دور القيادة السياسية في عملية التحول الديمقراطي في نيجريا خلال حكم أولوسيجون
– المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
نيجيريا دولة ذات أهمية خاصة في أفريقيا , ذلك أنها الدولة الأكبر من حيث عدد السكان وكذلك فان مساحتها كبيرة تصل إلي (923773كيلومتر مربع ) وتمتلك ثروات زراعية ومعدنية وأحفورية كبيرا . الا انها في الوقت نفسه تعرضت ولاتزال لحالة من عدم الاستقرار السياسي , منذ استقلالها عام 1960 عن الاستعمار البريطاني وحتي وقتنا الحالي,حيث تعاقبت علي نيجيريا منذ استقلالها عام 1960 عدة حكومات مدنية (1960-1966 و 1979 -1983و منذ 1999 ) وحكومات عسكرية (1966-1979 و 1983-1999 ) , وفي عام 1999 تمكنت البلاد من العودة بنجاح الي الحكم المدنى والتعددية الحزبية في ظل حكم الجنرال “أبو بكر عبد السلام” الذي تولي السلطة عام 1998 بعد الوفاه المفاجئة لسلفه الجنرال “سانى أباتشا ” وخلال النصف الأول من عام 1999 , أجريت الأنتخابات العامة التشريعية والتنفيذيه تمهيدا لتسليم السلطة للمدنيين وبالفعل في مايو عام 1999 , سلمت السلطة الي المؤسسات المنتخبة وعلي رأسها الرئيس “أولوسيجون أوباسانجو” , وهو ينتمى لقبائل اليوروبا الجنوبية .
ويمتاز اوباسانجو بأنه شخصية مزدوجة ، بمعنى أنه عسكرى ومدنى فى أن واحد. لذا فهو يحظى بتأييد الجانبين فالعسكريون يعتبرون أنه واحد منهم خاصة وأنه كان نائبا لمرتضى الله محمد الذى اغتيل عام 1976 وتولى أوباسانجو الحكم لمدة ثلاث سنوات وفى المقابل فإن الشعب يرى فيه الوجه المدنى وصاحب التجربة النزيهة فى الحكم. فهو الوحيد الذى استجاب لإرادة الشعب وقام بالتنازل عن السلطة عام 1979 بعد إجراء الانتخابات التى أسفرت عن فوز “شهبو شيجارى”. ومنذ ذلك الحين خلع أوباسانجو رداءه وصار رجلا مدنيا. وقام بتشكيل منتدى نيجيريا للبحث فى شئون البلاد (منظمة أهلية) وكان من أشد المعارضين للحكم العسكرى. ولعل هذا كان أحد أسباب فوزه فى انتخابات عام 1999.
وفي ابريل عام 2003 شهدت أول انتخابات رئاسية فى عهد الديمقراطية الثالثة التى شهدتها البلاد منذ الانتخابات التى تم إجراؤها فى أبريل 1999 وأسفرت عن فوز الرئيس أوليسجون أوباسانجومرة ثانيه برئاسة البلاد لمدة أربع سنوات.وقد اكتسبت الانتخابات الأخيرة أهمية خاصة نظرا لأنها كانت بمثابة مرحلة فارقة ما بين التحول إلى الحكم المدنى والديمقراطى، او الإنتكاسة والعودة مرة أخرى إلى حكم العسكر الذى ظل يهيمن على البلاد طيلة أكثر من ثلاثين عاما .
المشكلة البحثية :
تلعب القيادة السياسية دورا مهما في الدفع بعملية التحول الديمقراطي , وبالتالي فشل أو نجاح التحول بشكل عام , حيث أن عملية التحول الديمقراطي تتطلب وجود قيادة سياسية ماهرة و مؤمنة بالتغيير , بل وقادرة علي مواجهة القوي الرافضة للتغيير , وهذا ما نجحت فيه القيادة النيجيريه الي حد ما برئاسة ” أولوسيجون أوباسانجو ” , خلال فترة توليه الرئاسة حيث أنه استمر لمدة دورتين رئاسيتين من عام 1999حتى عام 2007 حسب الدستور , وقد اتخذ اوباسانجو عدداً من الخطوات للانتقال بنيجيريا الي ثبات الديمقراطية وتحرير الاقتصاد , حيث في عهده زاد انتاج البترول الي الثلاثة أضعاف , وقام باصلاحات عده في مجال الخدمه المدنيه وفي تطوير الصناعات المختلفة , وبانتخاب اوباسانجو عام 1999 عادت نيجيريا للحكم الديمقراطى المستقر منذ استقلالها في عام 1960 بعد ثلاثين عاما من الحكم العسكري وعشرة أعوام من الحكم المدنى المتقطع . ومن هنا يكون السؤال البحثي الرئيسي :
كيف أثرت القيادة السياسية علي عمليه التحول الديمقراطي في نيجيريا في فترة حكم الرئيس “أولوسيجون أوباسانجو “في الفترة من 1999 وحتى 2007 ؟
ويتفرع عنه بعض الأسئله الفرعيه البحثية كالآتى :
– ماهو مفهوم القيادة السياسية ؟
– ما هي خصائص القيادة السياسية واساليب وصولها للحكم ؟
– ما هي الاستراتيجيات التي اتبعها اوباسانجو لتدعيم عمليه التحول الديمقراطى ؟
– ما مدى نجاحه في تنفيذ هذه الاستراتيجيات ؟
– ما هي الأسباب التى ساعدت علي فوز أوباسانجو بفترة رئاسية ثانية ؟
تقسيم الدراسة :
اولا : مفهوم القيادة السياسية وخصائصها وأساليب وصولها للسلطة .
ثانيا : استراتيجيات القيادة السياسية في نيجيريا لتدعيم عمليه التحول الديمقراطى .
ثالثا : مدي نجاح اوباسانجو في تنفيذ استراتيجيات التحول الديمقراطي .
رابعا : العوامل التى ساعدت اوباسانجو للاستمرار في الحكم فترة ثانية .
أولا مفهوم القيادة السياسية وخصائصه :
تعددت تعريفات القيادة السياسية إلا أن أيا منها لم يصل لدرجة التعريف الجامع ويرجع ذلك الي تعقد مفهوم القبادة السياسية بما يتضمنه من أبعاد اجتماعية ونفسية وثقافية , الأمر الذى أدي إلي عدم بلورة تعريف نظري دقيق وواضح المعالم لهذا المفهوم .
لذلك يمكن اعتبار التعريف الذي قدمه جلال معوض هو أكثر التعريفات تعبيراً عن القيادة ,فهو يعرفها علي أنها قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسي بمعاونة النخبة السياسية في تحديد أهداف المجتمع السياسي وترتيبها تصاعديا حسب أولوياتها، واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بما يتفق مع القدرات الحقيقة للمجتمع، وتقدير أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التي تفرزها هذه المواقف، ويتم ذلك كله في إطار تفاعل تحكمه القيم والمبادئ العليا للمجتمع.
وبهذاالمعني يتضح أن القيادة السياسية ليست ظاهرة فردية تتعلق بشخص واحد , وإنما هي ظاهرة جماعية أساسها التفاعل بين أربعة عناصر هي :
القائد : وهو العنصر الأول والأكثر أهميه وتأثيرا في العمليه القيادية , ومع أن القائد يجب أن يمتلك جملة من الخصائص والقدرات الذاتيه , فقد درجت النظم المختلفة علي منح حكامها هذه الصفة القيادية حتي فقدت الكلمة مضمونها المتميز .
النخبة السياسية : هي جماعة محدودة العدد وأعضاؤها من الأعوان والاتباع الذين يملكون القدرة علي الفعل السياسي سواء بالمشاركة في صنع القرارات او بالتأثير علي القرارت التي يصدرها القائد.
الموقف : ويشير الي الازماتأو المشاكل التي تعترض طريق الجماعة السياسية وتسمح للقائد بإظهار قدراته مستفيدا من مساندة النخبةالمحيطة به .
القيم : الاطار الثقافي والحضاري والتراثي والأخلاقي للمجتمع وتلعب القيم دوراً أساسيا عند تقييم المواقف وتحديد وترتيب الأهداف واختيار الوسائل واتخاذ القرارات كما أنها تؤثر في درجة ثقة القيادة في الذات القومية واستعدادها لتحمل اعباء الموقف .
خصائص القيادة السياسية وأساليب وصولها للسلطة:
تختلف القيادة السياسية اختلافاً واضحا من حالة إلي أخري, والسبب في ذلك تأثرها بمجموعة من العناصر التى تميز بين نموذج قيادى ونموذج آخر وأبرز هذه العناصر عنصر النشأه , فالقيادة السياسية تعبر في نشأتها عن تفاعل عدة عوامل شخصية واجتماعية وتاريخية وثقافية تؤثر بشكل حاسم في سلوك القائد وتجعله يتميز عن غيره من القادة .
فالعوامل الشخصية تتمثل في السمات النفسية والسلوكية للقائد , أما عن السمات النفسية فهى مجموعة العقائد والإدراكات والتصورات الخاصة بالقائد . فالسلوك الإنسانى بشكل عام هو نتاج الطريقة التى يدرك بها الانسان هذا الواقع , فالإنسانيواجه بيئة شديدة التعقيد تضطره الي خلق أدوات ذاتيه تساعده علي تفسير تلك البيئة أي خلق بيئة ذاتيه تمكنه من فهم البيئة الواقعية والتصرف إزاءها, هذه الأدوات هي مجموعة العقائد والإدراكات والقيم التى تمكنه من التعامل مع تلك البيئة أو ما يسمى بالبيئة النفسية .
أما السمات السلوكية فهى تتمثل في الخصائص الشخصية للقائد السياسي أي مجموعة الخصائص المرتبطة بالتكوين المعرفي والعاطفي والسلوكى للإنسان من قبيل السيطرة أو الخضوع , والقدرة الابتكاريه أو عدمها , وسعة الأفق أو ضيقه , وتتأثر كل هذه السمات بعمليه التنشئه الاجتماعية خاصة علي المستوى الأسري كما تتأثر أيضا بالخلفية التعليمية والمهنيه للقائد . بالنسبة للعوامل الاجتماعية , فهى تتعلق بطبيعة السياق الاجتماعي الذي نشأ فيه القائد والأزمات التى عانى منها المجتمع , وتعبر العوامل التاريخية والثقافية عن الخبرات التاريخية التى مر بها المجتمع .
وتتنوع أساليب وصول القيادة إلي السلطة من نظام سياسي إلي آخر، وتؤثر هذه الأساليب تأثيرا كبيرا في نمط القيادة السياسية وخصائصها وسياساتها وأساليبها في ممارسة السلطة وفي التعامل مع القضاياالداخلية والخارجية علي النحو التالي :
1 – نمط القيادة الديمقراطية بمعنى أن يصل القائد الي الحكم بالانتخاب الحر النزيه بما يدعم حق المشاركة السياسية من جانب المحكومين .
2- وصول القيادة إلي السلطة اعتمادا على دعم أجنبي , وهذا الأمر يجعل القيادة في علاقة تبعية دائمة للقوة الأجنبية التى دفعت بها الي السلطة .
3- وصول القيادة للسلطة اعتمادا علي دعم قبلي أو عشائري , ويرتبط بذلك مبدأ توريث السلطة الذي يجعل القيادة قبلية في أساليب ممارستها للسلطة .
4- وصول القيادة عن طريق انقلاب عسكرى , وهذا الأسلوب عادة ما يجعل من القيادة اوتوقراطية تمارس السلطة بإستخدام القمع , وتلجأ بعض هذه القيادات الي عسكرة نظمها العسكريه .
5- وصول القيادة للسلطة من خلال الانتخابات والاستفتاءات خاصة في الدول النامية الجمهورية , ويلاحظ أنه في غالبية هذه النظم يتم الوصول ظاهريا بالانتخاب الي الحكم في ظل غياب الديمقراطية وقمع المعارضة .
ثانيااستراتيجيات القيادة السياسية في نيجيريا لتدعيم عمليه التحول الديمقراطي :
بوصول أوليسجون اوباسانجو إلى سدة الحكم عبر انتخابات تعددية و تداول سلمي للسلطة، وضعت البلاد على المسار الصحيح للتحول الديمقراطى أملا في أن تتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية ، مما يدفع نحو تحقيق التنمية الشاملة والاستقرار الحقيقي.وقد وضع دستوراً للبلاد نص على تقاسم السلطات واعتماد النظام الرئاسي.
التنظيم الدستوري:
في عام ١٩٩٩ دخل الدستور الحالي لنيجيريا حيز التنفيذ . والذي قسم السلطات إلى ثلاث، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية . وهناك أيضا حكومات محلية للأقاليم الفيدرالية تؤطرها نصوص دستورية . وان احدي السمات الرئيسية للنظام السياسي النيجري تكمن في الحقيقة بأن السلطات التنفيذية والحكومة في أيدي الرئيس , الذي هو أيضا رئيس الدولة , رئيس السلطة التنفيذيه للإتحاد والقائد العام للقوات المسلحة وينتخب الرئيس من قبل لمدة أربع سنوات علي ألا يتولي منصبه أكثر من مدتين رئاسيتين . ويعمل نائب الرئيس ومجلس الوزراء علي علي مساعدة الرئيس في تصريف شئون الحكم , وينتخب الشعب نائب الرئيس بينما يعين الرئيس أعضاء مجلس الوزراء .
فيما تتكون الهيئة التشريعية (البرلمان)من مجلسين :مجلس النواب وبه 360 عضواً ينتخبون من كل من الدوائر الانتخابية المخصصة للبلاد لمدة من أربع سنوات , ومجلس الشيوخ وبه 109 عضو وهم منتخبون لأربع سنوات كل ولاية تمثل بثلاثة أعضاء ,إن مجلسي الشيوخ والنواب يترأسهم رئيس للبرلمان ونائب له , ينتخبان من قبل أعضاء البرلمان ..ويحق لمن بلغ الثامنة عشرة من المواطنين النيجيرين الاقتراع في الانتخابات , أما السلطة القضائية فتتألف من المحكمة الاتحادية العليا في نيجيريا أعلي محكمة , وتتكون من رئيس للقضاء وعشرة قضاة , تعينهم جميعا الحكومة الاتحادية . وتشمل أيضا محاكم اتحادية للاستئناف , ومحاكم عدلية عليا للولايات , ومحاكم قضاه , ومحاكم فرعية , ومحاكم شرعية تعمل وفقا للشريعة الاسلامية في الجزء الشمالي من البلاد اذ يعيش عدد كبير من المسلمين هناك .
تحييد المؤسسة العسكرية :
كان أول ما اهتم به الرئيس أوباسانجو بعد وصوله للسلطة تحجيم امكانيات المؤسسة العسكرية عن التدخل في الحياة السياسية فقام باتخاذ سلسلة من الاجراءات منها :
1-الاعلان أن الحكومة المركزيه ستقوم بإعادة النظر في وضع القوات المرابطة في الخارج لاسيما أنها باتت مكلفة وبصورة تفوق قدرات وامكانيات الدولة , خاصة أن البعثات العسكرية الي الخارج أصبحت مصدر كسب للعسكر .
2-خفض المخصصات المحددة للمؤسسة العسكرية بنسبة 40% وبعد أن كانت الأولي أصبحت في المرتبة السادسة عام 2002 .
3-إحالة 150 من كبار القادة العسكريين الي التقاعد الاجباري والمبكر للحد من قدرة العسكر عن ممارسة الانقلابات . لقد نجح أوباسانجو في الحد من قدرة المؤسسة العسكرية علي التغيير السياسي بالقوة العسكرية الا أن امكانياته في حل المشكلات الآخري كانت محدودة .
اعادة احياء نظام البنية الأساسية:
ان واحدة من أكبر مواريث الحكم العسكري , وأحد الاختبارات القاسية المباشرة للساسة المدنيين هي حاله مرافق البنيه التحتيه التى تم الانفاق عليها بسخاء من جانب قادة الحقبه العسكريه الأولي (1966-1979) بفعل التوسع في صادرات البترول , الا أن تلك البنيه التحتيه تعرضت لتدهور سريع وعميق خلال الحقبه العسكريه الثانيه من (1983-1999) مما ادى ذلك الي التحول التنموى السلبي في الاقتصاد الوطنى ومستوى معيشة المواطنين, أما فترة حكم أوباسانجو فان الميزانيه التكميليه التى قدمها للجمعيه الوطنيه فقد تضمنت جزءا أساسيا ملائما للبنيه
الأساسية الوطنية في قطاعات الكهرباء –الاتصالات-السكك الحديديه-الطرق البرية , بالاضافه الي زيادة زيادة كهربه الريف والطرق الفرعيه , وان ذلك يتطلب طول فترة الاستمرار من اجل احداث والحفاظ علي التغير االازم لاحداثه .
التصدى للفساد:
تشير المؤشرات الأولية انه منذ تنصيب الادارة المدنيه بقيادة أوباسانجو أنه علي مستوى الخطاب السياسي والتنفيذي , هناك وعي أنه من أجل تعافي الاقتصاد, واستمرار حياد الجمهوريه الرابعة لابد وان يتم التصدى للفساد فعلي المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات تم تشكيل لجان لمراجعة العقود المشبوهة , واستعادة الأرصدة العامة التى اختلستها الادارات العسكريه السابقة وتعد هذه أول سابقة في تاريخ نيجيريا السياسي , وقدمت السلطة التنفيذيه بالحكومة الفيدراليه أيضا اعلانا صارما لمحاربه الفساد الي الجمعيه الوطنيه , وهو في حقيقته جزء صغير ومبدئي من مسودة القانون الذي أرسلته ادارة أوباسانجو الي الجمعية لدراسته .
هيكل الدين الخارجى :
ان الجانب الآخر من توليد العوائد المحليه من أجل الحفاظ علي النظام السياسي وتحسين صورته هو التخلص من أعباء الدين الخارجى , ففي عام 1977 ومنذ أقدمت الحكومة علي الحصول علي قرض بقيمة مليون دولار من خلال السوق الرأسمالي الخاص العالمى ليساعدها علي التغلب علي العجز التجاري الناجم عن انخفاض أسعار البترول تزايدت أعباء الدين بشكل فلكى ,وفي نهايه عام 1998 توقف حجم الدين الخارجى عند نحو 30 ملياردولار منهم 17 مليار متأخرة . لذلك دستور 1999 اصدر قرار بتقييد حق الحكومة في الاقتراض من أسواق المال الدولية .
أساليب الحكم :
واحدة من ملامح فترة الحكم العسكر الممتدة في نيجيريا هي زيادة تمركز السلطة في الحكومة الفيدراليه ثم تدريجيا تشخيص السلطة في الحاكم العسكري, هذان العاملان يمثلان انحرافا حادا عن الممارسات الجادة للحكم الديمقراطى التى تتمثل في مناقشه السياسة الداخليه داخل النظام الحكومى والامن السياسي من جانب المهتمين والعامة .
لذلك اتخذت ادارة أوباسانجو خطوات هامة في هذا الاتجاه مثل الاجتماعات الاسبوعية ,المجلس الوزاري واقرار مجموعة من القواعد الارشاديه لمساعدة الوزراء والمستشاربن , وتم ارجاع منصب رئيس الخدمة المدنيه , وكجزء من هذه العمليه تم اعلان النظام الوطنى الجديد للحدود الدنيا للاجور في مايو2000 .
وواجهت حكومة أوباسانجو عدد من التفاعلات السياسية علي الساحة الداخلية , خاصة ظاهرة التيارات السياسية ذات التوجه الاسلامى , والتى بلغت ذروتها عند اعلان بعض الولايات النيجيريه تطبيق الشريعة الاسلامية فيها . وايضا المطالبه بمراجعة الدستور الذي تم صياغته عام 1999 , وقد سيطرت اجواء من المخاوف والقلق من طرح فكرة المراجعة خوفا من حدوث اضطرابات تؤثر علي المسار الديمقراطي وبالفعل تمت مراجعة الدستور في عام 2002 , وانصبت اهتماماتها علي الجوانب الخاصة برئاسة الدوله وما يتعلق بها من شروط وضوابط من خلال ثلاثة مبادئ أساسية :
-مبدأ المدة النظامية للرئاسة الدولة.
-مبدأ تداول منصب الرئاسة.
-مبدأ ترشيح نائبين للرئيس .
-بالاضافة الي افساح المجال للكيانات القبلية الصغيرة للظهور علي الساحة السياسية بعد غياب أو تغييب طويل استمر لمدة عقود .
-اشتراط ترشيح نائبين للرئيس, وكونهما من الاقليم الجغرافي نفسه , مؤشر قوي وجديد يتضمن اعتراف المشرعيين النيجيريين , ولو ضمنيا بتأثير الطابع القبلي علي كثير من الأحداث السياسية , ولطمأنه أبناء القبائل والأقاليم التي لاينتمي اليها الرئيس ,بالاحتفاظ بدورهم في تولي أبنائها للسلطة في حالة احتقان الساحة السياسية أو تأزم الأوضاع والعلاقات مع الرئيس .
ثالثا :مدي نجاح اوباسانجو في تنفيذ استراتيجيات التحول الديمقراطي :
بعد وصول أوباسانجو الي الحكم تصاعدت الآمال بأمكانية خروج البلاد من أزماتها المتعددة إلا أن واقع الأمر لم يكن كذلك ,كان هناك نجاح واضح علي سبيل المثال في إبعاد تأثير العسكر والحد من أمكانية نجاحهم في تنفيذ انقلاب عسكري ,لكن الآمال سرعان ما خابت بعد أن ازدادت الأوضاع تأزما وتسارعت وتيرة الاضطرابات إذ لم يمض الا مدة قصيره علي تولي أوباسانجو للسلطة حتى دخلت البلاد تحت وطأة اشتباكات طائفية وقبليه وسياسية , وذلك لأن النموذج النيجيري الذي يطلق عليه دولة المتناقضات والاختلافات فهو مجتمع يتسم بالتنوع في البيئة والتنظيم الاجتماعي والطائفي والاثني المعقد والبيئة الثقافية المتعددة , مما جعل من الصعب علي الحكومات المتعاقبة خلق ثقافة مجتمعية موحدة أو تحقيق التقارب بين الفئات أو علي الأقل ايجاد طريقة للتفاهم بين الفرقاء في المجتمع كطريق للتواصل مما أدخل البلاد في سلسلة من المواجهات والصراعات التي أثرت في الاستقرار السياسيو والاجتماعي .
ومن أهم انجازات الرئيس أوباسانجو خلال فترتي توليه الرئاسة :
-عقب توليه الحكم قام الرئيس بتجميد كل الاتفاقات التجارية التي وقعها الحاكم العسكري السابق الجنرال “عبد السلام أبو بكر”، وقام بتشكيل لجنة لمراجعة هذه العقود، والتثبت من مدى صلاحيتها وتحقيقها لمصالح البلاد.
– كما قام بإلغاء 16 عقدا لاستغلال البترول كانت ممنوحة للعسكر وأقاربهم، كما قام بإلغاء 43 عقدا لتصدير البترول الخام للأسباب ذاتها.
– قام الرئيس بإقالة قيادات البنك المركزي والشرطة، وطال الأمر أكثر من مائة موظف من كبار القيادات في الجمارك، وطرد أكثر من مائة من كبار ضباط الجيش الذين كانوا يحتلون مناصب سياسية هامة.
وفيما يتعلق بقطاع البترول ,المورد الرئيسي للدخل في البلاد فقد زاد إنتاج نيجيريا منه بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة , فقد بلغ الإنتاج اليومي 2.6 مليون برميل، يتوقع أن يصل إلى 3,3 ملايين ، كما ارتفع احتياطي البلاد من النفط من 26 مليار برميل عام 1999 (تاريخ تولي الرئيس الحكم) ليصبح 32 مليار برميل الآن، ويتوقع أن يصل إلى 35 مليار برميل .
وبالرغم من ذلك يلاحظ أن عوائد البترول لا تكفي، وهذا معناه تردي الأوضاع المعيشية بصورة كبيرة، وضرورة الاعتماد على قطاعات أخرى غير البترول كقطاع الزراعة مثلا الذي يستوعب 60% من الأيدي العاملة في البلاد، فضلا عن القطاع الصناعي الذي تراجعت فيه نسبة الاستثمارات بمقدار 50% بسبب حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد في العقد الأخير من القرن الماضي. كما يعني أيضا استمرار حالة الفساد المتردية في البلاد.
الاخفاقات والصعوبات :
وإذا كانت هذه هي أهم الإنجازات، فهناك في المقابل مجموعة من الإخفاقات بعضها يرجع إلى أداء الرئيس، وبعضها الآخر يرجع إلى صعوبات تحتاج لمزيد من الوقت للتغلب عليها. ويلاحظ أن أوباسانجو كان واقعيا عندما اعترف من قبل بفشله في تحقيق الأهداف المنشودة التي وعد بها، ومن أبرزها الخروج بالبلاد من دوامة الفقر التي تعيش فيها منذ أربعة عقود.
وفيما يتعلق بقضايا الفساد يلاحظ أن الرئيس في موقف لا يحسد عليه، خاصة أن معظم المتورطين في هذه القضايا من كبار قيادات المؤسسة العسكرية، فضلا عن انتمائهم للهاوسا، ومعنى ذلك أن الدخول بعمق في هذا الملف معناه إثارة عداء المؤسسة العسكرية من ناحية، والهاوسا من ناحية ثانية. وهناك بعض المؤشرات التي ظهرت في الآونة الأخيرة على توتر العلاقة بين الجانبين (الرئيس والهاوسا)، لعل من أبرزها قضية تطبيق الشريعة في الولايات الشمالية، واعتراض الرئيس على ذلك على اعتبار أنها مخالفة للدستور، وترتب عليها -في المقابل زيادة عدد الولايات التي أعلنت تطبيقها من 6 ولايات إلى 12 ولاية، في تحد سافر للرئيس.
كما أن هناك مؤشرا ثانيا تمثل في عدم مثول القادة السابقين -الشماليين- كحمد بخاري (1983-1984)، وإبراهيم بابانجيدا (1985-1993) أمام لجنة لحقوق الإنسان تتعلق باتهاماتهم في قضايا تتعلق بالتصفية الجسدية خلال الحرب الأهلية التي وقعت في فترة حكمهم، وتردد أن سبب عدم المثول يرجع إلى أن الدعوى القضائية تقدمت بها جماعة اليوروبا.
ومن هنا يمكن فهم أسباب عدم قدرة النظام على التعامل بحسم مع قضية الفساد، وقضايا حقوق الإنسان, لأن الخوض فيهما قد يجر البلاد إلى عواقب وخيمة.
العوامل التى ساعدت اوباسانجو للاستمرار في الحكم فترة ثانية :
وعلي الرغم من الصراع بين البرلمان والرئيس اوباسانجو ومطالبة البرلمان له بالاستقالة من منصبه أو القبول بالتوبيخ الذي قد يعرقل محاولاته في الحكم لمرة ثانية ونظرا لاستهانة أوباسانجو بهذا التهديد قام البرلمان باعداد صحيفة اتهام تضمنت 17 تهمة جاء في مقدمتها فشله فى تطبيق قانون التوفيق لعام 1999- 2000 و 2000- 2001، وانفاق أموال لم يصدق عليها المجلس، ثم قام البرلمان بعد ذلك برفع قائمة الاتهام لتصبح 32 تهمة. وبدوره قام مجلس الشيوخ بتقديم 5 اتهامات لتصبح عدد الاتهامات الموجهة له 37 اتهاما. ورغم كل ذلك نجح أوباسانجو في الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية يمكن إرجاع ذلك لعدة أمور:
– النجاحات التى حققها أوباسانجو خلال فترة ولايته الأولى كانت عاملا مؤثرا فى فوزه، فضلا عن تاريخه السياسى المشرف خلال توليه الحكم عام 1976 وتنازله عنه عام 1979، فى حين ظلت فترة حكم “بخارى” المرشح المعارض لأوباسانجو نقطة سوداء فى ملفه السياسى بل إن البعض طالب بمثوله أمام محكمة الجرائم ضد الإنسانية لما ارتكبه بحق المدنيين.
– التحالفات السياسية لأوباسانجو، خاصة فيما يتعلق بأصوات الشمال حيث تشتتت وتوزعت أصوات الشماليين بين أوباسانجو وبخارى، ونفس الأمر تقريبا بالنسبة لأصوات الإيبو فى الجنوب الشرقى، في حين حصل أوباسانجو على نصيب الأسد من أصوات اليوروبا فى الجنوب الغربى، مما رجح كفته فى الانتخابات.
– التخوف السائد لدى المواطن النيجيرى من إمكانية عودة العسكر من جديد لحكم البلاد. فبالرغم من إنتماء أوباسانجو وبخارى لفئة العسكر، إلا أن أوباسانجو كما سبق القول قام بخلع ردائه العسكرى وتحول إلى الحياة المدنية، فى حين لا زال بخارى محسوبا على العسكر.
وفي الانتخابات الرئاسية عام 2008 ,وصل” يارادوا “الي السلطة عبر ترشيح الحزب الحاكم له , وجسدت هذه التجربة أول انتقال للسلطة من رئيس مدني إلي آخر , فقد فاز رئيس مسلم من الشمال في حين كان نائبه مسيحي وهو جوناثان جودلاك ,الا أن الوضع لم يتغير بصورة حقيقية علي أرض الواقع في نيجيريا اذا لازالت الازمات مستمرة
خاتمة :
ان الصرعات الأثنية والانقسامات الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الأمراض والمجاعات إلى جانب دور المؤسسة العسكرية ورفضها الانسحاب من المسرح السياسى نظرا لسيطرة الجيش لسنوات طويلة على السلطةكل هذه التحديات من شأنها أن تمثل عائقا أمام استكمال عمليه التحول الديمقراطي
وعلي الرغم من قيام الرئيس أوليسجون أوباسانجو بوضع نييجريا في مسار التحول الديمقراطى ,والتحول من نظام الحكم العسكري الي نظام الحكم المدنى الا انها لا تزال تعانى من اضطرابات وذلك بسبب العديد من المشاكل التى تمر بها , وعلي الرغم من الاستراتيجيات التي وضعها اوباسانجو الا انا مسار التحول الديمقراطي متعثر ,الا أنه مازال هناك امكانية لتحرير الدول الافريقية ومنها نيجيريا من حالة التخلف الذي تعاني منه وينعكس هذا التفاؤل علي نيجيريا في تعميق الاتجاه نحو الديمقراطية .
المراجع :
الكتب :
-انمار لطيف نصيف جاسم , “القائد وادارة الصراع “, بيروت :المكتبة الثقافية ,2002.
– خليل احمد خليل , “العرب والقيادة :بحث اجتماعي في معنى السلطة ودور القائد “, بيروت : دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع , 1980.
– محمد السيد سليم، “تحليل الدراسة الخارجية” , بروفيشنال للإعلام والنشر، القاهرة , 1983.
الدوريات:
– الشيماء علي عبد العزيز ,” التحولات الديمقراطية في نيجيريا” ,السياسة الدولية ,العدد 135 , 1999 .
-أزهار محمد عيلان ,التجربه الانتخابية في نيجيريا , “في الممارسة الانتخابية المعاصرة في افريقيا (2007-2009) “,سلسلة دراسات استراتيجة ,العدد 98 , عام 2009 .
– اديبايو.و.اوليوكوشي, “الاقتصاد والسياسة في عملية التحول النيجيريه” , النهضة الافريقية ,العدد الاول والتاني , يناير2002 .
– بدر حسن الشافعي, “الانتخابات النيجيرية : خطوة نحو الديمقراطية ” , الأهرام الرقمى , 1يوليو 2003.
-بسمة حافظ ,”أفريقيا في الألفيه الجديدة ” ,السياسة الدوليه , 2001 .
– خيري عبد الرازق جاسم ، التحولات الديمقراطيه في أفريقيا، سلسلة دراسات استراتيجية ، العدد ٦٤ ، مركز الدراسات الدولية, جامعة بغداد ,2005
الرسائل العلمية :
– جلال معوض , “علاقة القيادة بالظاهرة الانمائية : دراسة في المنظمة العربية” , رسالة دكتوراه غير منشورة , كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , جامعة القاهرة , 1985 .
– عمار حميد حسين , “مشكلات الوحدة الوطنية في نيجيريا “, رسالة ماجستير غير منشورة ,كلية العلوم السياسية , جامعة بغداد ,2002 .
المصادر الالكترونيه :
– التنظيم الدستوري في نيجيريا عام 1999 , Accessed on {30-11-2014},علي الرابط التالي : http://www.constitutionnet.org/ar/vl/item/constitution-federal-republic-nigeria-promulgation-decree
– الخضر عبد الباقي محمد , “العوامل الداخلية لأزمة نيجيريا ” ,مايو2003 ,Accessed on {25-11-2014},علي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D9E11470-C082-4E68-ADC0-C38787EE4317.htm.
– الخضر عبد الباقي محمد , “نيجيريا.. انتصار القبلية وإعادة رسم الخريطة” , نوفمبر 2002 Accessed on {2-2-2014}, , علي الرابط التالي : http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/africa-latin-america/85108-2002-11-21%2000-00-00.html
– بدر حسن شافعي ,”نيجيريا … هل يستقيل الرئيس ؟” Accessed on {1-12-2014} ,علي الرابط التالي : http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/africa-latin-america/85115-2002-08-09%2000-00-00.html