تقدير الموقفعاجل

نظريات الهيمنة الامريكية : بريجنسكي ، كوندليزا رايس “انموذجاً “

 اعداد الباحث : د. حسن سعد عبد الحميد – كلية العلوم السياسية \ جامعة النهرين

– المركز الديمقراطي العربي

المقدمة :
يعد هدف الهيمنة والسيطرة هدفاً قديماً قدم الأنسانية ، لكن تعد سيادة الولايات المتحدة وتفوقها العالمي الحالي متميزة من حيث سرعة بزوغها على مستوى العالم ، وعلى مدى قرن واحد حولت الولايات المتحدة نفسها من دولة معزولة نسبياً في نصف الكرة الغربي إلى قوى ذات أستيعاب غير مسبوق وواسع الأنتشار . وفيما مضى كانت أوربا تمارس الهيمنة السياسية والأقتصادية والعسكرية على العالم ، وعندما تقاسمت ( فرنسا وانكلترا ) كل من افريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط بعد الحرب العالمية الاولى ، كان على المانيا وإيطاليا واليابان أن تشعل نار الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945م ) لأستلاب نفوذ أوربا والسيطرة على جميع مناطق أستعمارها في منطقة المتوسط وفي شرق آسيا ، ولكن الحرب أنتهت بتفوق الحلفاء وانهيار دول المحور ، حيث لعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً في أنهاء الحرب ، ثم اعلنت صراحة وعلى لسان ( ريغان ) في سبعينيات القرن الماضي عن حقها بالهيمنة على العالم أعتماداً على تفوق أقتصادها ، وضمناً أعتماداً على تفوق قوتها الضارية(1) .

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية تشكلت ملامح الهيمنة الامريكية وبروزها كقوة وحيدة أستفادت من تلك الحرب مع تراجع دور بقية اللاعبين الدوليين ( بريطانيا وفرنسا …) ثم بدات ملامح الهيمنة بالتشكل بصورة جلية مع انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي ، حيث منح انهيار الأخير الولايات المتحدة موقع المتفوق دولياً والذي لا يمكن الأستغناء عنه في تحقيق الأستقرار الدولي .ومنذُ ذلك الحين بدات الولايات المتحدة بالشروع في أتخاذ قرارات ( حرب أو سلم ) والتدخل في شؤون دول العالم كحامية للحقوق والحريات وفرض عقوبات أقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ضد أي دولة لم تتقيد بمعايير الرؤية الأمريكية للعالم .

نظريات الهيمنة:

تعتبر نظريات الهيمنة أحدى اهم المفاتيح التي انتجها العقل الأمريكي في تعامله مع قضايا العالم برمته ومنهُ العربي ، حيث تمت صياغة هذه النظريات بدقة وبعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة ومنهم ( زبغينو بريجنسكي و كوندليزا رايس ) .

1) زبغينو بريجنسكي
زبغينو بريجنسكي بولندي المولد ، أمريكي الجنسية ، تنقل في شبابه من فرنسا وألى ألمانيا ، قبل أن يحط رحاله في الولايات المتحدة الامريكية ، حيث نال جنسيتها عام (1958م) ، وتدرج فيها في نيل الشهادات الجامعية وترأس معهد الشؤون الأشتراكية ، وعمل في ستينيات القرن الماضي مستشاراً لموظفي إدارات كل من ( كيندي وجونسون ) وتدرج حتى وصل إلى منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي لـ ( كارتر ) عام 1976م .

أن ابرز ما يميز فكر ( بريجنسكي ) هو تكراره المستمر لمقولات ( خلق الأستقرار ، الحفاظ على السلام ، حقوق الأنسان ) ، وبالطبع هذه المقولات معتمدة بشكل واسع في أدبيات السياسة الخارجية الامريكية ، فدلالة هذه المقولات توصلنا إلى رؤية ومنهجية ( بريجنسكي ) للهيمنة الامريكية ، فهي تعني أن الولايات المتحدة وصلت إلى القمة وعليها ان تكبح الحراك الجيوبوليتيكي للقوى الطامحة ، لأنها بذلك تحافظ على سلطتها واحاديتها ، وتعني أيضاً المحافظة على المصالح الخاصة لأمريكا في حال وجودها ، كما يمكن ان تعني منع تحرك الأطراف المنافسة الأخرى ، لأن كل تحرك أو نمو في حراكها السياسي الخارجي في أي منطقة في العالم سيكون على حساب الولايات المتحدة الامريكية (2) .

ويرى ( بريجنسكي ) أن الولايات المتحدة تمتلك كل عناصر التفوق عسكرياً وأقتصادياً وعلمياً وحتى ثقافياً ، وهي بذلك مؤهلة لقيادة العالم نظراً لما تطرحهُ من شعارات براقة كحقوق الأنسان والديمقراطية،وهي بذلك أستوفت كافة شروطها وقادرة بذلك على التحكم بأنحاء كثيرة في العالم(3).

وازاء ذلك ولتحقيق ديمومة الهيمنة الامريكية يدعو ( بريجينسكي ) الولايات المتحدة إلى ضرورة التفوق في مجال الصناعات الحربية ومجالات التقنيات العسكرية وجعلها اولوية تعلو أهميتها فوق أي مصلحة أخرى في السباق العالمي المحموم لإحراز الأرجحية والتفوق في القوة ، فنزعة الهيمنة والتفرد في القوة في ظل ثورة الأتصالات والمعلومات أدت إلى أسلوب احتكار التقنيات ، فالولايات المتحدة وبذريعة الحد من أسلحة الدمار الشامل تسعى إلى حجب المعلومات والأنماط التقنية من الصناعات الحديثة طبقاً للتطور التدريجي في العالم ، او إيجاد وسائل ( وقائية ) تمنع انسيابية المعلومات للآخرين ، وفي ذلك يرى ( بريجنسكي ) انهُ في سبيل تحقيق الهيمنة وفرض كامل القوة والسلطان قد يكون ممكناً لا وبل مرغوباً فيه إذا تم أستغلال ثمار الأبحاث على العقل الأنساني وسلوكه لأغراض سياسية أستراتيجية ، وانه إذا ما أستخدمت أقاليم معينة من الأرض … يمكن ان تعرقل يشكل خطراً على المخ عند قطاع كبير من السكان في اماكن معينة مختارة وعلى فترات طويلة (4) .

ونفهم من هذا أن هذا المفكر يبدي تخوفه من العولمة بتداعياتها الثقافية والسياسية والتي مدت العالم بحركة اتصالات متطورة وبمعلومات وتقنيات حديثة ، وبذلك يتوضح رغبة الولايات المتحدة في إبقاء شعوب الأرض بمستويات متدنية من التطور ( دون مستوى الأمريكي ) وخاصة في مجالات أبحاث الطاقة النووية .

ومع صعود تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة دعا ( بريجنسكي ) امريكا إلى الأختيار بين (الهيمنة أو القيادة) لأنهُ حسب تعبيره قاد المحافظون الجدد الولايات المتحدة إلى الدخول في مغامرة عسكرية غير محسوبة في العراق ، والتي ادخلت الولايات المتحدة في نفق العزلة بشكل لم تألفه منذُ ستين عاماً ، وبالتالي فأن اتخاذ امريكا موقع المهيمن على الأقتصاد العالمي سيضر بسياستها الخارجية ، الامر الذي يمكن تفاديه عبر اتخاذها صفة القيادة والتخلي عن طموحات الهيمنة غير الواقعية في ظل تصاعد محسوس لقوى اوربية كبرى ، وبالتالي يقترح ( بريجنسكي ) على الولايات المتحدة ضرورة التعاون مع القوى الأخرى ( أوربا خصوصاً ) لـ ( لعب ) دور فرض الأستقرار في العالم(5) .

ان هذا المفكر يؤكد على ضرورة جنوح الولايات المتحدة إلى التعاون مع اللاعبين الاخرين في الساحة الدولية لضمان الأستقرار الدولي من موضع القيادة لا الهيمنة ، وقد اتضح ذلك جلياً في قضية الازمة السورية والتقارب الروسي الامريكي فيما يخص مؤتمر جنيف ( 2) .

2) كوندليزا رايس
تعد ( رايس ) احدى ابرز الشخصيات التي تولت حقيبة وزارة الخارجية الامريكية في الولايات المتحدة ، وهي شخصية اكاديمية معروفة في الوسط الأمريكي ولها باع طويل في مجال السياسة .

أن اهم ما يميز ( رايس ) هو طرحها للهيمنة الامريكية في اطار رسمي كونها كانت تشغل منصب وزير الخارجية سابقة ، وهي اول من اطلق مصطلح الفوضى الخلاقة وبلورته في اطار رسمي واعطائها الزخم الاعلامي الواسع بدءاً من عام (2005م) ، حيث تحدثت عن ضرورة مرور الشرق الأوسط بحالة من الفوضى وعدم الأستقرار لبناء مجتمعات ديمقراطية جديدة ( على حد تعبيرها ) ، واكدت ان العالم العربي مقبل على فوضى من النوع الخلاق في ظل الشهور والسنوات القادمة ( وهو ما تشهده المنطقة حالياً ) مؤكدة على ان بقاء المنطقة على حالة ( الأستقرار الخداع ) امر ضروري للهيمنة الامريكية(6) .

حيث ترى في ركيزة الفوضى الخلاقة الأساس القوي والمتين في تدعيم الهيمنة الأمريكية على العالم ، حيث وصفت الموقف الدولي عام ( 2005م ) بأنهُ موقف غير مستقر وان الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في العالم ستكون في البداية فوضى خلاقة ربما تنتج في النهاية وضعاً افضل مما تعيشه المطقة حالياً ( طبعاً بالنسبة للولايات المتحدة ) ، وتمضي ( رايس ) في معظم تصريحاتها بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار إلى كونها ضرورية لتحقيق الهدف الذي تصرح به الولايات المتحدة من اجل ما تزعمهُ من تحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي والأجتماعي لضمان حقوق الانسان ، فالتغيير الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وفق هذا التصور هو العمل على تغيير الانظمة المعادية للولايات المتحدة أو المهددة لأمنها وامن حلفائها ، كجبهة متقدمة للأمن للأمريكي(7)، دون الألتفات إلى الوضع الدولي أو القانون الدولي ، فالدول العظمى لا تتصرف في سلوكياتها بناءاً على ألتزامات اخلاقية بقدر ما تخفي سياساتها بنوع من البلاغة اللفظية النبيلة كالحرب العادلة ومحاربة الدكتاتورية ونشر الديمقراطية والسلام العالمي إلى ما هنالك من هذه الألفاظ والعبارات ، وما اعلان الحرب على العراق واحتلاله دون الحصول على موافقة مجلس الأمن إلاَ دليل صارخ على مثل هذا التوجه ، وبالتالي فان دعوة ( كوندليزا رايس ) هذه هي بمثابة دعوة لعولمة الهيمنة الامريكية وتأبين امبراطوري لمفهوم سيادة الدول .

وفي المحصلة نجد ان تحقيق الهيمنة الامريكية على العالم سُنة أستراتيجية ثابتة لا تتغير رغم تعدد الإدارات والأفكار المؤدية لتحقيقها ، ومهما تعددت الاطروحات والخطط ، بشانها ، فهي أستراتيجية لا تختلف عليها أدارات امريكية سابقة او لاحقة ، وان المؤشرات التقليدية للهيمنة كالموقع الجغرافي والموارد الطبيعية وعدد السكان والقوة الاقتصادية والعسكرية ما كانت لتستثمر بشكل صحيح لو لم يكن هنالك جهد فكري واطار نظري يرسم الملامح الأساسية لخارطة الهيمنة الأمريكية .

المصادر :
1) عفيف البهنسي ، الهوية الثقافية بين العالمية والعولمة ، الهيئة السورية للكتاب ، دمشق ، 2009م ، ص 38 .
2) هادي قبيسي ، السياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين المحافظية الجديدة والواقعية ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، 2008م ، ص 103 .
3) أنمار لطيف نصيف جاسم ، العالمية الجديدة ، المرجعية والأهداف والوسائل ، ط1 ، المكتبة الثقافية ، بيروت ، 2002م ، ص91 .
4) زبغينو بريجنسكي ، بين عصرين أمريكا والعصر التنكتروني ، ت\ محمود عمر ، دار الطليعة ، بيروت ، ص 76 .
5) هادي قبيسي ، مصدر سبق ذكره ، ص 108 .
6) للمزيد ينظر ، مقابلة ( رايس ) مع صحيفة الواشنطن بوست الامريكية بتاريخ 9\4\2005م ، على الرابط التالي :-
http://www.washingtonpost.com nln\4\9\2005.
7) بهاء الدين الخاقاني،الفوضى الخلاقة أستراتيجية السياسة الأمريكية لمائة سنة قادمة،ط1 ، دار المحجة البيضاء ، بيروت ، 2012م ، ص 381 .

4/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى