الدراسات البحثيةالمتخصصة

النفوذ الإيراني في السودان: دوافع مذهبية وأهداف جيوسياسية

اعداد : محمد لطفي أبو العيون – باحث في الشأن الأفريقي – متخصص في الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

تُولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية إهتمامًا بالغًا بأن يكون لها تواجد ومساحة نفوذ قوي داخل القارة الأفريقية، لأسباب عدة، منها ما هو اقتصادي يخفف من على كاهلها وطأة الحصار الاقتصادي، ويُمكنها من التغلب على تبعات العزلة الدولية والإقليمية المفروضة عليها منذ عقود بسبب برنامجها النووي، ومن أجل تحقيق هذا التوجه أنشأت إيران في العام 2000 م مجلس التعاون الاقتصادي الإيراني- الأفريقي، إضافة إلى تأسيس مركز الاستثمار الإيراني- الأفريقي في العام 2016، بغية استكشاف الطاقات وآليات الاستثمار داخل دول القارة الأفريقية.

أيضًا من ضمن الأسباب التي تجعل إيران تُولي إهتمامًا بالغًا بأن يكون لها نفوذ داخل دول القارة الأفريقية؛ أسباب متعلقة بمكانة طهران الدولية، وكونها تسعى بشكل حثيث إلى البرهنة على أنها دولة قوية على مستوى السياسة الخارجية ولها ثقل على المستوى الدولي، وأنها قادرة على منافسة القوى الدولية والإقليمية الكبرى في أن يكون لها حضور وامتداد ونفوذ داخل القارة الأفريقية.

إضافة إلى الأسباب المذهبية أو الطائفية -وهي الأهم-؛ إذ تهدف من ورائها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى ما يُعرف بـ تصدير الثورة الإسلامية، فهناك محدد هام ودافع رئيس يتحكم في صنع السياسة الخارجية الإيرانية وهو المحدد الطائفي؛ فمنذ قيام ثورة 1979 م عمل النظام الإيراني على توظيف العامل الطائفي المذهبي واتخاذه قاعدة ثابتة تنطلق من خلالها مخرجات سياسة إيران الخارجية تجاه العالم، بغية تكوين جماعات موالية للنظام الإيراني في مختلف البلدان كخطوة أولى، ثم العمل من خلال هذه الجماعات علي التغلغل داخل تلك البلدان، وهدم هويتها الوطنية، وبناء هويات فرعية تفسح المجال أمام استكمال المشروع الإيراني التوسعي، ويتم هذا بالاعتماد علي حزمة من النظريات الأساسية في البناء الفكري الديني للسياسة الخارجية[1].

كما أن من الأسباب بالغة الأهمية التي تجعل إيران تُولي إهتمامًا بالغًا بأن يكون لها نفوذ في الداخل الأفريقي؛ رغبتها في استخدام الدول الأفريقية كأداة ضغط وتهديد استراتيجي لبعض دول منطقة الشرق الأوسط، ويبدو هذا واضحًا في وقائع استخدام الحكومة الإيرانية سواحل إريتريا وجيبوتي لتهريب الأسلحة وتقديم الدعم العسكري إلى جماعة الحوثي في اليمن.

ويسعى النظام الإيراني من خلال سياسة التغلغل في دول القارة الأفريقية، ومحاولات إيجاد مناطق نفوذ له داخلها؛ أن تصبح أفريقيا امتدادًا جيوسياسيًا لطهران، نظرًا لمركزية موقعها بمنطقة الخليج العربي، وهو ما يمنح إيران الحق في أداء دور فاعل في تأمين حركة الملاحة والتصدي للقرصنة البحرية. إضافة إلى رغبة طهران جعل أفريقيا ساحة تنقل فوق أراضيها مواجهاتها الجيوسياسية مع خصومها ومنافسيها بعيدًا عن الدائرة الأولى لأمنها القومي بمنطقة الخليج العربي. ومن أجل تنفيذ هذه السياسات تبنى «نظام الملالي» في السنوات الأخيرة ما عرف بـ استراتيجية الخطوة الثانية، وهي استراتيجية تهدف طهران من ورائها إلى إيجاد مساحة نفوذ قوية في الداخل الأفريقي على نحو يمكنها من استعادة التوازن مع خصومها ومنافسيها، وتحقيق تفوق جيوسياسي يجعلها على قدر التحديات التي تسببت فيها العزلة الدولية المفروضة عليها. كما تسعى طهران من خلال التغلغل داخل دول القارة الأفريقية، إلى إيجاد نقاط ارتكاز لها بهذه القارة يمكن ربطها بالعمق الذي حققته استراتيجيتها بمنطقة غرب آسيا، حيث العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، ومن ثَمَّ التمكن من تحقيق هدفها الأيديولوجي بتطويق الدول السنية من مختلف الاتجاهات[2].

وتأتي هذه الدراسة المعنونة: «النفوذ الإيراني في السودان: دوافع مذهبية وأهداف جيوسياسية»، لتسلط الضوء على محددات وأهداف وأدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان منذ عام 2013 م، وهو العام الذي شهد بداية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، ومستقبل هذه العلاقات بعد عودة القنوات الدبلوماسية بين البلدين في أكتوبر من العام 2023 م.

أهمية الدراسة:

لكل دراسة أهمية خاصة بها؛ لأن أهمية الدراسة تأتي من الموضوع نفسه ومن أهميته، حيث تجلت هذه الأهمية واضحة في تقديم الدراسة، وتنقسم الأهمية إلى قسمين: الأول أهمية علمية (نظرية)، والثاني أهمية عملية (تطبيقية).

– الأهمية العلمية (النظرية):

1 – تزويد المكتبات العربية بمعلومات مهمة حول السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، والنفوذ الإيراني في هذا البلد الأفريقي، وبالأخص خلال الفترة الزمنية التي تبدأ من العام 2013 م، وتسليط الضوء على مستقبل العلاقات بين البلدين بعد مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

2 – توضيح تفاصيل أكثر وكشف الكثير من الحقائق حول أهداف النفوذ الإيراني في الداخل السوداني، من خلال استعراض مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان.

3 – تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان.

– الأهمية العملية (التطبيقية):

1- تقدم الدراسة الاستراتيجيات والأهداف والمحددات التي ترتكز عليها السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، مما يسهم في فهم الأدوات التي تنفذ من خلالها طهران إلى الداخل السوداني، إضافة إلى الوقوف على الأهداف التي يرنو صانع القرار الإيراني إلى تحقيقها من وراء هذه السياسة.

2 – المساهمة في رفع الوعي الفكري لدى الشعب السوداني بشكل خاص، والشعوب الأفريقية والعربية بشكل عام عن مخاطر النفوذ الإيراني في دول المنطقة.

إشكالية الدراسة:

تعد إشكالية الدراسة من أهم الخطوات المنهجية التي تساعدنا على تحليل موضوع البحث، وتتجلى إشكالية البحث حول طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، خاصة بعد أن نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أن يكون لها نفوذ قوي داخل العديد من الدول الأفريقية، إضافة إلى الإشكالية المتعلقة بالدور السوداني بشكل خاص، والدور الإفريقي متمثلًا في الدول العربية الواقعة في الشمال الأفريقي بشكل عام، في مواجهة هذا النفوذ الإيراني المتصاعد، ومدى قدرته على الوقوف حائلًا أمام الأطماع الإيرانية في القارة الأفريقية.

تساؤلات الدراسة:

تسعى الدراسة للإجابة على التساؤلات المتعلقة بإشكالية البحث ويتمثل التساؤل الرئيس حول: ما هو مستقبل العلاقات الإيرانية السودانية بعد مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟ ويتفرع من التساؤل الرئيس العديد من الأسئلة الفرعية أهمها:

1) ماهية السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان منذ 2013؟

2) محددات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، خاصة تلك التي يشكل المكون الشيعي أحد المكونات الرئيسية لها؟

3) ما هي الآليات المستخدمة من جانب إيران لتحقيق استراتيجيتها الخارجية تجاه جمهورية السودان سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الدينية؟

4) ما هو الدور الذي تسعى إليه إيران جراء سعيها الحثيث لأن يكون لها نفوذ قوي داخل جمهورية السودان؟

5) لماذا تستهدف إيران جمهورية السودان؟ وهل وراء هذا الاستهداف دوافع مذهبية يؤمن بها الشيعة الإثنى عشرية من أتباع «الولي الفقيه» أم أن هناك أطماعًا توسعية قومية تسعى إليها طهران من خلال توظيف المذهب الشيعي؟

منهجية الدراسة:

تقتضي ضرورة البحث المنهجي في معالجة الظواهر بميدان المعرفة العلمية، تحديد الأطر المنهجية الخاصة بالبحث للوصول إلى أفضل النتائج المنطقية من حيث طرق التحليل واستقراء الأحداث، ومن ثَمَّ اعتمد الباحث على منهجين في هذه الدراسة: المـنهج الوصـفي التحليلي الـذي يمثـل أسـلوبًا مـن أسـاليب التحليل القائم على المعلومات الكافية حول ظاهرة أو موضوع بعينه، أو فترة زمنية محددة. والمنهج الاستقرائي الذي يقوم على رصد جزئيات المشكلة وتحليلها، في محاولة لفهم طبيعة الدور الإيراني وبيان مساراته الحالية والمستقبلية.

حدود الدراسة:

الحدود المكانية: تقتصر هذه الدراسة في حدودها المكانية على تناول السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، ومستقبل العلاقات بين البلدين، مع إلقاء الضوء سريعًا وبإختصار على محاولات التمدد والنفوذ الإيراني في القارة الأفريقية بشكل عام، ومنطقة القرن الأفريقي بشكل خاص.

الحدود الزمانية: تبدأ الحدود الزمانية لهذه الدراسة من عام 2013 م، تاريخ بدء الولاية الأولى للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.

تقسيم الدراسة:

تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة مباحث، إضافة إلى المقدمة والخاتمة التي تحوي بعض النتائج والتقديرات، على النحو التالي:

  • المبحث الأول: المحددات التاريخية للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان.
  • المبحث الثاني: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان.
  • المبحث الثالث: مستقبل العلاقات الإيرانية السودانية.

المبحث الأول: المحددات التاريخية للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان:

يتطلب فهم السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول القارة الأفريقية بشكل عام، وتجاه جمهورية السودان بشكل خاص، ومن ثَمَّ تحديد مراحل تطور العلاقات بين طهران والدول الأفريقية، إلقاء الضوء على المحددات التاريخية لهذه العلاقات، منذ وصول الملالي إلى سدة الحكم بإيران عقب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 م. وترتكز سياسة إيران الخارجية في مخاطبتها لحكام وشعوب الدول الأفريقية إلى ما تُطلق عليه الحكومة الإيرانية بـ «الأيديولوجية الثورية والقواسم المشتركة»؛ إذ تُقدم طهران نفسها للأفارقة بوصفها نصيرًا لكل مستضعف، وسند لكل مضطهد عانى من ويلات التفرقة العنصرية، وداعٍ لكل مناضل ضد الإمبريالية التي قضت على حريته ونهبت ثرواته، وشريك داعم لكل من يريد التخلص من وطأة الفقر وآلام المرض وظلامية الجهل[3].

وفي السنوات الأولى التي تلت الثورة الإسلامية في إيران؛ غابت أفريقيا من حسابات صانع القرار في طهران؛ إذ لم تكن القارة ركيزة أساسية في الخطط الإستراتيجية التي بدأ «ملالي إيران» تنفيذها بغية إبراز القوة الخارجية للجمهورية الجديدة، وهناك أسباب عدة جعلت النظام الإيراني يتخذ هذا الموقف من أفريقيا، أبرزها: كثرة الاختلافات الثقافية والصراعات والتحولات السياسية في إيران وأفريقيا، وغياب الرحلات الجوية المباشرة بين طهران وأي عاصمة من العواصم الأفريقية، وبُعد المسافة الجغرافية بين إيران وأفريقيا، وتأييد ووقوف الكثير من الدول الأفريقية بجانب العراق أثناء سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، جعل طهران تتخذ موقفًا مناوئًا من أكثرية الدول الأفريقية[4]؛ إلا أن هذا العزوف الإيراني لم يدم أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام على الأكثر؛ إذ سرعان ما أدركت طهران أهمية أفريقيا، فسعت قبل منتصف ثمانينيات القرن المنصرم إلى مد جسور التلاقي بينها وبين العديد من الدول الأفريقية خدمة لمصالحها.

وبتسليط الضوء على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه جمهورية السودان، ووفقًا لمحددات البيئة الداخلية والخارجية؛ يمكن تقسيم العلاقات الإيرانية السودانية إلى أربع مراحل زمنية:

المرحلة الأولى (1979 – 1989 م):

تبدأ هذه المرحلة منذ نجاح ما عُرف بـ الثورة الإسلامية، ووصول الملالي بقيادة آية الله الخميني، إلى سدة الحكم في إيران، وتغير بنية النظام الحاكم والسياسات الداخلية والخارجية للدولة الإيرانية، وتستمر حتى وفاة الخميني في 3 يونيو 1989 م.

في العام الأول من هذه المرحلة وثلاثة أرباع العام الثاني –تقريبًا-، لم تكن إيران تُعير القارة الأفريقية أي اهتمام، ولكنها سرعان ما غيرت توجهاتها ووضعت ضمن أولويات سياستها الخارجية ضرورة إيجاد نفوذ قوي لها داخل البلدان الأفريقية، وذلك بهدف الحد من النفوذ العراقي القوي بالقارة، وكسب الكتلة التصويتية الأفريقية الهائلة بالأمم المتحدة بغية دعم موقفها أثناء سنوات الحرب مع العراق، أو على الأقل اقتسام هذه الكتلة التصويتية وعدم ترك بغداد تظفر بها كاملةً لإحداث نوعٍ من أنواع توازن القوى الدبلوماسية بينهما، وكان هذا هو الهدف المؤقت الذي ينتهي بمجرد أن تضع الحرب أوزارها. لكن الهدف الأهم الذي جعل إيران تُولي مسألة التغلغل والنفوذ إلى الداخل الأفريقي أهمية قصوى وجعلها بمثابة الاستراتيجية الدائمة هو تصدير مفاهيم الثورة الإسلامية، والتبشير بالمذهب الشيعي الإثنى عشري.

دلفت طهران، إلى أفريقيا في بداية الثمانينات عن طريق حركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، وما بين عامي 1982 و1984 م ضاعفت عدد سفاراتها داخل القارة الأفريقية إلى 18 سفارة. وفي العام 1986 م زار الرئيس الإيراني آية الله خامنئي، أربع دول أفريقية، هي: تنزانيا، وموزمبيق، وأنجولا، وزيمبابوي. وتُعد هذه أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني إلى أفريقيا، وهو ما عمل على تحسن العلاقات بين طهران والدول الأفريقية.

وانتهجت إيران خلال تلك المرحلة، سياسة الدعم المالي المباشر وغير المباشر لأفريقيا؛ إذ قدمت المنح المالية وأسعار النفط التفضيلية، ودعمت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، وضاعفت أنشطة مؤسسة جهاد البناء في مجال التنمية الزراعية مثل التوسع في الميكنة الزراعية، وزيادة انتاج الحبوب والانتاج الحيواني، وصيد الأسماك، والرعاية الصحية، وتوفير الأدوية والأمصال الخاصة بالأمراض المتوطنة، إضافة إلى رصف الطرق وبناء السدود، والتدريب الفني والمهني.

غير أن أنشطة نشر المذهب الشيعي وسط الأغلبية السنية الساحقة لملسمي أفريقيا، واستقطاب الطلاب بالحوزات العلمية والجامعات الإيرانية، أدى إلى تدهور سمعة إيران داخل القارة الأفريقية وخلق حالة من التوتر بين بعض الحكومات الأفريقية وشعوبها، مما اضطرها إلى قطع العلاقات مع طهران، مثلما فعلت السنغال عام 1984 م[5].

وخلال تلك المرحلة؛ كانت العلاقات السودانية الإيرانية شبه مقطوعة، لأسباب عدة، يأتي في مقدمتها: موقف السودان الداعم للعراق أثناء سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاه من سماح الحكومة السودانية -في ذلك الوقت- لعناصر حزب البعث العراقي بممارسة نشاطهم السياسي والإعلامي على الأراضي السودانية، وهو الأمر الذي ضاعف من حدة التوترات بين طهران والخرطوم، إلى أن وصلت العلاقات بين البلدين إلى أسوء مستوياتها عام 1988 م حين أغتيل شقيق رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، محمد باقر الحكيم، أثناء تواجده بالعاصمة السودانية الخرطوم، إضافة إلى حصول السودان على مساعدات عسكرية من العراق، من بينها أسلحة إيرانية كانت العراق قد غنمتها أثناء حربها مع إيران[6].

المرحلة الثانية (1989 – 2005):

وهي المرحلة التي أعقبت وفاة المرشد الإيراني آية الله الخميني، وتراجع الوزن الحزبي للتيار الأصولي الإيراني المتشدد، وانتهاء حرب الثمانِ سنوات مع العراق، واهتمام الدولة الإيرانية بإعادة الإعمار، والبدء في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989: 1997 م)، وإدارة الرئيس محمد خاتمي (1997: 2005). كما تزامنت مع عدد من المتغيرات  الإقليمية والدولية الخطيرة، أبرزها غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990 م، وانهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1990 م، وانكشاف الأنظمة الأفريقية الموالية له، وانفراد الولايات المتحدة بقطبية العالم، وتبنيها استراتيجية «الاحتواء المزدوج» ضد إيران والعراق لمنعهما من ارتكاب أي أعمال قد تضر بمصالحها أو بحلفائها الإقليميين، واحتواء قدراتهما العسكرية، وفرض عقوبات اقتصادية عليهما، وعزلهما عن المجتمع الدولي[7].

وخلال تلك المرحلة؛ اتجهت العلاقات السودانية الإيرانية إلى التحسن؛  ففي أعقاب الانقلاب العسكري الذي حدث في السودان في 30 يونيو من العام 1989 م، وقاده العميد (آنذاك) عمر البشير، الذي أصبح في العام ذاته رئيسًا للبلاد، انقلبت بوصلة العلاقات الإيرانية السودانية من مؤشر التوتر والقطيعة إلى التهدئة والتقارب؛ إذ بات السودان يرفع شعارات مشابهة للشعارات التي يرفعها الملالي في إيران، مثل: تطبيق الشريعة الإسلامية، والقضاء على الولايات المتحدة الأمريكية، وتحرير فلسطين… إلخ هذه الشعارات، وهذا التغير في الداخل السوداني ساهم في حدوث تقارب سريع في العلاقات بين الخرطوم وطهران، ورفعت إيران مستوى تمثيلها الدبلوماسي في السودان لأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية[8].

ومن جانبها؛ سعت الحكومة السودانية بقيادة الرئيس عمر البشير، إلى مد جسور التواصل والتعاون وتقوية وتوطيد علاقاتها مع إيران، وكانت إحدى المبادرات التي تبناها نظام البشير، هي إقامة تحالف مع النظام الإيراني الذي كانت القيادة السودانية تنظر إليه باعتبار ثورته الإسلامية ألهمت السودان السير على نفس الخطى وصولًا إلى نجاح الثورة الإسلامية في السودان عام 1989 م، وسرعان ما أصبح النظامين الحاكمين في الخرطوم وطهران حلفاء، ولم يمنع الاختلاف المذهبي بينهما إقامة هذا التحالف. وفي أواخر العام 1989 م وبعد خمسة أشهر فقط من توليه الحكم؛ أجرى الرئيس البشير زيارة رسمية إلى إيران، وشهدت تلك الزيارة توقيع وكالات مخابرات الدولتين اتفاقيات تعاون بين البلدين[9].

كانت زيارة الرئيس عمر البشير، إلى إيران، بمثابة نقطة الانطلاق نحو بناء جسور من التعاون الوثيق، والتحالف القوي بين الخرطوم وطهران؛ إذ قويت الروابط الاقتصادية والعسكرية بين البلدين منذ العام 1991 م، وأجرى قادة إيرانيون رفيعو المستوى زيارات عديدة للسودان، أبرموا خلالها اتفاقيات تجارية بين البلدين، ويأتي على رأس تلك الزيارات وأكثرها أهمية زيارة الرئيس الإيراني (آنذاك) علي أكبر هاشمي رفسنجاني، للعاصمة السودانية الخرطوم، يرافقه أكثر من 150 مسؤولًا إيرانيًا، إذ أعلن الطرفان إقامة تحالف سياسي بينمها. وخلال الزيارة منح رفسنجاني، الخرطوم مساعدات مالية قيمتها 17 مليون دولار، إضافة إلى مليون طن من النفط سنويًا، وفي الجانب العسكري سلم الحكومة السودانية 300 مليون دولار من الأسلحة الصينية، وأبرم اتفاقًا مع البشير، بموجبه أرسلت طهران 2000 فرد من الحرس الثوري الإيراني إلى السودان لتكوين وتدريب قوات «ميليشيا دفاع شعبية»، لتكون مماثلة لقوات الباسيج الإيرانية، وميليشيات الحرس الثوري الإيراني. وكان الهدف من تكوين ميليشيا الدفاع الشعبي السوداني هو ضمان بقاء النظام السوداني بنفس الطريقة التي يضمن بها النظام الإيراني بقاءه (إحكام القبضة الأمنية على البلاد، وقمع أي حراك شعبي). وفي ذات العام (1991 م) استضافت الخرطوم ما عُرف بـ المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، وحضره: أسامة بن لادن، وأبو نضال، وكارلوس جاكال، وأعضاء الجماعة الإسلامية، وحماس، وحزب الله، والحرس الثوري الإيراني، وهو ما أدى إلى تشويه السمعة الدولية للسودان ووضعه في العام 1993 م من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الدول الراعية للإرهاب[10].

عقب وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، في العام 1993 م؛ وصل التقارب في العلاقات بين إيران والسودان إلى أقوى مراحله؛ إذ تحولت الخرطوم إلى قاعدة استراتيجية لطهران. وفي المقابل زودت إيران السودان بالنفط، وضخت فيها استثمارات بشكل مكثف، وساعدتها في شراء معدات عسكرية من الصين تقدر بملايين الدولارات (300 مليون دولار). وفي العام 1995 م، زودت إيران السودان بمعدات عسكرية ثقيلة. وفي العام نفسه حاول مسلحون سودانيون اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وكانوا مرتبطين بتنظيم الفتح الذي تأثر بالنموذج الثوري الإيراني. وفي العام 1996 م أرسلت إيران أسطولها البحري لاستخدام مواني السودان على البحر الأحمر، بعد موافقة الأخير، كما أرسلت وفدًا إلى السودان لتقييم احتياجاته العسكرية. وفي العام 2001 م، عملت إيران على توسيع نفوذها الأمني والعسكري في الداخل الإيراني، مستغلة الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة على الإرهاب. وفي العام 2004 م، ومع تصاعد التوترات بشأن السودان، سافر الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى الخرطوم، وحثَّ حكومة الرئيس عمر البشير، على ضرورة إنهاء الأزمة في إقليم دارفور، كما دعا الدول المعنية للمساعدة في حل التوترات في الداخل السوداني[11].

المرحلة الثالثة (2005 – 2013):

شهدت هذه المرحلة تغيرات متسارعة في الأحداث والسياسات سواء في الداخل الإيراني أو في المحيطين الإقليمي والدولي. وبدأت بتولى محمـود أحمـدي نجاد، الرئاسة الإيرانية من العام 2005 وحتى 2013 م، وعُرفت تلك السنوات بمرحلة صـعود المحـافظين الجـدد إلـى السـلطة في إيران، تلاها إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 24 سـبتمبر 2005 م، عـدم امتثال طهران لالتزاماتها الدولية، وتكثيف واشـنطن تحركاتها الدولية لتشديد العزلة على إيران ومنع صادراتها النفطية، ثم صدور سلسلة من القرارات عن مجلس الأمن بفرض عقوبات صارمة على الاقتصاد الإيراني[12]، وهي العقوبات التي أدت نتائجها إلى انخفاض شعبية النظام الإيراني لأدنى مستوياتها، واندلعت في العام 2009 م، احتجاجات رافضة لنتائج الانتخابات التي منحت أحمدي نجاد، ولاية رئاسية ثانية، على حساب المرشح الإصلاحي: مير حسين موسوي، وانتهت هذه المرحلة بما سُمى بأحداث الربيع العربي.

وأمام هذا الحصار الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران؛ سعت طهران إلى زيادة التبادل التجاري ومضاعفة الشراكة الاقتصادية التي أبرمتها منذ مطلع التسعينيات مع الدول الأفريقية، مثل: جنوب أفريقيا، وليبيا، والسودان، وبوروندي، والكونغو، والصومال، وزيمبابوي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وساحل العاج. إذ كثفت أنشطتها طوال عهد أحمدي نجاد، في تنفيذ مشاريع التنمية الزراعية، وتصنيع الجرارات، والرعاية الصحية، والتدريب الفني، وتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية، وتكثيف الزيارات المتبادلة على أعلى مستويات[13].

