الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

التطورات السياسية في اليمن والموقف اتجاه غزة والبحر الاحمر وتداعياته الاقليمية

بقلم : ا. د هاني الياس خضر الحديثي – استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية عضو منتدى النخب والكفاءات العراقية – اسطنبول- عضو المعهد العالمي للتجديد العربي _ مدريد_ عضو المركز العربي الديمقراطية – برلين- ألمانيا

  • المركز الدمقراطي العربي

 

لم تشهد اليمن طيلة عقود مابعد الاستقلال وأعلان الجمهورية 1962 استقرارا سياسيا داخليا مستداما بسبب التنافس والصراعات الداخلية ذات الطابع القبلي والفئوي والتي تركت تاثيراتها سلبا على بناء نظام سياسي مستقر في سياساته الداخلية والخارجية ، وهو الامر الذي تم توظيفه للتدخل بشؤونها الداخلية اقليميا ودوليا مثال ذلك التدخل المصري عهد جمال عبدالناصر في مواجهة نظام الامامة تحت اطار الصراع بين القوى القومية العربية التقدمية والقوى الرجعية المرتبطة بالغرب والمدعومة من المملكة السعودية .

لقد ادى هذا الوضع الى سلسلة من الانقلابات العسكرية فضلا عن انفصال الجنوب عن الشمال اليمني تحت شعارات ماركسية لغاية 1990 حيث اعادة توحيد اليمن برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح حيث شهدت اليمن لاحقا حربا اهلية امتدت لغاية 1994م نجح فيها الرئيس صالح في الحفاظ على مشروع الوحدة والذي لعب فيه العراق دورا قويا في جميع اشكال المساندة المادية والسياسية لوحدة اليمن.

أن ماتقدم لم يثني جماعة الحوثيين في شمال البلاد من الاستمرار في التعرض سلبا للسلطة السياسية عبر العديد من اشكال التمرد والعنف ضد دولة الرئيس صالح حيث خاضت ستة حروب مع قوات الرئيس صالح فضلا عن حرب مع السعودية التي بدورها لعبت على ورقة التناقضات الداخلية اليمنية مع هذا الطرف أو ذاك لغايات ومقاصد متعددة تركت تاثيراتها سلبا على وحدة واستقرار اليمن .

للفترة 2003-2009 استمرضغط الحوثيين ضد السلطة تحت اطارمزاعم ( تهميش الشيعة الزيدية ) لتنفجر الاوضاع لاحقا عام 2011 في ظل ماعرف بالربيع العربي حيث شهد الشارع اليمني انقساما حادا تبعه انقسام في الجيش، وهي الانقسامات التي قادت اليمن الى السماح لقوى العنف الاسلامي المتطرف( تنظيم ألقاعدة) بالهيمنة والتي سيطرت على اجزاء واسعة من الارض شرق البلاد ليتفاعل ذلك مع التدخل الايراني لصالح الحوثيين الامر الذي اجبر الرئيس صالح على التنحي عن السلطة في اطار خطة للانتقال السياسي برعاية خليجية وتحديدا السعودية والامارات وذلك أثر الاتفاق الخليجي – اليمني الموقع عليه في الرياض نوفمبر 2011م بعد مايقارب احد عشر سنة من معاهدة جدة التي وقعها نظام الرئيس صالح مع النظام السعودي في جدة لترسيم الحدود السعودية – اليمنية في 12 حزيران ( يونيو) 2000م لحل الخلافات الحدودية بينهما والتي دامت لأكثر من 60 عاما.

بعد تولي نائب الرئيس صالح عبد ربه منصور الرئاسة اليمنية مؤقتا للاشراف على حوار الانتقال السياسي للسلطة عام 2012 تقدم الحوثيون للسيطرة على العاصمة صنعاء بدعم من نقيضهم السابق علي عبدالله صالح الذي احتفظ بنفوذه في الجيش عبر تولي احد ابناءه ألعميد علي عبدالله صالح في قيادات الحرس الجمهوري ، والذي تم أقالته من قبل الرئيس عبد ربه منصور ضمن سلسلة قرارات لتحجيم نفوذ الرئيس السابق له علي عبد الله صالح وذلك في العاشر من ابريل 2013م ، وهو الحال الذي ادى الى تقويض مشروع الانتقال السياسي السلمي للسلطة رغم مساعي عبد ربه اعلان دستور اتحادي جديد عارضه الحوثيون وصالح المتطلع للعودة الى سدة السلطة ، ليبدأ التدخل العسكري السعودي المدعوم بتحالف عربي ، وهو الامر الذي اعاد اليمن للانقسام جغرافيا اثر انسحاب الحوثيون من عدن أظطرارا، واستقرارهم في شمال اليمن وصنعاء وسيطرتهم على ميناء الحديدة .وهنا نجد الرئيس صالح في وضع المتمرد مرة اخرى على الحوثيين وندمه على التعاون معهم شعورا منه بالغدر به لينتهي الامر بمقتله على ايديهم. أليمن منذ 2016 تتصدى لحالة حرب يشنها تحالف سعودي – اماراتي دون احراز نتيجة سوى تدمير الحياة المدنية لليمن ، وهي حرب عبثية دون نتائج ملموسة سبق للسيد حسنين هيكل قبل وقوعها في حديث له مع جريدة السفير أن حذر السعوديين منها معتبرا ذلك التورط سيكون بمثابة غوص في مستنقع لن تستطيع مغادرته يرهقها ويرهق اليمن وهو ماحصل فعلا ، وشهدت تصاعد الدعم الايراني للحوثيين لتتحول السالحة اليمنية الى حرب ذات وجهين :

الاول مباشر عبر الحرب السعودية – الاماراتية وبدعم مصري في اليمن في محاولة فاشلة لاعادة سيطرة مايسمى ( الشرعية) للسلطة ، والثاني غير مباشر عبر الدعم الايراني الشامل للحوثيين في مواجهة التدخل السعودي ضمن مساعي ايران لنشر النفوذ في اليمن ليصبح الذراع الايراني فيها متكاملا مع الاذرع الايرانية في العراق وسوريا ولبنان حيث تحول (الهلال الشيعي) الى( دائرة نفوذ ايرانية) تحيط بالعالم العربي وخاصة مشرقه تحت شعارات طائفية، تمكنت فيها ايران من السيطرة على مداخل الممرات الاستراتيجية في مضيق هرمز وباب المندب ، وهي الحرب التي مازالت قائمة رغم مساعي وضع حد لها ضمن ترتيبات اقليمية بدات تتفاعل اثر النسق الجديد للانفتاح في العلاقات بين السعودية وايران عبر التوقيع على أتفاق يقضي باستئناف العلاقات بينهما باتجاه ايجاد حل للمشاكل العالقة بينهما وبوساطة صينية في العاشر من اذار 2023م، والتي دفعت بالسعودية للعودة الى دور الوسيط بين اطراف الصراع الداخلية الامر الذي يؤشرمدى الفشل السعودي في قيادة التحالف ضد الحوثيين، و لم تحقق الحرب ضد اليمن سوى تدمير جميع مرتكزات الدولة اليمنية التي بنيت على مدى 60 سنة منذ الاستقلال عام 1962م واعلان التحول نحو النظام الجمهوري بدعم من نظام الرئيس جمال عبدالناصر في مصر واسقاط النظام الملكي الذي حضي باسناد ودعم سعودي حينذاك .

في ضوء ماتقدم فان قضية اليمن أليوم تمثل نموذجا في العالم العربي الذي يشهد تغلغل مشاريع اقليمية ودولية تشارك في تكريسه حالة الصراعات العربية- العربية والناتج عن غياب ألمشروع القومي العربي الفاعل عربيا ومعه غياب الهوية العربية ومقاصدها الاستراتيجية لصالح مقاصد اجنبية اقليمية و دولية ، وقد نتج عن ذلك تغليب المشاريع الاقليمية غير العربية كالمشروع الشرق اوسطي بقيادة اسرائيلية الى جانب اعادة احياء مشروع الامبراطورية الفارسية على حساب المشروع القومي والحضاري العربي بعد احتلال العراق واسقاط نظامه الوطني والقومي عام 2003م ، وهو الحال الذي تم توظيفه دوليا وخاصة الدور الامريكي لصالح تكريس التواجد العسكري الامريكي – الغربي في مداخل وعقد جيواستراتيجية في مركز ومحيط العالم العربي والشرق اوسطي ضمن عملية الصراع على مناطق النفوذ مع الصين وروسيا .

تاسيسا على ماتقدم تذهب المملكة السعودية الان الى محاولة اعادة رسم الخارطة السياسية التي تحفظ من خلالها أمن الحدود مع اليمن وضمان الامن الداخلي للمملكة عبر مساعي اعادة بناء الثقة وتحقيق السلام بعيدا عن المقاصد المعلنة في تشكيل التحالف العربي بقيادة سعودية في مواجهة اليمن وهو الامر الذي يؤشر التفوق النسبي للحركة الحوثية المدعومة من ايران وفرض ارادتها في اعادة تشكيل اليمن الجيوسياسي .

أن ماتقدم عززه المنهج السعودي – الاماراتي في الاتفاق مع الهند واسرائيل لاقامة الطريق الاستراتيجي الذي يربط الهند باسرائيل عبر السعودية والامارات عبرالاردن، ليشكل في حال تنفيذه برعاية أمريكية طريقا استراتيجيا للتعاون الجيواستراتيجي الضامن لمصادر الطاقة من النفط والغاز الى اوروبا والعالم عبر اسرائيل بدلا من قناة السويس، وهو ألمشروع المنافس لمشروع الصين الاستراتيجي في الحزام والطريق والذي تسعى الولايات المتحدة لافشاله عبرمشاريع استراتيجية موازية تسعى عبرها لضمان استمرار وضع الشرق الاوسط تحت الهيمنة الامريكية أنطلاقا من فرضية ( من يسيطر على الشرق الاوسط فانه يسيطر على قلب العالم جيو أستراتيجيا) .

في ضوء ماتقدم يأتي التحرك الحوثي في اليمن الان في مضيق باب المندب والبحر الاحمر ليشير الى هيمنة الحوثيين على القرار السياسي اليمني الان وفي المستقبل المنظور،و ليشكل تهديدا للملاحة الدولية المتجهة نحو اسرائيل او المتعاونة معها ، يقابله تراجع سعودي اتجاه قضايا العرب المركزية وخاصة قضية فلسطين بدليل استمرار خطوات التطبيع السعودية مع أسرائيل والنهج الاعلامي والدعوي الذي تعتمده السعودية أتجاه الحرب الاسرائيلية الشاملة المدعومة من الولايات المتحدة والغرب ضد المقاومة الفلسطينية في غزة .

أن ذهاب الولايات المتحدة نحو تشكيل تحالف عسكري ( حارس ألازدهار) في البحر الاحمر لضمان الملاحة الدولية المتجهة نحو اسرائيل والعالم تحت مبرر الحفاظ على سلامة المرور في البحر الاحمر و المهددة من قبل قوات الحوثي بدعم ايراني ، والمتكامل مع تحالف قوى الناتو البحري في البحر المتوسط قبالة الموانيء الاسرائيلية وفي غزة ، انما يعكس طبيعة المخاطر الجيوسياسية في عموم الشرق الاوسط في ظل تنافس امريكي وقوى الناتو مع النفوذ الصيني- الروسي في المنطقة والذي يشمل أيران ،وهو امر يتصل ايضا بطبيعة التهديدات الجيوسياسية في بحر الصين الجنوبي ومحيط الباسفيك في مساع محمومة للسيطرة على المتغيرات الدولية الساعية نحو اعادة رسم مستقبل النظام الدولي والتي اخذت طابعا تصاعديا منذ اندلاع الحرب بين روسيا الاتحادية من جانب وقوى الناتو من جانب اخر في اوكرانيا واستمرارها دون حسم حتى الوقت الحاضر .

لاجل ذلك وتفاديا لتصاعد الموقف اقليميا كنتيجة لاحتمال توسع نطاق الحرب في غزة ، فان الادراة الامريكية وحلفائها في الناتو يتسابقون في تكثيف تمركزهم في المناطق الاستراتيجية بشكل اقواس جيواستراتيجية و جيوأقتصادية تتمثل في بحر الصين الجنوبي والمحيط الباسفيكي والشرق الاوسط ليتكامل التحالف مع ذلك الذي تشهده اوكرانيا .

أن اي جهد مضاد مؤثر لهذه التحالفات بغض النظر عن مقاصد اطرافه هو جهد أيجابي يجب توظيفه لصالح قضايا العرب المركزية والاستراتيجية ، بيد أن المشكلة هنا تكمن في ان الافعال ضمن الدائرة الواحدة قد تختلف مقاصد كل طرف فيها وان اتفقت في المصالح ألانية ، وان الطرف الذي لم ينجح في تحديد مبادئه الاساسية ووسائله الفاعلة ومقاصده النبيلة بوضوح سيكون حتما هو الطرف الخاسر بين مجموعة الارادات المقصودة .

بعبارة أخرى فأن استمرار الاطراف العربية المتصارعة على طريق تغييب ألمشروع القومي العربي وهوية المصالح العربية في هذا الصراع ، والذهاب بدلا من ذلك الى تغليب المقاصد والمصالح الاخرى اقليميا ودوليا لمصالح قطرية ضيقة تهم الحاكم بامره ، سيؤدي حتما الى تحقيق مقاصد القوى الاخرى التي تنجح في توظيف جهد وقدرات الاخرين العرب لصالحها ، حينها سوف يستمر الوضع العربي بقبول دور الخاسر . تأسيسا على ماتقدم أرى ان الفعل اليماني عند باب المندب والبحر الاحمر يعد فعلا متقدما قياسا للمواقف العربية المهادنة ، وان هذا الفعل الى جانب افعال اخرى في جنوب لبنان والجولان ستحقق المشاركة في تحقيق تغييرات جيوسياسية مهمة تفرض واقعا اقليميا ودوليا متقدما له تداعياته في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي بذات الوقت الذي يتيح الفرص لتوظيفه لصالح توسيع النفوذ الايراني المدعوم من قوى الشرق روسيا والصين ، وربما يقود ذلك الى اعادة توزيع النفوذ الاقليمي والدولي ولكن خارج نطاق الفعل العربي .

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى