المفكر جان جاك روسو
اعداد : تغريد صفي الدين عزيز الدين الحداد – ماجستير علوم السياسية – إشراف : د. هشام بشير – كلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
إن الفكر السياسي واحد من الاتجاهات ذات الطابع العريق، وتالذي يحظى باهتمام عدد كبير من المفكرين حول العالم وعلى مر الأزمنة، فينبثق ذلك العلم عن علم السياسة الذي يكون بدوره واحد من العلوم ذات الطابع الإنساني الذي يشتمل على جميع السبل والإجراءات التي تلزم لاتخاذ القرارات المتباينة.
ويعد الفكر السياسي من أبرز الجهات التي تشتمل على عدد من النظريات والأفكار التي يتم عن طريقها تحديد سلوك الحكومات، كما أنه أحد المقومات المتعلقة بتنظيم حياة الأفراد من خلال تنظيم القوانين، وينقسم الفكر السياسي إلى قسمين؛ القسم الأول يتمثل في الأفكار السياسية التي تعد دراسات تاريخية مرتكزة على التاريخ الخاص بالتراث الفكري الذي يهتم بتفسير السلطة مع الأخذ في الاعتبار بنظريات وآراء الفلاسفة.
أما القسم الثاني للفكر السياسي فهو يتمثل في النظريات السياسية التي لا تأخذ عنصري الزمان والمكان بعين الاعتبار؛ ولكن اهتمامها الأكبر ينصب على التوصل لأحكام واضحة تمزج بين كلاً من المناهج ذات الطابع التجريبي وبين ما يوجد على أرض الواقع.
وفي هذه الدراسة المختصرة نلقي الضوء على الفكر السياسي في فلسفة المفكر جان جاك روسو الذي شكلت فلسفته بجانب عدد من المفكرين الآخرين خلال القرن الثامن عشر تياراً فلسفياً يدعم مبادئ المساواة والعدالة والحرية، فالنظرية السياسية لجاك روسو تنبثق عن موقفه من العقد الاجتماعي، وسوف نركز في تلك الدراسة على عدد من المحاور نوضح من خلالها فلسفة روسو وتأثير نشأته وحياته على أفكاره السياسية.
أهمية الدراسة:
- المشاركة في حل عدد من الإشكالات التي ترتبط بالدراسة.
- التعرف على فلسفة العقد الاجتماعي لدى جان جاك روسو.
- بيان تأثير الظروف الحياتية لجان جاك روسو ونشأته على أفكاره السياسية .
أهداف الدراسة:
- التعرف على نشأة المفكر جان جاك روسو.
- إلقاء الضوء على أبرز أفكار جان جاك روسو.
- تسليط الضوء على فلسفة العقد الاجتماعي لدى جان جاك روسو.
- التعرف على الفكر السياسي من وجهة نظر جان جاك روسو .
إشكالية الدراسة:
لقد نادى جان جاك روسو بحق الشعب في الحرية والمساواة والسيادة ودعم النظام الديمقراطي المباشر؛ فتنطلق فلسفة روسو السياسية من موقفه من العقد الاجتماعي، وفي هذا الصدد يُثار تساؤل هام ورئيسي مؤداه: “ما هي مرتكزات الفكر السياسي في فلسفة المفكر جان جاك روسو؟”
خطة الدراسة:
المبحث الأول: حياة جان جاك روسو وتأثيرها على أفكاره السياسية.
المطلب الأول: نشأة جان جاك روسو.
المطلب الثاني: تأثير ظروف حياته على أفكاره.
المبحث الثاني: الفلسفة السياسية لجان جاك روسو.
المطلب الأول: الإرادة العامة والسلطة والحرية.
المطلب الثاني: الحكومة والدين المدني والتسامح.
المبحث الأول
حياة جان جاك روسو وتأثيرها على أفكاره السياسية
لا شك أن الظروف التي تحيط بالإنسان يكون لها التأثير الأكبر على شخصيته وأفكاره، وفي هذا الصدد وقبل التطرق للنظرية السياسية من وجهة نظر جان جاك روسو نلقي الضوء على نشأته وأثر ظروف حياته وبيئته على أفكاره ومعتقداته، وفي سبيل ذلك نقوم بتقسيم المبحث إلى مطلبين كما هو مبين في الآتي:
المطلب الأول: نشأة جان جاك روسو.
المطلب الثاني: تأثير ظروف حياته على أفكاره.
المطلب الأول
نشأة جان جاك روسو
ولد جان جاك روسو في مدينة “جنيف” بسويسرا في الثامن والعشرين من يونيو 1712 وتوفي في إيرمينونفيل في الثاني من يوليو 1778، وهو فيلسوف ومفكر وأديب وعالم نبات، ويعتبر واحد من أبرز مفكري عصر التنوير؛ وعصر التنوير هو الفترة الممتدة من آواخر القرن السابع الميلادي عشر حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.[1]
توفت والداته عقب مولده بتسعة أيام، وهرب أباه من المدينة لتجنب الحبس، ونشأ روسو على حب الموسيقى والأدب، وعندما بلغ سن الثالثة عشر كان قد أتم التعليم النظامي وتم إرساله ليعمل ككاتب عدل “فرد يتم تخويله بموجب القانون كمصدق على الوثائق” ولكنه رفض تلك الوظيفة وساءت ظروف معيشته.[2]
ترك المدينة عقب عامه السادس عشر وتأثر بامرأة كاثوليكية تسمى “بارون دي وارينز” والت ساعدته ليسافر إلى تورين؛ حيث تحول هناك إلى المذهب الكاثيوليكي الروماني في أبريل 1728 وأمضى بعض الوقت في تلك الفترة كخادم في أحد المنازل وحدثت خلال عمله هذا حادثة أثرت فيه بشكل كبير وتحدث عنها في كتابة سيرته الذاتية والتي تمثلت في اتهام صديق له بسرقة شريط زينة.[3]
المطلب الثاني
تأثير ظروف حياته على أفكاره
إن ظروف حياة جان جاك روسو التي حالت دون استقراره في مكان واحد، فقد كان دائم التنقل للبحث عن مأوى ومصدر للرزق، فقد عمل خادماً ومترجماً كما أنه عمل في إحد القنصليات في إيطاليا، وكان كثير السفر فقد سافر إلى باريس وهو يبلغ من العمر تسع وعشرين عاماً.[4]
وفي سن الثامنة والثلاثين بدأ يكتب مقالات في الموسيقى والاقتصاد، وقد سلك روسو عكس ما نادى به “التيار الأنواري” الذي يدعو إلى العقل؛ حيث أشار هو إلى أن العلوم تؤدي لتخريب حياة الإنسان، وعلى النقيض مما أشار إليه “توماس هوبز” فيما يخص الطبيعة التي وصفها بالعدوانية والصراع، على النقيض منه أكد روسو أن حالة الطبيعة تتسم بالوئام والهدوء وبمجرد ظهور الملكية وتقدم العلوم انتشر الشر، لكن طبيعة الإنسان مفطورة على الخير والسلام والمحبة.[5]
وأشار روسو إلى أن الفرد الذي يسمى متحضراً ما هو إلا فرد مرتدي أقنعة لا تنم عما في داخله، فإنه يظهر بمظهر المهذب، لكن داخله يمتلأ بالخوف والريبة والاستهتار واللامبالاة والغدر، وقدم روسو العديد من الأعمال في مجال التربية والموسيقى وغيره.
المبحث الثاني
الفلسفة السياسية لجان جاك روسو
لقد نادى جان جاك روسو بحق الشعب في الحرية والمساواة والسيادة ودعم النظام الديمقراطي المباشر؛ فتنطلق فلسفة روسو السياسية من موقفه من العقد الاجتماعي، وللتعرف على الفلسفة السياسية للمفكر جان جاك روسو نقوم بتقسيم المبحث إلى مطلبين كما هو مبين في العرض الآتي:
المطلب الأول: الإرادة العامة والسلطة والحرية.
المطلب الثاني: الحكومة والدين المدني والتسامح.
المطلب الأول
الإرادة العامة والسلطة والحرية
- الإرادة العامة
وصف جاك روسو الإرادة العامة بالغموض، وأكد أن الإرادة العامة لكي تكون حق لابد أن تأتي من الكافة وتُطبق على الكافة، ومن هنا نجد أن روسو أكد على عمومية وعالمية القانون الذي لابد أن يسري على كل فرد في الدولة دون تمييز، ويتصور روسو في “العقد الاجتماعي” ثلاثة مستويات من الإرادة تتمثل في الآتي:[6]
- لدى كل الأفراد وصايا تتماشى مع مصلحتهم وطبيعتهم الأنانية.
- لكل فرد قدر يتماشى مع الجماعة ويتحمل هوية المواطن، ويسعى الفرد لأن تكون الإادة العامة لتلك المجموعة ملك له.
- لكل فرد أن يتماشى مع مجموعة فرعية من السكان ككل وتكون الإرادة العامة ملك للجماعة ككل.
- السلطة والحرية
اهتم جان جاك روسو بفكرة الحرية وأبرز ذلك إعلانه في كتابه “العقد الاجتماعي” أن الخاضعين للإرادة العامة لابد أن يكونوا أحراراً، وتعتبر العلاقة بين كلاً من حرية الاختيار والأخلاق ركيزة أساسية استند عليها العقد الاجتماعي لدى روسو في حجته ضد الحكومة ذات الطابع الاستبدادي، وقد استعرض روسو ثلاثة أنواع من الحرية (حرية طبيعية وحرية أخلاقية وحرية مدنية).[7]
ويشير إلى أن ممارسة الحرية الطبيعية دون قيود يؤدي إلى الفوضى والعنف، بالتالي قيام الدولة وسن القوانين يحولان دون حدوث ذلك؛ حيث أن السلطة السيادية يضمن وجود حرية متساوية للأفراد وفقاً للقانون.[8]
المطلب الثاني
الحكومة والدين المدني والتسامح
- الحكومة
لقد أكد روسو على رفضه الواضح لـ “الحكومة التمثيلية”، فوفقاً له الحكومة ما هي إلا هيئة ذات وظيفة تتسم بالمحدودية تتولى مهمة إدارة شؤون الدولة وفقاً لما تحدده وتنظمه القوانين، والفرد وفقاً لأفكار جاك روسو لا يتنازل عن حقوقه بموجب العقد الاجتماعي عن حقوقه في سبيل تحقيق المصلحة العامة، وطبقاً لذلك يكون الحاكم مجرد موظف يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، وبالتالي تكون السيادة غير قابلة للتجزئة ولا يمكن التنازل عنها.[9]
بالرغم من معارضة جاك روسو للحكم المطلق؛ إلا أنه يمتلك وجهة نظر مشابهه فيما يتعلق بماهية السيادة والعلاقة بينها وبين حقوق الفرد، فيرى أن الحقوق التي يتمتع بها الأفراد هي مسألة اختصاص سيادي، والحقوق الفردية يتم تحديدها من قبل صاحب السيادة على نحو يتوافق مع المصلحة العامة في نظام حكم عادل.[10]
- الدين المدني والتسامح
يرقى روسو بقبوله للتعددية في أمور الدين والتسامح الديني، وقد أشار إلى عدم توافر القدرة لدى لحاكم لكي يقوم بفحص معتقدات المواطنين الدينية، وعلى الرغم من تأكيد روسو على التسامح الديني إلا أن هناك بعض الأفكار الخاصة به التي أشارت إلى أن من لا يمكنهم قبول العقائد يمكن إبعادهم من الدولة؛ انطلاقاً من إيمانه بأن الملحدين الذين ليس لديهم أي خوف من العقاب الإلهي لا يمكن أن يطيعوا القانون.[11]
خاتمة:
لقد ركزنا في هذه الدراسة على الأفكار السياسية للمفكر جان جاك روسو كأحد فلاسفة ومفكري العقد الاجتماعي، والذي ازدهرت أفكاره في عصر التنوير في أوربا وهي الفترة التي امتدت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
مسلطين الضوء على نشأته والظروف التي مر بها منذ ولادته، وكيف أثرت تلك الظروف على حياته وأفكاره ومعتقداته، منتقلين للتعرف على أبرز آراؤه وأفكاره السياسية.
نتائج:
- لا يتنازل الفرد وفق آراء روسو عن حقوقه للسلطة السياسية، بل يتنازل عنها من أجل المصلحة العامة.
- السيادة عند روسو تنبثق عن مشاركة كل المجتمع في العقد بالتالي فهي غير قابلة للتجزئة ولا يمكن التنازل عنها للسلطة السياسية.
توصيات:
- أخذ تلك الدراسة كمرجع يتم من خلاله التعرف على أبرز أفكار جان جاك روسو.
المراجع:
- نجيب المستكاوي، جان جاك روسو.. حياته.. مؤلفاته.. غرامياته، دار الشروق، القاهرة، الطبعة 1، 1989.
- تركي طوهري، جان جاك روسو، ترجمة: هاشم الهلال، موسوعة ستنافورد للفلسفة، دون سنة نشر.
- محمد عبد المعز نصر، في النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1982.
- جورج سباين، تطور الفكر السياسي، ترجمة: علي إبراهيم السيد، دار المعارف، مصرن 1971.
- خالص جلبي، جان جاك روسو.. فلسفة من رحم المعاناة، مركز الاتحاد للأخبار، 16 أغسطس 2005، متاح على الرابط الآتي https://www.aletihad.ae
- محسن المحمدي، جان جاك روسو.. فيلسوف متشرد متأرجح بين العقل والعاطفة، صحيفة الشرق الأوسط، 30 مارس 2016، متاح على الرابط التالي https://aawsat.com
[1] خالص جلبي، جان جاك روسو.. فلسفة من رحم المعاناة، مركز الاتحاد للأخبار، 16 أغسطس 2005، متاح على الرابط الآتي https://www.aletihad.ae
[2] نجيب المستكاوي، جان جاك روسو.. حياته.. مؤلفاته.. غرامياته، دار الشروق، القاهرة، الطبعة 1، 1989، ص 9.
[3] تركي طوهري، جان جاك روسو، ترجمة: هاشم الهلال، موسوعة ستنافورد للفلسفة، ص 4.
[4] محسن المحمدي، جان جاك روسو.. فيلسوف متشرد متأرجح بين العقل والعاطفة، صحيفة الشرق الأوسط، 30 مارس 2016، متاح على الرابط التالي https://aawsat.com
[5] محسن المحمدي، المرجع السابق، https://aawsat.com
[6] محمد عبد المعز نصر، في النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1982، ص 91.
[7] تركي طوهري، جان جاك روسو، مرجع سابق، ص 7.
[8] محمد عبد المعز نصر، مرجع سابق، ص 94.
[9] محمد عبد المعز نصر، المرجع السابق، ص 95.
[10] جورج سباين، تطور الفكر السياسي، ترجمة: علي إبراهيم السيد، دار المعارف، مصرن 1971، ص 796.
[11] تركي طوهري، جان جاك روسو، مرجع سابق، ص 7.