب علاقاتها هناك والتأثير على مصالحها .وتناولت الدراسة الجانب الديني في الخطة التوسعية الإسرائيلية والإعتماد على النصوص الدينية كزريعة لتبرير المطامع التوسعية .تناولت الدراسة بشئ من التفصيل فكرة إسرائيل الكبرى كمقوم أساسي للفكر الصهيوني ، والخطر المحتمل لهذه السياسة التوسعية الذي لا يشمل إفريقيا فقط بل الدول العربية ذاتها ،وقد كان الأمر غريبا نوعاً ما حيث أن الطبعة الثانية من الكتاب كانت عام 1973 أي عام النصر العربي على إسرائيل .لكن لم يعد كلام الكاتب مجرد تنبأ بل أمر معايش نشاهده الآن من توسع إسرائيل على حساب الاراضي الفلسطينية والجولان وما يسمى (صفقة القرن ).
تعد دراسات هذا المحور المنطلق الفكري والرؤية الكلية لتفسير التحركات الإسرائيلية المخططة وبعناية تجاه أفريقيا .إن إسهامات المفكرين الصهاينة منذ عشرات السنين أضحت اليوم واقع . فتفسير السلوك السياسي الإسرائيلي في حاضرنا له أساسه الفكري ،وكذلك القادة والنخب الإسرائيلية متأثرة بكتابات الصهاينة الأوائل .
المحور الثالث يتناول الأبعاد السياسية والإستراتيجية في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية ،طبيعتها والعوامل المؤثرة عليها. وفي هذا المحور يمكن عرض مجموعة دراسات من خلال اتجاهين رئيسيين:
الاتجاه الأول يركز على صياغة الإستراتيجية الإسرائيلية وما هي أولويات وأهداف هذه الإستراتيجية والتغيرات التي تطرأ عليها .كذلك موقع أفريقيا في هذه الإستراتيجية ،فهو إتجاه تحليلي ولا يتطرق للسرد التاريخي .
{1} دراسة بعنوان الاستراتيجية القومية الإسرائيلية[11]،تناولت هذه الدراسة خصائص الاستراتيجية القومية الإسرائلية من خلال دراسة طبيعة النشأة التاريخية لإسرائيل والخصائص الجيوسياسية والديموجرافية ، والخصائص الاقتصادية، والخصائص الأيديولوجية . وتحليل النظام السياسي الإسرائيلي من الداخل و ترتيب عملية صنع القرار خاصة الخارجي .تبرز الدراسة كذلك الأدوات التي تتبعها إسرائيل لتحقيق أهدافها الخارجية خاصة الأداة الدعائية والدبلوماسية والعسكرية . ثم الدراسة لدور المنظمة الصهيونية العالمية ، واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية ودعم إستراتيجيتها الخارجية .وتوصلت الدراسة لنتائج هامة مثل هيمنة الفكر الصهيوني وما يتبناه من قيم على أهداف الدولة الإسرائلية وسلوكها .من النتائج التي توصلت لها الدراسة أيضاً هو نجاح إسرائيل في تنفيذ سياستها الخارجية بنسبة كبيرة خاصة بعد التراجع العربي خارجياً مما أتاح لهذه الإستراتيجية حرية الحركة .أخيراً قدرة السياسة الإسرائيلية على التكيف مع المتغيرات والمعطيات الجديدة .
{2} دراسة بعنوان السياسة الخارجية الإسرائيلية في إفريقيا [12]،تعد هذه الدراسة من الأدبيات الهامة في موضوع العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ، حيث نبهت الدراسة للتغلغل الإسرائيلي في قارة إفريقيا مبكراً موضحة لأدوات إسرائيل وقتها لهذا التغلغل مثل الإعتراف السياسي بالدول حديثة الإستقلال ، وتبادل التمثيل الدبلوماسي، والمساعدات الإقتصادية والفنية. تناولت الدراسة أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية في أفريقيا التيي تتضمن تدعيم النفوذ السياسي ، وتأمين الوجود الإسرائيلي. كما أوضح الباحث في دراسته المؤسسات الداخلية ومراكز الأبحاث المسؤلة عن ملف أفريقيا ودولها داخل إسرائيل .وتوصل الباحث أن المحرك الأساسي لإسرائيل هو(الأمن ) وحفظ وجودها وبقائها .فمن أجل هذه الهدف تسخر كل ماتملكه. ودعت الدراسة وحذرت من تغلغل إسرائيل يتزايد في إفريقيا ودعت لتكاتف الدول العربية لمواجهة هذا النفوذ الإسرائيلي لما له من خطورة بالغة على الامن القومي العربي .على الرغم من أهمية الدراسة إلا أنها تعتبر قديمة وغير مواكبة للتطورات الجديدة في القضية وشكل العلاقات لكن يحسب لها التنويه لهذا الخطر الإسرائيلي منذ بداياته تدشين لمزيد من الدراسات في نفس الموضوع .
{3} دراسة بعنوان إسرائيل وإفريقيا :دراسة في الصراع الدولي [13]، تناولت الدراسة التوجهات الإسرائيلية نحو إفريقيا مع إبراز أهداف السياسية الخارجية الإسرائيلية من أفريقيا ، وما يعد منها ذا طبيعة إسراتيجية ،وما يعد ذا طبيعة تكتيكية إقليمية.ثم يوضح الكاتب تباين هذه الأهداف ومراد إسرائيل من إفريقيا حسب كل مرحلة زمنية . ففي الستينات كان الهدف أمنياً بالأساس،بينما تحول هذا الهدف قليلاً إلى شرعنة التواجد ، ثم اكتساب الشرعية والتغلغل ، إلى الهيمنة أخيراً. تناولت الدراسة خصائص البيئة الإفريقية ومحددات الدور الإسرائيلي .وأن أفريقيا تحولت لساحة للتنافس العربي الإسرائيلي . وفي نهاية الدراسة تناول الباحث التسويات العربية الإسرائيلية وأثرها على العلاقات الإسرائيلية الإفريقية .
الإتجاه الثاني يتطرق إلى ما كانت عليه أفريقيا وما أضحت إليه في الإستراتيجيات العربية . حيث يوضح الكاتب دور الدول العربية وبالأحرى مصر في أفريقيا ثم تراجع هذا الدور بعد ذلك أن إسرائيل حلت محل التواجد والتراجع العربي في أفريقيا .
{4} دراسة بعنوان إشكالية الصداقة بين إسرائيل وإفريقيا [14]،وهي من الدراسات التي تعرض وجهة النظر الغربية عن موضوع العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ،و وضح الباحث أن التراجع العربي كان لابد أن يوجد أحد ليملئ هذا الفراغ ، وأن لبمشاريع للقوى الإقليمية في إفريقيا سببها الأساسي هو تراجع دور الدول العربية في إفريقيا ، بالإضافة إلى النزاعات التي شهدتها وتشهدها القارة الإفريقية.تطرق الكاتب للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية غير الرسمية وتجارة الماس الإفريقي .ثم ختم الكاتب دراسته بشرح مبدأ الإعتراف المتبادل بين إسرائيل والدول الإفريقية .
{5} دراسة بعنوان إسرائيل وأفريقيا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية [15]،تنتمي هذه الدراسة لدوائر الفكر الإسرائيلية ،حيث كتبها الدبلوماسي السابق في إفريقيا ،والمحاضر الجامعي في عدد من جامعاتها ،والمتخصص في الشؤن الإفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية آريه عوديد .تناول الكاتب في دراسة طور العلاقات الإسرائيلية الإفريقية محلل لكل مرحلة على حدى .لكن تناول الكاتب لهذه المراحل كان برؤية دبلوماسية واستراتيجية واقتصادية و ثقافية ، ليس مجرد سرد لتطور هذه العلاقة والشكل الذي تأخذه في كل مرحلة. ثم يوضح الكاتب سبب التحول الإفريقي من القضية العربية إلى التطبيع مع إسرائيل ،مبيناً أن الدول الإفريقية دول لديها العديد من المشاكل وترغب في أن تفوز بكل المساعدات الإسرائيلية والعربية .وقال الكاتب أن على الرغم من زيادة عدد الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل ل 41 دولة ،إلا أن أفريقيا مازالت تحتاج لمزيد من الاهتمام الإسرائيلي والعمل على تعميق الوجود هناك .
{6}دراسة بعنوان إسرائيل وأفريقيا في عالم متغير من التغلغل إلى الهيمنة [16]،هدفت الدراسة إلى تحليل السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا ومنها كسر حالة العزلة الدولية المفروضة عليها من الدول العربية ،وكسب تأييد الدول الأفريقية في المحافل الدولية نحوتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بالطريقة التي تريدها إسرائيل . ثم تناول الكاتب موضوع الأمن القومي الإسرائيلي وأن التحرك الإسرائيلي تجاه أفريقيا كان يستهدف تأمين الأمن القومي الإسرائيلي ، وبناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط . ثم وضح أن ترتيب هذه الأهداف في سلم الأوليات الإسرائيلية يختلف حسب العوامل الداخلية والخارجية وطبيعة الإقليم .تطرقت الدراسة في جزء منها لتطور وتاريخ العلاقات الإسرائيلية الأفريقية لإستنباط الأهداف الإسرائيلية ، والوقوف على آليات العمل والأدوات الإسرائيلية المستخدمة هناك .
يُستخلص من هذا المحور عدة فوائد هامة للدراسة منها الإشارة إلى إسرائيل من الداخل وطبيعة التكوينات الإجتماعية والنظام السياسي فيها .كما أن وجود دراسات للمفكرين الغربيين والإسرائليلين ،حيث استعراض رؤيتهم للتحركات الإسرائيلية في أفريقيا .كما يتناول المحور تأثير التراجع العربي على الصعيد الأفريقي .
رابعاً الإطار النظري والمفاهيمي
أولاً الإطار المفاهيمي
لتتبع المشروع الإسرائيلي ورصد ملامح تحركات إسرائيل في أفريقيا يمكن أن نستخدم أربعة مفاهيم رئيسية ترتبط بخيط ناظم يُمكننا من رصد الإستراتيجية الإسرائيلية وتطورها والتجديد الذي يطرأ عليها حسب مصالح الكيان في أفريقيا.هذه المفاهيم هي( الأمن القومي الإسرائيلي ، الهيمنة ، القوة الناعمة ) .فمنطلق إسرائيل في التحرك تجاه أفريقيا هو سعيها لتأمين أمنها القومي ذلك الأمن الذي لا يمت للأمن بصلة فمنذ بن جوريون إلى رئيس الوزراء الحالي نتنياهو ،وهذا المفهوم محل جدل وتغيير في الأولويات والوسائل اللازمة لتحقيقه .لكن بالتركيز على دراستنا وهي التحرك الإسرائيلي في أفريقيا يلزمنا تحديد ما سيجنيه ويحصل عليه الأمن القومي الإسرائيلي من التقرب وتدعيم العلاقات الإسرائيلية الأفريقية .هذا ينقلنا للمفهوم الثاني الهيمنة هل حققت إسرائيل الهيمنة على كامل أفريقيا ،وما الذي ساعدها في ذلك، وكيف ستُسخر تواجدها في أفريقيا لخدمة مصالحها وضرب مصالح أعدائها .ولتوضيح وسائل تحرك إسرائيل لتأمين نفسها وتحقيق الهيمنة أو السعي لها ،لابد من الإشارة للوسائل المُستخدمة وأهمها القوة الناعمة . اللعب على وتر نقاط ضعف الدول الأفريقية والدخول من هذا المدخل لمد سيطرتها،يعكس مدى تفوق إسرائيل في تسخير قوتها الناعمة لكسب النفوذ في هذه الدول .
{1}الأمن القومي لإسرائيل :إن مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي مفهوم جدلي غير ثابت وغير واضح حتى في المصادر الإسرائيلية لكن له مرتكزات وثوابت حيث ينطلق من إنكار الزمان العربي والوجود العربي، والفلسطيني على وجه التحديد. وهذا يعني ضرورة فرض الوجود الصهيوني والشروط الصهيونية بكل الوسائل المتاحة، حيث أن ردع العرب وإضعافهم هو هدف أساسي للأمن القومي الإسرائيلي،وأن على الجيش الإسرائيلي أن يحتفظ بقدرته العسكرية، وأن على الدولة الصهيونية أن تحتفظ بعلاقاتها القوية بالعالم الغربي الذي يدعمها ويمولها ويضمن تفوقها العسكري الدائم.
ومع هذا طرأ على مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي بعض التعديلات نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية، والمتغيرات والمعطيات الجغرافية والسـياسـية الناجمة عنهـا، وما تغير عبر هذه السنوات فقط أدوات تحقيق هذا الأمن ولكن ليس بمعنى التغيُّر الكامل أو الإحلال. وقد تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي عبر عدة مراحل:
قام مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلته الأولى على مفهوم “الضربة المضادة الاستباقية”، الذي كان يرتبط بانعدام العمق الإستراتيجي لإسرائيل. وينطلق هذا المفهوم من مقولة مفادها أن من الأفضل عدم السماح مطلقاً بأن تدور الحرب في أرض إسرائيل، بل يجب نقلها وبسرعة إلى أراضي العدو، وطوَّرت مفهوماً للردع ثم استبدلته بمفهوم لذرائع الحرب الاستباقية يقوم على شن حرب استباقية إذا حاول العدو (العربي) التصرف في أرضه على نحو يقلق إسرائيل مثل المساس بحرية العبور أو حشد قوات على الحدود الإسرائيلية أو حرمانها من مصادر المياه.
تطـور مفـهوم الأمن القـومي الإسرائيلي لتظهر نظرية “الحدود الآمنة”. وهي نظرية وُضعت أُسسها قبل 1967 لكنها تبلورت بعد حرب 1967، وهي نظرية تقـوم على حدود يمكن الدفــاع عنهــا دون اللجــوء إلى حرب وقائية.
وأضافت إسرائيل إلى هذا التصوُّر مفهوم حرب الاختيار، ومفهوم ذريعة الحرب كمبررات لشن حرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو أمنية مزدوجة المعايير. كما تم تطوير إستراتيجية الردع النووي[17] .
{2} مفهوم الهيمنة :أُستخدم المصطلح في القرن التاسع عشر للتعبير عن تأثير دولة على دولة أو عدة دول أخرى ،ومن ثم فهو يصف سياسات القوى بمختلف أنواعها التي تروع بها الدولة جيرانها من أجل فرض سيطرتها على هذه الدول .[18]
ويستعمل المصطلح في أدب العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لكن بشكل متقطع . وفي العقدين الأخيرين زاعت شهرته و ازداد استخدامه خاصة بواسطة الباحثين في الاقتصاد السياسي الدولي وما يتصل بنظرية الهيمنة .فمفهوم الهيمنة يفيد بالأولوية أو الزعامة وهذه الزعامة يمارسها طرف دولي مهيمن لديه من المقومات ما يؤهله للقيام بهذا الدور ،ويتوجب على الدول الأخرى أن تحدد علاقتها بهذا الطرف وتستجيب عدد من الدول لعلاقة الهيمنة الذي يمارسها عليهم هذا الطرف ويسمى هذا الانصياع (موافقة أو إقرار الهيمنة ) . وبما أن دور الطرف المهيمن يعتمد على قوته ، لذلكمنالأهمية توضيح أن للقوة تصور مادي ومعنوي ،ولابد من هذا الطرف أن يتفوق في كلا الصورتين . فالقوة العسكرية والاقتصادية مهمة إلى جانب التأثير الثقافي والفكري ، فلا ينبغي من المغالاة في تأمين نوع معين من القوة دون غيره فما يميز الطرف المهيمن هو تفوقه في جوانب القوة بأنواعها ، وبالطبع هذا لايعني أن لهذه الدولة المهيمنة جوانب ضعف لكن تحاول أن تخفيها بقدر الامكان .يرتبط مفهوم الهيمنة أيضاُ بكفاءة وقدرة الدولة على فرض هيمنتها وسيطرتها على الأطراف الخاضعة لها فالكيفية مهمة أيضاً .
وتضرب إسرائيل مثال في محاولتها للهيمنة على الدول الأفريقية وتسخير سياستها الخارجية لإيجاد ثقوب لكي تنفذ لكل دولة على حدى وحسب احتياجات هذه الدولة .فإسرائيل تحاول أن تجذب هذه الدول إليها وربط مصالحها بها .[19]
{3} مفهوم القوة الناعمة : إذا ذُكرت القوة الناعمة لابد أن يرتبط ذكرها بالعميد السابق لجامعة هارفورد (جوزيف ناي) كأول من صك المفهوم في علم العلاقات الدولية في كتابه الذي صدر1990 تحت عنوان “Bound to Lead ” .لكن مفهوم القوة نفسه يعود لما قبل ناي بعقود ،فقد أرتبط مفهوم القوة بالقوة العسكرية التقليدية في الحروب ،فإذا حاذتها الدولة تستطيع تأمين أهدافها وممارسة الإجبار والإكراه الدولي .لكن تمرد ناي على حصر القوة فقط في هذه الأساليب التقليدية فقسم القوة لنوعين (صلبة- ناعمة ).
القوة الناعمة وفقاً لناي :هي أن تحصل الدولة على ما تريد عن طريق الجذب لا القسر ،من خلال المكونات الثقافية . وأن تظهر الدولة التي تستخدم قوتها الناعمة بمظهر الدولة المثالية أمام المجتمع الدولي .وذكر ناي أن هنالك خمس تحولات دولية هامة ساهمت في تراجع القوة الصلبة أمام القوة الناعمة ،أو على الأقل تراجع فاعليتها وهي :
- أن من الصعب استخدام القوة العسكرية لما يمثل ذلك من خطر على مقومات الدولة الاقتصادية والمصالح المالية
- إن الفاعلين غير الدوليين (شركات متعددة الجنسيات – المنظمات الحكومية – الجماعات الارهابية )أضحوا جميعاً لديهم القدرة على ممارسة كافة أنواع القوة كانت مقصورة من قبل على الدولة القومية .
- القوة الناعمة قد تكون هي الحل لكثير من النزاعات الدولية المعقدة .
- أنتشار التكنولجيا والتطور الهائل في مجالات استخدامها ،ساعد في ظهور تكتيكاتغير مؤلوفة وأنواع جديدة من الحروب مثل الحروب السيبرانية .
- التغير الحادث في القضايا السياسية وقضايا العلاقات الدولية،ساهم في تراجع قدرة القوة التقليدية في حل هذه النزاعات . كما أن استخدام القوة العسكرية أصبح مكلف جداً.[20]
وتظهر علاقة المفهوم بموضوع دراستنا في أن إسرائيل تسخر كافة الأدوات المتاحة لديها لتحقق السيطرة والهيمنة الأفريقية ، ومن هذه الأدوات القوة الناعمة التي تمتلكها وتحسن استخدامها وتوظيفها . ومن أمثلة هذه القوة التكنولجيا المتقدمة ،والدين اليهودي وتوظيفه في تبرير الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ودغدغت مشاعر يهود أفريقيا .
كان لابد أيضاً من الإشارة إلى المجال الذي تتم فيه كافة هذه التفاعلات ـ أي النظام أو التجمع الإقليمي فإسرئيل نظرت أول ما نظرت لمحيطها الإقليمي و سعت للسيطرة وكسب التأييد فيه ،لكن في مرحلة معينة كان هذا التأييد من (الدول العربية ) صعب إن لم يكن مستحيل . فسعت إسرائيل للحصول على هذا التأييد وشرعنة التواجد من دول أفريقيا ثم الآن في 2020 يمكن أن تتحدث إسرائيل عن تأييد من الدول العربية .
{4}النظام الإقليمي : ارتبط هذا المفهوم بمفهوم الإقليمية كأحد الموضوعات الأساسية في مجال درسات التنظيم الدولي كمقابل لمفهوم العالمية .والبعض يشير أن جذور المفهوم ارتبطت بنظريات التكامل التي اعتبرت التكامل الإقليمي أحد مسائلة الأساسية .وقد برزت في إطار دراسات العلاقات الدولية أربع اتجاهات حول معيار تعريف النظام الإقليمي :
- أن يضم هذا النظام مجموعة من الدول ليس من بينها أي من القوى الكبرى .
- التقارب الجغرافي .
- وجود عناصر التماثل بين الدول التي تدخل في نطاق إقليمي معين .
- مدى وجود تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية بين الدول .[21]
من مميزات النظام الإقليمي كوحدة للتحليل ،أنه يساعد على فهم تفاعلات المستويات المختلفة في النظام الدولي،ويساعد على تحليل أفقي للنظم الإقليمية وفهم الخصائص المميزة لكل إقليم . فهو وحدة تحليل متوسطة بين الدولة والنظام الدولي .ويظهر مفهوم النظام الإقليمي في السياسة الخارجية الإسرائيلية حيث تعتبر إسرائيل نفسها جزء من نظام إقليمي صعب يلفظها ويعتبرها شاذه عنه .فكيف تتماهى معه وتنخرط في ثناياه، وكيف تسعى للتتفاعل معه وتؤمن مصالحها فيه ، وترفض كونها قاعدة شاذة عن النظام التي توجد فيه وتثبت ذلك من خلال العلاقات الأفريقية والتقارب من عدد من الدول الأفريقية وتوقيع اتفاقات تعاون وتفاهم مشترك ،وضعت إسرائيل داخل الغرف لصنع القرار في الدول الأفريقية .
ثانياً الإطار النظري للدراسة:
(حول نظرية الأمن القومي الإسرائيلي من بن جوريون إلى نتنياهو وسعي إسرائيل المستمر للهيمنة الإقليمية)
إن إسرائيل تسعى لبسط سيطرتها ونفوذها على دول القارة الأفريقية ،مطبقة لمشروعها الذي يهدف إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية .مشروع وإستراتيجية طويلة المدى ترغب أن تترجم فيه إسرائيل تفوقها وتميزها إلى سيطرة على المحيط الإقليمي . لذلك فإن الأمن القومي بمعناه الشامل, يمثل الهدف الأول في التخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي على جميع المستويات السياسية والعسكرية والجغرافية. وبالتالي فان التوسع الإقليمي وزيادة مساحة الأراضي التي تحتلها إسرائيل بصورة مباشرة في فلسطين والبلدان العربية المجاورة أو التي تسيطر عليها سيطرة نفوذ سياسي او اقتصادي في مدى الدوائر الإقليمية المحيطة بها والمؤثرة على أمنها القومي, حسب تصورات قادتها ومفكريها الاستراتيجيين, إنما ترمي إلى زيادة عمقها الحيوي لتطبيق سياسة الهيمنة وإلى إيجاد واقع بشري ومادي لوجودها على أرض الواقع .مما يمثل تحدياً بالغ الخطورة في وجه عودة الحقوق الفلسطينية السليبة. ولذلك ترفض إسرائيل ذكر الحدود في وثائقها الرسمية وفقاً لسياسة بن جوريون الذي كان يقول : ” إن الحرب سوف ترسم حدود الدولة وستكون هذه الحدود أوسع من تلك التي خصصتها الأمم المتحدة “. وأوضح موشيه ديان في أعقاب حرب عام 1967 أن “الهدف الأول للطريق الذي نسلكه هو أن نضع خريطة جديدة وننشئ حدوداً جديدة .”[22]
في نفس السياق عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بصورة حثيثة من أجل تأمين التأييد الدولي خارج الدائرتين الأميركية والأوروبية اللتين ضمنتا لها الرعاية المستمرة والدعم المادي والسياسي والمعنوي والإسناد العسكري. ولهذا فإن الإسرائيليين يمموا وجوههم شطر أفريقيا أكثر قارات العالم دولاً والقوة الضاربة في أغلب المنظمات الدولية .[23]
دشن ديفيد بن جوريون نظريتة حول الأمن القومي الإسرائيلي منذ نشأة هذا الكيان المحتل وأُعلنت بشكل رسمي في عام 1953. فأرسى بن جوريون المنظومة العاقائدية الأمنية والتي مازالت إسرائيل تعتمد عليها بشكل كبير،حتى أقدم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في أواخر العام 2019على اجراء بعض التعديلات عليها لجعلها أكثر مرونة وتطور للإستجابة والتماشي مع التحديات التي تواجهها إسرائيل . أهم ما أدخله نتنياهو وعدله في رؤية بن جوريون هو أن إسرائيل لم تعد تواجه تحدي وجودي.وذلك بفضل دعم الحلفاء الأوربيون والأمريكان ، وبفضل قاعدة النفوذ الواسعة التي استطاعت إسرائيل تأمينها في عدد من القارات أهمها القارة الأفريقية وهو موضع درستنا ومنطلق حديثنا .
أما عن نظرة بن جوريون للأمن القومي الإسرائيلي…….
“نحن شعب صغير، وإمكانياتنا ومواردنا محدودة، ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها. وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواؤها”.هذا الكلام وجهه ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء ل”إسرائيل” إلى قيادات الجيش وغيرهم من عناصر المؤسسة الأمنية وأجهزة الاستخبارات والذين شرعوا معه في إعداد وثيقة الأمن القومي الإسرائيلي[24].كانت الأسس العريضة التي وضعها أول رئيس لحكومة إسرائيل، دافيد بن جوريون، عام 1953 والتي عرفت بوثيقة الـ18 نقطة. قامت بالأساس على ثلاثة محاور رئيسية هي: (الردع) أي بناء قوة عسكرية قادرة على ردع الأطراف العربية من مجرد التفكير بشنّ حرب ضد إسرائيل، (والإنذار) أي بناء قوة استخبارات قادرة على تحذير المؤسستين العسكرية والسياسية من احتمالات شن حرب ضد إسرائيل، وهو محور وركن كان فاعلاً حتى حرب 1967، لكنه تلقى هزيمة مخزية في حرب أكتوبر1973، وأخيراً (الحسم) ويعني حسم المعركة خلال أقصر وقت ممكن وإنهاء الحروب في أيام معدودة، على اعتبار أن إسرائيل وجبهتها الداخلية لن تتحملا حرباً طويلة الأمد.[25] كما تحدث بن جوريون عن تطوير شبكة من العلاقات الخارجية القوية مما سيؤدي حتماً إلى ضمان هذا الأمن وتكفل حمايته ليس بواسطة إسرائيل فقط ولكن بواسطة حلفائها الخارجيين.وتبنى بن جوريون نظرة شديدة التقديس للأمن بمفهومه الشامل حيث قال إن الأمن يجب أن يكون النقطة المحورية التي تتحرك حولها السياسة الإسرائيلية, وإن ضمان أمن إسرائيل يقف في طليعة الأهداف في سياستها الخارجية [26].ولقد دار في ذهن بن جوريون والآباء المؤسسين أن إقامة علاقات وطيدة مع الدول الأفريقية المتاخمة للدول العربية الأفريقية وخصوصاً مصر والسودان وليبيا والجزائر والمغرب, يمكن أن يمكنهم من استخدام واستغلال هذه الدول من أجل الالتفاف على الدول العربية في الحسابات الاستراتيجية .
و قد أكد بن جوريون على ما أسماه المستلزمات والمصالح الأمنية الإسرائيلية في العلاقة مع دول أفريقية محددة مثل أثيوبيا التي اعتبر أنه يوجد معها منذ أواخر الخمسينات حلف غير مكتوب عُرف بحلف نصف المحيط لمواجهة حالة العداء العربي ،وكان يضم أيضا كلا من إيران (الشاه) وتركيا. وكان من ثمار هذا التحرك أن أثيوبيا وضعت تحت تصرف إسرائيل قواعد بحرية بدعوى حماية الملاحة في البحر الأحمر و كذلك فعلت جيبوتي وإرتريا وأوغندا وتشاد وكينيا. ولقد أدى نجاح إسرائيل في التغلغل الاقتصادي والسياسي في أفريقيا إلى نجاح آخر بالتبعية هو النجاح العسكري, حيث تمكنت من اختراق جيوش العديد من الدول الأفريقية عن طريق بعثات المستشارين والخبراء للأشراف على تدريب هذه الجيوش وعن طريق إمدادها بالأسلحة بأسعار تشجيعية , وتطبيق التجارب والخبرات الصهيونية في مجال تشكيل التنظيمات شبه العسكرية, الأمر الذي أدى بالتالي إلى كسب مودة وتأييد العديد من القادة والضباط داخل هذه الجيوش[27].
تحديث بنيامين نتنياهو لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي……
عكف نتنياهو على إعداد وتنقيح وثيقة تبحث الأمن القومي الإسرائيلي طوال عدة أشهر، وقد كتبها بالتشاور مع كبار مسؤولي الدفاع والأمن الحاليين والسابقين في البلاد.وبالتعاون مع رئيس الأركان السابق (جادي آيزنكوت ) الذي تولى الشق العسكري الخالص في إسراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي . وأشارت الوثيقة بداية إلى أنه طرأت تغيرات داخلية وخارجية، تستدعي تحديث المفهوم الأمني الإسرائيلي، الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن جوريون، في خمسينيات القرن الماضي، وذلك على ضوء تحديات الحاضر.حوت الوثيقة تصوراً واضحا لبناء القوة، كما تحتوي على تعريف للتهديدات. وينوي نتنياهو في وثيقته التي لم يكشف عنها حتى الآن بشكل رسمي، إنه من الآن فصاعدا ، سترتبط ميزانية الدفاع بالناتج القومي لإسرائيل، وستشمل على الأقل 6 % منه. وحسب الوثيقة يعتزم نتنياهو استثمار أموال إضافية في الإنترنت(سلاح المستقبل ) وتحويل إسرائيل إلى قوة عظمى في هذه المنطقة. [28]
نشر(معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب ومعهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط) في واشنطن، كُتيبا بعنوان “خطوط توجيهية لمفهوم الأمن الإسرائيلي” كأول إعلان رسمي عن خطة نتنياهو والنخب المحيطة به لأمن إسرائيل . تحدد المذكرة التي تم نشرها أخيراً، وتمتد على 76 صفحة، الأخطار الرئيسية التي تهدد إسرائيل، مع تحديد جوانب غير عسكرية ولأول مرة أشرت الوثيقة في مقدمة هذه الأخطار التهديد الداخلي الناجم عن الشروخ والانقسام في المجتمع الإسرائيلي، وما يحمله ذلك من تهديد للمناعة القومية لإسرائيل.
وتنطلق المذكرة من إقرار صحة المفاهيم الأمنية التي حددها بن غوريون في وثيقته عام 1953، مع تحديثها وإدخال تعديلات عليها، فتشير المذكرة إلى التغييرات في طبيعة الأخطار والتهديدات العسكرية والوجودية. تشير أيضاً إلى الحرب على صعيد حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، وهي ترى أنّ ذلك يُحتم ويُلزم الدولة أيضاً بتعزيز وتوطيد العلاقة مع اليهود في العالم، ومواجهة نشاط حركة المقاطعة، التي تمثل خطراً على شرعية إسرائيل وصورتها أمام العالم،وتوطيد علاقة إسرائيل بأصدقائها الأفارقة .
وتصل المذكرة إلى خلاصة أساسية تقول إن على الجيش أن يكون على درجة عالية من الجاهزية لتفعيل واستخدام كامل قوته العسكرية والقتالية بشكل فوري في مواجهة كل تهديد لحماية سيادة الدولة وسلامة مواطنيها. أخيراً، فإن المذكرة تسعى إلى تحديد وإعادة تعريف مفاهيم أساسية في مركبات الأمن الإسرائيلي، مثل مفاهيم الردع، التفوق العسكري الاستخباراتي، والدفاع في المجالات كافة ولا سيما في الحرب البرية وتحديد معنى الانتصار وشروطه وسبل تحقيقه ودور المجتمع المدني في تحصين الأمن القومي.[29]
أضافت الوثيقة فيما يتعلق بالبعد الخارجي أن محيط إسرائيل الإستراتيجي محط اهتمام المجتمع الدولي، بسبب الطاقة و وجود آبار النفط والغاز في الشرق الأوسط؛والطرق التجارية في الشرق الأوسط ذات أهمية بالغة للاقتصاد العالمي، وما يتعلق ب”تصدير انعدام الاستقرار” .
تطرقت الوثيقة إلى حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها (BDS) كخطر كبير يؤثر على صورتها الخارجية، بسبب استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان. ووصفت نشاط حركة المقاطعة بأنه واسع، ومن جهات معادية، من أجل تقويض صورة دولة إسرائيل، ونزع شرعية بقائها بوضعها الحالي، كدولة قومية للشعب اليهودي، كي يقود إلى انهيارها.كما تحدثت على أن علاقاتها بأشقائها الأفارقة ممتازة بل وتتنامى بشكل سريع مما يحد من أي محاولة عزلة قد تفرض على إسرائيل .وقالت الوثيقة إن “إسرائيل هي نبتة غريبة في حيز عربي – إسلامي معاد وتختلف عنه، بالدين والثقافة والاقتصاد وطبيعة النظام. وانعدام الاستقرار الذي ميّز المنطقة الإقليمية طوال سنوات يتعاظم منذ اندلاع انتفاضات في الحيز العربي قوضت النظام الذي استند إلى القومية في المنطقة ، مما كان له انعكاسات على الأمن القومي (الإسرائيلي)”. [30]
خامساً المنهج
إن المنهج هو وسيلة جمع المعلومات حول موضوع الدراسة و المنظور الذي نتناول من خلاله موضوع الدراسة وبالتالي ينعكس على تقسيم الدراسة وتنوع أجزائها ،لذلك كان المنظور الأمثل من وجهة نظري لدراسة الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه دول أفريقيا هو منهج (دراسة الحالة ) فمن خلاله يمكن دراسة الإستراتيجية الإسرائيلية فمنطلق التحليل هو إسرائيل: تحركاتها ، وأهدافها ، وآليات عملها .فأسرائيل وتحركاتها تعد حالة تتطلب المزيد من الدراسة خاصة مع سرعة تحركاتها وتعدد المحاور التي تعمل فيها .لذلك فإن الدراسة الدقيقة وتفكيك الظاهرة لمكوناتها الأولية واستدعاء نماذج من الدول الأفريقية الواقعة في شباك إسرائيل كل ذلك يمكن من خلال منهج دراسة الحالة .كما أن لمنهج دراسة الحالة عدة أنماط للحالات والتي منها : دراسة الحالة الواحدة بالتفصيل ،دراسة حالات مقارنة ،أو دراسة جزء أو مستوى معين من مستويات الحالة .[31]
ويُتستخدم منهج دراسة الحالة بهدف دراسة وحدة دولية دراسة عميقة وكلية وبإستفاضة لإحداث عملية فهم أعمق لهذه الوحدة وفلسفتها ومحدداتها الخارجية، وهنا من خلال دراسة مستفيضة للتدخل الإسرائيلي في أفريقيا ، فمن الممكن في النهاية أن نصل إلى نتائج نستطيع من خلالها تفسير التدخل الإسرائيلي في القارة الأفريقية وتحديد سياستها الخارجية تجاهها. ومنهج دراسة الحالة يمكننا في دراستنا من الاعتماد على عنصر الزمن ومن ثم نتهتم بالدراسة التاريخية للموضوع .لكن لا يصل بالدراسة لكي تكون دراسة تاريخية فهو يولي أهمية للخلفية التاريخية كوسيلة وليس كغاية في حد ذاتها .[32]
تقسيم الدراسة
انعكست الأسئلة البحثية ومنهج الدراسة على هيكل الدراسة ،حيث تم تقسيم الدراسة إلى ثلاث فصول .
الفصل الأول مسار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية منذ عام 1948 والعوامل المؤثرة عليها: ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين المبحث الأول يتطرق إلى مسار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية والمراحل التي سلكتها هذه العلاقة وصولاً للحالة الراهنة . المبحث الثاني يتناول العوامل المؤثرة على التحرك الإسرائيلي في أفريقيا .
الفصل الثاني أدوات وأهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه دول أفريقيا : وينقسم إلى مبحثين ،الأول يتناول أدوات السياسة الخارجية الإسرائيلية في أفريقيا وأنماط تحركها . المبحث الثاني يهدف إلى شرح الأهداف التي تتطلع لها إسرائيل من تغلغلها في أفريقيا .
الفصل الثالث نتائج الإستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا : ينقسم الفصل لمبحثين أولأً نتائج التدخل الإسرائيلي والمصالح العربية . ثانياً نتائج الإستراتيجية الإسرائيلية والسعي للهيمنة على أفريقيا في ظل التنافس الدولي على أفريقيا .
الفصل الأول مسار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية منذ عام 1948 والعوامل المؤثرة عليها
هذا الفصل يستعرض المراحل التي سلكتها العلاقات الإسرائيلية الأفريقية ، وما هي محددات كل مرحلة فمنذ نشأة إسرائيل عام 1948 حتى يوم الناس هذا وهي تحاول جاهدة تأمين وجودها والحفاظ على مصالحها . ووجود مراحل تصاعدية أو تنازلية في شكل العلاقات يعني وجود مجموعة من العوامل التي تؤثر على هذه العلاقات وهو ما سنستعرضه في المبحث الثاني للفصل .
المبحث الأول
مسار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية والمراحل التي سلكتها هذه العلاقة .
تطورت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في سياق من التغير,ما بين القارب و انقطاع العلاقات ،ثم الانفراج والتقارب الشديد تارة ،وذلك بفعل التأثيرات التي أصابت النظامين الإقليمي والدولي خلال مرحلة الحرب الباردة وما بعدها، والتي لعبت دوراً هاماً في مساعدة السياسة الخارجية الإسرائيلية على تحقيق أهدافها في القارة السوداء. منها على سبيل المثال لا الحصر، انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، وتغير آليات الصراع الدولي في أفريقيا،فاتجهت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها بالدول الأفريقية.في ضوء هذا التأرجح سيتم استعراض تطور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في ضوء أربعة مراحل وهي :
العلاقات الأفريقية الإسرائيلية في الفترة 1948 إلى 1967 :(مرحلة الاعتراف التدريجي)
لقد تميزت العلاقات الإسرائيلية مع معظم الدول الأفريقية في بداية هذه الفترة بالثبات خاصة مع بروز حركات التحرر من الاستعمار ونيل الدول الأفريقية لإستقلالها فكانت معظم الدول الأفريقية في حالة من عدم الاستقرار السياسي, ثم ما لبثت إسرائيل منذ العام 1950 بفتح قنوات للإتصال مع النخب الحاكمة الجديدة فى أفريقيا بطرق غير رسمية وأخرى رسمية, والتي أثمرت عن تكوين أول بعثة قنصلية لإسرائيل في أفريقيا وكانت في أكرا عاصمة غانا عقب الاحتفال باستقلال غانا مباشرة . ثم إنشاء بعثات في مناطق عدة في القارة الأفريقية نتيجة لحصول العديد من الدول على استقلالها في مستهل العام1960 [33]. كان هدف إسرائيل الأهم في تلك الفترة الحصول على الاعتراف الرسمي ، وضمان أصوات هذه الدول في المؤتمرات والمحافل الدولية .
لذلك صانع القرار الإسرائيلي كان سريعا في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية حديثة الاستقلال, حيث لم يكن لدى إسرائيل بعد تأسيسها سوى سبع سفارات فقط في العالم بأسره، ستة منها في القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية وواحدة فقط في أفريقيا. إلا أنها تنبهت لخطأ هذا السلوك ولأهمية الدول الأفريقية . فتُرجمت هذه الرؤية من خلال عدة زيارات رسمية فقامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير بمهمة تقوية العلاقات بين إسرائيل وأفريقيا, لفك طوق العزلة العربية المفروض حول إسرائيل,عن طريق الذهاب من خلف هذا الطوق العربي للدول الأفريقية ,وتأسيس شبكة أمنية قوية بالأخص في القرن الأفريقي والساحل الشرقي. كان لإسرائيل خلال هذه الفترة علاقات دبلوماسية مع 32 بلد أفريقي ، أي أكثر من نصف بلدان القارة الإفريقية, وكان يوجد بالقارة الأفريقية أكثر من 2408خبير إسرائيلي يعملون في شتى المجالات الزراعية والتعليمية والاقتصادية والأمنية والعسكرية, بينما كان هناك الآلاف من الأفارقة يشاركون في دورات تدريبية مختلفة لمدد قصيرة في إسرائيل. على الصعيد الاقتصادي نجد أن العلاقات التجارية بين إسرائيل والدول الإفريقية في هذه المرحلة كان حجم التبادل التجاري فيها يقدر بحوالي 75 مليون دولار وقد تحقق ذلك الدخل عبر الشركات الإسرائيلية العاملة في أفريقيا, والتي وسعت نشاطها في أفريقيا بطريقة ملحوظة في ظل هذه الفترة [34].
العلاقات الأفريقية الإسرائيلية في الفترة 1967 إلى 1977 :(مرحلة تراجع العلاقات )
لقد كان عام 1967 يمثل ذروة النشاط الإسرائيلي في أفريقيا كما كان يمثل بداية التدهور الفعلي للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية . يرجع ذلك إلى مؤثرات خارجية مثل زيادة التقارب العربي الإفريقي وقيادة مصر ممثلة في الرئيس جمال عبد الناصر لمشروع التحرر الوطني في أفريقيا مما زاد من شعبية مصر وقيادتها في تلك الفترة إلى أن اندلعت حرب 1967 و أثرها على مكانة إسرائيل لدى الدول الأفريقية بالإضافة إلى التغييرات التي طرأت على الخريطة السياسية لأفريقيا منذ الستينيات. فلقد ساهمت كل هذه الأسباب في كشف حقيقة إسرائيل و نواياها التوسعية في أفريقيا مما ساهم في بلورة الموقف الأفريقي الجديد اتجاه إسرائيل الذي يتسم بالرفض الجماعي لإسرائيل واعتبارها كيان معتدي محتل لأرض دولة عربية.
كما أن التقارب العربي الإفريقي انعكس سلبيا على العلاقات الإسرائيلية الأفريقية, ويعتبر عاملا أساسيا في الحد من التغلغل الإسرائيلي في هذه المرحلة . فشكل العلاقات العربية الأفريقية يحدد شكل العلاقات الأفريقية الإسرائيلية . كما قامت الجامعة العربية بافتتاح مكاتب في شرق و غرب أفريقيا فشكل التضامن العربي الأفريقي أحد أهم وسائل الضغط على الكيان الإسرائيلي .
استمر الإنحدار في شكل العلاقات الإسرائيلية الأفريقة حتى اندلعت حرب أكتوبر 1973 وظهر فيها التضامن الأفريقي مع العرب ممثلين في مصر وسوريا خاصة في منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية . حيث عقدت منظمة الوحدة الإفريقية اجتماعا استمر ثلاثة أيام في أديس أبابا حضرته 42 دولة افريقية وعربية لمناقشة تأثيرات الحرب على أفريقيا وانتهى الاجتماع بقرار المجتمعون الذي دعوا فيه جميع الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية إلى فرض حظر اقتصادي على إسرائيل و البرتغال و جنوب إفريقيا ودعا البيان إلى إقامة علاقات وثيقة للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية و الجامعة العربية [35].
رغم القطيعة التي حصلت بين إسرائيل و دول أفريقيا بسبب حربي 1976 و1973 مع العرب إلا أن إسرائيل لم تيأس وتقطع اتصالاتها مع القادة الأفارقة بل سعت إلى تجاوز هذا الخلاف و القطيعة وإعادة إحياء هذه العلاقات من جديد. حيث تعتبر جنوب إفريقيا الدولة الأفريقية الوحيدة التي سارعت إلى استئناف علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب 1967 نظرا لطبيعة نظامها العنصري و كذلك الجالية اليهودية الكبيرة الموجودة فيها, بعد الحرب العربية الإسرائيلية في 1967،كما ظهرت مجموعة من المنظمات اليهودية تأسسوا من اجل مساندة إسرائيل وتهيأة عودتها لأفريقيا[36].
في نهاية هذه المرحلة بلغ عدد الدول المقاطعة لإسرائيل 42 دولة أفريقية ، لكن وبرغم حالة التراجع والانكماش التي شهدتها العلاقات الإسرائيلية الأفريقية خلال هذه الفترة على المستوى السياسي، إلا أنها شهدت نجاحاً ملحوظاً علي المستوي الاقتصادي ، وليس أدل على ذلك من أن التجارة الإسرائيلية مع أفريقيا في الفترة من عام 1973 وحتى عام 1978 قد تضاعفت من 54.8 مليون دولار إلى 104.3 ملايين دولار. وتركزت هذه التجارة بالأساس في الزراعة والتكنولوجيا . حيث أصبح الاقتصاد المدخل للتغلغل الإسرائيلي في القارة [37] . وفيما يلي جدول يوضح التصويت الإفريقي على قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية 1975م [38] .
مؤيد | معارضة | امتناع |
1. بوروندي | 1. إفريقيا الوسطى | 1. بوتسوانا |
2. الكاميرون | 2. كوت ديفوار | 2. الجابون |
3. كيب فرد | 3. ليبيريا | 3. غانا |
4. تشاد | 4. مالاوي | 4. كينيا |
5. الكونغو | 5. سوازيلاند | 5. ليسوتو |
6. بنين | 6. موريشيوس | |
7. غينيا الاستوائية | 7. سيراليون | |
8. غامبيا | 8. توجو | |
9. غينيا | 9. بوركينا فاسو | |
10. غينيا بيساو | 10. زائير | |
11. مدغشقر | 11. زامبيا | |
12. مالي | 12. إثيوبيا | |
13. موزمبيق | ||
14. النيجر | ||
15. نيجيريا | ||
16. رواندا | ||
17. ساوتومي | ||
18. السنغال | ||
19. تنزانيا | ||
20. أوغندة |
العلاقات الأفريقية الإسرائيلية في الفترة 1977 إلى 1990: (مرحلة الانفراج وتسارع وتيرة العلاقات)
بعد تولي حزب الليكود مقاليد السلطة في إسرائيل سنة 1977, رفعت الحكومة شعار”عائدون إلى أفريقيا” .فقد اعتبرت زيارة الرئيس السادات للقدس في نوفمبر عام 1977 نقطة تحول في التقارب الأفريقي الإسرائيلي , فهذه الزيارة ساهمت في انفراج العلاقات الثنائية . فأعتبرت الدول الأفريقية التحرك المصري بمثابة شهادة وفاة للقضية والتخلي العربي الرسمي _ فلماذا نكون ملكيين أكثر من الملك_ ويمكن القول إجمالا إن الصراع العربي الإسرائيلي أضحى محدود التأثير في مجمل العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في تلك الفترة. فشهد عقد الثمانينات من القرن الماضي مرحلة بناء لهذه العلاقات لتبدأ مسيرة الخطوات السريعة في إعادة العلاقات و توج ذلك من قبل جمهورية زائير _الكنغو الديموقراطية حاليا_ عام 1982 ,لأنها كانت في حاجة ماسة للمساعدات العسكرية الإسرائيلية, خاصة في ميدان تدريب الجيوش, وبلغت ذروتها سنة 1985, بعد زيارة شمعون بيرز إلى بعض الدول الأفريقية.
وارتبطت الكنغو بمعاهدة عسكرية تنص على قيام إسرائيل بإعادة بناء الجيش, و إيفاد مستشارين عسكريين إليها, أما ليبيريا فقد أعادت علاقتها مع إسرائيل عام 1983,ثم تلتها ساحل العاج و الكامرون و توجو ثم كينيا عام 1988,لهذا يعد نهاية عقد الثمانينات بداية الانفراج في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية .[39]
العلاقات الأفريقية الإسرائيلية فى الفترة 1990 م إلى 2019 م : (مرحلة ازدهار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية)
لقد سجلت الفترة من 1990 إلى العام 2019 م مرحلة الرجوع شبه الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين أفريقيا وإسرائيل, حيث أقامت إسرائيل بعثات دبلوماسية في أحد عشر قطراً أفريقياً جديداً وهى على التوالي أثيوبيا, أريتريا, كينيا, أنغولا, الكاميرون, نيجيريا وزمبابوى, هذا بجانب موريتانيا ويرجع ذلك إلى:
- التغيرات في النظام الدولي وانعكاساته الإقليمية حيث سقوط الإتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوى عظمى وحيدة في العالم, وتوظيف جميع قدراتها لدفع الدول الأفريقية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وتمكين إسرائيل من إعادة حضورها في المسرح الأفريقي تحت رعايتها ومظلتها السياسية والأمنية.
- سقوط النظم الشعبوية والماركسية اللينينية في أفريقيا ، والتغيير في جنوب أفريقيا ، ونتيجة لسياسة سد الفراغ التي أتبعتها إسرائيل لتحقيق إستراتيجيتها للتمدد في القارة الأفريقية.
- الدخول في العملية التفاوضية بين العرب وإسرائيل منذ مؤتمر مدريد، واتفاقية السلام مع الأردن,واتفاقية اوسلو مع السلطة الفلسطينية التي أزاحت الموانع والعقبات السياسية التي كانت تقف عائقاً في تحقيق أي اقتراب في السنوات الماضية مع معظم دول القارة الإفريقية.
فشهدت هذه المرحلة نمو الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا وبالتالي النمو الدبلوماسي الأفريقي في إسرائيل, ولتحقيق الحضور الإسرائيلي على الساحة الأفريقية والمحافظة عليه,تبنت إسرائيل في هذه الفترة إستراتيجية سد الفراغ العربي، فزادت من نشاطها بإرسال برلمانيين وأكاديميين إلى دول أفريقية مختلفة, وذلك لتعويض الحضور الإسرائيلي الرسمي في الأرض في المناطق التي لا توجد فيها بعثات رسمية إسرائيلية, هذا بالإضافة لتحريك المنظمات الغير الحكومية والتي تتبع للجمعية اليهودية الأمريكية مثل (ميغن ديفيد وأدوم ولاتيت) ، وفي عام 1997 بلغ عدد الدول الأفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل46دولة من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما بأن لإسرائيل 72 سفارة و13 قنصلية، وأربعة بعثات خاصة على مستوى العالم, وهذا يعني أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا بالمقارنة مع بعثاتها في العالم تشكل 48%، في حين تبلغ نسبة العلاقات الدبلوماسية الأفريقية الإسرائيلية بالمقارنة مع نسبتها بالعالم 80% . [40]
يقول ديفيد بن جوريون في كتابه (إسرائيل وسنوات التحدي) الذي صدر عام 1962: “إن إسرائيل دولة صغيرة الحجم ومحدودة السكان، كما أنها لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبرى، بَيدَ أنها تمثل على المدى البعيد قوة روحية خلاّقة، ولسوف يعود عليها إسهامها في تأسيس عالم جديد، بالسلام والأمن واحترام العالم”. من مثل هذه المقولات ينطلق الساسة الإسرائيلين تجاه أفريقيا،ويمكن رصد ملامح التطور السريع في التقارب الإسرائيلي الأفريقي في الألفية الجديدة من خلال مجموعة من الزيارات الرسمية والتصريحات المتبادلة لمسؤلين من كلا الطرفين .[41]
ففي 4 يوليو 2016 بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولته التي شملت 4 دول في شرق أفريقيا بدأها بأوغندا وتبعها متوجهاً إلى كينيا ثم رواندا وأخيراً إثيوبيا، حيث تعد هذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي منذ عام 1978، وقد تركزت أهداف هذه الزيارة في سعي إسرائيل إلى تعزيز تواجدها داخل القارة الأفريقية، وتوسيع قاعدة علاقاتها الدبلوماسية مع دول حوض النيل، وتشجيع إثيوبيا على المُضي قدماً في بناء سد النهضة، حيث تتطلع إسرائيل من خلال هذا الدعم إلى الحفاظ على ورقة ضغط قوية تجاه مصر والسودان . وقد بلغ رأس المال الإسرائيلي المستثمر في إثيوبيا نحو مليار و57 مليون دولار أمريكي في 281 مشروعاً، 11 منها تحت التنفيذ .[42]
وفي العام 2017 تطورت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بصورة كبيرة، خاصةً بعد أن وجهت توجو دعواتها إلى 54 دولة أفريقية للمشاركة في القمة الإسرائيلية الإفريقية ، التي كان من المقرر انعقادها في نهاية أكتوبر 2017 وكان من المتوقع مشاركة ما بين 20-30 رئيس دولة أفريقية فيها، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أعلنت أنه تقرر إلغاء القمة حيث بررت تل أبيب إلغاء القمة بتصاعد الأحداث التي تشهدها المنطقة وعدم الاستقرار الذي تشهده الدولة المضيفة، فيما رجّحت تقديرات أن السبب يعود للضغوطات التي مارستها السلطة الفلسطينية والعديد من الدول العربية [43] . وفي نوفمبر 2017 أيضاً قام نتنياهو بزيارة إلى كينيا للمشاركة في مراسم أداء القسم الخاصة بالرئيس كينياتا بعد فوزه في الانتخابات للمرة الثانية، وهي في الواقع ثالث زيارة لنتنياهو إلى أفريقيا خلال العام والنصف الماضيين، وقد التقى خلال زيارته برؤساء كل من (تنزانيا وأوغندا وزامبيا ورواندا وتوجو وبوتسوانا وناميبيا) ، ورئيس حكومة إثيوبيا، ونائب رئيس نيجيريا، وقادة آخرون، وقد صرح أنه خلال العاميين الماضيين تم افتتاح أربع مكاتب تمثيل أفريقية في إسرائيل، وأنه يسعى إلى افتتاح سفارة إسرائيلية جديدة في إحدى البلدان الأفريقية [44] .
ترجم نتنياهو شعاره “إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”، في زياراته المتالية للأقطار الأفريقية خاصة وأنه شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في ليبيريا عام 2017، كأول زعيم غير أفريقي يُدعى لحضور القمة في حدث غير مسبوق.
المبحث الثاني
العوامل المؤثرة على تحرك إسرائيل في أفريقيا .
لابد من الإشارة لمجموعة من العوامل التي تفاعلت – سواء بشكل سلبي أو ايجابي- مع السعي الإسرائيلي للهيمنة وبسط النفوذ على الدول الأفريقية وساعدتها على الدخول في المرحلة الراهنة من ازدهار العلاقات الأفريقية الإسرائيلية .هذه العوامل بعضها داخلي خاص بالنظم السياسية الأفريقية ، وبعضها أقليمي مرتبط بالتنافس الأقليمي على مناطق النفوذ في أفريقيا ، كما أن التغير الذي أصاب النظام العالمي من بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وسقوط الأنظمة الشيوعية في أفريقيا ، كان من ضمن العوامل شديدة التأثير على تحرك إسرائيل في أفريقيا ، والتي يمكن تسكينها ضمن العوامل الدولية . أسفر تفاعل هذه العوامل عن المرحلة الراهنة من مراحل العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وهي التقارب الشديد وازدهار هذه العلاقات .
الانسحاب العربي من القارة الأفريقية
تستند العلاقات العربية مع أفريقيا على روابط تاريخية منذ فترة بعيدة، عززتها روابط الجوار الجغرافي والحضاري والتداخل بين العالمين العربي والإفريقي، فهناك نصف عدد الدول العربية تقع في القارة الإفريقية يجمع مواطنوها بين هويتهم العربية والإفريقية، يمثل عددهم ثلث سكان القارة، إضافة إلى أن أغلب سكان ومساحة العالم العربي تقع في أفريقيا.وطالما ضربت الدول الأفريقية أروع الأمثال للتضامن العربي الأفريقي خاصة خلال فترة الحروب العربية الإسرائيلية ،لكن هذا الدعم بدأ يتراجع تدريجياً متأثراً بمجموعة من العوامل. ويعتبر هدف تحطيم طوق العزلة الاقتصادية و السياسية الذي سبق للدول العربية أن فرضته على إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948, من بين أهم الأهداف التي ترمي إليها استراتيجية السياسة الخارجية الإسرائيلية, ومن هنا جاء تطوير إسرائيل لعلاقاتها المتنوعة مع الدول الأفريقية لكي تضطر العرب إلى الاعتراف باحتياجات وجودها وأمنها القومي . وكما قال الجنرال حاييم لاسكوف, رئيس الأركان العامة الأسبق للجيش الإسرائيلي أن نجاح إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية في غرب أفريقيا وخاصة تلك التي تقع جنوب الصحراء والمتاخمة للدول العربية سيحقق لإسرائيل مكاسب ستساعدها على تلافي نقاط الضعف الستراتيجي المتمثلة في إحاطتها بطوق عربي والوصول إلى الظهر العربي المكشوف من ميدان لا يتوقعه العرب .
كان لهذا التراجع العربي – وخاصة تراجع مصر تدريجياً عن دورها الأفريقي – السبب الرئيسي لنجاح إسرائيل في اختراق القارة الأفريقية . كما توجد مؤشرات حديثة قد تدل على إدراك العرب مدى الخسارة التي يتحملوها نتيجة لهذا الإنسحاب فنجد تحركات إيجابية مثل تعيين السفير أحمد قطان وزيرا للشؤون الأفريقية في المملكة العربية السعودية عام 2019 إشارة إلى زيادة الاهتمام بالقارة الأفريقية، وهو ما ظهر في الدور الدبلوماسي الذي تلعبه السعودية في إقامة السلام الإثيوبي الإريتري وفي التعامل مع قضايا القرن الأفريقي. ولم تكن المملكة وحدها في هذا الاهتمام فقد قامت الإمارات بكثير من النشاط السياسي والاقتصادي في منطقة القرن الأفريقي، كما كانت الكويت قوة استثمار وإغاثة في القارة منذ وقت طويل. ومن الطبيعي أن مصر تاريخيا اعتبرت أفريقيا واحدة من الدوائر الرئيسية في سياستها الخارجية، بالإضافة إلى الدائرتين العربية والإسلامية .
لقد نمت العلاقات العربية الأفريقية في الخمسينات من القرن الماضي، بعد حصول الدول العربية على استقلالها، وشهدت هذه المرحلة درجة عالية من التنسيق والتضامن في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الاستعمار والتخلص من الاحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الاستقلال في أفريقيا وشمل هذا التضامن بين الطرفين في دعمها للقضايا المشتركة في أجهزة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز.وفي قمة الجزائر التي أقرت برنامج عمل للتعاون العربي الأفريقي، وقيام الدول العربية البترولية بدعم اقتصاديات الدول الأفريقية التي تأثرت بارتفاع أسعار النفط ، إضافة إلى إنشاء صناديق ومصارف اقتصادية وفنية لدعم التعاون بين الجانبين، ولكن الخلافات ظهرت بين الطرفين حول رؤية كل منهما لأبعاد هذا التعاون أدت إلى توقف هذا الحوار عام 1977، فمنذ أن شعر العرب بأن بعض الدول الأفريقية تنظر إلى الحوار كوسيلة للحصول على مقابل مالي للدعم الذي تقدمه للعرب في صراعهم مع إسرائيل .انفرط منذ ذلك الوقت عقد التضامن العربي الأفريقي وكانت الدول العربية الأفريقة أكثر المضرورين من هذا التراجع . فمنذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، تراجعت أشكال التعاون العربي الأفريقي وظهر العديد من السلبيات نتيجة أزمة الثقة والشكوك المتبادلة عززتها المستجدات الداخلية والدولية، مثل توقيع معاهدة سلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وزيادة الصراعات بين بعض الدول العربية والأفريقية، حيث تراجعت علاقات التعاون العربية مع أفريقيا لصالح العديد من الدول الكبرى نتيجة اتساع دور الدول المانحة الأوروبية والولايات المتحدة وإسرائيل في ميدان القروض والمنح والمساعدات، ودور البنك وصندوق النقد الدوليين في دعم اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية التي انعكست سلباً على العلاقات العربية الأفريقية. فالمحور اقتصادي يظهر أثره جليا في ضعف العلاقات العربية الأفريقية مما أدى إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي مع أفريقيا وتقديم الدعم المادي والتنموي، من خلال امتلاك إستراتيجية ورؤى استشرافية واستباقية للاحتياجات الأفريقية التي تتغلب فيها إسرائيل على الدول العربية، من خلال زيادة حجم الاستثمارات الإسرائيلية في أفريقيا، والشراكات الإسرائيلية الأفريقية، ما يزيد من اعتماد أفريقيا على إسرائيل لتصبح تابعة لها ومحاصرة منها.
كانت القمة الإفريقية-العربية الرابعة التي عُقدت في مالابو عاصمة غينيا الاستوائيةأوائل عام 2019 هي أخر القمم التي عقدت لتُمثل أكبر تجمع عربي أفريقيي رسمي . مصر كانت اول من استضاف القمة العربية الافريقية فى مارس ١٩٧٧ بحضور 16 رئيسا وملكا عربيا من الدول العربية الآسيوية، بالإضافة إلى 45 رئيس دولة أفريقية.وصدر عن القمة إعلان وبرنامج العمل للتعاون العربي الأفريقي . وكانت القمة العربية الأفريقية الثانية في 10 أكتوبر 2010 بمدينة سرت الليبية، بمشاركة أكثر من 35 رئيس دولة عربية وأفريقية. أما القمة العربية الأفريقية الثالثة فقد عقدت بالكويت 18-20 نوفمبر 2013بمشاركة 34 رئيس دولة عربية وأفريقية وكانت قمة غينيا الرابعة في عام 2019 ، لكن كالعادة شهدت هذه القمة انسحابات لدول عربية خليجية ودولة المغرب نتيجية التمثيل المفترض لما يسمى ( الجمهورية الصحراوية ) .دائماً ما تكون الخلافات حاضرة مقدماً على أي طاولة للتواصل العربي الأفريقي ، لذلك لا تسفر هذه القمم عن أي تقدم في العلاقات أو أواصر التعاون بين العرب وأفريقيا . فوجود علم الجمهورية الصحراوية، في القمة الأخيرة ربما يكشف الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد، في حين توجد قضايا أخرى أعمق تتحكم في مسار العلاقة بداية من المنطلقات الفكرية والصورة الذهنية السلبية لكل طرف عن الآخر” العرب هم الجلَّابة للرقيق، مقابل صورة الزنجي الأسود لدى العرب”، مرورًا بالخلافات حول العديد من القضايا مثل الحرب الأهلية في الصومال وكيفية تسويتها، ثم انفصال جنوب السودان، والخلافات بين موريتانيا والسنغال، والغزو الليبي لتشاد.
التقارب الإسرائيلي الخليجي في الفترة الأخيرة يوجد علامة استفهام كبيرة حول السياسة الخارجية للدول الخليجية حيث علاقات سرية وغير واضحة بين الدول الخليجية وإسرائيل. فطالما كانت القضية الفلسطينية هي المجمعة لكل العرب رغم الخلافات الشدية بينهم ، لكن وصول نُخب جديدة لسدة الحكم في الدول الخليجية أثرت على مواقف هذه الدول من التقارب مع إسرائيل بل وفتح قنوات حوار وتبادل زيارات سرية وعلنية كل ذلك يعد من العوامل المؤثرة على التحرك الإسرائيلي في أفريقيا . فزيارة بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان وإلقاء النشيد الوطني الإسرائيلي في إمارة أبو ظبي الإماراتية، والمشاركة الإسرائيلية في البطولة الرياضية في قطر، ثلاث أحداث في ثلاث دول عربية توضح أن التعامل مع إسرائيل أصبح متغيرا. من المعرف والملاحظ في الفترة الأخيرة أن هناك علاقات إسرائيلية عربية ليست رسمية ، ومستمرة منذ سنوات طويلة بين إسرائيل والدول الخليجية، لكن الجديد فيها في الآونة الأخيرة يخرج هذه العلاقات من الخزانة المغلقة، وبات يتم تناولها بصورة علنية . فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سبتمبر2019 أن هناك تعاونا على مختلف المستويات مع دول عربية لا توجد بينها وبين إسرائيل اتفاقيات سلام، موضحا أن هذه الاتصالات تجري بصورة غير معلنة، وهي أوسع نطاقا من تلك التي جرت في أي حقبة سابقة من تاريخ إسرائيل.[45]
لكن السؤال هنا لماذا هذا التقارب الخليجي الإسرائيلي ….. يمكن الاجابة على هذا السؤال بسببين أولهما فرضية ان السلام الإقليمي بين الدول العربية واسرائيل يمكن استخدامه كمنصة للمساعدة في حل القضية الفلسطينية ومساعدة الأطراف المتنازعة على اتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات في عملية التفاوض وصولا الى تفاهمات ترضي جميع الأطراف ، ويتبنى هذا المسار الولايات المتحدة وخاصة في عهد الادارة الحالية برئاسة دونالد ترامب التي ارتأت ان انخراط الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص في خطة السلام الامريكية التي تتبناها الإدراة الحالية للشرق الأوسط يساهم الى حد كبير في تليين المواقف الفلسطينية ، كما تتضمن هذه الخطة بعض البنود المتعلقة بمشاريع اقتصادية كبيرة تستفيد منها الى جانب كلا من مصر والاردن والسلطة الفلسطينية ودول عربية وخليجية لا تقيم علاقات دبلوماسية وسياسية ورسمية مع اسرائيل .
والثاني يستند الى فرضية التهديدات المشتركة والمصالح المتبادلة وتعبر عنه دول الخليج نفسها حيث التقارب الاسرائيلي الخليجي يقوم على خلفية مواجهة الخطر الايراني وتوسيع النفوذ الشيعي والتواجد العسكري الايراني ان كان بشكل مباشر او من خلال الميليشيات التابعة لها في عدة عواصم عربية ، حيث تقف اسرائيل ودول الخليج لأول مرة تاريخيا في نفس الخندق ضد ايران.
لعب هذا التقارب بين أضلاع المثلث الثلاث ( الخليج ومصر وإسرائيل ) سواء قصدت هذه الدول أم لم تقصد لعب دور هام في تسهيل وتسريع وتيرة عملية التطبيع والاختراق الإسرائيلي المدعوم خليجياً لأفريقيا .كما لا يخفى على أحد المستثمر السعودي ( محمد العمودي ) الذي يعد من أكبر وأهم المستثمرين في مشروعات إنشاء سد النهضة وغير ذلك من زيارات رسمية لمسؤلين سعوديين لمواقع الإنشاء، فهنا تساوت إسرائيل بالسعودية في دعم سد النهضة الإثيوبي . كما تفاهمت الدول الخليجية ومصر مع إسرائيل في العديد من القضايا الهامة وأبرزها خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط فلقد أُعلنت هذه الخطة بواسطة الإدارة الأمريكية بعد إعطاء الضوء الأخضر لها من قبل دول عربية هامة .
الدور الأمريكي الداعم للجهود الإسرائيلية
التحالف بين الولايت المتحدة وإسرائيل يُسهم من وجهة النظر الأمريكية في تعزيز الأمن الأمريكي، لذلك ازداد التعاون الثنائي في التعامل مع التحديات العسكرية وغير العسكرية خاصة خلال السنوات الأخيرة. ولا يمكن أن تكون العلاقة متساوية؛ فقد أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري لا غنى عنه بلغ أكثر من 115 مليار دولار إجمالاً منذ عام 1949. لكن الشراكة متبادلة حققت فوائد جمة للولايات المتحدة.اتخذ هذا الدعم عدة أشكال على الصعيد الخارجي، بدءاً من تغطية تكاليف التحرك الإسرائيلي من الخزينة الأمريكية ذاتها، وصولاً إلى ممارسة كافة أنواع الضغوط على الدول الأفريقية لاستئناف علاقاتها مع إسرائيل، وربط تقديم المساعدات الاقتصادية بشرط الانفتاح والتجاوب مع المبادرات الإسرائيلية، فضلاً عن الاستخدام الذكي من قبل إسرائيل لنغمة حقوق الإنسان التي أطلقتها الولايات المتحدة، فالأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا والتي لم يكن في وسع الأمريكيين دعمها لأسباب يصفونها بأنها أخلاقية، كانت تتولى إسرائيل دعمها بالوكالة وشكل هذا بالنسبة لها فرصة ترسيخ مخالبها في أفريقيا.فالأستراتيجية الأمريكية التي تعتمد على التركيز على مناطق إقليمية معينة, وتدعم قادة موالين لها, فمثلاُ دعم الأقليات الحاكمة في كل من رواندا وبوروندي وأوغندا, والحرص على إيجاد مناطق نفوذ في منطقة القرن الإفريقي يعرض المصالح العربية للخطر، خصوصاً فيما يتعلق بقضية المياه واستخدامها ورقة ضغط في مواجهة كل من مصر والسودان.
كما أن من ضمن الخطط الأمريكية الإسرائيلية تشجيع جيل من القادة الجدد الذين ينتمون إلى الأقليات في بلدانهم ويرتبطون بالولايات المتحدة وإسرائيل بعلاقات وثيقة؛ مثل مليس زيناوي في إثيوبيا, وأسياس أفورقي في إريتريا؛ وجون جارنج وخلفه سيلفاكير حالياً في دولة جنوب السودان؛ ويوري موسيفني في أوغندا؛ وبول كاجامي في رواندا. وإقامة تحالفات مع الدول والجماعات الإثنية والدينية المعادية للعرب, خصوصاً في منطقة حوض نهر النيل, لفتح ثغرة في خطوط الأمن القومي والمائي العربيين.
تحاول إسرائيل توظيف الولايات المتحدة لمساعدة الدول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية، واستخدام سلاح المساعدات الفنية والتقنية للدول الإفريقية.لكن هذه القوى الأجنبية تثير قضايا الفرقة والنزاع بين العرب والأفارقة, ويتضح ذلك جلياً من الموقف الأمريكي والأوروبي من قضية الإسلام السياسي التي يتم وصفها بالإرهاب, ونظراً لأن هذه الحركات الإسلامية تنتشر في العديد من الدول الإفريقية غير العربية، مثل: كينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا, فإن ثمة محاولات دؤوبة لترويع هذه الدول من محاولات بعض الحكومات والجماعات الإسلامية الموجودة في الدول العربية لاختراقها وزعزعة أمنها.
ويمكن القول بأن ذلك الاختراق الأجنبي للقارة الإفريقية قد أثر في قضايا العلاقات العربية الإفريقية, ومن المتوقع أن يستمر في التأثير إذا لم يُتخذ موقف عربي مضاد؛ حيث أضحى التنافس الأمريكي الأوروبي يتداخل ويتعارض مع المصالح العربية في إفريقيا، كما أن الوجود الأمريكي المرتبط دائماً بالوجود الإسرائيلي، وهو ما ظهر جلياً في منطقتي القرن الإفريقي والبحيرات العظمى، يشكّل تحديات لمنظومة الأمن القومي العربي في تطبيقاته الإفريقية.[46]
تغيرات في التوازن الدولي و شكل النظام العالمي
كان لنهاية الحرب الباردة بين كلاً من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي عظيم الأثر على التحرك الأمريكي ومن ورائه الإسرائيلي في افريقيا حيث سقوط النظم الشعبوية والماركسية اللينينية في أفريقيا ، والتغيير في جنوب أفريقيا بسقوط نظام الفصل العنصري الأبارتيد، كل ذلك جعل إسرائيل تتجه لسياسة سد الفراغ ،حيث عملت على حل محل النفوذ الشيوعي في القارة ، لتحقيق إستراتيجيتها للتمدد في القارة الأفريقية. فلقد كان الاتحاد السوفياتي لاعبا رئيسيا في أفريقيا خلال ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم ، حيث وفرت روسيا مظلة أيديولوجية وسندا عسكريا وداعما للحركات الأفريقية المناهضة للاستعمار وللإمبريالية العالمية. أدى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 إلى تلاشي مرتكزات النفوذ الروسي بأفريقيا؛ فقد أغلقت روسيا الكثير من السفارات والمصالح الدبلوماسية والقنصلية والاقتصادية والمراكز الثقافية الروسية، وتراجع تدفق الطلاب والموظفين الأفارقة على روسيا بسبب قطع المنح الدراسية والدورات التكوينية، كما تقلصت بشكل كبير المساعدات الروسية المقدمة لأفريقيا .وكانت علاقات الاتحاد السوفياتي بأفريقيا مكثفة وقوية ومتنوعة، وقد عززتها الدوافع الأيديولوجية التي غذت آنذاك الاهتمام الروسي بأفريقيا، مما ساهم في زيادة النفوذ العسكري والسياسي والتجاري والثقافي لموسكو داخل القارة.
فقد شكلت موسكو منافسا أيديولوجياً شرسا ومقلقا للقوى الاستعمارية لأفريقيا وحليفاتها كفرنسا وأميركا، وقد دفع هذا القوى ذات التأثير في أفريقيا لتصفية رجالات موسكو أو تحييدهم، كحادثة اغتيال الزعيم الكونغولي باتريس لومومبا -المحسوب على الاتحاد السوفياتي حينها- عام 1961.وتراجع تبعا لذلك الحضور الروسي في أفريقيا بدرجة كبيرة، ففقدت موسكو معظم أدوات التأثير الناعم والخشن في هذه القارة، بعد أن كانت تمتلك أكثر من 40 ألف مستشار في مجالات التعاون العسكري والثقافي والاقتصادي في 40 بلدا أفريقياً خلال 1970-1975.
صعود الرئيس بوتين للحكم في روسيا غير كثيراً من شكل السياسة الخاريجة الروسية فلقد بدأت تدخل روسيا في أفريقيا مجددا ضمن دبلوماسية جديدة شعارها تنويع العلاقات الخارجية، والتحرر من الاعتبارات الأيديولوجية التي كانت مطية روسيا لإيجاد موطئ قدم بأفريقيا، وذلك إثر انحسار بل اختفاء الحركات اليسارية التي تعتبر الظهير الأيديولوجي الداعم لروسيا في الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني بأفريقيا.[47]
لكن لم يكن الطريق مفروش بالورود،حيث ساد منطق التنافس الدولي على القارة الإفريقية مرة أخرى بين الأقطاب الرئيسة للنظام الدولي: الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، والصين، وكذلك الإقليمية والمتمثلة في: تركيا وإيران وإسرائيل؛ بهدف استغلال ثروات القارة ومواردها الطبيعية.
تراجع حجم القضية الفلسطينية داخل القارة الأفريقية
لم تعد القضية الفلسطينية قضية مركزية تلقى إجماعاً من الدول الأفريقية كما كانت عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبدأت دول القارة، بشكل متفاوت، بقبول إسرائيل كجزء من المنظومة الدولية، دون الإشارة لانتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني، ومخالفتها للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، خلافاً لما كان عليه في السابق. لا شك أن التحول في مسيرة القضية الفلسطينية، والتطورات السياسية على الساحة العربية، والتغيير المستمر في بنية النظام الدولي، ساهم، نوعاً ما، في إعادة تأسيس العلاقات مع إسرائيل من منظور مختلف، وبصورة غير معهودة.
قد كانت أولى مظاهر التراجع الدولي للقضية الفلسطينية عندما تمكنت إسرائيل عام 1991 من حشد التأييد الدولي اللازم لإلغاء قرار الأمم المتحدة عام 1975 ضد الصهيونية . وتوالت السقطات حيث في 2015 قامت كل من توغو ورواندا وكينيا وبوروندي بالتصويت ضد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأيضاً، قامت نيجيريا ودولة أفريقية أخرى بالتصويت لصالح إسرائيل لشغل منصب رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في 2016، وكانت نيجيريا في العام 2014 قد امتنعت في مجلس الأمن عن التصويت على مشروع القرار العربي الذي يدعو إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية خلال مدة 3 سنوات، ما أدى إلى فشل القرار، وهناك 4 دول عربية أخرى صوّتت لصالح إسرائيل في قضية اللجنة القانونية، من ضمنها مصر. لكن السعي الفلسطيني تجاه أفريقيا لايتوقف فقد أعلن وزیر الخارجیة الفلسطیني ریاض المالكي أن عام 2014 سیكون عام التوجه للقارة الافریقیة وتعزیز العلاقات التاریخیة بین الطرفین وتنمیة قنوات الاتصال ورفع المستوى التمثیلي وبناء علاقات ثنائیة ،أعلن ذلك في ختام القمة العربیة الافریقیة التي عقدت في الكویت في نوفمبر2013. وقد استضافت افریقیا مؤتمرا لسفراء دولة فلسطین في مدینة كیب تاون وبحث المؤتمر الرؤیة الفلسطینیة لإدارة التحرك الدبلوماسي في القارة الافریقیة .
وفيما ركزت منظمة التحرير الفلسطينية نشاطها السياسي والديبلوماسي وحتى الاقتصادي في القارة، من خلال التأكيد على الروابط المشتركة، والزيارات المتكررة للرئيس الراحل ياسر عرفات، وبعده محمود عباس، ولقائات القيادات الأفريقية، وفتح مكاتب تمثيل للمنظمة، وإقامة المشاريع الاقتصادية ،لكن فقدت المنظمة قدرتها على الاستفادة من الحلفاء التقليديين والتاريخيين للقضية الفلسطينية.
ورقة محاربة الإرهاب
ترفع إسرائيل خطاب محاربة الارهاب في سياستها تجاه الدول الاسلامية ذات الاغلبية المسلمة في أفريقيا خاصة بعد تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في عدة دول أفريقية في السنوات الأخيرة. كما ترفع إسرائيل شعار التضامن مع الدول الافريقية ذات الأغلبية المسلمة في حربها علي الإرهاب بل وتحاول أن تظهر بمظهر المتعاطف معها، ففي عام 2014 ،وعندما قام عناصر بوكو حرام باختطاف223 فتاة من بولاية بورنو أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نيتياهو” عن استعداد بلاده لتقديم الدعم العسكري لنيجيريا لتحرير الفتيات بعدما رفضت الولايات المتحدة في ذلك الوقت تزويد الجيش النيجيري بالمعدات العسكرية، مما دفعها إلى شراء طائرات كوبرا من إسرائيل.[48] من هنا استغلَت إسرائيل أزمة ظهور الجماعات الجهادية فى غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة مثل: جماعة بوكو حرام، وجماعة أنصار الدين، وجماعة المُرابطين، وغيرها، لمصلحتها من خلال تشويه المُقاومة الفلسطينية، ووصفها بالوجه الآخر لتلك الجماعات، معتمدة فى ذلك على هشاشة وعى النُخب السياسية الإفريقية لأبعاد الصراع العربى ــ الإسرائيلى بفعل تأثير الإعلام الغربى الموجَّه لمصلحة المشروع الإسرائيلى. هنا تجدر الإشارة إلى أن جميع المسئولين الإسرائيليين الذين زاروا إفريقيا، لعبوا على هذا الوتر، أبرزهم وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق «أفيجدور ليبرمان» ــ خلال زيارته العاصمة النيجيرية «أبوجا» فى العام 2010 ــ عندما وصف حركات المُقاومة الفلسطينية، وبالتحديد حماس بالإرهابية، وحمَلها مسئولية تدهور الأوضاع فى الشرق الأوسط، بهدف الحد من التعاطُف مع القضية الفلسطينية فى هذا التكتل الاقتصادى نيجيريا الذى يُمثل المسلمون فيه تقريبا ربع سكان القارة الأفريقية.
اتجهت إسرائيل إلى التقارب مع تشاد و إعادة العلاقات مع دول الافريقية ذات أغلبية المسلمة تحت غطاء ” محاربة الارهاب”، فدولة مالي التى قطعت علاقاتها الخارجية مع إسرائيل في أثناء حرب1973، جرى اتفاق بين الطرفين على عودة العلاقات مرة أخرى في عام2017 ويشكل المسلمون في مالى ما يفوق الـ %90 من التعداد السكاني للشعب، وهي دولة غير ساحلية تحدها الجزائر شمالا، والنيجر شرقًا، وبوركينا فاسو وساحل العاج جنوباً، والسنغال وموريتانيا غرباً، وبالنظر إلى موقعها الجغرافي فهى تمثل كنزاً لإسرائيل خاصة أنها تقع في محيط دول ذات اغلبيه إسلامية وبالتالى التقارب معها يعني التقارب من هذه الدول، و الكثير منها تأخذ مواقف مناهضة لإسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية .[49]
النخب الأفريقية والولاء لإسرائيل
للعوامل الداخلية الخاصة بالنظم السياسية الأفريقية دور في التقارب الإسرائيلي الأفريقي . فكما أن تولي جولدا مائير حقيبة وزارة الخارجية الإسرائيلية في تسيعنيات القرن الماضي ورفعها شعار العودة لأفريقيا ومن قبلها ديفيد بن جوريون وكتاباته العديدة التي أظهر فيها اهتمام بالغ بأفريقيا . الآن يولي بنيامين نتنياهو نفس الأهتمام بالقارة الأفريقية وانعكس ذلك على زياراته الخارجية وعدد الدول الأفريقية الجديدة التي انضمت لقافلة الدول المطبعة . فالنخبة الحاكمة وما تحمل من مشاريع سياسية ،لابد أن يظهر على التوجه العام للسياسة الخارجية للدولة . بنفس المعادلة ظهرت التوجهات العامة للنخب الأفريقية ، فالمتغير القيادي داخل الدول الأفريقية، أدى دوراً مهماً في التأثير في طبيعة المواقف الإفريقية ، فالارتباط باليهود أو القيام بزيارة إسرائيل أو المعتقدات الدينية أو الحاجة إلى الدعم الإسرائيلي، كلها مثلت متغيرات مهمة في تفسير سلوك القادة الأفارقة تجاه القضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال؛ فإن بعض القادة، مثل: هيلا سلاسي في إثيوبيا، وهوفيت بوانيه في كوت ديفوار، وليوبولد سنجور في السنغال، وجوموكينياتا في كينيا، ووليم توبمان في ليبيريا، وموبوتو في زائير، وشيلوبا في زامبيا، كان لهم تأثير واضح في دعم علاقات بلادهم بإسرائيل.فإسرائيل تخطط لتنفيذ المشاريع والاتفاقيات مع الدول الإفريقية وتعد دورات تدريبية خاصة للأفارقة في إسرائيل ، وتقدم لهم المنح الدراسية، وتنظم الدورات للقيادات الشعبية والعمالية لتعزيز العلاقات بين المنظمات العمالية اليهودية، والمنظمات الإفريقية.
وتشير الإحصاءات التي نشرها مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبهم بإسرائيل نحو (24636) إفريقيا منذ قيام الكيان الصهيوني وحتى عام 2007. كما أن هناك 3 رؤساء حكومة و40 وزيرا و150 من أعضاء البرلمانات و100 محاضر، و400 من مديري التعاونيات، و350 من رؤساء النقابات العمالية، و37 من أمناء الاتحادات الثقافية في إفريقيا ممن درسوا فى الأراضي المحتلة، وأصبحوا من أكثر المؤيدين للكيان الصهيوني.
الفصل الثاني أدوات و أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه دول أفريقيا .
لا شك أن التكالب والتنافس بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية على أفريقيا قد بلغ أشده في الأونة الأخيرة ، لذلك كان يتحتم على إسرائيل أن تجد المدخل المناسب وطريقة التأثير الملائمة التي من خلالها تستطيع أن تملك طرق تأثير مناسبة تمكنها من حفظ مصالحها ورعاية شؤنها لدى الدول الأفريقية . والفصل الثاني يبحث هذا الموضوع حيث يتناول بالشرح الأدوات الإسرائيلية المشهرة في وجه الدول الأفريقية وما هي نقاط الضعف الأفريقية التي تلعب عليها إسرائيل .كما أن هذا التحرك لابد أن ينجم عن أهداف تسعى لها إسرائيل وهذا ما يتناوله المبحث الثاني من الفصل .
المبحث الأول
أدوات السياسة الخارجية الإسرائيلية في أفريقيا.
الأداة الاقتصادية
لجأت إسرائيل إلى استخدام الأداة الاقتصادية في سياستها الخارجية مع الدول الأفريقية منذ استقلال هذه الدول، فقد استغلت إسرائيل حاجة تلك الدول إلى المساعدات المالية والفنية عند استقلالها، فقامت بتزويدها بالخبرات الفنية والعلمية التي تحتاجها كما زودتها بالتكنولوجيا المتطورة التي تفتقدها القارة الافريقية، وتم تقديم تلك المساعدات بموجب اتفاقيات أطلق عليها اتفاقيات التعاون الفني، فقامت إسرائيل في هذا الصدد بإنشاء العديد من الشركات الصناعية والتجارية في أفريقيا بهدف الدخول في مشروعات بناء وتنمية الموارد الاقتصادية، وعادةً ما كانت هذه الشركات تضم أحد المساهمين الأفارقة وكانت الحكومات الأفريقية تمتلك نصيباً من عدد الأسهم في تلك الشركات، كما أن الطرف الآخر في هذه الشركات لم يكن يمثل القطاع الخاص الإسرائيلي وإنما كان يمثل الحكومة الإسرائيلية ، ولقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول الأفريقية في كافة المجالات الاقتصادية، حيث حرصت إسرائيل على إنشاء شركات تعمل في كافة المجالات خاصةً المجالات الزراعية [50] .
كما لعبت ال ” ماشاف ” وهي وكالة إسرائيل للتعاون الدولي في مجال التنمية في وزارة الخارجية.كما أنها المسؤولة عن تصميم وتنسيق وتنفيذ برامج دولة إسرائيل للتنمية والتعاون في جميع أنحاء العالم في البلدان النامية. تعتقد ماشاف أن أكبر مساهماتها الممكنة في البلدان النامية يمكن تقديمها في المجالات التي تتمتع فيها إسرائيل بالخبرات ذات الصلة المتراكمة خلال تجربتها التنموية كدولة شابة تواجه تحديات مماثلة. تم إنشاء وكالة ماشاف في أعقاب مؤتمر باندونج لعام 1955 ، الذي استُبعدت منه إسرائيل بناءً على طلب الدول العربية التي هددت بمقاطعة المؤتمر إذا دُعيت إسرائيل. تأسست بمبادرة غولدا مائير ، في عام 1958 ، بعد زيارتها لأفريقيا. بحلول عام 2010 ، كان جهاز الماشاف قد درب ربع مليون طالب، معظمهم من الأفارقة . استطاعت وكالة ماشاف أن تتغلغل في الدول الأفريقية عن طريق تقديم نفسها كضمان للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المستدامة، و مساعدة الدول الأفريقية على الانضمام إلى جهود المجتمع الدولي لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية . فمنذ نشأتها تستهدف الدول الأفريقية الأكثر فقرا والتي مزقتها الحروب الداخلية ، فتقدم برامج تطوير لعدة مجالات مثل الأمن الغذائي ، دون إيلاء الاهتمام المناسب للرعاية الصحية وبناء المجتمع والتعليم.وتعد هذه الدول أن من خلال برنامج تنمية مستدام وشامل يمكن الحصول على النتائج المرنوة والتأثير المطلوب الذي يشعر به أكثر من يحتاجون إلى المساعدة .
وفيما يلي قائمة بأعمال منظمة ماشاف في الدول الأفريقية المختلفة :
- كينيا مشروع التمكين الاقتصادي للمرأة ACTIL وهذا المشروع يولي اهتماماً خاصاً للنساء في المناطق الريفية، ويشمل بناء القدرات والتدريب في مجال التكنولوجيا الزراعية والأعمال التجارية الزراعية. كما تشارك في مشروع مشترك للتعليم من أجل التنمية المستدامة (ESD) وهو يتولى إمداد المدارس والمجتمع بالأدوات اللازمة لتقييم احتياجاتهم الفعلية والقائمة والموارد.
- أوغندا تقوم ماشاف بتطوير وتجديد أساسيات الطوارئ في مستشفى كمبالا مولاغو. وقد تم بناء المستشفى في عام 1962 من قبل شركة البناء الإسرائيلية “سوليل بون” وهي الأكبر والأكثر أهمية في البلاد. ويتضمن المشروع إعادة بناء موقع مساحته 250 متر مربع داخل المستشفى، وتكييفها لتكون بمثابة مركز للطوارئ والصدمات النفسية. وشمل المشروع المشترك بين المشاف ودولة أوغندا التبرع بتركيب معدات طبية جديدة وحديثة. وقد تقدم فريق طبي إسرائيلي بالتوجيه والتدريب حسب برنامج تدريبي متكامل لفريق من الأطباء الأوغنديين ، لتدريبهم على هذه المعدات التي تعد الأولى من نوعها في أوغندا.
- الكاميرون تم توقيع اتفاق ثلاثي غير مسبوق من قبل مركز التعاون الدولي الإسرائيلي، وصندوق وكالة الأمم المتحدة ووزارة الحكومة الكاميرونية للثروة الحيوانية، مما يتيح إنشاء “حاضنة الأعمال التجارية الزراعية” استناداً إلى الخبرات الإسرائيلية. ومن المقرر أن يتم تنفيذ المشروع على مدى عدة سنوات، والذي سيضم في نهاية المطاف 5000 متدرباً كاميرونياً. وسوف يتم توظيف خبير ماشاف الإسرائيلي في الكاميرون اعتباراً من صيف 2016 لمدة 2.5 سنة.بالإضافة إلى المشاريع الإنسانية في دعم اللاجئين في الكاميرون ،وتضمنت المشاريع تطعيم الأطفال، وتوفير الأدوية التي تشتد الحاجة إليها وحتى تدريب كرة القدم للشباب اللاجئين. وأطلقت السفارة الإسرائيلية عملية إغاثة طارئة تهدف إلى مساعدة الكاميرون في مكافحة تفشي وباء إيبولا.[51]
وأنشأت إسرائيل مطار أديس أبابا الدولي، وأقامت عدداً من المدارس والجامعات مثل جامعة الإمبراطور هيلاسيلاسى في إثيوبيا، وقد استطاعت الشركات الإسرائيلية في أفريقيا من التسلل إلى مختلف القطاعات الاقتصادية وتحقيق أرباحاً ضخمة أسهمت في زيادة التغلغل الإسرائيلي في القارة، وفضلاً عما سبق فقد نجحت إسرائيل في إقامة شركات مختلطة برأس مال “إسرائيلي أفريقي” مثل الشركة الأوغندية الوطنية للملاحة، وشركة سكر لبيع الثلاجات وأجهزة التكييف في كينيا، كما قامت إسرائيل بافتتاح عدد من المكاتب التجارية لتنشيط التبادل التجاري في دول القارة والتي أسهمت في تطوير التبادل التجاري بين إسرائيل وأفريقيا. وفي هذا الصدد تعد إثيوبيا وكينيا الشريك التجاري الأول للاقتصاد الإسرائيلي في أفريقيا، فقد أظهرت أرقام”المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي” وجود أكثر من 800 شركة إسرائيلية تعمل حالياً في كلاً من إثيوبيا وكينيا، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا .
كما امتد النشاط الإسرائيلي إلى قطاع التعدين بهدف استغلال الثروات المعدنية في التي تزخر بها القارة، حيث حصلت بعض الشركات الإسرائيلية المتخصصة على امتياز التنقيب عن المعادن واستخراج الماس في كلٍ من جيبوتي وكينيا، إلى جانب حصولها على مناجم الحديد في أوغندا[52] .
الأداة العسكرية
تجاوزت صادرات أسلحة إسرائيل 7.5 مليار دولار في عام 2018، بحسب «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»[53]. توجهت معظم الأسلحة الإسرائيلية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي استحوذت على 46% من إجمالي الأسلحة الدفاعية، فيما ذهب 26% من الصادرات إلى أوروبا، و20% إلى أمريكا الشمالية، و6% إلى أمريكا الجنوبية، و2% إلى أفريقيا، وفق الأرقام التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية . في عام 2017، حين كانت إسرائيل خامس أكبر مورد للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا، والمتحدث باسم وزارة الدفاع وصف نشاط الأسلحة الإسرائيلية في عام 2018 بأنه كان قويا بشكل استثنائي. لا تعلن الحكومة الإسرائيلية عن تفاصيل عقود الأسلحة، لكن تروج وزارة الدفاع على الترويج لأنظمة الدفاع الصاروخي والجوي التي شكلت 24% من مبيعات عام 2018، إلى جانب المركبات الجوية بدون طيار وأنظمة الطائرات بدون طيار التي كان نصيبها 15% من الصادرات، والرادارات وأنظمة الإنذار المبكر التي بلغت نسبتها 14%، والطائرات وإلكترونيات الطيران بواقع 14%، بالإضافة إلى الذخيرة والأنظمة البرية والبحرية والاستخباراتية والسيبرانية.[54] ا تهدأ الانتقادات الموجهة لبيع الأسلحة والخدمات العسكرية لمنتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم منذ عقود، بما في ذلك تسليح نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتسليح رواندا أثناء الإبادة الجماعية عام 1994، وتسليح جنوب السودان في السنوات الأخيرة على الرغم من الحظر المفروض على مبيعات الأسلحة.
وفي الآونة الأخيرة اتُّهِمَت إسرائيل بتزويد ميانمار بـالأسلحة المتقدمة التي استخدمت في حملة التطهير العرقي ضد مسلمي الروهنجيا. واعترفت وزارة الخارجية العام الماضي ببيع أسلحة ميانمار في الماضي، لكنها أعلنت تجميد جميع العقود في وقت مبكر من عام 2017، ليس لأسباب إنسانية، ولكن استجابة للضغوط الأمريكية.
تقدم إسرائيل المعونة العسكرية لعدد من أنظمة الحكم الأفريقية، سواء فيما يخص توفير السلاح أو التدريب العسكري، وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، هناك تغلغل للشركات الإسرائيلية في التجارة غير المشروعة للسلاح، فقد ثبت تورطها في عقد صفقات لشراء الأسلحة مما يساعد على استمرار الصراعات والحروب الأهلية في أفريقيا وإطالة أمدها والذي يعود بالنفع على هذه الشركات ، وقد استندت استراتيجية إسرائيل في بناء علاقات التعاون العسكري مع الدول الأفريقية إلى مجموعة من المبادئ والركائز الأساسية تتمثل في التأهيل النفسي للقبول بالوجود الإسرائيلي في المنطقة لتوفير مناخ يتيح قناعة القيادات الأفريقية بضرورة وأهمية الاعتماد على إسرائيل في إعداد وتأهيل كوادرهم العسكريين، وبناء وتنظيم أجهزتهم الأمنية من منطلق مبدأ المصالح المشتركة، خاصة في ظل تقدمها العلمي، وعلاقاتها المتميزة بالقوي الدولية، وخبرتها الواسعة في العمل العسكري، ثم يأتي التركيز على اختراق الأجهزة الأمنية للدول الأفريقية من خلال بناء علاقات قوية مع المؤسسات العسكرية واستقطاب قياداتها وتلقيهم تدريبات خاصة، لربط المنظومة العسكرية لدول القارة بالمنظومة العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الاهتمام والتركيز على الحراسات الخاصة بالقيادات الأفريقية وتزويدها بأحدث المعدات الخاصة لحماية الشخصيات الهامة وتدريبهم في المراكز الإسرائيلية سعياً منها للفت أنظار تلك القيادات، وبناء الثقة معهم من خلال الترويج لفكرة حرص إسرائيل على حياتهم الخاصة وعلى أمنهم .
وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة الحرب الإسرائيلية، فإن قيمة صادرات السلاح الإسرائيلي إلى الدول الإفريقية بلغت عام 2014 قرابة 318 مليون دولار، بزيادة قدرها 40% عن صادرات عام 2013.
وأخيراً تتعامل إسرائيل بحالة من الازدواجية في مجال الدعم العسكري، فهي تدعم النظم الأفريقية عسكرياً وكذلك عناصر المعارضة الداخلية لتلك النظم كضمان لاستمرار علاقاتها بالمنطقة في حال تغير الأوضاع السياسية فيها ووصول المعارضة للحكم في يوم ما، ويتم ذلك الدعم بصورة غير رسمية عن طريق شركات تابعة للموساد والمتخصصة في مجالات التدريب والحماية الأمنية[55].
دولة جنوب السودانتعد أبرز الأمثلة على الدعم العسكري والإستخباراتي الإسرائيلي . حيث لا تقتصر المساعدات على تقديم التدريب والأسلحة الخفيفة ، لكن إسرائيل تتذ من دولة جنوب السودان مركز استخباراتي ومرصد لجمع المعلومات هام جداً. لذلك تهتم إسرائيل بتنظيم وتعزيز القوات العسكرية والاستخبارية في جنوب السودان، فتوسيع سوق الأسلحة من جانب، وللحصول على معلومات دقيقة حول ما يجري في المنطقة من جانب آخر، ولا يخفى ما لهذا من أهمية لها، بسبب المسافات الواسعة التي تفصلها عن السودان.
وفي هذا الصدد، تعمل إسرائيل على إنشاء قاعدة جوية في منطقة “فلج” بجنوب السودان، بهدف تدريب الطيارين الحربيين الجنوبيين، لتؤكد بذلك على الأهمية القصوى التي توليها لهذه الدولة، التي أصبحت بالفعل جزءاً رئيسياً من الاستراتيجية الإسرائيلية نحو أفريقيا . كما تعتزم إسرائيل بناء ثكنات لقوات الحدود ومستشفيات عسكرية، وإنشاء مركز بحوث للألغام في “جوبا”. كما تسلّمت استخبارات “الجيش الشعبي” و”وحدة الأمن الرئاسي” في دولة جنوب السودان مؤخراً، أسلحة إسناد حربية وكمية من أسلحة المدفعية وعدداً من الراجمات وأجهزة للرصد والاستشعار الحراري مقدمة من إسرائيل. وقد وصلت الشحنة، طبقاً لتقارير صحفية نشرت مطلع يناير 2012، عبر الحدود الأوغندية إلى داخل “جوبا”.وارتباطاً بهذا البعد العسكري- الأمني، تحرص إسرائيل على تعزيز التعاون مع دولة جنوب السودان لمواجهة التهديدات المحتملة الموجهة لها من داخل القارة، وهناك تقديرات أنه بفضل المساعدة التي تلقتها من دولة جنوب السودان تمكنت إسرائيل من شن نحو أربع غارات، على الأقل، خلال السنوات الأربع الماضية، على قوافل سودانية زعمت إسرائيل أنها كانت تحمل أسلحة ومقاتلين إلى قطاع غزة. [56]
الأداة الدبلوماسية
وزارة الخارجية الإسرائيلية هي جهاز الدولة الرئيسي المسئول عن إقامة وتطوير وتعزيز العلاقات مع الدول الأخرى ومنها الأفريقية، وقد قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية بتأسيس عدة إدارات ذات اختصاص محدد من أجل تنفيذ الخطط الاستراتيجية للسياسة الخارجية الإسرائيلية والتي تعكس الاهتمام الإسرائيلي بالعلاقات مع الدول الأفريقية فقامت بإنشاء إدارتين متخصصتين في الشئون الأفريقية، إحداهما تختص بدول شمال وشرق أفريقيا، والأخرى تختص بدول جنوب وغرب أفريقيا . كما شهدت الأداة الدبلوماسية لإسرائيل نشاط ملحوظ في الفترة الأخيرة ، تجسد في الزيارات التي قام بها نتنياهو إلى أفريقيا، وهي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي منذ 50 عاماً، أعلن خلالها شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”، تلتها 3 زيارات مُشابهة، شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في ليبيريا في العام 2017، كأول زعيم غير أفريقي تتم دعوته لحضور القمة، ما اعتبر حدثاً غير مسبوق.
وشهدت الأعوام السابقة زيارات متعددة لزعماء الدول الأفريقية إلى إسرائيل، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد فترة من القطيعة مع غينيا في العام 2016، وتشاد في العام 2019، بينما افتتحت تنزانيا سفارة لها في إسرائيل في العام 2018، لتصبح الدولة الأفريقية الخامسة عشرة التي لها بعثة دبلوماسية في إسرائيل، كما أصبح للأخيرة 11 بعثة دبلوماسية في القارة السمراء، بافتتاحها سفارتها في رواندا في العام 2019، الأمر الذي ينبأ بأن التحرك الدبلوماسي تجاه القارة الأفريقية، وتحديداً الدول ذات الثقل العالمي يشهد نشاط متزايد. وباتساعها، تتنامى العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وتتعزز.
وعلى سبيل المثال، نذكر بعض النماذج عن الضرر الذي يُسببه التقارب الإسرائيلي الأفريقي من الناحية الدبلوماسية ، ففي سبتمبر 2015، قامت كل من توغو ورواندا وكينيا وبوروندي بالتصويت ضد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يطالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأيضاً، قامت نيجيريا ودولة أفريقية أخرى بالتصويت لصالح إسرائيل لشغل منصب رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في يونيو 2016، وكانت نيجيريا في العام 2014 قد امتنعت في مجلس الأمن عن التصويت على مشروع القرار العربي الذي يدعو إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية خلال مدة 3 سنوات، ما أدى إلى فشل القرار، وهناك 4 دول عربية أخرى صوّتت لصالح إسرائيل في قضية اللجنة القانونية، من ضمنها مصر. [57]
وفي سياق متصل بالسلوك الدبلوماسي المتبادل بين إسرائيل واثيوبيا، دعمت إسرائيل وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم المرشح لرئاسة منظمة الصحة العالمية وهو المنصب الذي فاز به عام 2017.
الأداة الثقافية
تستخدم إسرائيل أساليب متنوعة في سبيل التغلغل داخل القارة الأفريقية، من بينها الترويج لفكرة “التاريخ المشترك” لاستقطاب التعاطف الأفريقي، فالإسرائيليون يحاولون أن يقنعوا الأفارقة بأن كلا المجتمعين عانى من الاضطهاد التاريخي، وأن كلاهما من ضحايا التمييز العنصري، وبالتالي من السهل أن يكون هناك تفاهم متبادل بين الطرفين ، لذلك تقوم المؤسسات الإعلامية في إسرائيل بدور متقن لخدمة السياسة الإسرائيلية الخارجية من خلال استخدام المؤثرات الدعائية، فإسرائيل تحرص دوماً في دعايتها على تصوير نفسها بأنها مثال يقتدي به في الديمقراطية، وأنها مركز للإشعاع الحضاري للفكر والجهد ، وأنها من الدول الداعية للسلام، وأنها تحرص على نشره في الدول النامية والعالم ككل، كما أنها دولة عصرية متقدمة تكنولوجياً، وهي تحرص على مصلحة الدول الأفريقية.
كما تبرز إسرائيل دوماً من خلال وسائل الإعلام المختلفة تجربتها في التنمية الاقتصادية، وأن ما حققته من إنجازات في هذه المجال هو بمثابة معجزة، لا سيما وأنها استطاعت تحويل الأرض الجرداء القاحلة إلى جنان في سنوات قليلة من عودة أصحابها لها -قاصدين بذلك أنفسهم- بعد أن أهملها العرب ومن بعدهم الاستعمار البريطاني[58]. أنشأت إسرائيل جامعة هيلاسيلاسى في إثيوبيا، كما أنها فتحت باب الهجرة أمام يهود الفلاشا وقررت عام 1973 استجلاب العديد من يهود الفلاشا الإثيوبيين، لمواجهة النمو الديموغرافي العربي، حين قرر حاخام الطائفة السفاردية “عوفاديا يوسف ” في قرار تاريخي مهم اعتبار طائفة بيتا يسرائيل الإثيوبية، طائفة يهودية، وتم ذلك على فترات، وفق عمليات منظمة، بدأت عام 1977 حيث هاجر المئات، ومن عام 1977 حتى 1983، استجلب 6000 إثيوبي، وفي عملية “موشيه” تم استجلاب 7000، وكان آخر العمليات “عملية سليمان” عام 1991، حيث تم استجلاب 15000 إثيوبي، وارتفع عددهم سنة 2008 إلى 106900 مهاجر.
المبحث الثاني
الأهداف الإسرائيلية من أفريقيا
منذ نشأة الدولة الإسرائيلية في مايو 1948، وهي تسعى لتحقيق أهداف إستراتيجية في شتى بقاع العالم، ومنها القارة الأفريقية فأهداف التدخلات الإسرائيلية في تلك القارة لم تختلف من حيث طبيعتها ومضمونها طوال الفترة منذ نشأة إسرائيل وحتى الآن فأهداف الأمن القومي الاسرائيلى معلنة وبوضوح وهي العمل على استكمال فرض شرعية الوجود الإسرائيلي، على شعوب المنطقة، بكل السبل المتاحة. وتأمين المجال الحيوي، الذي يُحقق المطالب الأمنية لإسرائيل على حساب الأرض العربية. واستمرار العمل على جذب الجزء الأكبر، من يهود العالم، للهجرة إلى إسرائيل. ضمان استمرار التفوق الحضاري لإسرائيل، في منطقة الشرق الأوسط، وجعل الدولة المركزية الفعالة دائماً في المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً. والمحافظة على التحالف الوثيق، مع إحدى الدول العظمى. لكن يطرأ على هذه الأهداف الكبرى بعض التحديث فقط نتيجة تغير العوامل المؤثرة عليها ونتيجة تغير طبيعة الأطراف التي تحافظ عليها إسرائيل وتتعامل معها. ويمكن تقسيم الأهداف الإسرائيلية في أفريقيا إلى ثلاثة محاور رئيسية وهي: الأهداف السياسية والأمنية، والأهداف الإقتصادية، والأهداف الأديولوجية.
أولاً الأهداف السياسية والأمنية :
- الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي.
- كسر العزلة وكسب الشرعية الدولية.
- تطويق الأمن القومي العربي.
وفيما يلي شرح الأهداف السياسية والأمنية ….
- 1. الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي
يرتكز مفهوم الأمن في الإستراتيجية الإسرائيلية إلى طبيعة خاصة ترجع لسبب أساسي وهو الرغبة التوسعية لإسرائيل لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى، فإسرائيل دولة لا تعرف أن تعيش داخل حدودها، فكما يقول بن جوريون ” إن خريطة إسرائيل ليست خريطة بلادنا فلدينا خريطة أخرى نسعى لتحقيقها، هي أن تكون من الفرات للنيل”، ولتحقيق ذلك تسعى إسرائيل إلى إقامة علاقات صداقة مع جميع الدول، خاصة الدول الأفريقية مستغلة أوضاعها الإقتصادية المتردية وهشاشة أغلب نظمها السياسية. [59]
هذا ويعتبر الأمن القومي الإسرائيلي كما يقول بن جوريون “يجب أن يكون هو النقطة المحورية التي تتحرك حولها السياسة الإسرائيلية، وأن ضمان أمن إسرائيل في مقدمة أهداف السياسة الإسرائيلية”، لذلك فإننا نجد أن سياسة إسرائيل الخارجية هدفها الأساسي هو الحفاظ على كيان الدولة قائما، وحمايته من الأضرار والمخاطر المتوقع حدوثها له، وخصوصا من دول الجوار العربي. وتسعى إسرائيل منذ تأسيسها إلى تحقيق السلامة والإستقرار لأمنها القومي من خلال بناء جسر من الروابط والعلاقات مع الدول الأفريقية، ونجد هنا أن أهم المؤسسات الإسرائيلية التى تسعى لهذا الهدف هي المؤسسة العسكرية والتي تؤكد على تأمين الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وذلك من خلال ربط الدولة الإسرائيلية بالجاليات اليهودية في أفريقيا، وتعزيز التعاون الأفريقي الإسرائيلي. بالإضافة إلى ما سبق ذكره فإن إسرائيل تسعى للإحتفاظ بتفوق عسكري كمي ونوعي، وتسعى لفرض إرادتها على المنطقة، ولذلك نجد أن إسرائيل تمتلك مصداقية كبيرة لدى الدول الأفريقية في الناحية العسكرية، وأهم طرق التدخل الإسرائيلي هنا هو الشركات الأمنية مثل شركة ” ليف ” وشركة “الشبح الفضي” وشركة “إباك”، وهي شركات أمنية تعمل على تدريب وتسليح العناصر القبلية ولحماية الشخصيات المهمة.
إذا مما سبق نجد أن الأمن الإسرائيلي هو المحدد والهدف الأول لكل سياسات إسرائيل الخارجية، وذلك لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.[60]
- 2. كسر العزلة وكسب الشرعية الدولية…..
إسرائيل منذ نشأتها والدول العربية تحاول فرض العزلة الدولية عليها، ولذلك تقوم إسرائيل بمحاولة بقاء كيان الدولة ، ووجدت في أفريقيا مجالا واسعا لكسر عزلتها التي تحاول الدول العربية فرضها عليها، وكسب الشرعية والتأييد السياسي في المحافل الدولية، وذلك بسبب تراجع النفوذ العربي في تلك القارة منذ سبعينيات القرن الماضي.
نجد أن إسرائيل أدركت منذ وجود التنظير لوجودها علي يد تيودر هيرتزل في كتاباته أن بعدها الأفريقي له أهمية كبرى في تحقيق وجودها الفعلي والحفاظ علي أمنها وعلى شرعيتها السياسية، فنجد مثلا أن من أقوال بن جوريون “المساعدة الإسرائيلية لأفريقيا موضوع أخلاقي وسياسي ومهمة تاريخية ضرورية لإسرائيل، بقدر ما هي ضرورية لتلك الدول الأفريقية التي تساعدها”، واتخذت إسرائيل العديد من السبل للتوغل في أفريقيا وأهمها هو:
– تقديم المساعدات الإقتصادية والفنية للدول الأفريقية، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لكسب صداقة تلك الدول وكسب تأييدها.
– أن تعمل على بناء قوة عسكرية في أفريقيا تدين بالولاء لإسرائيل، وذلك مرجعه إلى أهمية الدور العسكري في الدول الأفريقية.
ومن خلال ذلك تسعى إسرائيل إلى ما يلي:
- اكتساب تأييد الدول الأفريقية لجانبها لا سيما في تسويات الصراع العربي الإسرائيلي، وخصوصا في في المنظمات الإقليمية والدولية والسيطرة على الدعم الذي تقدمه هذه الدول للقضية الفلسطينية خاصة عبر المحافل الدولية.
- الحصول على اعتراف دولي واسع وتأييد عالمي شامل في المحافل الدولية، دعما لوجودها والذي ظهر في ظروف غير عادية وبناحية غير شرعية.
- الإرتقاء لمكانة دولية تفوق الرقعة الجغرافية التي تحتلها دولة الكيان الإسرائيلي.
- 3. تطويق الأمن القومي العربي……
لعل من أهم الأسباب والدوافع التي تسعى إليها إسرائيل من خلال تدخلاتها في أفريقيا هو محاولة تطويق الأمن القومي العربي بشتى السبل ومن نواحي كثيرة فهي تعمل على تحجيم النشاط العربي في في أفريقيا، والحد من قدرة الدول العربية على تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، من خلال تطويق الدول العربية بحزام موالي لإسرائيل، بتعميق الخلافات بين الدول العربية والأفريقية. كما تعمل على السيطرة على البحر الأحمر، وذلك للأهمية الكبيرة له إستراتيجيا وعسكريا، بالإضافة إلى أن التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر يؤمن لإسرائيل الحفاظ على أمنها القومي، فالبحر الأحمر يؤمن لإسرائيل الوصول للعالم الخارجي، فهي تخشى من تحوله إلى بحيرة عربية خالصة وتتعدد الطرق التي تحاول من خلالها السيطرة عليه فهى تعمل على:
- إنشاء علاقات ودية ودبلوماسية وتوثيق هذه العلاقات مع دول شرق أفريقيا وخصوصا أريترياوإثيوبيا.
- توسيع الوجود العسكري الإسرائيلي وترسيخه، وذلك يتيح لها إمكانية الهجوم المباشر على خصومها في مضيق باب المندب، ومحاولة إيجاد عمق إستراتيجي لإسرائيل في البحر الأحمر لرصد أي نشاط عربي في المنطقة، وتأمين خطوطها البحرية والعسكرية.
- والأهم من ذلك هو أنها من خلال السيطرة على البحر الأحمر يمكنها من عرقلة العديد من الدول العربية وهي (مصر- السعودية- اليمن- جيبوتي- الصومال- السودان). فالبحر الأحمر هنا نقطة رئيسية في الأمن القومي العربي، فالسيطرة عليه تعتبر نقطة قوة كبرى لمن يمتلكه.
- وأخيراً تهديد الأمن المائي العربي حيث أصبحت قضية الأمن المائي من أهم المحاور الرئيسية التي أضافت بعدا جديدا للصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل تريد أن تضمن الحصول علي المياه، وفي نفس الوقت تريد أن تمنع العرب من ذلك، لذلك فهي تعمل علي تهديد الأمن المائي العربي في شتى الدول العربية، إلا أننا هنا سنتحدث عن هذه التهديدات في حوض النيل. نجد أن إسرائيل تقوم بلعب دور مباشر في عملية صراع المياه بين دول حوض النيل- تحفيز النزاع بين دول المنبع ودول المصب – ، مستفيدة في ذلك من النفوذ الكبير الذي تمتلكه في دول المنابع مثل إثيوبيا ورواندا وكينيا، ونجد أنها تحاول دائما السيطرة علي منابع النيل، لوضع مصر في مأزق مائي لا تستطيع الخروج من تبعاته فيما بعد. [61]
هذا وتعد الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل ليست جديدة، فنجد أنه بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، قد ظهرت عدة مقالات في الصحافة الإسرائيلية تدعو لشراء مليار متر مكعب من مياه النيل وتوجيهها لصحراء النقب، لتأمين المياه لإسرائيل، وهو ما ترجمه أحد المهندسين الإسرائيليين عن طريق تصميم ترعة لسحب المياه من اسفل قناة السويس لتوصيلها إلى الأراضي المحتلة . وفي هذا الموضوع وتماشياً مع تصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا حول تقاسم مياه النيل وفترة ملئ الخزانات، تعد فكرة تسعير المياه فكرة قديمة في الأوساط الإسرائيلية والأمريكية ،بمعنى أنهم يطالبون مصر بدفع 27 مليار دولار سنوياً مقابل ما ستحصل عليه من مياه . إذا فالأهداف الإسرائيلية في مياه النيل واضحة وصريحة في تهديدها للأمن المائي العربي.[62]
ثانيا الأهداف الإقتصادية:
أضحى الاقتصاد هو الدعامة الأولى لبناء الدول ، في وقت تراجعت فيه التدخلات العسكرية بسبب الإرتفاع الباهظ للإنفاق العسكري، وتتفهم إسرائيل ذلك؛ لذلك فهي تلجأ إلى تعميق الصداقات الاقتصادية مع المؤسسات الاقتصادية الأفريقية . تقدم إسرائيل نفسها على أنها دولة صديقة و نموذج يحتذي به في درجة تطورها وقوتها الاقتصادية, وأنها تبحث عن إحداث تغييرات إيجابية تجاه تنمية وتطوير الدول الإفريقية وذلك لترغيب تلك الدول الفقيرة للتعامل معها، ويتأتى ذلك عن طريق القروض والمعونات وإنشاء المشاريع الإقتصادية المشتركة بما يجعل الظاهرة الإقتصادية تؤثر وبقوة على الظواهر الأخرى. من هنا نجد وجود سعي إسرائيلي دائم للتغلغل الإقتصادي في أفريقيا، للسيطرة على إقتصايات المنطقة وهنا نجد العديد من الأهداف الإقتصادية لإسرائيل في أفريقيا، وكذلك العديد من الآليات التي تحاول بها تنفيذ هذه الأهداف وفيما يلي توضيح هذه الأهداف والآليات التي يتم بها تنفيذ هذه الأهداف:
الأهداف
- العمل علي فك الحصار الإقتصادي العربي، من خلال توسيع شبكة العلاقات مع الدول الأفريقية.
- توسيع الأسواق الأفريقية لإسرائيل وفتح المزيد منها.
- الحصول على الموارد الأولية والمواد الخام اللازمة للصناعة في إسرائيل.
- السيطرة شبه الكاملة على تجارة الألماس في أفريقيا.
إذا نجد هنا أن الأهداف الاقتصادية الإسرائيلية في أفريقيا متعددة ومتداخلة، فإسرائيل تريد تحقيق الحد الأقصى من الإستفادة الاقتصادية من أفريقيا، وتريد مص دماء الشعوب الأفريقية التي طالما عانت من التدخلات الخارجية. وفي تصريح ل “ايلي كوهين” وزير الاقتصاد والصناعة عام 2018، قال إن قارّة افريقيا هي وجهة هامّة في السنوات القريبة بالنسبة للصناعة والشركات الإسرائيليّة، بحيث يمكنها التطور والنمو واستغلال الطاقات الهائلة المتوفرة في القارة. المصدّرون الاسرائيليّون هم رأس الحربة في الصناعة، والتصدير الإسرائيلي هو مصدر نمو الجهاز الاقتصادي ومصدر مركزي للاستقرار في التشغيل والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. فقط مؤخرًا تجاوزت دولة إسرائيل سقف ال 100 مليار دولار في التصدير ووضعنا لنفسنا هدف بتجاوز سقف ال 120 مليار دولار سنويًّا لغاية العام 2020″.ومن أجل تشجيع الشركات الإسرائيلية على العمل والتصدير لإفريقيا حددت الحكومة الإسرائيلية حجم التأمين للشركات الإسرائيليّة التي تستثمر في دول افريقيا ليبلغ 700 مليون دولار. وفي هذا الإطار تمّ افتتاح ملحقيتين تجاريتين اضافيتين لوزارة الاقتصاد والصناعة في أكرا في غانا وفي نيروبي في كينيا، إضافةً إلى الملحقية التجارية القديمة في جنوب افريقيا.
كما وقعت إسرائيل على اتفاقية مع منظمة Power Africa وهي منظمة تابعة لمنظمة USAID الأمريكية “منظمة المساعدات للولايات المتحدة في الدول النامية”، وتعمل المنظمة كمنظمة عليا للمشاريع في مجال الطاقة في إفريقيا.[63]
الآليات ونجد أن تلك الأهداف لها العديد من الآليات التي يتم بها التنفيذ وأهمها:
- الحصول على امتيازات للتنقيب عن البترول والألماس والذهب، والعمل على تأسيس عدة شركات على أنها أفريقية. حيث في العام 2016 تقف شركة (إم. إي. دي. هاوس أوف دياموندس م.ض) وهما إحدى الشركات الرائدة في السوق الاسرائيلية، على رأس قائمة الشركات الرائدة والمستحوذة على تجارة الألماس في العالم بنسبة 22% من إجمالي الألماس المتداول في العالم .
- العمل علي إحتكار بعض المحصاصيل والأسواق، فعلى سبيل المثال احتكار أسواق المنتجات الغذائية وعصير الفاكهة في إثيوبيا.
- العمل على سياسة الإغراق من أجل كسب الأسواق، وذلك لسد الطرق أمام وجود تعاون أفريقي عربي.
إذا فالتدخلات الإقتصادية الإسرائيلية في أفريقيا تحاول منها خدمة أهدافها التوسعية الأخرى والإضرار بالأمن القومي العربي وخاصة المصري.[64]
ثالثا الأهداف الأيديولجية:
الهدف الأيديولجي لإسرائيل هو العمل على إحياء الحضارة اليهودية المزعومة من جديد وأنهم شعب الله المختار، وتتخذ في ذلك العديد من السبل ومن أهم تلك السبل زيادة نفوذ اللوبيات وجماعات الضغط الصهيونية في الدول الكبرى وتقوية النفوذ اليهودي في العالم، ورغم تعدد الأهداف الإسرائيلية في أفريقيا إلا أن الهدف الأيديولجي له دور كبير في تحديد هذه الأهداف، فالسياسة الخارجية الإسرائيلية تتعامل مع أفريقيا على درجة عالية من الخصوصية، ويتضح ذلك من خلال عملية الربط الأيديولجي والحركي بين الصهيونية وحركة الجامعة الأفريقية، والزنوجية من خلال عدة أوجه أهمها:الإدعاء بأن اليهود والأفارقة قد تعرضوا لعملية إضطهاد مشترك، وأنهما من ضحايا التمييز العنصري، وأن التجربة التاريخية والنفسية متشابهة فيما بينهما، والدليل على ذلك هو مقولة لتيودور هيرتزل يقول فيها ” بالنظر إلى تاريخ كل من اليهود في الشتات والسود في أفريقيا، يمكن رصد عدد من الخبرات المشتركة وخاصة فيما يتعلق بالعنت الذي لاقاه الإثنان على مر تاريخهم”. تحاول إسرائيل التقرب من بعض الجماعات الأفريقية وخصوصا الجماعات التي لها ثقل سياسي في دولها، ومثال على ذلك هو تعاونها مع قبيلة الأمهارا اليهودية في إثيوبيا، وأيضا من خلال الترويج بأن سلالة الأباطرة التي كانت تحكم إثيوبيا من نسل النبي سليمان، وأنهم تحولوا من اليهودية إلى المسيحية، ورغم ذلك احتفظوا بالعديد من الأيقونات والتمائم الثمينة.
تحاول إسرائيل إضفاء المسحة الصهيونية علي حركة الجامعة الأفريقية، فلقد أطلقوا عليها اسم “الصهيونية السوداء”، كما أطلقوا على “ماركوس جارفي” أحد الداعين لعودة الزنوج الأمركيين لأفريقيا اسم “النبي موسى الأسود” وذلك كله في محاولة ترسيخ العلاقة بين إسرائيل والأفارقة. فالأهداف الأيدولجية هنا من أهم الأهداف التي تحاول إسرائيل تنفيذها في أفريقيا. [65]
الأهداف الإسرائيلية في أفريقيا متعددة ومتنوعة، ولها الكثير من الآليات المختلفة، إلا أنها تنصب في النهاية حول الإضرار بالأمن القومي العربي وتطويقه وفرض الهيمنة على دول القارة الأفريقية ، وهذه التدخلات مستمرة وتتطور من فترة إلى أخرى، وإسرائيل لن تتوقف عن ذلك، مهما كانت درجة السلام مع إسرائيل؛ وذلك مرجعه لأن إسرائيل ما زالت هي العدو الأول والخطر الأكبر علي الوطن العربي.لذلك يمكن القول أن التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا يدخل في إطار الإستراتيجية الكبرى التي رسمتها إسرائيل لتأمين نفسها وتحييد محيطها الإقليمي في أي صراع مستقبلي. حيث خلق أسرة كبيرة في إفريقيا تكون إسرائيل أحد أعضائها ,فالدولة العبرية تدري جيدا مدى السند الكبير الذي سوف تجده من دول أفريقيا والذين يعتبرون ورقة ضغط في يد إسرائيل .
الفصل الثالث نتائج الاستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا
تقوم علاقات إسرائيل الخارجية على أساس استغلال التناقضات الدولية من أجل تحقيق مصالحها مع الدول التي تعتبرها معادية، خصوصًا إذا كانت تلك الدول عربية. وتعتبر إسرائيل أن الدول العربية هي تهديدات مباشرة لأمنها القومي، ما يعني أنها ستناصر أي طرف غير عربي على نقيضه العربي. ولعل أبرز انعكاسات هذه الاستراتيجية الإسرائيلية العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأغلب الدول الأفريقية المتاخمة للدول العربية . كما أن منابع النيل أيضاً طالما شغلت إسرائيل ، وهو ما يظهر بوضوح في التعاون الإثيويبي الإسرائيلي في العديد من المشاريع المشتركة منها سد النهضة الأثيوبي .
المبحث الأول
نتائج التغلغل الإسرائيلي على المصالح العربية
قبل توقيع اتفاقية أوسلو كانت إسرائيل منبوذة في أنحاء كثيرة من العالم لكن الآن لم يعد الأمر كذلك. فقد أدى رفع المقاطعة العربية الثانوية إلى تسهيل وصول إسرائيل إلى اثنين من أكبر وأسرع الأسواق نموا في العالم، الهند والصين، والوصول إلى أسواق هامة أخرى مثل اليابان؛ وكان هذا الوصول مربحا جدا لإسرائيل. بالتالي إنفتح إسرائيل أسواق لها في آسيا وأفريقيا جعل الاقتصاد الإسرائيلي أكثر تعرضا من أي وقت مضى لخطر إعادة فرض عقوبات اقتصادية عربية، لذلك سعت إسرائيل لكسر هذه الخاصية للعرب بتنويع تحالفاتها وتأمين طرق تجارتها.
في نفس الوقت شهدت الدول العربية مجموعة من الأزمات الداخلية في الفترة الأخيرة أدت إلى عدم الأستقرار السياسي الداخلي ، وبالطبع أثرت على سياستها الخارجية . فأدت هذه الإضطرابات الداخلية إلى تراجعات عربية في العديد من الساحات الدولية من ضمنها القارة الإفريقية. كما أن حالة التشتت والانقسامات العربية – العربية، أفقدت العرب جزءاً من أمنهم نتيجة لعدم مقدرتهم على امتلاك منهجية واضحة في التعامل مع الأطراف الأقليمية وتعزيز المزيد من الصداقات الدولية .
فلقد كانت القارة السمراء تاريخياً أبرز الداعمين للقضايا العربية والفلسطينية ، ففي أفريقيا
توجد 10 دول عربية ، ويعيش 86 %من سكان الوطن العربي في القارة الأفريقية، كما أن القارة اشتركت مع العرب ومع القضية الفلسطينية في النضال والتخلص من الاحتلال الأجنبي.فانعكست كل هذه التقاطعات مع مواقف دول القارة في دعم القضية الفلسطينية، وبالذات في المحافل الدولية، حيث كانت القارة وزناً تصويتياً لصالح فلسطين . كما وقفت دول القارة الأفريقية حائط صد دون محاولات الاختراق خاصةً تلك التي تهدد أمن الدول العربية.
لكن هذا الدعم لم يستمر ففي ظل موجة التطبيع والإختراق الإسرائيلي للدولة العربية نفسها أولاً ، ثم الدول الأفريقية بعد ذلك . تراجعت الكتلة التصويتية الأفريقية عن بعض مواقفها من القضية الفلسطينية ، ومن الصراع العربي الإسرائيلي ، فوقعت فريسة لمحاولات الاختراق الإسرائيلي .
هذا التراجع نتيجة لعدَّة اعتبارات في كلا الجانبين؛ ففي الجانب العربي كانت هناك عدَة أسباب، منها: غياب الزعامات التاريخية الداعمة لفكرة الوحدة العربية من ناحية “جمال عبد الناصر في الحالة العربية”، وغياب أحد الركائز المهمة التي قامت عليها هذه الفكرة ومنها خطورة العدو الإسرائيلي وبداية هرولة سريعة خاصة من بعض الدول المهمة والرغبة في توسيع دائرة السلام في المنطقة مع إسرائيل.
على المستوى المؤسسي: عدم وجود إطار مؤسسي اقتصادي سياسي وأمني لدعم العلاقات بين الجانبين أو حتى تسوية الخلافات بينهما
فعلى الصعيد الاقتصادي، لا يزال العرب متعثرين في إقامة السوق العربية المشتركة، في حين أن الأفارقة وضعوا خطط ملموسة في هذا الشأن منها خطة الجماعة الاقتصادية الإفريقية 2028، ناهيك عن وجود هياكل اقتصادية حققت قدرا من التكامل الاقتصادي على مستوى الأقاليم الفرعية بها مثل الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس” في الغرب، والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي “سادك”، والسوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي “كوميسا”، بل إن بعض هذه التكتلات الفرعية دخلت في تكامل واتحاد فيما بينها مثل تحالف الكوميسا والسادك، والإيكا. ومعنى هذا أنه لا توجد أطر مؤسسية لإمكانية التعاون بين الجانبين ككتلتين متكاملتين؛ ما يعني أن التعامل والتعاون العربي الأفريقي يتم بطرق فردية وليست جماعية رغم حديث البيان الختامي لقمتي مالابو2019 والكويت قبلها عن السوق المشتركة بين الجانبين.
أما على الصعيد الأمني، والذي يعد مهما لتحقيق التكامل الاقتصادي، فيُلاحَظ وجود تباين في الرؤى أحيانًا بين كلا الجانبين، ناهيك عن وجود قصور مؤسسي في الهياكل الأمنية “القارية” المشتركة التي قد تسهم في تسوية الخلافات داخل كل كيان، أو الخلافات البينية بينهما. فعربيا، وحتى هذه اللحظة، لم يتم تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم إقرارها عام 1950. بل إن معظم حالات التدخل في الصراعات العربية بشقيها الداخلي والبيني يكون من خلال التدخل الأممي بالأساس، بسبب عدم وجود آلية للأمن الجماعي العربي. وفي المقابل، يُلاحَظ أن الأفارقة على وشك الانتهاء من تشكيل قوات التدخل السريع، فضلًا عن وجود مؤسسة أمنية منوط بها فكرة السلم والأمن على المستوى القاري هي مجلس السلم والأمن، ناهيك عن وجود آليات أمنية فرعية تنبثق عنها قوات للتدخل مثل الأيكوموغ في غرب إفريقيا. هذا التباين بين كلا الجانبين أسهم في غياب التنسيق السياسي والأمني في القضايا المهمة مثل الحرب الأهلية في السودان والموقف من انفصال جنوب السودان؛ حيث كان هناك تباين في الرؤى بين الرؤية العربية المتمثِّلة في المبادرة المصرية-الليبية التي كانت تؤكد على فكرة وحدة السودان، ومبادرة الإيجاد التي كانت تحظى بدعم دولي والتي مهَّدت للانفصال، كما أن الخلافات بين الدولتين بعد الانفصال باتت تشكِّل أحد عوائق توطيد العلاقات العربية-الإفريقية باعتبار السودان أحد الجسور العربية إلى شرق وجنوب القارة.
بل وصل الأمر إلى وجود تباينات حتى في سبل تسوية بعض الخلافات مثل قضية الصحراء الغربية التي أثارت الخلاف الأخير على سبيل المثال في قمة مالابو في غينيا 2019 حيث أخر طرح لها . ففي الوقت الذي تتضامن فيه أغلبية الدول الأعضاء في الجامعة العربية مع المغرب، نجد أن الاتحاد الإفريقي، ومن قبله منظمة الوحدة الإفريقية، اعترف بالجمهورية الصحراوية، عام 1984، استنادًا لمبدأ حقوق الشعوب في تقرير مصيرها متجاهلًا في الوقت ذاته مبدأ آخر أصيلًا تم النص عليه في ميثاق منظمة الوحدة، ومن بعدها الاتحاد الإفريقي، وهو احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار. [66]
وتتمثل أشكال التراجع العربي على الساحة الأفريقية في:
- سياسياً في تراجع الدبلوماسية العربية في أفريقيا: كما تراجع التأييد الأفريقي
للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية ، وضعف التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الأفريقي .
- اقتصادياً في ضعف العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية:كما ارتفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي مع أفريقيا وتقديم الدعم المادي والتنموي ، وامتلاك إستراتيجية ورؤى استرشافية واستباقية للإلحتياجات الأفريقية .
- أمنياً في تضييق الخناق على الدول العربية: يتم من خلا تصدير السالح من إسرائيل إلى الدول الأفريقية، ودعم ما يسمى بمكافحة الإرهاب، وتشكيل خطر على الأمن القومي العربي مقابل تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي .
- ثقافياً في تراجع التركيز على التاريخ العربي الأفريقي المشرتك والدين الإسلامي كقوة تأثير: من خلال محاولة خلق تاريخ مشرتك بين اليهود والأفارقة، وافتتاح إسرائيل لجامعات ومعاهد علمية في القارة السمراء، واستقطاب الطلاب الأفارقة للدراسة في إسرائيل.
في ضوء هذا التراجع العربي كان لابد من ملئ الفراغ ، وهذا ما استغلته إسرائيل لتهدد الأمن القومي العربي بشكل مباشر .فكما قال الدكتور حامد ربيع ان مرتكزات الأمن القومي العربي تتمثل في : (1)البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي فهي بحيرات عربية لا ينبغي أن يوجد فيها أي فاعل أجنبي .(2)منطقة القلب العربي،ما يربط القاهرة بدمشق .(3)منع قيام أي حزام معادي للدولة العربية موالي لإسرائيل جنوب الدول العربية الأفريقية . وبمراجعة هذه المرتكزات نجد أن إسرائيل قد نجحت في ضربهم جميعاً . ويشكل كل من البحر الأحمر والقرن الإفريقي وحوض النيل مواقع بالغة الأهمية لإسرائيل؛ حيث إن ترتيب التحالفات وتوازن القوى في هذه المناطق يرتبطان بالأمن القومي العربي ككل والمصري تحديداً. ومن هذا المنطلق خطّطت إسرائيل للتغلغل في هذه المناطق، وخلق وجود قوي وراسخ لها، والنفاذ إلى دولها، باعتبارها أيضا بمثابة العمق الإستراتيجي للدول العربية، والتي يمكن الانطلاق منها، والتسبب في إحداث متاعب لجيرانها العرب، وتشتيت جهودهم وانتباههم باتجاه هذه الدول الإفريقية بعيدا عن إسرائيل، من خلال تحقيق وجود عسكري فعال ومتفوق للسيطرة عليها.[67]
ونظرًا لغياب قواعد عربية واضحة تحكم أمن البحر الأحمر، والمضائق المائية، ومع استقلال أرتيريا عام 1993 وابتعادها عن النظام العربي، فإن إسرائيل، في ظل هذا الوضع، استطاعت أن تضمن مطالبها الأمنية الخاصة في هذه المنطقة الحساسة، فهي لاتزال تفرض سيطرة عسكرية وتواجد فعلي على جزر البحر الأحمر قبالة السواحل السعودية والمصرية واليمنية.[68]
كما أن العداء المشترك للجمهورية الإسلامية الإيرانية ، لكلاً من بعض الدول العربية وإسرائيل سمح بزيادة هامش حركة إسرائيل . فمياه النيل، وتطويق عدد من البلدان العربية من بينها مصر والسعودية واليمن والسودان، والتلاعب بورقة النزاع الإثيوبي الأريتيري أولاً ثم سد النهضة الأثيوبي ثانياً وتطويعهما لمصلحة إسرائيل، ودعم الجماعات المتمردة في عدة دول، وفي مقدمتها السودان، وصولًا لتحقيق انفصال الجنوب، وتحقيق علاقات مميزة على الأصعدة كافة من وسائل إسرائيل لتهديد وحصار الأمن القومي العربي في إفريقيا.
ويمكن استعراض مناطق التركيز الإسرائيلي ذات التأثير بالغ الخطورة على الأمن القومي العربي:
القرن الإفريقي : الموقع الجيوسياسي للبحر الأحمر، وكذلك مضيق باب المندب،يشكل أهمية إقليمية وعالمية كبرى في حركة الملاحة البحرية ، لذا حرصت إسرائيل منذ نشأة الدولة على الوصول إلى البحر الأحمر، والحصول على منفذ بحري على هذا البحر الذي يربط قارة إفريقيا بآسيا،فإسرائيل بهذا التواجد تهدف إلى منافسة الأهداف الإستراتيجية العربية، وإنشاء عمق إستراتيجي لها في هذه المنطقة(القرن الأفريقي)، للحفاظ على أمنها، وضمان تحقيق مصالحها وتطلعاتها للهيمنة، لذا سعت إسرائيل إلى توثيق علاقتها بدول القرن الإفريقي خاصة إثيوبيا، وأيدت بل وساندت سيطرة إثيوبيا على أريتريا منذ عام 1952، عندما أعلن موشي ديان أن أمن إثيوبيا وسلامتها يشكلان ضمانة لإسرائيل. فكان لدى كل من إسرائيل وإثيوبيا خشية من تحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية.
وقد تركزت الإستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة على البحر الأحمر من خلال القرن الإفريقي في ثلاث نقاط:(1) تدعيم قواتها المسلحة،(2) إنشاء علاقات مع إثيوبيا وتمديدها لمحيطها، (3) استغلال جزر البحر الأحمر لتأمين التواجد العسكري.
تجدر الإشارة إلى أن أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية لا تتوقف على كونه ممرًّا ملاحيًّا مهمًّا فقط، وإنما يضاف إلى ذلك كونه معبرًا رئيسًا لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق العالمية، كما أنه المنفذ البحري الجنوبي لإسرائيل، والرابط الأساسي بين التجارة الراغبة في الوصول إلى ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب؛ لذا فمكانته كبيرة في مجال الجغرافيا السياسية والجغرافية الإستراتيجية، ونظرًا إلى هذه الأهمية حرصت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا وروسيا السابق على أن يكون لها مواطئ أقدام ومناطق نفوذ فيه، وقد برزت أهمية البحر الأحمر بشدة إبان أوقات الحروب والأزمات، كما اتضح ذلك في حرب أكتوبر 1973، حينما أغلقت اليمن مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية بالتعاون مع مصر، وبرزت أهميته كذلك إبان حرب الخليج الثانية 1991، وفي أثناء حشد القوى التي هاجمت العراق عام 2003، حيث مرت عبره مختلف أنواع العتاد الحربي [69].
حوض النيل ينبع نهر النيل من إثيوبيا “النيل الأزرق”، وبحيرة فكتوريا “النيل الأبيض”، ويمر بتسع دول إفريقية هي: إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو، والسودان، ومصر، ويقطع نحو 6700 كم من أبعد منابعه على روافد بحيرة فكتوريا نيانزا في قلب إفريقيا إلى ساحل رشيد على البحر الأبيض المتوسط بمصر. ويصل مصر منه سنويًّا الآن 55.5 مليار متر مكعب، والسودان 18.5 مليار متر مكعب، غير أن أي تعديل في حصص ـدول المنبع مـن إيراداته المائية سوف يؤثر تأثيرًا مباشرًا في مصر والسودان، ولا يخفى أن مصر تعتمد بشكل شبه كلّي على هذه المياه في كل نواحي الحياة في بلد شبه صحراوي. فإثيوبيا مثلًا التي يأتي منها 85% من مياه النيل، تؤكد في مختلف المناسبات على حقها المطلق في الاسـتغلال الكامل لمواردها المائية من دون التشاور مع بقية دول الحوض، كما رفضت إثيوبيا الانضمام إلى تجمـع (الإندوجو) الذي يضم دول الحوض، والذي أنشئ عام 1983 بمبادرة مصرية، كما أن وصول المفاوضات المتعلقة بتفاصيل ملئ وتشغيل سد النهضة الأثيوبي ، فاقم هذه المشاكل الدفينة بين دول حوض النيل والمتعلقة بتقسيم حصص المياه والتعاون بين الدول . هذه التوجهات العدائية إن جاز التعبير للدول الأفريقية تقاطعت مع المصالح الإسرائيلية التي لديها علاقات وثيقة بأغلب العواصم الأفريقية تفوق قوة العلاقات العربية الأفريقية، وتسعى إلى زيادة نفوذها في القرن الإفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى، مع حرص على خنق دولتي المصب مصر والسودان،وامتلاك ورقة ضغط مؤثرة في التفاوض بعد ذلك .
والحقيقة أن كما ذكرنا المطامع الصهيونية في مياه النيل تعود إلى نشأة دولة الاحتلال، ولإحساسها بأن المياه ستكون مصدرًا للتوتر والنزاع، وفي هذا الصدد ترى مصادر البحوث الإسرائيلية: أن نهر النيل هو المصدر المائي الذي يمكنه حل أزمة المياه مستقبلاً في إسرائيل، وهذا ما يشجع إسرائيل على توطيد علاقاتها مع الدول التي تستفيد بشكل أساسي من نهر النيل، ولاسيما مصر وإثيوبيا، ففي منتصف السبعينيات ظهرت مقالات في الصحافة الإسرائيلية تدْعو إلى ضرورة شراء مياه النيل وتحويلها إلى النقب، وقد كان الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” طرح فكرة مد مياه النيل إلى صحراء النقب في حالة تحقيق السلام الشامل والكامل مع إسرائيل، إلا أن الفكرة لم تنفذ بسبب معارضة الجبهة الداخلية المصرية.[70]
انفصال جنوب السودان أزاح مؤسس حركة أنفصال جنوب السودان الستار عن الدور الإسرائيلي في انفصال جنوب السودان مؤخراً ، معتبرًا أن تل أبيب وضعت حجر الأساس لانفصال الجنوب عن الشمال . فقد بدأت الاتصالات الإسرائيلية بالجنوبيين من القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا. كما أُبرِم عدد من الاتفاقيات بين إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان لتزويد جيش الانفاصاليين بالخبراء العسكريين الذين توافدوا على جنوب السودان منذ عام 1989. وقد مرت العلاقات الإسرائيلية الجنوبية بعدة مراحل تاريخية، أهمها: 1- تقديم المساعدات الإنسانية، كالأدوية والمواد الغذائية والأطباء والدعم الإغاثي، 2- استثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم، وتعميق الصراع مع الشماليين، 3- تدفق صفقات الأسلحة الإسرائيلية على جنوب السودان، واتساع نطاق تدريب المليشيات الجنوبية في أوغندا وإثيوبيا وكينيا، 4- استئناف دعم التمرد المسلح، وتزويد الحركات الانفصالية الجنوبية بأسلحة متقدمة، وتدريب العشرات من طياريها على قيادة مقاتلات خفيفة للهجوم على المراكز الحكومية في الجنوب، وتوفير صور عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية، 5- إيفاد بعض الخبراء الإسرائيليين لوضع الخطط والقتال إلى جانب الانفصاليين، ومشاركة بعضهم في العمليات التي أدت إلى احتلال بعض مدن الجنوب السوداني. ومن ثَم فقد بدا طبيعيًّا ألا تخفي الحركة الشعبية في جنوب السودان حجم وطبيعة العلاقات الأمنية والعسكرية التي تربطها بإسرائيل.[71]
وقد أشاد الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية “عاموس بادلين” في ديسمبر 2010 بمساعدة بلاده للانفصاليين في الجنوب بقوله: “إن رجاله أنجزوا عملًا عظيمًا في السودان، بنقل أسلحة لهم، وتدريبهم، ومساعدتهم على إنشاء جهازي أمن واستخبارات، ونشر شبكات إسرائيلية في كل من الجنوب ودارفور قادرة على العمل المستمر”. وقد شكل انفصال جنوب السودان ضربة كبيرة للأمن القومي العربي، ولمصر والسودان تحديدًا، ونجاحًا كبيرًا للسياسة الإسرائيلية الهادفة لخنق مصر والسودان. وسارعت إسرائيل عقب إعلان استقلال جنوب السودان إلى الاعتراف بدولتها، ففي تصريح أدلى به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال:” لقد نشأت أمس دولة جديدة، وهي دولة جنوب السودان، وها أنا ذا أعلن هنا اعتراف إسرائيل بجنوب السودان. إننا نتمنى لها النجاح، علمًا بأنها دولة تناشد السلام، وسيسرّنا التعاون معها، لضمان تطويرها وازدهارها، ونبعث لدولة جنوب السودان التهاني والتبريكات”.[72]
وفي ضوء هذا الخطر الداهم الذي يهدد الأمن الدول العربية ،فعلى مدار عقود شهدت المنطقة العربية تحولات كبيرة منذ حرب الخليج الأولى، أو الحرب العراقية – الإيرانية في عام 1980، ثم قيام النظام العراقي بغزو الكويت عام 1990، ثم الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، والأزمات التي دخلت فيها كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وانقسام السودان ونشوء دولة جنوب السودان في عام 2011، وحالة التراجع الإقليمي والدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية، والتمدد والعربدة الإسرائيلية في المنطقة، ناهيك عن سياسة الاستيطان والتهويد للقدس ولبقية الأراضي العربية في فلسطين، التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. كل هذا والأنظمة العربية ما زالت تبحث عن الحد الأدنى من التقاطعات المشتركة من أجل العمل الجماعي للحفاظ على ما تبقى من القيم والمصالح الجمعية للأمة العربية، وما زالت معظم الأنظمة العربية غير متصالحة مع شعوبها، بل عمدت إلى تأجيج المشاعر القطرية والحلقية الضيقة لدى هذه الشعوب، وإذكاء المشاعر القومية والعرقية والمذهبية فالأنظمة العربية ما زالت لم تمتلك استراتيجية واضحة ومحددة لمواجهة كل هذا الخطر الداهم ، وما زالت خطواتهم مترددة وعاطفية لا تعبر عن وعي وإدراك لطبيعة المرحلة، ولا تنسجم مع حجم التحديات التي يواجهها الأمن القومي العربي . بل والأفدح هو تصاعد وتيرة التطبيع مع إسرائيل من قبل بعض الدول العربية في ظل نكسة حادة تلحق بحقوق الشعب الفلسطيني .
المبحث الثاني
الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه أفريقيا في ظل التنافس الدولي عليها .
منذ قرون بعيدة، كانت أفريقيا مكاناً للتنافس بين الدول الأوروبية الكبرى، وبدأ هذا الاهتمام منذ القرن الخامس عشر حينما وصلت السفن البرتغالية إلى سواحل غرب أفريقيا، بعدها أنشأ البرتغاليون الحصون الساحلية مارسوا من خلالها تجارة الذهب والعاج والعبيد، مما فتح المجال فيما بعد إلى ممارسة التجارة من قبل تجار هولنديين وفرنسيين وبريطانيين حيث أطلق على المنطقة الساحلية هذه بمثلث الأطلنطي للتجارة. وكان التجار الأوروبيون ينقلون العبيد الأفارقة عبر المحيط الأطلسي للعمل كمزارعين في الأرض الأمريكية، ثم نقل المحاصيل الزراعية إلى أوروبا لبيعها. كما ازداد الاهتمام الأوروبي في القارة الأفريقية، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث توصف تلك الفترة بفترة التكالب الاستعماري على أفريقيا والذي كرسه مؤتمر برلين عام 1884 بوضعه قواعد عامة لتأسيس مناطق الهيمنة للقوة الأوروبية الرئيسية (بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا) في القارة الأفريقية. وقد أعلنت هذه القوة آنذاك بأن هدفها هو نشر الحضارة والمدنية الأوروبية في أفريقيا وكافة مناطق العالم المتخلف، إلا أن الاستعمار الأوروبي كان السبب الحقيقي لتخلف القارة، حيث استنزف مواردها الطبيعية ووجهها لخدمة الاقتصاد الأوروبي .
بعد حصول الدول الأفريقية على استقلالها، اتخذ التكالب الدولي على القارة الطبيعية، شكلاً آخر يتفق مع طبيعة النظام الدولي السائد. ففي إطار سياسات الحرب الباردة، والمواجهة الإيديولوجية بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، كانت القارة الإفريقية هي الضحية ، حيث تنازع مناطق النفوذ بين القطبين .وبعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، أخذت السياسات الدولية منحنى جديدا تمثل في العولمة الجديدة، وسياسات الأمركة، وتكالبت القوى الكبرى مرة أخرى على مناطق الثروة والنفوذ في القارة الأفريقية، خاصة بعد صعود اقطاب أخرى تزاحم الولايات المتحدة في قيادة العالم (روسيا والصين ). محاولات للهيمنة وبسط النفوذ يغلب عليها الطابع الأمني العسكري أو الاقتصادي التجاري ،تعيد للأذهان نموذج الاستعمار المركانتيني أو التجاري في القرن 18 و 19 . لكن السؤال هنا هل المكاسب والعوائد من التواجد العالمي في أفريقيا متبادل ، أي هل تستفيد اقتصادات هذه الدول ،أم أنه محاولة لتحويل اقتصادات هذه الدول لاقتصادات ريعية تقوم على تأجير الجزر و منح الإمتيازات للدول الأجنبية ، وفي نفس الوقت تفتح أسواقها لمنتجات هذه الدول ؟ ما الأهداف السياسية التي تسعى لها بعض ؟
فأفريقيا التي تتميز بضخامة الطاقة الكهرومائية الكامنة فيها، حيث تبلغ 1750 وات/ساعة،
أما بالنسبة للطاقة الشمسية ، فتتوفر الظروف الملائمة لإنتاج الكهرباء من هذه الطّاقة في العديد من البلدان الإفريقية، نظراً لسطوع الشمس هناك بقوة،بل إن منظمة غرينبيس (Greenpeace) لحماية البيئة، أفادت بأن إنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في2% من مساحة الصحراء الأفريقية، تكفي لتغطية الحاجة العالمية من الكهرباء. وفيما يتعلق بالطاقات الكلاسيكية من نفط وغاز، تُعد القارة السمراء آخر مناطق العالم التي يوجد بها احتياطي هائل من كلتا المادتين، ويقدر الخبراء حجم النفط الإفريقي بين 7 و9% من إجمالي الاحتياطي العالمي، ما يوازي ما بين 80 و100 مليار برميل خام. وفي السياق ذاته، تتميز القارة الإفريقية بتوفّرها على كميات كبيرة من مادة اليورانيوم الأساسية في الصناعات النووية، حيث تنتج القارة أكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، وتشير الدّراسات إلى امتلاكها ثلث الاحتياطي العالمي من هذه المادّة المهمة. هذا بالإضافة إلى الذهب والفضة وطرق التجارة الدولية والممرات البحرية وغير ذلك الكثير من الموارد المادية التي تجعل القارة الأفريقية يطلق عليها قارة المستقبل. كما يُعد الاستثمار في المجال الزراعي، أحد أفضل الخيارات التي تقدمها إفريقيا للمستثمرين من القوى الدولية؛ للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأمن الغذائي في إفريقيا والعالم ، حيث أراضي خصبة ومياه وفيرة وأيدي عاملة رخيصة إذ يبلغ عدد سكان القارة قرابة مليار نسمة.[73]
مع انتهاء الحرب الباردة، ساد منطق التنافس الدولي على القارة الأفريقية مرة أخرى بين الأقطاب الرئيسة للنظام الدولي: الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، والصين، وكذلك الإقليمية والمتمثلة في: تركيا وإيران وإسرائيل ، بهدف استغلال ثروات القارة ومواردها الطبيعية. وإذا كانت الدراسات النظرية تشير إلى حقيقة التنافس بين الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية، لا سيما فرنسا، على اكتساب مناطق النفوذ، والسيطرة في أفريقيا، فإن واقع الأمر يشير إلى حدوث نوع من التفاهم بين هذه القوى، كما يتضح من التعاون الفرنسي الأميركي في مجال محاربة الإرهاب .
الصين: توجهت الصين إلى إفريقيا بسياسة خارجية مغايرة للنمط الأميركي – الفرنسي، قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم ربط الاستثمارات بالشروط المسبقة، وعدم بث أي نسق أيديولوجي أو فكري أو ثقافي مثلما هو الحال مع الأمركة والفرنسة، لتُصبح الصين أحد أهم الحُلفاء المُفضلين للأنظمة الأفريقية،واستخدمت الورقة الاقتصادية والتجارية لدعم تلك السياسات.كما تسعى الصين لإستكمال مشروعها العملاق (طريق الحرير الجديد ) والذي سيمر عبر مجموعة من الدول الأفريقية ن لذلك تحرص الصين على نسج علاقات جدية مع أغلب الدول الأفريقية .
روسيا: قوة عالمية أخرى تسعى نحو مكاسب إفريقية هي روسيا، تتدخل بشكل مباشر وغير مباشر في مشكلات الشرق الأوسط .فبعد أن كانت روسيا محل عقوبات من العالم الغربي، تسارعت خطواتها نحو أفريقيا، وسيرا على خطى الصين، نظم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قمة إفريقية روسية2019. وذلك باستضافة قادة القارة السمراء في قمة بمنتجع سوتشي على البحر الأسود، حيث حاول الرئيس الروسي إحياء العلاقات القديمة التي أقامها الاتحاد السوفيتي مع أفريقيا. والقمة هي الأولى من نوعها وكانت بحضور عشرات من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية. تقوم روسيا بدور متصاعد في أفريقيا مثل إرسال شحنات عسكرية في المنطقة الممتدة بين الجزائر إلى موزمبيق، ومساعدة الحكام المستبدين الذين واجهوا أزمات باستراتيجيات الانتخابات، ونشرت المتعهدين العسكريين، وتابعت مشروعات المصادر الطبيعية في أنحاء القارة.
كما لم يعد خافيا على أحد، زيارات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، المتكررة للبلاد الأفريقية الغنية بالمعادن ومساعيه لعقد صفقات لبيع السلاح الروسي إلى دول جنوب شرق أفريقيا، لتصبح روسيا، المورد الأول للسلاح في القارة. بلغت قيمة المبادلات التجارية بين روسيا وأفريقيا في 2018 عشرين مليار دولار. وتشمل هذه المبادلات بشكل أساسي الأسلحة، وهو من المجالات النادرة التي تتصدر فيها روسيا السوق. وتحاول روسيا تحقيق مكاسب سياسية عبر إرسال خبراء عسكريين إلى مناطق النزاعات الاستعمارية الطويلة الأمد مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية الخاضعة للنفوذ الفرنسي.[74]
تركيا: تولي تركيا اهتمامًا كبيرًا بالقارة الإفريقية، وسياستها تنطلق من رؤية مفادها أن النصف الثاني من القرن الحالي سيكون عصر إفريقيا ، وفي هذا الإطار يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى شرق إفريقيا في يونيو 2017 “على إفريقيا أن تختار شركاءها بعناية، في مسيرة كفاحها لإثبات نفسها”.
وعلى الصعيد الاقتصادي، كان حجم التجارة التركية مع إفريقيا في حدود 3 مليارات دولار عام ، لكنه تضاعف إلى 67 مليار دولار2019، ووصل حجم الاستثمارات التركية في إفريقيا إلى 6 مليارات دولار.
ونجحت تركيا أمنياً في أن تحصل على أول قاعدة عسكرية لها في القارة الإفريقية عبر الصومال ثم بعد ذلك جزيرة سواكن من السودان، وتعمل الأجهزة التركية على مُتابعة جماعة فتح الله كولن التي سبقت الدولة التركية في التمدد عبر مشاريعها ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي في القارة. وتهدف تركيا إلى أن تفتح سفارة لها في كل دولة إفريقية خلال السنوات القادمة، وبالنظر إلى التنافس والتوجس الخفي وتضارب المشاريع على الرغم من التطبيع المعلن بين تُركيا وإسرائيل.تعد تركيا أحد اللاعبين الرئيسيين في السعي نحو الهيمنة في أفريقيا، ويقود هذا الجهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث زار الصومال التي مزقتها الحرب ثلاث مرات، وأدت تلك الزيارات إلى حصول الشركات التركية على عقود كبرى، وتوطدت العلاقات بين المسؤولين والسياسيين في تركيا والصومال. كذلك التحركات التركية فترة الرئيس السابق للسودان “البشير” ،في السودان بهدف تعزيز مكانة أنقرة في البحر الأحمر ببسط الهيمنة على جزيرة سواكن وإضفاء الشرعية على الوجود التركي في الشرق الأفريقي.
إيران: انتهجت إيران مجموعة من السياسات التي ساعدت على التوغل في أفريقيا، من بينها تقديم مساعدات تنموية في مجالات التكنولوجيا، ومجالات الطاقة والتنقيب عن البترول والاستكشافات البترولية، وصيانة معامل تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية والغاز، وتنمية القطاعات الزراعية والصحية وإنشاء السدود، بالإضافة إلى تصدير النفط لبلدان القارة الأفريقية بأسعار رخيصة مقارنة بالسوق العالمي.ناهيك عن وسيلة التغلغل الإيرانية الرئيسية ألا وهي المذهب الشيعي بين مسلمي أفريقيا .[75]
إذا فإسرائيل تتحرك تجاه أفريقيا وسط عمالقة ، سواء قوى عالمية أو إقليمية .فأنعكس هذا التكالب العالمي على الشكل التنافسي والتغلغلي لإسرائيل حيث أنها تعمل في ساحة مزدحمة . فإسرائيل الحليف الأول للولايات المتحدة ، والتي تحتفظ بعلاقات جدية مع تركيا وروسيا والصين .تحاول ألا تصطدم بأي من هذه القوى ،خاصة مع أختلاف مأرب كل قوة من أفريقيا . فالوجود الأميركي يرتبط دوما بالوجود الإسرائيلي، حيث تسعى إسرائيل بخططها المتعلقة بالبحيرات العظمى، ومنابع النيل عمومًا، إلى فتح ثغرة في خطوط الأمن القومي والمائي العربيين، فضلاً عن حماية المصالح الأميركية بأفريقيا.
تعمل هذه القوى الدولية على اختلاف أجنداتها على إثارة قضايا الفرقة والنزاع بين العرب والأفارقة، ويتضح ذلك جليًا في الموقف الأميركي والأوروبي.فتأمل كل دولة إلى تحقيق مشروعها (سياسي – اقتصادي – ثقافي ….) فى أفريقيا . لكن إستراتيجية إسرائيل تعكس حالة قوة تسعى أن تكون ضمن القوى الإقليمية وتسعى للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمى الجديد، وهو ما قد تبين من خلال الأنشطة التي تقوم ،لا سيما عقب ثورات الربيع العربى، التى هيأت الدور للإندفاع الإسرائيلي نحو أفريقيا .
الأمر الذى يشكل تهديد واضح وصريح للأمن القومى العربى والمصرى تحديدا(تم بدأ العمل في سد النهضة عقب ثورة يناير في مصر )، بما يتطلب إستراتيجيات تعاون جديدة وجدية فى كافة المجالات بين الدول العربية والإفريقية لتحجيم الصراعات المتغلغلة داخل أفريقيا .
لابد من الإشارة إلى أن أفريقيا تفتقد جدياً منظومة جماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيها، إذ أن منظومة الأمن الجماعى شبه معطلة ، تخللتها الأطراف الخارجية ، مما جعل التوصل لصيغة مشتركة للتعاون الأفريقي شبه مستحيلة في ظل مصالح متضاربة وفواعل خارجية وحروب أهلية وعدم استقرار سياسي .
الختام
تقول جولدا مائير: «إنني فخورة جداً ببرنامج إسرائيل للتعاون الدولي، وبالمساعدات الفنية التي قدّمناها للشعب الإفريقي، وذلك قياساً بأي مشروع قمنا به في أي وقت مضى» ، وفي هذا السياق عبّر كثير من الأفارقة عن إعجابهم الشديد بالنموذج الإسرائيلي في التنمية، منهم على سبيل المثال الزعيم العمالي الكيني توم موبيا الذي لم يتردد في إظهار مديحه لتجربة إسرائيل في مجال زراعة الأراضي القاحلة وتنميتها.
يطرح ذلك كلّه أهمية الحديث عن إسرائيل واختراق الفضاء الإفريقي، يعني ذلك أن إسرائيل استطاعت – ومنذ البداية – أن تسيطر على عقول الأفارقة وقلوبهم من خلال أدوات قوتها الناعمة.وفي المقابل؛ نجد أن فترة الانقطاع التاريخية بين الشعبين العربي والإفريقي، والتي امتدت منذ مجيء الاستعمار الغربي، قد مثّلت تحدياً خطيراً أمام دعم جهود التضامن العربي الإفريقي.
كما أن تحديات العولمة الراهنة، وما تفرضه من مخاطر على كلٍّ من الشعبين العربي والإفريقي، تقضي بأهمية عودة التلاحم والتضامن بين الجانبين، وهو ما ينبغي أن ينعكس على أجندة جميع تنظيمات العمل الجماعي المشترك لدى الطرفين، ولا سيما الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ولابد من أن يدعم ذلك الموقف السياسي الشروع في تأسيس حوار استراتيجي جديد بين العرب والأفارقة، تُطرح من خلاله كلّ القضايا المشتركة، بهدف الوصول إلى رؤية واحدة لمواجهة تلك القضايا، ومن بينها القضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرّر وطني تخص العالمين العربي والإفريقي، وثمة تيار شعبي وفكري إفريقي يدعم هذه الأواصر ويدفع في اتجاه تقويتها.
قائمة المراجع
أولا المراجع باللغة العربية.
الكتب:
- عبدالملك على أحمد عودة، إسرائيل وأفريقيا: دراسة في العلاقة الدولية، معهد الدراسات العربية العالمية، 1964.
- مجدي حماد، إسرائيل وأفريقيا: دراسة في إدارة الصراع الدولي، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1986.
- حمدي عبدالرحمن، إسرائيل وأفريقيا في عالم متغير، من التغلغل إلى الهيمنة، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، القاهرة، 2001.
- عواطف عبدالرحمن، إسرائيل وأفريقيا، منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث العربية.
- حمدي سليمان المشوخي، التغلغل الإقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا، دار الجامعات المصرية، القاهرة، 1972.
- حمدي عبدالرحمن، سياسة إسرائيل تجاه أفريقيا، جامعة أفريقيا العالمية، الخرطوم، 2013.
- إبراهيم نصر الدين، دراسات في العلاقات الدولية الأفريقية، مكتبة مدبولي، القاهرة،2011 .
- محمد عبد الرؤوف سليم ، “تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة1897-1918″،الكويت ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (معهد البحوث والدراسات العربية،1974)
الرسائل العلمية:
- غادة محمد أحمد زيان، السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه منطقة القرن الأفريقي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رسالة ماجستير، كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2014.
- عادل عبد العزيز ،”الاستراتيجية القومية الإسرائيلية ” ، (رسالة ماجستير ،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية )1985
- محمد على العويني ،” السياسة الخارجية الإسرائيلية في إفريقيا ” ، (رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1971 )
- مروة ممدوح سالم ،” تحليل سياسة إسرائيل في إفريقيا الماضي والحاضر “،رسالة ماجستير ، (لندن ، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية ، جامعة لندن ) 2009 النسخة المترجمة من الرسالة .
- حسين حمودة مصطفى ،”العلاقات الإسرائيلية الإفريقية منذ عام 1991″ ، (رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2008)
- أزهار محمد عيلان ، العلاقات السياسية الإسرائيلية الإفريقية جنوب إفريقيا نوذجاً ، سلسلة دراسات استراتيجية (العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1991- 2010 ) ، ( بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة بغداد ، مركز الدراسات الدولية ، العدد 103 ، 2010 )
- هبة محمد عبدالحميد البشبيشي ،”أفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني منذ عام 1948″، (رسالة ماجستير ، معهد الدراسات والبحوث الإفريقية ، جامعة القاهرة ) 2010
الدوريات والمجلات العلمية:
- أريج جمال محمد أحمد، توجهات السياسة الخارجية “الإسرائيلية” تجاه القارة الإفريقية “النموذج الأثيوبي”، المركز الديمقراطى العربى ، 2016: https://democraticac.de/?p=34797#_ftnref18
- خالد وليد محمود، التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء..إثيوبيا دراسة حالة، مركز الجزيرة للدراسات، 29 يناير 2012.
- أسامة عبدالرحمن الأمين، التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إثيوبيا نموذجا، وأثره على دول حوض النيل الشرقي، جامعة أفريقيا العالمية .
- مجدي حماد، إسرائيل وأفريقيا: دراسة في الصراع الدولي، دار المستقبل العربي، 1986، ص 2.
- حمدي سليمان المشوخي، التغلغل الإقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا، دار الجامعات المصرية، 1972.
- اسعد زروق ،”إسرائيل الكبرى : دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني “، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1973، الطبعة الثانية )
ثانياً المراجع باللغة الأجنبية :
- Joel peters ,”Israel and Africa :the problematic friendship” ,British academic press ,London , 1992
- آريه عوديد،”إسرائيل وأفريقيا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية”، ترجمة عمرو زكريا خليل ،(أكاديمية آفاق ، القاهرة ،2013)
- موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية “إسرائيل بين دول العالم-إفريقيا”،.على الرابط: http://mfa.gov.il/MFAAR/MinistryOfForeignAffairs/BilateralRelations/Africa/Pages/africa.asp
[1] محمد عبد الرؤوف سليم ، “تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة1897-1918″،الكويت ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (معهد البحوث والدراسات العربية،1974)،ص ص 4:19
[2] حمدي عبد الرحمن (2015)، “الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا”، قطر، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، ص33.
[3] موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية “إسرائيل بين دول العالم-إفريقيا”، 30/12/2010. على الرابط:
http://mfa.gov.il/MFAAR/MinistryOfForeignAffairs/BilateralRelations/Africa/Pages/africa.aspx
[4] أريج جمال محمد أحمد، توجهات السياسة الخارجية “الإسرائيلية” تجاه القارة الإفريقية “النموذج الأثيوبي”، المركز الديمقراطى العربى ، 2016: https://democraticac.de/?p=34797#_ftnref18
[5] على دربج، «ربيع إسرائيل في أفريقيا»: تدريبات لـ«حفظ السلام» في سوريا ولبنان، صحيفة الأخبار، الرابط: https://bit.ly/2X5fxRx
[6] أزهار محمد عيلان ، العلاقات السياسية الإسرائيلية الإفريقية جنوب إفريقيا نوذجاً ، سلسلة دراسات استراتيجية (العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1991- 2010 ) ، ( بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة بغداد ، مركز الدراسات الدولية ، العدد 103 ، 2010 )
[7] مروة ممدوح سالم ،” تحليل سياسة إسرائيل في إفريقيا الماضي والحاضر “،رسالة ماجستير ، (لندن ، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية ، جامعة لندن ) 2009 النسخة المترجمة من الرسالة .
[8] حسين حمودة مصطفى ،”العلاقات الإسرائيلية الإفريقية منذ عام 1991″ ، (رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2008)
[9]هبة محمد عبدالحميد البشبيشي ،”أفريقيا في الفكر السياسي الصهيوني منذ عام 1948″، (رسالة ماجستير ، معهد الدراسات والبحوث الإفريقية ، جامعة القاهرة ) 2010
[10] اسعد زروق ،”إسرائيل الكبرى : دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني “، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1973، الطبعة الثانية )
[11] عادل عبد العزيز ،”الاستراتيجية القومية الإسرائيلية ” ، (رسالة ماجستير ،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية )1985
[12] محمد على العويني ،” السياسة الخارجية الإسرائيلية في إفريقيا ” ، (رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1971 )
[13] مجدي حماد ،” إسرائيل وإفريقيا :دراسة في الصراع الدولي ” ،(دار المستقبل ، القاهرة ، 1986)
[14] Joel peters ,”Israel and Africa :the problematic friendship” ,British academic press ,London , 1992.
[15] آريه عوديد،”إسرائيل وأفريقيا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية”، ترجمة عمرو زكريا خليل ،(أكاديمية آفاق ، القاهرة ،2013)
[16] حمدي عبدالرحمن ،” إسرائيل وأفريقيا في عالم متغير من التغلغل إلى الهيمنة” ،(مركز الدراسات المصرية الأفريقية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،جامعة القاهرة ،2001 )
[17] عبدالملك عودة،” النشاط الإسرائيلي في أفريقيا”،( جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العبرية والعالمية، القاهرة،1966.
[18] نيفين مسعد (محرر )، معجم المصطلحات السياسية ،( القاهرة ، 1994 ) ص 168 .
[19] عادل عبد العزيز ،”الاستراتيجية القومية الإسرائيلية “، مرجع سابق ، ص 22
[20] Josef S. Nye ,soft power : the means to success in world politics “,public affairs ,Newyork ,2005 ,P 5
[21] ناظم عبد الواحد الجاسور ، “موسوعة علم السياسة “،(عمان ،دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ،2004) ص ص 358:359
[22] توم سيغيف ،الإسرائيليون الأوائل 1949 ترجمة عن العبرية خالد عايد وآخرون – بيروت – مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1968 ص 7 .
[23] دان يشيرجي ، أمريكا والسلام في الشرق الأوسط – ترجمة محمد مصطفى غنيم, القاهرة, دار الشروق 1993 ص 56 .
[24] فهمي هويدي ، “بروتوكولات الاختراق الإسرائيلي ” ، موقع إسلام ويب ، متاح على https://www.islamweb.net/ar/article
[25] نضال محمد وتد ، “من استراتيجية الانتصار إلى بلورة مفاهيم الأمن الإسرائيلي” ، مقال منشور على موقع العربي الجديد ،أكتوبر 2019 ، متاح على https://www.alaraby.co.uk/politics/cc226e73-fb9b-4612-96ab-c7578d6ef275
[26] عواطف عبد الرحمن ،”إسرائيل و أفريقيا” ، مركز الأبحاث الفلسطينية ، بيروت 1974 .ص 24
[27] حلمي عبد الكريم الزغبي “مخاطر التغلغل الصهيوني في أفريقيا” ، الكويت 1985
[28] نضال محمد وتد ، مرجع سابق .
[29] نتنياهو يعدّ مفهوما جديدا للأمن القومي هو الثاني بعد وثيقة بن غوريون مقال منشور على موقع RT، ديسمبر 2019 متاح على https://arabic.rt.com/world/1013266-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-
[30] “مفهوم أمني إسرائيلي جديد: وثيقة تدعو لتصعيد العدوانية ” ، مقال منشور على موقع عرب 48 ، أكتوبر 2019 متاح على https://www.arab48.com/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D
[31] منى مبارك بن علي ، “الدول الصغيرة والتحالفات الدولية :دراسة حالة الكويت من 1990 إلى 2014” ، (رسالة دكتوراه جامعة القاهرة ، 2017) 13
[32] أحمد بوذراع ، منهج دراسة الحالة في العلوم الاجتماعية والإنسانية ، https://www.asjp.cerist.dz/en/article/15700
[33] بوفراش يعقوب ، ” السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه دول القارة الإفريقية ” ، المركز الديموقراطي العربي ، متاح على الرابط التالي https://democraticac.de/?p=43277
[34] موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية “إسرائيل بين دول العالم-إفريقيا” ، مرجع سابق
[35] سلطان حطاب,” إسرائيل في إفريقيا ” , دراسة لتطور العلاقات الإسرائيلية- الإفريقية 1957–1985, مجلة صامد الاقتصادي, العدد 60, مارس-ابريل 1986 ص85-92 .
[36] أحمد محمود ،” تطور العلاقات الغسرائيلية الأفريقية ” ، قراءات أفريقية ، متاحة على الرابط التالي https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1-%
[37] أزهار محمد عيلان ،” العلاقات السياسية الإسرائيلية الإفريقية جنوب إفريقيا نوذجاً “، سلسلة دراسات استراتيجية (العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1991- 2010 ) ، مرجع سابق
[38] حمدي عبد الرحمن ،المواقف الإفريقية من القضية الفلسطينية.. الدوافع والمسارات ، 2017قراءات أفريقية ، متاح على https://tinyurl.com/ybvd5ace
[39] مروة ممدوح سالم ،” تحليل سياسة إسرائيل في إفريقيا الماضي والحاضر “،رسالة ماجستير ، (لندن ، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية ، جامعة لندن ) ، مرجع سابق
[40] مروة ممدوح سالم ،” تحليل سياسة إسرائيل في إفريقيا الماضي والحاضر “،رسالة ماجستير ، (لندن ، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية ، جامعة لندن ) ، مرجع سابق
[41] اسعد زروق ،”إسرائيل الكبرى : دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني “، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1973، الطبعة الثانية ) ، ص 34
[42] ” في إطار جولته الأفريقية “أديس أبابا” المحطة الأهم بأجندة نتنياهو ” ، تقرير متاح على https://www.eremnews.com/news/world/520187
[43] “إلغاء القمة الأفريقية “الإسرائيلية” في توغو، بوابة أفريقيا الإخبارية” ، متاح على https://goo.gl/2D9h1C
[44] احمد ذيبان، “التغلغل الإسرائيليفي أفريقيا “، متاح على https://goo.gl/iFg7S6
[45] ” اسرائيل تتحدث علنا عن تنسيق مع دول عربية ضد “عدو مشترك” “، تقرير منشور على موقع DW ، متاح على https://tinyurl.com/ycb8cllb
[46] العلاقات العربية – الإفريقية.. عوامل الصراع ومستقبل التعاون ، دراسة على موقع قراءات أفريقية ، متاحة على الرابط التالي https://tinyurl.com/y8rtvsy4
[47] عودة الاهتمام الروسي بأفريقيا.. التجليات والحسابات تقرير منشور على مركز الجزيرة للدراسات متاح على ، https://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2018/4/22
[48] ” “”Israel’s diplomatic thrust into Africa spearheaded by military training”, the times of Israel, Avaiable on , https://www.timesofisrael.com/israels-diplomatic-thrust-into-africa-spearheaded-by-military-training /
[49] “في أعقاب استئناف العلاقات مع تشاد. نتنياهو يبدأ خطوات مماثلة مع مالي”، تقريرمتاح على https://www.eremnews.com/news/world/1653866
[50] بوفراش يعقوب ، ” السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه دول القارة الإفريقية ” ، المركز الديموقراطي العربي ، مرجع سابق .
[51] إسرائيل في أفريقيا: التمكين في شتى المجالات ، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية https://mfa.gov.il/MFAAR/LastDevelopments/Pages/Israel_Africa_Relations.aspx
[52] نائل عيسى جودة شقلية, “السياسة الخارجية “الإسرائيلية” تجاه منطقة القرن الإفريقي وأثرها على الأمن القومي العربي: 1991-2011″ , رسالة ماجستير ( غزة : كلية الاقتصاد والعلوم الادارية، جامعة الأزهر, 2013) ، ص 123 .
SIPRI Fact March 2019 . TRENDS IN INTERNATIONAL ARMS TRANSFERS, 201853
[55] عبدالناصر سرور، “السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا (جنوب الصحراء) بعد الحرب الباردة”، في مجلة جامعة الخليل للبحوث، (القدس: جامعة الخليل للبحوث، المجلد 5، العدد 2، 2010) ، ص 162.
[56] علاقات إسرائيل وجنوب السودان: المصالح المشتركة وآفاق المستقبل ،مركز الامارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، متاح على https://www.ecssr.ae/reports_analysis
[57] موقع وزارة الخارجية “الإسرائيلية” http://mfa.gov.il/MFAAR/MinistryOfForeignAffairs/Pages/default.aspx
[58] حمدي عبدالرحمن، “الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا”، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015 ، ص 28 .
[59] اسعد زروق ،”إسرائيل الكبرى : دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني “، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1973، الطبعة الثانية ) ، ص 56
[60] يوسف العوال ،” تقرير: ماذا تريد إسرائيل من أفريقيا ؟ “، المركز الديمقراطي العربي ، متاح على https://democraticac.de/?p=33105
[61] يوسف العوال ،” تقرير: ماذا تريد إسرائيل من أفريقيا ؟ “، المركز الديمقراطي العربي ، مرجع سابق .
[62] ” وزير مصري سابق إثيوبيا تريد بيع مياه النيل لمصر “، متاح على https://arabic.rt.com/middle_east/1089832
[63] موقع وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية https://www.gov.il/ar/Departments/news/export-to-africa-incentives-oct-2018
[64] آريه عوديد،”إسرائيل وأفريقيا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية”، ترجمة عمرو زكريا خليل ،(أكاديمية آفاق ، القاهرة ،2013) ، 45ص ص
[65] يوسف العوال ،” تقرير: ماذا تريد إسرائيل من أفريقيا ؟ “، المركز الديمقراطي العربي ، مرجع سابق .
[66] بدر حسن شافعي ، العلاقات العربية الإفريقية ، 2016 مركز الجزيرة للدراسات ، متاح على https://tinyurl.com/ybnf7xau
[67] عبدالغني سلامة “إسرائيل على الجبهة الإفريقية: دراسة في العلاقات الإسرائيلية– الإفريقية” ، مرجع سابق
[68] محمد الحسن عبدالرحمن الفاضل “التنافس الاسرائيلي الإيراني في إفريقيا”، الراصد للبحوث والعلوم. على الرابط: http://www.arrasid.com/index.php/main/index/33/96/contents#top
[69] إبراهيم نصر الدين “دراسات في العلاقات الدولية الإفريقية” ، مرجع سابق .
[70] عبدالغني سلامة “إسرائيل على الجبهة الإفريقية: دراسة في العلاقات الإسرائيلية– الإفريقية ” مرجع سابق .
[71] ” مصلحة إسرائيل من انفصال جنوب السودان ” ، تقرير منشور على مركز الجزيرة للدراسات ، متاح على https://tinyurl.com/u3fctu7
[72] محمد الحسن عبدالرحمن الفاضل “التنافس الاسرائيلي الإيراني في إفريقيا” ، مرجع سابق .
[73] ” سياسات الهيمنة للقوى الكبرى في إفريقيا.. الدلالات والمآلات ” ، تقرير منشور على مركز سمت للدراسات ، متاح على https://tinyurl.com/weahfsa
[74] “الهندسة الخارجية: ملامح الموجة الثالثة من التنافس الدولي والإقليمي على إفريقيا” ، دراسة منشورة على موقع مركز المستقبل للدراسات ، متاحة على https://tinyurl.com/u4c6whp
[75] “إفريقيا.. تنامي الصراع العالمي على النفوذ ” ، تقرير منشور على موقع الأناضول ، متاح على https://tinyurl.com/r84xaev