الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

إسرائيل والحوثيون: تحولات الصراع في سياق أيديولوجي وجيوسياسي

اعداد : د.حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي – مدير المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

في خضم الصراعات الإقليمية الممتدة في منطقة الشرق الأوسط، يظهر صراع غير متكافئ بين قوتين متباينتين بشكل كبير في قدراتهما العسكرية والسياسية: إسرائيل وحركة الحوثيين في اليمن. لا يُعد هذا الصراع مجرد مواجهة بين طرفين بل هو جزء من معادلة أوسع وأكثر تعقيدًا، تتشابك فيها الأبعاد الإقليمية والدولية، الأيديولوجية والدينية، وكذلك المصالح الجيوسياسية. في هذه المواجهة، يبدو أن التوازن العسكري لا يسمح بفرص متكافئة بين إسرائيل، الدولة التي تمتلك جيشًا من الأكثر تطورًا في العالم، والحوثيين الذين يواجهون تحديات شديدة على الأرض، حيث يفتقرون إلى القوة العسكرية التقليدية التي قد تمكنهم من التحدي المباشر. ومع ذلك، لا يُختزل هذا الصراع في مجرد موازين القوى العسكرية، بل يتعداه إلى كونه صراعًا ذو أبعاد أيديولوجية ودينية عميقة، يمثل فيه الحوثيون في بعض الأوساط الشعبية رمزًا للمقاومة ضد الهيمنة الإسرائيلية والغربية في المنطقة.

فكيف يبدو الحوثيون أمام إسرائيل في هذا الصراع؟ وكيف يفهم كل طرف الآخر في سياقات مختلفة؟ وما هي الرؤية العالمية لهذا الصراع الذي يمتد من اليمن إلى فلسطين، ويُحاك فيه المستقبل الجيوسياسي للمنطقة؟ هذه التساؤلات تفتح أبوابًا لفهم أعمق لمسارات القوة والسياسة في الشرق الأوسط، حيث تتداخل الأهداف السياسية والمصالح الاستراتيجية مع القضايا الدينية والتاريخية. إن الصراع بين إسرائيل والحوثيين ليس مجرد مواجهة عسكرية بين طرفين متباينين، بل هو تجسيد لمعادلات معقدة تحكمها التحالفات الدولية، التوجهات الإقليمية، والهويات الثقافية والدينية. ومن هنا، لا يمكن فهم هذا الصراع إلا من خلال دراسة تفاعل القوى الكبرى واللاعبين الإقليميين، بما في ذلك إيران، التي تقف وراء الحوثيين، وكذلك الولايات المتحدة والدول الغربية التي تدعم إسرائيل في مقابل القوى الإقليمية الأخرى التي ترى في الصراع مع إسرائيل ضرورة حتمية لحماية الحقوق الوطنية والدينية في المنطقة.

هذا الصراع، الذي قد يبدو بعيدًا عن أضواء الإعلام الدولي، يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة، ويعيد طرح الأسئلة حول الأطر السياسية والقانونية التي تحكم الصراعات في الشرق الأوسط. لذا فإن فهم طبيعة هذا الصراع لا يقتصر فقط على مقارنة القدرات العسكرية، بل يتطلب فهمًا عميقًا للدوافع الأيديولوجية والدينية التي تحرك الأطراف المعنية، ويعكس بوضوح التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط في سعيها للسلام والاستقرار.

الصراع بين إسرائيل والحوثيين

إن الصراع بين إسرائيل والحوثيين يبدو على السطح غير متوازن، حيث تتفوق إسرائيل بقدرات عسكرية وتقنيات حديثة، بينما الحوثيون، رغم قوتهم في المنطقة، يواجهون تحديات كبيرة بسبب تباين القوة العسكرية والقدرات التكنولوجية. ولكن لفهم هذا الصراع بشكل أعمق، يجب أخذ عدة عوامل في الحسبان:

  1. 1. الحوثيون أمام إسرائيل:

– قدرات عسكرية: الحوثيون، رغم تصعيدهم العسكري في اليمن، إلا أنهم لا يمتلكون قوة عسكرية متكافئة مع إسرائيل. تمتلك إسرائيل ترسانة متطورة تشمل طائرات حربية، صواريخ دقيقة، أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل القبة الحديدية، وتكنولوجيا استخباراتية متفوقة. بينما الحوثيون يعتمدون على أسلحة تقليدية ومستودعات من الأسلحة المهربة.

– استراتيجيات الحرب: الحوثيون يعتمدون بشكل أساسي على حرب العصابات، والصواريخ والطائرات المسيرة في مواجهاتهم مع خصومهم. ومع ذلك، يبدو أنهم يفتقرون إلى القدرة على مواجهة إسرائيل بشكل مباشر. لكنهم قد يستفيدون من أساليب “الحرب غير التقليدية”، مثل الضربات المفاجئة والعمليات الهجومية على أهداف استراتيجية.

– التكتيك الدبلوماسي: الحوثيون يعتمدون بشكل رئيسي على الدعم الإيراني، حيث تمثل طهران مصدرًا رئيسيًا للتمويل والتدريب. في حين أن إسرائيل تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى. التوازن الدولي يعد عنصرًا حاسمًا في تحديد فرص الحوثيين في مواجهة إسرائيل.

  1. 2. فهم الحوثيين لإسرائيل:

– الموقف الأيديولوجي والديني: الحوثيون يعتنقون مذهب “الزيدية” الذي يتسم بنظرة خاصة نحو السلطة السياسية والدينية، ويرون في إسرائيل خصمًا مستمرًا يتناقض مع مصالحهم ودينهم. بالنسبة لهم، إسرائيل تمثل جزءًا من المشروع الغربي الاستعماري الذي يسعى إلى الهيمنة على العالم العربي والإسلامي. وقد جعل هذا التوجه الحوثي من “مقاومة إسرائيل” جزءًا من هويتهم الأيديولوجية.

– التأثير الإيراني: الحوثيون يتبعون في كثير من سياساتهم الأوامر الإقليمية لإيران. العلاقة مع طهران توجّه فكر الحوثيين حول الصراع مع إسرائيل. إيران تعتبر إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا في المنطقة، وتسعى إلى مواجهتها بشكل غير مباشر من خلال وكلائها مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وبالتالي، الحوثيون يعتبرون الصراع مع إسرائيل جزءًا من مشروع أكبر في إطار الصراع الإقليمي في المنطقة.

– دور القضية الفلسطينية: في إطار سردية الحوثيين السياسية، تعتبر فلسطين قضية مركزية. وهم يرون في الصراع مع إسرائيل جزءًا من مقاومة الهيمنة الصهيونية والغرب على العالم العربي. هذا يعطيهم دعمًا معنويًا في الشارع العربي والإسلامي، حيث يربطون قضيتهم بتطلعات عامة ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

  1. 3. الرؤية العالمية للصراع بين إسرائيل والحوثيين:

– النظرة الغربية: في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، يُنظر إلى الحوثيين بشكل عام كجماعة مدعومة من إيران، وبالتالي يُعتبرون تهديدًا استراتيجيًا في المنطقة، سواء بالنسبة لإسرائيل أو للغرب. التحالف بين إيران والحوثيين يعزز هذا الشعور، خاصة مع النشاط الحوثي في البحر الأحمر واليمن.

– النظرة الإسرائيلية: في إسرائيل، يُعتبر الحوثيون جزءًا من المحور الذي يشمل إيران وحزب الله. وتعتبر إسرائيل أن أي تقدم للحوثيين في المنطقة يهدد أمنها بشكل غير مباشر، خاصة إذا كان الحوثيون قادرين على تطوير أسلحة متقدمة أو اتخاذ خطوات عدائية ضد مصالح إسرائيل في المنطقة. على الرغم من أن الحوثيين بعيدون عن إسرائيل، إلا أن الصراع معهم قد يؤثر على توازن القوى في المنطقة بأسرها.

– الرؤية العربية والإسلامية: في العالم العربي والإسلامي، هناك دعم واسع للحوثيين في بعض الأوساط الشعبية بسبب نظرتهم كـ”مقاومين” للاحتلال الإسرائيلي. وفي نفس الوقت، يواجه الحوثيون انتقادات شديدة من قبل بعض الحكومات العربية بسبب صلتهم بإيران ودورهم في إرباك المنطقة. الصراع يثير القلق بين العرب حول التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، خصوصًا في اليمن.

  1. 4. خلفيات تاريخية وجغرافية:

التاريخ الطويل للصراع: تاريخ المواجهة بين إسرائيل والعالم العربي يضفي بعدًا على الصراع بين إسرائيل والحوثيين، حيث تدخل إسرائيل في المنطقة في سياقات عدة، من خلال تحالفاتها العسكرية مع بعض الدول العربية (مثل الأردن ومصر)، إلى دعمها للأنظمة القائمة ضد الجماعات الإسلامية الراديكالية.

– الجغرافيا والسيطرة الإقليمية: رغم أن الحوثيين يواجهون إسرائيل على مسافة كبيرة، إلا أن المناطق التي يسيطرون عليها (اليمن والبحر الأحمر) تؤثر في الأمن الإقليمي بشكل غير مباشر. من خلال التحالفات مع إيران، يمكن أن يضع الحوثيون أنفسهم في مواجهة مع القوى الإقليمية الكبرى، مما يزيد من تعقيد الصراع.

  1. 5. السيناريوهات المستقبلية:

– الاستمرار في المواجهة غير المباشرة: لا يبدو أن هناك تصعيدًا مباشرًا بين إسرائيل والحوثيين في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن دعم إيران للحوثيين قد يوسع دائرة الصراع في المنطقة ويؤثر على الأمن الإقليمي.

– الدبلوماسية والتهدئة: من الممكن أن تحاول القوى الدولية، مثل الأمم المتحدة، التوسط في تهدئة الصراع، خاصة بالنظر إلى الاهتمام الدولي المتزايد بالوضع في اليمن

مما سبق يتبين لنا أن إسرائيل والحوثيون يمثلون طرفين مختلفين تمامًا من حيث القدرات العسكرية والاستراتيجيات، ولكن الصراع بينهما يعد جزءًا من التوتر الإقليمي الأوسع في الشرق الأوسط. الحوثيون، رغم قوتهم العسكرية المحدودة، يعتمدون على موقف أيديولوجي ودعم إقليمي قوي من إيران. أما إسرائيل، فهي تتابع التطورات بحذر، مع التركيز على الحفاظ على تفوقها العسكري وحماية مصالحها الاستراتيجية.

في نهاية المطاف، فإن الصراع بين إسرائيل والحوثيين يعكس بؤرة التوترات العميقة التي تمزج بين الأبعاد الجيوسياسية، الأيديولوجية، والدينية في قلب الشرق الأوسط. ورغم عدم التكافؤ الواضح في موازين القوى بين الطرفين من حيث الإمكانيات العسكرية والتكنولوجية، فإن هذا الصراع ليس مجرد مواجهة تقليدية بين جيشين، بل هو مظهر من مظاهر النزاعات المعقدة التي تحكمها مصالح استراتيجية وأبعاد ثقافية ودينية تؤثر على مستقبل المنطقة برمتها.

الحوثيون، وهم جزء من مشروع أيديولوجي مدعوم من إيران، يمثلون تحديًا مستمرًا للدور الإسرائيلي في المنطقة، وقد اختاروا كسر الهيمنة الإسرائيلية والغربية من خلال تشكيل تحالفات متينة مع قوى إقليمية. أما إسرائيل، التي ترى في الحوثيين تهديدًا غير مباشر لأمنها القومي، فهي تسعى للحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي في مواجهة أي تهديدات قد تؤثر على استقرارها في وقت يشهد فيه العالم تغيرات دراماتيكية في موازين القوى.

لكن الصراع بين الطرفين لا يقتصر على ميدان الحرب فقط، بل يتعداه إلى ميدان الأفكار والسياسات، حيث تُطرح أسئلة حاسمة حول دور القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، وتأثير القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا في هذا النزاع. كما يعكس الصراع أيضًا الفجوة بين النخب الحاكمة والتطلعات الشعبية في المنطقة، التي تسعى إلى التغيير والعدالة في مواجهة الهيمنة والاحتلال.

إن هذا الصراع، وإن بدا بعيدًا عن بؤرة الاهتمام الدولي في بعض الأحيان، يظل محوريًا في فهم التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط في سعيها لتحقيق الأمن والاستقرار. ليس هو مجرد صراع بين فصيلين، بل هو اختبار حقيقي للمعادلات السياسية العالمية وإرادة الشعوب في مواجهة الهيمنة والظلم. إذ يبقى الأمل في أن يكون الحوار والتفاهم والتعاون بين جميع الأطراف هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والمستدام في هذه المنطقة المضطربة.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى