جرينلاند بين أطماع ترامب وأبعاد السياسة: قراءة تحليلية
اعداد : د. مصطفى عيد إبراهيم – أستاذ محاضر في العلوم السياسية
- المركز الديمقراطي العربي
لا شك ان ترامب 2016 لن يكون ترامب 2025. فترامب 2016 كان رئيس بلا أي خلفية سياسية ولو في حدها الأدنى. ترامب 2016 وضع اساسات لطريقة حكمه تمثلت في الامن مقابل التجارة ودعم دولة رائدة او دولة قائدة في كل إقليم يدير شئون هذا الاقليم تحت وصاية الولايات المتحدة بحيث تتفرغ الأخيرة للصين. فضلا عن عدم ايمانه المطلق بالنظام العالمي الذي تم تدشينه بعد الحرب العالمية حتى وان كانت الولايات المتحدة هي من نشأته واستفادت منه. الا ان ترامب لم يستطع ان يحقق كل طموحاته في فترة رئاسته الأولى. وها هو يأتي من جديد بانتصار ساحق وفريد عبر تاريخ الولايات المتحدة الأمريكي القصير نسبيا. ترامب 2025 يدلى بتصريحات رجل العقارات فهو يريد ان يسمي خليج المكسيك بخليج أمريكا، وان يضم كندا كولاية أمريكية رقم 51 وان يغرم بنما عن قناتها او يشاركها فيها. وأخيرا ان يستولي على جزيرة جرين لاند التابعة للدانمرك. وان يستخدم سلاح العقوبات والرسوم الجمركية كأداة غليظة يعاقب بها من يرفض ان يرتدع ويستجيب لكلامه او بالأحرى لتهديداته. وهو ما يطرح تساؤلات عن رؤية ترامب في 2025 للعالم وكيفية إدارة العالم بمنطق رجل العقارات والتاجر الكلاسيكي الذي يسعى فقط لجمع الأرباح وكيف يمكن ان ينجح سلاح العقوبات والرسوم الجمركية؟ وماهي نظرته للشرق الأوسط؟
لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى
هذا هو شعار ترامب الذي مكنه من الفوز في الانتخابات. وهو شعار قومي يخاطب به اليمين وكل من يريد ان تكون أمريكا له ولأبنائه الذين ولدوا بها وليس للمهاجرين وابنائهم. هو شعار يخاطب الانا والفوقية والتي تجد كثير من المستجيبين داخل الولايات المتحدة. نعم، لم تكن تصريحات ترامب عن جزيرة جرين لاند هي الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية. فلقد قامت الولايات المتحدة مرات عديدة منذ عام 1867 بمحاولات، لشراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، كما فعلت مع جزر الهند الغربية الدنماركية في عام 1917. الا انه انها مع ترامب جاءت في ظل تصريحات توسعية ونظرة جديدة للولايات المتحدة للنظام العالمي. وفي حين تظل جرينلاند إقليمًا يتمتع بالحكم الذاتي داخل مملكة الدنمارك، فإن معاهدة عام 1951 تمنح الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من السيطرة على دفاعها. ومؤخرا، وبعد تصريحات للرئيس المنتخب ترامب، قام نجل دونالد ترامب بزيارة إلى جرينلاند، وصرح ترامب الابن قبل زيارته إنه سيشرع في “رحلة شخصية ليوم واحد” وليس لديه اجتماعات مخططة مع مسؤولين حكوميين.
من ناحيته، وردا على تصريحات ترامب بشأن الجزيرة، قال رئيس وزراء الجزيرة: “نحن لسنا للبيع. وعندما سُئلت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن عن زيارة ترامب الابن لجرينلاند، قالت للتلفزيون الدنماركي إن “جرينلاند ملك لسكان جرينلاند” وأن السكان المحليين فقط هم من يمكنهم تحديد مستقبلهم[1]. وهي الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها نحو 57000 نسمة، وتتمتع باستقلالية واسعة النطاق – لكن اقتصادها يعتمد إلى حد كبير على الإعانات من كوبنهاجن والتي تظل جزءًا من مملكة الدنمارك.
واتفقت رئيسة الوزراء على أن “جرينلاند ليست للبيع”، لكنها أكدت أن الدنمارك بحاجة إلى تعاون وثيق للغاية مع الولايات المتحدة، الحليف الوثيق في حلف شمال الأطلسي.
ولقد نشر النائب الدانماركي المحافظ راسموس يارلوف على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية أن “هذا المستوى من عدم الاحترام من الرئيس الأمريكي القادم تجاه الحلفاء والأصدقاء المخلصين للغاية هو رقم قياسي”.
في حين علق الرئيس المنتخب ترامب على منصته Truth Social إن “الاستقبال لابنه في جرينلاند كان رائعًا”. وتضمن منشور آخر مجموعة مختارة من الصور التي تُظهر ترامب الابن يقف بجانب أشخاص يرتدون قبعات حمراء مكتوب عليها “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. وقال ترامب إن جرينلاند “والعالم الحر يحتاجان إلى الأمان والأمن والقوة والسلام!”وأضاف “لنجعل جرينلاند عظيمة مرة أخرى. وتقع جرينلاند على أقصر طريق من أمريكا الشمالية إلى أوروبا، مما يجعلها مهمة استراتيجيًا للولايات المتحدة. كما أنها موطن لمنشأة فضائية أمريكية كبيرة.
الأهمية الجيو ستراتيجية لجرينلاند
بعد ساعات من تكرار الرئيس المنتخب ترامب اهتمامه بشراء جرينلاند الشهر الماضي، أعلنت الحكومة الدنماركية عن زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي للجزيرة. ووصف وزير الدفاع الدنماركي ترويلز لوند بولسن توقيت الإعلان بأنه “مفارقة القدر”. وأعقب ذلك قيام الملك فريدريك العاشر شعار النبالة الملكي ليبرز بشكل أكثر بروزًا تمثيلات لجرينلاند وجزر فارو. واستخدم الملك فريدريك خطابه بمناسبة العام الجديد ليقول إن مملكة الدنمارك موحدة “طوال الطريق إلى جرينلاند”، مضيفًا “نحن ننتمي إلى بعضنا البعض.
لكن رئيس وزراء جرينلاند استخدم خطابه بمناسبة العام الجديد ليقول إن الجزيرة يجب أن تتحرر من “أغلال الاستعمار”.
وتجدر الإشارة الى انه حوالي عام [2]1953، في عملية بلو جاي، قامت الولايات المتحدة ببناء قاعدة ثولي الجوية في شمال جرينلاند. منذ عام 1959، كانت الجزيرة جزءًا من قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية. وظفت ثولي أكثر من 1000 مواطن جرينلاند وكان بها ما يقرب من 10000 موظف أمريكي. قامت هي وحوالي 50 قاعدة أمريكية أخرى بأداء مهام مثل تتبع الغواصات السوفيتية في فجوة جيوك. كان معسكر سينتشري تجربة في الهندسة القطبية التي نذرت باستعمار القمر. انخفض اهتمام الولايات المتحدة بشكل مفاجئ بعد الحرب الباردة؛ تم التخلي عن رادارات قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية، “على الرغم من أن ثولي، القاعدة الجوية الأكثر شمالًا في الولايات المتحدة، تضم … شبكة أجهزة الاستشعار، والتي توفر تحذيرًا مبكرًا من الصواريخ ومراقبة الفضاء والتحكم فيه”. ومنذ عام 2004، كانت ثولي القاعدة الأمريكية الوحيدة، مع بضع مئات من الأمريكيين.
وفي بدايات القرن الواحد والعشرين، بدا تزايد اهتمام كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين بالجغرافيا السياسية في جرينلاند والقطب الشمالي. حيث حضرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حينئذ ونظيرها الروسي سيرجي لافروف اجتماع الدول الخمس في القطب الشمالي عام 2010. وفي عام 2019 قال والتر بيربريك من كلية الحرب البحرية ان من يسيطر على جرينلاند سيسيطر على القطب الشمالي[3]. إنه الموقع الاستراتيجي الأكثر أهمية في القطب الشمالي وربما العالم. كما تؤكد الولايات المتحدة على جغرافية جرينلاند في أمريكا الشمالية. وفي عام 2018، أعاد الأمريكيون تأسيس الأسطول الثاني للولايات المتحدة، المسؤول عن شمال الأطلسي؛ وفي هذا الاطار، اقترح بيربريك تمركز الأسطول في جرينلاند، ووقع وكيل وزارة الدفاع للسياسة جون رود اتفاقية للاستثمار في البنية التحتية ذات الاستخدام المزدوج. قال هنريك بريتينبوش من جامعة كوبنهاجن إن الاتفاقية، التي رحبت بها جرينلاند، كانت جزءًا من التركيز الأمريكي المتزايد على الدفاع عن أمريكا الشمالية.
في عام 2019، طلبت جرينلاند من الولايات المتحدة إجراء مسح جوي. تم التخطيط لذلك قبل ولكن حدث بعد اقتراح شراء إدارة ترامب[4]، واستخدمت البحرية الأمريكية التصوير الطيفي فوق جاردار وقامت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بتفسير البيانات للبحث عن الموارد المعدنية. في أبريل 2020، قبلت جرينلاند منحة أمريكية بقيمة 12.1 مليون دولار. وافقت الدنمارك في ديسمبر 2019 على طلب إدارة ترامب لإنشاء قنصلية في جرينلاند. كان قد تم افتتاح القنصلية أثناء الحرب العالمية الثانية وأغلقت في عام 1953، وأعيد فتحها في يونيو 2020، [بعد يوم من إعلان الإدارة الامريكية أنها ستبني أسطولًا جديدًا من كاسحات الجليد). وفي هذا السياق، قال نيك سولهايم من معهد والاس لأمن القطب الشمالي إن القانونين “هما أكثر الأشياء الضخمة التي قمنا بها في سياسة القطب الشمالي في السنوات الأربعين الماضية”.
على صعيد اخر، وصفت وكالة رويترز جرينلاند في أكتوبر 2020 بأنها “ثقب أسود أمني” للولايات المتحدة وحلفائها، وأن ساحلها الذي يبلغ طوله 27000 ميل (44000 كيلومتر)، من الصعب مراقبته. وذكرت وكالة الأنباء “في عدة مناسبات منذ عام 2006، ظهرت سفن أجنبية بشكل غير متوقع أو بدون البروتوكولات اللازمة، في المياه التي تهدف الدنمارك العضو في حلف شمال الأطلسي إلى الدفاع عنها”. وكثيرا ما كان اكتشاف السفن الأجنبية، بما في ذلك غواصة روسية، عن طريق الصدفة. وشملت المخاوف الأمنية الموصوفة وجود سفن روسية يُعتقد أنها تمتلك القدرة على رسم خريطة لقاع المحيط، ونشر روبوتات يمكنها التنصت على الكابلات البحرية أو قطعها أثناء الصراع. وفي يناير 2025، صرح الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب بأننا “بحاجة إلى جرينلاند لأغراض الأمن القومي” ورفض استبعاد استخدام القوة العسكرية للاستيلاء على السيطرة.
وبدورها وكجزء من سياسة الصين تجاه القطب الشمالي، أعلنت الصين في عام 2018 نفسها “انها دولة قريبة من القطب الشمالي”. بدأ الاهتمام الصيني بجرينلاند عندما زار رئيس وزراء جرينلاند هانز إينوكسن البلاد في عام 2005. وزار وزير الأراضي والموارد شو شاوشي جرينلاند في عام 2012. تهتم الصين بالعلوم القطبية والبنية الأساسية والموارد الطبيعية، بينما تريد جرينلاند الاستثمار الخارجي. تعد الصين أكبر مستثمر خارجي للجزيرة، حيث بلغت الاستثمارات 2 مليار دولار من عام 2012 إلى عام 2017، وهو ما يمثل 11.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة. كما تمتلك أسهم في شركة التعدين Shenghe Resources 12.5٪ من Greenland Minerals، والتي وافقت في عام 2018 على السماح لـ Shenghe بالإشراف على الاستخراج في Kvanefjeldعلى الرغم من أن الجزيرة تستورد القليل من الصين، إلا أنها ثاني أكبر شريك تصدير لجرينلاند بعد الدنمارك. كانت الواردات الصينية من الأسماك الجرينلاندية هي الجزء الأكبر من تجارتها التي بلغت 126 مليون دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام [5]2019. كما تتعاون الصين مع المشاريع العلمية الجرينلاندية، وتشجع الأنشطة الثقافية الصينية. في عام 2016، سمحت الجزيرة لإدارة المحيطات الحكومية ببناء محطة بحثية. في عام 2017، في حين رفضت الحكومة الدنماركية اقتراحًا من شركة تعدين صينية لشراء قاعدة بحرية مهجورة في جرينلاند بسبب مخاوف من أن الترتيب من شأنه أن يضر بالعلاقات مع الولايات المتحدة[6]. لذلك عندما سافر رئيس وزراء جرينلاند إلى بكين لطلب المساعدة المالية لبناء مطارين، أقنعت الولايات المتحدة الدنمارك بتقديم 1.6 مليار كرونة بدلاً من ذلك. وبالفعل واعتبارًا من فبراير 2021، تم التخطيط لإقامة ثلاث مطارات جارية وهي مطار نوك ومطار إيلوليسات ومطار كاكورتوك. خاصة وان جرينلاند تمنح الدنمارك دورًا في القطب الشمالي، فهي عضو في مجلس القطب الشمالي وواحدة من الدول الخمس المطلة على القطب الشمالي، وموقعة على إعلان إيلوليسات – لكن المستثمرين الدنماركيين لديهم حضور ضئيل، على الرغم من أن خمس سكان جرينلاند يعيشون في الدنمارك.
وعلى الصعيد الأوروبي، يشير كثير من المحللين إن “مشاركة الاتحاد الأوروبي مع جرينلاند تشبه قطرة في المحيط المتجمد الشمالي”. بعد انسحاب جرينلاند من المجتمعات الأوروبية في عام 1985، ظلت واحدة من دول وأقاليم الاتحاد الأوروبي الخارجية وسكان الجزر هم مواطنون في الاتحاد الأوروبي. وفي إطار الرغبة في تقليل اعتماد الجزيرة على الصين بعد جائحة كوفيد-19، وقعت المفوضية الأوروبية اتفاقية معادن مع جرينلاند في نوفمبر 2023، وافتتحت مكتبًا في نوك في مارس 2024 بزيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين[7].
الوضع السياسي للجزيرة واتفاقية 1951
تتمتع الجزيرة بالحكم الذاتي داخل مملكة الدنمارك، وقد عارض العديد من سكان الجزيرة التدخل الدنماركي في صفقة المطارات” التي تمت بتوصية أمريكية”. اعتبارًا من عام 2009، أصبح استقلال جرينلاند ممكنًا في أي وقت بناءً على القانون الدنماركي؛ وفي فبراير 2024 أعلنت الجزيرة أن الاستقلال هو هدفها. وبموجب الحكم الذاتي للجزيرة، يقرر القادة المنتخبون معظم الشؤون الداخلية. في حين تسيطر الدنمارك على الشؤون الخارجية وتحرس الحدود البحرية، بينما تسيطر الولايات المتحدة على الدفاع الخارجي؛ في حين لا تستطيع الولايات المتحدة زيادة وجودها دون موافقة الدنمارك وجرينلاند، بموجب اتفاقية عام 1951، لا تدفع أي إيجار للقواعد، ولديها سلطة كاملة تقريبًا داخل “مناطق الدفاع” التي وافقت عليها الدنمارك والولايات المتحدة داخل حلف شمال الأطلسي. تتمتع القوات والمدنيون الأمريكيون بحرية الوصول إلى مناطق الدفاع وفيما بينها، ويمكنهم التحليق بحرية فوق الجزيرة؛ تتمتع الدنمارك بقدرة ضئيلة على العمل في جرينلاند حيث يتعلق الأمر بالأمن القومي للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الوجود الأمريكي يفيد السلطة المدنية الدنماركية على الجزيرة، ويسمح للبلاد بإنفاق أقل على حلف شمال الأطلسي مع تجنب وجود قوات أجنبية على الأراضي الدنماركية. أعلنت حكومات جرينلاند عن نيتها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كدولة مستقلة، وترحب بالاهتمام المتزايد من جانب الولايات المتحدة، ولا تعارض الوجود الأمريكي إذا استفادت الجزيرة من استثمارات الولايات المتحدة في توفير فرص العمل. وعلى الصعيد الاقتصادي فان الجزيرة تحتوي على معادن أرضية نادرة قيمة مطلوبة للاتصالات، فضلاً عن اليورانيوم، ومليارات البراميل غير المستغلة من النفط، وإمدادات هائلة من الغاز الطبيعي التي كانت غير متاحة في السابق فضلا عن قيمتها الجيو ستراتيجية.
تصريحات ترامب عن كندا وقناة بنما
كما قال إن كندا يجب أن تصبح الولاية الأمريكية رقم 51، في كثير من الأحيان أثناء استفزاز رئيس وزراء البلاد، جاستن ترودو، الذي أعلن أمس أنه سيتنحى بعد أشهر من الضغوط من صفوفه. وعن قناة بنما، ذكر ترامب انها قناة حيوية للتجارة البحرية الدولية التي أنشأتها الولايات المتحدة ولكن تم نقلها إلى السيطرة البنمية في 31 ديسمبر 1999. ولقد سبق وان انتقد ترامب في شهر ديسمبر الماضي بنما لفرضها رسوم “باهظة” على السفن الأمريكية وأعرب عن مخاوفه بشأن النفوذ الصيني المحتمل على عمليات القناة. في المقابل، رفض الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو هذه الادعاءات، مؤكدًا أن القناة لا تزال تحت سيطرة بلاده وأن الرسوم تنطبق بشكل عادل على جميع الدول. وهو ما أكد عليه أيضا وزير خارجية بنما من ان قناة بنما عادت إليهم ولن يتم تغيير هذا الوضع.
ترامب لا ينفي احتمالية التدخل العسكري
ذكرت “فرح تومازين” من صحيفة سيدني هيرالد[8] ان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، لم يستبعد استخدام القوة العسكرية لاستعادة قناة بنما والسيطرة على جزيرة جرينلاند، مؤكدا أن كليهما حيويان للأمن القومي الأميركي. وفي حديثه بعد يوم من تصديق الكونجرس على انتخابه، كرر تهديده بأنه سيكون هناك “جحيم يدفع ثمنه” إذا لم يتم التوصل إلى صفقة رهائن بين إسرائيل وحماس بحلول الوقت الذي يعود فيه إلى منصبه؛ وأعلن أن خليج المكسيك سيعاد تسميته بخليج أميركا. وعندما سُئل ترامب، عما إذا كان بإمكانه أن يؤكد للعالم أنه لن يستخدم القوة العسكرية أو الإكراه الاقتصادي للمطالبة بأي منهما، قال ترامب للصحافيين: “لا، لا أستطيع أن أؤكد لكم أيًا من هذين الأمرين، لكن يمكنني أن أقول هذا: نحن بحاجة إليهما من أجل أمننا القومي”. كما هدد لاحقًا بفرض رسوم جمركية على الدنمارك إذا لم يحصل على ما يريده، معلنًا: “الناس لا يعرفون حتى ما إذا كانت الدنمارك لديها أي حق قانوني في [جرينلاند] ولكن إذا كان لديهم، فيجب عليهم التخلي عنها لأننا بحاجة إليها من أجل الأمن القومي”. وتعيد تصريحات ترامب التاريخ الى التدخلات الامريكية السافرة في أمريكا الوسطى والكاريبي وتتناقض مع رؤية ترامب التي كان يروج لها عن طريق عدم التدخل العسكري للولايات المتحدة متناسيا ان التدخلات العسكرية للولايات المتحدة هي الطريق الأساسي لزعامتها في العالم.[9]
العقوبات والرسوم الجمركية
خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى، هدد ترامب حلف الناتو. وأشار غير ذي مرة بانه لا يمكن لدول الحلف ان تستفيد من ظاهرة الراكب المجاني، وان على الدول الأعضاء بالحلف رفع انفاقها العسكري الى معدل %2 من ناتجها المحلي الإجمالي، والا لن تكون هناك حماية امريكي. كما ربط التجارة بالأمن، وذكر انه لا يمكن ان نقدم حماية عسكرية لدول أوروبية في حين انها تخترق السوق الامريكية وتصدر اليه أكثر مما تستورد منتجات أمريكية. وهدد بفرض رسوم جمركية حمائية على المانيا وعلى الصين بالطبع وتوسع في فرض العقوبات على إيران وكوريا الشمالية وبطبيعة الحال تنال هذه العقوبات ورفع الرسوم من دول كثيرة بالعالم بحكم ارتباط سلاسل الامداد والتوريد بالمنظومة الاقتصادية المعاصرة. بل انها تضر الولايات المتحدة الامريكية ذاتها في بعض الأحيان. وفي التقرير الذي سبق[10] وان أعده كاتب هذه السطور والموسوم بالعقوبات الاقتصادية بين شدة الإدانة وشن الحروب، والذي أشار فيه ان الدبلوماسي جيريمي جرينستوك، سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة بين عامي 1998 و2003 في تقرير نٌشر في يوليو 2020، أن السبب الأساسي للعقوبات إنها حل وسط بين الكلمات والعمل العسكري إذا كنت تريد ممارسة الضغط على حكومة ما. وأشار ان العقوبات لكي تكون فعالة وتؤتئ بثمارها فإنها تعتمد على ثلاثة ابعاد: البعد الزمني، ومدى قوة النظام المفروض عليه العقوبات، واخيرا مدى وجود اختراق في نظام العقوبات من عدمه وهو دائما ما يحدث من خلال وكلاء وسماسرة وسوق سوداء. على صعيد اخر، أشار معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أن الصادرات الأمريكية نفسها تقل بفعل العقوبات. كما يقول ريتشارد هاس والذي تشاركه ميغان اوسوليفان، في كتابه “العسل والنحل” في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن العقوبات تسفر بصورة شبه دائمة عن صعوبات اقتصادية، لكن تأثيرها يعجز عن فرض التغيير السياسي المطلوب في البلد المستهدف. وإضافة إلى ذلك فإن العقوبات تثير عادة نتائج غير مقصودة، مثل تقوية النظم المعادية، وفي ضوء هذه النتائج هناك تسليم متزايد بأن الاعتماد فقط على الأدوات الجزائية مثل العقوبات نادراً ما يمثل استراتيجية فعالة للسياسة الخارجية. وفي عام 2016 حذر وزير الخزانة الامريكي جاك ليو، بأن الإفراط في استخدام العقوبات الاقتصادية يمكن أن يقوض من مكانتنا القيادية في الاقتصاد العالمي ومن فعالية العقوبات نفسها. وهي النصيحة التي لا يريد ان يسمع لها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، حيث توسع في فرض عقوبات على الصين وإيران وروسيا وفنزويلا وغيرها وهدد المانيا وفرنسا وها هو الان يهدد الدانمرك وبنما. وخلال فترة رئاسة ترامب التي دامت أربع سنوات استهدف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ما يقرب من ضعف عدد الكيانات والأفراد سنويًا كما كان عليه خلال فترتي رئاسة جورج دبليو بوش وباراك أوباما مجتمعين[11].
ترامب والشرق الأوسط
تأتي فترة رئاسة ترامب الثانية في خضم ازمة غزة والتي شملت تصريحاته تهديدات مباشرة لأطلاق سراح الرهائن على حد تعبيره. والتغيرات في سوريا وما لحق بالمعسكر الإيراني والروسي والذي وصفها هو نفسه بالانحسار الشديد. وسلوك ترامب في الشرق الأوسط سوف يأخذ أكثر من سيناريو، وان هذه السيناريوهات ليست بديلا عن بعضها. بل يمكن تطبيقها معا، حيث سيتم اعلاء المصلحة الشخصية كرجل عقارات وتعظيم العوائد والارباح من دول المنطقة وعقد صفقات لتوريد السلاح للعديد من الدول بالإقليم حتى يرفع معدلات التوظيف داخل الولايات المتحدة ويخفض نسب التضخم. كما انه سيعمل تحت راية الانتقام من إيران التي سبق وان تم الإعلان عن تورطها في محاولة اغتياله رغم نفي إيران ذلك. فضلا عن تعظيم الدور الإسرائيلي بالمنطقة وضم أراضي سورية وغير سورية لإسرائيل باعتراف ورضا امريكي. كما ان هناك احتمالية كبيرة لمواجهة بين إسرائيل وتركيا وهو ما أعلنته الحكومة الإسرائيلية بالفعل وعملت على رفع انفاقها العسكري لاحتمالية المواجهة مع تركيا والتي حتما ستشهد تغيرات كبيرة بعد رحيل اردوغان الا إذا تم تمهيد نقل السلطة لرجل الاستخبارات ووزير الخارجية التركي الحالي” هاكان فيدان” والذي قد يزيد من احتمالات المواجهة (غير العسكرية) مع إسرائيل.
على صعيد اخر، فان تصريحات ترامب بشأن كندا وخليج المكسيك وجزيرة جرينلاند ستعطي شرعية إضافية لقانون القوة، وان القوي سيكون له الحق في اختيار ما يتملكه حتى وان كان ليس لديه ما يثبت هذه الملكية وان اثبات الملكية مرده القوة وليس القانون الدولي والاتفاقات والمعاهدات وهو ما يشرع لمنهج جديد في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط حتى وان كان الامر الواقع يشير الى وجود نسبي لهذا الامر. الا انه تصرفات ترامب وتصريحاته وتهديداته ستمهد الطريق لنظام عالمي جديد بالفعل وفي ظل صمت صيني وروسي ودولي انتظارا لانهيار امريكي من الداخل او بفعل الحتمية التاريخية او بفعل التمدد الزائد الذي أشار اليه بول كينيدي في ثمانينيات القرن الماضي.
اما الرسالة الأخيرة التي يعطيها ترامب وسلوكه السياسي، انه لا يوجد حليف له مطلقا حتى وان كانت أوروبا. وان على الشرق الأوسط ان يلبي مطالبه والتي تتمحور حول امن إسرائيل والطاقة والممرات المائية وعقد الصفقات ودعم سياساته حتى يمكن ان يظل حليف له بحكم الضرورة وليس تحالف استراتيجي والذي قد سيقصره على إسرائيل فقط.
الخاتمة
ان المنطق الذي يظهره ترامب في فترة رئاسيته الثانية والتي ستبدأ يوم 20 يناير 2025 يعد منطق واضح ومباشر وعلى عكس الإدارات الامريكية الأخرى التي تتلون وتظهر عكس ما تبطن، وتفعل عكس ما تقول. وفي هذا السياق، فهي ليست امرا جيدا في الإدارات الامريكية التقليدية. كما انه ليس امرا جيدا في إدارة ترامب التي تتسم بالعبثية وعدم القدرة على التنبؤ والانتهازية والفوقية. كما تظهر نوايا ترامب التوسعية واستنادا على ان الطرف الاخر يستفيد من حماية الولايات المتحدة ومن تجاراتها معه، إذا، لماذا لا نضمه الينا او نعلن الوصاية عليه او نشاركه في عوائده. فهو يرى ان قناة بنما تستفيد من تجارة الولايات المتحدة وهذا في عرفه يعد كافيا لمشاركته في عوائد قناة بنما. وان جزيرة جرينلاند مهمة للولايات المتحدة، فهذا مبررا كافيا للسعي لضمها والا تعرضت الدانمرك للعقوبات الاقتصادية. كما لايري في كندا أكثر من ولاية رقم 51 وليست دولة يمكن ان يرتبط بها بتحالف في ظل القانون الدولي.
باختصار، ترامب ليس معني كثيرا بقواعد القانون الدولي والتراث الإنساني والحضاري في هذا السياق ولا مهتم بميثاق الأمم المتحدة والذي رغم نقدنا إياه في التنفيذ والعدل، الا انه يعد الأفضل في ضبط العلاقات بين الدول حتى الان. ولا يعنيه المؤسسات والهيئات والكيانات التي نشأت بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها. ولكن يعنيه وضع أسس جديدة حتى للنظام الرأسمالي من خلال اعتماده على تايكونات فردية وليس مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية. وهو الذي انسحب من وكالات دولية متخصصة مثل مجلس حقوق الانسان واتفاقيات دولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وهو ما سوف يعيده مرة أخرى وربما يتوسع فيه.
وعلى صعيد نظري، فان تحليل شخصية ترامب سواء في مجال العقارات او في مجال السياسة لا تجعل طرح أي سيناريو مستبعدا سواء داخل الولايات المتحدة الامريكية أو خارجها. خاصة وانه يمكن بالفعل اخذ جرينلاند سواء بالشراء او من خلال استغلال فرصة الحكم الذاتي لسكان الجزيرة واللجوء الى استفتاء لتقرير مصيرهم وهو ما يمكن ان يكون لصالح الولايات المتحدة من منطلق ان الولايات المتحدة هي التي تدافع عن الجزيرة، ومن ثم يكون هذا لصالح ترامب وتوجهاته. ولكن نهج ترامب خلال رئاسته القادمة سيتفتح تنافسية ربما تكون أقرب للعدائية منها للتعاونية مع الصين وروسيا مستقبلا.
[1] – Ian Aikman, Trump Jr arrives in Greenland after dad says US should own the territory, https://www.bbc.com/news/articles/c5yv10knyd9o.
[2] – Lidegaard, Bo (2003). Defiant Diplomacy: Henrik Kauffmann, Denmark, and the United States in World War II and the Cold War, 1939–1958. Studies in modern European history. Vol. 54. Translated by Jones, W. Glyn. P. Lang
[3] – Lau, Stuart; Elmer, Keegan (September 1, 2019). “Did China’s presence in Arctic prompt Trump’s bid for Greenland?”. South China Morning Post. Retrieved September 2, 2019.
[4] – Lau, Stuart; Elmer, Keegan (September 1, 2019). “Did China’s presence in Arctic prompt Trump’s bid for Greenland?”. South China Morning Post. Retrieved September 2, 2019.
[5] – Dams, Ties; van Schaik, Louise; Stoetman, Adája (2020). Greenland: what is China doing there and why? (Report). Clingendael Institute
[6] – Matzen, Erik (April 6, 2017). “Denmark spurned Chinese offer for Greenland base over security: sources”. Reuters. Retrieved August 16, 2019.
[7] – Bryant, Miranda (March 14, 2024). “Von der Leyen heads to Greenland as EU seeks materials for green transition”. The Guardian. ISSN 0261-3077. Retrieved March 14, 2024.
[8] – https://www.smh.com.au/world/north-america/donald-trump-says-he-s-open-to-use-of-military-force-to-take-control-of-greenland-and-the-panama-canal-20250108-p5l2pn.html
[9] – https://rcssegypt.com/19437
مصطفي عيد إبراهيم، المحددات الثلاثة للانتشار العسكري الأمريكي بالخارج
[10] – alarab2030.com/العقوبات-الاقتصادية-الإدانة-الحرب/
[11] – https://elmouritany.info/?p=99459