وشكلت هذه المرحلة (رئاسة أحمدي نجاد) نقطة تحول في العلاقات الإيرانية الأفريقية؛ إذ نجحت طهران عن طريق مد نفوذها في أفريقيا إلى ما وراء الشرق الأوسط في التخلص من العزلة الدولية المفروضة عليها، والتغلب على العقوبات الاقتصادية عن طريق تفعيل استراتيجية «التعاون بين الجنوب والجنوب» مع دول جنوب الصحراء الكبرى، وأخذت تمنح القروض الميشرة للدول الأفريقية، وتبني المستشفيات، وتنشئ شركات الأعمال، وتزيد عدد سفاراتها، وبدت قوة النفوذ الإيراني في الداخل الأفريقي حين استضافت طهران في سبتمبر 2010 م قمة المنتدى الإيراني الأفريقي، بحضور 40 دولة أفريقية، في محاولة للاستفادة من الكتلة التصويتية الهائلة لدول القارة الأفريقية في المحافل الدولية، لتقويض التكتل الدولي ضدها داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشكيل ما يُمكن تسميته بـ التكتل الأفريقي المعارض لفرض أي عقوبات على طهران، ومن جانب آخر تحييد تهديدات خصومها بخلق تهديدات مضادة، وهي السياسة التي شكلت أساسًا لاستراتيجية المقاومة الإيرانية فيما بعد. وعلى الرغم من هذه النجاحات التي حققتها إدارة الرئيس أحمدي نجاد، داخل أفريقيا؛ إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى المستوى المأمول سواء في الجوانب الاقتصادية أو العسكرية وأصيبت بانتكاسة حجمت نفوذها في أفريقيا، بسبب وصول حدة التوتر بينها وبين الولايات المتحدة إلى ذروتها، وفرض إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عقوبات اقتصادية جديدة عليها، وممارسته ضغوطات على الدول الأفريقية أدت إلى إحجام قادتها عن إبرام أي اتفاقيات مع طهران رضوخًا للضغوطات الأمريكية[14].

وإذا سلطنا الضوء بشكل خاص على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان خلال هذه المرحلة، نجد أن العلاقت بين البلدين توسعت بشكل غير مسبوق أثناء رئاسة محمود أحمدي نجاد، الذي سعى لبناء شراكة استراتيجية أقوى مع السودان[15]، متعهدًا بتوفير كل ما يلزم لتدريب وتمويل وتزويد الجيش السوداني بكافة الأسلحة التي يحتاج إليها، وفي مارس من العام 2008 وقعت الدولتان اتفاقية التعاون العسكري التي قامت طهران من خلالها بتدريب السودانيين على أيدي ضباط الجيش والاستخبارات الإيرانية. وفيما يتعلق بموقف السودان من البرنامج النووي الإيراني، فقد أيدت إدارة الرئيس عمر البشير، على الدوام حق إيران في هذا الجانب، وأعلن البشير أن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم يُعد نصرًا كبيرًا للعالم الإسلامي، ودعم بشكل صريح حق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي، ولم تعبأ السودان حيال هذا التأييد بحزمة العقوبات الدولية الصارمة المفروضة على إيران، كما لم تعيير التضييق الدولي الممارس على طهران أي اهتمام[16].

وأمام هذا الدعم السوداني؛ احتجت إيران في العام 2008 م على قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر ضد الرئيس عمر البشير. وتأكيدًا على دور طهران، بوصفها المورد الرئيس للأسحلة إلى الخرطوم؛ وقعت الدولتان اتفاقية تعاون عسكري، تلاه توسيع دوائر التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني بين الجانبين، عقب أن رست سفن إمداد إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني في بورتسودان جاءت خصيصًا لهذا الغرض، إضافة إلى المساعدة في تدريب الجيش السوداني. وفي العام 2011 عندما واجه النظام السوداني انتفاضات شعبية، رفضت وسائل الإعلام الإيرانية وصف ما يحدث بـ الصحوة الإسلامية، على غرار وصفها لانتفاضات مماثلة حدثت في أجزاء أخرى من العالم العربي[17].

وهكذا؛ استمر التطور في العلاقات بين إيران والسودان على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والدبلوماسية، وتبادل البلدين الزيارات على أعلى المستويات؛ إذ زار الرئيس محمود أحمدي نجاد السودان مرتين الأولى في عام 2007 م، والثانية كانت في سبتمبر 2011 م، وفي المقابل زار الرئيس السوداني عمر البشير، إيران عدة مرات كان آخرها في العام 2011 م[18].

وانعكس التطور في العلاقات بين البلدين على توثيق التعاون العسكري والاقتصادي الذي يعد حجر الزاوية في العلاقات السودانية الإيرانية، ولعبت طهران خلال هذه المرحلة دورًا رئيس في دعم الاقتصاد السوداني، كما شهد التعاون الأمني والثقافي تزايدًا ملحوظًا وصل إلى حد التعاون الإستراتيجي، وظهرت معالم ذلك التعاون بصورة واضحة من خلال رسو السفن الحربية الإيرانية في الموانئ السودانية (كما ذكرنا من قبل)، وتعزيز وتيرة بناء القواعد البحرية واللوجستية الإيرانية في بورتسودان بشكل ملحوظ. وسعت إيران مستغلة تلك العلاقات الاستراتيجية إلى إنشاء منصة دفاعية على السواحل السودانية في عام 2014 م، لكنها قوبلت بالرفض من السودان. وتوسع المد الشيعي والتشيع في السودان، ليتجاوز عدد الشيعة 12 ألفًا، إضافة إلى إنشاء مراكز ثقافية وحسينيات ومساجد شيعية لأول مرة في العاصمة السودانية الخرطوم[19].

المرحلة الرابعة (2013 – 2024):

بدأت هذه المرحلة بتولي حسن روحاني، الرئاسة في إيران منذ 3 أغسطس 2013 وحتى 3 أغسطس 2021 م، مرورًا بتولي الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، مقاليد الحكم في 3 أغسطس 2021 م، وصولًا إلى إصدار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في 20 مايو 2024  قرارًا يقضي بتولي محمد مخبر، مهام الرئيس وفقًا للمادة 131 من القانون الإيراني لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية الإيرانية عقب وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 19 مايو 2024، جراء تحطم المروحية التي كانت تقله ومسؤولين إيرانيين آخرين في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران.

وخلال العام الأول (2013) من رئاسة حسن روحاني، استمر مؤشر العلاقات الإيرانية السودانية في الصعود بإتجاه الإيجابية، وزادت روابط التعاون العسكري والاقتصادي والثقافي بين البلدين. وفي العام التالي (2014) شهدت العلاقات بين طهران والخرطوم شكلًا من أشكال التراجع جراء تعرض الخرطوم لأزمة اقتصادية طاحنة، وقفت طهران حيالها موقف المتفرج، ولم تمد يد العون لحليفتها، وهو ما أثار حفيظة النظام السوداني. وفي العام 2015 دعمت السودان العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية ضد ميليشيات الحوثي الموالية لإيران في اليمن، لتقف الخرطوم (ولأول مرة منذ عقود) موقفًا مناوئًا من طهران التي يُدين الحوثي لها بالولاء المذهبي والتبعية السياسية، وهو الأمر الذي وضع البلدين في مواجهة غير مباشرة وأدى إلى توترات في العلاقات الثنائية بينهما. وفي العام 2016 قرر السودان قطع كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية مع إيران، كنوعٍ من أشكال التضامن الدبلوماسي والسياسي مع المملكة العربية السعودية التي بلغت التوترات بينها وبين إيران درجة قوية عقب اقتحام محتجون إيرانيون السفارة السعودية في طهران[20]. ووقتها قرر السودان إغلاق جميع المدارس والمراكز الثقافية والمكاتب الإيرانية التي كانت تزاول نشاطها على أراضية، إضافة إلى طرد المسئولين الدبلوماسيين والسفير الإيراني من البلاد، وهو ما أجبر طهران على إيقاف تنفيذ مشاريعها التنموية، والتبشيرية المذهبية، ومخططاتها العسكرية والجيوسياسية في السودان[21].

وقد كانت هذه القطيعة الدبلوماسية بين إيران والسودان، إحدى نتائج تغير السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والذي آثر التركيز على الحوار مع الغرب في محاولة لإنهاء المأزق الذي تواجهه طهران جراء برنامجها النووي، وكان هذا تماشيًا مع السياسة التقليدية التي ينتهجها جناح المعتدلين في إيران، والذين يدعون دومًا إلى خفض التصعيد مع الغرب. وقد تغير هذا التوجه، وتغيرت السياسة الخارجية الإيرانية مرة أخرى عقب فوز إبراهيم رئيسي، بالانتخابات الرئاسية في يونيو 2021 م؛ إذ بدأ عهد جديد في السياسة الخارجية للبلاد، تكشفت بدعوة الرئيس الإيراني الجديد إلى زيادة التعاون مع أفريقيا، واعترف بقدرة دول القارة المادية والبشرية، وأثمر هذا التغير عن عودة العلاقات مرة أخرى بين إيران والسودان في أواخر العام 2023 م في محاولة لتناسي قطيعة السنوات السبع الماضية، وبدء عهد جديد من التعاون والشراكة والتحالف[22]. إلا أن قرار عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران لم يبرح المقر الذي أبرم بداخله البلدان اتفاق استئناف العلاقات بعد بيان مشترك تلاه في يوليو من العام 2023 كل من وزير الخارجية السوداني المكلف السفير علي الصادق، ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان[23]، ثم إعلان الخارجية السودانية في التاسع من أكتوبر 2023 عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بصورة رسمية؛ إذ أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، لقيا مصرعهما قبل أن يتخذا خطوات ملموسة على أرض الواقع تعكس دلالات واضحة تفيد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران بشكل قوي على النحو الذي كان قبل قطيعة السنوات السبع (2016 : 2023).

المبحث الثاني: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان:

لمحاولة فهم الركائز الأساسية التي تنطلق من خلالها السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان، لابد من إلقاء الضوء بإختصار على الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الإيرانية الإقليمية والدولية منذ قيام ثورة 1979 م وحتى العام الحالي 2024 م. فقد شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تغيرًا جذريًا عقب ثورة 1979 م، وقد كان هذا نتاجًا طبيعيًا لأيديولوجية نظام الحكم الذي جاء حاملًا رؤية مختلفة للعالم الخارجي تغيرت معها خريطة حلفاء إيران وخصومها دوليًا وإقليميًا. وهي السياسة التي جعلت صانع القرار الإيراني (منذ العام 1979 وحتى 2024) يعاني من الحيرة والتخبط بين ما تمليه المصلحة القومية، وبين متطلبات الأهداف الأيدولوجية التي غيرت من مصادر التهديد للدولة الإيرانية والفرص السانحة أمام النظام الإيراني؛ فقد لعبت العقيدة دور الركيزة الأساسية لرؤية إيران الثورية للعالم الخارجي، وتحديد أهداف السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. ولعل مقولة المرشد الإيراني الأول، آية الله الخميني: «إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية»، تُعد تعبيرًا صادقًا عن توجهات ورؤية إيران الثورة سواء للداخل أم الخارج. فقد اتخذ النظام الإيراني الجديد من مفهومي الاستقلالية والحكم الإسلامي، محورين أيديولوجيين رئيسيين، إضافة إلى محاولاته الدائمة والدؤوبة منذ اللحظة الأولى التي تلت ثورة 1979 م تصدير مفهوم ولاية الفقيه، باعتبارها (من وجهة نظر ملالي إيران) الحل الحقيقي لمشاكل العالم الإسلامي، وقد أثر هذا المدخلان الأيديولوجيان ومحاولات تصدير المفاهيم الإيرانية بشكل أو بآخر على تطور العلاقات العربية الإيرانية من جانب، والعلاقات الأفريقية الإيرانية من جانب آخر؛ فحينما زاد التمسك بهما زادت درجة التوتر في هذه العلاقات، وهو ما ساد في الثمانينيات خاصة في ظل الحرب العراقية الإيرانية، وموقف العرب والدول الأفريقية المساند للعراق[24].

وتُعد السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان، والتي تشكلت ملامحها منذ عودة العلاقات بين البلدين وبدء تكوين شراكة اقتصادية وعسكرية في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، أحد مخرجات السياسة الخارجية الإيرانية على المستويين الإقليمي والدولي، وهي السياسة التي تسير وفق مجموعة من المرتكزات المؤثرة والموجهة لصانع القرار الإيراني، والدافعة له باتجاه اختيار الوسائل والطرق التي من شأنها بروز إيران بوصفها قوة إقليمية ودولية، ورقمًا لا يمكن تجاهله في أي ترتيبات تعني منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. وقد سعت طهران، منذ انتهاء الحرب الباردة في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، إلى خلق نفوذ مؤثر لها داخل العديد من البلدان الأفريقية، يجعلها متواجدة وبقوة داخل القارة، ويمكنها من تحقيق مصالحها، ويُكسبها حلفاء جدد[25]. إضافة إلى سعيها لكسب مساحات جغرافية تُمكنها من نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري، ومحاولة استنساخ أذرع لها في الداخل الأفريقي على غرار حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، والميليشيات الموالية للحرس الثوري الإيراني في العراق.

وأهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان، لا تختلف في ثوابتها الرئيسة سواء في المناحي العسكرية أو الاقتصادية أو الأيديولوجية أو الثقافية عن سياسة طهران الخارجية الإقليمية والدولية. لأن ملف السياسة الخارجية في إيران هو ملف سيادي بالأساس، يضع خطوطه العريضة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. وسياسة طهران الخارجية هي حصيلة المصالح الإيرانية الذاتية، والتي يمكن الإشارة إلى أن أهمها يتمثل في أولًا: حماية نظام الحكم الإيراني من ما يصفه الملالي بـ «التهديدات الخارجية»، ثانيًا: تصدير ما يُمسى بـ الثورة الإسلامية الإيرانية إلى الخارج، ثالثًا: مضاعفة الأذرع العسكرية الإيرانية في الخارج، رابعًا: التغلب على الحصار الاقتصادي الذي يفرضه المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على طهران، وخامسًا: محاولة السيطرة -أو على الأقل التواجد وبقوة- على مضيق باب المندب بالبحر الأحمر.

وتختلف دوافع تغلغل النظام الإيراني في أفريقيا من بلد إلى آخر، ما بين اقتصادية وسياسية ودينية، ولذا فقد اتخذت طهران من السودان قاعدة استراتيجية تنطلق من خلاله نحو تحقيق أهدافها في القارة الأفريقية، عن طريق استخدامها مسارًا رئيسًا لبلوغ الأهداف المنشودة، وذلك لما يتمتع به هذا البلد من مزيات قل أن توجد في بقية دول المنطقة. وكان لهذا الانفتاح والتركيز الإيراني الكبير على السودان، أثر سلبي على النسيج الاجتماعي والثقافي السوداني، كما انعكس سلبًا على علاقة السودان بمحيطة العربي[26].

وتتعدد الأسباب والدوافع التي جعلت إيران تولي السودان أهمية كبرى، وتجعل من مسألة إيجاد نفوذ لها داخل هذا البلد الأفريقي ركيزة رئيسة من ركائز سياستها الخارجية، وأهم هذه الأسباب والدوافع هو الموقع الجيوستراتيجي الذي يتمتع به السودان، كونه يقع في الفناء الخلفي للعالم العربي، ويُعتبر بوابة أفريقيا الشرقية، لذا سعت إيران لتجعل منه منطلقًا لنفوذها على بقية الدول الأفريقية[27]. فالنظام الإيراني منذ 1979 وحتى وقتنا الراهن كان (ولا يزال) يرى أن السودان هو المدخل والبوابة التي تُمكن طهران من التغلغل في الداخل الأفريقي والعربي. «والمسؤولون الإيرانيون دائمًا ما يؤكدون في تصريحاتهم عن السودان أنه بوابة تصدير الثورة، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني السابق مصطفى محمد نجار، السودان بأنه حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية بالقارة الأفريقية[28]». كما أن السودان كان يقف في مربع واحد مع إيران في مواجهة الضغوط الأمريكية؛ فعقب انتصار ما يسمى «ثورة الإنقاذ» في العام 1989 م ومجيء عمر البشير إلى سدة الحكم، تكشف للعالم التوجه الإسلامي للنظام الجديد في السودان، فبادرت إيران إلى احتوائه ودعمه باعتباره نظامًا إسلاميًا مماثلًا لها في الطرح رغم اختلاف المذاهب، لهذا السبب وجدت إيران في نظام عمر البشير، الحليف العربي الوحيد الذي يشاطرها الرؤى الأيديولوجية[29].

ومن ضمن الأهداف العديدة التي ترنو إيران، إلى تحقيقها من خلال النفوذ والتغلغل في الداخل السوداني، أن هذا البلد الأفريقي يطل على البحر الأحمر بطول يقارب 800 كيلو متر، وهو ما جعله محورًا للتنافس الإقليمي والدولي على تشغيل موانئه. ولذا سعت إيران منذ العام 1989 م وحتى 2016 م إلى مد نفوذها في السودان من أجل أن يكون لها مصدر نفوذ قوي تكون من خلاله فاعلًا مؤثرًا في حركة الملاحة بالبحر الأحمر[30].

كما تهدف طهران من مد نفوذها في الداخل السوداني إلى تصدير الثورة، وذلك من خلال اتخاذ هذا البلد الأفريقي بوابة تنفذ من خلاله إلى بقية دول القارة الأفريقية بغية تصدير مفاهيم الثورة الإيرانية، ونشر المذهب الشيعي الإثنى عشري، وتكوين أذرع عسكرية في الداخل الأفريقي تعمل على تفكيك المجتمعات المحيطة بها لخدمة طهران، على غرار ما يفعله حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق.

ومن الأهداف الرئيسية التي تسعى إيران إلى تحقيقها من خلال التغلغل في الداخل السوداني ومنه إلى بقية دول القارة الأفريقية، هو التخلص من وطأة العزلة السياسية والحصار الاقتصادي الدولي المفروض على طهران بسبب العديد من الملفات، في مقدمتها الملف النووي والصاروخي ودعم الإرهاب والفوضى وخرق القانون الدولي. ولذا تسعى طهران إلى إيجاد منافذ اقتصادية تجارية لها مع السودان وبقية دول القارة الأفريقية[31].

وهناك هدف استراتيجي هام تسعى إيران إلى تحقيقه من خلال مد نفوذها في الداخل السوداني والتأثير على صانع القرار، ويتمثل هذا الهدف في استخدام هذا البلد الأفريقي لحصار بعض الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص دول الخليج العربي، إضافة إلى استخدام المواني السودانية في تهريب شحنات الأسلحة إلى الفصائل والجماعات والميليشيات الموالية لإيران والمتواجدة في العديد من الدول العربية مثل: جماعة الحوثي في اليمين، وحركة حماس في فلسطين، وحزب الله في اليمن.

كما ترغب إيران، من خلال التواجد في السودان إلى زيادة أعداد المتشيعيين في هذا البلد الأفريقي، أملًا في أن يكون هؤلاء هم النواة التي يمتد من خلالها المد الشيعي إلى ما يجاوره من بلدان أفريقية وعربية، باعتبار الأراضي السودانية امتدادًا جغرافيًا واستراتيجيًا مهمًا للغاية بالنسبة للمشروع الفارسي المعروف بإعادة إحياء الإمبراطورية الساسانية، الذي يُنفذ تحت راية التشيع السياسي، ويطلق عليه إقامة «إمبراطوارية الشيعة الكبرى»؛ إذ أن ملالي إيران يوظفون المذهب الشيعي الإثنى عشري في خدمة الأهداف الاستراتيجية، كما يوظفون الأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري. ولذا فإن السودان يحظى بأهمية كبرى في السياسة الخارجية الإيرانية؛ فهو يُمثل (وفقًا التقرير السنوي لوزارة الخارجية الإيرانية عام 1996) أولى أوليات السياسة الخارجية الإيرانية، كما أن إيران تنظر لهذا البلد الأفريقي بشكل خاص – ولشرق أفريقيا بشكل عام – بوصفه تربة خصبة لممارسة نشاطاتها السياسية والفكرية والعسكرية والاقتصادية، وتعتبر إيران السودان ذا أهمية خاصة بسبب موقعه الجيوسياسي، فهو بلد قريب من العالم العربي وبخاصة مصر، ومقابل لشواطئ المملكة العربية السعودية، وهو البوابة الخلفية التي تنفذ من خلالها طهران إلى جميع دول أفريقيا[32].

وطوال العقود الماضية؛ لم يؤثر تغير الرؤساء الإيرانيين على السياسة الإيرانية الخارجية تجاه السودان؛ فقد ظلت هذه السياسة ترتكز على الأبعاد الأيديولوجية الرامية إلى تصدير الثورة عن طريق نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري، إضافة إلى محاولات دؤوبة لتقوية دور قوات الحشد الشعبي السودانية التي أنشئت على أيدي الحرس الثوري الإيراني؛ فصانع القرار الإيراني يرى أن تصدير الثورة الإسلامية يجب أن يستمر وبقوةٍ من خلال المؤسسات والمراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي والتي يوجد العديد منها في الداخل السوداني، وأن هناك ضرورة لتعزيز نفوذ طهران من خلال نشر جهودها في البلدان العربية والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق أفريقيا، وخاصة السودان. ويدرك صانع القرار الإيراني أن الاهتمام بالسودان قد أتاح لطهران فرصة استراتيجية لا تعوض نجحت من خلالها في إيجاد قاعدة حيوية تنشر عن طريقها مذهبها وسياستها وتفرض ضغوطها السياسية والأمنية عبر البحر الأحمر[33].

وإضافة إلى الهدف الأيديولوجي المتمثل في المد الشيعي؛ فإن عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية، التي انتهجتها إيران عقب سيطرة الحرس الثوري على الكثير من دوائر صنع القرار الاقتصادي والإعلامي والسياسي، تجعل طهران تتعمد اختراق الدول التي تنشب فيها صراعات سياسية أو عسكرية مسلحة، وتكوين ميليشات مسلحة من أبناء هذه البلدان يدينون بالولاء التام للمرشد الأعلى في إيران. وقد برزت فرصة إيران لتحقيق هذا الهدف في عدة دول من بينها السودان، الذي ما زال صانع القرار الإيراني يراه مغنمًا كبيرًا لتحقيق أهداف التغلغل الأيديولوجي والسياسي والعسكري والاقتصادي داخل القارة الأفريقية.

وقد خططت إيران (قبل سنوات القطيعة)، أن تفعل في السودان مثلما فعلت في لبنان والعراق واليمن، وأن يكون لها في هذا البلد أذرعًا عسكرية تعمل على تنفيذ أجندتها، خاصة بعد نجاح جماعة الحوثي (الذراع العسكري لإيران في اليمن) في فرض هيمنتهم العسكرية على الملاحة في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر مهددين بهذا حرية الملاحة من خلال التقنية العسكرية المتطورة المقدمة لهم من طهران. ولذا فإن إيران كانت تطمح (وما زالت) أن يكون لها جناح ثانٍ على الضفة الأخرى من الممر البحري الاستراتيجي للبحر الأحمر من خلال نفوذها في السودان عبر دعمها للجيش السوداني مما يثير قلق القوى الدولية مما يشكله ذلك من تهديد للمصالح الإقليمية والدولية، والذي يعطي لإيران قدرة لمراقبة حركة المرور البحرية من وإلى قناة السويس، وكذلك بالنسبة لإسرائيل إضافة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية[34].

المبحث الثالث: مستقبل العلاقات الإيرانية السودانية:

حملت خطوة إنهاء القطيعة واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسودان، العديد من الدلالات التي يتصل بعضها بالمسار المُمتد للعلاقات الثنائية بين الخرطوم وطهران، بينما يتصل بعضها الآخر بالمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي دفعت الجانبين إلى اتخاذ قرار عودة العلاقات الدبلوماسية. وهو ما يثير تساؤلات عدة: هل تسير العلاقات بين البلدين على نفس الركائز التي كانت تستند إليها منذ العام 1989 وحتى 2016 م أم أن طهران ستغير من استراتيجتها وستخفف من حدة التبشير المذهبي الذي يواجه برفض شعبي؟ وهل سيوافق السودان بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، على إنشاء طهران قاعدة عسكرية على حدودها البحرية في مقابل تقديم الجانب الإيراني دعمًا عسكريًا مكثفًا يمنح البرهان التفوق ويمكنه من حسم معركته مع قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)؟ وهل وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيؤثر على مسار عودة العلاقات بين طهران والخرطوم؟

ومن الأهمية بمكان، النظر بعناية إلى أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران لا يُعد هو السابقة الأولى في تاريخ البلدين؛ فقد شهدت العلاقات الثنائية بينهما موجات متعاقبة من المد والجزر منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى وقتنا الراهن. فعقب قطيعة بسبب دعم السودان للعراق في حربه ضد إيران، اتجه رئيس الوزراء آنذاك، الصادق المهدي، للتقارب مع إيران، ثم فرضت الظروف الإقليمية في نهاية الثمانينيات على الجانبين بناء علاقات قوية في مختلف الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية. ومع تغير المشهد الإقليمي، اتجهت السودان في عام 2016 لإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران على إثر واقعة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران. وكما أسهمت المتغيرات الإقليمية في تعقيد مسار العلاقات السودانية الإيرانية منذ سبع سنوات، أسهمت بدورها في التقارب الذي حدث في نهاية العام 2023 م، وإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بعد تراجع لافت في مستوى الاستقطاب بالمنطقة خلال الأشهر الأخيرة[35].

وهذا المسار المتذبذب للعلاقات السودانية الإيرانية الذي تراوح أكثر من مرة بين القطيعة التامة والتكامل المتسارع، يعكس حقيقة غياب الركائز الجوهرية الضامنة لاستمرار العلاقات الإيجابية وتطورها إلى علاقة مُستدامة لتبادل المنافع. إذ تواجه السياسة الخارجية للبلدين عوائق عديدة، على رأسها تباين الأولويات الإقليمية، ففي الوقت الذي تشكل فيه منطقة الخليج والمشرق العربي مجالًا أساسيًا لنشاط السياسة الخارجية الإيرانية، تهتم السودان في المقام الأول (بحكم الموقع الجغرافي) بمنطقة البحر الأحمر وامتداده الجنوبي في القرن الإفريقي، فضلًا عن جوارها الشمالي والغربي المُتصل بدائرة الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي. وفي ظل محدودية التأثير السوداني في التوازنات القائمة بمنطقة الخليج، يظل التقارب والتباعد بين الخرطوم وطهران مرتهنًا بالحسابات الوقتية للأخيرة بشأن تكثيف الانخراط في دائرة البحر الأحمر[36].

وفي الوقت الراهن يصعب تفسير الدافع وراء القرار السوداني بعودة العلاقات الدبلوماسية مع الجانب الإيراني، وإن كانت التكهنات تشير إلى رغبة الفريق عبد الفتاح البرهان، في الاستعانة بالدعم العسكري الإيراني لحسم معركته ضد قوات الدعم السريع؛ إلا أن هذا يبقى مجرد تكهنات ليس لها أدلة تدعمها على أرض الواقع، وفي النهاية تبقى كل التوقعات قابلة للتحقق بحكم التغير السريع في المشهد الإقليمي والدولي الذي ينعكس بدوره على العلاقات الإيرانية السودانية، خاصة وأن إيران تنتظر قدوم رئيس جديد للبلاد من خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 28 يونيو 2024.

إلا أنه ومن ناحية أخرى؛ فإن مُستجدات الأوضاع السودانية، فرضت نفسها على مشهد التقارب السوداني الإيراني الأخير، بما حملته من تحديات مُلحة وضعت سقفًا منخفضًا لما يمكن توقعه من خطوة إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران. إذ تتعدد القيود التي تطرحها الأوضاع الداخلية السودانية خاصة مع استمرار التفاعلات الصراعية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وولايات إقليم دارفور على وجه الخصوص. ولذا فإن انتقال التقارب السوداني الإيراني إلى المجال الأمني والعسكري تحيط به العديد من الشكوك، وعلى رأسها درجة الاستنفار الأمريكي الكبير في منطقة البحر الأحمر، والذي سبق وأن قطع الطريق على جهود روسية متراكمة للحصول على موطئ قدم على السواحل السودانية. ويلفت هذا الوضع الانتباه للطبيعة المغايرة لموجة التقارب الجديدة بين السودان وإيران مقارنةً بموجة التقارب التي سبقت القطيعة بينهما في عام 2016. فعلى الرغم من محدودية فرص تنامي التعاون العسكري، والقيود العديدة التي قد تعترض تعزيز التقارب السياسي بين الخرطوم وطهران، يمكن توقع تسارع العلاقات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة في الشأن الاقتصادي على وجه الخصوص، حيث تبدو حاجة البلدين كبيرة لتبادل المنافع الاقتصادية، في ظل ما يعاينه الاقتصاد الإيراني من تداعيات العقوبات الدولية المُمتدة، والتي تخوض طهران مسارات تفاوضية مُعقدة لتخفيف حدتها، وفي ظل التردي المُطرد للأوضاع الاقتصادية السودانية منذ عام 2019، فضلًا عن دخول البلاد بدورها في دائرة العقوبات الاقتصادية الدولية منذ قرارات البرهان في أكتوبر 2021، والتداعيات السلبية الكبيرة للصراع الداخلي الدائر على الأرض منذ إبريل 2023[37].

خـاتـمـة:

بعد عقود من التقارب السياسي، والتعاون الاقتصادي، والشراكة العسكرية، اختار السودان في العام 2016 م أن يقف في خندق الدول العربية مقررًا قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجانب الإيراني؛ إلا أنه وبعد اشتعال الحرب الأهلية فوق أراضيه وفي ظل شعوره بفقدان الدعم والمساندة من قِبل دول الجوار، إضافة إلى تغير الأوضاع الإقليمية والدولية، لجأ الجانب السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى التقارب واستئناف العلاقات من جديد مع طهران. وهو التقارب الذي لم تتضح دوافعه حتى الآن، أو ما الذي يُريده السودان من وراء هذا التقارب؟ خاصة وأن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لقى مصرعه عقب حدوث هذا التقارب بأشهر قليلة. وإن كانت الركائز التي تنطلق منها السياسة الخارجية الإيرانية تجاه السودان لا يتوقع لها أن تتغير بعد عودة العلاقات عما كانت عليه هذه السياسة قبل سنوات القطيعة، بسبب أن ملف السياسة الخارجية في إيران، ملف سيادي بالأساس، يضع خطوطه العريضة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ولا يُسمح لأي رئيس يتولى سدة الحكم بتغيير هذه السياسة تغيرًا جوهريًا يحيد بها عن المسار الذي حدده المرشد الأعلى. إضافة إلى أن سياسة طهران الخارجية هي حصيلة المصالح الإيرانية الذاتية، والأطماع الإقليمية، والتوجهات الأيديولوجية.

ومن خلال قراءة مسار العلاقات الإيرانية السودانية، مع الأخذ في الاعتبار بمرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية، نجد أن الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها من خلال النفوذ إلى الداخل السوداني تتنوع ما بين أهداف أيديولوجية وسياسية واقتصادية وعسكرية. وهذا يجعلنا نؤكد أن طهران (وبمجرد أن تتهيأ لها الظروف في الداخل السوداني) ستعاود خلال الأشهر القليلة المقبلة نشاطها التبشيري الشيعي داخل السودان، في إطار تنفيذ أهداف استراتيجية التوغل والتمدد الشيعي داخل القارة الأفريقية.

وهناك أبعاد ودلالات أخرى كثيرة (إضافة إلى الدافع الأيديولوجي) تفسر لنا أسباب التدافع الإيراني المستميت نحو السودان، منها أن أهمية السودان بالنسبة لإيران تنبع (كما أشرنا من قبل) من موقع هذا البلد الأفريقي الجيوستراتيجي، فهو قريب من قلب العالم العربي، وخاصة مصر، ما يجعله البوابة الخلفية التي ينفذ من خلالها الإيرانيون إلى القارة الأفريقية والمنطقة العربية. وكذا وقوع السودان بين قناة السويس وباب المندب، اللذان يُعدان أهم معبرين للتجارة العالمية في منطقة الشرق الأوسط.

وكعادتها؛ ستستفيد طهران من الصراع السوداني العسكري المسلح (الذي تشير جميع المؤشرات أنه لن يتوقف قريبًا)، وستعمل بشتى الطرق على استثمار الصراع وإعادة نشاطها الأمني والعسكري داخل هذا البلد الأفريقي على غرار ما كان يحدث إبان فترة حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ولن تمانع في تقديم كل أوجه الدعم العسكري والاقتصادي للحكومة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، في مقابل تمكينها من استكمال مشاريعها في الداخل السوداني، وعلى رأسها مشروع تشكيل ميليشيات سودانية مسلحة سيتم تقديمها للنظام السوداني على أن عملها الأساسي ينصب على دعم وضمان بقاء النظام، ولكنها في الحقيقة ستكون نسخة شبيهة بحزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي اليمنية.

ولعل من أبرز مخاطر استمرار الصراع الداخلي السوداني لأشهر طويلة مقبلة (كما هو متوقع)، هو أن الحكومة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ربما تلجأ إلى طلب الدعم العسكري من إيران بالحد الذي يُمكنها من هزيمة ميليشيات الدعم السريع، غير عابئة بالمقابل الذي ستحصل عليه طهران جراء هذا الدعم، حتى وإن كان هذا المقابل هو نفوذ إيراني غير محدود في الداخل السوداني. خاصة وفي ظل إصرار بعض القوى الإقليمية والدولية على تقديم الدعم المالي والعسكري غير المحدود لميليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وهنا يجب التنويه إلى أهمية تدخل الدول العربية بشكل قوي وفعال للقيام بدور الوساطة والإنهاء الفوري للصراع المسلح الدائر في السودان، من أجل قطع الطريق على الجانب الإيراني من أن يكون له دور فاعل يستعيد من خلاله نفوذه في الداخل السوداني. كما يجدر بالدول العربية (خاصة دول الخليج العربي الأكثر تضررًا من النفوذ الإيراني في الداخل السودان) أن تدعم السودان لمساعدته على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية وسقوط نظام الرئيس عمر البشير في العام 2019 م.

كما أن قيام الاتحاد الأفريقي، بمهامه المتمثلة في التدخل الجاد والفاعل لإنهاء الصراع المسلح في الداخل السوداني، أمرٌ من الأهمية بمكان؛ إذ أن القيام بمثل هذا الدور يتصدى لمطامع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، وينهي عقود من استخدام الأراضي الأفريقية مناطق تنافس بين القوى الإقليمية والدولية.

قائمة المراجع:

1) – د. سعيد الصباغ، سياسة إيران تجاه القرن الأفريقي وشرق أفريقيا في ضوء استراتيجية الخطوة الثانية 2019 / 2023 م، مجلة الدراسات الأفريقية، مجلد 46، عدد 1، ج (1) يناير 2024 م.

2) – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية شوال 1442 هـ/ يونيو 2021 م.

3) – عبد الله السهلي، النفوذ الإيراني في السودان وأثره على الأمن القومي العربي، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 46، العدد 2، ملحق 1، 2019.

4) – عبد الرازق خلف الطائي، سياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية تجاه إيران 1993 / 2001 م، مجلة الخليج العربي، المجلد 48، العدد 1. 2، يونيو 2020.

5) – صلاح خليل، التقارب الإيراني/ السوداني: الأهداف والتداعيات، مختارات إيرانية (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد 130، مايو 2011).

6) – علي متولي أحمد، التغلغل الإيراني في شرق أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي (2005 – 2014)، مجلة سياسات عربية، العدد 20، مايو 2016.

7) – رامي عاشور، أفريقيا في التوجهات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، أبريل 2023، العدد 18.

8) – قرار مجلس الأمن رقم 1737 بتاريخ 23 ديسمبر 2006 م.

9) – قرار مجلس الأمن رقم 1747 بتاريخ 24 مارس 2007 م.

10) – قرار مجلس الأمن رقم 1803 بتاريخ 3 مارس 2008 م.

11) – قرار مجلس الأمن رقم 1929 بتاريخ 9 يونيو 2010 م.

12) – د. محمد خليفة، الحضور الإيراني في إفريقيا في عهد رئيسي.. تراجع أم تقدم؟، مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية.

13) – صلاح خليل، حدود التأثير: عودة العلاقات بين السودان وإيران، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

14) – د. معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا: الدوافع والأهداف، المركز الدولي للدراسات الإيرانية.

15) – د. أحمد أمل، ماذا يعني استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

16) – د. عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي إفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية.

17) – د. باكينام الشرقاوي، السياسة الخارجية الإيرانية، مقال بحثي منشور على موقع الجزيرة نت.

18) – د. محجوب الزويري، السياسة الخارجية الإيرانية والانتخابات الرئاسية.. هل من جديد؟، مقال بحثي منشور على موقع الجزيرة نت.

19) – المثنى عبد القادر، السودان وإيران.. مرحلة إعادة «ربطة العنق» العربي، مقال رأي منشور على موقع النيلين الإخباري.

20) – خالد بقلان، النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة، مقال رأي منشور على موقع نيوزيمن الإخباري.

21) – زهير فهد الحارثي، رغم نفوذ إيران: هل يعود السودان إلى الحضن العربي؟، صحيفة الرياض، العدد 16927.

22) – M. Makinda Samuel, Iran – Sudan and Islam, journal Article

23) – Bushra Shadi – Sudan maintains balancing act with Saudi, Iran, Reuters

24) – Ismail omar – The Many Faces Of al_Bashir Sudan’s Persian Gulf Power Games – The Enough Project

25) –  Soli Shahvar: Iran’s global reach: The Islamic Republic of Iran’s policy, involvement, and activity in Africa

[1]  – د. محمد خليفة، الحضور الإيراني في إفريقيا في عهد رئيسي.. تراجع أم تقدم؟، مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية، متاح من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/ZAQ55U

[2]  – د. سعيد الصباغ، سياسة إيران تجاه القرن الأفريقي وشرق أفريقيا في ضوء استراتيجية الخطوة الثانية 2019 / 2023 م، مجلة الدراسات الأفريقية، (القاهرة: کلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة، مجلد 46 ، العدد 1 – ج 1 يناير 2024 م)، متاح من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/TiTJ6PRX

[3]  – د. سعيد الصباغ، سياسة إيران تجاه القرن الأفريقي وشرق أفريقيا في ضوء استراتيجية الخطوة الثانية 2019 / 2023 م، مرجع سابق.

[4]  – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية شوال 1442 هـ/ يونيو 2021 م، متاح من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/74lcz

[5]  – Soli Shahvar: Iran’s global reach: The Islamic Republic of Iran’s policy, involvement, and activity in Africa available at: http://doi.org/10.111/dome.12202

[6]  – عبد الله السهلي، النفوذ الإيراني في السودان وأثره على الأمن القومي العربي، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، (عمان: عمادة البحث العلمي بالجامعة الأردنية، المجلد 46، العدد 2، ملحق 1، 30 يونيو 2019)، ص: 5.

[7]  – عبد الرازق خلف الطائي، سياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية تجاه إيران 1993/ 2001 م، مجلة الخليج العربي (البصرة: جامعة البصرة مركز دراسات البصرة والخليج العربي، المجلد 48، العدد 1 – 2، 30 يونيو 2020) متاح من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/kX3x1OMp

[8]  – صلاح خليل، التقارب الإيراني/ السوداني: الأهداف والتداعيات، مختارات إيرانية (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد 130، مايو 2011)، ص ص: 138 : 155.

[9]  – Ismail omar – The Many Faces Of al_Bashir Sudan’s Persian Gulf Power Games – The Enough Project – p3 – available at: www.enoughproject.org

[10]  – Bushra Shadi – Sudan maintains balancing act with Saudi, Iran, Reuters – availble at http://uk.reuters.com

[11]  – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مرجع سبق ذكره.

[12]  – مجلس الأمن، القرارات رقم 1737 و1747 و1803 و1929، بتاريخ: 23 ديسمبر 2006 م و24 مارس 2007 م و3 مارس 2008 م، و9 يونيو 2010 م.

[13]  – د. سعيد الصباغ، سياسة إيران تجاه القرن الأفريقي وشرق أفريقيا في ضوء استراتيجية الخطوة الثانية 2019 / 2023 م، مرجع سبق ذكره، ص: 248.

[14]  – د. سعيد الصباغ، سياسة إيران تجاه القرن الأفريقي وشرق أفريقيا في ضوء استراتيجية الخطوة الثانية 2019 / 2023 م، مرجع سبق ذكره، ص: 250.

[15]  – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص: 127.

[16]  – علي متولي أحمد، التغلغل الإيراني في شرق أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي 2005/ 2014، مجلة سياسات عربية (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 20، مايو 2016)، ص: 79، ويمكن الاطلاع عليه من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/vy8796

[17]  – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص: 128.

[18]  – M. Makinda Samuel, Iran – Sudan and Islam, journal Article, available at http://www.jstor.org

[19]  – زهير فهد الحارثي، رغم نفوذ إيران: هل يعود السودان إلى الحضن العربي؟، صحيفة الرياض (الرياض: صحيفة الرياض، العدد 16927، 28 أكتوبر 2014)، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: http://www.alriyadh.com

[20]  – صلاح خليل، حدود التأثير: عودة العلاقات بين السودان وإيران، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، متاح من خلال هذا الرابط: https://ecss.com.eg/37784/

[21]  – د. بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه أفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص: 130.

[22]  – رامي عاشور – أفريقيا في التوجهات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية – مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف – أبريل 2023 – العدد 18 – ص: 341

[23]  – لقي مصرعه في 19 مايو 2024 جراء تحطم المروحية التي كانت تُقله رفقة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ومسئولون آخرون.

[24]  – د. باكينام الشرقاوي، السياسة الخارجية الإيرانية، الجزيرة نت، أكتوبر 2004، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/y6g3ra

[25]  – د. عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي إفريقيا: الأدوات والاستراتيجيات، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/oik0t

[26]  – د. معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا: الدوافع والأهداف، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية – يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/j4sr9

[27]  – د. معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا: الدوافع والأهداف، المرجع السابق.

[28]  – المثنى عبد القادر، السودان وإيران.. مرحلة إعادة «ربطة العنق» العربي، موقع النيلين (مقال رأي)، يمكن مطالعته من خلال الرابط: https://n9.cl/i85rzc

[29]  – د. معتصم صديق عبد الله، الوجود الإيراني في إفريقيا: الدوافع والأهداف، مرجع سبق ذكره.

[30]  – خالد بقلان، النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة، موقع نيوز يمن الإلكتروني، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://n9.cl/viysm6

[31]  – خالد بقلان – النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة – المرجع السابق.

[32]  – خالد بقلان، النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة، المرجع السابق.

[33]  – خالد بقلان، النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة، المرجع السابق.

[34]  – خالد بقلان، النفوذ الإيراني في السودان ومخاطره على المنطقة، المرجع السابق.

[35]  – د. أحمد أمل، ماذا يعني استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/wsnRi2Dd

[36]  – د. أحمد أمل، ماذا يعني استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران؟، المرجع السابق.

[37]  – د. أحمد أمل – ماذا يعني استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران؟ – مرجع سابق.

4.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى