مقالات

أسباب عدم استرداد أرصدة الطغاة العرب المُجمدة في المصارف السويسرية ؟

بقلم : بينجامين كيلّر – تونس

“استرداد الأصول المُجَمَّدة مشكلة مُستعصية حتى مع وجود قانون جديد”حسب الكاتب”

مع اقتراب مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة، لا زال الوضع الإقتصادي في البلاد التي انطلقت منه شرارة الربيع العربي.. صعبا.

“أنتم السويسريون أغتَنَيتُم بِفَضل أموال الطُغاة”!

“أين أصبحت ثروة أقارب زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي المخلوع”؟

هذا السؤال لا يطرحه مواطنو الديمقراطية الفتية في المغرب العربي لوحدهم. فبِحَسب السلطات الفدرالية، لا تزال قُرابة مليار فرنك، يُفترَض أنه تم اكتسابها بشكل غير قانوني مُجمدة في المصارف السويسرية منذ إندلاع الثورات في العالم العربي. وتَخص هذه الأموال كلّا من مصر (650 مليون فرنك)، وسوريا (120 مليون فرنك)، وليبيا (90 مليون فرنك)، وتونس (60 مليون فرنك).

يقول بيير آلان ألتشينغَر، المُتحدث الإعلامي باسم وزرة الخارجية السويسرية: “من الطبيعي أن تستغرق إجرءات إعادة هذه الأصول وقتاً طويلاً لانها تجري وفقا لمبادئ سيادة القانون، التي تتطلب إثبات مزاعم عَدَم الشرعية المُرتبطة بهذه الأموال في سياق إجراءاتٍ قضائية داخل بلد المنشأ أو في سويسرا”. ثم يضيف: “يعني هذا أيضاً أن بإمكان أصحاب الأموال مُمارسة حقهم في الاستئناف، وإطالة الإجراءات القضائية بهذا الشكل”.

ومن الواضح أنَّ التحقيقات الجارية مُعقدة، كما انَّ التقدُّم الحاصل في هذا المضمار يَعتَمِد على مدى تعاون الدول المَعنية إلى حدٍ كبير.

وبالنسبة لحالة تونس، يتحقق هذا التعاون بشكل جيّد على العموم. “لقد أحيلَت جميع الأدلة المطلوبة كجُزء من عملية التعاون القضائي المُتبادل”، بحسب رافائيل فراي، المتحدث الإعلامي للمكتب الفدرالي للعدل. وكانت تونس، مَهد “الربيع العربي”، هي الدولة التي تمكنت من المُضي بثورتها -التي انطلقت في 14 يناير2011 وأطاحت بنظام بن علي -بالشكل الأفضل. مع ذلك، وعلى الرغم من الانتخابات التشريعية والرئاسية الناجحة التي شهدتها البلاد في موفى عام 2014، لا يزال النظام القضائي في تونس هشاً، كما يمثل استرداد الأصول المُكتسبة بشكل غير قانوني حقلاً جديداً تفتقر الدولة الشمال أفريقية فيه إلى الخبرة اللازمة.

وفي إطار التعاون القضائي المُتَبادل بين سويسرا وتونس، كان مكتب النائب العام الفدرالي قد أمر في أبريل 2014، بتسليم مبلغ 40 مليون فرنك سويسري مُحتجزة باسم بلحسن الطرابلسي (صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي)، إلى الدولة التونسية بشكل مُبَكِّر، على افتراض أن الإستيلاء غير المشروع لهذه الأموال سوف يُثبَت بالشكل الكافي. بَيد أنَّ المحكمة الجنائية الفدرالية في بيلينزونا ألغت هذا القرار في شهر ديسمبر، بدعوى انتهاك حق الطرابلسي في جلسة إستماع. ولم يُدل المسؤولون عن هذا الملف الذين اتَصَلَت بهم swissinfo.ch، بأي وقائع جديدة حول هذا الموضوع.
الحالة المصرية الشائكة

أما التعاون مع مصر فهو أشد تعقيداً. وبحسب مارك هيركينراث، مدير تحالف الجنوب، (وهي المنظمة المظلة لمنظمات الإغاثة السويسرية، وتضم في صفوفها ستّ منظمات وجمعيات خيرية رائدة غير حكومية)، “تتمثل إحدى العقبات الرئيسية أمام الإدارة الفدرالية في التغَيُّر الدائم للأطراف المتحاورة مع سويسرا. وكما يضيف: “في ظروف كهذه، تصبح إقامة علاقات عمل جيدة أمراً صعباً جداً”.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، والوضع السياسي والمؤسساتي في مصر، التي يحكمها اليوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بقبضة من حديد، يتسم بالفوضى. فضلاً عن ذلك، أسقطت محكمة مصرية في نوفمبر 2014، تهمة التآمر على القتل الموجهة ضد مبارك، الذي كان قد إتُّهِمَ بالأمر بإطلاق النار على المُتظاهرين المُطالبين برحيله، ما يزيد من صعوبة إثبات إكتساب الأموال العائدة للدكتاتور السابق والمُقَرَّبين منه بِطُرُق غَيْر مشروعة.

وفي ذات السياق، قرَّر النائب العام الفدرالي في شهر يونيو الماضي إيقاف الدعاوى الجنائية ضد ثلاثة عشر شخصاً من المُقَرَّبين لمبارك، والمتعلقة بالمشاركة في تنظيم إجرامي بشكل جزئي. ولكن هذا القرار الذي قد يكون من شأنه الإفراج عن جزءٍ من الأموال المُجَمَّدة غير قابل للتنفيذ بَعد، بسبب استئناف القاهرة لهذا القرار أمام المحكمة الجنائية الفدرالية. ووفقاً للمكتب الفدرالي للعدل، تم تعليق إجراءات التعاون القضائي المُتبادَل بين البلدين في ضوء الوضع السياسي الصعب بمصر.

مع ذلك، تبقى التحقيقات بشأن عمليات تبييض الأموال والفساد مُستمرة. وبغية أن يُكتب لهذه الإجراءات النجاح، ينبغي أن يكون النائب العام قادراً على إثبات المصدر الإجرامي لهذه الأموال. ولكن أوليفيي لونغشام، خبير القضايا الضريبية والشؤون المالية الدولية في منظمة “إعلان برن” غير الحكومية (وهي منظمة مستقلة تعمل من أجل علاقات عادلة ومُنصفة بين سويسرا والدول النامية) يشك في إمكانية إتمام هذا الإجراء. وكما يقول: “لا أعتقد أن سويسرا تتوفر على الأدلة الكافية.”

على الجانب الآخر، تزيد الحرب الأهلية المُستعرة في سوريا وليبيا من تعقيد ملفات الأموال المُجَمدة الخاصة بهما. وبالنسبة لسوريا، كانت المحكمة الإدارية الفدرالية قد رفضت في شهر يونيو الماضي إستئنافاً تقدم به الملياردير السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا تُعرَف قيمة الثروة التي يحتفظ بها في سويسرا. أما التحقيقات المتصلة بليبيا، فتغطي وفقاً لمجلة ‘لا سيته’ الشهرية السويسرية الصادرة بالفرنسية 18 حساباً موزعاً على 3 مصارف سويسرية لها العديد من الفروع في دولٍ أخرى.
تأثير محدود للقانون الجديد

إذن، هل يكون الحل في القانون الفدرالي المتعلق بتجميد وإعادة الأصول غير المشروعة للشخصيات العامة المُعَرِّضة للمُسائلة، والمعروض للمناقشة أمام البرلمان الفدرالي؟ وهل سيكون هذا القانون الجديد قادراً على تسهيل هذه الإجراءات؟

ليس بالنسبة لسوريا وليبيا: ذلك أن أموال هذين البلدين قد جُمِّدَت على أساس العقوبات التي فرضتها الحكومة الفدرالية في ظل القيود المفروضة من مجلس الامن الدولي والاتحاد الأوروبي. “يستند تجميد الأصول السورية والليبية على قانون الحَظر فقط [أي على القانون الفدرالي المتعلق بتنفيذ العقوبات الدولية] “، كما تقول أنتيه بيرتشي، المتحدثة الإعلامية في كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية ‘SECO’، وهي الهيئة المسؤولة عن تنفيذ العقوبات الدولية في سويسرا.

مع ذلك، سوف يمكن تطبيق هذا القانون الجديد حال دخوله حيّز التنفيذ بالنسبة لملفات مصر وتونس، التي كانت أرصدتها قد جُمِّدَت بالإستناد على لوائح الحكومة الفدرالية المتعلقة بالتجميد لعام 2011، والتي تم تمديدها لغاية عام 2017. وتستند هذه اللوائح على المادة 184، الفقرة 3 من الدستور الفدرلي، والتي تخوِّل للحكومة “عندما تتطلب حماية مصلحة البلاد ذلك”، تنفيذ هذه اللوائح واتخاذ القرارات اللازمة”. ولكن ماهي التأثيرات المُتَرتبة عن هذا القانون؟

يتضمن التشريع الفدرالي لتجميد وإعادة الأصول غير المشروعة للشخصيات العامة المُعَرَّضة للمسائلة في نصٍ واحد، القانون والمُمارسات الراهنة المُتعلقة باسترداد الأصول المَنهوبة. كما يحتوي على العديد من الميزات الجديدة، مثل إمكانية الشروع بتقديم شكوى أمام المحاكم الإدارية السويسرية لمصادرة الأصول المُجَمَّدة بالفعل في حال فشل التعاون القضائي مع البلد الأصلي. وينص القانون أيضاً على عكس عبء الإثبات، حيث يَقَع على كاهل أصحاب الأموال (مثل الحكام السابقين والمقربين منهم) إثبات عدم حصولهم عليها بطرق غير مشروعة في الحالات المُتَعَلِّقة بقضايا فساد واضحة.

وفي حالة تونس، لا تبدو المصادرة الإدارية للأصول المجمدة ضرورية، سيما وأن التعاون القضائي المُتَبادَل يسير بشكل جيّد. عدا عن ذلك، تحاول النيابة العامة تمرير صفة المنظمة الإجرامية على أقارب ابن علي، مما يسمح بعكس عبء الإثبات. أما في الشأن المصري، فقد يعمل هذا القانون على كسر الجمود الراهن مع هذه الدولة، بحسب أوليفيي لونغشام من منظمة إعلان برن، الذي يضيف مُحذراً:”ان أمكانية تنفيذ هذه الأحكام غير مؤكدة، لأن ذلك يتطلب تحقيق سلسلة كاملة من الشروط”.

وكما يقول بيير آلان ألتشينغَر”لم يوضع هذا القانون خصيصاً للقضايا المتعلَّقة بالربيع العربي فقط”. ووفقاً للمتحدث الإعلامي في وزارة الخارجية السويسرية”لا يتعلق الأمر هنا بقانون مبارك، أو قانون زين العابدين بن علي. إذ تُطَبَّق تدابير التجميد المُعتَمَدة من قبل الحكومة الفدرالية منذ عام 2014 على دول أخرى أيضاً مثل أوكرانيا. ويبقى الأمر متروكاً للحكومة الفدرالية لتقرير كل حالة على حدة، وعما إذا كان يعتزم الإستفادة من الإمكانيات الجديدة التي يوفرها القانون – ولا سيما تلك المُتعلِّقة بالمصادرة الإدارية للأصول المُجَمِّدة”. كما لن يَحِل القانون الفدرالي الجديد مَحَل إجراءات التعاون القضائي المتبادل، التي ستبقى المَسار المُفَضَّل.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى